جامع البيان في القراءات السبع باب ذكر أحوال النون الساكنة والتنوين
ومذاهبهم في بيان الغنّة وإدغامها
1975 - اعلم أن النون الساكنة تكون في الأسماء والأفعال
والحرف، وتقع في الكلمة متوسطة ومتطرفة، والتنوين لا يكون إلا
في أواخر الأسماء لا غير من حيث كان تابعا للإعراب، وداخلا
لمعنى «1»، ولهما عند جميع حروف المعجم أربعة أحوال:
1976 - فالحال الأولى: أن يكونا ظاهرين، وذلك عند حروف الحلق
وجملتها ستة أحرف: الهمزة والهاء والحاء والعين والخاء والغين،
وسواء كانت النون مع هذه الحروف من كلمة واحدة أو من كلمتين أو
كان سكونها أصليّا، أو عارضا.
فعند الهمزة نحو من ءامن [البقرة: 62] ومن إله [آل عمران: 62]
ومن أوتى [الإسراء: 71] وو ينئون عنه [الأنعام: 26] ومّن شىء
إذ كانوا [الأحقاف:
26] وبعاد إرم [الفجر: 6، 7] وما أشبهه.
وعند الهاء نحو قوله: من هلك [الأنفال: 42] ومن هاجر [الحشر:
9] وفانهار به [التوبة: 109] وجرف هار [التوبة: 109] وو لكلّ
قوم هاد [الرعد:
7] وما أشبهه.
وعند الحاء نحو قوله: من حآدّ [المجادلة: 22] ومن حمل [طه:
111] وو انحر [الكوثر: 2] ونار حامية [القارعة: 11] وفى عين
حمئة [الكهف:
86] وما أشبهه.
وعند العين نحو قوله: مّن عمل [الأنعام: 54] وو من عاد
[البقرة: 275] وأنعم [الأنعام: 138] ويومئذ عليها [عبس: 40]
وقوما عمين [الأعراف: 64] وما أشبهه.
__________
(1) كذا في ت، م.
(2/666)
وعند الخاء نحو قوله: من خيل [الحشر: 6]
ومّن خير [البقرة: 105] وو المنخنقة [المائدة: 3] ويومئذ خشعة
[الغاشية: 2] وقوم خصمون [الزخرف:
58] وما أشبهه.
وعند الغين نحو قوله: من غيركم [المائدة: 106] ومّن غلّ
[الأعراف: 43] وإن يكن غنيّا [النساء: 135] فسينغضون [الإسراء:
51] وقوما غيركم [التوبة: 39] ومّن إله غيره [الأعراف: 59] وما
أشبهه.
1977 - واختلف عن نافع عند ثلاثة أحرف منها، وهي: الهمزة
والخاء والغين، فروى ورش عنه أنه ألقى حركة الهمزة على النون
والتنوين، وأسقطها من اللفظ لثقلها. وذلك في المنفصل دون
المتصل «1».
1978 - وروى المسيّبي عنه أنه أخفى النون والتنوين عند الخاء
والغين في المتصل والمنفصل جميعا لقربهما من حرفي أقصى اللسان:
القاف والكاف «2». وكذلك روى ابن شنبوذ «3»، عن أبي حسّان، عن
أبي نشيط، عن قالون. ومحمد بن «4» سعدان، عن اليزيدي، عن أبي
عمرو: أنه أخفاها عند الخاء وحدها، وبإظهارها عندهما قرأت «5»،
إلا في رواية المسيّبي وحده.
1979 - وقد كان أبو طاهر بن أبي هاشم لا يرى إخفاء النون في
روايته «6»، في قوله في النساء [135]: إن يكن غنيّا أو فقيرا،
وفي قوله في سبحان [51]:
فسينغضون لكون سكونها فيها غير لازم وبالإخفاء قرأتهما «7»
حملا على نظائرهما «8» مما سكونه لازم، [84/ و] وهو الصحيح؛
لأن حكم ما سكونه لازم وعارض في الإدغام، والإخفاء سواء، وإن
كان ذلك في اللازم أقوى. وسائر القرّاء
__________
(1) تقدم تفصيل مذهب ورش في إلقاء حركة الهمزة على الساكن
قبلها.
(2) حيث تخفى النون والتنوين عندهما.
(3) تقدم أن هذا الطريق ليس في جامع البيان.
(4) وطريقاه هما: الثمانون، والحادي والثمانون، وكلاهما بعد
المائة.
(5) أي لنافع وأبي عمرو.
(6) رواية المسيبي عن نافع وانظر النشر 2/ 23.
(7) في م: (ولإخفاء قراءتهما)، وهو تحريف لا يستقيم به السياق.
(8) أي في رواية المسيبي.
(2/667)
بعد يظهرونها عندهما في جميع القرآن، وكذلك
روى إسماعيل وورش وقالون عن نافع.
1980 - وإذا أخفيت النون والتنوين عند الغين والخاء على مذهب
من تقدم كان مخرجها من الخيشوم خاصة دون الفم. والخيشوم الحرف
المنجذب إلى الفم، وذلك من حيث أجروا الغين، والخاء مجرى حروف
الفم؛ للتقارب الذي بينهما وبينهن صار مخرج النون والتنوين
معهما كمخرجهما معهنّ. وإذا أظهرا عندهما على مذهب الباقين كان
مخرجهما من الفم «1»، وذلك من حيث أجروا الغين والخاء مجرى «2»
سائر حروف الحلق لكونها من جملتهنّ دون حروف الفم «3». والرواة
يعبّرون عن إخفاء النون والتنوين عندهما بالإدغام اتساعا
ومجازا كما يعبرون عن الإدغام بالإخفاء، والله أعلم.
1981 - والحال الثانية: أن يكونا مدغمين بإجماع، وذلك عند خمسة
أحرف يجمعها قولك: «لم يرو» اللام والراء والميم والياء والواو
إذا كانت النون معهنّ من كلمتين لا غير، وسواء كان سكونها «4»
لازما أو عارضا، أو ثبتت مرسومة في الخط على الأصل، أو حذفت
منه على اللفظ.
