تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف الفاء
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " الإسراء ": (فَلَا تَقُلْ
لَهُمَا أُفٍّ)
قرئ بضمّ الفاء وفتحها وكسرها مع التشديد والتنوين، وقرىء
أيضاً بالحركات الثلاث مع التشديد وبلا تنوين.
فأما قراءة الضمّ والتنوين فقرأ بها هارون، ووجهها أنه مبنيّ.
قال ابن أبي الربيع: لتضمّنه معنى المبنيّ وهو الماضي، وقيل:
بالحمل
على غيره من أسماء الأفعال.
وبني على الضمّ إتباعا لحركة الهمزة، وإذا كانوا قد قالوا:
مِنْتِن بكسر الميم إتباعا لكسرة التاء مع كون الحاجز ظاهراً،
فهنا أولى لكون الحاجز مدغماً، ونوّن دلالةً على التنكير، أي:
تضجّراً أيّ تضجّر كان.
وأما قراءة الفتح والتنوين فقرأ بها زيد بن عليّ، ووجهها
البناء على
الفتح تخفيفاً، نحو كيف، والتنوين للتنكير كما تقدّم.
(1/130)
وأما قراءة الكسر والتنوين فقرأ بها نافع،
وحفص، وأبو جعفر.
وشيبة، وعيسى، ووجهها البناء على الكسر على التقاء الساكنين،
والتنوين
كما تقدم.
وأما قراءة الضمّ من غير تنوين فقرأ بها أبو السَّمّال، ووجهها
ما تقدّم
من الضمّ إتباعاً، وإنما لم ينوّن لأن القصد التعريف، أي
التضجّر
المعهود.
وأما قراءة الفتح من غير تنوين فقرأ بها ابن كثير، وابن عامر،
ووجهها
ما تقدّم من البناء على الفتح، وعدم التنوين للتعريف.
وأما قراءة الكسر من غير تنوين فقرأ بها أبو عمرو، وحمزة.
والكسائي، وأبو بكر، ووجهها ما تقدَّم من البناء على الكسر على
أصل
التقاء الساكنين، وعدم التنوين للتعريف أيضاً.
تتميم:
وهذه الكلمة قد اتّسعت فيها العرب لدورها على ألسنتهم، وتصرفت
فيها حتى بلغت لغاتُها أربعين لغة، وها أنا أذكرها مضبوطة:
فمنها مع ضمّ الهمزة اثنتان وعشرون لغة: أُفُ، أُفَ، أُفِ.
بالحركات الثلاث مع التخفيف من غير تنوين. ثم أُفٌّ، أُفاً،
أُفٍ.
بالثلاث مع التخفيف والتنوين. ثم أُفُّ، أُفَّ، أُفِّ، بالثلاث
مع
التشديد من غير تنوين. ثم أُفُّه، أُفَّه، أُفِّه، بالثلاث مع
التشديد وهاء
السكت. ثم أُفٌّ، أُفًّا، أُفٍّ بالثلاث مع التشديد والتنوين.
أُفْ بالسكون
(1/131)
والتخفيف. أفّ بالسكون مع التشديد. أُفَّى
بتشديد الفاء وبعدها ألف
من غير إمالة، وبالإمالة المحضة، وبالإمالة بين بين. ثم
أُفَّي، أُفَّو بالياء
والواو ساكنين وفتح الفاء والتشديد فيهما، فهذه اثنتان وعشرون
لغة مع
ضمّ الهمزة.
ومنها مع كسر الهمزة إحدى عشرة لغة: إفٌّ، إفّا، إفٍّ بالثلاث
مع
التشديد والتنوين، ثم بالضمّ والتشديد من غير تنوين، ثم إفِ
بالكسر
والتخفيف من غير تنوين، ثم إف كذلك مع التنوين، ثم إفْ
بالتسكين
والتخفيف، ثم إف بالتسكين والتشديد، ثم إفَى بألف مع تشديد
الفاء، ثم
إفَي بكسر الفاء وتشديدها وياء ساكنة بعدها، ثم إفَي بفتح
الفاء والتشديد
وبعدها ياء ساكنة. فهذه إحدى عشرة لغة مع كسر الهمزة.
