تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف القاف
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " الأنعام ": (وَمِنَ النَّخْلِ
مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ) .
قرئ بكسر القاف من (قِنْوَانٌ) وضمّها وفتحها:
فأما قراءة الكسر فقرأ بها السبعة، وهي لغة أهل الحجاز، وهو
جمعُ
كثرة، ومفرده قِنْو، وجمع القِلّة أقناء، كعِدل وأعدال.
قال:
طويلة الأقناء والأثاكل
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها الأعمش، والخَفّاف عن أبي عمرو، وهي
لغة قيس، ونقل ابن عطية عن الفرّاء أنها لغة قيمس والحجاز،
ووجهها أنه
جمع قُنو بالضمّ، ويمكن أن يكونَ واحدُه قِنوا بكسر القاف نحو
ذِئب
وذؤبان.
وأمّا قراءة الفتح فقرأ بها الأعرج، ووجهها أنّه اسم جمع
كالسعدان.
لأن " فَعْلانا " ليس من أبنية جمع التكسير.
(1/136)
تتميم:
القنو: هو العِذق، وهو عنقود النخلة.
وحكى القرطبي أنّه الجُمّار.
وإعراب (قِنْوَانٌ) مبتدأ، و (من النخل) في موضع الخبر، و (من
طلعها) بدل من قوله: (من النخل) .
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الكهف ": (هُنَالِكَ
الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ)
قرئ برفع القاف وخفضها ونصبها:
فأما قراءة الرفع فقرأ بها أبو عمرو، والكسائي، وحُميد،
والأعمش.
وابن أبي ليلى، وابن مناذر، واليزيديّ، وابن عيسى الأصبهاني.
ووجهها أنّه صفة لـ (الْوَلَايَةُ) ، أو خبر مبتدأ محذوف، أي:
هي الحقّ.
أو مبتدأ خبره قوله تعالى: (هو خير) .
وأما قراءة الخفض فقرأ بها باقي السبعة، ووجهها أنّه صفة (لله)
.
(1/137)
وأما قراءة النصب فقرأ بها أبو حَيوة، وزيد
بن علي، وعمرو بن
عُبيد، وابن أبي عَبلة، وأبو السمال، ووجهها أنّه منصوب على
التأكيد.
كقولك: هذا عبدُ الله الحقَّ لا الباطلَ.
قال الزمخشري: وهي قراءة حسنة فصيحة، وعمرو بن عبيد من أفصح
النّاس وأنصحهم. انتهى. وفيه دَسيسة الاعتزال، لأن عمرو بن
عبيد رأس أهل الاعتزال.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " ص ": (قَالَ فَالْحَقُّ
وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
قرئ بنصب القاف فيهما، ورفعهما وجرّهما:
فأما قراءة النصب فقرأ بها السبعة إلا عاصماً، وحمزة، ووجهها
أنّ
الأوّل مُقْسَم به، وانتصبَ على إسقاط حرف الجرّ، كما تقول:
الله
لأفعلنّ، وجوابه (لأملأنّ) وهذا الإعراب لا يسوغ على مذهب
سيبويه؛
لأته يرى أن النصب على إسقاط حرف الجرّ في باب القسم مختصّ
بلفظ الجلالة لا غير، والزمخشري يقول: إنه غير مختصّ، فيقول:
(1/138)
العزيز لأفعلنّ، بالنصب قياساً منه على لفظ
الجلالة، وهو غير صحيح
عندهم.
وأما الثاني فنصبه على المفعولية بـ (أقول) ، وقدّم ليدلّ على
الحصر، أي: لا أقول إلاّ الحقّ، قاله الزمخشري جرياً على مذهبه
في أنّ
التقديمَ يُوجبُ الحصر، وفيه خلاف.
واعتُرِض بين القسم وجوابه بقوله تعالى: (وَالْحَقَّ أَقُولُ)
.
وقيل: إنّ (الحقّ) الأوّل منصوب على الإغراء، التقدير: الزموا
الحقّ.
و (لأملأنّ) جواب قسم محذوف.
وأما قراءة الرفع فيهما فقرأ بها ابن عبّاس رضي الله عنهما،
ومجاهد.
والأعمش، ووجهها أنّ الأوّلَ مبتدأ وخبرُه محذوف، واختلفوا في
تقديره: فقيل: تقديره: فالحقّ أنا، وقيل: فالحقّ منّي، وقيل:
التقدير:
فالحقُّ قسمي على أن يكون " الحقّ " مبتدأ مقسماً به، وجوابه
(لأملأنّ)
على طريقة: لعمرك لأفعلنّ، أي: لعمرك قسمي لأفعلنّ.
ومنهم من قال: إنّ المقسم به إذا كان مبتدأ لا يحتاج إلى خبر،
لأنّ الفائدةَ قد حَصَلَت بدونه، فتقديرُه لَغو، والصحيحُ
تقديرُه وإن كانت الفائدة حاصلة بدونه طَرداً للقاعدة؛ ألا ترى
أنّك إذا قلت: زيد لقائم، ففي قائم ضمير وإن كان الربط قد حصل
بدونه.
قال ابن عطيّة: هو مبتدأ وخبره (لأملأنّ) .
(1/139)
التقدير: فالحقّ أن أملأ، وفيه نظر؛ لأن
جواب القسم لا يكون إلا جملة.
ولا تنحلّ إلى المفرد، وتقديره بأن والفعل يُؤذنُ بانحلالها
إلى المفرد.
وأما الثاني فمبتدأ و (أقول) خبره، والعائد محذوف، أي: أقوله،
كقراءة
ابن عامر (وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) ، أي وَعَدَه.
وقيل: خبرمبتدأ محذوف، أي: قَولي الحقّ، فيكون (أقول) على هذا
مستأنفاً، أي: أقول لأملأنّ.
ويمكن أن يكون (والحق) بالرفع مفعولاً بـ (أقول) .
ورفعه على حكاية الحق الأول، قاله الزمخشري وحسّنه ودقّقه.
وأما قراءة الجرّ فيهما فقرأ بها الحسن، وعيسى، ووجهها أنّ
الأول
مجرور بحرف القسم المحذوف، تقديره: فوالحقّ.
والثاني معطوف عليه، كما تقول: والله والله لأفعلنّ.
و (أقول) على هذا اعتراض بين القسم وجوابه.
ويمكن أن يكون (والحقّ) مفعولا بـ (أقول) وخفض إتباعاً
(للحقّ) الأول.
(1/140)
تتميم:
قرأ عاصم وحمزة (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) .
برفع الأول ونصب الثاني، وقد تقدّم وجه ذلك.
و (الحقّ) في هذه الآية إذا جعل قسماً فيمكن أن يكون اسماً من
أسماء
الله الذي في قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
الْمُبِينُ)
أو يكون هو الذي هو نقيض الباطل.
(1/141)
|