جامع البيان في القراءات السبع

باب ذكر مذهب أبي عمرو في الإدغام
1127 - اعلم- أرشدك الله- أن أبا عمرو كان إذا خفّف قراءته ترك الهمزات السواكن، فأدغم الحرف الأول في الحرف الثاني الذي يليه من الحرفين المتماثلين في اللفظ والحرفين المتقاربين في المخرج إذا كانا «3» في كلمتين وتحرّكا معا فيسكّن الأول من المثلين ويدغمه في الثاني ويسكّن الأول من المتقاربين ويقلبه إلى لفظ الثاني ويدغمه، فيصيران في اللفظ حرفا واحدا مشدّدا إلا في أربعة مواضع، فإنه لم يدغم الأول في الثاني.
1128 - فالأول منها: إذا كان الحرف الأول منوّنا، نحو قوله: من أنصار* رّبّنا [آل عمران: 192 و 193] وبعذاب بئيس [الأعراف: 165] وفدية طعام [البقرة: 184] وكشفت ضرّه [الزمر: 38] «4»، ولا نصير* لّقد تّاب الله [التوبة: 117] وما أشبهه.
1129 - والثاني: إذا كان مشدّدا، نحو قوله: وأحلّ لكم [النساء: 24] وبالحقّ قالوا [الأنعام: 30] وإلى أمّ موسى [القصص: 7] ولقد كدتّ تركن [الإسراء:
74] «5» وما أشبهه.
1130 - والثالث: إذا كان تاء الخطاب أو تاء المتكلم، نحو قوله: أفأنت تسمع [يونس: 42] وأفأنت تكره [يونس: 99] وكدتّ تركن «6» [الإسراء: 74]، وكنت ترابا [النبأ: 40] وخلقت طينا [الإسراء: 61] فأكثرت جدلنا [هود:
32] وإذ دخلت جنّتك [الكهف: 39] وأوتيت سؤلك [طه: 36] وو إذا رأيت ثمّ
__________
(1) أي لا يؤخذ بتشديد التاء.
(2) زيادة لا بد منها ليستقيم السياق.
(3) في م (كان). وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(4) قرأ أبو عمرو بتنوين (كاشفات). انظر النشر 2/ 362، السبعة/ 562.
(5) تشديد الأولى ناشئ من إدغام الدال فيها.
(6) التاء في (كدت) يمتنع إدغامها لسببين: تشديدها كما سبق، وكونها تاء الخطاب.

(1/429)


رأيت [الإنسان: 20] وما أشبهه. وقد أدرج ابن جبير «1» في هذا الضرب حرفين ليسا منه، وحكي عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه أظهرهما، وهما قوله: الموت تحبسونهما [المائدة: 106] والموت توفّته [الأنعام: 61] وذلك غلط منه؛ لأن تاء الموت أصلية فلا علة «2» تمنع «3» من إدغامها في مثلها كما منعت منه تاء الخطاب وتاء المتكلم.
1131 - والرابع: إذا كان معتلا «4» قليل الحروف، نحو قوله: ومن يبتغ غير الإسلم [آل عمران: 85] ويخل لكم [يوسف: 90] وإن يك كذبا [غافر: 28] وءات ذا القربى [الإسراء: 26] ولتأت طائفة [النساء: 102] ولقد جئت شيئا فريّا [مريم: 27] وما أشبهه.
1132 - وقد اختلف أهل الأداء في هذا الضرب من المعتل، فكان ابن مجاهد وأصحابه لا يرون إدغامه لما يلحقه من إعلالين وأكثر إذا أدغم. وكان أبو الحسن بن شنبوذ وأبو بكر محمد بن أحمد بن الداجوني وغيرهما يرون إدغامه من أجل التماثل والتقارب وأنه يستطاع «5» الإشارة إلى حركته مع الإدغام «6» إن كان مضموما أو مكسورا، وإن «7» كان مفتوحا أجمعوا على إظهاره لخفّة الفتحة وتعذّر الإشارة إليها إذا أدغم، وذلك في نحو قوله: وما كنت ترجوا [القصص: 86] وما كنت تدرى
__________
(1) انظر الطريق/ 182.
(2) سقطت (علة) من ت. وفي هامش ت (ل 45/ ظ): فلا علة من إدغامها. نسخة.
(3) سقطت (تمنع) من م.
(4) الذي في النشر أن الاعتلال وحده مانع. قال ابن الجزري في النشر (1/ 279): والمختلف فيه (أي من موانع الإدغام) الجزم، قيل وقلة الحروف، وتوالي الإعلال، ومصيره إلى حرف واحد. اهـ. وكذلك فعل المؤلف في التيسير، فقد جعل الاعتلال وحده مانعا، وقلة الحروف مانعا آخر حكاه ثم رده. انظر التيسير/ 21.
(5) في م (يستطاع ع عن). وهو خطأ. والمراد بالإشارة الروم أو الإشمام أو هما معا. انظر النشر 1/ 296.
(6) في م: (مع الإدغام لأنه يكون إما مكسورا وإن كان مفتوحا أجمعوا الخ) وهذه العبارة فيها سقط.
(7) في ت (لأنه) بدل (وإن كان). ولا يستقيم بها السياق.

(1/430)


[الشورى: 52] وما كنت ثاويا [القصص: 45] ولم يؤت سعة [البقرة: 247] ولّقد جئت شيئا نكرا [الكهف: 74] وما أشبهه.
1133 - فأما قوله: ويقوم من ينصرنى [هود: 30] ويقوم ما لى أدعوكم [غافر: 41] فلا أعلم خلافا بينهم في إدغام الميم في الميم «1»، وقياس ما أصلوه من إظهار المنقوص لما نقص منه موجب الإظهار؛ لأن الياء من آخره قد حذفت بالنداء، ولم يجمعوا على ذلك إلا عن أصل صحيح ورواية ثابتة، والله أعلم.
1134 - وقد روى القاسم «2» بن عبد الوارث عن أبي عمر عن اليزيدي عنه من أنصار* رّبّنا [آل عمران: 192، 193] بالإدغام، وذلك غير جائز؛ لأن التنوين وإن كان غنّة من الأنف «3»، فهو حرف فاصل بين المدغم والمدغم فيه، فيمتنع الإدغام لذلك. ولعل «4» ما رواه القاسم من الإدغام في ذلك إنما أراد به إدغام التنوين وإذهاب غنّته في الراء، ولم يرد به إدغام الراء في مثلها، فإن كان أريد به ذلك دون ما ذكرناه فهو قول صحيح مجمع عليه عن أبي عمرو.
1135 - فأما ما عدا هذه المواضع الأربعة من الحرفين المتماثلين والمتقاربين، فإنه يدغم الأول منهما في الثاني في جميع القرآن، ولذلك أحكام أبيّنها، وأصول أشرحها على حسب قدرتي وروايتي إن شاء الله تعالى.
1136 - فأول ما أذكر أحكام المتماثلين ثم المتقاربين، وهما يردان على ضربين:
متصلين في كلمة واحدة، ومنفصلين من كلمتين، وأنا أفرد كلّ ضرب في باب على حدة ليقرب تناوله على المتحفظين ويسهل حفظه على الطالبين، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
(1) سقطت (في الميم) من م.
(2) من الطريق الثالث والتسعين بعد المائة.
(3) في ت، م: (الألف). وهو خطأ.
(4) كرر ناسخ ت (ولعل ما رواه القاسم من الإدغام). وزاد ناسخ م (ولعل ما وراه القاسم من الإدغام لذلك) مرتين.

(1/431)


ذكر الحرفين المتماثلين في الكلمة الواحدة وفي الكلمتين
[إدغام الحرفين المتماثلين في كلمة]
1137 - اعلم أن أبا عمرو لم يدغم من الحرفين المتماثلين في اللفظ من كلمة إلا موضعين لا غير: قوله في البقرة: مّناسككم [200] وقوله في المدّثر: ما سلككم [42]، وأظهر ما عداهما نحو قوله: وجوههم [آل عمران: 106] وبأفوههم [آل عمران: 167] وويلههم [الحجر: 3] وبشرككم [فاطر: 14] وأتحاجّوننا [البقرة: 139] ويهدوننا [التغابن: 6] [وتدعوننا [إبراهيم: 9]] وبأعيننا [هود: 97] ويقتلوننى [الأعراف: 150] وتدعوننى [غافر: 41] وأتعداننى [الأحقاف: 17] وما أشبهه.
1138 - واختلف عن اليزيدي في حرفين من ذلك وهما في التوبة: فتكوى بها جباههم [التوبة: 35]. وقوله في الأحقاف [أتعداننى] «1» في النون فيهما وروي عنه غير الإظهار «2»، وعليه العمل.
1139 - وروى «3» شجاع عن أبي عمرو جباههم ووجوههم وبأعيننا بالإدغام. «4» وقرأت ذلك من طريقه بالإظهار. وقد روى الإدغام بأعيننا نصّا عن أبي عمرو العباس بن الفضل «5».
__________
(1) في السياق سقط واضح، وحرف الأحقاف هو قوله (أتعدانني) كما في النشر/ 303.
(2) في ت (غيره).
(3) من الطريق الرابع والثمانين بعد المائة.
(4) وطرقه من الخامس والثمانين إلى الحادي والتسعين وكلها بعد المائة.
(5) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد، أبو الفضل الواقفي، البصري، قاضي الموصل، من أكابر أصحاب أبي عمرو في القراءة، له اختيار في القراءة رواه الهذلي في الكامل، وأما في الحديث فقال في التقريب: متروك. مات سنة ست وثمانين ومائة. غاية 1/ 353، مصرفة 1/ 133، التقريب 1/ 398.
وروايته عن أبي عمرو خارجة عن جامع البيان، وهي في المستنير لابن سوار، والمبهج لسبط الخياط، والكفاية الكبرى لأبي العز، والكامل للهذلي، كما أشار في غاية النهاية 1/ 353.

