حجة القراءات

2 - سُورَة الْبَقَرَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى لِلْمُتقين}
قرأن ابْن كثير فيهي وعليهي بإشباع الْهَاء يصلها بياء وحجته أَن أَصْلهَا فيهو وعليهو ثمَّ قلبوا الْوَاو يَاء للياء الَّتِي قبلهَا وكسروا الْهَاء فَصَارَت فيهي وعليهي وَقَرَأَ ايضا فَقُلْنَا اضربوهو ومنهو بإشباع الْهَاء يصلها بواو على أَصْلهَا
قَرَأَ الْبَاقُونَ فِيهِ وَعَلِيهِ من غير إشباع وحجتهم أَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء وتدل عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الضمة قَالَ أهل الْبَصْرَة إِنَّمَا حذفت الْيَاء لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبل الْهَاء لِأَن الْهَاء لَيست بحاجز حُصَيْن فَكَأَن السَّاكِن قبلهَا ملاق للساكن الَّذِي بعْدهَا فتحذف الْيَاء أَلا ترى أَنَّهَا إِذا تحرّك مَا قبلهَا لم تحذف مِنْهَا الْيَاء نَحْو أمه وصاحبته لِأَن مَا قبلهَا متحرك فَلَيْسَ يجْتَمع ساكنان
قَرَأَ أَبُو عَمْرو فِيهِ هدى وَقيل لَهُم بِالْإِدْغَامِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالإظهار

(1/83)


وَحجَّة أبي عَمْرو أَن إِظْهَار الْكَلِمَتَيْنِ كإعادة الحَدِيث مرَّتَيْنِ فأسكن الْحَرْف الأول وأدغمه فِي الثَّانِي ليعْمَل اللِّسَان مرّة وَاحِدَة وَشبه الْخَلِيل ذَلِك بالمقيد إِذا رفع رجله فِي مَوضِع ثمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهِ ثَانِيَة قَالَ وَالَّذِي أوجب الْإِدْغَام هُوَ أَنه يثقل على اللِّسَان رَفعه من مَكَان وإعادته فِي ذَلِك الْمَكَان أَو فِيمَا يقرب مِنْهَا وَشبه غَيره بِإِعَادَة الحَدِيث مرَّتَيْنِ
وَأما من أظهر فَإِنَّهُ أَتَى بالْكلَام على أَصله وَأدّى لكل حرف حَقه من إعرابه لتكثر حَسَنَاته إِذْ كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات

{الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} 3 3
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع يومنون بِغَيْر همز وَكَذَلِكَ يَأْكُلُون ويومرون وحجتهما فِي ذَلِك ثقل الْهَمْز وَبعد مخرجها وَمَا فِيهَا من الْمَشَقَّة فَطلب من تخفيفها مَا لم يطْلب من تَخْفيف مَا سواهَا وَلِهَذَا قيل النُّطْق بهَا كالتهوع
وورش يتْرك أَيْضا الْهمزَة المتحركة مثل / لَا يُوَاخِذُكُمْ / وَلَا يوده وَأَبُو عَمْرو يهمز

(1/84)


وحجته أَن الْهمزَة الساكنة أثقل من المتحركة وَذَلِكَ أَن تخرج الْهمزَة الساكنة من الصَّدْر وَلَا تخرج إِلَّا مَعَ حبس النَّفس والهمزة المتحركة تعينها حركتها وَتعين الْمُتَكَلّم بهَا على خُرُوجهَا فَلذَلِك همز أَبُو عَمْرو المتحركة وَترك الساكنة وَترك أَيْضا ورش مَا كَانَ سكونها عَلامَة للجزم نَحْو إِن نَشأ وتسؤهم وهمز أَبُو عَمْرو وحجته فِي ذَلِك أَن الْكَلِمَة قد سقط مِنْهَا حرف قبل الْهمزَة لسكونها وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ الْألف من نشَاء وَالْوَاو من تسوؤهم وَسَقَطت حَرَكَة الْهمزَة للجزم فَلَو أسقط مِنْهَا الْهمزَة لَكَانَ قد أسقط من الْكَلِمَة ثَلَاثَة اشياء الْهمزَة وحركتها وَالْألف فيخل بِالْكَلِمَةِ

{وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} {وعَلى أَبْصَارهم غشاوة}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو بِمَا أنزل إِلَيْك وعَلى أَبْصَارهم لَا يمدون حرفا لحرف وَهُوَ أَن تكون الْمدَّة من كلمة والهمزة من أُخْرَى وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم أَرَادوا الْفرق بَين مَا الْمدَّة فِيهِ لَازِمَة لَا تَزُول بِحَال وَبَين مَا هِيَ فِيهِ عارضة قد تَزُول فِي بعض الْأَحْوَال نَحْو بِمَا أنزل إِلَيْك فَإِنَّهَا تَزُول عِنْد الْوَقْف وَالَّتِي لَا تَزُول نَحْو دُعَاء ونداء وَبِنَاء وسماء فَجعلُوا ذَلِك فرقا بَينهمَا
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ مدا وسطا وَمد حَمْزَة وَعَاصِم مدا

(1/85)


مفرطا وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَدّ إِنَّمَا وَجب عِنْد اسْتِقْبَال الْهمزَة سَوَاء كَانَت الْهمزَة من نفس الْكَلِمَة أَو من الْأُخْرَى إِذا التقتا لِأَنَّهُ لَا فرق فِي اللَّفْظ بَينهمَا

{سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو آنذرتهم آنت يهمزان ثمَّ يمدان بعد الْهمزَة وَتَقْدِير هَذَا أَن تدخل بَين ألف الإستفهام وَبَين الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الإجتماع فيخف اللَّفْظ وَالْأَصْل {أأنذرتهم} ثمَّ تلين الْهمزَة فِي أنذرتهم
وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَإِن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى
وَقَرَأَ ابْن كثير أنذرتهم بِهَمْزَة وَاحِدَة غير مُطَوَّلَة ومذهبه أَن يُحَقّق الأولى ويخفف الثَّانِيَة وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {أأنذرتهم} أَأَنْت بهمزتين وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف صَحا بِالْجمعِ بَينهمَا نَحْو مَا يجْتَمع فِي الْكَلِمَة حرفان مثلان فَيُؤتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا صَحِيحا على جِهَته من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {أتمدونن بِمَال} و {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} ونظائر ذَلِك فَلَا يستثقل اجْتِمَاعهمَا بل يُؤْتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَجعل الهمزتين كَغَيْرِهَا من سَائِر الْحُرُوف

(1/86)


قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وورش على ابصارهم وقنطار ودينار بإمالة الْألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن انْتِقَال اللِّسَان من الْألف إِلَى الكسرة بِمَنْزِلَة النَّازِل من علو إِلَى هبوط فقربوا الْألف فإمالتهم إِيَّاهَا من الْكسر ليَكُون عمل اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَبْصَارهم بِغَيْر إمالة وحجتهم فِي ذَلِك أَن بَاب الْألف هُوَ الْفَتْح دون غَيره وَأَن مَا قبل الْألف لَا يكون أبدا إِلَّا مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ تَابع لَهَا فتركوها على بَابهَا من غير تَغْيِير {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم} بِالْألف وَاحْتج أَبُو عَمْرو بِأَن قَالَ إِن الرجل يُخَادع نَفسه وَلَا يخدعها قَالَ الْأَصْمَعِي لَيْسَ أحد يخدع نَفسه إِنَّمَا يخادعها
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {وَمَا يخدعون} بِغَيْر ألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله أخبر عَن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين أَنهم يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا بقَوْلهمْ {آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} فَأثْبت لَهُم مخادعتهم الله وَالْمُؤمنِينَ ثمَّ يخبر عَنْهُم عقيب ذَلِك أَنهم لَا يخادعونه وَلَا يخادعون إِلَّا أنفسهم فَيكون قد نفى عَنْهُم فِي آخر الْكَلَام مَا أثْبته لَهُم فِي أَوله وَلكنه أخبر أَن المخادعة من فعلهم ثمَّ إِن الخدع إِنَّمَا يَحِيق بهم خَاصَّة دونه

{فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون}

(1/87)


قَرَأَ حَمْزَة فَزَادَهُم الله بالإمالة وَكَذَلِكَ جَاءَ وَشاء وخاب وحاق وَخَافَ وطاب وضاق وزاع وَدخل ابْن عَامر مَعَه فِي جَاءَ وَشاء و {فَزَادَهُم الله} وحجتهما فِي ذَلِك أَن فَاء الْفِعْل مِنْهَا مَكْسُورَة إِذا ردهَا الْمُتَكَلّم إِلَى نَفسه نَحْو زِدْت وَجئْت وطبت وَلِهَذَا قَرَأَ حَمْزَة {فَلَمَّا زاغوا} بالإمالة أزاع الله بِالْفَتْح لِأَن فَاء الْفِعْل مَفْتُوحَة تَقول أزغت وَكَذَلِكَ فأجاءها الْمَخَاض بِغَيْر إمالة لِأَنَّك تَقول أجأت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِغَيْر إمالة على أصل الْكَلِمَة وحجتهم فِي ذَلِك أَن أصل كل فعل إِذا كَانَ ثلاثيا أَن يكون أَوله مَفْتُوحًا
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِمَا كَانُوا يكذبُون} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من كذب يكذب تَكْذِيبًا أَي إِنَّهُم يكذبُون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا عوتبوا على التَّكْذِيب لَا على الْكَذِب وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل

(1/88)


على التثقيل {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك}
وَحجَّة أُخْرَى أَن وَصفهم بالتكذيب أبلغ فِي الذَّم من وَصفهم بِالْكَذِبِ لِأَن كل مكذب كَاذِب وَلَيْسَ كل كَاذِب مُكَذبا
وَحجَّة التَّخْفِيف أَن ذَلِك أشبه مَا قبل الْكَلِمَة وَمَا بعْدهَا فَالَّذِي قبلهَا مِمَّا يدل على الْكَذِب {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} وَقَالَ الله {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون} وَمَا بعْدهَا قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} فَقَوله {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} دلَالَة على كذبهمْ فِيمَا ادعوهُ من إِيمَانهم وَإِذا كَانَ أشبه بِمَا قبله وَمَا بعده فَهُوَ أولى

{وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض}
قَرَأَ الْكسَائي {وَإِذا قيل لَهُم} بالإشمام وَكَذَلِكَ يفعل فِي غيض المَاء وسيء وحيل وَجِيء وسيق وَابْن عَامر دخل مَعَه فِي حيل وَشَيْء وسيق وَنَافِع دخل مَعَهُمَا فِي سيء

(1/89)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالْكَسْرِ وحجتهم فِي ذَلِك أَن الأَصْل فِي ذَلِك قَول وحول وسوئ وسوق وغيض وجيئ فاستثقلت الضمة على فَاء الْفِعْل وَبعدهَا وَاو مَكْسُورَة وياء مَكْسُورَة فنقلت الكسرة مِنْهُمَا إِلَى فَاء الْفِعْل وقلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فَقيل فِي ذَلِك قيل وحيل وَأَخَوَاتهَا
وَحجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي كل ذَلِك فعل بِضَم الْفَاء الَّتِي يدل ضمهَا على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل أَشَارَ فِي أوائلهن إِلَى الضَّم لتبقى بذلك دلَالَة على معنى مَا لم يسم فَاعله وَأَن الْقَاف كَانَت مَضْمُومَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الهمزتين
بَاب الهمزتين تلتقيان من كَلِمَتَيْنِ وهما مختلفتا الْإِعْرَاب وهما على سِتَّة أوجه وَجه مِنْهَا لم يجِئ فِي الْقُرْآن وَهِي الْهمزَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا همزَة مَضْمُومَة كَقَوْلِك هَؤُلَاءِ أُمَرَاء وباقيها مَوْجُودَة فِي الْقُرْآن
1 - فَأول ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا الْمَفْتُوحَة كَقَوْلِه {السُّفَهَاء أَلا} تهمز الأولى وتخفف الثَّانِيَة وتنحو بهَا نَحْو الْألف
2 - وَبعد ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة كَقَوْلِه {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو

(1/90)


الْيَاء من غير أَن تكسرها
3 - وَالثَّالِثَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة نَحْو قَوْله {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر}
4 - وَالرَّابِعَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَضْمُومَة كَقَوْلِه {جَاءَ أمة رسولها} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْوَاو من غير ضم
5 - وَالْخَامِسَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا مَفْتُوحَة نَحْو قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف} تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْألف فَهَذَا مَذْهَب نَافِع وَابْن كثير وَأبي عَمْرو
وحجتهم أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فتقلب الْهمزَة ألفا فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَأن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة بهمزتين فِي جَمِيع ذَلِك أَرَادوا التَّحْقِيق وتوفية كل حرف حَقه من حركته ونصيبه من الْإِعْرَاب إِذْ كَانَت الْهمزَة حرفا من حُرُوف المعجم يلْزمهَا من الْحَرَكَة مَا يلْزم سَائِر الْحُرُوف فجاؤوا بِكُل همزَة من المجتمعتين على هيأتها إِرَادَة التَّبْيِين والنطق بِكُل حرف من كتاب الله على جِهَته من غير إِبْدَال وَلَا تَغْيِير فَإِذا التقتا متفقتي الْإِعْرَاب وَذَلِكَ أَن تَكُونَا مكسورتين كَقَوْلِه {هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم} أَو تَكُونَا مفتوحتين كَقَوْلِه جَاءَ أمرنَا أَو تَكُونَا مضمومتين كَقَوْلِه أَوْلِيَاء أُولَئِكَ فَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة

(1/91)


