حجة القراءات 3 - سُورَة آل عمرَان
{قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ
المهاد}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سيغلبون ويحشرون / بِالْيَاءِ
فيهمَا أَي بَلغهُمْ بِأَنَّهُم سيغلبون وحجتهما إِجْمَاع
الْجَمِيع على قَوْله {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر
لَهُم مَا قد سلف} وَيُقَوِّي الْيَاء أَن
(1/153)
أهل التَّفْسِير تأولوا فِي ذَلِك أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هزم الْمُشْركين يَوْم
بدر قَالَت الْيَهُود بَعضهم لبَعض هَذَا هُوَ النَّبِي
الَّذِي لَا ترد لَهُ راية فصدقوا فَقَالَ بَعضهم لَا تعجلوا
بتصديقه حَتَّى تكون وقْعَة أُخْرَى فَلَمَّا اصاب الْمُسلمين
يَوْم أحد مَا أَصَابَهُم شكوا فِي أمره وخالفوه فَأنْزل الله
قل يَا مُحَمَّد سيغلبون ويحشرون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ستغلبون وتحشرون} بِالتَّاءِ على
المخاطبة أَي قل لَهُم فِي خطابك {ستغلبون وتحشرون} وحجتهم
قَوْله {قل للَّذين كفرُوا} فقد أمره أَن يخاطبهم والمخاطبة
لَهُم أَن يَقُول فِي وُجُوههم {ستغلبون وتحشرون} بِالتَّاءِ
{قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل
الله وَأُخْرَى كَافِرَة يرونهم مثليهم رَأْي الْعين}
قَرَأَ نَافِع / ترونهم مثليهم / بِالتَّاءِ على مُخَاطبَة
الْيَهُود وحجته أَن الْكَلَام قبل ذَلِك جرى بمخاطبة
الْيَهُود وَهُوَ قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة} فإلحاق هَذَا
أَيْضا بِمَا تقدم أولى وَمعنى الْكَلَام قد كَانَ يَا معشر
الْيَهُود آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله
وهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَأَصْحَابه ببدر وَأُخْرَى
كَافِرَة وهم مشركون ترونهم أَنْتُم أَيهَا الْيَهُود مثلي
الفئة الَّتِي تقَاتل فِي سَبِيل الله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم مَا رُوِيَ عَن أبي
عَمْرو قَالَ أَبُو عَمْرو لَو كَانَت ترونهم لكَانَتْ مثليكم
قَالَ الْفراء
(1/154)
من قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى
الْيَهُود وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فعل ذَلِك كَمَا قَالَ
{حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} فَإِن شِئْت جعلت
يرونهم من الْمُسلمين دون الْيَهُود أَي يرى الْمُسلمُونَ
الْمُشْركين مثليهم
{قل أؤنبئكم بِخَير من ذَلِكُم للَّذين اتَّقوا عِنْد رَبهم
جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا
وَأَزْوَاج مطهرة ورضوان من الله}
ذكر أَبُو بكر ابْن مُجَاهِد فِي كِتَابه عَن أبي عبد
الرَّحْمَن اليزيدي عَن أَبِيه قَالَ لَقِيَنِي الْخَلِيل بن
أَحْمد فِي حَيَاة أبي عَمْرو قَالَ لي لم قَرَأَ {أؤلقي
الذّكر} و / آؤنزل / وَلم يقْرَأ {أؤنبئكم} قَالَ فَلم أدر مَا
أَقُول لَهُ فرحت إِلَى أبي عَمْرو فَذكرت لَهُ مَا قَالَ
الْخَلِيل فَقَالَ فَإِذا ليقته فَأخْبرهُ أَن هَذَا من نبأت
وَلَيْسَ من أنبأت قَالَ فَلَقِيته فَأَخْبَرته بقول أبي
عَمْرو فَسكت
أَبُو بكر قَالَ هَذَا شَيْء لَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الَّذِي علم مِنْهُ شَيْئا منع
غَيره أَن يُعلمهُ وَإِن كَانَت الْعَرَبيَّة فَلَا فرق بَين
اجْتِمَاع الهمزتين من نبأت وَلَا من أنبأت
قَالَ الشَّيْخ أَبُو زرْعَة رَضِي الله عَنهُ سَأَلت أَبَا
عبد الله الْخَطِيب
(1/155)
عَن هَذَا فَقَالَ إِن أَبَا عَمْرو
أَشَارَ إِلَى أَنه يرى الْفَصْل بِالْألف بَين الهمزتين
المتلازمتين نَحْو همزَة الِاسْتِفْهَام إِذا دخلت على همزَة
ثَانِيَة فِي الْفِعْل الْمَاضِي نَحْو أفعل لِأَن هَذَا
الْمِثَال مَبْنِيّ على الْهمزَة فَهِيَ تصحبه فِي متصرفاته
إِمَّا مقدرَة فِي اللَّفْظ وَإِمَّا مقدرَة فِي النِّيَّة
فَفِي اللَّفْظ فِي الْمَاضِي والمصدر نَحْو أنذر إنذارا وَفِي
التَّقْدِير فِي الْمُسْتَقْبل نَحْو أنذر واصله أؤنذر
بِهَذِهِ الْهمزَة الَّتِي بني الْفِعْل عَلَيْهَا بملازمتها
لَهُ هِيَ أثقل من الْهمزَة الَّتِي تعرض من جملَة امثلة
الْأَفْعَال فِي مِثَال وَاحِد وَهِي فِي إِخْبَار
الْمُتَكَلّم عَن نَفسه بِفعل مُسْتَقْبل فَلَمَّا كَانَت أثقل
كَانَ الْفَصْل مَعهَا أوجب وَلما كَانَت الْعَارِضَة فِي حَال
وَاحِدَة أخف لم يحْتَج عِنْد دُخُول ألف الِاسْتِفْهَام
عَلَيْهَا إِلَى الْفَصْل بَينهَا وَبَينهَا لخفتها والهمزة
فِي {أؤنبئكم} عارضة فِي الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَت ثَابِتَة فِي
الْمَاضِي والمصدر والهمزة فِي أنذر ثَابِتَة فِي الْمَاضِي
والمصدر
قَرَأَ أبي عَن نَافِع {قل أؤنبئكم} بِهَمْزَة وَاحِدَة
مُطَوَّلَة وَالْأَصْل فِي هَذَا {أؤنبئكم} بهمزتين ثمَّ زَاد
الْألف الفاصلة بَينهمَا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول
الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ فَصَارَ آؤنبئكم وَهَذِه قِرَاءَة
هِشَام ثمَّ لين الْهمزَة الثَّانِيَة فَصَارَ {أؤنبئكم}
وَقَرَأَ نَافِع إِلَّا مَا ذكرنَا وَبَان كثير وَأَبُو عَمْرو
{أؤنبئكم} بِهَمْزَة
(1/156)
وَاحِدَة من غير مد الأَصْل فِي هَذَا
أؤنبئكم بهمزتين مثل مَا ذكرنَا ثمَّ لينوا الْهمزَة
الثَّانِيَة وَلم يدخلُوا بَينهمَا ألفا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بهمزتين على أصل الْكَلِمَة وَقد ذكرنَا
الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة
قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {ورضوان من الله} بصم الرَّاء فِي
جَمِيع الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة الْمَائِدَة فَإِنَّهُ
قَرَأَ بالكسرة وَفِي رِوَايَة الْأَعْشَى قَرَأَ بِالضَّمِّ
أَيْضا وحجته أَنه فرق بَين الِاسْم والمصدر وَذَلِكَ أَن اسْم
خَازِن الْجنَّة رضوَان كَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث ورضوان مصدر
رَضِي يرضى رضى ورضوانا فَفرق بَين الِاسْم والمصدر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وحجتهم أَن ذَلِك لُغَتَانِ
معروفتان يُقَال رَضِي يرضى رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا
والمصادر تَأتي على فعلان وفعلان فَأَما فعلان فَقَوله عَرفته
عرفانا وحسبته حسبانا وَأما فعلان فَقَوْلهم غفرانك لَا
كُفْرَانك
{إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}
قَرَأَ الْكسَائي {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} بِفَتْح
الْألف وحجته
(1/157)
قَوْله قبله {شهد الله أَنه لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ} وَقد أَجمعُوا على فتح أَنه فَجعل الشَّهَادَة
وَاقعَة عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ شهد الله أَنه وَشهد الله
أَن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن الدّين} بِكَسْر الْألف على
الِاسْتِئْنَاف
{فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن اتبعن}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {وَمن اتبعني} بياء فِي الْوَصْل
وحجتهما أَنَّهَا يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا تَقول من كلمني
فَلَا تحذف الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء وحجتهم مرسوم
الْمَصَاحِف بِغَيْر يَاء وَحجَّة أُخْرَى أَن الكسرة تنوب عَن
الْيَاء وأصل اتبعني اتبعي وَلَكِن النُّون زيدت لتسلم فَتْحة
الْعين فالكسرة مَعَ النُّون تنوب عَن الْيَاء
{وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق وَيقْتلُونَ الَّذين
يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس}
قَرَأَ حَمْزَة / ويقاتلون الَّذين يأمرون / بِالْألف وبضم
الْيَاء أَي يُحَاربُونَ وحجته قِرَاءَة عبد الله / وقاتلوا
الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس /
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون} بِغَيْر
ألف وحجتهم أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي الْحَرْف الأولى أَنه
بِلَا ألف وَهُوَ قَوْله {وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق}
وَكَذَلِكَ {وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ}
(1/158)
{وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج
الْمَيِّت من الْحَيّ} 27
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر
{يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ}
بِالتَّخْفِيفِ حَيْثُ كَانَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالتَّشْدِيدِ
أصل الْكَلِمَة ميوت على فيعل فقلبوا الْوَاو يَاء للياء
الَّتِي قبلهَا فَصَارَت مييتا فَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ
فَإِنَّهُ استثقل تَشْدِيد الْيَاء مَعَ كسرهَا فأسكنها
فَصَارَت مَيتا وَزنه فيل وَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَإِن
التَّشْدِيد هُوَ الأَصْل وَذَلِكَ أَنه فِي الأَصْل ميوت
فاستثقلوا كسرة الْوَاو بعد الْيَاء فقلبوها يَاء للياء
الَّتِي قبلهَا ثمَّ أدغموا الساكنة فِي الثَّانِي فصارتا يَاء
مُشَدّدَة
وَاعْلَم أَنَّهُمَا لُغَتَانِ معروفتان قَالَ الشَّاعِر ...
لَيْسَ من مَاتَ فاستراح بميت ... إِنَّمَا الْمَيِّت ميت
الْأَحْيَاء ...
/ إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقة / 28
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تقاة} حمالَة وحجتهما أَن فعلت
مِنْهَا بِالْيَاءِ إِذا قلت وقيت فابقيا فِي لَام الْفِعْل
دلَالَة على أَصله فِي فعلت وَهِي ألإمالة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر إمالة وحجتهم أَن فَتْحة الْقَاف
تغلب على الْألف فتمنعها من الإمالة
(1/159)
وَأما قَوْله حق تُقَاته فَإِن الْكسَائي
قَرَأَ بالإمالة وَحده
فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم أمال حَمْزَة الأولى وفخم
الثَّانِيَة
الْجَواب أَن الأولى كتبت فِي الْمَصَاحِف بِالْيَاءِ
وَالثَّانيَِة بالأف وَكَانَ حَمْزَة مُتبعا للمصحف
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن يَعْقُوب قَرَأَ / تقية / وأصل
الْكَلِمَة وقية على وزن فعلة فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها
وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت وقاة ثمَّ أبدلوا من الْوَاو تَاء
كَمَا قَالُوا تجاه وَأَصله وجاه
{قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِضَم
التَّاء جعلوها من كَلَام أم مَرْيَم وحجتهم أَنَّهَا قَالَت
{رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} كَانَت كَأَنَّهَا أخْبرت الله
بِأَمْر هُوَ أعلم بِهِ مِنْهَا فتداركت ذَلِك بقولِهَا
{وَالله أعلم بِمَا وضعت} كَمَا قَالَ عز وَجل {قَالَت
الْأَعْرَاب آمنا} قَالَ الله جلّ وَعز {قل أتعلمون الله
بدينكم وَالله يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض}
وَهِي مَعَ ذَلِك إِذا قُرِئت بِالضَّمِّ لم يكن فِيهَا
تَقْدِيم وَتَأْخِير
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَالله أعلم {بِمَا وضعت} بِسُكُون
التَّاء وحجتهم أَنَّهَا {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى}
فَكيف تَقول بعْدهَا {وَالله أعلم بِمَا وضعت} أَنا
وَالْمعْنَى الْوَاضِح هُوَ أَنَّهَا {قَالَت رب إِنِّي
وَضَعتهَا أُنْثَى}
(1/160)
فَقَالَ الله جلّ وَعز {وَالله أعلم بِمَا
وضعت} هِيَ مِنْهَا وَفِي الْقِرَاءَة تَقْدِيم وَتَأْخِير
مَعْنَاهَا قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَلَيْسَ
الذّكر كالأنثى فَقَالَ الله جلّ وَعز {وَالله أعلم بِمَا
وضعت} وَحجَّة أُخْرَى لَو كَانَ كُله كَلَامهَا لكَانَتْ رب
إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَأَنت أعلم بِمَا وضعت
{وكفلها زَكَرِيَّا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وكفلها بِالتَّشْدِيدِ
زَكَرِيَّا مَقْصُورا
وَقَرَأَ أَبُو بكر / زَكَرِيَّاء / بِالنّصب أَي / وكفلها
الله زَكَرِيَّاء / أَي ضمهَا إِلَيْهِ
وحجتهم أَن الْكَلَام تقدم بِإِسْنَاد الْأَفْعَال إِلَى الله
وَهُوَ قَوْله قبلهَا {فتقبلها رَبهَا بِقبُول حسن وأنبتها
نباتا حسنا} فَكَذَلِك أَيْضا وكفلها ليَكُون مَعْطُوفًا على
مَا تقدمه من أَفعَال الله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكفلها} بِالتَّخْفِيفِ / زَكَرِيَّاء /
بِالْمدِّ وَالرَّفْع قَالَ أَبُو عبيد كفلها أَي ضمنهَا
وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا ضمن الْقيام بأمرها وحجتهم قَوْله {إِذْ
يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} وَلم يقل يكفل فالكفالة
مُسندَة إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْموضع وَأما
زَكَرِيَّاء وزَكَرِيا فَإِنَّهُمَا لُغَتَانِ بِالْمدِّ
وَالْقصر وَالْقصر أشبه بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَفِي غَيره
من أَسمَاء الْأَنْبِيَاء كموسى وَعِيسَى وانشا ويهودا
وَلَيْسَ فِيهَا
(1/161)
شَيْء مَمْدُود فَكَذَلِك زَكَرِيَّا هُوَ
بِمَنْزِلَة نَظَائِره
{فنادته الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي} 39
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فناداه / بِأَلف ممالة وحجتهما
أَن الَّذِي ناداه جِبْرِيل وَالتَّقْدِير فناداه الْملك
فَأخْرج الإسم الْوَاحِد بِلَفْظ الْجمع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فنادته الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ
وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {تحمله الْمَلَائِكَة}
قَالَ عَبَّاس سَأَلت أَبَا عَمْرو فَقَرَأَ {وَإِذ قَالَت
الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ وَلم يقل وَإِذ قَالَ الْمَلَائِكَة
فأنث فعل الْمَلَائِكَة هَا هُنَا بِلَا خلاف الْوَاجِب أَن
يرد مَا هم مُخْتَلفُونَ فِيهِ إِلَى مَا هم عَلَيْهِ مجمعون
قَالَ الزّجاج الْوَجْهَانِ جَمِيعًا جائزان لِأَن الْجَمَاعَة
يلْحقهَا اسْم التَّأْنِيث لِأَن مَعْنَاهَا معنى جمَاعَة
وَيجوز أَن يعبر عَنْهَا بِلَفْظ التَّذْكِير كَمَا يُقَال جمع
الْمَلَائِكَة قَالَ وَيجوز أَن يَقُول نادته الْمَلَائِكَة
وَإِنَّمَا ناداه جِبْرِيل وَحده لِأَن مَعْنَاهُ أَتَاهُ
النداء من هَذَا الْجِنْس كَمَا تَقول ركب فلَان فِي السفن
وَإِنَّمَا ركب سفينة وَاحِدَة تُرِيدُ بذلك جعل ركُوبه فِي
هَذَا الْجِنْس
{إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن
مَرْيَم} 45
قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر إِن الله يبشرك بِكَسْر الْألف
وَقَرَأَ
(1/162)
الْبَاقُونَ أَن الله بِالْفَتْح فَمن فتح
فَالْمَعْنى نادته بِأَن الله يبشرك أَن نادته بالبشارة
وَمن كسر أَرَادَ قَالَت لَهُ {إِن الله يبشرك} وَيجوز أَن
تَقول إِنَّمَا كَسره على الإستئناف
قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {يبشرك} بِفَتْح الياءوإسكان الْبَاء
وَضم الشين أَي يَسُرك ويفرحك يُقَال بشرت الرجل أُبَشِّرهُ
إِذا فرحته وحجتهما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَل أَنْت باشرنا بِخَير
وقرا الْبَاقُونَ {يبشرك} بِالتَّشْدِيدِ أَي يُخْبِرك يُقَال
بَشرته أُبَشِّرهُ أَي أخْبرته بِمَا أظهر فِي بشرة وَجهه من
السرُور وحجتهم قَوْله {فبشرناها بِإسْحَاق} وَقَوله {وَبشر
الْمُحْسِنِينَ} قَالَ الْكسَائي وَأَبُو عُبَيْدَة هما
لُغَتَانِ
{ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل} 48
قَرَأَ عَاصِم وَنَافِع ويعلمه الْكتاب بِالْيَاءِ إِخْبَار
عَن الله أَنه يُعلمهُ الْكتاب وحجتهما قَوْله قبلهَا {قَالَ
كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول
لَهُ كن فَيكون ويعلمه}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ونعلمه / بالنُّون أَي نَحن نعلمهُ
وحجتهم قَوْله قبلهَا {ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك}
(1/163)
{أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم
أَنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون
طيرا بِإِذن الله} 49
قَرَأَ نَافِع إِنِّي أخلق لكم بِكَسْر الْألف على
الِاسْتِئْنَاف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنِّي} بِالْفَتْح وحجتهم أَنَّهَا بدل
من قَوْله {قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم} قَالَ الزّجاج
{إِنِّي} فِي مَوضِع جر على الْبَدَل من آيَة الْمَعْنى
جِئتُكُمْ من أَنِّي أخلق لكم من الطين
قرا نَافِع / فَيكون طائرا / على وَاحِد كَمَا تَقول رجل وراجل
وَركب وراكب قَالَ الْكسَائي الطَّائِر وَاحِد على كل حَال
وَالطير يكون جمعا وواحدا وحجته أَن الله أخبر عَنهُ أَنه
كَانَ يخلق وَاحِدًا ثمَّ وَاحِدًا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {طيرا} وحجتهم أَن الله جلّ وَعز
إِنَّمَا أذن لَهُ أَن يخلق طيرا كَثِيرَة وَلم يكن يخلق
وَاحِدًا فَقَط
{فَأَما الَّذين كفرُوا فأعذبهم عذَابا شَدِيدا فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة وَمَا لَهُم من ناصرين وَأما الَّذين آمنُوا
وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم أُجُورهم وَالله لَا يحب
الظَّالِمين} 56 و 57
قَرَأَ حَفْص {فيوفيهم أُجُورهم} بِالْيَاءِ أَي فيوفيهم الله
وحجته قَوْله {وَالله لَا يحب الظَّالِمين}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فنوفيهم / بالنُّون الله جلّ وَعز أخبر
عَن نَفسه وحجتهم قَوْله {فأعذبهم عذَابا شَدِيدا} وَلم يقل
فيعذبهم
(1/164)
{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم} 66
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / هانتم / بِغَيْر همز ويمدان
قَلِيلا
كَانَ أبوعمرو يذهب فِي / هانتم / إِلَى أَن الْهَاء بدل من
همزَة أأنتم بهمزتي ثمَّ أَدخل بَين الهمزتين ألفا فَقَالَ
أاأنتم ثمَّ قلب الْهمزَة الأولى هَاء فَقَالَ هَا أَنْتُم
ثمَّ خفف الْهمزَة من أَنْتُم فَصَارَ هانتم والهمزة تقلب هَاء
كثيرا لقربها من الْهَاء كَمَا قيل هرقت المَاء وأرقته
وَإِيَّاك وهياك وَأهل وَآل فَإِنَّمَا ذهب أَبُو عَمْرو إِلَى
أَن الْهَاء بدل من الْهمزَة وَلَيْسَت للتّنْبِيه لِأَن
الْعَرَب تَقول هَا أَنا ذَا وَلَا تَقول هَا أَنا هَذَا فتجمع
بَين حرفين للتّنْبِيه وَكَذَلِكَ فِي قَوْله {هَا أَنْتُم
أولاء} لَا يكون جمع بَين حرفين للتّنْبِيه هَا للتّنْبِيه
وَهَؤُلَاء للتّنْبِيه
وَقَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / هأنتم / مَقْصُورا
على وزن هعنتم وَالْأَصْل عِنْده أَيْضا أأنتم بهمزتين فأبدل
من الْهمزَة هَاء وَلم يدْخل بَينهمَا ألفا فَصَارَ هأنتم على
وزن هعنتم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هَا أَنْتُم} بِالْمدِّ والهمز وَهَا
على مَذْهَبهم أدخلت للتّنْبِيه كَمَا أدخلت على ذَا فَقيل
هَذَا فوصلت هَا ب أَنْتُم الَّتِي هِيَ أَسمَاء المخاطبين
فَقيل هَا أَنْتُم فَلَا بُد من الْمَدّ والهمز من جِهَة
الْألف فِي هَا والهمزة فِي أَنْتُم قَالُوا وَيجوز أَيْضا أَن
تكون الْهَاء فِي هَذِه الْقِرَاءَة بَدَلا من الْهمزَة
{وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ قل إِن الْهدى هدى الله
أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ} 73
قَرَأَ ابْن كثير {أَن يُؤْتى أحد} بِمد الْألف على
الِاسْتِفْهَام على
(1/165)
وَجه الْإِنْكَار أَي لَا يعْطى أحد مثل
مَا أعطيتم وَهُوَ مُتَّصِل بقوله {وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن
تبع دينكُمْ} {أَن يُؤْتى أحد} وَيكون قَوْله {إِن الْهدى هدى
الله} خَبرا اعْترض فِي وسط الْكَلَام وَلم يُغير من الْمَعْنى
شَيْئا وَإِذا حمل الْكَلَام على هَذَا كَانَ قَوْله أَن
يُؤْتى بعد من الْحِكَايَة عَن الْيَهُود يَقُول لَا تصدقوا
أَن يعْطى أحد مثل مَا أعطيتم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَن يُؤْتى بِلَا اسْتِفْهَام وتأويله
وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ وَلَا تؤمنوا أَن يُؤْتى
أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ وَقد بَينا فِي كتاب التَّفْسِير
{وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم
من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك} 75
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {يؤده إِلَيْك} و
{لَا يؤده إِلَيْك} بِسُكُون الْهَاء وحجتهم أَن من الْعَرَب
من يجْزم الْهَاء إِذا تحرّك مَا قبلهَا فَيَقُول ضَربته ضربا
شَدِيدا فينزلون الْهَاء إِذا سكنوها وَأَصلهَا الرّفْع
بِمَنْزِلَة أَنْتُم ورأيتهم إِذا سكنوا الْمِيم فِيهَا
وَأَصلهَا الرّفْع وَلم يصلوها بواو فَلذَلِك اجريت الْهَاء
مجْرى الْمِيم فِي أَنْتُم أنْشد الْفراء ... فيصلح الْيَوْم
ويفسده غَدا ...