(1/432)


[إدغام الحرفين المتماثلين في كلمتين]
1140 - فأما المثلان إذا كانا من كلمتين، فإنه أدغم الأول في الثاني منهما في جميع القرآن. وسواء سكّن ما قبله أو تحرّك، وذلك نحو قوله: فيه هدى لّلمتّقين [البقرة: 2] وإنّه هو التّوّاب [البقرة: 37] ولعبدته هل تعلم [مريم: 65] وو جعلنه هدى [الإسراء: 2] ونطبع على [الأعراف: 100] ويشفع عنده [البقرة: 255] ولا أبرح حتّى [الكهف: 60] وفلمّا أفاق قال [الأعراف: 143] ومن الرّزق قل هى [الأعراف: 32] ونسبّحك كثيرا لا ونذكرك كثيرا (34) إنّك كنت [طه: 33 - 35] وأن يأتى يوم [البقرة: 254] وو من خزى يومئذ [هود: 66] والأخرة توفّنى [يوسف:
101] والموت توفّته [الأنعام: 61] وترى النّاس سكرى [الحج: 2] وحيث ثقفتموهم [البقرة: 191] ونحن نسبّح [البقرة: 30] وشهر رمضان [البقرة: 185] وإذا قيل لهم [البقرة: 11] واختلف فيه [البقرة: 213]، ولذهب بسمعهم [البقرة:
20] وءادم من رّبّه [البقرة: 37] وما أشبه هذا حيث وقع إلا موضعا واحدا وهو قوله في لقمان: فلا يحزنك كفره [لقمان: 23] فإنه لم يدغم الكاف في الكاف فيه لسكون النون قبلها، وكونها مخفاة عندها، فلو أدغمها لوالى بين إعلالين: إخفاء النون وإدغام الكاف، على أن القاسم بن «1» عبد الوارث قد روى عن أبي عمر، عن اليزيدي عنه: أنه أدغم الكاف في الكاف في ذلك، والعمل والأخذ بخلافه.

[مطلب: يبتغ غير، يخل لكم، آل لوط «2»]
1141 - فأما قوله في آل عمران: ومن يبتغ غير الإسلم دينا [85]، وقوله في يوسف: يخل لكم [9]، وقوله: ءال لوط حيث وقع، وقوله في المؤمن: وإن يك كذبا [28] فاختلف أهل الأداء في ذلك، فابن مجاهد وابن المنادي وأصحابهما يرون إظهاره للإعلال الذي لحقه، وغيرهم يرون الإدغام للمتماثل، وبالوجهين قرأت ذلك من طريق اليزيدي وشجاع، وبهما آخذ، وأختار الإدغام لكثرة الآخذين به، مع أن أبا عبد الرحمن «3»، وابن سعدان «4» من رواية الأصبهاني عنه قد
__________
(1) من الطريق الثالث والتسعين بعد المائة.
(2) في هامش ت: (مطلب يبتغ غير، يخل لكم، آل لوط).
(3) ابن اليزيدي. وطريقه السبعون بعد المائة.
(4) من الطريق الحادي والثمانين بعد المائة.

(1/433)


رويا عن اليزيدي نصّا ومن يبتغ غير مدغما، وقياسه سائر المعتل.
1142 - فأما ما اعتلّ به ابن مجاهد رحمه الله لمنع الإدغام في ءال لوط لقلّة حروف الكلمة «1»، فليس بصحيح؛ لأنه مجتمع مع غيره على الإدغام في قوله:
لك كيدا وهو أقلّ حروفا من آل؛ لأنه على حرفين، وآل على ثلاثة أحرف: فاء وعين ولام. وإذا صحّ الإظهار فيه بالنص- ولا أعلمه جاء من طريق اليزيدي، وإنما رواه عن أبي عمرو معاذ بن معاذ العنبري «2» - فإنما ذلك من أجل اعتلال عينه بالبدل «3» إذ كانت هاء على قول البصريين، والأصل [46/ و] أهل، وواوا على قول الكوفيين، والأصل أول، فأبدلت الهاء همزة لقرب مخرجيهما وانقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، فصار ذلك كسائر المعتل الذي يؤثر الإظهار فيه للتغيّر الذي لحقه لا لقلّة حروف الكلمة، وقد روى الإدغام في ذلك منصوصا عن أبي عمرو، عصمة «4» ابن عروة الفقيمي.

[واو هو في مثلها]
1143 - واختلفوا أيضا في إدغام الواو من قوله «هو» في مثلها إذا انضم ما قبلها نحو قوله: هو والّذين ءامنوا [البقرة: 249] وإلّا هو والملئكة [آل عمران:
18] وإلّا هو وما هى [المدثر: 31]، وكأنّه هو وأوتينا العلم [النمل: 42] وما أشبهه، فكان ابن مجاهد وأكثر أصحابه لا يرون الإدغام في ذلك؛ لأن الواو [إذا] «5»
__________
(1) انظر السبعة/ 177.
(2) تقدمت ترجمته، وروايته عن أبي عمرو ليست من روايات هذا الكتاب، وهي من روايات كامل الهذلي، كما أشار في غاية النهاية 2/ 302.
(3) في ت، م: (إذا) ولا تناسب السياق.
(4) عصمة بن عروة، أبو نجيح، البصري، روى القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، وعاصم، وروى حروفا عن أبي بكر بن عياش والأعمش، ذكره ابن حبان في الثقات، وسمى أباه عزرة، وقال أحمد: لا يكتبون عنه، وقال أبو حاتم: مجهول. الجرح والتعديل 7/ 20، غاية 1/ 512، لسان الميزان 4/ 169.
والفقيمي بضم الفاء وفتح القاف وسكون الياء نسبة إلى بني فقيم. الأنساب ل (431/ و).
وروايته عن أبي عمرو ليست من روايات جامع البيان.
(5) زيادة ليستقيم السياق.

(1/434)


سكّن للإدغام، فيصير «1» بمنزلة الواو التي هي حرف مدّ ولين في نحو قوله: ءامنوا وعملوا [البقرة: 25] واسمعوا وللكفرين [البقرة: 104] وما أشبهه مما لا يدغم فيه بإجماع لئلا يختلّ مدّها.
1144 - وكان أبو الحسن بن شنبوذ وغيره من الأكابر يرون إدغامها قياسا على إدغام الياء المكسور ما قبلها في نحو: نودى يموسى [طه: 11] وأن يأتى يوم [البقرة: 254] وشبههما، وذلك إجماع «2» فيها من الرواة وأهل الأداء، ولا فرق بين الواو وبين الياء «3»، هذا مع أن تسكينهما «4» للإدغام عارض فلا يعتدّ به، وأصلها الحركة فهما غير حرفي مدّ على الحقيقة؛ وصحّ الإدغام لذلك، ولم يمتنع، وبالوجهين قرأت ذلك، وأختار الإدغام لاطّراده وجريه على قياس نظائره، وقد رواه نصّا عن اليزيدي [ابنه، وابن سعدان، والسوسي، ولم يأت عنه نص] «5» خلاف ما رووه، وكذلك رواه محمد بن غالب عن شجاع عن أبي عمرو.
1145 - فإن سكن ما قبل الواو سواء كان هاء أو غيرها فلا خلاف في إدغام الواو في مثلها، وذلك نحو قوله: وهو وليّهم [الأنعام: 127]، وهو واقع بهم [الشورى: 22]، وخذ العفو وأمر [الاعراف: 199]، ومن اللهو ومن التّجرة [الجمعة:
11] وما أشبهه.
1146 - وأما قوله في الطلاق: والّئى يئسن [الطلاق: 4] على مذهبه ومذهب البزي عن ابن كثير من قراءتي في إبدال الهمزة ياء ساكنة «6»، فلا يجوز إدغام تلك الياء في التي بعدها من جهتين:
__________
(1) في ت، م: (فيصير). ولا موضع للفاء هنا.
(2) في م (الهاء). وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(3) في ت، م بضمير المفردة في الموضعين، ولا يناسب عجز العبارة.
(4) سقط من ت، م. وفي كامل الهذلي ل (103/ ظ): أدغم ابن اليزيدي، وشجاع، وابن سعدان، والسوسي طريق الداجوني هو والذين، هو والملائكة، فهو وليهم. اهـ. فمن هذا النص أخذت صدر السقط،
ومن عبارة للمؤلف مشابهة في الفقرة/ 1151 أخذت عجز السقط، والله أعلم.
(5) أبو عمرو يسكن هاء (هو) في ثلاثة مواضع: ((فهو وليهم. النحل/ 63، وهو وليهم، الأنعام/ 127، وهو واقع بهم، الشورى/ 22)): إبراز المعاني/ 85. وانظر النشر 1/ 283.
(6) فتقرأ ((واللاي يئسن)).

(1/435)


1147 - إحداهما: أن أصلها الهمزة، وإبدالها وتسكينها عارض، فوجب أن لا يعتدّ بذلك فيها وأن تعامل الهمزة في ذلك وهي مبدلة- معاملتها وهي محققة ظاهرة؛ لأنها في النيّة والمراد والتقدير. وإذا وجب ذلك لم يجز إدغام تلك الياء في التي بعدها؛ كما [لا] «1» يجوز إدغام الهمزة فيها، ألا ترى أنهم يقولون: (الرّويا)، و (رويا) «2» فيبدلون الهمزة فيهما واوا خالصة، وبعدها الياء فلا يبدلون تلك الواو ياء، ولا يدغمونها فيها، كما يفعلون ذلك إذا سبقت الواو نحو: مّقضيا «3» وليّا «4» وشبههما؛ لأن تلك الواو «5» في نيّة همزة، فامتنعت من القلب والإدغام كامتناع الهمزة في ذلك، فكذا ما تقدّم سواء.
1148 - والجهة الثانية: أن أصل هذه الكلمة (اللائي) بهمزة بعدها ياء ساكنة كما قرأ الكوفيون وابن عامر، فحذفت الياء من آخرها اختصارا؛ لتطرّفها وانكسار ما قبلها كما قرأ نافع في غير رواية ورش وابن كثير في رواية القواس وابن فليح، ثم سهلت الهمزة لثقلها، وحشوها فأبدلت ياء ساكنة، وذلك على غير قياس، فقد اكتنف هذه الكلمة إعلالان: حذف الياء من آخرها وذهاب نبرتها «6»، فإن أدغمت الياء اكتنفها إعلال ثالث، وذلك خروج من الكلام وعدول من المتعارف في اللغة، فبطل الإدغام «7» لذلك.
1149 - قال أبو عمرو: وإذا أدغم أبو عمرو الهاء التي للضمير الموصولة بياء
__________
(1) زيادة ليستقيم السياق.
(2) في م: (يؤتى). وهو خطأ؛ لأنه يتنافى مع السياق.
(3) أصلها (مقضويا) قلبت الواو ياء؛ لأنها ساكنة وبعدها ياء ثم أدغمت الياء الأولى في الثانية. انظر التبصرة والتذكرة للصميري 2/ 820.
(4) ليّا أصلها (لويا) قلبت الواو ياء، لاجتماعها مع الياء في موضع عين الفعل، والأول منهما ساكن. انظر التبصرة والتذكرة للصميري 2/ 825. هذا، وفي النشر (1 ظ 285): (وليا) بدل (ليا). وهو خطأ.
(5) في ت، م (الراء) بدل (الواو). وهو خطأ؛ لأنه لا يناسب السياق.
(6) أي همزتها. والنبرة في باب تسهيل الهمز لها معنى اصطلاحي سيأتي هناك.
(7) قال ابن الجزري في النشر (1/ 285): وكل من وجهي الإظهار والإدغام ظاهر مأخوذ به وبهما قرأت. هذا، وقد ذكر ابن الجزري هاتين الحجتين للإظهار في النشر (1/ 285) بألفاظ جامع البيان دون أن يشير إلى مصدره في ذلك.