فعند اللام نحو قوله: فإن لّم تفعلوا [البقرة: 24] وو من لّم
يتب [الحجرات:
11] وإن لّم يكن لّكم [الأنفال: 65] «5»، وألّا تعدلوا
[النساء: 2] وألّن نّجمع [القيامة: 3] وفإلّم يستجيبوا لكم
[هود: 14] ومتعا لّكم [المائدة: 96] وما أشبهه.
وعند الميم نحو قوله: مّن مّال الله [النور: 33] ومن مّآء
[البقرة: 164] وإن يكن مّنكم [الأنعام: 139] وعمّ يتسآءلون
[النبأ: 1] وممّ خلق [الطارق: 5] وعمّا قليل [المؤمنين: 40]
وممّا جعلكم [الحديد: 7] وو إمّا تعرضنّ [الإسراء:
__________
(1) في م: (من اللام). وهو تحريف واضح.
(2) في ت، م: (حروف سائر حروف). وزيادة (حروف) الأولى خطأ يجعل
السياق مضطربا.
والذي في النشر (2/ 27). (باقي حروف الحلق).
(3) نقل ابن الجزري تعليل المؤلف لتحول مخرج الغين والخاء عند
الإخفاء،، وثباته عند الإظهار في النشر (2/ 27) دون أن يشير
إلى مصدره في ذلك.
(4) أي سكون النون.
(5) وفي ت، م: (منه) ولا يوجد في التنزيل.
(2/668)
28] وسرر مّرفوعة [الغاشية: 13] وما أشبهه.
وعند الواو نحو قوله: من ولىّ [البقرة: 107] من وال [الرعد:
11] و [فليؤمن ومن شآء] [الكهف: 29] وظلمت ورعد وبرق [البقرة:
19] وما أشبهه.
وعند الياء نحو قوله: من يقول [البقرة: 8] وو من يولّهم
[الأنفال: 16] وو إن يكن لّهم [النور: 49] وبرق يجعلون
[البقرة: 19] وما أشبهه «1».
1982 - قال أبو عمرو: والقرّاء من المصنّفين يقولون: تدغم
النون الساكنة والتنوين في ستة أحرف، فيزيدون النون «2» نحو
قوله: من نّور [النور: 40] ومن نّار السّموم [الحجر: 27]
ويومئذ نّاعمة [الغاشية: 8] وما أشبهه. وزعم بعضهم أن ابن
مجاهد جمع الستة الأحرف في كلمة «يرملون» وذلك غير صحيح عنه؛
لأن محمد بن أحمد حدّثنا عنه في كتاب السبعة أن النون الساكنة
والتنوين مدغمان في الراء واللام والميم والياء والواو، ولم
يذكر النون؛ إذ لا معنى لذكرها معهنّ؛ لأنها إذا أتت ساكنة
ولقيت مثلها لم يكن بدّ من إدغامها فيها ضرورة. وكذلك التنوين
كسائر المثلين إذا التقيا وسكن الأول منهما، نحو قوله: فما
ربحت تّجرتهم [البقرة: 16] وو لا يغتب بّعضكم بعضا [الحجرات:
12] وما لم تستطع عّليه [الكهف: 78] وفلا يسرف فّى القتل
[الإسراء: 33] وما أشبهه، هذا مما لا خلاف فيه بين علمائنا من
القرّاء والنحويين «3». ولو صحّ أن ابن مجاهد جمع كلمة
«يرملون» الستة الأحرف لكان إنما جمع منها النون وما يدغم فيه
«4»، سمعت أبا علي الحسن بن «5» سليمان المقرئ يقول ذلك.
__________
(1) وسقطت أمثلة الراء من ت، م، ومثل لها في النشر (2/ 23): من
ربهم البقرة/ 5، ثمرة رزقا البقرة/ 25.
(2) كذلك فعل المؤلف في التيسير حيث قال: وأجمعوا على إدغامها
(أي النون) في الميم والنون بغنة أ. هـ وكذلك فعل الشاطبي في
الحرز، حيث قال:
وكل بينمو أدغموا مع غنة* وفي الواو واليا دونها خلف تلا، وقال
ابن الجزري في النشر (2/ 23): وأما الحكم الثاني وهو الإدغام،
فإنه يأتي عند ستة أحرف أيضا، وهي حروف يرملون أه.
(3) أقول: لكن أغفل المؤلف الإجماع على أن إدغام النون في
النون يكون بغنة، مثل الميم في الميم بخلاف سائر الحروف.
(4) من بداية الفقرة إلى هنا، نقله ابن الجزري في النشر (2/
25) باختصار بسيط لبعض الأمثلة- من قول الداني في جامعه. ثم لم
يقبل مقالة الداني.
(5) الأنطاكي، تقدم.
(2/669)
1983 - فإذا كانت النون مع الواو والياء في
كلمة واحدة فلا خلاف في إظهارها كقوله: صنوان [الرعد: 4]
وقنوان [الأنعام: 99] والدّنيا [البقرة: 85] وبنيان [الصف: 4]
وبنينه [التوبة: 109] وما أشبهه. وكذلك إذا كانت مع الميم أيضا
كقولهم: شاه «1» زنماء وغنم زنم، وذلك لئلا يلتبس بالمضعف الذي
على مثال فعال، لو أدغم نحو صوّان وقوّان «2» وبيان، وكذلك شاة
زماء «3» وغنم زم، فلذلك آثروا البيان.
[فصل في بيان الغنة مع الإدغام]
1984 - واختلف القرّاء بعد ذلك في بيان صوت النون والتنوين
المركب في جنسها، وهو الغنّة مع الإدغام عند اللام والراء
والواو والياء وفي إدغامه، ولم يختلفوا في بيانه عند مثلها
وعند الميم مع الإدغام التام لكونه من خلقه «4» المدغم والمدغم
فيه في ذلك.
1985 - فروى الخزاعي عن ابن فليح عن ابن كثير [84/ ظ] أنه أدغم
الغنّة عند الأربعة الأحرف، وحكى الزينبي «5» عن أبي ربيعة عن
صاحبيه «6» إظهارها عندهنّ.
