تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن

حرف السِّين
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " الأنعام ": (وَأَيوُّبَ وَيُوسُفَ)
قرئ بضمّ السين من (يوسف) وفتحها وكسرها.
فأما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة
وأما قراءة الفتح فقرأ بها الحسن، وطلحة، ويحيى، والأعمش.
وعيسى بن عمر.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها طلحة بن مصرّف، والجَحْدَرِيّ.
وكلُّ هذه القراءات لغات، أفصحها ضمّ السين.
وروي فيه همز الواو مع الحركات الثلاث في السين، ففيه ستّ
لغات.

(1/102)


تتميم:
اختلف في (يوسف) هل هو مشتق أو غير مشتقّ: فالصحيح أنه غير
مشتقّ لعجمته، والاشتقاق من خواصّ كلام العرب، وقيل: هو مشتقّ.
سئل بعضهم عن ذلك فقال: الأسيف في اللغة: الحزين، والأسيف:
العبد، وقد اجتمعا في (يوسف) فلذلك سمّي به. وفي هذا الاشتقاق ما
ترى من التكلُّف وإساءة الأدب.
واعلم أن كلّ ما ذُكِر في القرآن من لفظ (يوسف) فهو يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، صدّيق الله، ابن إسرائيل الله، ابن ذبيح
الله (1) ، ابن خليل الله، الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم.
صلوات الله عليهم وسلامه. إلاّ قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ)
فقد اختلف فيه، فقيل: هو يوسف بن يعقوب، وقيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، فيوسف هذا حينئذٍ يوسف بن يعقوب والد والده. والله أعلم.
ومن ذلك قوله تعالى في " السورة ": (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)
قرئ بنصب السين من (وَالشَّمْسَ) والراء من (وَالْقَمَرَ) وجرّهما ورفعهما.
__________
(1) الصحيح أن الذبيح إسماعيل - عليه السلام - وليس إسحاق - عليه السلام -، والله أعلم.

(1/103)


(فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا)
فأما قراءة النصب فقرأ بها السبعة، ووجهها أنّه من قرأ (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) فهما معطوفان على (الليل) . ومن قرأ (وجاعل الليل) فعلى مذهب الكسائي الذي يقول إن اسم الفاعل بمعنى المضي يكونان معطوفين على موضع (الليل) لأن (الليل) عنده في موضع نصب.
وعلى مذهب غيره يكونان مفعولين بإضمار فعل، أي: وجعل الشمس
والقمر.
وأمّا قراءة الجرّ فقرأ بها أبو حَيوة، ووجهُها أنّهما معطوفان على
(الليل) فيمن قرأ (وجاعل) .
وأما قراءة الرفع فلم ينسبها الشيخ أبو حيَّان، وإنما قال: وقرىء
شاذّاً. ووجهها أنهما مرفوعان على الابتداء، والخبر محذوف، تقديره:
مجعولان حسبانا.

(1/104)


ومن ذلك قوله تعالى في سورة " المص "الأعراف،: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
قرئ بفتح السين من (سَمِّ) وضمّها وكسرها:
فأما قراءة الفتح فقرأ بها السبعة.
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها عبد الله.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها الأصمعي عن نافع، وهي كلّها لغات.
تتميم:
(السمّ) في الآية: ثقب الإبرة
فيه الفتح والضمّ.
والسمّ: هو القاتل، ذكر الجوهري
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الرحمن ": (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ)
قرئ برفع السين من (نحاس) وجرّها ونصبها:
فأما قراءة الرفع فقرأ بها السبعة إلا ابن كثير وأبا عمرو، ووجهها أن
(نحاساً) معطوف على (شواظ) وهو ظاهر.

(1/105)


وأما قراءة الجرّ فقرأ بها ابن كثير، وأبو عمرو، وابن أبي إسحاق.
والنَخَعي. ووجهها أنّ (نحاساً) معطوف على (نار) .
وفيه نظر على قول من فسّر (النحاس) بالدُّخان؛ لأنه يلزم منه أن يكون التقدير: وشواظ من دخان، والدخان لا يكون له شواظ وإنما الشواظ للنار، ووجهها أن الدخان لما نشأ عن النار، فكأنّها نار، فيضاف إليها ما يصحّ أن يضاف إلى النار. ومنه قول الفرزدق:
فبِتُّ أقدُّ الزادَ بيني وبينَه. . . على ضوءِ نارٍ مرّةً ودُخانِ
فعطف " ودُخان " على " النار " وليس للدخان ضوء، وإنما حكم له
بالضوء لأن الدُّخان ينشأ عن النار. ومثله قوله:

(1/106)


شرّاب ألبانٍ وتمرٍ وأَقِطْ
والتمر والأَقِط لا يُشربان، لكن حُكِم لهما بحُكْم اللبن لاجتماعهما في
التَغذية.
وأما قراءة النصب فقرأ بها زيد بن علي، وقرأ مع ذلك (ونُرسلُ
عليكما شُواظاً) بضم النون ونصب (شواظ) على المفعول به، فعلى هذا
يكون (ونحاسا) معطوفاً على (شواظ) .
تتميم:
وفيه قراءات غير ما ذكرنا:
قرأ الكَلْبيُّ، وطَلحةُ، ومجاهد (ونِحاسٍ) بكسر النون وخفض السين.
وقرأ ابن جُبير (ونَحْسٌ) بفتح النون وسكون الحاء ورفع السين.
وقرأ حَنْظلةْ كذلك، إلا أنه خفضَ السين.

(1/107)


وقرأ الحسن وإسماعيل (نُحُس) بضمّتين وخفض السين.
وقرأ عبد الرحمن بن أبي بَكِرة (ونَحسُّ) فعل مضارع، ماضيه حَسّ:
أي قتل.
وقرأ ابن أبي إسحق كذلك، وخيَّر في الحركات الثلاث في الحاء.
وقد تقدّم في باب الحاء.
واختلف في (شُواظ) : فقيل: هو لهب النّار. وقيل: اللَّهَب الأحمر.
وقيل: الدُّخان الذي يخرج من اللهب.
واختلف أيضاً فى (النحاس) : فقيل: الدخان. وقيل: الصُّفر
المعروف. والله أعلم.

(1/108)