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يؤدهي إِلَيْك / و / لَا يؤدهي إِلَيْك
/ يصلونَ بياء فِي اللَّفْظ وحجتهم أَن الْيَاء بدل من الْوَاو
وَأَصلهَا يؤدهو إِلَيْك
(1/166)
لَكِن قلب الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا
فَلَا سَبِيل إِلَى حذف الْيَاء وَهِي بدل من الْوَاو قَالَ
سِيبَوَيْهٍ الْوَاو زيدت على الْهَاء فِي الْمُذكر كَمَا زيدت
الْألف فِي الْمُؤَنَّث فِي قَوْلك ضربتها ومررت بهَا وضربتهو
ليستوي ضَربته الْمُذكر والمؤنث فِي بَاب الزِّيَادَة
قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة الْحلْوانِي {يؤده} بالإختلاس
وحجته أَن الكسرة تدل عل الْيَاء وتنوب عَنْهَا
{مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ
يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا
ربانيين بِمَا} 79 و 80
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {بِمَا كُنْتُم
تعلمُونَ الْكتاب} بِالتَّخْفِيفِ أَي يعلمكم الْكتاب
قَالَ أَبُو عَمْرو وحجتهما قَوْله {وَبِمَا كُنْتُم تدرسون}
وَلم يقل تدرسون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ} بِالتَّشْدِيدِ
من قَوْلك علمت زيدا الْكتاب أعلمهُ تَعْلِيما وَالْمعْنَى
تعلمُونَ النَّاس الْكتاب وحجتهم أَن تعلمُونَ أبلغ فِي
الْمَدْح من تعلمُونَ لِأَن الْمعلم لَا يكون معلما حَتَّى
يكون عَالما بِمَا يُعلمهُ النَّاس قبل تَعْلِيمه وَرُبمَا
كَانَ عَالما لَيْسَ بمعلم
(1/167)
وَقد رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ مَا
علموه حَتَّى علموه
قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {وَلَا يَأْمُركُمْ}
بِالنّصب وحجتهم أَنَّهَا نسق على قَوْله {مَا كَانَ لبشر أَن
يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس}
وَلَا أَن يَأْمُركُمْ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَأْمُركُمْ} بِالرَّفْع على وَجه
الِابْتِدَاء من الله بالْخبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
أَنه لَا يَأْمُركُمْ ايها النَّاس أَن تَتَّخِذُوا من
الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا
{وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب}
{فَمن تولى} 81 و 82
قَرَأَ حَمْزَة {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما
آتيتكم} بِكَسْر اللَّام جعل مَا بِمَعْنى الَّذِي الْمَعْنى
وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين للَّذي آتيتكم أَي لهَذَا
هَذِه اللَّام لَام الْإِضَافَة وَاللَّام مُتَعَلقَة ب أَخذ
الْمِيثَاق الْمَعْنى أَخذ الْمِيثَاق لإتيانه الْكتاب
وَالْحكمَة أَخذ الْمِيثَاق قَالَ الْفراء من كسر اللَّام
يُرِيد أَخذ الْمِيثَاق للَّذي آتَاهُم من الْحِكْمَة قَالَ
الزّجاج وَيكون الْكَلَام يؤول إِلَى الْجَزَاء كَمَا تَقول
لما جئتني أكرمتك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لما آتيتكم} بِفَتْح اللَّام كَانَ
الْكسَائي يَقُول مَعْنَاهُ مهما آتيتكم على تَأْوِيل
الْجَزَاء قَالَ وَجَوَابه {فَمن تولى} وَهَذِه اللَّام تدخل
فِي مَا وَفِي من على وجد الْجَزَاء
قَالَ الزّجاج مَا هَا هُنَا على ضَرْبَيْنِ يصلح أَن تكون
للشّرط
(1/168)
وَالْجَزَاء وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ
لِأَن الشَّرْط يُوجب أَن كل مَا وَقع من أَمر الرُّسُل
فَهَذِهِ طَرِيقَته وَاللَّام دخلت فِي مَا كَمَا تدخل فِي إِن
الْجَزَاء إِذا كَانَ فِي جوابها الْقسم قَالَ الله {وَلَئِن
شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَالَ
{قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} فَاللَّام فِي إِن دخلت
مُؤَكدَة موطئة للام الْقسم وَلَام الْقسم هِيَ اللَّام
الَّتِي للْيَمِين لِأَن قَوْلك وَالله لَئِن جئتني لأكرمنك
إِنَّمَا حلفك على فعلك إِلَّا أَن الشَّرْط مُعَلّق بِهِ
فَلذَلِك دخلت اللَّام على الشَّرْط فَإِذا كَانَت مَا فِي
معنى الْجَزَاء موضعهَا نصب بقوله {آتيتكم} وَتَقْدِير
الْكَلَام أَي شَيْء آتيتكم فَتكون اللَّام الأولى على مَا
فسره دخلت للتوكيد أَي توكيد الْجَزَاء وَاللَّام الثَّانِيَة
فِي قَوْله {لتؤمنن بِهِ} لَام الْقسم قَالَ وَيجوز أَن تكون
مَا فِي معنى الَّذِي وَيكون موضعهَا الرّفْع الْمَعْنى أَخذ
الله ميثاقهم أَي استحلفهم للَّذي آتيتيكم الْمَعْنى آتيتكموه
لتؤمنن بِهِ وَحذف الْهَاء من قَوْله آتيتكموه لطول الِاسْم
قَرَأَ نَافِع / لما آتيناكم / بالنُّون وَالْألف وحجته قَوْله
{وَلَقَد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيل الْكتاب} و {خُذُوا مَا
آتيناكم} فَهَذِهِ اللَّفْظ تكون للتعظيم كَمَا قَالَ {نَحن
قسمنا بَينهم}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آتيتكم} وجحتهم قَوْله {فَخذ مَا آتيتك}
(1/169)
{أفغير دين الله يَبْغُونَ} {وَإِلَيْهِ
يرجعُونَ} 83
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {يَبْغُونَ} بِالْيَاءِ وحجته أَن الْخطاب
قد انْقَضى بِالْفَصْلِ بَينه وَبَين ذَلِك بقوله {فَمن تولى
بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} 82 ثمَّ قَالَ {أفغير
دين الله يَبْغِي الْفَاسِقُونَ} فَيكون الْكَلَام نسقا
وَاحِدًا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم قَول قبلهَا {أأقررتم
وأخذتم} فَيكون نسقوا مُخَاطبَة على مُخَاطبَة وَقَالَ قوم
يجوز أَن يكون ابْتَدَأَ خطابا مجددا على تَأْوِيل قل لَهُم
يَا مُحَمَّد أفغير دين الله تبغون أَيهَا المخاطبون فَكَانَ
خطابا عَاما للْيَهُود وَغَيرهم من النَّاس
وَقَرَأَ حَفْص {يَبْغُونَ} بِالْيَاءِ جعله خَبرا عَن
الْيَهُود {وَإِلَيْهِ يرجعُونَ} بِالْيَاءِ أَيْضا يَعْنِي
الْيَهُود وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم
{وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {حج الْبَيْت} بِكَسْر
الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ
الْفَتْح لأهل الْحجاز وَبني أَسد وَالْكَسْر لُغَة أهل نجد
وَقيل إِن الْفَتْح مصدر وَالْكَسْر اسْم
{وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} 115
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَمَا يَفْعَلُوا من
خير فَلَنْ يكفروه}
(1/170)
171 - بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله
قبلهَا {من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء
اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر} 113 و 114 الْآيَة وَكَذَلِكَ {وَمَا يَفْعَلُوا من
خير} أَي هَؤُلَاءِ المذكورون وَسَائِر الْخلق دَاخل مَعَهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله قبلهَا
{كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون
عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} {وَمَا يَفْعَلُوا من خير
فَلَنْ يكفروه} أَيهَا المخاطبون بِهَذَا الْخطاب
{وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لَا يضركم} بِكَسْر
الضَّاد وحجتهم قَوْله {لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون}
وَكَانَت فِي الأَصْل لَا يضيركم مثل يضربكم فاستثقلت الكسرة
على الْيَاء فنقلت كسرة الْيَاء إِلَى الضَّاد فَصَارَت لَا
يضيركم وَدخل الْجَزْم على الرَّاء فَالتقى ساكنان الْيَاء
وَالرَّاء فطرحت الْيَاء فَصَارَت {لَا يضركم}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يضركم} بِضَم الضَّاد وَتَشْديد الرَّاء
وَضمّهَا من ضرّ يضر وحجتهم أَن ضرّ فِي الْقُرْآن أَكثر من
ضار وَاسْتِعْمَال الْعَرَب ضرّ أَكثر من ضار من ذَلِك {ضرا
وَلَا نفعا} و {نفعا وَلَا ضرا} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن
فَلَا يصرف عَن شَيْء كثر فِي الْقُرْآن
وَأما ضم الرَّاء فَفِيهِ وَجْهَان عِنْد الْكسَائي أَحدهمَا
أَن يكون الْفِعْل
(1/171)
عِنْده مَجْزُومًا بِجَوَاب الْجَزَاء
وَتَكون المضة فِي الرَّاء تَابِعَة لضمة الضَّاد كَقَوْلِهِم
مد ومده فأتبعوا الضَّم الضَّم فِي المجزوم وَكَانَت فِي
الأَصْل لَا يضرركم وَلَكِن كثيرا من الْقُرَّاء وَالْعرب يدغم
فِي مَوضِع الْجَزْم فَلَمَّا أَرَادوا الْإِدْغَام سكنوا
الرَّاء ونقلوا الضمة الَّتِي كَانَت على الضَّاد فَصَارَت لَا
يضرركم ثمَّ أدغموا الرَّاء فِي الرَّاء وحركوها بحركة الضَّاد
فَصَارَت لَا يضركم فَهَذِهِ الضمة ضمة إتباع وَأهل الْحجاز
يظهرون التَّضْعِيف وَفِي هَذِه الْآيَة جَاءَت فِيهَا اللغتان
جَمِيعًا فَقَوله {إِن تمسسكم حَسَنَة} على لُغَة أهل الْحجاز
وَلَا يضركم على لُغَة غَيرهم من الْعَرَب
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْفِعْل مَرْفُوعا فَتَصِير لَا
على مَذْهَب لَيْسَ وتضمر فِي الْكَلَام فَاء كَأَنَّهُ قَالَ
فَلَيْسَ يضركم وَالْفَاء المضمرة تكون جَوَاب الْجَزَاء
وَاسْتشْهدَ الْكسَائي على إِضْمَار الْفَاء هَا هُنَا بقوله
{وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون}
مَعْنَاهُ فَإِذا هم وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن أطعتموهم
إِنَّكُم لمشركون} أَي فَإِنَّكُم لمشركون
{ألن يكفيكم أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف من
الْمَلَائِكَة منزلين} 124
قَرَأَ ابْن عَامر {من الْمَلَائِكَة منزلين} بِالتَّشْدِيدِ
وحجته قَوْله {لنزلنا عَلَيْهِم من السَّمَاء ملكا} وهما
لُغَتَانِ نزل وأ نزل مثل كرم وَأكْرم
(1/172)
{بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين}
125
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {مسومين} بِكَسْر
الْوَاو أَي معلمين أَخذ من السومة وَهِي الْعَلامَة وحجتهم
مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير قَالَ مُجَاهِد كَانُوا سوموا نواصي
خيولهم بالصوف الْأَبْيَض فهم على هَذَا التَّفْسِير مسومون
لأَنهم فاعلون
ووردت الْأَخْبَار بِأَن الْمَلَائِكَة نزلت على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ معتمين بعمائم صفر فأضافوا الاعتمام
إِلَيْهِم وَلم يقل معممين فَيَكُونُوا مفعولين وَتَكون
القراةء بِفَتْح الْوَاو وَقَالَ رَسُول الله لأَصْحَابه يَوْم
بدر تسوموا فَإِن الْمَلَائِكَة قد تسومت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مسومين} بِفَتْح الْوَاو وحجتهم
{منزلين} لما كَانَ فتح الزَّاي مجمعا عَلَيْهِ إِذْ كَانُوا
مفعولين ردوا قَوْله {مسومين} إِذْ كَانَت صفة مثل معنى الأول
ففتحوا الْوَاو وجعلوهم مفعولين كَمَا كَانُوا منزلين فكأنهم
أنزلوا مسومين
وَقد رُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة فِي تَفْسِير ذَلِك
أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ عَلَيْهِم سِيمَا الْقِتَال وَقَالَ
قوم {مسومين} مرسلين تَقول الْعَرَب لنسومن فِيكُم الْخَيل أَي
لنرسلنها حكى ذَلِك الْكسَائي قَالَ وَتقول الْعَرَب سوم الرجل
غُلَامه أَي خلى سَبيله فعلى هَذَا التَّأْوِيل يُوَجه معنى
ذَلِك إِلَى معنى مرسلين على الْكفَّار فَيكون مُوَافقا
الْمَعْنى منزلين
(1/173)
{وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} قَرَأَ
نَافِع وَابْن عَامر / سارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم /
بِغَيْر وَاو اتبَاعا لمصاحفهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وسارعوا} بِالْوَاو اتبَاعا لمصاحفهم
{إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {إِن يمسسكم قرح فقد مس
الْقَوْم قرح مثله} بِضَم الْقَاف فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالْفَتْح فيهمَا
قَالَ الْفراء كَأَن الْقرح بِالضَّمِّ ألم الْجِرَاحَات
وَكَأن الْقرح الْجراح بِأَعْيَانِهَا وَقَالَ الْكسَائي هما
لُغَتَانِ مثل الضعْف والضعف والفقر والفقر وَأولى
الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَول الْفراء لتصييرهما لمعنيين
وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول الله جلّ وَعز حِين أساهم بهم فِي
مَوضِع آخر بِمَا دلّ على أَنه أَرَادَ الْأَلَم فَقَالَ وَلَا
تهنوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْم إِن تَكُونُوا تألمون فَإِنَّهُم
يألمون كَمَا تألمون فَدلَّ ذَلِك على أَنه اراد إِن يمسسكم
ألم من أَيدي الْقَوْم فَإِن بهم من ذَلِك مثل مَا بكم
{وكأين من نَبِي قَاتل مَعَه ربيون كثير فَمَا وهنوا لما
أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله} 146
قَرَأَ ابْن كثير / وكائن من نَبِي / على وزن كاعن وحجته قَول
الشَّاعِر ... وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لَو أصبت هُوَ
المصابا ...