جَمِيع ذَلِك بهمزتين وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
وورش عَن نَافِع والقواس عَن ابْن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثَّانِيَة ويشيران بِالْكَسْرِ إِلَيْهَا وَفِي المتفوحتين يشيران بِالْفَتْح إِلَيْهَا وَفِي المضمومتين يشيران بِالضَّمِّ إِلَيْهَا وَأما نَافِع والبزي عَن ابْن كثير فيلينان الأولى شبه الْيَاء ويهمزان الثَّانِيَة وَفِي المضمومتين شبه الْوَاو وَهَذَا بَاب تحكمه المشافهة لَا الْكِتَابَة وَفِي المفتوحتين يحذفون الأولى بِلَا عوض
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو جَمِيع ذَلِك بِهَمْزَة وَاحِدَة حذف إِحْدَاهمَا وَاكْتفى بِالْأُخْرَى عَنْهَا وَهَا هُنَا خلاف آلمحذوفة هِيَ الأولى أم الثَّانِيَة
فَمن حجَّة من يَقُول الثَّانِيَة أَنَّهَا هِيَ الَّتِي جلبت مُعظم الثّقل فَكَانَ الْحَذف فِيهَا أوجب لِأَن الأولى لَو انْفَرَدت لما وَجب حذفهَا وَلما جَازَ وَحجَّة من يَقُول الأولى هِيَ المحذوفة هِيَ أَن الأولى وَقعت فِي الْكَلِمَة آخرا وَالثَّانيَِة وَقعت فِي كلمتها أَولا والأواخر أَحَق بالإعلال من الْأَوَائِل أَلا ترى أَن هَذِه الْهمزَة إِذا وقف الْإِنْسَان على جَاءَ وعَلى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهَا تسْقط عِنْد الْوَقْف فَالْأولى إِذا أَحَق بالإسقاط من الثَّانِيَة

(1/92)


{وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم}
وَقَرَأَ أبوعمرو وَنَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وقالون وَالْكسَائِيّ وَهُوَ بِكُل لَهو فَهِيَ سَاكِنة الْيَاء
وحجتهم أَن الْفَاء مَعَ هِيَ وَهُوَ قد جعلت الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة فَخذ وفخذ فاستثقلوا الكسرة والضمة فحذفوها للتَّخْفِيف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَهُوَ فَهِيَ بالتثقيل على أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْهَاء كَانَت متحركة قبل دُخُول هَذِه الْحُرُوف عَلَيْهَا فَلَمَّا دخلت هَذِه الْحُرُوف لم تَتَغَيَّر عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ من قبل

{قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو إِنِّي أعلم بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْيَاء فَأَما من فتح الْيَاء فعلى أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْيَاء اسْم الْمُتَكَلّم وَالِاسْم لَا يَخْلُو من أَن يكون مضمرا أَو مظْهرا فَإِذا كَانَ ظَاهرا أعرب وَإِذا كَانَ مضمرا بني على حَرَكَة كالكاف فِي ضربتك وَالتَّاء فِي قُمْت وَكَذَلِكَ الْيَاء وَجب أَن تكون مَبْنِيَّة على حَرَكَة لِأَنَّهَا عَلامَة إِضْمَار وَهِي خلف من المعربة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَمَا أَدْرَاك ماهيه حسابيه لِأَن الْهَاء إِنَّمَا أُتِي بهَا للسكت لتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا وَأما من سكن الْيَاء فَإِنَّهُ عدل بهَا عَن أَصْلهَا استثقالا للحركة عَلَيْهَا لِأَن الْيَاء حرف ثقيل فَإِذا حرك ازْدَادَ ثقلا إِلَى ثقله

(1/93)


وَفِي يَاء الْإِضَافَة أَربع لُغَات فتح الْيَاء على أصل الْكَلِمَة وإسكانها تَخْفِيفًا وَإِثْبَات الْهَاء بعد الْيَاء والحذف تَقول هَذَا غلامي قد جَاءَ وَغُلَامِي وغلاميه وَغُلَام

{فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ}
قَرَأَ حَمْزَة / فأزالهما الشَّيْطَان عَنْهَا / بِالْألف أَي نحاهما عَن الْحَال الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا من قَول الْقَائِل أَزَال فلَان فلَانا عَن مَوْضِعه إِذا نحاه عَنهُ وَزَالَ هُوَ وحجته قَوْله {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} أَي اثبتا فثبتا فأزالهما الشَّيْطَان فقابل الثَّبَات بالزوال الَّذِي هُوَ خِلَافه وَمِمَّا يُقَوي قِرَاءَته قَوْله {فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} فإخراجهما فِي الْمَعْنى قريب من إزالتهما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فأزلهما من زللت وأزلني غَيْرِي أَي أوقعهما فِي الزلل وَهُوَ أَن يزل الْإِنْسَان عَن الصَّوَاب إِلَى الْخَطَأ والزلة وحجتهم قَوْله إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان وَنسب الْفِعْل إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُمَا زلا بإغواء الشَّيْطَان إيَّاهُمَا فَصَارَ كَأَنَّهُ أزلهما

{فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} 37
قَرَأَ ابْن كثير فَتلقى آدم نصب كَلِمَات رفع جعل الْفِعْل للكلمات لِأَنَّهَا تلقت آدم عَلَيْهِ السَّلَام وحجته أَن الْعَرَب تَقول تلقيت زيدا وتلقاني زيد وَالْمعْنَى وَاحِد لِأَن من لَقيته فقد لقيك وَمَا نالك فقد نلته

(1/94)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} آدم رفع بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ تلقى من ربه الْكَلِمَات أَي أَخذهَا مِنْهُ وحفظها وفهمها وَالْعرب تَقول تلقيت هَذَا من فلَان الْمَعْنى إِن فهمي قبلهَا مِنْهُ وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير فِي تَأْوِيل قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} أَي قبلهَا فَإِذا كَانَ آدم الْقَابِل فالكلمات مَقْبُولَة

{فَمن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
قَرَأَ ورش عَن نَافِع {فَمن تبع هُدَايَ} سَاكِنة الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا أَتَت بعد سَاكن واصلها الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ الْفَتْح وَقد ذكرته عِنْد قَوْله إِنِّي أعلم

{وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَلَا تقبل مِنْهَا بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ من قَرَأَ بِالتَّاءِ فلتأنيث الشَّفَاعَة وَسقط السُّؤَال فَصَارَ كَقَوْلِه {وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة}
وَحجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ هِيَ أَن تَأْنِيث الشَّفَاعَة لَيست حَقِيقِيَّة فلك فِي لَفظه فِي الْفِعْل التَّذْكِير والتأنيث تَقول قد قبل مِنْك الشَّفَاعَة وَقبلت مِنْك وَكَذَلِكَ {فَمن جَاءَهُ موعظة} لِأَن معنى موعظة وَوعظ وشفاعة وَتشفع وَاحِد فَلذَلِك جَازَ التَّذْكِير والتأنيث على اللَّفْظ وَالْمعْنَى

(1/95)


وَحجَّة أُخْرَى لما فصل بَين اسْم الْمُؤَنَّث وَفعله بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل صَار كالعوض مِنْهُ وَمثله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} {وَإِذ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} 51
قَرَأَ ابو عَمْرو وإ وعدنا مُوسَى بِغَيْر ألف وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْرَاف وطه
وحجته أَن المواعدة إِنَّمَا تكون بَين الْآدَمِيّين وَأما الله جلّ وَعز فَإِنَّهُ الْمُنْفَرد بالوعد والوعيد وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَإِذ واعدنا بِالْألف وحجتهم أَن المواعدة كَانَت من الله وَمن مُوسَى فَكَانَت من الله أَنه وَاعد مُوسَى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد مُوسَى ربه الْمصير إِلَى الطّور لما أمره بِهِ وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى على إِسْنَاد الْوَعْد إِلَى الله نَظِير مَا تَقول طارقت نَعْلي وسافرت وَالْفِعْل من وَاحِد على مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب

{فتوبوا إِلَى بارئكم}

(1/96)


قَرَأَ أَبُو عَمْرو إِلَى بارئكم ويأمركم وينصركم بالإختلاس وحجته فِي ذَلِك أَنه كره كَثْرَة الحركات فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة وَرُوِيَ عَنهُ إسكان الْهمزَة قَالَ الشَّاعِر ... إِذا اعوججن قلت صَاحب قوم ...

وَالْكَلَام الصَّحِيح يَا صَاحب أقبل أَو يَا صَاحب اقبل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بارئكم ويأمركم بالإشباع على أصل الْكَلِمَة وَهُوَ الصَّوَاب ليوفى كل حرف حَقه من الْإِعْرَاب

{وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد الْمُحْسِنِينَ}
قَرَأَ نَافِع يغْفر لكم بِالْيَاءِ وَفتح الْفَاء على مَا لم يسم فَاعله خطاياكم فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهُ مفعول مَا لم يسم فَاعله وحجته فِي الْيَاء أَن الْفِعْل مُتَقَدم وَقد حيل بَينه وَبَين الْخَطَايَا ب لكم فَصَارَ الْحَائِل كالعوض من التَّأْنِيث وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْخَطَايَا جمع وَجمع مَا لَا يعقل يشبه بِجمع مَا يعقل من النِّسَاء كَمَا قَالَ وَقَالَ

(1/97)


نسْوَة فِي الْمَدِينَة فَلَمَّا ذكر فعل جَمِيع النِّسَاء ذكر فعل الْخَطَايَا وَنَحْوه أم هَل يَسْتَوِي الظُّلُمَات
وَقَرَأَ ابْن عَامر تغْفر بِالتَّاءِ وَقد ذكرنَا إعرابها وحجته فِي التَّاء أَنه فعل مُتَقَدم نَحْو قَوْله قَالَت الْأَعْرَاب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نغفر بالنُّون وحجتهم فِي ذَلِك أَن نغفر بَين خبرين من أَخْبَار الله عَن نَفسه قد أخرجَا بالنُّون وَذَلِكَ قَوْله {وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} فَخرج ذَلِك بالنُّون وَلم يقل وَإِذ قيل فَيُقَال تغْفر وَيغْفر وَالْآخر قَوْله {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} وَلم يقل وسيزاد المحسنون
وَاعْلَم أَن من قَرَأَ يغْفر فَهُوَ يؤول أَيْضا إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَيعلم من الفحوى أَن ذَنْب الْخَلَائق وخطاياهم لَا يغفره إِلَّا الله وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف}

{وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق}
قَرَأَ نَافِع / وَيقْتلُونَ النبيئين / بِالْهَمْز من أنبأ أَي أخبر عَن الله كَمَا قَالَ جلّ وَعز من أَنْبَأَك هَذَا فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنبئ أَي يخبر عَن الله وَهُوَ فعيل من أنبأ وَإِنَّمَا كَانَ الِاسْم مِنْهُ منئ وَلكنه صرف عَن مفعل إِلَى فعيل

(1/98)


وحجته فِي أَن النبئ مَهْمُوز قَول عَبَّاس بن مرداس فِي مدحه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... يَا خَاتم النباء إِنَّك مُرْسل ... بِالْحَقِّ خير هدى السَّبِيل هداكا ...

فَقَالَ يَا خَاتم النباء فَجَمعه على فعلاء لِأَن الْوَاحِد مَهْمُوز فقد صَحَّ على أَن أَصله الْهَمْز وَأَنه من بَاب الصَّحِيح لَا من بَاب المعتل لِأَن الصَّحِيح كَذَا يجمع كَمَا تجمع النعوت الَّتِي على فعيل من غير ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو مثل الشَّرِيك والشركاء والحكيم والحكماء والعليم وَالْعُلَمَاء وَلَو كَانَ النَّبِي غير مَهْمُوز لم يجمع على فعلاء لِأَن النعوت الَّتِي تكون على فعيل من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو إِنَّمَا تجمع على أفعلاء كفعلهم ذَلِك فِي ولي ووصي ودعي إِذا جمع يجمع أَوْلِيَاء وأوصياء وأدعياء وَلَا يجمع على فعلاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ النَّبِيين بِغَيْر همز من نبانبو إِذا ارْتَفع فَيكون فعيلا من الرّفْعَة والنبوة الِارْتفَاع وَإِنَّمَا قيل للنَّبِي نَبِي لارْتِفَاع مَنْزِلَته وشرفه تَشْبِيها لَهُ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفع على مَا حوله وحجتهم فِي ذَلِك أَن كل مَا فِي الْقُرْآن من جَمِيع ذَلِك على أفعلاء نَحْو أَنْبيَاء الله وَفِي ذَلِك الْحجَّة الْوَاضِحَة على أَن الْوَاحِد مِنْهُ بِغَيْر همز كَمَا جمع ولي وأولياء ووصي وأوصياء وَلَو كَانَ فِي التَّوْحِيد مهموزا لَكَانَ الْجمع مِنْهُ فعلاء وَحجَّة أُخْرَى رُوِيَ أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا نبيء الله قَالَ
لست بنيء الله وَلَكِنِّي

(1/99)


نَبِي الله قَالَ أَبُو عبيد كَأَنَّهُ كره الْهَمْز

{إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
قَرَأَ نَافِع والصابين والصابون بِغَيْر همز من صبا يصبو أَي مَال إِلَى دينه وحجته قَوْله تَعَالَى وَإِلَّا تصرف عني كيدهن أصب إلَيْهِنَّ أَي أمل إلَيْهِنَّ وَمِنْه سمي الصَّبِي صَبيا لِأَن قلبه يصبو إِلَى كل لعب لفراغ قلبه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الصابئين بِالْهَمْز أَي الخارجين من دين إِلَى دين يُقَال صَبأ فلَان إِذا خرج من دينه يصبأ وَيُقَال صَبَأت النُّجُوم إِذا ظَهرت وصبأ نابه إِذا خرج

{قَالُوا أتتخذنا هزوا}
قَرَأَ حَمْزَة وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع هزءا سَاكِنة الزَّاي وَقَرَأَ