(1/436)


أو واو في مثلها، نحو قوله: لعبدته هل تعلم له سميّا [مريم: 65] ومن فضله هو [آل عمران: 180] وو جاوزه هو [البقرة: 249] وإنه هو التوّاب [البقرة: 37] وشبهه حذف صلتها ثم أدغمها، وذلك من حيث كانت تلك الصلة زيادة كثّرت بها الهاء لخفائها «1»، ألا ترى أنها تحذف عند الوقف لذلك، وكذلك تحذف أيضا عند الإدغام لاشتراكهما في تغيير الحركة وتسكينها. وجائز أن يكون أبو عمرو أخذ في هذه الهاء بلغة من لم يصلها كما قرأ به غير واحد في قوله: يؤدّه إليك [آل عمران: 75] وفألقه [النمل: 28] ويرضه لكم [الزمر: 7] وشبهه [46/ ظ] «2». فعلى هذا لا يحتاج إلى حذف.
1150 - وقد كان ابن مجاهد يختار ترك الإدغام في هذا الضرب، ويقول: إن شرط الإدغام أن تسقط له الحركة من الحرف الأول لا غير، وإدغام جاوزه هو ونظائره يوجب سقوط الواو التي بين الهاءين وإسقاط حركة الهاء، وليس ذلك من شرط الإدغام.
1151 - وقد ذهب إلى ما قاله جماعة من النحويين، وقد بيّنّا فساد ذلك بما أوردناه من الوجهين الدّالين على صحة الإدغام، مع أن محمد بن شجاع «3» قد رواه نصّا عن اليزيدي عن أبي عمرو في قوله: إلهه هوئه [الفرقان: 43] ورواه «4» العبّاس وعبد الوارث وأبو يزيد «5» عنه، في قوله: إنّه هو التّوّاب [البقرة: 37] ولم يأت عنه نصّ، بخلاف ما رووه. وعلى ذلك أهل الأداء مجمعون.
__________
(1) في م (الحقا بها). وهو خطأ.
(2) انظر اختلاف القراءة في هذه الحروف وأمثالها في السبعة/ 208، النشر 1/ 305 وما بعدها.
(3) من الطريق الثالث والثمانين بعد المائة.
(4) في ت، م: (العباس بن عبد الوارث). وهو خطأ؛ لأنه اسم ليس له مسمى في تلاميذ أبي عمرو البصري. يضاف إلى ذلك قول الداني في نهاية العبارة (بخلاف ما رووه) فاستعمل ضمير الجماعة. وعباس هو ابن الفضل الواقفي، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وأبو زيد هو سعيد بن أوس، وكلهم تقدموا.
(5) في م: (أبو يزيد). وهو خطأ؛ لأنه لا يوجد في تلاميذ أبي عمرو من اسمه أبو يزيد، وإنما هو أبو زيد. انظر غاية النهاية 2/ 375. وفي هامش ت ل (47/ و): أبو زيد هو سعيد بن أوس الأنصاري
غاية.

(1/437)


1152 - قال أبو عمرو: ومن حروف المعجم تسعة أحرف لم تلق في القرآن أمثالها، وهي الهمزة، والألف، والخاء، والطاء، والظاء، والصاد، والزاي، والضاد، والشين. وما عداها من الحروف وجملته عشرون حرفا فقد التقى بمثله فاعلمه، وبالله التوفيق.

ذكر الحرفين المتقاربين في الكلمة الواحدة وفي الكلمتين
[المتقاربان في كلمة]
1153 - واعلم أنه لم يدغم من الحرفين [المتقاربين] «1» في المخرج من كلمة إلا القاف في الكاف التي تكون في ضمير الجمع المذكرين، إذا تحرّك ما قبل الكاف «2» لا غير، وذلك نحو قوله: خلقكم [البقرة: 21] ورزقكم [المائدة: 88] وصدقكم [آل عمران: 152] وواثقكم [المائدة: 7] ويخلقكم [الزمر: 6] ويرزقكم [يونس: 31] وما أشبهه، فإن سكن ما قبل القاف في ذلك لم يدغمها اكتفاء بخفّة الساكن من خفّة الإدغام، وذلك نحو قوله: فوقكم [البقرة: 63] ويخلقكم [التوبة: 69] وو في خلقكم [الجاثية: 4] وما أشبهه.
1154 - واختلف عن اليزيدي في ثلاثة أحرف من ذلك؛ وهي قوله:
ميثقكم [البقرة: 63] حيث وقع، وقوله: مّا خلقكم [28] في لقمان، رواها «3» أحمد بن واصل عنه بالإدغام. وقوله: بورقكم [19] «4» في الكهف، رواه محمد بن خالد البرمكي «5»، عن أبي عمر، عنه مدغما، وروى ذلك سائر الرواة عنه بالإظهار، وهو القياس وعليه العمل، على أن أبا علي الصوّاف «6» قد روى عن محمد بن غالب
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) في ت، م: (الكاف). وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(3) من الطريق السابع والسبعين بعد المائة.
(4) وأبو عمرو يسكن الراء فيها. كما في السبعة/ 389، والنشر 2/ 310. قال ابن مجاهد في السبعة/ 389: وروى روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو بورقكم مدغمة.
(5) من الطريق السابع والثلاثين بعد المائة.
(6) من الطريق السادس والثمانين، والسابع والثمانين، والثامن والثمانين وكلها بعد المائة.

(1/438)


عن شجاع عن أبي عمرو: هذا الضرب حيث وقع [بالإدغام] «1»، وأهل الأداء عن شجاع على خلاف ذلك.
1155 - واختلف أهل الأداء «2» عنه في حرف رابع، وهو قوله في التحريم:
إن طلّقكنّ [5] فكان ابن مجاهد وعامّة أصحابه يرون فيه الإظهار «3»؛ لإلزام اليزيدي أبا عمرو إدغامه فدلّ ذلك على أنه رواه عنه مظهرا، لكراهة توالي التشديد في ذلك بالإدغام، وعلى ذلك أهل الأداء عن شجاع. وكان آخرون يرون فيه الإدغام قياسا على نظائره، وبالوجهين قرأته أنا «4»، وأختار الإدغام؛ لأنه قد اجتمع في الكلمة ثقلان، ثقل الجمع وثقل التأنيث، فوجب أن يخفف بالإدغام. على أن العباس بن الفضل «5» قد روى الإدغام في ذلك عن أبي عمرو نصّا.
1156 - فإن وقعت القاف مع الكاف في خطاب الواحد المذكر سواء تحرّك ما قبل القاف أو سكن، لم يدغم القاف في الكاف، وذلك نحو قوله: الّذى خلقك [الكهف: 37] نرزقك [طه: 132] وإلى عنقك [الإسراء: 29] وما أشبهه.

[الحرفان المتقاربان من كلمتين]
1157 - فأما المتقاربان إذا كانا من كلمتين، فأدغم منهما ستة عشر حرفا لا غير وهي: الحاء، والقاف، والكاف، والجيم، والشين، والضاد، والسين، والدال، والتاء، والذال، والثاء، والراء، واللام، والنون، والميم، والباء «6». وقد جمعت هذه الحروف في كلام مفهوم، وهو «سنشدّ حجّتك بذل رضّ قثم» «7». وأظهر ما عداها من المتقاربة.
__________
(1) زيادة لا بد منها ليستقيم، فرواية الإظهار عن أبي عمرو هي السائرة الشائعة، ولم يذكر ابن الجزري في إظهار هذه الحروف خلافا. النشر 1/ 286.
(2) اليزيدي.
(3) الذي في السبعة المطبوع/ 118، الإدغام في (طلقكن) قولا واحدا. وهذا مما يزيد الشك في صحة نسبة الأوراق المتعلقة بالإدغام إلى سبعة ابن مجاهد. انظر رسالتي في الماجستير العنوان في القراءات السبع لأبي الطاهر إسماعيل بن خلف تحقيق ودراسة ص/ 184.
(4) من هنا إلى نهاية الفقرة نقله ابن الجزري في النشر (1/ 286) من قول الداني.
(5) تقدم في الفقرة/ 1139 أن روايته عن أبي عمرو خارجة عن روايات جامع البيان.
(6) في ت، م (الفاء). وهو خطأ. انظر الفقرة/ 1208.
(7) في التيسير/ 22: وقد جمعتها في كلام مفهوم ليحفظ. وضمنها ابن الجزري نظم طيبة

(1/439)


[إدغام الحاء]
1158 - فأما الحاء فكان يدغمها في العين في قوله: فمن زحزح عن النّار [185] في آل عمران لا غير. روى ذلك منصوصا فيه عن اليزيدي ابنه [أبو] «1» عبد الرحمن، وبذلك قرأت، فأما ما عدا هذا الموضع فإنه أظهره سواء كان قبل الحاء كسرة، أو ياء، أو غيرهما، وذلك نحو قوله: وما ذبح على النّصب [المائدة: 3] ولا يصلح عمل المفسدين [يونس: 81] والرّيح عاصفة [الأنبياء: 81] وفلا جناح عليك [الأحزاب: 33] ولّا جناح عليكم [البقرة: 234] ولّا جناح عليهنّ [الأحزاب: 55]، وما أشبهه، إلا حرفين من ذلك، وهما قوله المسيح عيسى ابن مريم [المائدة: 17] «2»، وفلا جناح عليهما [البقرة: 230] حيث وقعا. فإن القاسم ابن عبد الوارث «3» روى عن أبي عمر عن اليزيدي الإدغام فيهما. والعمل على الإظهار [47/ و] ويقوّيه انعقاد الإجماع على [إظهار] «4» الحاء الساكنة التي إدغامها آكد من المتحركة عند العين في قوله: فاصفح عنهم [الزخرف: 89] «5». وحكى اليزيدي عن أبي عمرو أن من العرب من يدغم الحاء في العين، قال: وكان لا يرى ذلك «6».
__________
النشر فقال: رض سنشدّ حجتك بذل قثم. وبذل اسم. انظر لسان العرب 13/ 53.
وكذلك قثم، والقثم المجتمع الخلق وقيل الجموع للخير، وبه سمي الرجل قثم. انظر لسان العرب 15/ 360.
(1) سقطت (أبو) من ت، م، وليس لليزيدي ولد اسمه عبد الرحمن. إنما هو أبو عبد الرحمن واسمه عبد الله، وانظر أسماء أولاد اليزيدي وأحفاده الذين رووا عنه في غاية النهاية 2/ 375، وانظر النشر 1/ 290، والطريق/ 170.
(2) وسقطت (عيسى) من م.
(3) من الطريق الثالث والتسعين بعد المائة.
(4) زيادة من النشر 1/ 291.
(5) نقل ابن الجزري في النشر (1/ 291) هذا النص، في استثناء هذين الحرفين، وزاد في رواية القاسم حرفا ثالثا وهو (الريح عاصفة). ثم وجدت هذه الثلاثة يرويها عن القاسم الهذلي في الكامل ل (103/ و).
(6) قال ابن الجزري في النشر (1/ 260): معناه أنه لا يرى ذلك قياسا بل يقصره على السماع.