وروى ابن شنبوذ «7» عن أصحابه عن القوّاس والبزّيّ، إدغامها
عند الراء وحدها، وبإدغامها عند الراء واللام وإظهارها عند
الواو والياء قرأت لابن كثير من طرقه،
__________
(1) زنمتا الشاة هنة معلقة في حلقها، تحت لحيتها، وخص به بعضهم
العنز. والنعت أزنم، والأنثى زلماء وزنماء، لسان العرب 15/
168.
(2) في م: (جوان وحيان) وكذلك هو في النشر 2/ 25. وهو تحريف
واضح.
(3) في م: (شاة حمار، وغنم حم) وهو تحريف واضح.
(4) في هاشم ت ل (84/ ظ): طبيعته (ويارد وخيشوم). كذا. والمراد
أن الميم والنون لا يخرجان بدون غنة أصلا. فالغنة من طبيعة صوت
كل واحد منهما؛ فلذلك لم تمنع تمام الإدغام، وسيأتي مزيد بيان
عند المؤلف في الفقرة/ 2001.
(5) الطريق التاسع بعد المائة. من رواية أبي ربيعة عن البزي.
(6) أما أحدهما فالبزي، وأما الآخر فهو قنبل كما في النشر 2/
24، والطريق الثالث بعد المائة. لكنه من رواية إبراهيم بن عبد
الرزاق عن أبي ربيعة وأما طريق الزينبي عن أبي ربيعة عن قنبل،
فليس في جامع البيان كما تقدم في الفقرة/ 1834.
(7) لم يتقدم لابن شنبوذ عن القواس، ولا عن البزي رواية حروف
وإنما تقدم له طريق بعرض القراءة عن قنبل عن القواس، وهو
الحادي بعد المائة.
(2/670)
وعلى ذلك أهل الأداء عنه. أنا «1» محمد بن
أحمد، قال: أنا ابن مجاهد: لم أر من قرأت عليه عن ابن كثير
يحصل «2» هذا.
1986 - وروى الأصبهاني «3» عن أصحابه عن ورش، وأبو عون «4» عن
الحلواني عن قالون عن نافع، والشّموني «5» عن الأعشى عن أبي
بكر عن عاصم، وإبراهيم بن «6» عبّاد عن هشام عن ابن عامر، من
قراءتي: أنهم بيّنوا غنّة النون والتنوين مع الإدغام عند
الأربعة الأحرف. وروى ابن واصل «7» عن ابن سعدان وابن المسيبي
عن نافع «8» عن أبيه أنه أدغمها عند الراء وبيّنها عند ما
عداها، فقالا «9» عنه: فإلّم يستجيبوا لكم [هود: 14] النون
مبينة غير مدغمة، وقالا عنه: خير لّكم [البقرة:
54] التنوين مبيّن غير مدغم. قال ابن واصل لا يدغم التنوين في
اللام حيث وقع، وقال حمّاد «10» بن بحر عن المسيبي غفور رّحيم
[البقرة: 182] لا يبين التنوين.
1987 - وحدّثنا محمد بن علي، قال: حدّثنا ابن مجاهد عن أصحابه
عن قالون والمسيّبي عن نافع قوله: من لّدنه [النساء: 40]
ومسلّمة لّا شية فيها [البقرة: 71] نون شكله [في] «11» من
ومسلّمة تظهر عند اللام يريدان غنتهما.
__________
(1) في ت م: (وقال أنا) وزيادة قال خطأ لا يناسب السياق.
(2) السبعة 126. وبمعنى يحصل يميز، كما سبق بيانه في الفقرة/
184.
(3) من الطريق السادس والتسعين.
(4) من الطريقين: الأربعين، والحادي والأربعين.
(5) من الطرق: الستين، والحادي والستين، والثالث والستين،
وكلها بعد المائتين.
(6) من الطريق الخامس عشر بعد المائتين.
(7) طريق ابن واصل، عن ابن سعدان عن المسيبي، عن نافع، برواية
الحروف هو الثامن عشر. وطريق ابن واصل عن ابن المسيبي، عن
المسيبي، عن نافع برواية الحروف لم يتقدم في أسانيد الكتاب فهو
خارج عن طرقه.
(8) في ت، م: (عن نافع عن أبيه) وهو قلب واضح.
(9) أي ابن سعدان وابن المسيبي.
(10) طريقه الثاني والثلاثون.
(11) زيادة يقتضيها السياق.
والنص في السبعة/ 126 هو التالي: فكان قالون والمسبي يحكيان عن
نافع نونا ساكنة في (مسلمة) تظهر عند اللام. وهذا شديد إذا
رمته، ولا أحسبه أراد البيان كله. أه.
(2/671)
1988 - وقال أبو عون عن الحلواني عن قالون:
هدى لّلمتّقين [البقرة: 2] يبيّن النون والتنوين عند اللام في
كل القرآن. قال: وكذلك بينهما عند الراء وعند الواو وعند
الياء، ولا يدغم النون والتنوين عند شيء من هذه الحروف. وقال
أيضا عن قالون: وكن مّن السّجدين [الحجر: 98] مدغم.
1989 - وقال الأصبهاني عن ورش هدى لّلمتّقين لا يسقط التنوين
في شيء من القرآن ولا يشبعه «1». وقال: يبيّن «2» لنا بغير
إدغام.
1990 - قال أبو عمرو: ولم يرد هؤلاء البيان كله لما فيه من
الكلفة والمئونة، وإنما أرادوا الغنّة التي من الخيشوم وحدها
دون لفظ النون، أي: أنه كان يبقيها «3» ولا يذهبها مع الإدغام.
1991 - وقد حدّثنا «4» فارس بن أحمد المقرئ، قال: حدّثنا عبد
الله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن شعيب، قال: حدّثنا ابن
سلمويه، قال: حدّثنا ابن يعقوب، قال: حدّثنا «5» العبّاس بن
الوليد، قال: حدّثنا قتيبة عن الكسائي أفمن وعدنه [القصص: 61]
قال: لا أدغم النون عند الواو. يريد لا أذهب بصوتها مع الإدغام
إذ كان بيانها «6» بالكلية غير جائز، وكذلك معنى ما حكاه
النقّاش عن نافع وابن كثير وابن عامر وأبي عمرو وعاصم أنهم لا
يدغمون النون والتنوين عند الأربعة «7» الأحرف يريد غنتها.