(1/100)


الْبَاقُونَ هزؤا بِضَم الزَّاي وهما لُغَتَانِ التَّخْفِيف لُغَة تَمِيم والتثقيل لُغَة أهل الْحجاز
قَالَ الْأَخْفَش وَزعم عِيسَى بن عمر أَن كل اسْم على ثَلَاثَة أحرف أَوله مضموم فَمن الْعَرَب من يثقله وَمِنْهُم من يخففه نَحْو الْيُسْر واليسر والعسر والعسر فَمن خفف طلب التَّخْفِيف لِأَنَّهُ استثقل ضمتين فِي كلمة وَاحِدَة
وَقَرَأَ حَفْص هزوا بِغَيْر همز لِأَنَّهُ كره الْهَمْز بعد ضمتين فِي كلمة وَاحِدَة فلينها

{وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}
قَرَأَ ابْن كثير {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ أَي وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْمل هَؤُلَاءِ الَّذين اقتصصنا عَلَيْكُم قصصهم أَيهَا الْمُسلمُونَ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك فَهِيَ كالحجارة} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}

(1/101)


{بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئته}
قَرَأَ نَافِع وأحاطت بِهِ خطيئاته بِالْألف وحجته أَن الْإِحَاطَة لَا تكون للشَّيْء الْمُنْفَرد إِنَّمَا تكون لِأَشْيَاء كَقَوْلِك أحَاط بِهِ الرِّجَال وأحاط النَّاس بفلان إِذا داروا بِهِ وَلَا يُقَال أحَاط زيد بِعَمْرو وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير قَوْله بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئاته أَي الْكَبَائِر أَي أحاطت بِهِ كَبَائِر ذنُوبه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خطيئته على التَّوْحِيد وحجتهم أَن الْخَطِيئَة لَيست بشخص فَإِذا لم تكن شخصا واشتملت على الْإِنْسَان جَازَ أَن يُقَال أحاطت بِهِ خطيئته وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير من كسب سَيِّئَة أَي الشّرك وأحاطت بِهِ خطيئته أَي الشّرك الَّذِي هُوَ سَيِّئَة

{وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحسانا وَذي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا للنَّاس حسنا}
وَقَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله} بِالْيَاءِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا وَأقِيمُوا الصَّلَاة} {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ} فَحكى مَا خاطبهم بِهِ فَجرى الْكَلَام على لفظ المواجهة
وَاحْتج من قَرَأَ بِالْيَاءِ أَن قَالَ أول الْآيَة إِخْبَار عَن غيب يعنون

(1/102)


بذلك قَوْله {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالُوا فإجراء الْكَلَام على مَا ابتدئ بِهِ أول الْآيَة وافتتح بِهِ الْكَلَام أولى وأشبه من الإنصراف عَنهُ إِلَى الْخطاب
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} بِفَتْح الْحَاء وَالسِّين وحجتهم أَن حسنا وصف لِلْقَوْلِ الَّذِي كف عَن ذكره لدلَالَة وَصفه عَلَيْهِ كَأَن تَأْوِيله وَقُولُوا للنَّاس قولا حسنا فَترك القَوْل وَاقْتصر على نَعته وَقد نزل الْقُرْآن بنظير ذَلِك فَقَالَ جلّ وَعز وَجعل فِيهَا رواسي وَلم يذكر الْجبَال وَقَالَ {أَن اعْمَلْ سابغات} وَلم يذكر الدروع إِذْ دلّ وصفهَا على موصوفها
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حسنا بِضَم الْحَاء وحجتهم أَن الْحسن يجمع وَالْحسن يَتَبَعَّض أَي قولا للنَّاس الْحسن فِي الْأَشْيَاء كلهَا فَمَا يجمع أولى مِمَّا يَتَبَعَّض قَالَ الزّجاج وَفِي قَوْله {حسنا} قَولَانِ الْمَعْنى قولا للنَّاس قولا ذَا حسن وَزعم الْأَخْفَش أَنه يجوز أَن يكون حسنا فِي معنى حسن كَمَا قيل الْبُخْل وَالْبخل والسقم والسقم وَفِي التَّنْزِيل {إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا} {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا}

{تظاهرون عَلَيْهِم بالإثم والعدوان وَإِن يأتوكم أُسَارَى تفادوهم وَهُوَ محرم عَلَيْكُم إخراجهم أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض فَمَا جَزَاء من يفعل ذَلِك مِنْكُم إِلَّا خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}

(1/103)


85
- قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تظاهرون عَلَيْهِم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تظاهرون} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل فِيهِ تتظاهرون فَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ أدغم التَّاء فِي الظَّاء لقرب المخرجين وأتى بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا من غير حذف وَمن قَرَأَ {تظاهرون} بِالتَّخْفِيفِ وَالْأَصْل أَيْضا فِيهِ تتظاهرون حرف التَّاء الثَّانِيَة لِاجْتِمَاع تاءين إِحْدَاهمَا تَاء الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة تَاء تزاد فِي الْفِعْل فأسقط الثَّانِيَة وحجته قَوْله {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} فَطرح الثَّانِيَة مِنْهَا
قَرَأَ حَمْزَة {وَإِن يأتوكم أُسَارَى} بِغَيْر ألف جمع أَسِير وحجته أَن كل فعيل من نعوت ذَوي العاهات إِذا جمع فَإِنَّمَا يجمع على فعلى وَذَلِكَ كجمعهم الْمَرِيض مرضى والجريح جرحى والقتيل قَتْلَى والصريع صرعى وَكَذَلِكَ اسير وَأسرى لِأَنَّهُ قد ناله الْمَكْرُوه والأذى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أُسَارَى} قَالَ بعض عُلَمَائِنَا هما لُغَتَانِ كَمَا يُقَال سَكرَان وسكارى وَقَالَ أَبُو عَمْرو إِذا أخذُوا فهم عِنْد الْأَخْذ أُسَارَى وَمَا لم يؤسر بعد مِنْهُم أسرى كَقَوْلِه {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى}
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {تفادوهم} بِالْألف وحجتهم

(1/104)


أَن هَذَا فعل من فريقين أَي يفْدي هَؤُلَاءِ أساراهم من هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء أساراهم من هَؤُلَاءِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول تعطوهم ويعطوكم وتفدوهم تعطوهم فَقَط
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تفدوهم / أَي تشتروهم من الْعَدو وحجتهم فِي ذَلِك أَن فِي دين الْيَهُود أَلا يكون أَسِير من أهل ملتهم فِي إسار غَيرهم وَأَن عَلَيْهِم أَن يفدوهم بِكُل حَال وَإِن لم يفدهم الْقَوْم الْآخرُونَ كَا قَالَ ابْن عَبَّاس
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو بكر {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب} فَيكون قَوْله {عَمَّا يعْملُونَ} إِخْبَارًا عَنْهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله {أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض}

{وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات وأيدناه بِروح الْقُدس}
قَرَأَ ابْن كثير {وأيدناه بِروح الْقُدس} بِإِسْكَان الدَّال فِي جَمِيع الْقُرْآن كَأَنَّهُ استثقل الضمتين وحجته قَول الشَّاعِر ... وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ...

(1/105)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الدَّال وَهُوَ الأَصْل

{بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم أَن يكفروا بِمَا أنزل الله بغيا أَن ينزل الله من فَضله على من يَشَاء من عباده}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أَن ينزل الله} بِالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجتهما فِي الْآيَة {أَن يكفروا بِمَا أنزل الله} وَلم يقل نزل الله وَأَبُو عَمْرو قَرَأَ فِي الْأَنْعَام بِالتَّشْدِيدِ {قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة} بِالتَّشْدِيدِ لِأَن قبلهَا {لَوْلَا نزل عَلَيْهِ} وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم لِأَنَّهُ شَيْء بعد شَيْء فَكَأَنَّهُ لما تردد وَطَالَ نُزُوله شدده لتردده وَابْن كثير خَالف مذْهبه فِي سُورَة سُبْحَانَ فَقَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع بَين اللغتين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم أَن نزل وَأنزل لُغَتَانِ مثل نبأته وأنبأته وأعظمت وعظمت وَفِي التَّنْزِيل {وَيَقُول الَّذين آمنُوا لَوْلَا نزلت سُورَة فَإِذا أنزلت سُورَة محكمَة} فجَاء باللغتين وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي لُقْمَان وعسق بِالتَّخْفِيفِ وحجتهما قَوْله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء}

{من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ}

(1/106)


قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وحفض {وَجِبْرِيل} بِكَسْر الْجِيم وَالرَّاء جعلُوا جِبْرِيل اسْما وَاحِدًا على وزن قطمير وحجتهم قَول الشَّاعِر ... وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا ... ورورح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ...

وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / جبرئيل / بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء مهموزا قَالَ الشَّاعِر ... شَهِدنَا فَمَا تلقى لنا من كَتِيبَة ... مدى الدَّهْر إِلَّا جبرئيل أمامها ...

وحجتهم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ
إِنَّمَا جبرئيل وَمِيكَائِيل كَقَوْلِك عبد الله وَعبد الرَّحْمَن جبر هُوَ العَبْد وإيل هُوَ الله فأضيف جبر إِلَيْهِ وَبني فَقيل جبرئيل
وَقَرَأَ ابْن كثير / جِبْرِيل / بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء مثل سمويل وَهُوَ اسْم طَائِر قَالَ عبد الله بن كثير رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فِي الْمَنَام فأقرأني جِبْرِيل فَأَنا لَا أَقرَأ إِلَّا كَذَلِك
وَقَرَأَ يحيى عَن أبي بكر / جبرئل / على وزن جبرعل وَهَذِه لُغَة تَمِيم وَقيس

(1/107)


وَقَرَأَ أبوعمرو وَحَفْص {وميكال} بِغَيْر همز على وزن سربال وحجتهما قَول من مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ... وَيَوْم بدر لقيناكم لنا مدد ... فِيهِ مَعَ النَّصْر ميكال وَجِبْرِيل ...

وَقَرَأَ نَافِع / ميكائل / بِهَمْزَة مختلسة لَيْسَ بعْدهَا يَاء كَأَنَّهُ كسرة الإشباع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / مِيكَائِيل / ممدودا وحجتهم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ فِي صَاحب الصُّور
جبرئيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره قَالَ الْكسَائي قَوْله جبرئيل وَمِيكَائِيل وَإِبْرَاهِيم فَإِنَّهَا أَسمَاء أَعْجَمِيَّة لم تكن الْعَرَب تعرفها فَلَمَّا جاءتها أعربتها فلفظت بهَا بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة

{وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَكِن} خَفِيفَة {الشَّيَاطِين} رفع وَكَذَلِكَ {وَلَكِن الله قَتلهمْ} {وَلَكِن الله رمى} وحجتهم أَن الْعَرَب تجْعَل إِعْرَاب مَا بعد لَكِن كإعراب مَا قبلهَا فِي الْجحْد فَتَقول مَا قَامَ عَمْرو وَلَكِن أَخُوك وَتصير لَكِن نسقا إِذا كَانَ مَا قبلهَا جحد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَكِن} بِالتَّشْدِيدِ {الشَّيَاطِين} نصب وحجتهم فِي ذَلِك أَن دُخُول الْوَاو فِي {وَلَكِن} يُؤذن باستئناف الْخَبَر بعْدهَا وَأَن الْعَرَب تُؤثر تشديدها وَنصب الْأَسْمَاء بعْدهَا وَفِي التَّنْزِيل {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}

(1/108)


{وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} {وَلَكِن أَكْثَرَكُم للحق كَارِهُون} أَنَّهَا بِالتَّشْدِيدِ للواو الَّتِي فِي أَولهَا ثمَّ أَجمعُوا على تَخْفيف لَكِن الراسخون و {لَكِن الله يشْهد} لما لم يكن فِي أَولهَا وَاو
أعلم أَن لَكِن كُله تَحْقِيق وَلَكِن بِالتَّخْفِيفِ كلمة اسْتِدْرَاك بعد نفي تَقول مَا جَاءَ عَمْرو وَلَكِن زيد خرج

{مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا}
قَرَأَ ابْن عَامر {مَا ننسخ من آيَة} بِضَم النُّون وَكسر السِّين بِمَعْنى مَا ننسخك يَا مُحَمَّد ثمَّ حذف الْمَفْعُول من النّسخ وَمَعْنَاهُ مَا آمُرك بنسخها أَي بِتَرْكِهَا تَقول نسخت الْكتاب وأنسخت غَيْرِي أَي حَملته على النّسخ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مَا ننسخ بِفَتْح النُّون وَالسِّين من نسخ إِذا غير الحكم وَبدل يَقُول نسخ الله الْكتاب ينسخه نسخا وَهُوَ أَن يرفع حكم آيَة بِحكم آخرى قَالَ ابْن عَبَّاس {مَا ننسخ من آيَة} أَي مَا نبدل من حكم آيَة بِحكم آخر
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / أَو ننسأها / أَي نؤخر حكمهَا وحجتهما أَن ذَلِك من التَّأْخِير فتأويله مَا ننسخ من آيَة فنبدل حكمهَا أَو نؤخر تَبْدِيل حكمهَا فَلَا نبطله نأت بِخَير مِنْهَا وَيكون الْمَعْنى مَا نرفع من آيَة أَو نؤخرها فَلَا نرفعها