(1/440)


إدغام القاف
1159 - وأمّا القاف فكان يدغمها في الكاف إذا تحرّك ما قبلها، وذلك نحو قوله: وخلق كلّ شىء [الفرقان: 2] وخلق كلّ شىء [الأنعام: 102] وينفق كيف يشاء [المائدة: 64] وأنطق كلّ شىء [فصلت: 21] ويفرق كلّ أمر [الدخان:
4] وما أشبهه، فإن سكن ما قبل القاف لم يدغمها، وذلك في قوله: وفوق كلّ ذى علم [يوسف: 76].

إدغام الكاف
1160 - وأما الكاف فكان يدغمها في القاف إذا تحرّك ما قبلها أيضا لا غير، وذلك نحو قوله: ونقدّس لك قال [البقرة: 30] وكان ربّك قديرا [الفرقان:
54] وكذلك قال ربّك [مريم: 9] ومن عندك قالوا [النساء: 78] ولأقتلنّك قال [المائدة: 27] ولّك قصورا [الفرقان: 10] وما أشبهه، فإن سكن ما قبل الكاف لم يدغمها أيضا لخفّة السّاكن، وذلك نحو قوله: إليك قال، وفلا يحزنك قولهم [يس: 76] وو تركوك قائما [الجمعة: 11] وعليك قولا ثقيلا [المزمل: 5] وما أشبهه.
واختلف عن اليزيدي في موضع واحد من ذلك، وهو قوله في الأعراف: أنظر إليك قال [الأعراف: 143] فرواه ابن جبير «1» عنه مدغما، وليس العمل على ذلك.

إدغام الجيم
1161 - وأما الجيم، فكان يدغمها في حرفين في التاء في سأل سائل قوله:
ذى المعارج* تعرج [4] وفي الشين في قوله: شطئه [الفتح: 29] لا غير.
وإدغامهما «2» في التاء قبيح لتباعد ما بينهما في المخرج إلا أن ذلك جائز؛ لكونها من مخرج الشين، والشين لتفشّيها تتصل بمخرج التاء، فأجري لها حكمها فأدغمت في التاء لذلك، وجاء بذلك نصّا عن اليزيدي ابنه [أبو] «3» عبد الرحمن وسائر أصحابه،
__________
(1) من الطريق الثاني والثمانين بعد المائة.
(2) الجيم، ومن هنا إلى قوله والتاء في الجيم نقله ابن الجزري في النشر 1/ 290.
(3) سقط من ت، م، واسمه عبد الله، كما تقدم. وسيأتي اسمه صحيحا في الفقرة التالية.

(1/441)


فقالوا عنه: كان يدغم الجيم في التاء والتاء في الجيم، وجاء به نصّا عن شجاع محمد ابن غالب.
1162 - فأما قوله: وأخرج ضحاها [النازعات: 29] ومخرج صدق [الإسراء: 80] فرواهما ابن شنبوذ «1» عن أصحابه عن أبي عبد الرحمن، وابن سعدان «2» عن اليزيدي مدغمين، ورواهما سائر أهل الأداء مظهرين، وذلك الوجه، وبه قرأت.

إدغام الشين
1163 - وأما الشين فكان يدغمها في السّين في قوله: إلى ذى العرش سبيلا [الإسراء: 42] لا غير، روى ذلك عن اليزيدي منصوصا ابنه عبد الله، وبذلك قرأت من طريق اليزيدي وشجاع، وروى عنه غيره ذلك بالإظهار، من أجل التفشّي الذي في الشين، والإدغام لا يمتنع لأجل صفير السّين، وهو زيادة صوت كالتفشّي، وما تكافأ في المنزلة من الحروف المتقاربة فإدغامه جائز، وما زاد صوته منها فإدغامه ممتنع؛ للإخلال الذي يلحقه «3»، وإدغام الأنقص صوتا في الأزيد جائز مختار؛ لخروجه من حال الضعف إلى حال القوة.

إدغام الضاد
1164 - وأما الضاد، فكان يدغمها في الشين في قوله في النور لبعض شأنهم [النور: 62] لا غير «4»، روى ذلك منصوصا عن اليزيدي أبو شعيب السّوسي «5»، ولم يروه غيره، وبذلك قرأت. وبلغني عن ابن مجاهد أنه كان لا يمكن من إدغامها إلا حاذقا، وقياس ذلك قوله في النحل [73] والأرض شيئا ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في إظهاره «6»، ولا فرق بينهما إلا الجمع بين اللغتين مع
__________
(1) طريق ابن شنبوذ عن أصحابه عن أبي عبد الرحمن بن اليزيدي لم يتقدم في أسانيد طرق الكتاب فهو خارج عن طرق جامع البيان.
(2) من الطريقين: الثمانين والحادي والثمانين كلاهما بعد المائة.
(3) في ت، م بعد قوله (يلحقه) زيادة (معا). وهذا النص في النشر (1/ 279) من قوله (ما تكفأ في المنزلة) إلى نهاية الفقرة بدون زيادة (معا). ولا معنى لهذه الزيادة، فهي خطأ.
(4) من هنا إلى قوله (دون الأثر) نقله ابن الجزري من قول الداني. انظر النشر 1/ 293.
(5) كذا في الكامل ل (103/ و).
(6) روى الهذلي في الكامل عن أبي شعيب إدغامه. انظر الكامل ل (103/ و).

(1/442)


الإعلام بأن القراءة ليست بالقياس دون الأثر «1». فأما قوله في عبس: ثمّ شققنا الأرض شقّا [26] فمظهر بلا خلاف «2» لخفّة فتحة الضاد.
1165 - فأما الضاد إذا لقيت ذالا نحو قوله: مّلء الأرض ذهبا [آل عمران:
91] وببعض ذنوبهم [المائدة: 49] ومن الأرض ذلك [المائدة: 37] وو الأرض ذات الصّدع [الطارق: 12] وما أشبهه حيث وقع، فالرواة مجمعون عن اليزيدي على الإظهار؛ لزيادة صوت الضّاد، ما خلا القاسم بن عبد الوارث «3»، فإنه روى عن أبي عمر عنه: أنه أدغم ذلك.
وروى ابن جبير «4» عنه الأرض ذلولا [15] في الملك مدغما، لم يذكره غيره.
وقال في كتاب الخمسة: أكثر ما سبق إلى قلبي أني قرأت عليه لبعض شأنهم [النور: 62] الأرض ذلولا بالإدغام.
1166 - وحكى ابن شنبوذ «5» عن قراءته على أصحابه عن أبي عبد الرحمن وابن سعدان جميعا عن اليزيدي: إدغام الضاد في الذال والجيم والزاي، وكذلك روى ابن المنادي «6» عن الصوّاف [47/ ظ] عن ابن غالب، عن شجاع، وذلك نحو من الأرض ذلك [المائدة: 33] وو الأرض جعل [الشورى: 11] والأرض زلزالها [الزلزلة: 1] وشبهه والعمل في ذلك من الطريقين على الإظهار.
__________
(1) ذكر ابن الجزري فرقا بينهما في النشر (1/ 293). فانظر رأيه هناك.
(2) أي من طرق هذا الكتاب وإلا فقد ورد الإدغام من غير طرق جامع البيان. قال ابن الجزري في النشر (1/ 293): قد انفرد القاضي أبو العلاء عن ابن حبش عن السوسي بإدغامه، وتابعه الأدمي عن صاحبه. اهـ.
(3) من الطريق الثالث والتسعين بعد المائة.
(4) من الطريق الثاني والثمانين بعد المائة.
(5) تقدم في الفقرة/ 1162 أن هذا الطريق خارج عن طرق جامع البيان.
(6) طريق أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادي، عن الحسن بن الحسين الصواف، عن محمد بن غالب الأنماطي، عن شجاع بن أبي نصر لم يتقدم في طرق الكتاب فهو خارج عن طرق جامع البيان.

(1/443)


إدغام السين
1167 - وأما السّين: فكان يدغمها في الزاي في قوله في كوّرت: وإذا النّفوس زوّجت [7] لا غير، وفي الشين بخلاف عنه في قوله في مريم: واشتعل الرّأس شيبا [4] لا غير. روى الإدغام في ذلك عن اليزيدي «1» ابنه عبد الله، وبذلك قرأت، وعليه «2» أكثر أهل الأداء عن اليزيدي، وعن شجاع. [و] «3» بلغني عن ابن مجاهد أنه «4» كان يخيّر في ذلك بين الإظهار والإدغام. قال أحمد بن نصر أخذه عليّ ابن مجاهد أولا بالإظهار وآخرا بالإدغام.
1168 - فأما في قوله في يونس: لا يظلم النّاس شيئا [44] فلا أعلم خلافا في إظهاره في نصّ ولا أداء لخفّة الفتحة، وكذلك لا خلاف في إظهار السين عند الضاد والظاء والتاء في قوله: يأيّها النّاس ضرب مثل [الحج: 73] وبالواد المقدّس طوى [طه: 12] وبروح القدس تكلّم [البقرة: 87] لئلا يذهب صفير السين بالإدغام.

إدغام الدال
1169 - وأما الدال، فكان يدغمها بأيّ حركة تحرّكت إذا تحرّك ما قبلها في خمسة أحرف: في التاء في قوله في البقرة: فى المسجد تلك حدود الله [187] لا غير. وفي الذال في قوله في المائدة: والقلئد ذلك [97] لا غير. وفي السين في قوله في المؤمنون: عدد سنين [112] لا غير «5». وفي الشين في قوله في يوسف [26] والأحقاف [10]: وو شهد شاهد لا غير. وفي الصاد في قوله في يوسف:
نفقد صواع الملك [72]. وفي القمر: مقعد صدق [55] لا غير.
1170 - فإن سكن ما قبلها وتحرّكت هي بالضم أو الكسر لا غير أدغمها في تسعة أحرف: في التاء في الموضعين في المائدة من الصّيد تناله [94]، وفي الملك
__________
(1) في م، (اليزيدي عن ابنه) وهو خطأ.
(2) من هنا إلى نهاية الفقرة نقله ابن الجزري في النشر (1/ 292) من قول الداني.
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) في م (وأنه). ولا موضع للواو هنا.
(5) في م (المؤمن) وهو خطأ. الآية/ 112.