1992 - وروى أحمد «8» بن صالح عن قالون وورش عن نافع: أنه كان
يبقي
__________
(1) في ت، م: (ولا تسعة) وهو تصحيف.
(2) في م: (ينفيها) وهو تصحيف لا يستقيم به السياق.
(3) انظر إسناد الطريق/ 401.
(4) في ت، م: (ابن العباس بن الوليد) وزيادة (ابن) خطأ،
والتصحيح من إسناد الطريق الحادي بعد الأربع مائة.
(5) في م: (ويريد): وزيادة الواو لا داعي لها.
(6) في م: (شأنها) بدل (بيانها). وهو تحريف لا يستقيم به
السياق.
(7) أي الياء والواو واللام والراء، انظر الفقرة/ 1984.
(8) من الطرق: السادس والأربعين، والسابع والأربعين، والتاسع
والأربعين عن قالون. ومن الطريق الثامن والسبعين عن ورش.
(2/672)
الغنّة عند الياء والواو ويشدّدهما
ويشوبهما مع تشديدهما نون، وقال عنهما [عن] «1» نافع: إنه كان
يدخل النون والتنوين في الراء إدخالا شديدا، ولا يبقي غنّة مثل
قوله:
مّن رّبّهم [البقرة: 5] ومن ثمرة رّزقا [البقرة: 25] وقال في
موضع النون في ذلك راء مشددة يشوبها نون، ولم يذكر عنهما في
اللام شيئا، وحكمها حكم الراء.
وقد قال لنا «2» محمد بن علي عن ابن مجاهد عند ذكره النون عند
اللام: كان أحمد بن صالح يحكي عن ورش وقالون الإدغام وذهاب
الغنّة «3»، وروى ابن جبير عن رجاله «4» عن نافع أنه بيّن
الغنّة عند الياء والواو، وأدغمها عند الراء واللام.
1993 - قال أبو عمرو: وهذا الذي حكاه أحمد بن صالح من بيان
غنّة النون عند الياء والواو مع التشديد غير مستقيم؛ لأن
التشديد لا يتحصّل إلا بقلب النون والتنوين قلبا صحيحا، وإذا
قلبتا ذهبت غنّتهما بذلك.
1994 - وروى الشموني عن الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: أنه لا
يدغم الغنة عند الياء ولا عند الراء ولا عند اللام، ويظهرها
أيضا عند الواو. وروى محمد «5» بن عمر الرومي عن اليزيدي عن
أبي عمرو هدى لّلمتّقين [البقرة: 2] يدغم التنوين عند اللام
ويبقي غنّة. قال ابن مجاهد: ولم أر أحدا يحكي عنه هذا.
1995 - وقال أبو يعقوب «6» عن ورش: إنه كان يدغم النون
والتنوين في الراء واللام والميم والياء والواو، [85/ و] [ولم
يذكر الغنّة] وببيان الغنّة عند الواو والياء.
وبإدغامها في الراء واللام في روايته «7» وفي رواية داود «8»
وأبي «9» الأزهر وأحمد «10»
__________
(1) زيادة لا بدّ منها ليستقيم السياق.
(2) في ت، م: (قال أنا) وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(3) النص في السبعة/ 126.
(4) هم: الكسائي عن إسماعيل، عن نافع من الطريق السابع،
والمسيبي عن نافع من الطريق التاسع والعشرين.
(5) محمد بن عمر بن عبد الله بن رومي، تقدم في الفقرة/ 1179 أن
طريقه عن اليزيدي عن أبي عمرو ليس في جامع البيان.
(6) الأزرق.
(7) الأزرق.
(8) داود بن هارون، ولم يتقدم للمؤلف عرض القراءة من طريقه.
(9) عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم.
(10) ابن صالح.
(2/673)
ويونس «1» عن ورش قرأت، وعلى ذلك أهل
الأداء عنه.
1996 - وقال النقّار «2» عن الخياط عن الشموني عن الأعشى عن
أبي بكر عن عاصم وبرق يجعلون [البقرة: 19] يدغم التنوين، ويبقي
غنّته، قال: وكذلك عند الراء واللام وعند سائر حروف المعجم
يخفيها ولا يدغمها إلا في مثلها ومن نّعمّره [يس: 68] وكتبا
نّقرؤه [الإسراء: 93] وقرأت له من هذا «3» [و] «4» من طريق
محمد «5» بن غالب بإدغام الغنّة وإدغامها «6» عند الراء
واللام، وكذلك قرأت لقالون والمسيّبي من جميع الطرق، وعلى ذلك
سائر «7» القرّاء غير من ذكرنا على أن تركا النعالي روى أداء
عن حمزة: إظهار الغنّة عند الراء واللام، ولا عمل على ذلك.
1997 - واختلف أصحاب سليم عن حمزة بعد ذلك في بيان الغنّة
وإدغامها عند الواو والياء فقط، فروى أبو عمر «8» وخلف ورجاء
«9» من قراءتي وأبو هشام وابن سعدان، وابن كيسة عن سليم عنه:
أنه كان يبينها عندهما، [واختلف عن خلاد .... ] «10»
وقال حيون «11» المزوق عن الحلواني عنه عن سليم أن حمزة كان لا
يدغم النون، ولا التنوين عند الواو، ولا عند الياء يريد
غنّتهما؛ لأن بيانهما عندهما غير جائز. وروى علي
__________
(1) ابن عبد الأعلى بن ميسرة.
(2) من الطريق التاسع والأربعين بعد المائتين.
(3) أي طريق النقار، وذلك من الطريقين: الستين، والحادي
والستين، كلاهما بعد المائتين.
(4) زيادة ليستقيم السياق.
(5) من الطريق الثاني والسين بعد المائتين.
(6) النون.
(7) أي بإدغام الغنة عند اللام والراء.
(8) الدوري.