(1/109)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو ننسها} بِضَم النُّون وحجتهم فِي ذَلِك قِرَاءَة أبي وَسعد بن أبي وَقاص وَقَرَأَ أبي بن كَعْب {أَو ننسها} مَعْنَاهُ ننسك نَحن يَا مُحَمَّد وَقَرَأَ سعد أَو تنسها الْمَعْنى أَو تنسها أَنْت يَا مُحَمَّد وقراءتهما تدل على النسْيَان وَإِن كَانَ بَعضهم أَضَافَهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَبَعْضهمْ أخبر أَن الله فعل ذَلِك بِهِ وَلَيْسَ بَين الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَاف لِأَنَّهُ لَيْسَ يفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِلَّا مَا وَفقه الله لَهُ إِذا أنساه نسي قَالَ أَبُو عبيد أَو ننسها من النسْيَان وَمَعْنَاهُ أَن الله إِذا شَاءَ أنسى من الْقُرْآن من يَشَاء أَن ينسيه وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن عَبَّاس أَو ننسها أَو نتركها فَلَا نبدلها
قَالَ عُلَمَاؤُنَا يلْزم قَائِله أَن يَقْرَأها أَو ننسها بِفَتْح النُّون ليَصِح معنى نتركها فَأَما إِذا ضمت النُّون فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ ننسك يَا مُحَمَّد وَهَذَا لَا يكون بِمَعْنى التّرْك
الْجَواب عَنهُ يُقَال نسيت الشَّيْء أَي تركته وأنسيته أَي أمرت بِتَرْكِهِ فَتَأْوِيل الْآيَة {مَا ننسخ من آيَة} أَي نرفعها بِآيَة أُخْرَى ننزلها {أَو ننسها} وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سبحنه 116
وَقَرَأَ ابْن عَامر {قَالُوا اتخذ الله} بِغَيْر وَاو كَذَا مَكْتُوب

(1/110)


مصاحف أهل الشَّام وحجته أَن ذَلِك قصَّة مستانفة غير مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا كَمَا قَالَ {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} ثمَّ قَالَ {قَالُوا أتتخذنا هزوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقَالُوا} بِالْوَاو لِأَنَّهُ مثبتة فِي مصاحفهم وَهِي عطف جملَة على جملَة

{وَإِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون}
قَرَأَ ابْن عَامر {فَيكون} نصب كَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَنه الْأَمر تَقول أكْرم زيدا فيكرمك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج رَفعه من جِهَتَيْنِ إِن شِئْت على الْعَطف على يَقُول وَإِن شِئْت على الِاسْتِئْنَاف الْمَعْنى فَهُوَ يكون

{إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم}
قَرَأَ نَافِع {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} بِفَتْح التَّاء والجزم على النَّهْي وحجته مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ قَالَ لَيْت شعري مَا فعل أبواي فَنزلت {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} فَنَهَاهُ الله عَن الْمَسْأَلَة قيل إِنَّه مَا ذكرهمَا حَتَّى توفاه الله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} بِرَفْع التَّاء

(1/111)


وَاللَّام وحجتهم أَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / وَلنْ تسْأَل / وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون {وَلَا تسْأَل} استئنافا كَأَنَّهُ قيل وَلست تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم كَمَا قَالَ {فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وعلينا الْحساب} وَالْوَجْه الثَّانِي على الْحَال فَيكون الْمَعْنى وأرسلناك غير سَائل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم

{قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين}
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} بإرسال الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن لَو لم تتحرك الْيَاء ذهبت فِي الْوَصْل فَلم يكن لَهَا أثر على اللِّسَان فحركوهها ليعلم أَن فِي الْحَرْف يَاء فَإِذا ظهر على اللِّسَان أرسلوها فَقَالُوا {وطهر بَيْتِي للطائفين}

{وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}

(1/112)


قَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم} بِفَتْح الْخَاء وحجتهما أَن هَذَا إِخْبَار عَن ولد إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِم أَنهم أتخذوا مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وَهُوَ مَرْدُود إِلَى قَوْله {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَاتَّخذُوا} بِكَسْر الْخَاء وحجتهم فِي ذَلِك مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَخذ بيد عمر فَلَمَّا أَتَى على الْمقَام قَالَ لَهُ عمر هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ قَالَ
نعم قَالَ أَفلا نتخذه مصلى فَأنْزل الله جلّ وَعز {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} يَقُول وافعلوا
قَرَأَ ابْن عَامر / إبراهام / بِأَلف كل مَا فِي سُورَة الْبَقَرَة وَفِي النِّسَاء بعد المئة وَفِي الْأَنْعَام حرفا وَاحِدًا / مِلَّة إبراهام / وَفِي التَّوْبَة بعد المئة / إبراهام / وَفِي سُورَة إِبْرَاهِيم / إبراهام / وَفِي النَّحْل وَمَرْيَم كلهَا / إبراهام / وَفِي العنكبوت الثَّانِي / إبراهام / وعسق / إبراهام / وَفِي سور الْمفصل كلهَا / إبراهام / إِلَّا فِي سُورَة الْمَوَدَّة {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم} بِالْيَاءِ وَفِي سبح {صحف إِبْرَاهِيم}

(1/113)


وَمَا بَقِي فِي جَمِيع الْقُرْآن بِالْيَاءِ وحجته فِي ذَلِك أَن كل مَا وجده بِأَلف قَرَأَ بِأَلف وَمَا وجده بِالْيَاءِ قَرَأَ بِالْيَاءِ اتِّبَاع الْمَصَاحِف
وَاعْلَم أَن إِبْرَاهِيم اسْم أعجمي دخل فِي كَلَام الْعَرَب وَالْعرب إِذا أعربت اسْما أعجميا تَكَلَّمت فِيهِ بلغات فَمنهمْ من يَقُول إبراهام وَمِنْهُم من يَقُول أبرهم قَالَ الشَّاعِر ... نَحن آل الله فِي بلدته ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم ...

{قَالَ وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا}
قَرَأَ ابْن عَامر {فأمتعه قَلِيلا} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ يُقَال متع الله بِهِ وأمتع بِهِ وَالتَّشْدِيد هُوَ الإختيار لِأَن الْقُرْآن يشْهد بذلك فِي قَوْله {ومتعناهم إِلَى حِين} وَلم يقل أمتعناهم

{وأرنا مناسكنا وَتب علينا}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وأرنا} مختلسا وَقَرَأَ ابْن كثير {وأرنا} سَاكِنة فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجته أَن الرَّاء فِي الأَصْل سَاكِنة وَأَصلهَا أرئينا على وزن أكرمنا فحذفت الْيَاء للجزم ثمَّ تركت الْهمزَة كَمَا تركت فِي يرى وَترى وَبقيت الْيَاء محذوفة كَمَا كَانَت والأجود أَن تَقول نقلنا حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء ثمَّ حذفنا لِكَثْرَة الحركات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أرنا} بِكَسْر الرَّاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن الكسرة

(1/114)


إِنَّمَا هِيَ كسرة همزَة ألغيت وطرحت حركتها على الرَّاء فالكسرة دَلِيل الْهمزَة فحذفها قَبِيح {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَأوصى بهَا / بِالْألف وحجتهما أَن أوصى يكون للقليل وَالْكثير ووصى لَا يكون إِلَّا للكثير
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ووصى} التَّشْدِيد وحجتهم أَن وصّى أبلغ من أوصى لِأَن أوصى جَائِز أَن يكون مرّة ووصى لَا يكون إِلَّا مَرَّات كَثِيرَة وَقَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ معروفتان تَقول وصيتك وأوصيتك كَمَا تَقول كرمتك وأكرمتك وَالْقُرْآن ينْطق بِالْوَجْهَيْنِ قَالَ الله {وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} {مَا وصّى بِهِ نوحًا} {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ} وَقَالَ {يُوصِيكُم الله} و {من بعد وَصِيَّة توصون} وَالتَّشْدِيد أَكثر

{أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط كَانُوا هودا أَو نَصَارَى}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {أم يَقُولُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم أَن هَذَا إِخْبَار عَن الْيَهُود أَرَادَ أم يَقُول الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم المخاطبة الَّتِي قبلهَا وَالَّتِي بعْدهَا فالمتقدمة قَوْله {قل أتحاجوننا فِي الله} 139 والمتأخرة قَوْله

(1/115)


{قل أأنتم أعلم أم الله} فَتَأْوِيل الْآيَة قل يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلين لكم {كونُوا هودا أَو نَصَارَى} أتحاجوننا أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم وَأَوْلَاده كَانُوا يهودا {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف} على وزن رعف وحجتهم أَن هَذَا أبلغ فِي الْمَدْح كَمَا تَقول رجل حذق ويقظ للْمُبَالَغَة قَالَ الشَّاعِر ... يرى للْمُسلمين عَلَيْهِ حَقًا ... كَفعل الْوَالِد الرؤف الرَّحِيم ...

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لرؤوف} على وزن فعول وحجتهم فِي ذَلِك أَن أَكثر أَسمَاء الله على فعول وفعيل مثل غَفُور وشكور وَرَحِيم وقدير قَالَ الشَّاعِر ... نطيع نَبينَا ونطيع رَبًّا ... هُوَ الرَّحْمَن كَانَ بِنَا رؤوفا ...

{وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} فَكَانَ ختم الْآيَة بِمَا افتتحت بِهِ من الْخطاب عِنْدهم أولى من الْعُدُول عَن الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة

(1/116)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم} وَالْكَلَام خبر عَنْهُم

{وَلكُل وجهة هُوَ موليها}
قَرَأَ ابْن عَامر / هُوَ مَوْلَاهَا / بِفَتْح اللَّام أَي هُوَ موجهها وحجته أَنه قدر لَهُ أَن يتولاها وَلم يسند إِلَى فَاعل بِعَيْنِه فَيجوز أَيكُون هُوَ كِنَايَة عَن الِاسْم الَّذِي أضيفت إِلَيْهِ كل وَهُوَ الْفَاعِل وَيجوز أَن يكون فَاعل التَّوْلِيَة الله وَهُوَ كِنَايَة عَنهُ وَالتَّقْدِير وَلكُل ذِي مِلَّة قبْلَة الله موليها وَجهه ثمَّ رد ذَلِك إِلَى مَا لم يسم فَاعله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هُوَ موليها} أَي متبعها وراضيها وحجتهم مَا قد جَاءَ فِي التَّفْسِير عَن مُجَاهِد {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} أَي لكل صَاحب مِلَّة وجهة أَي قبْلَة هُوَ موليها هُوَ مستقبلها قَوْله {هُوَ موليها} هُوَ كِنَايَة عَن الِاسْم الَّذِي اضيفت إِلَيْهِ كل فِي الْمَعْنى لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت منونة فَلَا بُد من أَن تسند إِلَى اسْم

{وَإنَّهُ للحق من رَبك وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ وَمن حَيْثُ / بِالْيَاءِ وحجته قَوْله قبلهَا {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَوْله وَإنَّهُ للحق من رَبك

(1/117)


{وَمن تطوع خيرا فَإِن الله شَاكر عليم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمن يطوع / بِالْيَاءِ وَجزم الْعين وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وحجتهما أَن حُرُوف الْجَزَاء وضعت لما يسْتَقْبل من الأزمة فِي سنَن الْعَرَبيَّة وَأَن الْمَاضِي إِذا تكلم بِهِ بعد أحرف الْجَزَاء فَإِن المُرَاد مِنْهُ الِاسْتِقْبَال نَحْو قَول الْقَائِل من أكرمني أكرمته أَي من يكرمني أكْرمه وَيُقَوِّي قراءتهما قِرَاءَة عبد الله / وَمن يتَطَوَّع / على مَحْض الِاسْتِقْبَال فأدغمت التَّاء فِي الطَّاء فِي قراءتهما لقرب مخرجها مِنْهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمن تطوع} بِالتَّاءِ وَفتح الْعين على لفظ الْمُضِيّ وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال لِأَن الْكَلَام شَرط وَجَزَاء لفظ الْمَاضِي فِيهِ يؤول إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال كَمَا قَالَ جلّ وَعز {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم} وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَاضِي أخف من الْمُسْتَقْبل وَلَا إدغام فِيهِ

{إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وتصريف الرِّيَاح}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وتصريف الرِّيَاح} بِغَيْر ألف وحجتهما أَن الْوَاحِد يدل على الْجِنْس فَهُوَ أَعم كَمَا تَقول كثر الدِّرْهَم وَالدِّينَار فِي ايدي النَّاس إِنَّمَا تُرِيدُ هَذَا الْجِنْس قَالَ الْكسَائي وَالْعرب تَقول جَاءَت الرّيح من كل مَكَان فَلَو كَانَت ريحًا وَاحِدَة جَاءَت من مَكَان وَاحِد فَقَوْلهم من كل مَكَان وَقد وحدوها تدل على أَن بِالتَّوْحِيدِ معنى الْجمع

(1/118)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وتصريف الرِّيَاح} وحجتهم أَنَّهَا الرِّيَاح الْمُخْتَلفَة المجاري فِي تصريفها وتغاير مهابها فِي الْمشرق وَالْمغْرب وتغاير جِنْسهَا فِي الْحر وَالْبرد فَاخْتَارُوا الْجمع فِيهِنَّ لِأَنَّهُنَّ جمَاعَة مختلفات الْمَعْنى وَيُقَوِّي الْجمع مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ إِذا هَاجَتْ ريح جثا على ركبته واستقبلها ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا وَلَا تجعلها ريحًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها عذَابا

{وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا إِذْ يرَوْنَ الْعَذَاب أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَأَن الله شَدِيد الْعَذَاب}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَلَو ترى الَّذين ظلمُوا / بِالتَّاءِ وحجتهما قَوْله {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ} {وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا} وَجَوَاب لَو مكفوف الْمَعْنى وَلَو ترى يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْركين عِنْد رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب لرأيت أمرا عَظِيما ينزل بهم {وَإِن} بِمَعْنى لِأَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَلِأَن الله شَدِيد الْعَذَاب وَيجوز أَن يكون الْعَامِل فِي {أَن الْقُوَّة} الْجَواب الْمَعْنى فَلَو ترى يَا ممد الَّذين ظلمُوا لرأيت

(1/119)


أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَهَذَا خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ يُرَاد بِهِ النَّاس أَي لرأيتم أَيهَا المخاطبون أَن الْقُوَّة لله أَو لرأيتم أَن الأنداد لم تَنْفَع وَإِنَّمَا بلغت الْغَايَة فِي الضَّرَر وَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل فِي أَن ترى لِأَنَّهُ قد عمل فِي الَّذين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا} بِالْيَاءِ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير لَو رأى الَّذين كَانُوا يشركُونَ فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لعلموا حِين يرونه أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا قَالَ الزّجاج أما من قَرَأَ {أَن الْقُوَّة} فموضع أَن نصب بقوله وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا شدَّة عَذَاب الله وقوته لعلموا مضرَّة اتخاذهم الأنداد وَقد جرى ذكر الأنداد وَيجوز أَن يكون الْعَامِل فِي أَن الْجَواب أَي وَلَو رأى الَّذين كَانُوا يشركُونَ فِي الدُّنْيَا أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَكَذَلِكَ نصب أَن الثَّانِيَة وَالْمعْنَى لَو يرى الَّذين ظلمُوا فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لعلموا حِين يرونه {أَن الْقُوَّة لله جَمِيعًا وَأَن الله شَدِيد الْعَذَاب}
قَرَأَ ابْن عَامر {إِذْ يرَوْنَ الْعَذَاب} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله فعل يَقع بهم تَقول أريته كَذَا وَكَذَا أَي أظهرته لَهُ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِذْ يرَوْنَ} بِفَتْح الْيَاء يَعْنِي الْكفَّار

{وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر والبزي {خطوَات} سَاكِنة

(1/120)


الطَّاء وحجتهم أَنهم استثقلوا الضمتين بعدهمَا وَاو فِي كلمة وَاحِدَة فسكنوا الطَّاء طلبا للتَّخْفِيف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خطوَات بِضَم الطَّاء وحجتهم أَن أصل فعلة إِذا جمعت أَن تحرّك الْعين بحركة الْفَاء هَذَا الْمُسْتَعْمل فِي الْعَرَبيَّة مثل ظلمَة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وَقَالُوا وَلم تستثقل الْعَرَب ضمة الْعين

{قَالُوا بل نتبع مَا ألفينا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}
اخْتلف الْقُرَّاء فِي إدغام لَام هَل وبل عِنْد التَّاء والثاء والطاء والظاء وَالصَّاد وَالزَّاي وَالسِّين وَالنُّون نَحْو {بل نتبع} و {هَل ترى}
فَقَرَأَ الْكسَائي جَمِيع ذَلِك بِالْإِدْغَامِ دخل حَمْزَة مَعَه عِنْد التَّاء والثاء وَالسِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بالإظهار
حجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك أَن هَذِه اللَّام لما كَانَت سَاكِنة فِي الْخلقَة أشبهت لَام الْمعرفَة فأدغمها عِنْد هَذِه الْحُرُوف كَمَا تُدْغَم لَام الْمعرفَة عِنْدهن فَأجرى لَام هَل وبل مجْرى لَام الْمعرفَة فأدغمها فِيمَا أدغم فِيهِ لَام الْمعرفَة أَلا ترى أَنه لم يدغم لَام قل فِي شَيْء لِأَن سكونها عَارض وَأَن الْحَرَكَة أَصْلهَا وَكَذَلِكَ {وَمن يُبدل نعْمَة الله} وَحجَّة من أظهر لَام هَل وبل أَن هَذِه اللَّام تفارق لَام الْمعرفَة من جِهَة أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا من حرف يسكت عَلَيْهِ وَالَّذِي لقيها من حرف آخر فضعفت عَن الْإِدْغَام الَّذِي يكون فِي الْحَرْف الْوَاحِد الَّذِي

(1/121)


لَا يفصل بعضه عَن بعض

{فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ}
قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {فَمن اضْطر} بِكَسْر النُّون حَيْثُ كَانَ وَكَذَلِكَ {وَقَالَت اخْرُج} {وَلَقَد استهزئ} و {فتيلا انْظُر} بِكَسْر التَّاء وَالدَّال والتنوين زَاد عَاصِم وَحَمْزَة عَلَيْهِ كسر اللَّام وَالْوَاو مثل {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} وَدخل ابْن عَامر مَعَهم فِي التَّنْوِين فَحسب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالرَّفْع وحجتهم أَنهم كَرهُوا الضَّم بعد الْكسر لِأَن يثقل على اللِّسَان فضموا ليتبع الضَّم الضَّم
وَحجَّة الْكسر أَن الساكنين إِذا اجْتمعَا يُحَرك أَحدهمَا إِلَى الْكسر كَقَوْلِه {وَقل الْحق من ربكُم} وَذكر اليزيدي عَن أبي عَمْرو قَالَ وَإِنَّمَا كسرت النُّون لأنني رَأَيْت النُّون حرف إِعْرَاب فِي حَال النصب وَالرَّفْع تذْهب إِلَى الْكسر مثل قَوْله {غَفُورًا رحِيما النَّبِي} وَقَوله {وَالله عَزِيز حَكِيم الطَّلَاق} قَالَ فَإِذا كَانَت النُّون نَفسهَا فَهُوَ أَحَق أَن يذهب بهَا إِلَى الْكسر قَالَ وَالتَّاء وَالدَّال بِمَنْزِلَة النُّون وهما أُخْتا النُّون إِذْ كَانَت لَام التَّعْرِيف تندغم فِيهَا كإدغامها فِي التَّاء وَالدَّال فَتَقول هِيَ التَّاء وَالدَّال وَالنُّون فترى اللَّام فِيهِنَّ

(1/122)


مدغمة وَضم الْوَاو لِأَن اللَّام تظهر عِنْد الْوَاو وَضم اللَّام فِي قَوْله {قل ادعوا الله} كَرَاهِيَة كسرة اللَّام بَين ضمتين ضمة الْقَاف وضمة الْعين فأتبع الضمة الضَّم

{لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم قبل الْمشرق وَالْمغْرب وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه}
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا} نصبا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَمن نصب جعل أَن مَعَ صلتها الِاسْم فَيكون الْمَعْنى لَيْسَ توليتكم وُجُوهكُم قبل الْمشرق وَالْمغْرب الْبر كُله وَمن رفع فَالْمَعْنى الْبر كُله توليتكم فَيكون {الْبر} اسْم لَيْسَ وَيكون {أَن توَلّوا} الْخَبَر وحجتهم قِرَاءَة أبي / لَيْسَ الْبر بِأَن توَلّوا / أَلا ترى كَيفَ أَدخل الْبَاء على الْخَبَر وَالْبَاء لَا تدخل فِي اسْم لَيْسَ إِنَّمَا تدخل فِي خَبَرهَا
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَلَكِن} خَفِيفَة {الْبر} رفعا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَكِن الْبر} بالتشد وَالنّصب اعْلَم أَنَّك إِذا شددت {لَكِن} نصبت {الْبر} ب لَكِن وَإِذا خففت رفعت الْبر وَكسرت النُّون لالتقاء الساكنين وَقد بيّنت الْحجَّة فِيمَا تقدم

{فَمن خَافَ من موص جنفا}

(1/123)


وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {فَمن خَافَ من موص} وحجتهم قَوْله {مَا وصّى بِهِ نوحًا} و {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} مصدر من وصّى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {موص} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {يُوصِيكُم الله} و {من بعد وَصِيَّة توصون} قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ مثل أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وَقد رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه فرق بَين الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ مَا كَانَ عِنْد الْمَوْت فَهُوَ موص لِأَنَّهُ يُقَال أوصى فلَان بِكَذَا وَكَذَا فَإِذا بعث فِي حَاجَة قيل وصّى فلَان بِكَذَا

{وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام} / ومساكين / جمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فديَة} منونة {طَعَام} رفعا {مِسْكين} وَاحِد وحجتهم أَن الطَّعَام هُوَ الفد الَّتِي أوجبهَا الله على الْمُفطر الَّذِي رخص لَهُ فِي الْفطر وَجعل إطْعَام الْمِسْكِين جَزَاء إفطاره فَلَا وَجه لإضافة الْفِدْيَة إِلَيْهِ إِذْ كَانَ الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه إِنَّمَا يُضَاف إِلَى غَيره وحجتهم فِي التَّوْحِيد فِي الْمِسْكِين أَن فِي الْبَيَان على حكم الْوَاحِد فِي ذَلِك الْبَيَان عَن حكم جَمِيع أَيَّام الشَّهْر وَلَيْسَ فِي الْبَيَان عَن حكم إفطار جَمِيع الشَّهْر الْبَيَان عَن حكم إفطار الْيَوْم الْوَاحِد فَاخْتَارُوا التَّوْحِيد لذَلِك إِذْ كَانَ أوضح فِي الْبَيَان

(1/124)


وَحجَّة من أضَاف الْفِدْيَة إِلَى الطَّعَام أَن الْفِدْيَة غير الطَّعَام وَأَن الطَّعَام إِنَّمَا هُوَ المفدى بِهِ الصَّوْم لَا الْفِدْيَة والفدية هِيَ مصدر من الْقَائِل فديت صَوْم هَذَا الْيَوْم بِطَعَام مِسْكين أفديه فديَة فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَالصَّوَاب فِي الْقِرَاءَة إِضَافَة الْفِدْيَة إِلَى الطَّعَام
وَحجَّة من قَرَأَ {مَسَاكِين} قَوْله قبلهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} ثمَّ قَالَ {أَيَّامًا معدودات} قَالَ إِنَّمَا عرف عباده حكم من أفطر الْأَيَّام الَّتِي كتب عَلَيْهِ صَومهَا بقوله {أَيَّامًا معدودات} فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَالْوَاجِب أَن تكون الْقِرَاءَة فِي الْمَسَاكِين على الْجمع لَا على التَّوْحِيد وَتَأْويل الْآيَة وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة أَيَّام يفْطر فِيهَا إطْعَام مَسَاكِين ثمَّ تحذف أَيَّامًا وتقيم الطَّعَام مَكَانهَا قَالَ الْحسن فالمساكين عَن الشَّهْر كُله وَالْأَيَّام

{شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر ولتكملوا الْعدة ولتكبروا الله}
قَرَأَ ابْن كثير {الْقُرْآن} بِغَيْر همز وحجته مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي عَن إِسْمَاعِيل قَالَ الشَّافِعِي قَرَأت على إِسْمَاعِيل فَكَانَ يَقُول

(1/125)


الْقرَان اسْم وَلَيْسَ مهموزا وَلم يُؤْخَذ من قَرَأت وَلَو أَخذ من قَرَأت لَكَانَ كل مَا قرئَ قُرْآنًا وَلكنه اسْم مثل التَّوْرَاة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْقُرْآن} بِالْهَمْز مصدر قَرَأت الشَّيْء أَي ألفته وَجمعته قُرْآنًا قَالُوا فَسُمي بِالْمَصْدَرِ وحجتهم قَوْله {إِن علينا جمعه وقرآنه فَإِذا قرأناه} أَي جمعناه {فَاتبع قرآنه} أَي تأليفه
قَرَأَ أَبُو بكر {ولتكملوا الْعدة} بِالتَّشْدِيدِ من كمل يكمل وحجته قَول النَّاس تَكْمِلَة الثَّلَاثِينَ عَن أبي بكر {ولتكملوا} بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ شددتها لقَوْله {ولتكبروا الله}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ من أكمل يكمل وحجتهم قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وهما لُغَتَانِ مثل كرمت وأكرمت قَالَ الله {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَالَ {أكرمي مثواه}

{أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان}
قَرَأَ إِسْمَاعِيل وورش عَن نَافِع وَأَبُو عَمْرو / دَعْوَة الدَّاعِي إِذا دَعَاني / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل والحلواني دخل مَعَهم فِي الثَّانِي وَإِذا وقفُوا وقفُوا بِغَيْر يَاء وحجتهم أَن الأَصْل فِي ذَلِك إِثْبَات الْيَاء لِأَن

(1/126)


الْيَاء لَام الْفِعْل وَإِذا وقفت حذفت الْيَاء اتبَاعا للمصحف وَهَذَا حسن لأَنهم اتبعُوا الأَصْل فِي الْوَصْل وَفِي الْوَقْف الْمُصحف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء فِي الْوَصْل وحجتهم أَن ذَلِك فِي الْمُصحف بِغَيْر يَاء فَلَا يَنْبَغِي أَن يُخَالف رسم الْمُصحف وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنهم اكتفوا بالكسرة عَن الْيَاء لِأَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء

{وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا}
قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وورش وابو عَمْرو وَحَفْص {وَأتوا الْبيُوت} بِضَم الْبَاء على أصل الْجمع تَقول بَيت وبيوت مثل قلب وَقُلُوب وفلس وفلوس وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْبيُوت} بِكَسْر الْبَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم استثقلوا الضمة فِي الْبَاء وَبعدهَا يَاء مَضْمُومَة فيجتمع فِي الْكَلِمَة ضمتان بعْدهَا وَاو سَاكِنة فَتَصِير بِمَنْزِلَة ثَلَاثَة ضمات وَهَذَا من أثقل الْكَلَام فكسروا الْبَاء لثقل الضمات ولقرب الْكسر من الْيَاء وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي {الغيوب} و {جُيُوبهنَّ} و {شُيُوخًا}

{وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قتلوكم / بِغَيْر ألف

(1/127)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تقاتلوهم} بِالْألف أَي لَا تحاربوهم حَتَّى يحاربوكم فَإِن حاربوكم فاقتلوهم وحجتهم قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم} {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْقِتَال إِنَّمَا يُؤمر بِهِ الْأَحْيَاء فَأَما المقتولون فَإِنَّهُم لَا يُقَاتلُون فيؤمروا بِهِ وَإِذا قرئَ {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} كَانَ ظَاهره أمرا للمقتول بقتل القاتلين وَذَلِكَ محَال إِذا حمل على ظَاهره وَحجَّة من قَرَأَ بِغَيْر ألف أَن وصف الْمُؤمنِينَ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيل الله أبلغ فِي الْمَدْح وَالثنَاء عَلَيْهِم وَأَن معنى ذَلِك وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يقتلُوا بَعْضكُم فَإِن قتلوا بَعْضكُم فاقتلوهم وَحكى الْفراء عَن الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ قتلنَا بني فلَان وَإِنَّمَا قتلوا بَعضهم وَحجَّة أُخْرَى جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن الْمَعْنى فِيهِ وَلَا تبدؤوهم بِالْقَتْلِ حَتَّى يبدؤوكم بِهِ فَإِن بدؤوكم بِالْقَتْلِ فاقتلوهم

{الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فَلَا رفث وَلَا فسوق} رفع منون {وَلَا جِدَال} نصبا قَالَ أَبُو عبيد وَإِنَّمَا افْتَرَقت الْحُرُوف عِنْدهم لأَنهم جعلُوا قَوْله {فَلَا رفث وَلَا فسوق} بِمَعْنى النَّهْي أَي لَا يكون

(1/128)


فِيهِ ذَاك وتأولوا فِي قَوْله {وَلَا جِدَال} أَنه لَا شكّ فِي الْحَج وَلَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنه فِي ذِي الْحجَّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالنّصب وحجتهم قَول ابْن عَبَّاس {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ لَا تمار صَاحبك حَتَّى تغضبه فَلم يذهب بهَا ابْن عَبَّاس ذَلِك الْمَذْهَب وَلكنه جعله نهيا كالحرفين الْأَوَّلين وَأَن حرف النَّهْي دخل فِي الثَّلَاثَة وَحجَّة من فتح أَن يَقُول إِنَّه أبلغ للمعنى الْمَقْصُود أَلا ترى أَنه إِذا فتح فقد نفى جَمِيع الرَّفَث والفسوق كَمَا أَنه إِذا قَالَ لَا ريب فِيهِ فقد نفى جَمِيع هَذَا الْجِنْس وَإِذا رفع وَنون فَكَأَن النَّفْي لوَاحِد مِنْهُ فالفتح أولى لِأَن النَّفْي بِهِ أَعم وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يرخص فِي ضرب من الرَّفَث والفسوق كَمَا لم يرخص فِي ضرب من الْجِدَال فالفتح جَوَاب قَائِل هَل من رفث هَل من فسوق ف من يدْخلهُ للْعُمُوم وَلَا أَيْضا تدخل لنفي الْعُمُوم وَإِذا قلت هَل من رجل فِي الدَّار فَجَوَابه لَا رجل فِي الدَّار
وَحجَّة من رفع أَنه يعلم من الفحوى أَنه لَيْسَ النَّفْي وقتا وَاحِدًا وَلكنه بِجَمِيعِ ضروبه وَقد يكون اللَّفْظ وَاحِدًا وَالْمرَاد جَمِيعًا

{وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رؤوف بالعباد}
قَرَأَ الْكسَائي / مرضاة الله / بالإمالة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر إمالة وحجتهم أَن الْكَلِمَة من ذَوَات الْوَاو أَصْلهَا مرضوة فقلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا يدلك على ذَلِك {رضوَان الله}

(1/129)


أَنَّهَا من ذَوَات الْوَاو
وَحجَّة الْكسَائي أَن الْعَرَب إِذا زَادَت على الثَّلَاثَة من ذَوَات الْوَاو حرفا أمالته وكتبته بِالْيَاءِ من ذَلِك قَوْله أدنى ويدعى حَمْزَة إِذا وقف على {مرضات الله} وقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَهِي لُغَة للْعَرَب يَقُولُونَ هَذَا طلحت بِالتَّاءِ
وَالْبَاقُونَ إِذا وقفُوا عَلَيْهَا وقفُوا / مرضاه / بِالْهَاءِ وحجتهم أَنهم أَرَادوا الْفرق بَين التَّاء الْمُتَّصِلَة بالإسم وَالتَّاء الْمُتَّصِلَة بِالْفِعْلِ فالمتصلة بِالِاسْمِ نعْمَة والمتصلة بِالْفِعْلِ قَامَت وَذَهَبت

{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ {ادخُلُوا فِي السّلم} أَي فِي المسالمة والمصالحة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي السّلم} بِالْكَسْرِ أَي فِي الْإِسْلَام وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ قَالَ الشَّاعِر ... أنائل إِنَّنِي سلم ... لأهْلك فاقبلي سلمي ...

{وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} بِفَتْح التَّاء فِي جَمِيع الْقُرْآن وحجتهم قَوْله {أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور}

(1/130)


وَلم يقل تصار فَلَمَّا أسْند الْفِعْل إِلَيْهَا بِإِجْمَاع ردوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجع} بِضَم التَّاء وَفتح الْجِيم أَي ترد الْأُمُور وحجتهم قَوْله {إِلَيْهِ تحشرون} و {تقلبون} فَجعلُوا الْأُمُور دَاخِلَة فِي هَذَا الْمَعْنى والمعنيان يتداخلان وَذَلِكَ أَن الله هُوَ الَّذِي يرجع الْأُمُور فَإِذا رجعها رجعت فَهِيَ مرجوعة وراجعة

{وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله}
قَرَأَ نَافِع {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِالرَّفْع وحجته أَنَّهَا بِمَعْنى قَالَ الرَّسُول على الْمَاضِي وَلَيْسَت على الْمُسْتَقْبل وَإِنَّمَا ينصب من هَذَا الْبَاب مَا كَانَ مُسْتَقْبلا مثل قَوْله {أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} فَرفع يَقُول ليعلم أَنه مَاض
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى يَقُول} بِالنّصب وحجتهم أَنَّهَا بِمَعْنى الِانْتِظَار وَهُوَ حِكَايَة حَال الْمَعْنى وزلزلوا إِلَى أَن يَقُول الرَّسُول
وَاعْلَم أَن حَتَّى إِذا دخلت على الْفِعْل فلهَا أَرْبَعَة أوجه وَجْهَان فِي الرّفْع ووجهان فِي النصب
فَأَما وَجها الرّفْع فأحدهما كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها فَيكون

(1/131)


السّير وَاقعا وَالدُّخُول فِي الْحَال مَوْجُودا كَأَنَّهُ قَالَ سرت حَتَّى أَنا دَاخل السَّاعَة وعَلى هَذَا قَوْله {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} أَي حَتَّى الرَّسُول قَائِل
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون الْفِعْل الَّذِي قبل حَتَّى وَالَّذِي بعْدهَا واقعين جَمِيعًا فَيَقُول الْقَائِل سرت أمس نَحْو الْمَدِينَة حَتَّى أدخلها وَيكون السّير وَالدُّخُول وَقعا ومضيا كَأَنَّهُ قَالَ سرت أمس فَدخلت وعَلى هَذَا أَيْضا قَوْله {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} مَعْنَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّسُول فَرفع الْفِعْل على الْمَعْنى لِأَن حَتَّى وَأَن لَا يعملان فِي الْمَاضِي وَإِنَّمَا يعملان فِي الْمُسْتَقْبل
وَأما وَجها النصب فأحدهما كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها لم يكن الْفِعْل وَاقعا مَعْنَاهُ سرت طلبا إِلَى أَن أدخلها فالسير وَاقع وَالدُّخُول لم يَقع فعلى هَذَا نصب الْآيَة وتنصب الْفِعْل بعد حَتَّى بإضمار أَن وَهِي تكون الجارة كَقَوْلِك أقعد حَتَّى تخرج الْمَعْنى إِلَى أَن تخرج
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تكون حَتَّى بِمَعْنى اللَّام الَّتِي هِيَ عِلّة وَذَلِكَ مثل قَوْلك أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة لَيْسَ المُرَاد إِلَى أَن أَدخل الْجنَّة إِنَّمَا المُرَاد لأدخل الْجنَّة وَلَيْسَ هَذَا وَجه نصب الْآيَة

{يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} بالثاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِثْم كَبِير} بِالْبَاء وحجتهم قَوْله {وإثمهما أكبر} وَلم يقل أَكثر

(1/132)


وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنهم استعملوا فِي الذَّنب إِذا كَانَ موبقا يدل على ذَلِك قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم} قَالُوا كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون إِثْم {كَبِير} لِأَن شرب الْخمر وَالْميسر من الْكَبِير
وَحجَّة من قَرَأَ بالثاء قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة} فَذكر أَشْيَاء من الْإِثْم وَحجَّة أُخْرَى أَن الْإِثْم وَاحِد يُرَاد بِهِ الآثام فَوحد فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الْجمع وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ {وَمَنَافع للنَّاس} فعودل الْإِثْم بالمنافع فَلَمَّا عودل بهَا حسن أَن يُوصف بالكثير فَإِن قَالَ قَائِل يَنْبَغِي أَن يقْرَأ وإثمهما أَكثر بالثاء قيل هَذَا لَا يلْزم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم مجمعون على الْبَاء من وَجْهَيْن وَمَا خرج بِالْإِجْمَاع فَلَا نظر فِيهِ وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الِاسْم الثَّانِي بِخِلَاف معنى الأول لِأَن الأول بِمَعْنى الآثام فَوحد فِي اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ الْجمع وَالدَّلِيل على ذَلِك {وَمَنَافع للنَّاس} وَتَقْدِير الْكَلَام قل فيهمَا آثام كَثِيرَة وَمَنَافع للنَّاس كَمَا قَالَ {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} فَوحد الْيَمين فِي اللَّفْظ وَالْمرَاد الْأَيْمَان فَلذَلِك عطف عَلَيْهِ بالشمائل وَهِي جمع وَأما قَوْله وإثمهما أكبر من نفعهما فلفظه وَمَعْنَاهُ معنى التَّوْحِيد يدل على ذَلِك أَنه أُتِي بالنفع بعده موحدا
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {قل الْعَفو} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب من جعل مَا اسْما وَذَا خَبَرهَا وَهِي فِي مَوضِع الَّذِي رد

(1/133)


{الْعَفو} فرفغ كَأَنَّهُ قَالَ مَا الَّذِي يُنْفقُونَ فَقَالَ الْعَفو أَي الَّذِي يُنْفقُونَ الْعَفو فَيخرج الْجَواب على معنى لفظ السُّؤَال وحجته قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الْأَوَّلين} قَالَ أَبُو زيد أساطير لَيْسَ بِجَوَاب هَذَا السُّؤَال لِأَن الْكفَّار لم يُؤمنُوا بإنزال الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَقَالَ {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} وَلَو أقرُّوا أَن الله ينزل عَلَيْهِ لما قَالُوا {أساطير الْأَوَّلين} فَهَذَا عدُول عَن الْجَواب وَلَكِن التَّقْدِير الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنه أنزل ربكُم هُوَ أساطير الْأَوَّلين
من نصب {الْعَفو} جعل {مَاذَا} اسْما وَاحِدًا بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام أَي أَي شَيْء يُنْفقُونَ رد الْعَفو عَلَيْهِ فينصب أَي شَيْء يُنْفقُونَ فَخرج الْجَواب على لفظ السُّؤَال مَنْصُوبًا وحجتهم قَوْله {وَقيل للَّذين اتَّقوا مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا} على معنى أَي شَيْء أنزل فَقَالُوا خيرا فجَاء الْجَواب على لفظ السُّؤَال مَنْصُوبًا {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر يطهرن بتَشْديد الطَّاء وَالْهَاء

(1/134)


وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير حَتَّى يغتسلن بِالْمَاءِ بعد انْقِطَاع الدَّم وَذَلِكَ أَن الله أَمر عباده باعتزالهن فِي حَال الْحيض إِلَى أَن يتطهرن بِالْمَاءِ وَحجَّة أُخْرَى وَهِي قَوْله {فَإِذا تطهرن} قَالُوا وَهِي على وزن تفعلن فَيجب أَن يكون لَهَا فعل وفعلها إِنَّمَا هوالاغتسال لِأَن انْقِطَاع الدَّم لَيْسَ من فعلهَا وَحجَّة أُخْرَى اعْتِبَارا بِقِرَاءَة أبي حَتَّى يتطهرن ثمَّ أدغموا التَّاء فِي الطَّاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يطهرن} بتَخْفِيف الطَّاء وَضم الْهَاء وحجتهم أَن معنى ذَلِك حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم عَنْهُن {فَإِذا تطهرن} أَي بِالْمَاءِ قَالُوا إِن الله أَمر عباده باعتزال النِّسَاء فِي الْمَحِيض إِلَى حِين انْقِطَاع دم الْحيض قَالَ الزّجاج يُقَال طهرت المراة وطهرت إِذا انْقَطع الدَّم عَنْهَا

{وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله}
قَرَأَ حَمْزَة {إِلَّا أَن يخافا} بِضَم الْيَاء وحجته قَوْله بعْدهَا فَإِن خِفْتُمْ فَجعل الْخَوْف لغَيْرِهِمَا وَلم يقل فَإِن خافا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا أَن يخافا} وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير {إِلَّا أَن يخافا} أَي إِلَّا أَن يخَاف الزَّوْج وَالْمَرْأَة أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فِيمَا يجب لكل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه م الْحق وَالْعشرَة

(1/135)


{لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك فَإِن أَرَادَا فصالا عَن ترَاض مِنْهُمَا وتشاور فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم فَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِذا سلمتم مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لَا تضار وَالِدَة} بِالرَّفْع على الْخَبَر وحجتهما قَوْله قبلهَا {لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا} فأتبعا الرّفْع الرّفْع نسقا عَلَيْهِ وجعلاه خَبرا بِمَعْنى النَّهْي فَإِن قلت إِن ذَلِك خبر وَهَذَا أَمر قيل فَالْأَمْر قد يَجِيء على لفظ الْخَبَر فِي التَّنْزِيل أَلا ترى قَوْله {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} و {لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ} وَالْأَصْل لَا تضارر وَالْعرب لَا تذكر فِي الْأَفْعَال حرفين من جنس وَاحِد متحركين فسكن الأول وأدغم فِي الثَّانِي وَهُوَ وَإِن كَانَ مَرْفُوعا فِي معنى النَّهْي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تضار} بِفَتْح الرَّاء على النَّهْي وحجتهم قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس قَرَأَ ذَلِك / لَا تضارر / براءين فَدلَّ ذَلِك على أَنه نهي مَحْض فَلَمَّا اجْتمعت الراءان أدغمت الأولى فِي الثَّانِيَة وَفتحت الثَّانِيَة لالتقاء الساكنين وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَار فِي التَّضْعِيف إِذا كَانَ قبله فتح أَو ألف الِاخْتِيَار ضار يَا رجل

(1/136)


قرا ابْن كثير {إِذا سلمتم مَا آتيتم} مَقْصُورَة الْألف أَي مَا جئْتُمْ وَفِي الْكَلَام حذف الْمَعْنى إِذا سلمتم مَا أتيتم بِهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا آتيتم} بِالْمدِّ أَي أعطيتم وحجتهم قَوْله {إِذا سلمتم} لِأَن التَّسْلِيم لَا يكون إِلَّا مَعَ الْإِعْطَاء

{ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} بِفَتْح الدَّال
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالسُّكُونِ وحجتهم أَن الْقدر مصدر مثل الوسع وَفِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِك قدر فلَان ألف دِرْهَم أَي وَسعه
وَحجَّة من فتح أَن الْقدر أَن تقدر الشَّيْء بالشَّيْء فَيُقَال ثوبي على قدر ثَوْبك فَكَأَنَّهُ اسْم التَّأْوِيل على ذِي السعَة مَا هُوَ قَادر عَلَيْهِ من الْمَتَاع وعَلى ذِي الإقتار مَا هُوَ قَادر عَلَيْهِ من ذَلِك وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} وَكَانَ الْفراء يذهب إِلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد تَقول هَذَا قدر هَذَا قدره

{وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} بِضَم التَّاء وبالألف

(1/137)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} بِفَتْح التَّاء من مسست امْرَأَتي وَهُوَ الْجِمَاع وحجتهم أَن الرجل هُوَ الْمُنْفَرد بالمسيس وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله فِي قصَّة مَرْيَم {وَلم يمسسني بشر} وَلم يقل يماسني وَجَاء فِي الحَدِيث أَيْضا إِذا طلق الرجل من قبل أَن يمس
وَحجَّة من قَرَأَ / تماسوهن / أَن الْمَسِيس وَإِن كَانَ من الرجل فالمرأة مُشَاركَة فِيهِ وكل مَاس شَيْئا فالممسوس مَاس لَهُ وَكَذَلِكَ الملاقي وَيُقَوِّي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {من قبل أَن يتماسا} على إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِمَا

{وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {وَصِيَّة} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع فَمن نصب أَرَادَ فليوصوا وَصِيَّة لأزواجهم وَمن رفع فَالْمَعْنى فَعَلَيْهِم وَصِيَّة لأزواجهم وحجتهم أَن فِي قِرَاءَة أبي الْوَصِيَّة لأزواجهم قَالَ نحويو الْبَصْرَة يجوز أَن ترْتَفع من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تجْعَل الْوَصِيَّة متبدأ والظرف خَبرا كَمَا تَقول سَلام عَلَيْكُم وَالْآخر أَن تضمن لَهُ خَبرا الْمَعْنى فَعَلَيْهِم وَصِيَّة لأزواجهم

{من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافا كَثِيرَة وَالله يقبض ويبسط وَإِلَيْهِ ترجعون}
قَرَأَ ابْن كثير / فيضعفه / بِالرَّفْع وَالتَّشْدِيد

(1/138)


وَقَرَأَ ابْن عَامر / فيضعفه / بِالنّصب وَالتَّشْدِيد
وَقَرَأَ عَاصِم {فيضاعفه} بِالنّصب وَالْألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَالرَّفْع
من رفع عطف على {يقْرض الله} وَمن نصب نصب على جَوَاب الإستفهام كَمَا تَقول نم يزورني فَأكْرمه وَحجَّة التَّشْدِيد أَن الْمَعْنى فِيهَا تَكْرِير الْفِعْل وَزِيَادَة الضعْف على الْوَاحِد إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ جَاءَ فِي التَّفْسِير الله عز وَجل يضعف لَهُ أضعافا كَثِيرَة بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائة
وَحجَّة التَّخْفِيف قَالُوا إِن أَمر الله أسْرع من تَكْرِير الْفِعْل إِنَّمَا هُوَ كن فَكَانَ قَالَ الْكسَائي الْمَعْنى فيهمَا وَاحِد ضعف وضاعف
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / يقبض ويبصط / بالصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالسِّين وحجتهم أَن السِّين هُوَ الأَصْل وَقَالُوا لَا ينْتَقل عَن الأَصْل إِلَى مَا لَيْسَ بِأَصْل
وَحجَّة من قَرَأَ بالصَّاد أَن الصَّاد هِيَ أُخْت الطَّاء فقلبوا السِّين صادا ليَكُون اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة

{قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا} 246
قَرَأَ نَافِع {هَل عسيتم} بِكَسْر السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح هما لُغَتَانِ تَقول الْعَرَب عَسَيْت أَن أفعل وعسيت قَالَ أَبُو عبيد

(1/139)


الْقِرَاءَة عندنَا هِيَ الْفَتْح لِأَنَّهَا أعرف اللغتين وَلَو كَانَ عسيتم لقرئت عسي رَبنَا وَمَا اخْتلفُوا فِي هَذَا الْحَرْف وَقد حُكيَ عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يحْتَج بِهَذِهِ الْحجَّة

{وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني إِلَّا من اغترف غرفَة بِيَدِهِ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {غرفَة بِيَدِهِ} بِفَتْح الْغَيْن وحجتهم مَا ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ مَا كَانَ بِالْيَدِ فَهُوَ غرفَة بِالْفَتْح وَمَا كَانَ بِإِنَاء فَهُوَ غرفَة بِالضَّمِّ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير إِلَّا من اغترف كفا من مَاء فالغرفة بِالضَّمِّ المَاء قَالَ الزّجاج غرفَة أَي مرّة وَاحِدَة بِالْيَدِ وَمن قَرَأَ {غرفَة} كَانَ مَعْنَاهُ مِقْدَار ملْء الْيَد
اعْلَم أَن الغرفة الْمصدر تَقول اغترفت غرفَة والغرفة الِاسْم وَمثله الْأكلَة الْمرة الْوَاحِدَة والأكلة اللُّقْمَة والخطوة الْمرة تَقول خطوت خطْوَة والخطوة الِاسْم لما بَين الرجلَيْن

{وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض}
قَرَأَ نَافِع {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} بِالْألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دفع الله} مصدر من دفع دفعا وحجتهم أَن الله عز وَجل لَا مدافع لَهُ وَأَنه هُوَ الْمُنْفَرد بِالدفع من خلقه وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول إِنَّمَا الدفاع من النَّاس وَالدَّفْع من الله

(1/140)


وَحجَّة نَافِع إِن الدفاع مصدر من دفع كالكتاب من كتب كَمَا قَالَ {كتاب الله عَلَيْكُم} فالكتاب مصدر لكتب الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} لِأَن الْمَعْنى كتب هَذَا التَّحْرِيم عَلَيْكُم وَيجوز أَن يكون مصدرا لفاعل تَقول دَافع الله عَنْك الشَّيْء يدافع مدافعة ودفاعا وَالْعرب تَقول أحسن الله عَنْك الدفاع وَمثل ذَلِك عافاك الله وَمثل فاعلت للْوَاحِد كثير قَالَ الله {قَاتلهم الله}

{لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة}
قَرَأَ ابْن كثير وابو عَمْرو {لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} نصب بِغَيْر تَنْوِين على النَّفْي والتبرئة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع والتنوين
اعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة جعلت هِيَ وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا كاسم وَاحِد وَبني ذَلِك على الْفَتْح فَإِذا كررت جَازَ الرّفْع وَالنّصب وَإِذا لم تكَرر فَالْوَجْه فِيهِ الْفَتْح قَالَ الله جلّ وَعز {لَا ريب فِيهِ} من رفع جعله جَوَابا لقَوْل الْقَائِل هَل فِيهِ بيع هَل فِيهِ خلة وَمن نصب جعله جَوَابا لقَوْل الْقَائِل هَل من بيع فِيهِ هَل من خلة

(1/141)


فَجَوَابه لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة لِأَن من لما كَانَت عاملة جعلت لَا عاملة وَلما كَانَت جَوَاب هَل لم تعملها إِذْ كَانَت هَل غير عاملة وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ عِنْد قَوْله {فَلَا رفث وَلَا فسوق}

{قَالَ أَنا أحيي وأميت}
قَرَأَ نَافِع {أَنا أحيي} و {أَنا آتِيك} بِإِثْبَات الْألف من أَنا فِي الْوَصْل وحجته إِجْمَاعهم على الْوَقْف بِالْألف فِي أَنا فَأجرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنا أحيي} بغيرألف فِي الْوَصْل وحجتهم أَن الْألف بعد النُّون إِنَّمَا زادوا للْوَقْف فَإِذا أدرجوا الْقِرَاءَة زَالَت الْعلَّة فطرحوها لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلوها من اجله وَهِي بِمَنْزِلَة هَاء الْوَقْف تدخل لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَقْف

{فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها ثمَّ نكسوها لَحْمًا فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لم يتسن / بِحَذْف الْهَاء فِي الْوَصْل أَي لم تغيره السنون وَالْهَاء زَائِدَة للْوَقْف وحجتهما أَن الْعَرَب تَقول فِي جمع السّنة سنوات وَفِي تصغيرها سنية تَقول

(1/142)


سانيت مساناة فالهاء زيدت لبَيَان الْحَرَكَة فِي حَال الْوَقْف فَإِذا وصل الْقَارئ قِرَاءَته اتَّصَلت النُّون بِمَا بعْدهَا فاستغنى عَن الْهَمْز حِينَئِذٍ فطرحها لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلها من أَجله وَكَانَ فِي الأَصْل لم يتسنى فحذفت الْألف للجزم وَكَانَ الْفراء يَقُول لم يتسنه لم يتَغَيَّر من قَوْله {من حمإ مسنون} وَكَانَ الأَصْل لم يتسنن ثمَّ قلبت النُّون الْأَخِيرَة يَاء استثقالا لثلاث نونات مُتَوَالِيَات كَمَا قَالُوا تظنيت وَأَصله الظَّن فَصَارَت يتسنى ثمَّ يدْخل الْجَزْم على الْفِعْل فَتسقط الْيَاء فَتَصِير لم يتسن ثمَّ زادوا الْهَاء للْوَقْف فَإِذا أدرجوا الْقِرَاءَة حذفوا لِأَن الْعلَّة زَالَت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لم يتسنه بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل أَي لم تأت عَلَيْهِ السنون فالهاء لَام الْفِعْل وسكونها عَلامَة جزم الْفِعْل وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول مسانهة ماسنهة وَفِي التصغير سنيهة فَلهَذَا أثبتوا الْهَاء فِي الْوَصْل لِأَنَّهَا لَام الْفِعْل قَالَ الشَّاعِر ... فَلَيْسَتْ بسنهاء وَلَا رجبية ... وَلَكِن عرايا فِي السنين الجوائح ...