(1/444)


تكاد تميّز [8] لا غير، وفي الذال نحو قوله: مّن بعد ذلك [البقرة: 52] والمرفود ذلك [هود: 99، 100]، ومّن أثر السّجود ذلك [الفتح: 29] والودود ذو العرش [البروج: 14، 15] وما أشبهه. وفي الظاء في ثلاثة مواضع: في آل عمران [108] والمؤمن [31]: يريد ظلما وفي المائدة: من بعد ظلمه [39] لا غير. وفي الثاء في موضعين في النساء: يريد ثواب الدّنيا [134]، وفي سبحان لمن نّريد ثمّ جعلنا [18] لا غير، وفي الزاي في موضعين أيضا: في الكهف: تريد زينة الحيوة الدّنيا [28]، وفي النور: يكاد زيتها يضىء [35] لا غير. وفي السين في موضعين:
في إبراهيم: فى الأصفاد سرابيلهم [50]، وفي النور: يكاد سنا برقه [43] لا غير «1»، وفي الصّاد في موضعين: في مريم: فى المهد صبيّا [12 و 29]، وفي النور: ومن بعد صلوة العشاء [58] لا غير، وفي الضاد في ثلاثة مواضع: في يونس [21] وفصّلت [50]: بعد ضرّاء، وفي الروم: من بعد ضعف [الروم: 54] لا غير «2». وفي الجيم في موضعين: في البقرة: وقتل داود جالوت [251]، وفي فصّلت: دار الخلد جزاء [28] لا غير.
1171 - وقد كان ابن مجاهد لا يرى الإدغام في قوله: دار الخلد جزاء؛ لأن الساكن قبل الدال فيه غير حرف مدّ ولين، فامتنع الإدغام؛ لأنه يلتقي «3» ساكنان معه في ذلك، وكان غير ابن مجاهد من أهل الأداء يرى الإدغام فيه؛ لقوة حركة الدال «4»؛ ولأن الإشارة إليها متمكّنة «5»، وبذلك قرأت وبه كان يأخذ ابن شنبوذ وابن المنادي وغيرهما من أهل الأداء، ولا فرق بين هذا الحرف وسائر ما تقدم من نظائره- مما قبل الدال فيه ساكن غير حرف مدّ ولين «6» -، وفي امتناع الإدغام لأجل الساكنين، وفي جوازه لقوّة حركة الدال.
__________
(1) قال ابن الجزري في النشر (1/ 291): ولم يذكر الداني (كيد ساحر) بل تركه سهوا.
(2) أبو عمرو يضم الضاد. انظر النشر 2/ 345، السبعة/ 508.
(3) في م (يكتفي). وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(4) في م (جرة) بدل الحركة.
(5) كذا في ت، م، والمراد بالإشارة هنا الإخفاء، وهو الروم، ويعبر عنه بالاختلاس. انظر النشر 1/ 299. وسيأتي بيانه في الفقرة التالية.
(6) في ت، م: (وفي). وزيادة الواو خطأ؛ لأنها تؤدي إلى اضطراب السياق.

(1/445)


1172 - وهذا الضرب من المدغم عند أكثر النحويين والقرّاء ليس بإدغام محض لسكون ما قبل المدغم فيه سكونا جامدا «1»، وحقيقته عندهم أن يكون إخفاء «2»؛ لأن
الحركة في المخفاة لا تذهب رأسا، وإنما يضعف الصوت بها (ولا أتم) «3» فخف بعض الخفّة، ويمنع من التقاء الساكنين. وقد أجاز الإدغام الخالص في ذلك جماعة منهم، وسوّغوا التقاء الساكنين فيه؛ وذلك من حيث ورد السماع به عن العرب، في نحو قوله:
شهر رمضان [البقرة: 185] «4»، وكان الحرفان في الإدغام- لارتفاع اللسان بهما ارتفاعة واحدة- بمنزلة حرف واحد متحرّك، فكان الساكن الأول لذلك قد ولي متحرّكا، وقد قرأت [48/ و] أنا بالمذهبين جميعا، والإخفاء أوجه وأكثر.
1173 - فإن كان الساكن الواقع قبل الحرف المدغم، حرف مدّ ولين، أو حرف لين فقط- وهو أن ينفتح ما قبل الياء والواو- فلا خلاف في جواز الإدغام؛ لأنه يزاد في مدّ الصوت لأجله، فيتميّز بذلك الساكنان أحدهما من الآخر، ولا يلتقيان، وذلك نحو قوله: وقال لهم [البقرة: 247]، وقال ربّك [البقرة: 30] وإذا قيل لهم [البقرة: 110] والبصير له [الشورى: 11، 12] ويقول له [البقرة: 117] والمرفود ذلك [هود 99، 100] ومّصيبة الموت تحبسونهما [المائدة: 106] ومن قوم موسى [الأعراف: 159] وفلا كيل لكم [يوسف: 60] والّيل لتسكنوا [يونس: 67] وما أشبهه.
1174 - فإن تحرّكت الدال بالفتح وسكّن ما قبلها لم يدغمها في الحروف المتقدمة لخفّة الفتحة والساكن، وذلك نحو قوله: داود زبورا [النساء: 163] وأراد شكورا [الفرقان: 62] وبعد ذلك [البقرة: 52] «5»، وبعد ضرّاء مسّته [هود:
10] «6»، وبعد ظلمه [المائدة: 39] وبعد ثبوتها [النحل: 94] وداود وسليمن
__________
(1) أي ليس حرف لين.
(2) أي روما.
(3) كذا في ت، م.
(4) قال ابن الجزري في النشر (2/ 236): وحكى النحويون الكوفيون سماعا من العرب (شهر رمضان) مدغما. وحكى ذلك سيبويه في الشعر. اهـ.
(5) وفي ت، م: (من بعد) وهو خطأ لعدم اتساقه مع السياق.
(6) وسقطت (بعد) من م. ولا بد من إثباتها.

(1/446)


[الأنعام: 84] وما أشبهه «1»، إلا مع التاء وحدها في موضعين لا غير: في التوبة: من بعد ما كاد يزيغ [117] «2»، وفي النحل بعد توكيدها [91] فإنه أدغم الدال في التاء فيهما خاصة «3»؛ لكونهما من مخرج واحد، فكأنهما متماثلان، والإدغام في الحرف الذي في التوبة أقوى؛ لأن الساكن فيه ألف وهي في نيّة حركة.
1175 - وقد اختلف أصحاب اليزيدي عنه في خمسة أحرف من هذا الضرب «4»: فروى القاسم بن عبد الوارث عن أبي عمر عنه عن أبي عمرو أنه أدغم [داود زبورا في النساء [163]، ولداود سليمن في ص [30]. وروى هارون «5» وأبو عبد الرحمن عنه «6»، عن أبي عمرو أنه أدغم] داود ذا الأيد [17] في ص.
وروى محمد بن سعدان «7»، وأحمد بن جبير عنه «8»، عن أبي عمرو: أنه أدغم فمن تولّى بعد ذلك [آل عمران: 82] حسب «9»، وبعد ضرّاء مسّته [يونس: 21] وليس العمل على ما رواه في ذلك «10»، على [أن] «11» ابن المنادي روى «12» أداء عن اليزيدي، وعن ابن غالب عن شجاع: جميع ذلك بالإدغام، وزاد حرفا سادسا وهو
__________
(1) وفي ت، م: (داود وسليمان)، وهو خطأ، وليس بين المواضع التي ذكر فيها داود وسليمان ما يناسب أن يذكر هنا إلا الآية التي أثبتها.
(2) وقرأ أبو عمرو (تزيغ) بالتاء. انظر النشر 2/ 281، السبعة/ 319.
(3) في م (ولا تناسب المقام. وفي هامش ت ل (48/ ظ): خالصة نسخة.
(4) من الطريق الثالث والتسعين بعد المائة.
(5) لم أجده في تلاميذ اليزيدي، وروى الهذلي في الكامل إدغام هذا الحرف عن ابن اليزيدي وابن سعدان وقاسم. انظر الكامل ل (103/ و). فلم يذكر هارون.
(6) هو عبد الله بن اليزيدي.
(7) من الطريقين الثمانين والحادي والثمانين كلاهما بعد المائة.
(8) من الطريق الثاني والثمانين بعد المائة.
(9) في م (حيث) وهو تصحيف.
(10) في ت، م: (رواه). ولا يناسب المقام.
(11) زيادة يقتضيها السياق.
(12) في ت، م: (فروى). ولا موضع للفاء هنا. وطرق ابن المنادي عن اليزيدي هي من الطريق الثاني والستين بعد المائة إلى الخامس والستين بعد المائة على التوالي. وأما روايته عن الصواف عن محمد بن غالب الأنماطي عن شجاع بن أبي نصر فتقدم في الفقرة/ 1166. أنها خارجة عن طرق جامع البيان.

(1/447)


قوله: داود شكرا [سبأ: 13] وقياسه أو أراد شكورا [الفرقان: 62]، وبالإظهار قرأت ذلك كله من الطريقين «1».

إدغام التاء
1176 - وأما التاء فكان يدغمها ما لم يكن اسم المخاطب في عشرة أحرف:
في الطاء في ثلاثة مواضع، في هود: وأقم الصّلوة طرفى النّهار [114]، وفي الرعد: وعملوا الصّلحت طوبى لهم [29]، وفي النحل: الملئكة طيّبين [32] لا غير. فأما قوله في النساء: بيّت طائفة [81] فإنه يدغم التاء في الطاء فيه في الإدغام والإظهار جميعا، [ولم يدغم من الحروف المتحركة إذا قرأ بالإظهار غيره] «2»، وإنما يدغم الحروف السواكن خاصة. فأما قوله في سبحان: لمن خلقت طينا [الإسراء: 61] فلا خلاف في إظهاره؛ لأن التاء للخطاب.
1177 - وأما قوله في النساء: ولتأت طائفة [102] فاختلف أهل الأداء فيه، فابن مجاهد وابن المنادي يريان إظهاره؛ لأنه معتلّ الآخر، وغيرهما يرى إدغامه لقوة كسرة التاء، وبالوجهين قرأت ذلك. وقد أتى بالإظهار منصوصا فيه عن اليزيدي أحمد ابن جبير.
1178 - وحدّثني «3» فارس بن أحمد قال: حدّثنا عبد الباقي بن الحسن عن زيد ابن علي أنه سمع ابن مجاهد سنة ثلاثمائة يقرئ ولتأت طائفة [آل عمران: 102] ويخل لكم [يوسف: 9] بالإدغام. وكذلك سائر المنقوص، قال: ثم رجع إلى الإظهار في آخر عمره. قال أبو عمرو: وبذلك حدّثنا عنه محمد بن أحمد في كتاب السبعة، وعليه عامّة أصحابه «4».
1179 - وفي الثاء نحو قوله: بالبيّنت ثمّ [البقرة: 92] والنّبوّة ثمّ [آل عمران: 79] وذائقة الموت ثمّ [العنكبوت: 57] وما أشبهه. وقد اختلف عن اليزيدي
__________
(1) طريقي اليزيدي وشجاع عن أبي عمرو.
(2) نقله ابن الجزري في النشر (1/ 289) من قول الداني.
(3) الإسناد صحيح.
(4) ليس في السبعة المطبوعة النص على هذين الحرفين، ولكن فيه النص على غيرهما مع تعليل الإظهار بالنقص. انظر السبعة/ 117.

(1/448)


في موضعين من ذلك: أحدهما: في البقرة [83] وءاتوا الزّكوة ثمّ «1»، والثاني في الجمعة: حمّلوا التّورئة ثمّ [5] فروى عنه ابن جبير ومحمد بن رومي «2»، والقاسم ابن عبد الوارث عن أبي عمرو عنه: الإدغام فيهما؛ لأجل التقارب، وبذلك قرأت.
وروى اليزيدي «3» عنه الإظهار فيهما لخفّة الألف والفتحة، وهو اختيار ابن مجاهد وأصحابه.
1180 - فأما قوله في القصص: وما كنت ثاويا [5] وفي الإنسان: وإذا رأيت ثمّ [20] فمظهران؛ لأن التاء فيهما للخطاب، وقد حذفت من الأول عينه فاجتمع فيه علّتان، على أن ابن شنبوذ قد كان يأخذ بإدغام الحرف الذي في الإنسان، وذلك مخالفة لمذهب أبي عمرو المتفق عليه.
1181 - وفي الجيم نحو قوله: الصّلحت جنّت [إبراهيم: 23] والصّلحت جناح [المائدة: 91] ومائة جلدة [النور: 3] ومن ورثة جنّة النّعيم [الشعراء: 85] وفلله العزّة جميعا [فاطر: 10] وما أشبهه، وسواء كانت التاء أصلية، أو كانت زائدة للتأنيث، مرسومة هاء على نيّة الوقف.
1182 - فأما قوله في هود: فأكثرت جدلنا [هود: 32]، وقوله في الكهف:
إذ دخلت جنّتك [39] فلا خلاف في إظهارهما؛ لأن التاء للخطاب. وقد كان ابن شنبوذ فيما بلغني يأخذ بإدغامها، وذلك خلاف لأصل أبي عمرو المجتمع عليه.
1183 - وفي الزاي ثلاثة مواضع: في النمل: بالأخرة زيّنّا [4]، وفي الصّافّات:
فالزّجرت زجرا (2) [2]، وفي الزّمر: إلى الجنّة زمرا [73] لا غير.
1184 - وفي السين الصّلحت سندخلهم [النساء: 57] والسّحرة سجدين [الأعراف: 120] وبالسّاعة سعيرا [الفرقان: 11] وما أشبهه. وأما قوله في طه: قد أوتيت سؤلك [36] وفلبثت سنين [40] فلم يدغم التاء فيهما؛ لأنها للخطاب، ولأنها أيضا مشدّدة في فلبثت لإدغام الثاء فيها.
__________
(1) في هامش ت ل (48/ ظ) مطلب إدغام التوراة ثم، وآتوا الزكاة ثم.
(2) محمد بن عمر بن عبد الله بن رومي، تقدم وطريقه خارج عن طرق جامع البيان.
(3) سقطت (ابن) من م. وقال ابن الجزري في النشر (1/ 288): وهي رواية أولاد اليزيدي عنه.

(1/449)


1185 - وفي الصّاد في ثلاثة مواضع في: والصّفّت صفّا (1) [الصافات: 1]، وفي النبأ: والملئكة صفّا [38]، وفي العاديات: فالمغيرات صبحا (3) [2] لا غير.
1186 - وفي الظاء في قوله في النساء [97] والنحل [28] الملئكة ظالمى لا غير.
1187 - وفي الذال نحو قوله: عذاب الأخرة ذلك [هود: 103] ورفيع الدّرجت ذو العرش [غافر: 15] وو الذّريت ذروا (1) [الذاريات: 1] وفالتّليت ذكرا (3) [الصافات: 3] وفالملقيت ذكرا (5) [المرسلات: 5] وما أشبهه. فأما قوله في سبحان [26] والروم [38] وو ءات ذا القربى حقّه «1» فابن مجاهد وابن المنادي لا يريان الإدغام فيه؛ لقلّة حروف الكلمة واعتلال آخرها. وأبو الحسن بن شنبوذ وأبو بكر الداجوني «2» وغيرهما من أهل الأداء يرون الإدغام فيه لقوة كسرة التاء، وبالوجهين قرأته.
1188 - وفي الضاد في موضع واحد وهو قوله: والعديت ضبحا (1) [العاديات: 1] لا غير.
1189 - وفي الشين في ثلاثة مواضع: في الحج: إنّ زلزلة السّاعة شىء [1]. وفي النور في قوله: بأربعة شهداء [4 و 13] في الموضعين لا غير. فأما قوله في الكهف: لقد جئت شيئا إمرا [71] ولّقد جئت شيئا نكرا [74] فلا خلاف في إظهار التاء فيهما لأنهما للخطاب وهي مفتوحة.
1190 - واختلف أهل الأداء في قوله في مريم: لقد جئت شيئا فريّا [27] وأكثرهم لا يرون الإدغام؛ لأنه منقوص العين. ورأى الآخرون منهم [الإدغام] «3»؛ لقوة كسرة التاء، وبالوجهين قرأته.
__________
(1) لكن حرف الروم ((فآت)) بالفاء.
(2) طريق محمد بن أحمد بن عمر الداجوني في قراءة أبي عمرو خارج عن طرق جامع البيان.
(3) زيادة يقتضيها السياق.

(1/450)


إدغام الذال
1191 - فأما الذال فكان يدغمها في حرفين لا غير؛ في السين من قوله: واتّخذ سبيله [الكهف: 63] «1»، في موضعي الكهف لا غير «2». وفي الصاد في قوله في الجنّ: ما اتّخذ صحبة [3] لا غير.

إدغام الثاء
1192 - وأما الثاء فكان يدغمها في خمسة أحرف: في الذال في قوله في آل عمران: والحرث ذلك [14] لا غير. وفي التاء في موضعين: في الحجر:
حيث تؤمرون [65]، وفي النجم: الحديث تعجبون [59] لا غير. وفي الشين في خمسة مواضع: في البقرة [35، 58] والأعراف [19]: حيث شئتما وحيث شئتم، وفي المرسلات: ثلث شعب [30] لا غير، وفي السين في أربعة مواضع:
في النمل: وورث سليمن داود [16]، وفي الطلاق: من حيث سكنتم [6]، وفي نون والقلم الحديث سنستدرجهم [44]، وفي المعارج من الأجداث سراعا [43] لا غير، وفي الضّاد في موضع واحد وهو قوله في الذاريات: حديث ضيف إبراهيم [24] لا غير.

إدغام الراء
1193 - وأما الراء فكان يدغمها في اللام إذا تحرّك ما قبلها بأيّ حركة تحرّكت هي من فتح أو كسر أو ضم، وذلك نحو قوله: سخّر لكم [إبراهيم: 32] وسخّر لنا [الزخرف: 13] وحتّى تفجر لنا [الإسراء: 90] وإلها ءاخر لا برهن له به [المؤمنون: 117] ومواخر لتبتغوا [النحل: 14] وإلى أرذل العمر لكى لا [النحل: 16] ويغفر لمن يشاء [آل عمران: 129] وهنّ أطهر لكم [هود: 78] وو يقدر له [سبأ: 39] وما أشبهه.
1194 - فإن سكن ما قبلها راعى حركتها، فإن كانت ضمّا أو كسرا أدغمها لقوة الضمّ والكسر، فالمضمومة نحو قوله: الأنهر له [البقرة: 66] والمصير لا يكلّف
__________
(1) لكن حرف الآية/ 61 (فاتخذ) بالفاء.
(2) سقط من م.

(1/451)


الله [البقرة: 285، 286] والنّار ليجزى الله [إبراهيم: 50، 51] وما أشبهه.
والمكسور نحو قوله: والنّهار لأيت [آل عمران: 19] والنّهار لعلّك ترضى [طه:
130] النّار لهم فيها [هود: 106] وكتب الأبرار لفى [المطففين: 18] وكتب الفجّار لفى [المطففين: 7] وبالذّكر لمّا [فصلت: 41] ومّن الدّهر لم يكن [الإنسان: 1] وما أشبهه.
1195 - واختلف أهل الأداء في إمالة الألف التي قبل الراء المدغمة في مثلها، وفي اللام- في نحو: مع الأبرار ربّنا [آل عمران: 193، 194] وعذاب النّار ربّنا [آل عمران: 191، 192] وو النّهار لأيت [آل عمران: 19] وفى النّار لخزنة جهنّم [غافر: 49] وما أشبهه- وفي إخلاص فتحها، فبعضهم لا يرى إمالتها؛ لذهاب الجالب لها في ذلك، وهي الكسرة بالإدغام، وهذا [49/ و] مذهب أبي الحسن أحمد بن جعفر بن المنادي، وأبي بكر أحمد بن نصر الشذائي «1»، وأبي بكر محمد بن عبد الله ابن أشتة، وأبي علي
الحسين بن حبيش وغيرهم.
1196 - ورأى الآخرون- وهم الأكثر- إمالتها لجهتين: إحداهما الإعلام والإشعار بأنها «2» تمال مع غير الإدغام، وعند الانفصال، والثانية أن الجالب لإمالتها لا يذهب رأسا، بل ينوى، ويراد بالإشارة «3» إليه على مذهبه، فهو غير معدوم وإذا كان كذلك لزم إمالتها لأجله، وأن يظهر تمام الصوت محقق اللفظ. هذا مع كون التسكين للحرف المدغم عارضا بمنزلة كون تسكينه للوقف؛ إذ لا تدغم ولا يوقف عليه، والعارض لا يعتدّ به ولا تغيّر له الأصول. وهذا مذهب أبي العباس «4» أحمد ابن يحيى ثعلب وأبي بكر بن مجاهد وسائر أصحابهما. وبذلك قرأت وهو القياس.
1197 - فإن تحرّكت الراء مع الساكن بالفتح لم يدغمها في اللام؛ لخفّة الفتحة والساكن، وذلك نحو قوله: من مصر لامرأته [يوسف: 21] والذّكر لتبيّن
__________
(1) في م: (الشروي)، وفي ت: (الشيزري) وكلاهما خطأ. انظر غاية النهاية 1/ 144. وطريقته في قراءة أبي عمرو خارج عن طرق جامع البيان. وكذلك طريقي ابن أشتة وابن حبش. وسيأتي في الفقرة/ 1146 أن طريق ابن حبش هو عن موسى بن جرير عن السوسي عن اليزيدي.
(2) وفي م: (فإنها). وليس بذاك.
(3) الإشارة هنا الروم.
(4) في ت؛ (بن ثعلب). وهو خطأ.

(1/452)


[النحل: 44] والبحر لتأكلوا [النحل: 14] وإنّ الأبرار لفى نعيم (13) وإنّ الفجّار لفى جحيم [الانفطار: 13 - 14] والحمير لتركبوها [النحل: 8] ولّن تبور لا ليوفّيهم [فاطر: 29 - 30] وما أشبهه. فإن سكّنت الراء أدغمها أيضا في اللام، وذلك نحو قوله: يغفر لكم [آل عمران: 31] وأن اشكر لى [لقمان: 12] وو اصطبر لعبدته [مريم: 65] وو اصبر لحكم ربّك [الطور: 48] وما أشبهه].

[إدغام اللام]
1198 - وأما اللام فكان يدغمها في الراء إذا تحرك ما قبلها، بأيّ حركة تحرّكت «1» من فتح أو كسر أو ضم، وذلك نحو قوله: سبل ربّك [النحل: 69] ورسل ربّك [هود: 81] وكمثل ريح [آل عمران: 117] جعل ربّك [مريم: 24] وفعل ربّك [الفجر: 6] وما أشبهه.
1199 - فإن سكن ما قبلها راعى أيضا حركتها، فإن كانت ضمّا أو كسرا أدغمها، فالمضمومة نحو قوله: وإسمعيل ربّنا [البقرة: 127] ومن يقول ربّنا [البقرة: 200] وفيقول ربّى أكرمن [الفجر: 15] وتأويل رءيى [يوسف: 100] وما أشبهه.
والمكسور نحو قوله: وإلى الرّسول رأيت [النساء: 61] وإلى سبيل ربّك [النحل: 125] من فضل ربّى [النمل: 40] وما أشبهه.
1200 - فإن تحرّكت اللام بالفتح وسكن ما قبلها لم يدغمها، وذلك نحو قوله:
فعصوا رسول ربّهم [الحاقة: 10] وفيقول ربّ لولا [المنافقون: 10] وأن يقول ربّى الله [غافر: 28] والسّبيلا ربّنا «2» [الأحزاب: 67، 68] وما أشبهه، إلا اللام من قوله: قال حيث وقعت، فأدغمها في الراء كقوله: قال ربّ [آل عمران: 38] وقال ربّنا [طه: 50]، وقال ربّكم [الشعراء: 26] وما أشبهه. روى ذلك عن اليزيدي «3» ابنه وأبو شعيب. وقياس ذلك قال رجلان [23] في المائدة، وو قال
__________
(1) في م: (تحركت هي).
(2) قرأ أبو عمرو بغير ألف وصلا ووقفا. انظر النشر 2/ 348، السبعة/ 519.
(3) في م: (عن اليزيدي وآله وابن شعيب). وذلك خطأ؛ لأنه لا يعطف آل اليزيدي عليه إنما يروون عنه وابن شعيب غير معروف. وفي هامش ت ل (49/ ظ): قوله روى ذلك عن اليزيدي ابنه هو أبو عبد الرحمن، كذا في كتاب الإدغام الكبير لأبي عمرو الداني. اهـ.

(1/453)


رجل [28] في المؤمن، ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في إدغامها ووجه تخصيصه كلمة قال بالإدغام أن الساكن الذي قبل اللام فيها ألف وهي لقوّة مدّها وزيادة صوتها بمنزلة المتحرّك، فكأن اللام قد وليها متحرّك، فأدغمها كما يدغمها إذا وليها ذلك «1».

[إدغام النون]
1201 - وأما النون فكان يدغمها في اللام والراء إذا تحرّك ما قبلها لا غير، في اللام نحو قوله: زيّن للنّاس [آل عمران: 14] وزيّن لهم [الأنفال: 43]، ولن نّؤمن لك [البقرة: 55] [ويبيّن لك [التوبة: 43]] ولتبيّن للنّاس [النحل: 44] وما أشبهه.
1202 - وفي الراء في خمسة مواضع لا غير في الأعراف وإذ تأذّن ربّك [67]، وفي إبراهيم: وإذ تأذّن ربّكم [7]، وفي سبحان خزائن رحمة ربّى [100]، وفي ص خزائن رحمة
ربّك [9]، وفي الطور خزائن ربّك [37].
1203 - فإن سكن ما قبل النون لم يدغمها فيهما بأي حركة تحرّكت من فتح، أو كسر أو ضمّ؛ اكتفاء بخفّة الساكن عن خفة الإدغام «2»، وذلك نحو قوله: وتكون لكما [يونس: 78] وقد كان لكم [الأعراف: 13] وأربعين ليلة [البقرة: 51] ويخافون ربّهم [النحل: 50] وو يرجون رحمته [الإسراء: 57] ومسلمين لك [البقرة:
128] وبإذن ربّهم [إبراهيم: 10] وما أشبهه إلا أصلا مطّردا من ذلك، وهو ما جاء من لفظ نحن خاصّة كقوله: ونحن له [البقرة: 133] وفما نحن لك [الأعراف:
132] وو ما نحن لكما [يونس: 78] وما أشبهه، وذلك عندي للزوم حركتها وامتناعها من الانتقال عن الضمّ إلى غيره وليس ما عداها كذلك «3».
1204 - روى الإدغام في ذلك منصوصا عن اليزيدي ابنه «4» والسّوسي،
__________
أقول: وأبو عبد الرحمن اسمه عبد الله، وأبو شعيب هو صالح بن زياد السوسي.
(1) يبدو أن ابن الجزري لم يرتض هذا التعليل، فلم يذكره، واكتفى بقوله: لكثرة دورها. انظر النشر 1/ 294.
(2) في م (غير). وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(3) نقل ابن الجزري في النشر (1/ 294) هذا التعليل من قول الداني ثم قال: ويمكن أن يقال لتكرار النون فيها، وكثرة دورها، ولم يكن ذلك في غيرها.
(4) في م: (عن اليزيدي وآله والسوسي). وهذه العبارة خطأ كما سبق في الفقرة/ 1200. وابن اليزيدي اسمه عبد الله، وكنيته أبو عبد الرحمن.

(1/454)


وخالفهم «1» ابن جبير: فروى عن اليزيدي الإظهار، وكان محمد بن غالب يروي عن شجاع إدغام النون- إذا سكن ما قبلها- في اللام حيث وقعت كرواية «2» العباس بن الفضل، وأحمد بن موسى «3»، ومعاذ بن معاذ «4»، وعلي بن نصر «5» [49/ ظ] عن أبي عمرو فيما ذكر محمد بن موسى عنهم «6»، وعن اليزيدي أيضا. واستثنى ابن غالب من ذلك حرفا واحدا، وهو قوله: فإن أرضعن لكم [الطلاق: 6] فرواه عن شجاع مظهرا، وبما قدّمته أوّلا قرأت من الطريقين، وعلى ذلك أهل الأداء.

[إدغام الميم]
1205 - وأما الميم فكان يخفيها إذا تحرّك ما قبلها عند الباء لا غير، وذلك قوله: بأعلم بالشّكرين [الأنعام: 53] وأعلم بكم [الإسراء: 54] ويحكم به [المائدة: 95] ولتحكم بين النّاس [النساء: 105] ومريم بهتنا [النساء: 156] ولكى لا يعلم بعد [النحل: 70] وما أشبهه.
1206 - وترجم «7» اليزيدي وغيره من الرّواة والمصنّفين عن هذا الميم بالإدغام على سبيل المجاز وطريق الاتّباع لا على الحقيقة إذ كانت لا تقلب مع الباء باء بإجماع من أهل الأداء، وإنما تسقط حركتها تخفيفا، فتخفى بذلك لا غير، وذلك إخفاء للحرف لا إخفاء للحركة، فأمّا إدغامها أو قلبها فغير جائز للغنّة التي فيها إذ كان ذلك يذهبها فتختل لأجله.
1207 - فإن سكن ما قبلها لم يخفها «8»؛ اكتفاء بخفّة الساكن من خفّة الإخفاء، وذلك نحو قوله: الشّهر الحرام بالشّهر الحرام [البقرة: 194] وكالأنعم بل هم [الأعراف: 179] وإبرهم بنيه [البقرة: 132] وإبرهيم بالبشرى [هود: 69] واليوم بجالوت [البقرة: 249] والعلم بغيا [آل عمران: 19] وما أشبهه. وهذا
__________
(1) كذا في ت، م. ولعله على القول بأن أقل الجمع اثنان.
(2) تقدم في الفقرة/ 1139 أن روايته خارجة عن جامع البيان.
(3) أحمد بن موسى بن أبي مريم أبو عبد الله، اللؤلؤي، البصري، صدوق، روى القراءة عن أبي عمرو بن العلاء وغيره، وروايته عن أبي عمرو في الكامل للهذلي. انظر غاية النهاية 1/ 143.
(4) تقدم في الفقرة/ 1142 أن روايته عن أبي عمرو خارجة عن روايات جامع البيان.
(5) الجهضمي، وروايته عن أبي عمرو خارجة عن روايات جامع البيان.
(6) لعله محمد بن موسى بن حماد شيخ ابن مجاهد المتقدم في الفقرة/ 220.
(7) أي وعبر اليزيدي .. الخ.
(8) في م (لم تخفف). وهو خطأ لا يستقيم مع السياق.

(1/455)


إجماع من الرواة وأهل الأداء عنه. إلا ما حكاه أحمد بن إبراهيم القصباني «1»، عن ابن غالب، عن شجاع أنه كان يدغمها في الباء إذا لم يكن الساكن قبلها حرفا جامدا، أو حرف لين، وكان حرف مدّ قد وليته حركته لكون المدّ كالحركة، فصار لذلك مثلها وأجري له حكمها، وبالبيان قرأت ذلك وعليه أهل الأداء.

[إدغام الباء]
1208 - وأما الباء فكان يدغمها في الميم في قوله: ويعذّب من يشاء [البقرة: 284] حيث وقع لا غير، وجملته خمسة مواضع: في آل عمران «2»، وموضعان في المائدة «3»، وموضع في العنكبوت «4»، وموضع في الفتح «5»، وأظهرها عندها فيما عدا ذلك نحو يشعيب ما نفقه [هود: 91] وسنكتب ما يقول [مريم: 79] ويكتب ما يبيّتون [النساء:
81] وو المطلوب ما قدروا الله [الحج: 73، 74] وأقرب من نّفعه [الحج: 13] وشبهه.
1209 - فحدّثنا محمد بن أحمد، قال: حدّثنا ابن مجاهد قال اليزيدي: إنما أدغم ويعذّب من يشاء من أجل كسرة الذال «6». قال أبو عمرو: وهذه علّة لا تصحّ؛ لأنه لو كان إنما يدغم الباء في الميم من أجل وقوع الكسرة قبلها، لوجب أن يدغم وو كذّب موسى [الحج: 44] وأن يضرب مثلا [البقرة: 26] وضرب مثل [الحج: 73] والكذب من بعد ذلك [آل عمران: 94] وإلى الطّيب من القول [الحج: 24] ونظائر ذلك مما قبل الباء فيه كسرة وهو يظهره بإجماع.
1210 - ولعل قائلا يقول: إنما أراد إذا انضمّت الباء ووليتها الكسرة، وذلك غير موجود إلا في كلمة يعذّب لا غير، فذلك لا يصحّ أيضا من جهتين:
أحدهما: أنه لم يذكر الضمة وذكر الكسرة.
والثانية أن «7» جعفر بن محمد الأدمي روى عن ابن سعدان عنه عن أبي عمرو أيضا أنه أدغم فمن تاب من بعد ظلمه [39] في المائدة، والباء مفتوحة، وقد أدغم
__________
(1) من الطريق التاسع والثمانين بعد المائة.
(2) الآية 129.
(3) الآية 18، 40.
(4) الآية 21.
(5) الآية 14.
(6) السبعة/ 118.
(7) من الطريق الحادي والثمانين بعد المائة.

(1/456)


من رواية أبي عبد الرحمن «1»، عن أبيه، عنه فمن زحزح عن النّار [آل عمران:
185] والمدغم مفتوح وقبله كسرة، ولم يدغم لا يصلح عمل [يونس: 81] والحاء مضمومة وهي والعين من مخرج واحد كالباء والميم، فدلّ ذلك على صحّة ما قلناه «2».
1211 - فأما الباء إذا لقيت الفاء سواء سكن ما قبل الباء أو تحرّك، نحو قوله:
لا ريب فيه [البقرة: 2] وتتقلّب فيه [النور: 37] وحمّالة الحطب فى جيدها [المسد: 4] وو المغرب فأينما [البقرة: 115] وبالغيب فمن اعتدى [المائدة: 94] ومن ينيب فادعوا الله [غافر: 13، 14] وبالعذاب فما استكانوا [المؤمنون: 76] وشبهه.
فالنصّ والأداء جميعا وردا عنه من طريق اليزيدي وشجاع بالإظهار لا غير.
1212 - وقياس إدغامه الباء الساكنة في نحو قوله: أو يغلب فسوف [النساء:
74] ومن لّم يتب فأولئك [الحجرات: 11] وشبهه يوجب إدغام المتحرّك، على أن ابن رومي «3» قد روى عن اليزيدي لا ريب فيه بالإدغام. وكذلك رواه عن أبي عمرو نصّا «4» العباس بن الفضل وداود الأودي «5»، وعبد الوارث بن سعيد «6».
1213 - وقد كان ابن مجاهد فيما بلغني عنه إذا قرئ عليه هذا الضرب بالإدغام لم ينكره، وبالإظهار قرأت ذلك، وعليه أهل الأداء.
__________
(1) هو عبد الله بن أبي محمد اليزيدي.
(2) قال ابن الجزري في النشر (1/ 287): والعلة الجيدة فيه- مع صحة النقل- وجود المجاور. اهـ. أي المجاور المدغم.
(3) اسمه محمد بن عمر بن عبد الله، وطريقه خارج عن طرق هذا الكتاب كما تقدم في الفقرة/ 1179.
(4) تقدم أن روايته خارجة عن جامع البيان.
(5) في هامش ت ل (50/ و): داود الأودي هو داود بن يزيد الأودي غاية. اهـ. قلت: ذكره ابن الجزري في تلاميذ أبي عمرو البصري، ولم يترجم له في غاية النهاية.
- وهو داود بن يزيد بن عبد الرحمن، أبو يزيد، الكوفي، الأعرج، ضعيف. مات سنة إحدى وخمسين ومائة. التقريب 1/ 235.
- والأودي بفتح الهمزة وسكون الواو نسبة إلى أود بن صعب بن سعد العشيرة من مذحج.
انظر الأنساب ل 53/ و. وروايته عن أبي عمرو خارجة عن روايات جامع البيان.
(6) روايته عن أبي عمرو خارجة عن روايات جامع البيان، وهي في المستنير لابن سوار، ومبهج سبط الخياط، وكفاية أبي العز، وكامل الهذلي كما أشار في غاية النهاية 1/ 478.

(1/457)


1214 - قال أبو عمرو: فهذه [50/ و] أصول أبي عمرو مشروحة في إدغام الحروف المتحرّكة التي تتماثل في اللفظ وتتقارب في المخرج. فأما مذهبه في إدغام الحروف الساكنة فنذكره مع مذهب غيره في ذلك فيما بعد إن شاء الله.
1215 - وقد روى محمد بن شجاع عن اليزيدي أن أبا عمرو كان لا يقرأ بهذا الإدغام في الصلاة، وليس هذا من فعله على أن الصلاة غير جائزة «1»، لكن رغب في الإظهار للأخذ بالأكثر والزيادة في الثواب والله أعلم.
1216 - وقد حصلنا جميع ما أدغمه أبو عمرو من الحروف المتحركة فوجدناه على مذهب ابن مجاهد وأصحابه ألف حرف ومائتي حرف وثلاثة وسبعين حرفا، وعلى ما أقرئناه وأخذ علينا ألفا وثلاثمائة حرف وخمسة أحرف. وجملة ما وقع الاختلاف من أهل الأداء من شيوخنا فيه اثنان وثلاثون حرفا «2»، وقد ذكرناها في مواضعها.

فصل [في الرّوم والإشمام مع الإدغام]
1217 - واعلم أن اليزيدي وشجاعا حكيا عن أبي عمرو أنه كان إذا أدغم الحرف الأول «3» في مثله أو مقاربه وسواء سكّن ما قبله أو تحرّك وكان مخفوضا أو مرفوعا أشار إلى حركته تلك دلالة عليها، والإشارة «4» عندنا تكون روما وإشماما، والرّوم آكد في البيان عن كيفيّة الحركة؛ لأنه يقرع السمع، غير أن الإدغام الصحيح والتشديد التام يمتنعان معه ويصحّان مع الإشمام؛ لأن إعمال العضو وهيئته، من غير صوت خارج إلى اللفظ، فلا يقرع السمع «5»، ويمتنع في المخفوض لبعد ذلك العضو من مخرج الخفض، فإن كان الحرف الأول منصوبا، لم يشر إلى حركته لخفّته، وكذا
__________
(1) أي بالإدغام.
(2) نقل ابن الجزري في النشر (1/ 295) عبارة الداني هذه ثم قال: كذا قال في التيسير وجامع البيان وغيرهما، وفيه نظر ظاهر. والصواب أن يقال على مذهب ابن مجاهد ألف حرف ومائتين وسبعة وسبعين حرفا؛ لأن الذي أظهره ابن مجاهد ثمانية وعشرون لا اثنان وثلاثون. اهـ.
(3) في م: (الحروف) بالجمع ولا تناسب السياق.
(4) من قوله (والإشارة) إلى قوله (لم يشر إلى حركته لخفته) الآتي في نفس الفقرة نقله ابن الجزري في النشر (1/ 296) من قول الداني.
(5) الإشمام.

(1/458)


إن كان ميما ولقيت مثلها، أو باء، أو كان باء ولقيت مثلها أو ميما، بأيّ حركة تحرّك ذلك؛ لانطباق الشفتين عليه فتعذّر الإشارة لذلك.
1218 - على أن أحمد بن جبير قد حكى عن اليزيدي عن أبي عمرو: أنه كان إذا أدغم الميم في الباء أشمّها الرفع خاصة، وروى العباس بن الفضل عن أبي عمرو الإشارة عند الباء «1»، قال ابن المنادي: وعلى ذلك أهل الأداء. وحكى «2» أبو عبد الرحمن عن أبيه، والقاسم بن عبد الوارث عن أبي عمر «3» عنه «4»، عن أبي عمرو:
أنه كان إذا أدغم الميم لم يشمّها إعرابا.
1219 - وحدّثنا أبو الحسن «5» بن غلبون حدّثنا عبد الله بن المبارك حدّثنا جعفر بن سليمان حدّثنا أبو شعيب عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يشمّ الأحرف التي تركها «6» في موضع الرفع والخفض، ولم يكن يشمّ في موضع النصب «7»، ولا الميم في مثلها، ولا الباء في مثلها، ولا الميم عند الباء، ولا الباء عند الميم.
1220 - وحدّثنا محمد بن علي حدّثنا ابن مجاهد عن أصحابه عن اليزيدي قال:
كان أبو عمرو يشمّ «8» إعراب الحروف من الخفض والرفع في كل ما أدغم ولا يشمّ مع النصب ولا الميم في مثلها ولا الباء في مثلها ولا الميم عند الباء ولا الباء عند الميم «9».
__________
(1) قال في السبعة/ 122: وقال عباس بن الفضل عن أبي عمرو: إنه كان يشم الميم عند الميم والباء مع الباء في موضع الرفع والخفض، ولا يشم في النصب.
(2) هو عبد الله بن اليزيدي.
(3) هو حفص بن عمر الدوري.
(4) أي عن اليزيدي.
(5) هو حفص بن عمر الدوري.
(6) أي عن اليزيدي.
(7) انظر الطريق/ 194. وإسناده صحيح.
(8) أي أدغمها.
(9) في ت، م: (ولا في الميم ولا الباء والتاء ولا الميم والباء لا يشم). وهو نص مضطرب، وستأتي هذه الرواية عن اليزيدي من طريق ابن مجاهد في الفقرة التالية، فصححت هذا الاضطراب من الرواية التالية.

(1/459)


1221 - قال أبو عمرو: بهذا قرأت وبه آخذ وبالله التوفيق.

ذكر اختلافهم في سورة البقرة
1222 - فأول ما أقدّم من اختلافهم فيها مذاهبهم في الأصول التي تطّرد ويكثر دورها ويجري القياس فيها، وأرتّب لذلك أبوابا وأجعله فصولا، ثم أتبعه بذكر الحروف
التي يقلّ دورها، ولا يجري قياس عليها سورة سورة إلى آخر القرآن إن شاء الله.