(1/174)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكأين} على وزن كعين
وحجتهم قَول الشَّاعِر
كاين فِي المعاشر من أنَاس ... أخوهم فَوْقهم وهم كرام
وهما لُغَتَانِ جيدتان يقْرَأ بهما وَكَانَ أَبُو عَمْرو يقف
على / وكأي / على الْيَاء فِي قَول عبيد الله بن مُحَمَّد عَن
أَخِيه وَعَمه عَن اليزيدي عَن أبي عَمْرو وَقَالَ بعض
عُلَمَائِنَا كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا كَانَت فِي
الأَصْل أَي مُشَدّدَة زيدت عَلَيْهَا كَاف وَالْبَاقُونَ
يقفون {وكأين} بالنُّون وحجتهم أَن النُّون أَثْبَتَت فِي
الْمَصَاحِف للتنوين الَّذِي فِي أَي وَنون التَّنْوِين لم
يثبت فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي هَذَا الْحَرْف
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وكأين من نَبِي
قتل / بِضَم الْقَاف وَكسر التَّاء أَي وَكم من نَبِي قتل قبل
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَمَعَهُ ربيون كثير وحجتهم أَن
ذَلِك أنزل معاتبة لمن أدبر عَن الْقِتَال يَوْم أحد إِذْ صَاح
الصائح قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ فَلَمَّا تراجعوا كَانَ
اعتذارهم أَن قَالُوا سمعنَا قتل مُحَمَّد فَأنْزل الله {وَمَا
مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ
أَو قتل انقلبتم} ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وكأين من نَبِي قتل
مَعَه ربيون كثير أَي جموع كثير فَمَا تضعضع الجموع وَمَا
وهنوا لَكِن قَاتلُوا وصبروا فَكَذَلِك أَنْتُم كَانَ يجب
عَلَيْكُم أَلا تهنوا لَو قتل نَبِيكُم فَكيف وَلم يقتل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَاتل مَعَه} وحجتهم قَوْله {فَمَا
وهنوا} قَالُوا لأَنهم لَو قتلوا لم يكن لقَوْله {فَمَا وهنوا}
وَجه مَعْرُوف لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يوصفوا بِأَنَّهُم لم
يهنوا بَعْدَمَا قتلوا وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول {قَاتل}
أَلا ترى
(1/175)
أَنه يَقُول {فَمَا وهنوا لما أَصَابَهُم}
وَحجَّة أُخْرَى أَنه قَاتل أبلغ فِي مدح الْجَمِيع من معنى
قتل لن الله إِذا مدح من قتل خَاصَّة دون من قَاتل لم يدْخل
فِي المديح غَيرهم فمدح من قَاتل أَعم للْجَمِيع من مدح من قتل
دون من قَاتل لِأَن الْجَمِيع داخلون فِي الْفضل وَإِن كَانُوا
متفاضلين
{سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب}
قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {الرعب} بِضَم الْعين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْعين وهما لُغَتَانِ
أجودهما السّكُون
{ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة نعاسا يغشى
طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} {قل إِن
الْأَمر كُله لله} 153
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ تغشى بِالتَّاءِ والإمالة ردا
على ال أَمَنَة وحجتهما قَوْله {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم}
فَذكر من غَشيته الأمنة ثمَّ أتبعه من لم يَأْمَن وأهمته نَفسه
من الْخَوْف فَكَانَ تَقْدِير الْكَلَام أَن بَعضهم قد غَشيته
الأمنة وَبَعْضهمْ خَائِف لم تغشه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يغشى بِالْبَاء إِخْبَارًا عَن النعاس
وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول غشيني النعاس وَلَا تكَاد تَقول
غشيني الْأَمْن لِأَن النعاس يظْهر والأمن شَيْء يَقع فِي
الْقلب وَحجَّة أُخْرَى أَنهم أسندوا الْفِعْل إِلَى النعاس
بِإِجْمَاع الْجَمِيع فِي قِرَاءَة من يقْرَأ / يغشاكم النعاس
/ وَفِي قِرَاءَة من يقْرَأ {إِذْ يغشيكم النعاس} مشددا ومخففا
(1/176)
فَدلَّ ذَلِك على أَن الَّذِي غشيهم هُوَ
النعاس لَا الأمنة لِأَن الْآيَتَيْنِ نزلتا فِي طَائِفَة
وَاحِدَة
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {قل إِن الْأَمر كُله لله} بِرَفْع
اللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب
فَمن نصب فعلى توكيد الْأَمر وَمن رفع فعلى الِابْتِدَاء و
{لله} الْخَبَر وَنَظِير ذَلِك قَوْله {وَيَوْم الْقِيَامَة
ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} عدل بالوجوه عَن
أَن يعْمل فِيهَا الْفِعْل وَرفعت {مسودة} وَكَذَلِكَ عدل ب كل
عَن إتباع {الْأَمر} وَرفع بالإبتداء
{ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم وَالله يحيي وَيُمِيت
وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} 156
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَالله بِمَا
يعْملُونَ بَصِير / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى
عقيب الْإِخْبَار عَن الَّذين قَالُوا لَو كَانَ إِخْوَاننَا
عندنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا فَأخْبر الله الْمُؤمنِينَ
أَنه جعل ذَلِك القَوْل حسرة مِنْهُم فِي قُلُوبهم إِذْ
قَالُوهُ ثمَّ أتبع ذَلِك أَنه بِمَا يعْملُونَ من الْأَعْمَال
بَصِير
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم
أَن الْكَلَام فِي أول الْآيَة وَبعد الْآيَة جرى بِلَفْظ
مُخَاطبَة الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تَكُونُوا كَالَّذِين كفرُوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى
{وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} ثمَّ قَالَ بعد هَذِه
{وَلَئِن قتلتم فِي سَبِيل الله أَو متم} وَحجَّة
(1/177)
الْيَاء قَوْله {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي
قُلُوبهم}
{وَلَئِن قتلتم فِي سَبِيل الله أَو متم}
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَو متم} بِكَسْر
الْمِيم فِي جَمِيع الْقُرْآن وَقَرَأَ حَفْص هَا هُنَا
بِالضَّمِّ وَفِي سَائِر الْقُرْآن بِالْكَسْرِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {متم} و {متْنا} جَمِيع ذَلِك بِالضَّمِّ
وحجتهم أَنَّهَا من مَاتَ يَمُوت فعل يفعل مثل دَامَ يَدُوم
وَقَالَ يَقُول وَكَانَ يكون وَلَا يُقَال كنت وَلَا قلت
وَحجَّة أُخْرَى وَهُوَ قَوْله {وفيهَا تموتون} {وَيَوْم
أَمُوت} وَلَو كَانَت على اللُّغَة الْأُخْرَى لكَانَتْ تماتون
وَيَوْم أمات لِأَن من مت تمات يَجِيء فعل يفعل وَمن فعل يفعل
يَجِيء قَالَ يَقُول وَقد ذكرنَا
وأصل الْكَلِمَة عِنْد أهل الْبَصْرَة موت على وزن فعل مثل
قَول ثمَّ ضمُّوا الْوَاو فَصَارَت موت وَإِنَّمَا ضمُّوا
الْوَاو لأَنهم أَرَادوا أَن ينقلوا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت
على الْوَاو إِلَى الْمِيم وَهِي الفتحة وَلَو نقلوها إِلَى
الْمِيم لم تكن هُنَاكَ عَلامَة تدل على الْحَرَكَة المنقولة
إِلَى الْمِيم لِأَن الْمِيم كَانَت مَفْتُوحَة فِي الأَصْل
وَيَقَع اللّبْس بَين الْحَرَكَة الْأَصْلِيَّة وَبَين
المنقولة وَأَيْضًا لم تكن هُنَاكَ عَلامَة تدل على الْوَاو
المحذوفة فضموا الْوَاو لهَذِهِ الْعلَّة ثمَّ نقلوا ضمة
الْوَاو إِلَى الْمِيم فَصَارَ موت واتصل بهَا اسْم
الْمُتَكَلّم فسكنت التَّاء فَاجْتمع ساكنان الْوَاو وَالتَّاء
فحذفت الْوَاو وأدغمت التَّاء فِي التَّاء فَصَارَت متم
وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قلت
(1/178)
وَأما من قَرَأَ {متم} بِالْكَسْرِ لَهُ
حجتان إِحْدَاهمَا ذكرهَا الْخَلِيل قَالَ يُقَال مت تَمُوت
ودمت تدوم فعل يفعل مثل فضل يفضل قَالَ الشَّاعِر ... وَمَا مر
من عيشي ذكرت وَمَا فضل ...
وَكَانَ الأَصْل عِنْده موت على فعل ثمَّ استثقل الكسرة على
الْوَاو فنقلت إِلَى الْمِيم فَصَارَت موت ثمَّ حذفت الْوَاو
لما اتَّصَلت بهَا تَاء المتلكم لِاجْتِمَاع الساكنين فَصَارَت
مت فَهَذَا فِي المعتل وَفضل يفضل فِي الصَّحِيح وَالثَّانيَِة
قَالَ الْفراء مت مَأْخُوذَة من يمات على فعل يفعل مثل سمع
يسمع وَكَانَ الأَصْل يَمُوت ثمَّ نقلوا فَتْحة الْوَاو إِلَى
الْمِيم وقلبوا الْوَاو ألفا لانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت يمات
إِلَّا أَنه لم يجِئ يمات فِي الْمُسْتَقْبل وَالْعرب وَالْعرب
قد تسْتَعْمل الْكَلِمَة بِلَفْظ مَا وَلَا تقيس مَا تصرف
مِنْهَا على ذَلِك الْقيَاس من ذَلِك قَوْلهم رَأَيْت همزته
فِي الْمَاضِي ثمَّ أَجمعُوا على ترك الْهمزَة فِي
الْمُسْتَقْبل فَقَالُوا ترى ونرى بِغَيْر همز فخالفوا بَين
لفظ الْمَاضِي والمستقبل فَكَذَلِك خالفوا بَين لفظ مت
وَتَمُوت وَلم يَقُولُوا تمات
{وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {أَن يغل} بِفَتْح
الْيَاء وَضم الْغَيْن أَي مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يخون
أَصْحَابه فِيمَا أَفَاء الله عَلَيْهِم وحجتهم فِي ذَلِك أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ جمع الْغَنَائِم فِي غزَاة
فَجَاءَهُ جمَاعَة من المسملين فَقَالُوا أَلا تقسم بَيْننَا
غنائمنا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
لَو أَن لكم مثل أحد ذَهَبا مَا منعتكم درهما أترونني أغلكم
مغنمكم
(1/179)
فَنزلت {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} أَي
مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يجور فِي الْقسم وَلَكِن يعدل
وَيُعْطِي كل ذِي حق حَقه
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ فِي قطيفة حَمْرَاء فقدت فِي غَزْوَة بدر فَقَالَ من
كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ لَعَلَّ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ أَخذهَا فَأنْزل الله الْآيَة
وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن الْمُسْتَعْمل فِي كَلَام الْعَرَب
أَن يُقَال لمن فعل مَا لَا يجوز لَهُ أَن يفعل مَا كَانَ لزيد
أَن يفعل كَذَا وَكَذَا وَمَا كَانَ لَهُ أَن يظلم وَلَا
يُقَال أَن يظلم لِأَن الْفَاعِل فِيمَا لَا يجوز لَهُ يُقَال
لَهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل ذَلِك بِهِ نَظِير
قَوْله وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وكما قَالَ
{مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكين} أَلا ترى أَنهم المستغفرون وَلم يقل أَن
يَسْتَغْفِرُوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يغل} بِضَم الْيَاء وَفتح الْغَيْن أَي
مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغله أَصْحَابه أَي يخونوه ثمَّ أسقط
الْأَصْحَاب فَبَقيَ الْفِعْل غير مُسَمّى فَاعله وتأويله مَا
كَانَ لنَبِيّ أَن يخان وحجتهم مَا ذكر عَن قَتَادَة قَالَ مَا
كَانَ لنَبِيّ أَن يغله اصحابه الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ
ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ يَوْم بدر وَقد غل طوائف من أَصْحَابه وَقَالَ
آخَرُونَ معنى ذَلِك وَمَا كَانَ لنَبِيّ
(1/180)
أَن يتهم بالغلول قَالَ الْفراء يغل أَي
يسرق ويخون أَي ينْسب إِلَى الْغلُول يُقَال أغللته أَي نسبته
إِلَى الْغلُول وَقَالَ آخَرُونَ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن
يغل} أَي يلفى غالا أَي خائنا كَمَا يُقَال أحمدت الرجل إِذا
وجدته مَحْمُودًا
{يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل وَأَن الله لَا يضيع أجر
الْمُؤمنِينَ}
قَرَأَ الْكسَائي {وَأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ}
بِكَسْر الْألف على معنى وَالله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله / وَالله لَا يضيع /
فَهَذَا يُقَوي إِن بِالْكَسْرِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأَن الله} بِالْفَتْح وَهِي فِي
مَوضِع خفص على النسق على {بِنِعْمَة من الله وَفضل} الْمَعْنى
ويستبشرون بِأَن الله لَا يضيع أجر الْمُؤمنِينَ
{وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} 176
قَرَأَ نَافِع {وَلَا يحزنك} بِضَم الْيَاء فِي كل الْقُرْآن
إِلَّا قَوْله {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ يُقَال حزن
وأحزن وَالِاخْتِيَار حزن لقَولهم محزون وَلَا يُقَال محزن
وَحجَّة نَافِع قَول الْعَرَب هَذَا أَمر محزن
(1/181)
{وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي
لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ}
قَرَأَ حَمْزَة {لَا تحسبن الَّذين كفرُوا} بِالتَّاءِ خطاب
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَمَوْضِع الَّذين نصب الْمَفْعُول
الأول من {تحسبن} و {كفرُوا} صلته و {إِنَّمَا} مَعَ مَا
بعْدهَا فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَن حسب يتَعَدَّى
إِلَى مفعولين تَقول حسبت زيدا مُنْطَلقًا وَلَا يجوز حسبت
زيدا وَإِنَّمَا فتحت {إِنَّمَا} لِأَن الْفِعْل وَاقع
عَلَيْهَا قَالَ الزّجاج قَوْله أَنما نملي يجوز على الْبَدَل
من الَّذين الْمَعْنى لَا تحسبن إملاءنا للَّذين كفرُوا خيرا
لَهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَحسبن} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن
الَّذين كفرُوا فموضع الَّذين رفع بفعلهم والمحسبة وَاقعَة على
{إِنَّمَا} ونابت عَن الِاسْم وَالْخَبَر تَقول حسبت أَن زيدا
منطلق فاسم إِن وخبرها سد مسد المفعولين وَتَقْدِير الْكَلَام
لَا يَحسبن الَّذين كفرُوا إملاءنا خيرا لَهُم
{حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث}
بِالتَّشْدِيدِ من قَوْلك ميزت بَين الشَّيْئَيْنِ أميز تمييزا
إِذا خلصته كَمَا تَقول فرقت بَينهمَا أفرق تفريقا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث}
بِالتَّخْفِيفِ من مزت الشَّيْء وَأَنا أميز ميزا وحجتهم
قَوْله {الْخَبيث من الطّيب} وَالتَّشْدِيد إِنَّمَا يدْخل فِي
الْكَلَام للتكثير قَالَ أَبُو عَمْرو لَا يكون يُمَيّز
(1/182)
بِالتَّشْدِيدِ إِلَّا كثيرا من كثير
فَأَما وَاحِد من وَاحِد ف يُمَيّز على معنى يعْزل
وَحجَّة التَّشْدِيد أَن الْعَرَب للمشدد أَكثر اسْتِعْمَالا
وَذَلِكَ أَنهم وضعُوا مصدر هَذَا الْفِعْل على معنى
التَّشْدِيد فَقَالُوا فِيهِ التَّمْيِيز وَلم يَقُولُوا الميز
فَدلَّ استعمالهم الْمصدر على بنية التَّشْدِيد فَتَأْوِيل
الْكَلَام حَتَّى يُمَيّز جنس الْخَبيث من جنس الطّيب
{وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله
هُوَ خيرا لَهُم بل هُوَ شَرّ لَهُم سيطوقون مَا بخلوا بِهِ}
{وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} 180
قَرَأَ حَمْزَة / وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ / بِالتَّاءِ
خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ف الَّذين فِي مَوضِع نصب على
الْمَفْعُول الأول و {خيرا لَهُم} الْمَفْعُول الثَّانِي قَالَ
أَحْمد بن يحيى الْوَجْه عندنَا بِالتَّاءِ ليَكُون للمحسبة
اسْم وَخبر فَيكون {الَّذين} نصبا باسم المحسبة و {هُوَ خيرا
لَهُم} خَبرا وَالْمعْنَى لَا تحسبن بخل الباخلين خيرا لَهُم
فَأَقَامَ الباخلين مقَام بخلهم وَإِذا قَرَأت بِالْيَاءِ لم
تأت للمحسبة باسم فَلذَلِك اخترنا التَّاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يَحسبن} بِالْيَاءِ مَوضِع
{الَّذين} رفع و {يَبْخلُونَ} صلَة الَّذين والم الأول مصدر
مَحْذُوف وَهُوَ الْبُخْل دلّ {يَبْخلُونَ} عَلَيْهِ الْمَعْنى
وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ
(1/183)
الْبُخْل هُوَ خيرا لَهُم فَحذف
الْمَفْعُول الأول واجتزئ ب يَبْخلُونَ عَن الْبُخْل كَمَا
يُقَال من صدق كَانَ خيرا لَهُ وَمن كذب كَانَ شرا تُرِيدُ
كَانَ الصدْق خيرا وَكَانَ الْكَذِب شرا قَالَ الْفراء
إِنَّمَا {هُوَ} عماد يُقَال فَأَيْنَ اسْم هَذَا الْعِمَاد
قيل مُضْمر مَعْنَاهُ لَا يَحسبن الباخلون الْبُخْل هُوَ خيرا
لَهُم فَاكْتفى بِذكر يَبْخلُونَ من الْبُخْل كَمَا قَالَ
الشَّاعِر ... إِذا نهي السَّفِيه جرى إِلَيْهِ ... وَخَالف
وَالسَّفِيه إِلَى خلاف ...