(1/143)


قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ننشرها / بالراء أَي كَيفَ نحييها وحجتهم قَوْله قبلهَا {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} وَالزَّاي يَعْنِي بهَا كَيفَ نرفعها من الأَرْض إِلَى الْجَسَد وَالْقَائِل لم يكن فِي شكّ فِي رفع الْعِظَام إِنَّمَا شكه فِي إحْيَاء الْمَوْتَى فَقيل لَهُ انْظُر كَيفَ ننشر الْعِظَام فنحييها تَقول أنشر الله الموتي فنشروا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَيفَ ننشزها} بالزاي أَي نرفعها وحجتهم قَوْله {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها} وَذَلِكَ أَن الْعِظَام إِنَّمَا تُوصَف بتأليفها وَجمع بَعْضهَا إِلَى بعض إِذْ كَانَت الْعِظَام نَفسهَا لَا تُوصَف بِالْحَيَاةِ لَا يُقَال قد حَيّ الْعظم وَإِنَّمَا يُوصف بِالْإِحْيَاءِ صَاحبهَا وَحجَّة أُخْرَى قَوْله {ثمَّ نكسوها لَحْمًا} دلّ على أَنَّهَا قبل أَن يَكْسُوهَا اللَّحْم غير أَحيَاء لِأَن الْعظم لَا يكون حَيا وَلَيْسَ عَلَيْهِ لحم فَلَمَّا قَالَ {ثمَّ نكسوها لَحْمًا} علم بذلك أَنه لم يحيها قبل أَن يَكْسُوهَا اللَّحْم
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} جزما على الْأَمر من الله وحجتهما قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / قيل اعْلَم أَن الله على كل شَيْء قدير / وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا أَيْضا {قَالَ أعلم} وَيَقُول أهوَ خير أم إِبْرَاهِيم إِذْ قيل لَهُ {وَاعْلَم أَن الله عَزِيز حَكِيم} وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن التوقفة بَين ذَلِك وَسَائِر مَا تقدمه إِذْ كَانَ جرى ذَلِك كُله بِالْأَمر فَقيل {فَانْظُر إِلَى طَعَامك} وَانْظُر إِلَى حِمَارك {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام} وَكَذَلِكَ أَيْضا قَوْله {أعلم أَن الله} إِذْ كَانَ فِي سِيَاق ذَلِك

(1/144)


قَالَ الزّجاج وَمن قَرَأَ {قَالَ أعلم} فتأويله أَنه يقبل على نَفسه فَيَقُول اعْلَم أَيهَا الْإِنْسَان أَن الله على كل شَيْء قدير
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ أعلم} رفعا على الْخَبَر عَن نفس الْمُتَكَلّم وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير قَالُوا لما عاين من قدرَة الله مَا عاين قَالَ {أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} قَالُوا فَلَا وَجه لِأَن يَأْمر بِأَن الله على كل شَيْء قدير وَقد عاين وَشَاهد مَا كَانَ يستفهم عَنهُ وَقَالَ الزّجاج لَيْسَ تَأْوِيل قَوْله {أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} أَنه لَيْسَ يعلم قبل مَا شَاهد وَلَكِن تَأْوِيله إِنِّي قد علمت مَا كنت أعلمهُ غيبا مُشَاهدَة

{قَالَ فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك ثمَّ اجْعَل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا}
قَرَأَ حَمْزَة {فصرهن إِلَيْك} بِكَسْر الصَّاد أَي قطعهن وشققهن ومزقهن وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير يكون مَعْنَاهُ فَخذ أَرْبَعَة من الطير إِلَيْك فصرهن فَيكون إِلَيْك من صلَة خُذ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فصرهن} بِضَم الصَّاد أَي أملهن واجمعهن وَقَالَ الْكسَائي وجههن إِلَيْك قَالَ وَالْعرب تَقول صر وَجهك إِلَيّ أَي أقبل عَليّ وَاجعَل وَجهك إِلَيّ وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول ضمهن إِلَيْك وَمن وَجه قَوْله {فصرهن إِلَيْك} إِلَى هَذَا التَّأْوِيل كَانَ فِي الْكَلَام عِنْده مَتْرُوك وَيكون مَعْنَاهُ فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك ثمَّ قطعهن ثمَّ اجْعَل على كل جبل
قَرَأَ أَبُو بكر / جزؤا / بِضَم الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الزَّاي وهما لُغَتَانِ معروفتان

(1/145)


{كَمثل جنَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وابل فآتت أكلهَا ضعفين}
قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم {بِرَبْوَةٍ} بِفَتْح الرَّاء وَهِي لُغَة بني تَمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِرَبْوَةٍ} بِضَم الرَّاء وَهِي لُغَة قُرَيْش
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أكلهَا} بِسُكُون الْكَاف وحجتهم أَنهم استثقلوا الضمات فِي اسْم وَاحِد فأسكنوا الْحَرْف الثَّانِي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْكَاف على أصل الْكَلِمَة وَقَالُوا لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إسكان حرف يسْتَحق الرّفْع وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {هَذَا نزلهم} وَقد اجْتمعت فِي كلمة ثَلَاث ضمات {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون}
قَرَأَ ابْن كثير فِي راوية البزي {وَلَا تيمموا الْخَبيث} بتَشْديد التَّاء وَكَانَ الأَصْل تتيمموا فأدغم التَّاء بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحذفوا التَّاء الثَّانِيَة

{إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم وَيكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {فَنعما هِيَ} بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْعين وحجتهم قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ لعَمْرو بن الْعَاصِ

(1/146)


نعما بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح وَاصل الْكَلِمَة نعما بِفَتْح النُّون وَكسر وَكسر الْعين فكسروا النُّون لكسرة الْعين ثمَّ سكنوا الْعين هربا من الاستثقال
وقرا حَمْزَة وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {فَنعما هِيَ} بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وحجتهم أَن أصل الْكَلِمَة نعم فَأتوا بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَهِي أحسن لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا الْجمع بَين ساكنين
فَأتوا بِالْكَلِمَةِ على أَصْلهَا وَهِي أحسن لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا الْجمع بَين ساكنين

وَقَرَأَ ورش وَابْن كثير وَحَفْص {فَنعما} بِكَسْر النُّون وَالْعين وَقد بَينا أَن الأَصْل فِيهَا نعم بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين وَتركُوا الْعين على أَصْلهَا
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ونكفر} بِرَفْع الرَّاء على الِاسْتِئْنَاف يَقُول الله جلّ وَعز وَنحن نكفر وحجته قَوْله {فَهُوَ خير} لكم لما كَانَ جَوَاب الْجَزَاء فِي الْفَاء وَلم يكن فعلا مَجْزُومًا لم يستجيزوا أَن ينسقوا فعلا على غير جنسه وَلَو كَانَ جزما لجزموا الْفِعْل المنسوق على الْجَزَاء إِذا كَانَ فعلا مثله وَقَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ

(1/147)


{ونكفر} بِالْجَزْمِ على مَوضِع {فَهُوَ خير لكم} لِأَن الْمَعْنى يكن خيرا وَاحْتَجُّوا بِأَن قَالُوا الْجَزْم أولى ليخلص معنى الْجَزَاء وَيعلم بِأَن تَكْفِير السَّيِّئَات إِنَّمَا هُوَ ثَوَاب للمتصدق على صدقته وَجَزَاء لَهُ وَإِذا رفع الْفِعْل احْتمل أَن يكون ثَوابًا وَجَزَاء وَاحْتمل أَن يكون على غير مجازاة وَكَانَ الْجَزْم أبين الْمَعْنيين
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {وَيكفر} بِالْيَاءِ وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف أَيْضا وَيكون إِخْبَارًا عَن الله عز وَجل أَنه يكفر السَّيِّئَات

{يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف}
قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {يَحْسبهُم} بِفَتْح السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ حسب يحْسب وَحسب يحْسب وَقَالَ قوم يحْسب بِكَسْر السِّين من حسب وَقَالُوا وَقد جَاءَت كَلِمَات على فعل يفعل مثل حسب يحْسب وَنعم ينعم ويئس ييئس

{فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله}
قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر عَن عَاصِم {فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا} مَفْتُوحَة الْهمزَة والذال مَكْسُورَة أَي فاعلموهم وَأَخْبرُوهُ بأنكم على حربهم تَقول آذَنت الرجل بِكَذَا أَي أعلمته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فأذنوا} سَاكِنة الْهمزَة أَي فاعلموا أَنْتُم يُقَال أذن بِهِ يَأْذَن إِذْنا إِذا علم بِهِ
قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار الْقصر لِأَنَّهُ خطاب بِالْأَمر والتحذير وَإِذا قَالَ {فأذنوا} بِالْمدِّ وَالْكَسْر فَكَأَن الْمُخَاطب خَارج من التحذير

(1/148)


مَأْمُور بتحذير غَيره وإعلامه

{وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة وَأَن تصدقوا خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ}
قَرَأَ نَافِع {إِلَى ميسرَة} بِضَم السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وهما لُغَتَانِ مثل المشرقة والمشرقة
قَرَأَ عَاصِم {وَأَن تصدقوا} بتَخْفِيف الصَّاد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ
الأَصْل تتصدقوا من خفف حذف التَّاء الثَّانِيَة اكْتِفَاء بعلامة الِاسْتِقْبَال مِنْهَا وَمن شدد أدغم التَّاء فِي الصَّاد لقرب المخرجين

{وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} 28
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} بِفَتْح التَّاء أَي تصيرون نسب الْفِعْل إِلَيْهِم
وحجته قَوْله {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} فأنسد الرُّجُوع إِلَيْهِم فَكَذَلِك قَوْله {ترجعون}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِضَم التَّاء أَي تردون وحجتهم قَوْله {ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} {وَإِلَيْهِ تقلبون}

{فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من الشُّهَدَاء أَن تضل} بِفَتْح أَن فَتذكر بِإِسْكَان الذَّال وَفتح الرَّاء

(1/149)


وَقَرَأَ حَمْزَة {أَن تضل} بِكَسْر {إِن} فَتذكر بتَشْديد الْكَاف وَرفع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن تضل} بِفَتْح {إِن} {فَتذكر} بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الرَّاء
فَمن فتح فَلِأَن الْمَعْنى عِنْد الْفراء لِئَلَّا تضل إِحْدَاهمَا فتذكرها الْأُخْرَى
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا فتح أَن لِأَنَّهُ أَمر بِالشَّهَادَةِ الْمَعْنى اسْتشْهدُوا امْرَأتَيْنِ لِأَن تذكر إحدهما الْأُخْرَى من أجل أَن تذكر فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ جَازَ أَن تَقول تضل وَلم يعد هَذَا للإضلال فَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا ذكر {أَن تضل} لِأَنَّهُ سَبَب الإذكار كَمَا يَقُول الرجل أَعدَدْت الْخشب أَن يمِيل الْحَائِط فأدعمه وَهُوَ لَا يطْلب إعداده ذَلِك لميلان الْحَائِط وَلكنه أخبر بالشَّيْء الَّذِي الدعم بِسَبَبِهِ
وَأما حَمْزَة فَإِنَّهُ جعل {إِن} حرف شَرط وَتضِل جزم بِالشّرطِ وَالْأَصْل إِن تضلل فَلَمَّا أدغمت اللَّام فِي اللَّام فتحت لإلتقاء الساكنين كَقَوْلِه {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه} وَالْفَاء جَوَاب الشَّرْط وتذكر فعل مُسْتَقْبل لِأَن مَا بعد فَاء الشَّرْط يكون الْفِعْل فِيهِ مستأنفا كَقَوْلِه وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ
وَحجَّة من قَرَأَ {فَتذكر} بِالتَّخْفِيفِ حَكَاهَا الْأَصْمَعِي عَن أبي

(1/150)


عَمْرو قَالَ أبوعمرو إِذا شهِدت الْمَرْأَة على شَهَادَة ثمَّ جَاءَت الْأُخْرَى فَشَهِدت مَعهَا أذكرتها أَي جَعلتهَا ذكرا لِأَنَّهُمَا تقومان يَعْنِي صَارَت الْمَرْأَتَانِ كذكر وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي عَيْنِيَّة
وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَنَّك تَقول أذكرت النَّاسِي الشَّيْء حَتَّى ذكره وأذكرتك مَا قد نسيت وَلَا تَقول ذكرته وَإِنَّمَا تَقول ذكرته فِي الموعظة قَالَ الله تَعَالَى {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} وَقَالَ {وَذكرهمْ بأيام الله}
وَحجَّة التَّشْدِيد أَنَّهُمَا لُغَتَانِ وتأويله فَجعل الله الْمَرْأَتَيْنِ بِإِزَاءِ رجل لضعفما وَضعف عُقُولهمْ ولمزية الرِّجَال على النِّسَاء وَفضل رَأْيهمْ إِن لم يكن الشَّاهِدَانِ رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ فَمَتَى نسيت إِحْدَاهمَا ذكرتها الْأُخْرَى تَقول تذكري يَوْم شَهِدنَا فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَجعل بدل رجل امْرَأتَيْنِ

{إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة تديرونها بَيْنكُم فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَلا تكتبوها}
قَرَأَ عَاصِم إِلَّا {أَن تكون تِجَارَة} بِالنّصب الْمَعْنى إِلَّا أَن تكون المداينة تِجَارَة حَاضِرَة والمعاملة تِجَارَة حَاضِرَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع الْمَعْنى إِلَّا أَن تقع تِجَارَة حَاضِرَة كَقَوْلِه قبلهَا وَإِن كَانَ ذُو عسرة أَي وَقع ذُو عسرة

{وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة}

(1/151)


قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فرهن / بِرَفْع الرَّاء وَالْهَاء وحجتهما مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ إِنَّمَا قُرِئت / فرهن / ليفصل بَين الرِّهَان فِي الْخَيل وَبَين جمع رهن فِي غَيرهَا تَقول فِي الْخَيل راهنته رهانا وَالرَّهْن جمع رهن وَهُوَ نَادِر كَمَا تَقول سقف وسقف وَقَالَ الْفراء الرَّهْن جمع الْجمع رهن ورهان ثمَّ رهن كَمَا تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فرهان} وحجتهم أَن هَذَا فِي الْعَرَبيَّة أَقيس أَن يجمع فعل على فعال مثل بَحر وبحار وَعبد وَعباد ونعل ونعال وكلب وكلاب

{وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء}
قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} بِرَفْع الرَّاء وَالْبَاء على الِاسْتِئْنَاف
وحجتهم أَن قَوْله {إِن تبدوا} شَرط {يُحَاسِبكُمْ} جزم لِأَنَّهُ جَوَاب وَقد تمّ الْكَلَام فيرفع فَيغْفر ويعذب على تَقْدِير ضمير فَهُوَ يغْفر ويعذب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَزْمِ فيهمَا عطف على يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله

{كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَكتابه / وحجتهما أَن الْكتاب هُوَ الْقُرْآن فَلَا وَجه لجمعه وَحجَّة أُخْرَى قَالَ ابْن عَبَّاس {الْكتاب} أَكثر

(1/152)


من الْكتب قَالَ أبوعبيدة أَرَادَ كل كتاب الله بِدلَالَة قَوْله {فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين وَأنزل مَعَهم الْكتاب} فَوحد إِرَادَة الْجِنْس وَهَذَا كَمَا تَقول كثر الدِّرْهَم فِي أَيدي النَّاس تُرِيدُ الْجِنْس كُله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَكتبه} وحجتهم مَا تقدم وَمَا تَأَخّر مَا تقدم ذكر بِلَفْظ الْجمع وَهُوَ قَوْله {كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته} وَمَا تَأَخّر {وَرُسُله} فَكَذَلِك كتبه على الْجمع ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد