جامع البيان في القراءات السبع

الباب الثاني دراسة الكتاب
الفصل الأول: توثيق العنوان ونسبة الكتاب 40
الفصل الثاني: خطة الكتاب ومنهجه ومصادره 46
الفصل الثالث: منهج التحقيق ووصف النسخ 62

(1/39)


الفصل الأول توثيق العنوان، ونسبة الكتاب
المبحث الأول تحقيق عنوان الكتاب:
أورد ابن الجزري كتاب جامع البيان في جملة مصادره في النشر 1/ 61 وسماه:
" جامع البيان في القراءات السبع"، وكذلك أثبت اسم الكتاب على ظاهر نسخة نور عثمانية، النسخة الأصل، وهذا الاسم هو الذي تركن النفس إلى صحته، لأن النشر من أوثق كتب القراءات التي وصلت إلينا وأصحها، وأن نسخة نور عثمانية أصح نسخ الكتاب وأوثقها.
وقد جاءت تسمية الكتاب على ظهر نسختي دار الكتب وبنكيبور:" جامع البيان في القراءات السبع المشهورة"، وفي غاية النهاية" جامع البيان فيما رواه في القراءات السبع"، وفي معرفة القراء" جامع البيان في القراءات السبع وطرقها المشهورة والغريبة"، وهي وأمثالها تسميات فيها تصرف، بقصد بيان محتوى الكتاب والتعريف بمضمونه، والله أعلم.

(1/40)


المبحث الثاني وثيق نسبة الكتاب لمؤلفه:
نسبة كتاب جامع البيان لأبي عمرو الداني نسبة لا شك في صحتها، وذلك أن الذين ترجموا للداني، وذكروا كتبه أثبتوا كتاب جامع البيان في كتبه، مثل الذهبي في:
تذكرة الحفاظ، ومعرفة القراء، وسير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام، وابن الجزري في: النشر، وغاية النهاية، وابن بشكوال في الصلة وغيرهم.
ثم إنّ ابن الجزري رواه بإسناد متّصل إلى مؤلفه، واقتبس منه نصوصا، مسندة لأبي عمرو في جامع البيان، من ذلك قوله في النشر 1/ 374:" وأما أبو عمرو فروى عنه الفصل أبو عمرو الداني في جامع البيان وقوّاه بالقياس، وبنصوص الرواة عن أبي عمر، وأبي شعيب، وأبي حمدون، وأبي خلاد، وأبي الفتح الموصلي، ومحمد بن شجاع، وغيرهم حيث قالوا عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يهمز الاستفهام همزة واحدة ممدودة، قالوا: وكذلك كان يفعل بكل همزتين التقتا، فيصيرهما واحدة، ويمد إحداهما مثل (أءذا، و (أءله)، و (أئنكم)، و (ء أنتم) وشبهه، قال الداني: فهذا يوجب أن يمد إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة مضمومة، إذ لم يستثنوا ذلك، وجعلوا المد سائغا في الاستفهام كله، وإن لم يدرجوا شيئا من ذلك في التمثيل، فالقياس فيه جار، والمد فيه مطرد، انتهى". وهذا النص بحروفه في جامع البيان «1».
ثم إنّ النسخ الخطية التي بين أيدينا هي نسخ جامع البيان لأبي عمرو الداني، بلا مراء، لأنها تبدأ بواحد من شيوخ الداني الكثيرين، مما يبين بوضوح وجلاء أن الكتاب من تأليف أبي عمرو الداني.
يضاف إلى ذلك أن النصوص الكثيرة التي أسندها ابن الجزري في نشره إلى جامع البيان لأبي عمرو الداني تطابق ما في النسخ الخطية التي بأيدينا «2».
ثم إنّ ورقة العنوان من النسخ الخطية حملت اسم أبي عمرو الداني.
__________
(1) انظر الفقرتين: 1442، 1443 من جامع البيان.
(2) انظر الفقرة: 1216 من جامع البيان ووازنها بما في النشر 1/ 295، والفقرة: 1619 ووازنها بما في النشر 1/ 394، والفقرات: 1684 - 1688 على التوالي ووازنها بما في النشر 1/ 460.

(1/41)


وأخيرا تبتدئ كل واحدة من النسخ، بقول أبي داود «1» تلميذ الداني:" حدثني شيخنا أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمر، الفقيه، المقرئ، اللغوي، الأموي مولى لهم، المعروف بابن الصيرفي، قراءة مني عليه في منزله بمدينة دانية .. الخ".
وهكذا نرى أن نسبة الكتاب إلى الداني لا يرقى إليها شك، ولا تقاربها ريبة أبدا.
__________
(1) والصواب: الذوّاد.