ومنها مع فتح الهمزة ست لغات: أفِّ بكسر الفاء وتشديدها من غير
تنوين، ثم آفِّ كذلك إلاّ أنها ممدودة الهمزة، ثم إفِّ بكسر
الفاء وتشديدها
مع التنوين، ثم آفِّ كذلك إلاّ أنها ممدودة الهمزة، ثم أَفْ
بسكون الفاء
وتخفيفها، ثم أفَي بكسر الفاء وتشديدها وبعدها ياء ساكنة، فهذه
ستُّ
لغات تمام تسع وثلاثين لغة نقلها الشيخ أبو حيَّان عن "
الزناتي " قال:
ذكرها في كتابه المسمّى " بالحلل ". وذكر ابن عطيّة أُفّاه
بضمّ الهمزة
(1/132)
وتشديد الفاء وبعد الألف هاء السكت، وهي
تمام الأربعين.
ويقال: أفّف الرجل: إذا قال: أفّ.
وقد يستعمل مضه مصدر منوّن فيقال: أُفّاً له، كما تقول: سَقياً
له، ويقال: أفّاً تُفًّا على الإتباع، كحسن بَسَن، وقد
تَخْرُجُ عن هذا الباب فتستعمل بمعنى الحين، يقال: جاء هذا
الأمر على إفّه وإفّانه بكسر الهمزة فيهما: أي حينه.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " ق ": (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
(1) .
قرئ بضمّ الفاء (1) وفتحها وكسرها:
فأما قراءة الضمّ فقرأ بها هارون، وابن السَّمَيفع، والحسن -
فيما نَقَلَ
عنه ابنُ خالويه - ووجهها أنه مبنيّ على الضمّ - كحيث.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها عيسى، ووجهها أن الفتح أخفّ
الحركات.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها الحسن، وابن أبي إسحق، وأبو
السَّمّال.
ووجهها البناء على أصل التقاء الساكنين.
وقد مرّ لنا الكلام على قوله أتعالى،: (ص) هل هو معرب أو
مبنيّ.
__________
(1) المراد الفاء من كلمة "قاف". والله أعلم.
(1/133)
وتكلّمنا على ذلك، فلينظر هناك، فحكم (ق)
حكمه.
تتميم:
قرأ السبعة (ق) بسكون الفاء، ووجهها أنّه حرف هجاء موقوف عليه.
لم يحكم بإعرابه ولا بنائه.
وقد اختلف المفسرون في مدلول قوله تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ (1)
اختلافاً متبايناً:
فمنهم من قال: هو جبل من زُمُرُّدةٍ خضراء، يحيط بالسموات
والأرض.
ومنهم من قال: هو اسم للسورة.
ومنهم من قال: هو مقتطع من أسماء الله تعالى التي أوّلها " ق "
كالقادر
والقاهر، إلى غير ذلك من الأقوال.
قال الشيخ أبو حيَّان: وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد
عشر
قولاً متعارضة، لا دليل على صحة شيء منها، والله أعلم.
واختلفوا في جواب القسم:
فمنهم من قال: هو محذوف.
ومنهم من قال: هو مذكور.
(1/134)
والذين قالوا بحذفه اختلفوا في تقديره:
فقيل: تقديره: إنّك جئتَهم
مُنذراً بالبعث ولم يقبلوا، بل عجبوا، وهذا أنسب لدلالة ما
بعده عليه.
وقيل: التقدير: ما ردّوا أمرك بحجّة، وقيل: التقدير
لَتُبْعَثُنّ.
والذين قالوا إنه مذكور اختلفوا: فقيل: (قَدْ عَلِمْنَا مَا
تَنْقُصُ) .
وقيل: (مَا يَلْفِظُ) ، وقيل: (بَلْ عَجِبُوا) على معنى: لقد
عجبوا.
وقيل: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى)
وقيل: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) . والله أعلم.
(1/135)
|