يُرِيد جرى إِلَى السَّفه وَلم يذكر السَّفه وَلَكِن دلّ
السَّفِيه على السَّفه فَكَذَلِك دلّ يَبْخلُونَ على الْبُخْل
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالله بِمَا يعلمُونَ
خَبِير / بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الْكَفَرَة وحجتهما قَوْله
{سيطوقون مَا بخلوا بِهِ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} التَّاء أَي
أَنْتُم ووحجتهم قَوْله قبلهَا {وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على
الْغَيْب}
{سنكتب مَا قَالُوا وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ونقول
ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق}
قَرَأَ حَمْزَة / سيكتب مَا قَالُوا / بِالْيَاءِ وَضمّهَا
{وقتلهم الْأَنْبِيَاء} بِالرَّفْع على مَا لم يسم فَاعله
{وَيَقُول} بِالْيَاءِ
(1/184)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سنكتب مَا قَالُوا}
بالنُّون أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه {وقتلهم الْأَنْبِيَاء} نصب
أَي ونكتب قَتلهمْ الْأَنْبِيَاء {ونقول} بالنُّون
{جاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ والزبر وَالْكتاب الْمُنِير} 184
قَرَأَ ابْن عَامر {بِالْبَيِّنَاتِ وبالزبر} بِالْبَاء
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحف أهل الشَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {والزبر} بِغَيْر بَاء
وَاخْتلف أهل النَّحْو فِي ذَلِك فَقَالَ قوم مَرَرْت بزيد
وَعَمْرو ومررت بزيد وبعمرو سَوَاء وَكَذَلِكَ {جاؤوا
بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} {وبالزبر} وَقَالَ الْخَلِيل مَرَرْت
بزيد وَعَمْرو مرورا وَاحِدًا كَأَنَّك مَرَرْت بمها فِي حَال
وَاحِد فَكَذَلِك جَاءَت الرُّسُل بِالْبَيِّنَاتِ والزبر فِي
حَال وَفِي وَقت وَاحِد ومررت بزيد وبعمرو مرورين هَذَا لَا
يكون فِي وَقت وَاحِد فَكَذَلِك قَوْله {جاؤوا
بِالْبَيِّنَاتِ} ثمَّ جاؤوا بالزبر وَأَرَادَ بِالْبَيِّنَاتِ
المعجزات ثمَّ جاؤوا بعد ذَلِك بالزبر أَي بالكتب
{لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / ليبيننه
للنَّاس وَلَا يكتمونه / بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله
{فنبذوه} وَلم يقل فنبذتموه وَبِهَذَا كَانَ يحْتَج أَبُو
عَمْرو وَيَقُول الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بِلَفْظ الْخَبَر
(1/185)
وَهُوَ قَوْله {فنبذوه} فَجعل مَا قبله
بِلَفْظِهِ ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ بِلَفْظ الْخطاب وحجتهم أَنه
يَحْكِي اللَّفْظ الَّذِي خوطبوا بِهِ فِي وَقت أَخذ
الْمِيثَاق عَلَيْهِم والميثاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم هُوَ
بَيَان أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
{لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن
يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا فَلَا تحسبنهم بمفازة من
الْعَذَاب} 188
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة 4 وَالْكسَائِيّ {لَا تحسبن الَّذين
يفرحون} بِالتَّاءِ هَؤُلَاءِ قوم من الْيَهُود أظهرُوا
لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ أَنهم مَعَهم ليحمدوا
وأضمروا خلاف مَا أظهرُوا فَقَالَ الله لنَبيه صلى الله
عَلَيْهِ {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ
أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} ثمَّ كرر عَلَيْهِ لطول
الْقِصَّة فَقَالَ {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} أَي
بمنجاة من النَّار فَأعلمهُ الله أَمرهم وأعلمهم أَنهم
لَيْسُوا بمفازة من الْعَذَاب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لَا يَحسبن / بِالْيَاءِ إِن قيل أَيْن
مفعول / لَا يَحسبن / الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا
أَن {الَّذين} فِي مَوضِع نصب على قِرَاءَة من قَرَأَ {تحسبن}
بِالتَّاءِ وَلم يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَنَّهُ ذكره
فِي قَوْله {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} وَإِنَّمَا لم
يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي فِي قَوْله {تحسبن الَّذين}
لِأَنَّهُ كرر الْفِعْل وتكرير الْفِعْل يَنْوِي بِهِ التوكيد
للنَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا تحسبن لَا تحسبنهم كَمَا تَقول
لَا تقومن لَا تقومن إِلَى ذَلِك
(1/186)
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون أَرَادَ لَا
تحسبن الَّذين كفرُوا بمفازة من الْعَذَاب فَيكون الْخَبَر فِي
قَوْله بمفازة ثمَّ قَالَ {فَلَا تحسبنهم} وَيكون الْخَبَر فِي
الثَّانِيَة متروكا اكْتفى بِعلم الْمُخَاطب بموضعه
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فَلَا يحسبنهم / بِالْيَاءِ
وَرفع الْبَاء وَالْفِعْل للْكفَّار أَي فَلَا يحْسب الْكفَّار
أنفسهم بمفازة من الْعَذَاب وَإِنَّمَا أُعِيد يحسبنهم
ثَانِيَة لِأَن مَعهَا الِاسْم وَالْخَبَر وَلَيْسَ مَعَ
الْفِعْل الأول الِاسْم وَالْخَبَر فاجتزئ بِالثَّانِي عَن
الأول
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تحسبنهم} بِالتَّاءِ وَنصب الْبَاء
{فَالَّذِينَ هَاجرُوا وأخرجوا من دِيَارهمْ وأوذوا فِي سبيلي
وقاتلوا وَقتلُوا لأكفرن عَنْهُم سيئاتهم} 195
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وقاتلوا} وقاتوا يبدآن
بالمفعولين قبل الفاعلين فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ فَإِذا
قتلوا كَيفَ يُقَاتلُون فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب تَقول قتل
بَنو تَمِيم بني أَسد إِذا قتل بَعضهم فَكَأَنَّهُ يقتل بَعضهم
فَيقْتل الْبَاقُونَ البَاقِينَ قَالَ أَحْمد بن يحيى هَذِه
الْقِرَاءَة أبلغ فِي الْمَدْح لأَنهم يُقَاتلُون بعد أَن يقتل
مِنْهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وقاتلوا وَقتلُوا} وحجتهم أَن الله
بَدَأَ بوصفهم بِأَنَّهُم قَاتلُوا أَحيَاء ثمَّ قتلوا بعد أَن
قَاتلُوا وَإِذا اخبر عَنْهُم بِأَنَّهُم قتلوا فمحال أَن
يقاتلوا بعد هلاكهم فَهَذَا يُوجِبهُ ظَاهر الْكَلَام
(1/187)
ينسق باسم ظَاهر على اسْم مُضْمر فِي حَال
الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض يستقبح النحويون مَرَرْت
بِهِ وَزيد ومررت بك وَزيد إِلَّا مَعَ إِظْهَار الْخَافِض
حَتَّى يَقُولُوا بك وبزيد وَقد فسر الْمَازِني هَذَا
تَفْسِيرا
(1/189)
مقنعا فَقَالَ الثَّانِي فِي الْعَطف شريك
للْأولِ فَإِن كَانَ الأول يصلح أَن يكون شَرِيكا للثَّانِي
وَإِلَّا لم يصلح أَن يكون الثَّانِي شَرِيكا لَهُ قَالَ
فَكَمَا لَا نقُول مَرَرْت بزيد وك فَكَذَلِك لَا نقُول
مَرَرْت بك وَزيد
وَمن قَرَأَ {والأرحام} فَالْمَعْنى تساءلون بِهِ وبالأرحام
وَقَالَ أهل التَّفْسِير وَهُوَ قَوْله أَسَالَك بِاللَّه
وَالرحم وَقد أَنْكَرُوا هَذَا وَلَيْسَ بمنكر لِأَن
الْأَئِمَّة أسندوا قراءتهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وأنكروا أَيْضا أَن الظَّاهِر لَا يعْطف على الْمُضمر
الْمَجْرُور إِلَّا بِإِظْهَار الْخَافِض وَلَيْسَ بمنكر
وَإِنَّمَا الْمُنكر أَن يعْطف الظَّاهِر على الْمُضمر الَّذِي
لم يجر لَهُ ذكر فَتَقول مَرَرْت بِهِ وَزيد وَلَيْسَ هَذَا
بِحسن فَأَما أَن يتَقَدَّم للهاء ذكر فَهُوَ حسن وَذَلِكَ
عَمْرو مَرَرْت بِهِ وَزيد فَكَذَلِك الْهَاء فِي قَوْله
{تساءلون بِهِ} وَتقدم ذكرهَا وَهُوَ قَوْله {وَاتَّقوا الله}
وَمثله قَول الشَّاعِر ... فاليوم أَصبَحت تهجونا وتشتمنا ...
فَاذْهَبْ فَمَا بك وَالْأَيَّام من عجب ...
{وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم
قيَاما}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {قيمًا} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {قيَاما}
(1/190)
وأصل الْكَلِمَة قواما فقلبت الْوَاو يَاء
لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت قيَاما قَالَ الْكسَائي قيَاما
وقواما وقيما ثَلَاث لُغَات وَالْمعْنَى وَاحِد وَهُوَ مَا
يُقيم شَأْن النَّاس ويعيشهم وَفِي تَفْسِير بَعضهم قيَاما
معاشا
{وسيصلون سعيرا}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {وسيصلون سعيرا} بِضَم الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وسيصلون} بِفَتْح الْيَاء إِخْبَار
عَنْهُم أَي هم يصلونَ من قَول الْعَرَب صلي النَّار يصلاها
وحجتهم قَوْله {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى} أَي إِذا دنا
مِنْهَا يُصِيبهُ حرهَا
وَمن ضم الْيَاء فَمَعْنَاه أَنه يفعل بهم على مَا لم يسم
فَاعله وحجته قَوْله {سأصليه سقر} وَقَالَ قوم {وسيصلون}
يحرقون
(1/191)
{وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف}
{فلأمه الثُّلُث} {يُوصي بهَا أَو دين} 11
قَرَأَ نَافِع {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} بِالرَّفْع أَي وَإِن
وَقعت وَاحِدَة جعل كَانَ بِمَعْنى حدث وَوَقع كَمَا قَالَ
{وَإِن كَانَ ذُو عسرة} أَي وَقع ذُو عسرة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} بِالنّصب أضمروا
فِي كَانَ اسْما وَالتَّقْدِير وَإِن كَانَت الْبِنْت وَاحِدَة
قَالَ الزّجاج فالنصب أَجود لِأَن قَوْله قبلهَا {فَإِن كن
نسَاء} قد بَين أَن الْمَعْنى كَانَ الْأَوْلَاد نسَاء
وَكَذَلِكَ الْمَوْلُود وَاحِدَة فَلذَلِك اخترنا النصب
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فلأمه} و {فِي أمهَا} بِكَسْر
الْهمزَة إِذا كَانَت قبلهَا كسرة أَو يَاء سَاكِنة وحجتهما
أَنَّهُمَا استثقلا ضم الْألف بعد كسرة أَو يَاء فكسرا للكسرة
وَالْيَاء ليَكُون عمل اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة إِذْ لم
يكن تَغْيِير الْألف من الضَّم إِلَى الْكسر يزِيل معنى وَلَا
يُغير إعرابا يفرق بَين مَعْنيين فأتبعا لذَلِك الكسرة الكسرة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ على الأَصْل وَمثله
{عَلَيْهِم} و {عَلَيْهِم} وحجتهم أَن الأَصْل فِي ذَلِك كُله
الضَّم وَهُوَ بنية هَذَا الِاسْم وَذَلِكَ أَنَّك إِذا لم
تصله بِشَيْء قبله لم يخْتَلف فِي ضمة أَلفه فَحكمه إِذا
اتَّصل بِشَيْء أَلا يُغَيِّرهُ عَن حَاله وَأما قَوْله {فِي
بطُون أُمَّهَاتكُم} فَإِن حَمْزَة بكسره الْهمزَة وَالْمِيم
أتبع الكسرة الكسرة
(1/192)
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر
{يُوصي بهَا} بِفَتْح الصَّاد وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِي على
مَا لم يسم فَاعله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوصي} بِكَسْر الصَّاد على إِضْمَار
الْفَاعِل أَي يُوصي بهَا الْمَيِّت وحجتهم أَنه ذكره فِي صدر
الْقِصَّة وَهُوَ قَوْله {ولأبويه} أَي ولأبوي الْمَيِّت
وَقَوله {إِن كَانَ لَهُ ولد} {وَورثه أَبَوَاهُ} فقد جرى ذكر
الْمَيِّت وَكَذَلِكَ قَالَ {مِمَّا ترك} يَعْنِي الْمَيِّت
والحرف الآخر قَوْله {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو
امْرَأَة} وَمن قَرَأَ {يُوصي} فَإِنَّمَا يحسبه أَنه لَيْسَ
لمَيت معِين إِنَّمَا هُوَ شَائِع فِي الْجَمِيع فَهُوَ فِي
الْمَعْنى يؤول إِلَى {يُوصي}
{وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ} {وَمن يعْص الله وَرَسُوله
ويتعد حُدُوده يدْخلهُ} 13 و 14
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَمن يطع الله وَرَسُوله ندخله /
/ وَمن يعْص الله وَرَسُوله ندخله / بالنُّون فيهمَا إِخْبَار
الله عَن نَفسه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا وحجتهم قَوْله وَمن
يطع الله يدْخلهُ فَيكون كلَاما وَاحِدًا وَلَو كَانَ بالنُّون
لَكَانَ الأول وَمن يطعنا ندخله فَلَمَّا كَانَ {يطع الله}
قَالَ {يدْخلهُ} على معنى يدْخلهُ الله
{واللذان يأتيانها}
قَرَأَ ابْن كثير {واللذان} بتَشْديد النُّون وَكَذَلِكَ /
هاذان /
(1/193)
و {هَاتين} و {أرنا الَّذين} وحجته أَن
الأَصْل فِي قَوْله {واللذان} اللذيان فَحذف الْيَاء وَجعل
النُّون الْمُشَدّدَة عوضا من الْيَاء المحذوفة الَّتِي كَانَت
فِي الَّذِي وَكَذَلِكَ فِي {إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} الأَصْل
هاتيين وأرنا اللذيين وَفِي هَذَانِ هَذَا ان شدد هَذِه
النونات وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْيَاء المحذوفة وَالْألف
إِذا سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم شددت النُّون فِي هَذِه
الْكَلِمَة وَلم تشددها فِي قَوْله {برهانان} و {غلامان}
فَالْجَوَاب عَن ذَلِك من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذِه
النُّون لما كَانَت ثَابِتَة فِي الْأَحْوَال كلهَا وَلم تكن
الْإِضَافَة تسقطهما لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء لَا تُضَاف
الْبَتَّةَ ففرقوا بَينهَا وَبَين النُّون الضعيفة الَّتِي
تسْقط فِي الْإِضَافَة فَتَقول هَذَانِ غُلَاما زيد فَلَمَّا
كَانَت أقوى شددت ليدل بِالتَّشْدِيدِ على قوتها بِالْإِضَافَة
لغَيْرهَا من النونات الَّتِي تتسلط الْإِضَافَة عَلَيْهَا
(1/194)
وَالْوَجْه الثَّانِي يُقَال لهَذِهِ
النُّون فِي المبهمات بدل من الْألف المحذوفة وَالْيَاء
المحذوفة وهما حرفان فِي الأَصْل من نفس الْكَلِمَة وَالنُّون
فِي التَّثْنِيَة فِي قَوْلك برهانان ورجلان بدل من
التَّنْوِين الَّذِي هُوَ زَائِد وعارض فِي الْكَلِمَة فَجعلت
للنون الَّتِي هِيَ بدل من الأَصْل مزية على النُّون الَّتِي
هِيَ بدل من عَارض فِي الأَصْل وَتلك المزية التَّشْدِيد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن
من كَلَام الْعَرَب أَن يحذفوا ويعوضوا وَأَن يحذفوا وَلَا
يعوضوا فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر
التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل تَقول مغيسل
ومغيسيل فَمن قَالَ مغيسل لم يعوض من التَّاء شَيْئا وَمن
قَالَ مغيسيل عوض من التَّاء
{لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها وَلَا تعضلوهن لتذهبوا
بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة
مبينَة} 19
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن ترثوا النِّسَاء كرها}
بِالضَّمِّ قَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَاخْتلف النَّاس فِي
الضَّم وَالْفَتْح فال ابْن عَبَّاس من قَرَأَ {كرها}
بِالضَّمِّ أَي بِمَشَقَّة وَمن قَرَأَ {كرها} بِالْفَتْح أَي
إجبارا أَي أجبر عَلَيْهِ جعل ابْن عَبَّاس الكره فعل
الْإِنْسَان والكره مَا أكره عَلَيْهِ صَاحبه تَقول كرهت
الشَّيْء كرها وأكرهت على الشَّيْء كرها قَالَ أَبُو عَمْرو
والكره مَا كرهته والكره مَا استكرهت عَلَيْهِ ويحتج فِي ذَلِك
بقول الله جلّ وَعز {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كره لكم}
(1/195)
وَقَالَ الْأَخْفَش هما لُغَتَانِ مثل
الضعْف والضعف والفقر والفقر وَقَالَ قوم الكره الْمصدر تَقول
كرهته كرها مثل شربته شربا والكره اسْم ذَلِك الشَّيْء
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {بِفَاحِشَة مبينَة} بِفَتْح
الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْيَاء
جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن من قَرَأَ {مبينَة} بِالْكَسْرِ
فمعناها ظَاهِرَة وَمن قَرَأَ {مبينَة} بِالْفَتْح فمعناها
مكشوفة مظهرة أَي أوضح أمرهَا اعْلَم أَنَّك إِذا كسرتها
جَعلتهَا فاعلة أَي هِيَ الَّتِي تبين على صَاحبهَا فعلهَا
وَإِذا فتحتها جَعلتهَا مَفْعُولا بهَا وَالْفَاعِل مَحْذُوف
وَكَانَ التَّقْدِير وَالله أعلم هُوَ بَينهَا فَهِيَ مبينَة
{وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم كتاب
الله عَلَيْكُم وَأحل لكم} {أَن ينْكح الْمُحْصنَات} {فَإِذا
أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات}
24 25
قَوْله {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} اتّفق الْقُرَّاء على فتح
الصَّاد فِي هَذَا الْحَرْف وَاخْتلفُوا فِيمَا عداهُ فَقَرَأَ
الْكسَائي {أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} {فعليهن نصف
مَا على الْمُحْصنَات} بِكَسْر الصَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن
أَي هن أحصن أَنْفسهنَّ بِالْإِسْلَامِ والعفاف فَذهب
الْكسَائي إِلَى أَن الْمُحْصنَات المسلمات العفايف هن أحصن
أَنْفسهنَّ بِالْإِسْلَامِ والعفاف وَالْعرب تَقول أحصنت
الْمَرْأَة فَهِيَ مُحصنَة وَذَلِكَ إِذا حفظت نَفسهَا وفرجها
وحجته فِي فتح الْحَرْف الأول وَكسر مَا عداهُ أَن الْمَعْنى
فِيهِ غير مَوْجُود فِيمَا عداهُ وَذَلِكَ أَن
(1/196)
الْمُحْصنَات هَا هُنَا هن ذَوَات
الْأزْوَاج اللَّاتِي أحصنهن أَزوَاجهنَّ سوى ملك الْيَمين
اللَّاتِي كَانَ لَهُنَّ الْأزْوَاج فَكُن محصنات بهم فأحلهن
بعد استبرائهن بِالْحيضِ فَأَما مَا سوى هَذَا الْحَرْف فَإِن
المُرَاد فِيهِ مَا ذكرنَا من الْإِسْلَام والعفة
عَن الْحسن فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} قَالَ
ذَوَات الْأزْوَاج فَقَالَ الفرزدق قد قلت فِيهِ شعرًا قَالَ
الْحسن مَا قلت يَا ابا فراس قَالَ قلت ... وَذَات حليل
أنكحتها رماحنا ... حَلَال لمن يَبْنِي بهَا لم تطلق ...
رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ بعث يَوْم حنين
سَرِيَّة فَأَصَابُوا حَيا من الْعَرَب يَوْم أَوْطَاس فهزموهم
وقتولهم وَأَصَابُوا نسَاء لَهُنَّ أَزوَاج فَكَانَ نَاس من
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ تأثموا من غشيانهن من
اجل أَزوَاجهنَّ فَأنْزل الله عز وَجل {وَالْمُحصنَات من
النِّسَاء} أَي المتزوجات {إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} أَي
السبايا من ذَوَات الْأزْوَاج لَا بَأْس فِي وطئهن بعد
استبرائهن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الْمُحْصنَات} بِفَتْح الصَّاد أَي
متزوجات أحصنهن أَزوَاجهنَّ والأزواج محصنون وَالنِّسَاء
محصنات
قَالَ أَبُو عَمْرو الزَّوْج يحصن الْمَرْأَة وَالْإِسْلَام
وَكَذَلِكَ {فَإِذا أحصن} أَي أحصنهن الْأزْوَاج وَالْإِسْلَام
قَالَ وَلَا تَقول الْعَرَب هَذَا قَاذف مُحصنَة لَا محصنات
إِلَّا مُحصنَة ومحصنات فَتَأْوِيل الْمُحْصنَات أَزوَاجهنَّ
أعفوهن أَو إسلامهن أحصنهن فهن محصنات بذلك
(1/197)
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص
{وَأحل لكم} بِضَم الْألف وَكسر الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله
وحجتهم أَن ابْتِدَاء التَّحْرِيم فِي الْآيَة الأولى أجري على
ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {حرمت عَلَيْكُم
أُمَّهَاتكُم} وَمَا ذكر بعدهن فأجري التَّحْلِيل عقيب
التَّحْرِيم وعَلى لَفظه ليَكُون لفظ التَّحْرِيم والتحليل على
لفظ وَاحِد فَكَأَنَّهُ قَالَ حرم عَلَيْكُم كَذَا وَأحل لكم
كَذَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأحل} بِالْفَتْح وحجتهم فِي ذَلِك
قربه من ذكر الله فَجعلُوا الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِ لذَلِك
وَهُوَ قَوْله {كتاب الله عَلَيْكُم وَأحل لكم} أَي وَأحل الله
لكم
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {فَإِذا أحصن}
بِفَتْح الْألف وَالصَّاد أَي أسلمن وَيُقَال عففن كَذَا جَاءَ
فِي التَّفْسِير يسندون الْإِحْصَان إلَيْهِنَّ وَإِذا قرئَ
ذَلِك على مَا لم يسم فَاعله كَانَ وجوب الْحَد فِي ظَاهر
اللَّفْظ على الْمَمْلُوكَة ذَات الزَّوْج دون الأيم وَفِي
إِجْمَاع الْجَمِيع على وجوب الْحَد على الْمَمْلُوكَة غير
ذَات الزَّوْج دَلِيل على صِحَة فَتْحة الْألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِذا أحصن} أَي الْأزْوَاج جعلوهن
مفعولات بإحصان أَزوَاجهنَّ إياهن فتأويله فَإِذا أحصنهن
أَزوَاجهنَّ ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله نَظِير قَوْله
{محصنات} بِمَعْنى أَنَّهُنَّ مفعولات وَهَذَا مَذْهَب ابْن
عَبَّاس قَالَ لَا تجلد إِذا زنت حَتَّى تتَزَوَّج وَكَانَ
ابْن مَسْعُود يَقُول إِذا أسلمت وزنت جلدت وَإِن لم تتَزَوَّج
(1/198)
{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} 28
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِلَّا أَن تكون
تِجَارَة} نصا أَي إِلَّا أَن تكون الْأَمْوَال تِجَارَة
فَجعلُوا {تِجَارَة} خبر {تكون}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تِجَارَة} جعلُوا {تكون} بِمَعْنى
الْحُدُوث والوقوع أَي إِلَّا أَن تقع تِجَارَة
{وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا}
قَرَأَ نَافِع {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا} بِنصب الْمِيم
جعله مصدرا من دخل يدْخل مدخلًا فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ قد
تقدم مَا يدل على أَنه من أَدخل فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن
الْمدْخل مصدر صدر عَن غير لَفظه كَأَنَّهُ قَالَ ويدخلكم
فتدخلون مدخلًا وَكَذَلِكَ قَوْله {وَالله أنبتكم من الأَرْض
نباتا} وَلم يقل إنباتا قَالَ الْخَلِيل تَقْدِيره فنبتم نباتا
وَيجوز أَن يكون الْمدْخل اسْما
(1/199)
للمكان فَكَأَنَّهُ قَالَ وَنُدْخِلكُمْ
مَوضِع دخولكم قَالَ الزّجاج قَالَه {مدخلًا} يَعْنِي بِهِ هَا
هُنَا الْجنَّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مدخلًا} بِضَم الْمِيم مصدر من أَدخل
يدْخل إدخالا وحجتهم قَوْله {وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا}
وَفِي التَّنْزِيل {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج
صدق} {واسألوا الله من فَضله} 32
قَرَأَ ابْن كثير وَالْكسَائِيّ / وسلوا الله من فَضله / و /
فَسَلُوا أهل الذّكر / بِفَتْح السِّين وَترك الْهمزَة
وَكَذَلِكَ كل أَمر مواجه وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على طرح
الْهمزَة فِي قَوْله سل بني إِسْرَائِيل / وسلهم أَيهمْ بذلك
زعيم / فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا
عَلَيْهِ فطرحا الْهمزَة من جَمِيع ذَلِك
فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ هلا طرحا من غير المواجهة كَمَا
طرحا من المواجهة فقرأا / وليسلوا مَا أَنْفقُوا / بِغَيْر همز
الْجَواب لم يطرحا
(1/200)
الْهمزَة من غير المواجهة لِأَن الْعَرَب
لم تطرح اللَّام من أَوله كَمَا طرحته من المواجهة فَقَالُوا
ليقمْ زيد فَتَرَكُوهُ على أَصله وَقَالُوا قُم يَا زيد فحذفوا
ذَلِك على أَنهم لم يستثقلوا فِي غير المواجهة مَا استثقلوه
فِي المواجهة فَلهَذَا حذفا من المواجهة كَمَا حذفت الْعَرَب
اللَّام من المواجهة وَلم يحذفا الْهمزَة من غير المواجهة
كَمَا لم تحذف الْعَرَب اللَّام من غير المواجهة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {واسألوا الله} بِالْهَمْز وحجتهم فِي
ذَلِك أَن الْعَرَب لَا تهمز سل فَإِذا أدخلُوا الْوَاو
وَالْفَاء وَثمّ همزوا
فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ إِذا أدخلُوا الْوَاو وَالْفَاء لم
همزوا هلا تركوها فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن أصل سل اسْأَل
فاستثقلوا الهمزتين فنقلوا فَتْحة الْهمزَة إِلَى السِّين
فَلَمَّا تحركت السِّين استغنوا عَن ألف الْوَصْل فَإِذا تقدمه
وَاو أَو فَاء ردوا الْكَلِمَة إِلَى الأَصْل وَأَصله واسألوا
لأَنهم إِنَّمَا حذفوا لِاجْتِمَاع الهمزتين فَلَمَّا زَالَت
الْعلَّة ردوهَا إِلَى الأَصْل
{وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالَّذين عقدت
أَيْمَانكُم} بِغَيْر ألف وحجتهم أَن الْإِيمَان عقدت بَينهم
لِأَن فِي قَوْله {إيمَانكُمْ} حجَّة على أَن أَيْمَان
الطَّائِفَتَيْنِ هِيَ عقدت مَا بَينهمَا وَفِي إِسْنَاد
الْفِعْل إِلَى الْأَيْمَان كِفَايَة من الْحجَّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَالَّذين عاقدت / بِالْألف وحجتهم أَن
العقد
(1/201)
كَانَ من الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا فِي
الْجَاهِلِيَّة يَجِيء الرجل الذَّلِيل إِلَى الْعَزِيز
فيعاقده ويحالفه وَيَقُول لَهُ أَنا ابْنك ترثني وأرثك وحرمتي
حرمتك وَدمِي دمك وثأري ثأرك فَأمر الله جلّ وَعز بِالْوَفَاءِ
لَهُم فَهَذَا العقد لَا يكون إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَقيل إِن
ذَلِك أَمر قبل تَسْمِيَة الْمَوَارِيث وَهِي مَنْسُوخَة
بِآيَة الْمَوَارِيث
{وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى}
قَرَأَ الْكسَائي {وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} ممال وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرو بِغَيْر إمالة وَبِه قَرَأَ الْآخرُونَ
فَإِن قيل فَمَا بَال أبي عَمْرو لم يمل الْألف فِي قَوْله
{وَالْجَار ذِي الْقُرْبَى} مَعَ أَنَّهَا تلِي الطّرف كالألف
فِي جَبَّار ونهار فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن يُقَال لما
كَانَت الصّفة والموصوف بمجموعهما يفيدان مَا يُفِيد الِاسْم
الْوَاحِد صَارَت الصّفة هَا هُنَا لكَونهَا من تَمام الأول
آخر الِاسْم وَالْألف صَارَت متوسطة لما لم ينْتَه الْمَعْنى
إِلَى آخر الِاسْم الأول فَصَارَ الْجَار مَعَ ذِي الْقُرْبَى
كاسم وَاحِد وَخرجت الْألف
(1/202)
عَن الطّرف وَجَرت مجْرى ألف الغارمين
{ويأمرون النَّاس بالبخل}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بالبخل} بِفَتْح الْبَاء
وَالْخَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بالبخل} وهما لُغَتَانِ مثل
الْحزن والحزن والرشد والرشد
{إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة وَإِن تَكُ حَسَنَة
يُضَاعِفهَا} 40
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {وَإِن تَكُ حَسَنَة} بِالرَّفْع
على أَنَّهَا اسْم كَانَ وَلَا خبر لَهَا وَهِي هَا هُنَا فِي
مَذْهَب التَّمام الْمَعْنى وَإِن تحدث حَسَنَة أَو تقع
حَسَنَة يُضَاعِفهَا كَمَا قَالَ {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} أَي
وَقع ذُو عسرة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن تَكُ حَسَنَة} بِالنّصب خبر كَانَ
وَالِاسْم مُضْمر فَمَعْنَاه إِن تَكُ زنة الذّرة حَسَنَة
الْمَعْنى إِن تَكُ فعلته حَسَنَة يُضَاعِفهَا
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / يضعفها / بِالتَّشْدِيدِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُضَاعِفهَا} وهما لُغَتَانِ يُقَال
أضعفت الشَّيْء وضعفته كَمَا يُقَال كرمت وأكرمت
{لَو تسوى بهم الأَرْض}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {لَو تسوى} بِضَم
التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك
يود الَّذين كفرُوا
(1/203)
لَو يجعلهم الله تُرَابا فيسوي بَينهم
وَبَين الأَرْض كَا فعل بالبهائم ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم
فَاعله
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {تسوى} بتَشْديد السِّين
وَالْوَاو الأَصْل تتسوى ثمَّ أدغمت التَّاء فِي السِّين أَي
يودون لَو صَارُوا تُرَابا فَكَانُوا سَوَاء هم وَالْأَرْض
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {تسوى} بتَخْفِيف السِّين وَفتح
التَّاء أسْند الْفِعْل إِلَى الأَرْض بِمَعْنى الأول
وَالْأَصْل تتسوى ثمَّ حذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا
مثل {تذكرُونَ} فَأَما وَجه تصير الْفِعْل للْأَرْض فَلِأَن
الْكفَّار إِنَّمَا تمنوا أَن تستوي الأَرْض بهم إِذْ شهِدت
عَلَيْهِم أعضاؤهم فَيَكُونُوا تُرَابا كَمَا قَالَ جلّ وَعز
حِكَايَة عَن الْكفَّار {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت
تُرَابا} قَالَ وَيجوز أَن يُرَاد بالْكلَام يود الَّذين
كفرُوا لَو يستوون هم بِالْأَرْضِ فَيَكُونُوا تُرَابا من
ترابها ثمَّ يحول الْفِعْل إِلَى الأَرْض لأَنهم إِذا تسووا
بهَا فقد تسوت بهم فَيكون كل صنف مِنْهُمَا قد اسْتَوَى
بِصَاحِبِهِ وَقد استعملته الْعَرَب فِي كَلَامهَا قَالَ
الشَّاعِر ... كَأَن لون أرضه سماؤه ...
يُرِيد كَأَن لون سمائه لون أرضه من شدَّة الْغُبَار فَشبه
أرضه بسمائه وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يشبه لون سمائه بلون أرضه
{أَو لامستم النِّسَاء} 43
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَو لمستم النِّسَاء / بِغَيْر
ألف جعلا
(1/204)
الْفِعْل للرِّجَال دون النِّسَاء وحجتهما
أَن اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع كالقبلة والغمزة عَن ابْن عمر
اللَّمْس مَا دون الْجِمَاع أَرَادَ اللَّمْس بِالْيَدِ
وَهَذَا مَذْهَب ابْن مَسْعُود وَسَعِيد بن جُبَير
وَإِبْرَاهِيم وَالزهْرِيّ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لامستم} بِالْألف أَي جامعتم
وَالْمُلَامَسَة لَا تكون إِلَّا من اثْنَيْنِ الرجل يلامس
الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة تلامس الرجل وحجتهم مَا رُوِيَ فِي
التَّفْسِير قَالَ عَليّ بن ابي طَالب صلوَات الله عَلَيْهِ
قَوْله {لامستم النِّسَاء} أَي جامعتم وَلَكِن الله يكني وَعَن
ابْن عَبَّاس
(1/205)
{أَو لامستم} قَالَ هُوَ الغشيان
وَالْجِمَاع وَقَالَ إِن الله كريم يكني عَن الرَّفَث
وَالْمُلَامَسَة والمباشرة والتغشي والإفضاء وَهُوَ الْجِمَاع
{وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو
اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم}
قَرَأَ ابْن عَامر / مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا / بِالنّصب
أَي اسْتثْنِي قَلِيلا مِنْهُم وَالْعرب تنصب فِي النَّفْي
والإيجاب فَتَقول فِي الْإِيجَاب سرت بالقوم إِلَّا زيدا ومررت
بالقوم إِلَّا زيدا وَرَأَيْت الْقَوْم إِلَّا زيدا وَتقول فِي
النَّفْي مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَترفع على الْبَدَل من
أحد كَأَنَّهُ يَصح وَضعه مَكَانَهُ أَن تَقول مَا جَاءَنِي
إِلَّا زيد وَقد يجوز أَن تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا
أَو مَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا فَلَا تَجْعَلهُ بَدَلا
وَلَكِن تَجْعَلهُ اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا أَي أستثني زيدا
فعلى هَذَا قَوْله {إِلَّا قَلِيلا} أَي أستثني قَلِيلا أَو
{إِلَّا قَلِيل} على
(1/206)
الْبَدَل من الْوَاو الْمَعْنى مَا فعله
إِلَّا قَلِيل مِنْهُم
وَاعْلَم أَن الِاخْتِيَار فِي الِاسْتِثْنَاء إِذا كَانَ
منفيا وَكَانَ مَا بعد إِلَّا من جنس مَا قبلهَا فالرفع أولى
على الْبَدَل كَقَوْلِك مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا زيد
وَالنّصب جَائِز فَتَقول مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا زيدا
وَإِذا كَانَ مَا بعد إِلَّا لَيْسَ من جنس مَا قبله فالنصب
أولى كَقَوْلِك مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمارا وَمَاله ابْن
إِلَّا بِنْتا فنصبه على الِاسْتِثْنَاء لِأَن الْحمار لَا
يكون من جنس الْإِنْسَان وَالرَّفْع جَائِز على الْبَدَل قَالَ
الشَّاعِر ... وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير
وَإِلَّا العيس ...
