تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن

حرف الغين
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " براءة ": (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) .
قرئ بكسر الغين وفتحها وضمها:
أما قراءة الكسر فقرأ بها السبعة.
أما الفتح فقرأ به الأعمش، وأبان والمفضل كلاهما عن عاصم.
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها أبو حَيوة، والسُّلَمي، وابن أبي عَبلة.
والمفضّل، وأبان أيضاً.
وهي كلها لغاتٌ، عن أبي عمرو: فالكسر لغة أسد، والفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم.
ومن ذلك توله تعالى في سورة " سبأ ": (عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) .
قرئ بضمّ الغين وكسرها وفتحها:

(1/125)


وأمّا قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة إلا حمزة وأبا بكر عن عاصم.
ووجهُها أنه جمعٌ واحدُه غَيب، مثل بَيت وبُيوت.
وأمّا قراءة الكسر فقرأ بها حمزة وأبو بكر، ووجهُها أنّه لمّا اجتمع
ضمّتان وياء وواو استثقلوا ذلك، فحولوا ضمّة الغين كسرةً للتناسب مع
الياء بعدها، ونظيره شِيوخ وبِيوت وجِيوب وعِيون، بكسر الشين والباء
والجيم والعين.
وأمّا قراءة الفتح فوجهُها أنه جاء على وزن " فَعول " للمبالغة كالصَّبور
والشّكور، وهو الشي الذي غاب وخَفِيَ جدّا.
ومن ذلك قولُه تعالى في سورة " الشريعة ": (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) .
قُرىء بكسر الغين وفتحها وضمّها.
أمّا قراءة الكسر فقرأ بها السبعة إلأ حمزةَ والكسائيَّ، وهي أفصحُ من
غيرها، لأنها جاءت على وِزان الأشياء التي أبداً هي مشتملة، كالعِمامة
والعِصابة وأمثالهما.

(1/126)


وأمّا قراءة الفتح فقرأ بها عبد الله، والأعمش، وهي لغة رَبيعة.
وأمّا قراءة الضمّ فقرأ بها الحسن، وعِكرمة، وعبد الله، وهي لغةٌ عُكْليّة.
تتميم:
وفيها أيضاً قراءتان: قرأ حمزة، والكسائي، والأعمش، وطلحة.
وأبو حنيفة، ومسعود بن صالح: (غَشْوة) بفتح الغين وسكون الشين.
وقرأ ابن مُصَرِّف والأعمش كذلك، إلا أنّهما كسرا الغين.
واعلم أن الغشاوة في اللغة الغطاء، يقال: غشاه: إذا غطّاه، وصحّحوا
الواو لأنّها تحصّنت بالتاء فلم تقع طرفا، ومثله الشّقاوة.
والواو من (الغشاوة) بدل من ياء، دليله: الغَشَيان.
قال أبو عليّ الفارسيّ: لم أسمع من الغشاوة فعلا متصرّفا بالواو، جعله من الياء، ونظَّرَه بالجِباوة.
قال: هو من جَبَيْتُ، فالواو عنده بدل من الياء.

(1/127)


قلت: وفي تنظير أبي عليّ نظر؛ لأنّه يُقال: جَبَيْتُ وجَبَوْتُ، فإذاً
الجباوة من جَبَوْتَ لا من جَبَيْت.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الأحقاف " (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) .
قرئ برفع الغين من (بَلاعٌ) ونصبه وجره:
فأمّا قراءة الرفع فقرأ بها السبعة، وجهها أنه خبر مبتدأ محذوف.
تقديره: تلك الساعةُ بلاغُهم، كما قال تعالى: (مَتَاعٌ قَلِيلٌ)
، وهو راجع إلى المُدّة التي لَبِثوا فيها، ويحتمل أن يكون (بَلاعٌ) خبر مبتدأ محذوف، والمراد به القرآن والشّرع، أي: هذا بلاغ، أي تبليغ وإنذار.
وقال أبو مِجْلَز: (بَلاعٌ) مبتدأ، وخبره (لهم) المتقدّم في (ولا تَسْتَعْجل لهم) وكان يقف على (ولا تَسْتَعْجِل) ويبتدىء (لهم) وفيه من
التكَلُّفَ وإخراج الكلام عن أسلوبه ما يُغني عن رَدِّه.
وأما قراءة النّصب فقرأ بها الحسن، وزيد بن علي، وعيسى، ووجهُها

(1/128)


أنّه منصوب على المصدر، أي: بلِّغ بلاغا.
وأمّا قراءة الجرّ فقرأ بها الحسن أيضاً، ووجهُها أنّه نعت لـ (نهار) أي:
نهار ذي بلاغ.
تتميم:
وفيه ما تقدّم قراءتان:
قرأ أبو مِجْلَز، وأبو سراج الهُذَلي (بَلِّغ) ، على الأمر للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وقرأ أيضاً أبو مِجْلَز (بَلَغَ) فعلا ماضيا.

(1/129)