(9) من الطرق: الرابع والستين، والخامس والستين، والسادس
والستين، والثامن والستين، وكلها بعد الثلاث مائة.
(10) زيادة يقتضيها السياق. ويبدو أنه سقط من النساخ أغلب طرق
خلاد أيضا. والذي لخلاد في النشر (2/ 24): الإدغام بغنة قولا
واحدا.
(11) وطريقه هو الأربعون بعد الثلاث مائة.
(2/674)
بن سلم «1» وإبراهيم «2» القصّار ومحمد «3»
بن عيسى عن خلاد أنه لا يبيّن الغنّة عند الياء، ويبيّنها عند
الواو.
1998 - وروى الضبي «4» عن رجاء عن إبراهيم بن زربي «5» عن سليم
مثل ذلك. وروى ابن واصل «6» عن ابن سعدان عن سليم عن حمزة: أنه
كان يبيّنها عندهما، زاد ابن كيسة عليهم، فقال: يفعل ذلك في
النصب والخفض، فأما الرفع، فإنه يزيده إدغاما حتى يخيّل إليك
أنه ليس في الحرف تنوين رأسا مثل نذير وبشير [الأعراف: 188]
وحميم وغسّاق [ص: 57]. وقال أبو «7» هشام: لا يبين النون عند
الياء والواو مثل ومن يؤمن [التغابن: 9] وغشوة ولهم [البقرة:
7] وظلمت ورعد وبرق [البقرة: 19] وو لا نصب ولا مخمصة [التوبة:
120] يبين النون في (مخمصة) أشد ما يبينها «8» عند اللام
والواو والياء، ولا يوقفها عند ذلك كما يوقفها عند مّن «9»
خير، وهذا القول عندي مؤذن ببيان الغنّة مع الإدغام. وروى ابن
«10» جبير عن سليم بيان الغنّة عند الياء والواو جميعا.
1999 - واختلف في ذلك أيضا عن الكسائي، فروى نصير عنه كرواية
خلف وأصحابه عن سليم عن حمزة، وروى قتيبة عنه أنه كان يبيّن
الغنّة عند الواو خاصّة ولا يبيّنها عند الياء. وكذلك روى لنا
عبد العزيز بن جعفر عن أبي طاهر عن قراءته على أبي عثمان
الضرير عن أبي عمر «11» عنه، وكذلك حكى ابن شنبوذ عن أصحابه
__________
(1) طريقه هو الخامس والأربعون بعد الثلاث مائة.
(2) طريقه هو السادس والأربعون بعد الثلاث مائة.
(3) تقدم أن طريقه عن خلاد ليس من جامع البيان.
(4) طريق رواية الحروف للعيني عن رجاء، عن إبراهيم، لم يتقدم.
والذي تقدم هو أربعة طرق بقراءة الفوضى، فصّلتها قريبا.
(5) في م: (زرين) وهو تحريف واضح.
(6) تقدم له الطريق الخامس والسبعون بعد الثلاث مائة. لكنه
يعرض القراءة، ولم يتقدم لابن واصل عن ابن سعدان عن سليم رواية
حروف.
(7) في ت، م: (أبو هاشم). وهو خطأ.
(8) في هامش ت ل (85/ ظ): بينها خ. أه أقول: وما في هذه النسخة
خطأ.
(9) البقرة/ 105.
(10) طريقه هو السادس والسبعون بعد الثلاث مائة.
(11) الدوري. من الطريق الثالث والثمانين بعد الثلاث مائة.
(2/675)
عن أبي «1» عمر وأبي موسى جميعا عنه، وكذلك
روى حيون «2» عن الحلواني عن الدوري عنه، وقد روى عن نصير «3»
عنه مثل ذلك أيضا.
2000 - وحدّثنا محمد بن علي، قال: حدّثنا ابن مجاهد، قال: كان
الكسائي يقول: تدغم النون والتنوين عند أربعة أحرف: عند الراء
واللام والياء والميم، قال:
ولم يذكر الواو، وذكرها الأخفش. «4»
2001 - قال أبو عمرو: وإنما لم يذكرها لما كان مذهبه بيان
الغنّة عندها مع الإدغام دون غيرها، فدلّ ذلك على صحّة ما رواه
قتيبة وغيره عنه. والباقون يبقون الغنّة مع الإدغام عند الواو
والياء.
2002 - أخبرنا «5» ابن جعفر، قال: أنا أبو طاهر، قال: أنا
وكيع، قال: نا أحمد بن محمد بن حميد، قال: نا أبو حفص، قال:
أنا محمد بن حفص، قال: كان أبو عمر- يعني حفصا- لا يحرّك
النونات عند هذه الستة الأحرف تحريكا شديدا، بل كان يحب أن
يسكن النون مع البيان، ولا يطفي هذه النون عند الأحرف الأربعة:
الياء والواو والراء واللام- يريد أنه كان يبيّن غنّتها
عندهنّ- فوافق ما رواه الشموني عن الأعشى عن أبي بكر، وكذلك
روى ابن شنبوذ، أداء عن محمد «6» بن عبد الرحمن الخياط عن عمرو
عن حفص عن عاصم أنه كان يظهر الغنّة عند الأربعة الأحرف. وروى
محمد «7» بن موسى الصفار عن أبي شعيب القوّاس،
__________
(1) طريق ابن شنبوذ عن أصحابه عن الدوري لم يتقدم في طرق
الكتاب. وأما طريقه عن أصحابه عن أبي موسى الشيزري فهو الطريق
الثامن والتسعون بعد الثلاث مائة، لكنه بعرض القراءة.
(2) هذا الطريق ليس في جامع البيان.
(3) طريق الحلواني عن نصير عن الكسائي ليس في جامع البيان.
(4) النص في السبعة 127. وتتمته والقول قول الأخفش.
(5) هذا الإسناد تقدم في الفقرة/ 1271 وأنه خارج عن طرق جامع
البيان.
(6) محمد بن عبد الرحمن بن زروان، أبو بكر البغدادي. وقال ابن
الجوزي في الألقاب: إنه زوران، وهو لقبه محمد. وهو مقرئ مشهور،
قرأ على عمرو بن الصباح، قرأ عليه ابن شنبوذ ومحمد بن أبي
أمية، وحكيا أنه قرأ على حفص إلى رأس الثلث من التوبة. غاية 2/
161.
