تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف الذَّال
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " البقرة ": (قَالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي)
قرئ بضمّ الذّال وفتحها وكسرها:
فأما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة، ووجهها أنها تحتمل أن تكون
مشتقّة
من ذَرَيْت، أو من ذَرَوْت لغة في ذريت، أو من ذرأَ الله
الخلق، أو من
الذَّرّ. إذا تقرّر هذا فيحتمل ذُرّيّة بضمّ الذال أوجها:
الأوّل: أن تكون " فُعُّولة " من ذرأ الله الخلق، الأصل
ذُرُّوءة، فقُلبت
الهمزة ياء، صار ذُرُّوية، اجتمعمتا الواو والياء وسبقت
إحداهما بالسكون
فقلبت الواو ياء، ثم أدغمت الياء في الياء، وكسرت الراء لأجل
الياء.
الثاني: أن تكون " فُغَيلة " من: ذرأ الله الخلق، الأصل
ذُرِّيئة، قلبت
(1/78)
الهمزة ياء تخفيفاً، ثم أدغموا الياء في
الياء.
الثالث: أن تكون " فُعّولة " من ذَرَوْت، الأصل ذُزُووة، أبدلت
الواو
الأخيرة ياء، فصارت ذُرُّوية، اجتمعت الياء والواو وسبقت
إحداهما
بالسكون، فصنع به ما تقدّم من قلب الواو ياء وإدغام الياء في
الياء، فصار
ذُزُيّة، ثم كسرت الراء لأجل الياء بعدها.
الرابع: أن تكون " فُعِّيلة " من ذَرَوْت، الأصل ذُرِّيوة،
اجتمعت الواو
والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء
في
الياء، فقيل ذُرِّيّة.
الخامس: أن تكون " فُعُّولة " من ذريت، الأصل ذُرُّوية، ثم
أبدلت الواو
ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الراء لأجل الياء.
السادس: أن تكون " فُعِّيلة " من ذريت، الأصل ذُرِّيية، وأدغمت
الياء
في الياء.
السابع: أن تكون " فُعْلِيّة " من الذّرّ، وهو مفرد
كقُمْرِيّة، فالياء زائدة
لا للنسب.
الثامن: أن تكون " فُعْلِيّة " على وجه النسب إلى الذَّرّ،
فالياء للنسب.
وضمّ الذّال من تغيّر النسب، كما قالوا في النسب إلى الدَّهْر:
دُهري.
التاسع: أن تكون " فُعِّيلة " كمُرِّيقة، الأصل ذُرِّيرة،
فقلبت الراء
الأخيرة ياء، كما قالوا في تَسَرَّرْتُ: تَسَرَّيْتُ، وأدغمت
الياء في الياء.
(1/79)
العاشر: أن تكون " فُعّولا " كسُبوح
وقُدوس، الأصل ذُرُّورة، أبدلت
الراء الأخيرة ياء، ثم فعل به ما تقدَّم من الإبدال والإدغام
وكسر الراء.
الحادي عشر: أن تكون " فُعلولاً " كقُردودة، الأصل ذُرُّورة،
أبدلت
الراء الأخيرة ياء، ثم فعل به ما تقدّم من الإبدال والإدغام
وكسر الراء.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها أبو جعفر، ووجهها أنّها تحتمل
أوجها:
الأول: أن تكون " فَعِّيلة " من ذرأ، مثل سَكّينة بتشديد الكاف
لغة في
السَّكِينة بتخفيفها، الأصل ذَرِّيئة بالهمز، فخففت الهمزة
بإبدالها ياء، ثم
أدغمت الياء في الياء فصار ذَرِّيّة.
الثاني: أن تكون " فَعُّولة " من ذرأ، كخَرُّوبة، الأصل
ذَزُوءة، أبدلت
الهمزة ياء بدلا مسموعاً، وقلبت الواو ياء، وأدغمت إحداهما في
الأخرى، ثم كسرت الراء لأجل الياء.
الثالث: أن تكون " فَعِّيلة " من ذروت، الأصل ذَرِّيوه، اجتمعت
الواو
والياء سبقت إحداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء، وأُدغمت الياء
في الياء.
فصار ذَريَّة.
الرابع: أن تكون " فَعُّولة " من ذروت، الأصل ذرُّورة، أبدلت
الراء
الأخيرة ياء، واجتمعتا الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون،
فقُلِبَت
الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الراء لأجل الياء.
(1/80)
الخامس: أن تكون " فَعِّيلة " من ذريت،
الأصل ذَرِّيية، أُدغمت الياء في الياء.
السادس: أن تكون " فَعُّولة " من ذريت، الأصل ذَرُّوية، اجتمعت
الواو
والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء
في
الياء، وكسرت الراء لأجل الياء.
السابع: أن تكون " فَعْلِيّة " من الذّرّ، كبَرْنيّة، والياء
زائدة لا للنَّسَب.
الثامن: أن تكون " فَعْلِيّة " والياء للنَّسَب.
التاسع: أنْ تكون " فَعُّولة " كخَرُّوبة من الذَّرّ، والأصل
ذَرورة، قُلبت
الراء الأخيرة ياء، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما
بالسكون.
فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الراء من أجل
الياء.
العاشر: أن تكون " فَعِّيلة " كسَكِّينة من الذَّرِّ، والأصل
ذَرّيرة، قلبت
الراء الأخيرة ياء، وأدغمت الياء في الياء.
الحادي عشر: أن تكون " فَغُولة " كثَلُّولة الأصل ذرّورة،
أبدلت الراء
الأخيرة ياء، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون،
فقلبت
الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الراء لأجل الياء.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها زيد بن ثابت، ووجهها أنها تحتمل
أوجها:
الأول: أن تكون " فِعِّيلة " من ذرأ الله الخلق، الأصل
ذِرِّيئة، فقلبت
الهمزة ياء تخفيفاً، وأدغمت الياء في الياء.
(1/81)
الثاني: أن تكون " فِعَّيلة " من ذروت،
والأصل ذِرِّيوة، اجتمعت الواو
والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت وأُدغم.
الثالث: أن تكون " فِعَّيلة " من ذَرَيت، الأصل ذِرَّيية،
فأدغمت الياء في
الياء.
الرابع: أن تكون " فِعْلِيّة " منسوبة إلى الذرّ على غير قياس.
الخامس: أن تكون " فِعليّة " من الذَّرّ، والأصل ذرّيرة، فقلبت
الراء
الأخيرة ياء، وأدغمت الياء في الياء.
السادس: أن تكون " فِعليلة " كحِلتيت، وهو صمغ، الأصل:
ذِرّيرة.
قلبت الراء الأخيرة ياء، وصنع ما تقدم.
فهذه ثمانية وعشرون وجهاً:
مع ضمّ الدال أحد عشر وجهاً.
ومع الفتح كذلك.
ومع الكسر ستة.
وأما من قال في ذرّيَّة: ذَرْية على وزن جَفْنة، فهي من ذريت
لا غير.
تتميم:
الذرّيّة لغة: نَسْلُ الثقَلَين، وقد تقدّم اشتقاقه، فمن قال
إنّها من ذرأ الله
الخلق بمعنى خلقهم، قال: إنما سُمّوا ذُرّيّة لأنهم مخلوقون.
ومن قال إنّها من الذَّرّ قال: إنّ الله لما مسح على ظهر آدم
خرجوا كالذَّرّ. ومن قال إنّها من ذروت أو ذريت قال: سُمُّوا
بذلك لسرعتهم وعجلتهم في
الأشياء، وخلق الإنسان عجولاً.
(1/82)
والجار والمجرور من قوله تعالى: (وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي) يتعلق بمحذوف، التقدير: واجعلْ فريقاً من
ذُرِّيَّتِي إماماً، فحُذف الفعل والمفعولان لدلالة ما تقدّم
عليه.
(1/83)
|