(1/42)


المبحث الثالث قيمة الكتاب العلمية:
الكتب المصنفة في القراءات كثيرة، وكثيرة جدا، سواء في السبع أو أكثر أو أقل «1»، واشتهر من المصنفات في السبع قبل الداني عدة كتب، أقدمها سبعة ابن مجاهد (ت 324)، وهو أول هذه المصنفات، ثم إرشاد أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون المصري (ت 389)، وهادي محمد بن سفيان القيرواني (ت 415)، ومجتبى عبد الجبار الطرسوسي (ت 420)، وروضة أبي عمر أحمد بن عبد الله الطلمنكي (ت 429)، وهداية أبي العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت بعد 430)، وتبصرة مكي بن أبي طالب (ت 437).
وكتاب جامع البيان يبرز بين كتب القراءات متفرّدا، في منزلة لا يدانيه فيها كتاب من كتب هذا العلم على كثرتها وتنوعها: حيث إن هذا الكتاب جمع ما تفرق فيها من صفات الحسن، ومزايا الكمال.
فإن قيل إن ضبط الرواية، وتحرير أوجه الخلاف، والتمييز بين الطرق صفة امتازت بها كتب المحققين مثل سبعة ابن مجاهد، ونشر ابن الجزري، فأبو عمرو الداني إليه المنتهى في الضبط والتحرير، وكتابه جامع البيان قد اجتهد في تحريره وضبطه، فأعطاه حظا وافرا من عنايته، ونصيبا كاملا من درايته.
وإن قيل إن علوّ الأسانيد وصحتها مع خبرة المؤلف برجالها، ميزة كتب المحدثين من القراء، مثل أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمذاني (ت 569)، فأبو عمرو الداني أعرف الناس بأسانيد القراءات، وأقدرهم على نقدها وتمييزها، والقراء عيال عليه في تعديل رجال القراءات وتجريحهم، حتى أن إمام المتأخرين ابن الجزري كثيرا ما يترجم الراوي بمثل ما ورد ذكره في روايات جامع
__________
(1) انظر قائمة تاريخية بالمصنفات في علم القراءات في لطائف الإشارات للقسطلاني 1/ 85 - 91، وفي مقدمة تحقيق المبهج في القراءات لسبط الخياط إعداد وفاء عبد الله قزمار.

(1/43)


البيان، لا يزيد على ذلك شيئا، لأنه لم يتمكن من تحصيل علم بحاله زيادة على ما في جامع البيان «1».
وإن قيل: إن سعة الرواية، وكثرة الطرق والأسانيد ميزة في بعض الكتب، مثل كامل الهذلي يوسف بن علي بن جبارة (ت 465)، فجامع البيان جمع في القراءات السبع أربعين رواية، وأربع مائة طريق، مع البراءة من أغلاط الهذلي وأوهامه.
وإن قيل: إن التعريف بالصحيح السائر من الروايات، والسقيم الدائر من الوجوه خصلة تعلي قدر الكتاب، وتزيد الثقة به، فلم يعتن كتاب بالتمييز بين الصحيح والشاذ، والسائر والفاز كما اعتنى بذلك جامع البيان.
وإن قيل: إن تسلسل الأفكار، ووضوح العرض، مع التلخيص والتقريب، مما يحبب الكتاب إلى النفوس، ويسهل الانتفاع به، فجامع البيان اجتهد مؤلفه في إيضاحه وتهذيبه، وبالغ في تلخيصه وتقريبه، وشرح فيه المذاهب شرحا كافيا، وبين الاختلاف بيانا شافيا.
وإن قيل: إن الموازنة بين مذاهب النحويين وآرائهم، وروايات القراء ووجوههم، ميزة كتب أهل اللغة من القراء مثل مكي بن أبي طالب، وغيره، فقد جاءك جامع البيان على ما تحب من ذلك، مع البراءة من تقديم اللغة والنحو على صحيح الرواية وثابت الأثر.
وهكذا دواليك حتى إذا استغرقت محاسن جامع البيان ميزات كتب القراءات الأخرى أو كادت، تفرد جامع البيان بفضائل منها:
أ- حسن التوفيق بين الروايات.
ب- أنه يضع يديك على مجموعة كبيرة من كتب القراءات المفقودة، والتي لا تجد لها ذكرا في غيره.
__________
(1) انظر على سبيل المثال ترجمة الحسن بن عبد الرحمن الكرخي الخياط في غاية النهاية 1/ 216، ووازنها بما جاء في الفقرة: 179 من جامع البيان، وترجمة أحمد بن نصر الترمذي في غاية النهاية 1/ 145، ووازنها بالفقرة: 659 من جامع البيان، وترجمة محمد بن خالد الأصبهاني في غاية النهاية 2/ 136، ووازنها بالفقرة: 388 من جامع البيان.

(1/44)


ج- يروي مصطلحات أئمة القراء السابقين، وتعبيراتهم في ضبط الأداء، ويفسر هذه المصطلحات، فيبين المراد من عباراتهم الموهمة «1»، وهذه الروايات في جامع البيان كثيرة وغنية، بحيث تعطينا المادة العلمية الوفيرة، لدراسة تطور مصطلحات علم القراءات إلى نهاية القرن الرابع.
د- جامع البيان يعطينا معلومات قيّمة في تاريخ القراءات وانتشارها «2».
وأخيرا، فمما يزيد في القيمة العلمية لجامع البيان، أنك تجده مصدر كثير من نصوص النشر، وتعليلاته الفائقة، وإن لم يشر ابن الجزري إلى ذلك «3».
وبالجملة فجامع البيان، جامع لمحاسن كتب القراءات، وصدقت فيه مقالة ابن الجزري:" وهو كتاب جليل في هذا العلم، لم يؤلف مثله، للإمام الحافظ الكبير أبي عمرو الداني" «4».
__________
(1) انظر الفقرات: 1071، 1072، 1073، 1102، 1103.
(2) انظر الفقرات: 176، 357، 771، 964.
(3) انظر الفقرات: 1147، 1148، 1155، 1767، 1768، 1852، 1854.
(4) النشر 1/ 61.

(1/45)