وطريق ابن شنبوذ عنه عن عمرو ليس في جامع البيان.
(7) تقدم في الفقرة/ 1273 أن طريق الصفار عن القواس ومحمد بن
الفضل ليس في جامع البيان.
(2/676)
وعن العبّاس «1» بن الفضل، [85/ ظ] ومحمد
بن الفضل جميعا، عن حفص، عن عاصم: إدغام الغنّة عندهنّ، «2»
وأنا محمد بن علي، قال: أنا ابن مجاهد: لم أحفظ عن أصحاب حفص
تحصيل ذلك. «3»
2003 - قال أبو عمرو وبإظهار الغنّة عند الياء والواو،
وبإدغامها عند الراء واللام قرأت في رواية حفص من طريق
الأشناني، ومن سائر الطرق.
2004 - وروى التغلبي عن ابن ذكوان عن ابن عامر أنه يظهر
التنوين أعني الغنّة عند الياء والواو ويدغمها عند اللام.
وكذلك روى الداجوني «4» عن أصحابه عنه:
أنه أدغم الغنّة عند اللام وحدها وأظهرها عند ما عداها. وقال
ابن ذكوان في سورة والنجم [23] إن يتّبعون إلّا الظّنّ
بالإدغام. وروى ابن المعلى عنه عن ابن عامر أنه كان يدغم النون
في قوله: أن يضرب [البقرة: 26] وإن يتّبعون، ولا يظهر التنوين
في قوله: ظلمت ورعد وبرق [البقرة: 19]. وقال عنه: يوما لّا
تجزى نفس [البقرة: 123] يدغم التنوين. وروى الحسن «5» الرازي
عن الحلواني عن هشام، وابن شاكر عن ابن عتبة عن ابن عامر: أنه
كان يدغم النون عند الراء ويبينها عند الواو واللام والياء
يريدان غنّتها. وروى محمد بن «6» بسام عن الحلواني عن هشام عن
ابن عامر أنه كان يدغم النون في الراء، يريد أنه كان يدغمها
ويذهب غنّتها، وتخصيصه الراء بذلك دليل على أنه كان يظهر
الغنّة عند ما عداها.
2005 - قال أبو عمرو: فمن أبقى غنّة النون والتنوين مع الإدغام
لم يكن ذلك إدغاما صحيحا في مذهبه؛ لأن حقيقة باب الإدغام
الصحيح ألّا يبقي فيه من الحرف
__________
(1) العباس بن الفضل، الصفار، البغدادي أخذ القراءة عرضا عن
حفص بن سليمان، روى القراءة عنه عرضا أحمد بن موسى الصفار، ذكر
ذلك ابن شنبوذ، وأبو إسحاق الطبري وغيرهما، غاية 1/ 354.
وطريقه عن حفص في المستنير لابن سوار والكامل للهذلي كما أشار
في غاية النهاية 1/ 354.
(2) في ت، م: (وقال أنا) وزيادة قال خطأ.
(3) السبعة/ 127. أي تمييز ذلك.
(4) من الطريق السادس بعد المائتين.
(5) من الطريق العاشر بعد المائتين.
(6) تقدم في الفقرة/ 1266 أنه ليس من طرق جامع البيان.
(2/677)
المدغم أثرا؛ إذ «1» كان لفظه ينقلب إلى
لفظ المدغم فيه، ويصير مخرجه من مخرجه، بل هو في الحقيقة
كالإخفاء الذي يمتنع فيه الحرف من القلب لظهور صوت «2» المدغم،
وهو الغنّة، ألا ترى أن من أدغم النون والتنوين، ولم يبق
غنّتهما قلبهما حرفا خالصا من «3» غير جنس ما يدغمان فيه،
فعدمت الغنّة بذلك رأسا في مذهبه؛ إذ غير متمكّن أن تكون «4»
منفردة في غير حرف أو مخالطة لحرف لا غنّة فيه؛ لأنها مما يختص
به النون والميم لا غير. وإذا كان كذلك صحّ أنه متى ظهرت
الغنّة مع الإدغام، فالنون والتنوين لم ينقلبا حرفا خالصا.
وإذا امتنعنا من القلب الخالص امتنعتا من الإدغام التامّ إلا
أنه لا بدّ مع ذلك من تشديد يسير «5»، وهذا مذهب الحذّاق من
أئمتنا وأهل التحصيل من النحويين.
2006 - حدّثنا أبو الفتح «6»، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد،
قال: حدّثنا الحسن بن داود، قال: حدّثنا قاسم الخيّاط عن
الشموني عن الأعشى «7» عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يخفي النون
ولا يدغمها عند الراء واللام والقاف والكاف وسائر حروف المعجم
إلا في مثلها، يريد أنه كان لا يظهر مذهب «8» غنّتها بل كان
يبقيها «9»، فيمتنع بذلك من القلب الصحيح والتشديد التامّ،
وهذا مع الراء واللام والياء والواو خاصة، فأمّا مع باقي حروف
المعجم سواهنّ، فإن عمل اللسان بالنون والتنوين يبطل معهن،
فيصيران غنّة من الأنف لا غير.
2007 - قال أبو عمرو: ألا ترى الحسن بن داود كيف جمع بين ما
يدغم فيه النون والتنوين ويبقي غنّتهما وبين ما يخفيان عنده
ولا يدغمان رأسا وأشار في العبارة، وسوّى بين حكمها في
النوعين، وأطلق الإخفاء عليهما في الضربين، وذلك
__________
(1) في م: (إن) وهو تحريف لا يستقيم به السياق.
(2) في م: (صوته) وهو تحريف لا يستقيم به السياق.
(3) في ت م: (من غير جنس)، وزيادة (غير) خطأ بين.
(4) أي الغنة.
(5) في م: (يشير) وهو تصحيف.
(6) انظر إسناد الطريق/ 249. وهو صحيح.
(7) في م: (الأعمش) وهو تحريف.
(8) مذهب مصدر بمعنى ذهاب.
(9) في م (ينفيها) وهو تصحيف لا يستقيم به السياق.
(2/678)
لما اشتركا فيهما في بيان الصوت وامتناع
القلب. وقد كشف ذلك ورفع الإشكال في حقيقته «1» أحمد بن يعقوب
التائب، فقال عن نافع ومن تابعه على بيان الغنّة عند الياء
والواو ويجعلون النون غنّة مخفاة غير مدغمة؛ لأنهم لو أدغموها
لذهبت الغنّة، فصارت الياء والواو مشدّدتين لانقلاب النون ياء
أو واوا وإدغامها فيهما.
2008 - وقد أوضح ذلك، وأبان عن حقيقته عبارة المصنّفين عن
المدغم [بغنّة بالإخفاء، وعن المدغم] بغير غنّة بالإدغام. قال
لي الحسن «2» بن علي «3»، قال: أنا أحمد بن نصر: الإخفاء ما
يبقى معه غنّة. [86/ و] وقال ابن مجاهد في كتاب قراءة نافع:
كان نافع يدغم النون عند الميم والراء، ويخفيها عند اللام
والواو والياء.
2009 - وحدّثنا أبو الفتح فارس بن أحمد قال: حدّثنا عبد الباقي
بن الحسن المقرئ، قال: والغنّة إذا ثبتت في الوصل يعني غنّة
النون الساكنة والتنوين لم يشدد الحرف ولفظه به بتشديد يسير،
وإذا حذفت الغنّة شدّد الحرف.
2010 - فإن قال قائل: إن محمد بن أحمد قد حدّثكم عن ابن مجاهد
أن الواو مع النون والتنوين مشدّدة لدخولها فيهما، فلا بدّ من
تشديدها «4»، فهذا يردّ ما حكيته وقرّرته وقضيت بصحته؟ قلت:
ليس يراد كذلك إذ «5» كان ما حكاه من التشديد للواو، وإدخال
النون والتنوين فيها إنما هو على مذهب من ترك الغنّة وأذهبها
رأسا لا غير، وذلك مما لا خلاف فيه.
2011 - قال أبو عمرو: فأما الميم إذا أدغمت النون والتنوين
فيها، فلا بدّ من بيان صوت الغنّة مع الإدغام الصحيح والقلب
الخالص فيهما، وإنما خصّت الميم بذلك من قبل
الغنّة التي هي فيها إذ هي حرف أغن كالنون فمتى ذهبت غنّة
النون والتنوين بالقلب بقيت غنّتها «6»، ومتى ذهبت غنّتها بقيت
غنّتهما، فلم تعدم «7» الغنّة
__________
(1) في م: (حقيقة). ولا يستقيم بها السياق.
(2) الحسن بن علي بن شاكر تقدم.
(3) في ت، م: (قال أنا أحمد) وزيادة (قال) خطأ.
(4) النص بمعناه في السبعة/ 127.
(5) في ت، م: (إذا). ولا يستقيم بها السياق.
(6) أي غنة الميم.
(7) في م (تقدم) وهو تصحيف.
(2/679)
لذلك «1» أصلا؛ لأنها من خلقة «2» المدغم
والمدغم فيه. وحدّثني الحسين بن علي، قال: حدّثنا أحمد بن نصر
«3»، قال: قال ابن مجاهد: وتدغم النون في الميم بغنّة لا غير؛
لأن الغنّة ثابتة في الميم، فليس إلى حذف الغنّة سبيل.
2012 - قال أبو عمرو: ومذهب أبي الحسن «4» بن كيسان أن الغنّة
الظاهرة مع الإدغام «5» هي غنّة النون والتنوين لا غنّة الميم؛
لأنه إنما أجاز إدغامها فيها لأجلها «6»، فلم يكن ليذهب ما
أوجب الإدغام، وتابعه ابن مجاهد على ذلك، فقال:
[كما] «7» أنا محمد بن أحمد عنه في كتاب السبعة، وذكر أحوال
النون والتنوين مشاركة لغنّة الميم؛ لأن الميم [لها] «8» غنّة
من الأنف ومن أجل الغنّة أدغمت النون في الميم؛ لأنها أختها
فلا يقدر أحد أن يأتي بهن «9» بغير غنّة لعلّة غنّة الميم «10»
يعني المنقلبة، وذهب غيرهما إلى أن تلك الغنّة غنّة الميم لا
غنّة النون والتنوين لانقلابهما إلى لفظهما، وبذلك أقول.
2013 - فأمّا ما رواه محمد «11» بن يونس عن ابن غالب عن
الأعشى، وما رواه الحسن ابن داود عن محمد «12» بن لاحق، عن
سليم: من إدغام الغنّة وإذهابها عند
__________
(1) في ت، م: (كذلك) ولا تناسب السياق.
(2) في هامش ت (ل 86/ ظ): الخلقة طبيعته وياره وطتهام آخ. كذا.
(3) في ت، م: (منصور) وهو تحريف. وقد تقدم الإسناد صحيحا في
الفقرة/ 350.
(4) محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان، أبو الحسن، النحوي، حفظ
مذهب الكوفيين والبصريين؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، وكان ابن
مجاهد يقول: إنه أنحى منهما. مات سنة عشرين وثلاث مائة. بغية
الوعاة 1/ 18.
(5) في م: (مع الإدغام عنة الميم هي). وزيادة (غنة الميم) خطأ
يجعل السياق مضطربا.
(6) في م: (من أجلها).
(7) زيادة يقتضيها السياق.
(8) سقطت (لها) من ت، م. والتصحيح من السبعة/ 126.
(9) في السبعة المطبوع (بعمن) بدل (بهن). وهو خطأ من النساخ
(10) انظر النص بأتم مما هنا في السبعة/ 126.
(11) من الطريق الثاني والستين بعد المائتين.
(12) محمد بن لاحق، الكوفي، متصدر، أخذ القراءة عرضا عن سليم،
روى القراءة عنه عرضا الحسن ابن داود النقار، وتفرد بالأخذ
عنه. غاية 2/ 233. وهذا الطريق في المبهج لسبط الخياط، والكامل
للهذلي كما أشار في غاية النهاية 2/ 233.