وَجَائِز أَن يكون جعل أنيس ذَلِك الْبَلَد اليعافير والعيس
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا قَلِيل} بِالرَّفْع على الْبَدَل
وَقد ذكرت
(1/207)
{كَأَن لم تكن بَيْنكُم وَبَينه مَوَدَّة}
قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {كَأَن لم تكن بَيْنكُم} بِالتَّاءِ
لتأنيث الْمَوَدَّة كَقَوْلِه / وَلَا تقبل مِنْهَا شَفَاعَة /
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / كَأَن لم يكن / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن
الْمَوَدَّة والود بِمَعْنى وَاحِد كَمَا كَانَت الموعظة
بِمَعْنى الْوَعْظ قَالَ الله جلّ وَعز {فَمن جَاءَهُ موعظة من
ربه} وَأُخْرَى قَالَ أهل الْبَصْرَة فَلَمَّا فصل بَين
الِاسْم وَالْفِعْل بفاصل صَار الْفَاصِل كالعوض من
التَّأْنِيث
{وَالْآخِرَة خير لمن اتَّقى وَلَا تظْلمُونَ فتيلا أَيْنَمَا
تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} 77 و 78
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَا يظْلمُونَ
فتيلا} بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {وَالْآخِرَة خير لمن اتَّقى}
فَأخْبر عَنْهُم وَلم يقل خير لكم وَأَن الْكَلَام أَيْضا جرى
قبل ذَلِك بِلَفْظ الْخَبَر عَنْهُم فَقَالَ {ألم تَرَ إِلَى
الَّذين قيل لَهُم}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا تظْلمُونَ} بِالتَّاءِ أَي
أَنْتُم وهم وحجتهم قَوْله {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم
الْمَوْت}
{فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام
لست مُؤمنا} 94
(1/208)
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فتثبتوا /
بالثاء وَكَذَلِكَ فِي الحجرات أَي فتأنوا وتوقفوا حَتَّى
تتيقنوا صِحَة الْخَبَر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَتَبَيَّنُوا} بِالْيَاءِ وَالنُّون
أَي فافحصوا واكشفوا وحجتهم قَول رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ
أَلا إِن التبين من الله والعجلة من الشَّيْطَان فَتَبَيَّنُوا
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَمْزَة / لمن ألْقى إِلَيْكُم
السّلم / بِغَيْر ألف أَي المقادة والاستسلام وَعَن الرّبيع
قَالَ الصُّلْح
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {السَّلَام} أَي التَّحِيَّة وحجتهم فِي
ذَلِك أَن الْمَقْتُول قَالَ لَهُم السَّلَام عَلَيْكُم
فَقَتَلُوهُ وَأخذُوا سلبه فَأعْلم الله أَن حق من ألْقى
السَّلَام أَن يتَبَيَّن أمره
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي
الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ} 95
(1/209)
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ
{غير أولي الضَّرَر} بِنصب الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالرَّفْع
قَالَ الزّجاج فَأَما الرّفْع فَمن جِهَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن
يكون {غير} صفة للقاعدين وَإِن كَانَ أَصْلهَا أَن تكون صفة
للنكرة الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الَّذين هم غير
أولي الضَّرَر أَي لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الأصحاء
وَالْمُجَاهِدُونَ وَإِن كَانُوا كلهم مُؤمنين قَالَ وَيجوز
أَن يكون {غير} رفعا على جِهَة الِاسْتِثْنَاء الْمَعْنى لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ وَالْمُجَاهِدُونَ إِلَّا أولو
الضَّرَر فَإِنَّهُم يساوون الْمُجَاهدين لِأَن الَّذين أقعدهم
عَن الْجِهَاد الضَّرَر
وَمن نصب جعله اسْتثِْنَاء من القاعدين وَهُوَ اسْتثِْنَاء
مُنْقَطع عَن الأول الْمَعْنى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ
إِلَّا أولي الضَّرَر فَإِنَّهُم يساوون وحجتهم أَن
الْأَخْبَار تظاهرت بِأَن هَذِه الْآيَة لما نزلت شكا ابْن أم
مَكْتُوم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ عَجزه عَن
الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فاستثنى الله أهل الضَّرَر من
القاعدين وَأنزل {غير أولي الضَّرَر}
(1/210)
ويروي عَن زيد بن ثَابت قَالَ كنت أكتب
لرَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ لي اكْتُبْ / لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيل الله / فجَاء عبد الله بن أم مَكْتُوم فَقَالَ يَا
رَسُول الله إِنِّي أحب الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَكِن بِي
من الزمانة مَا قد ترى ذهب بَصرِي قَالَ زيد فَثقلَتْ فَخذ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ على فَخذي حَتَّى خشيت أَن
تَرضهَا ثمَّ سري عَنهُ ثمَّ قَالَ اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر}
وَيجوز أَن يكون غير مَنْصُوبًا على الْحَال الْمَعْنى لَا
يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ فِي حَال صحتهم وَالْمُجَاهِدُونَ
كماتقول جَاءَنِي زيد غير مَرِيض أَي جَاءَنِي زيد صَحِيحا
{وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضات الله فَسَوف نؤتيه أجرا
عَظِيما وَمن يُشَاقق الرَّسُول} {نوله مَا تولى} 114 و 115
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة / وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء
مرضاة الله فَسَوف يؤتيه / بِالْيَاءِ أَي فَسَوف يؤتيه الله
وحجتهما أَنه قرب من ذكر الله وَهُوَ قَوْله {مرضات الله}
فَجعلَا الْفِعْل بعده على لفظ مَا تقدمه ليأتلف نظام
الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد
(1/211)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَسَوف نؤتيه}
بالنُّون وحجتهم فِي قَوْله قبل آيَات {وَمن يُقَاتل فِي
سَبِيل الله فَيقْتل أَو يغلب فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما}
فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
قَوْله نوله ونصله قد مضى ذكرهَا
{فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ نقيرا}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فَأُولَئِك يدْخلُونَ
الْجنَّة} بِضَم الْيَاء وَفتح الْخَاء على مَا لم يسم فَاعله
وَكَذَلِكَ فِي مَرْيَم وحم الْمُؤمن وحجتهم قَوْله {وَأدْخل
الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَأُخْرَى ذكرهَا
اليزيدي فَقَالَ ذَلِك إِذا كَانَ بعْدهَا مَا يؤكدها مثل
{وَلَا يظْلمُونَ} و {يرْزقُونَ} و {يحلونَ} لِأَن الْأُخْرَى
توكيد الأو فَإِذا كَانَ لم يكن مَعهَا ذَلِك فالياء
مَفْتُوحَة مثل قَوْله فِي الرَّعْد
(1/212)
{جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} وَفِي النَّحْل
{جنَّات عدن يدْخلُونَهَا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِفَتْح الْيَاء
وَضم الْخَاء وحجتهم قَوْله {ادخلوها بِسَلام آمِنين}
{ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَكَانَ أَمر
الله إيَّاهُم أَن يدخلوها دَلِيلا على إِسْنَاد الْفِعْل
إِلَيْهِم اعْلَم أَن الْمَعْنيين متداخلان لأَنهم إِذا
أدخلُوا دخلُوا وَإِذا دخلُوا فبإدخال الله إيَّاهُم يدْخلُونَ
فَأَما {سيدخلون جَهَنَّم} فَفتح أَبُو عَمْرو لِأَنَّهُ لم
يَأْتِ بعده مَا يؤكده مثل مَا جَاءَ فِي سَائِر الْقُرْآن من
{يرْزقُونَ} و {لَا يظْلمُونَ}
{فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن يصلحا} بِضَم
الْيَاء وَسُكُون الصَّاد وَكسر اللَّام وحجتهم فِي ذَلِك أَن
الْعَرَب إِذا جَاءَت مَعَ الصُّلْح ب بَين قَالَت أصلح
الْقَوْم بَينهم وَأصْلح الرّجلَانِ بَينهمَا قَالَ الله جلّ
وَعز {فأصلحوا بَينهمَا} وَإِذا لم تأت ب بَين قَالُوا تصالح
الْقَوْم وتصالح الرّجلَانِ فَفِي مَجِيء {بَينهمَا} مَعَ
قَوْله {أَن يصلحا} دَلِيل وَاضح على صِحَة مَا قُلْنَا
وَأُخْرَى لَو كَانَ الصَّوَاب يصالحا لجاء الْمصدر على لفظ
الْفِعْل فَقيل تصالحا لَا صلحا فَلَمَّا جِيءَ بِالْمَصْدَرِ
على غير بِنَاء الْفِعْل دلّ ذَلِك على أَنه صدر على غير هَذَا
اللَّفْظ
(1/213)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يصالحا / بِفَتْح
الْيَاء وَتَشْديد الصَّاد وَفتح اللَّام أَي يتصالحا فأدغموا
التَّاء فِي الصَّاد لقرب مخرجهما وحجتهم أَن الْمَعْرُوف من
كَلَام الْعَرَب إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ مشاجرة أَن
يَقُولُوا تصالح الْقَوْم فهم يتصالحون وَلَا يكادون
يَقُولُونَ أصلح الْقَوْم فهم مصلحون وَأُخْرَى أَنه لَو كَانَ
الْوَجْه أَن يصلحا لخرج مصدره على لَفظه فَقيل إصلاحا قلت
هَذَا غير لَازم لَهُم وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تضم الِاسْم
مَوضِع الْمصدر فَتَقول هَذَا يَوْم الْعَطاء أَي يَوْم
الْإِعْطَاء وَفِي التَّنْزِيل وأنبتها نباتا حسنا وَلم يقل
إنباتا
(1/214)
{وَإِن تلووا أَو تعرضوا فَإِن الله كَانَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا}
قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر وَإِن / تلوا أَو تعرضوا / بِضَم
اللَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن تلووا} بواوين من لويت فلَانا
حَقه ليا أَي دافعته وماطلته يُقَال لوى فلَانا غَرِيمه
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال رجل ليان وَامْرَأَة ليانة أَي
مماطلة فَمَعْنَى {تلووا} تدافعوا وتمطلوا وحجتهم فِي ذَلِك
مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير إِن لوى الْحَاكِم فِي قَضيته فَإِن
الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا وَأُخْرَى روى ابْن جريج
عَن مُجَاهِد {وَإِن تلووا} أَي تبدلوا الشَّهَادَة {أَو
تعرضوا} أَي تكتوها فَذهب مُجَاهِد أَن هَذَا خطاب من الله جلّ
وَعز للشهداء لَا للحكام وَاصل الْكَلِمَة تلويوا فاستثقلوا
(1/215)
الضمة على الْيَاء فحذفوها وحذفت الْيَاء
لالتقاء الساكنين ثمَّ ضمُّوا الْوَاو لمجاورتها الثَّانِيَة
وَمن قَرَأَ بواو وَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون
أَصله تلووا فأبدل من الْوَاو المضمومة همزَة فَصَارَ تلؤوا
بِإِسْكَان اللَّام ثمَّ طرحت الْهمزَة وطرحت حركتها على
اللَّام فَصَارَ تلوا وَيجوز أَن يكون من الْولَايَة من قَوْلك
وليت الحكم وَالْقَضَاء بَين الرجلَيْن أَي إِن قُمْتُم
بِالْأَمر أَو أعرضتم فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرا وَالْأَصْل توليوا فحذفت الْوَاو كَمَا حذفنا من يعد
فَصَارَ تليوا ثمَّ حذفنا الْيَاء ونقلنا الضمة إِلَى اللَّام
فَصَارَ تلوا
{آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله
وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل}
قَرَأَ ابْن كثير وابو عَمْرو وَابْن عَامر {وَالْكتاب الَّذِي
نزل على رَسُوله} بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي {وَالْكتاب
الَّذِي أنزل من قبل} بِضَم الْألف وَكسر الزَّاي على مَا لم
يسم فَاعله وحجتهم قَوْله
(1/216)
{وآمنوا بِمَا نزل على مُحَمَّد} وَقَوله
{وَمَا أنزل إِلَيْنَا} و {علينا} واشباه ذَلِك قَرَأَ
الْبَاقُونَ {نزل} {أنزل} وحجتهم أَنه قرب من ذكر الله فِي
قَوْله {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله}
{وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن}
قَرَأَ عَاصِم {وَقد نزل عَلَيْكُم} بِفَتْح النُّون وَالزَّاي
نسقه على ذكر الله قبل الْآيَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم
النُّون وَكسر الزَّاي جعلُوا خَبرا مستأنفا
{وَإِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى}
قَرَأَ الْكسَائي فِي رِوَايَة نصير {كسَالَى} بإمالة الْألف
الَّتِي قبل اللَّام وَكسر السِّين وحجته فِي ذَلِك أَنه لما
أمال الْألف الَّتِي بعد اللَّام أمال الْألف الَّتِي قبل
اللَّام بإمالة اللَّام فتبعتها السِّين وَكَذَلِكَ حجَّته فِي
{سكارى} و {يتامى} و {النَّصَارَى} و {أُسَارَى}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح السِّين وحجتهم أَن الْفَتْح
بَاب السِّين لمجيء الْألف بعْدهَا
(1/217)
{إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل
من النَّار}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فِي الدَّرك} بِسُكُون
الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الرَّاء وهما لُغَتَانِ
مثل النَّفر والنفر والطرد والطرد
{وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله} {أُولَئِكَ سَوف
يُؤْتِيهم أُجُورهم} 152
قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {أُولَئِكَ سَوف يُؤْتِيهم}
بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجته قَوْله {وَالَّذين آمنُوا
بِاللَّه وَرُسُله}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / نؤتيهم / بالنُّون أَي نَحن نؤتيهم
{وَقُلْنَا لَهُم لَا تعدوا فِي السبت}
قَرَأَ نَافِع {لَا تعدوا} سَاكِنة الْعين مُشَدّدَة الدَّال
وحجته قَوْله {وَكَانُوا يعتدون} وَالْأَصْل لَا تَعْتَدوا
ثمَّ سكن التَّاء وأدغم فِي الدَّال فَصَارَ تعدوا
وَقَرَأَ ورش {لَا تعدوا} بِفَتْح الْعين نقل فَتْحة التَّاء
إِلَى الْعين مثل يهدي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تعدوا} خَفِيفَة الدَّال من قَوْلك
عدا يعدو إِذا جَاوز فِي الحدر وحجتهم قَوْله {إِذْ يعدون فِي
السبت}
(1/218)
{أُولَئِكَ سنؤتيهم أجرا عَظِيما}
قَرَأَ حَمْزَة / أُولَئِكَ سيؤتيهم / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا
عَن الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سنؤتيهم} بالنُّون أخبر عَن
نَفسه أَي نَحن سنؤتيهم
{وآتينا دَاوُد زبورا}
قَرَأَ حَمْزَة {وآتينا دَاوُد زبورا} بِرَفْع الزَّاي أَي
كتبا وصحفا جمع زبر وزبور ك بَيت وبيوت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {زبورا} بِالْفَتْح وحجتهم أَن الْآثَار
كَذَا جَاءَت زبور دَاوُود وكما جَاءَ توراة مُوسَى وإنجيل
عِيسَى |