(2/680)
الميم، فلا يصغى إليه؛ إذ لا يطوع لسان به
ولا في الفطرة إطاقته «1» مع خروجه مما انعقد عليه إجماع
القرّاء والنحويين.
2014 - قال أبو عمرو: وأختار في مذهب من يبقي الغنّة مع
الإدغام عند اللام ألّا يبقيها «2» إذا عدم رسم النون في الخط؛
لأن ذلك يؤدي إلى مخالفته للفظه بنون ليست في الكتاب، وذلك في
قوله: فإلّم يستجيبوا لكم في هود [14]، وفي قوله:
ألّن نّجعل لكم مّوعدا في الكهف [148]، وألّن نّجمع عظامه في
القيامة [3].
وكذلك على ألّا تعدلوا [المائدة: 8] وألّا يسجدوا لله [النمل:
25] وألّا تطغوا [الرحمن: 8] وما أشبهه مما لم ترسم فيه النون،
وذلك على لغة من ترك الغنّة ولم يبق للنون أثرا.
2015 - وجملة المرسوم من ذلك بالنون فيما حدّثنا به محمد بن
علي الكاتب عن أبي بكر الأنباري عن أئمته عشرة مواضع: أولها:
في الأعراف [105] أن لّآ أقول على الله إلّا الحقّ وو لا
تقولوا على الله إلّا الحقّ [النساء: 171]، وفي التوبة [118]
أن لّا ملجأ من الله وفي هود [14] وأن لّآ إله إلّا هو وأن لّا
تعبدوا إلّا الله [هود: 2]، في قصة «3» نوح عليه السلام، وفي
الحج [26] أن لّا تشرك بى شيئا، وفي يس [60] أن لّا تعبدوا
الشّيطن، وفي الدخان [19] وأن لّا تعلوا على الله، وفي
الممتحنة [12] على أن لّا يشركن بالله شيئا، وفي نون والقلم
[24]، أن لّا يدخلنّها اليوم «4» واختلف المصاحف بعد في قوله
في الأنبياء [87]: أن لّآ إله إلّآ أنت «5» في بعضها بنون، وفي
بعضها بغير نون. وقرأت الباب كله المرسوم عنه بالنون والمرسوم
بغير نون ببيان الغنّة وإلى الأول أذهب.
2016 - والحال الثالثة: أن يقلبا ميما خالصة من غير إدغام،
وذلك عند الباء خاصة «6»، وسواء كانت النون معها في كلمة أو
كلمتين نحو قوله: ويؤمن بالله
__________
(1) في ت، م: (لطاقته) وهو تحريف لا يستقيم به السياق.
(2) في م: (لا ينفيها) وهو تصحيف.
(3) في ت، م: (وفي قصة) وزيادة الواو خطأ يجعل السياق مضطربا.
(4) الآية/ 24، ذكر المؤلف هذه الرواية في المقنع ص 73. وقد
نظم ابن الجزري هذه المواضع في المقدمة الجزرية، فانظرها فيها.
(5) الآية/ 87، وانظر: المقنع للمؤلف/ 99.
(6) في ت، م: (خالصة) وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(2/681)
[البقرة: 256] ومّن بعد ذلك [البقرة: 52]
ومن بينهم [86/ ظ] [مريم: 37] وأنبئهم [البقرة: 33] وأنبئونى
[البقرة: 31] وأنبتكم [نوح: 17] وأن بورك [النمل: 8] ومّنبثّا
[الواقعة: 6] وفانبجست [الأعراف: 160] ولينبذنّ [الهمزة: 4]
وإذ انبعث [الشمس: 12] وصمّ بكم [البقرة: 18] وظلمت بعضها
[النور: 40] وكلّ حزب بما [المؤمنون: 53] لنسفعا بالنّاصية
[العلق: 15] وما أشبهه.
2017 - والحال الرابعة «1»: أن يكونا مخفيين، وذلك عند باقي
حروف المعجم، وجملة ذلك خمسة عشر حرفا: القاف والكاف والجيم
والسين والشين والصّاد والزاي والتاء والظاء والذال والثاء
والطاء والدال والضاد والفاء، وسواء كانت النون معهنّ في كلمة
أو كلمتين، نحو قوله: ولئن قلت [هود: 7]، ومنقلب ينقلبون
[الشعراء:
227]، وعلى كلّ شىء قدير [البقرة: 20]، ومّن كتب [آل عمران:
81]، وينكثون [الأعراف: 135]، وعادا كفروا [هود: 60]، وو لئن
جئتهم [الروم:
58]، وفأنجينه [الأعراف: 64]، وشيئا جنّت عدن [مريم: 60، 61]،
وكذلك سائرهن.
2018 - قال أبو عمرو: ومخرج النون والتنوين مع هذه الحروف من
الخيشوم فقط، ولا حظّ لهما معهنّ في الفم؛ لأنه لا عمل للسان
فيهما كعمله فيهما مع ما يظهران عنده وما يدغمان فيه بغنّة.
والإخفاء حال بين الإظهار والإدغام، وذلك أن النون والتنوين لم
يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف «لم يرو»، فيجب إدغامهما
فيهن من أجل القرب للمزاحمة، ولم يبعد «2» أيضا منهنّ كبعدهما
من حرف الحلق، فيجب إظهارهما عندهن من أجل البعد للتراخي، فلما
عدم القرب الموجب للإدغام والبعد الموجب للإظهار أخفيا عندهنّ،
فصارا لا مدغمين ولا مظهرين إلا أن إخفاءهما على قدر قربهما
منهنّ وبعدهما عنهن، فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا
عنه، والفرق «3» عند القرّاء والنحويين بين المخفي والمدغم أن
«4» المخفي مخفّف، والمدغم مشدد، وبالله التوفيق.
__________
(1) في ت، م: (الرابع) وقدم المؤلف تأنيث الحال.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) في م: (والقرب) وهو خطأ لا يستقيم به السياق.
(4) في م: (لأن). ولا تناسب السياق.
(2/682)
|