حجة القراءات

6 - سُورَة الْأَنْعَام
{من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ فقد رَحمَه}

(1/242)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {من يصرف} بِفَتْح الْيَاء وَكسر الرَّاء أَي من يصرف الله عَنهُ الْعَذَاب يؤمئذ
وحجتهم قَوْله قبلهَا {قل لمن مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض قل لله} فَكَذَلِك {من يصرف عَنهُ} وَأُخْرَى أَنه ختم الْكَلَام بِمثل معنى يصرف فَقَالَ {فقد رَحمَه} وَلم يقل فقد رحم فَيكون على نَظِيره مِمَّا لم يسم فَاعله فَكَانَ التَّوْفِيق بَين أَوله وَآخره أولى من أَن يُخَالف بَينهمَا فَجعل آخِره مثل الأول مُلْحقًا بِهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من يصرف عَنهُ} بِضَم الْيَاء وَفتح الرَّاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم أَن هَذَا الْوَجْه أقل إضمارا لِأَنَّهُ إِذا قَالَ {من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ فقد رَحمَه} أَي فقد رَحمَه الله لِأَنَّهُ تقدمه {إِن عصيت رَبِّي} وَفِي {يصرف} ذكر الْعَذَاب وَإِذا قَالَ {من يصرف} أضمر ذكر الْعَذَاب وَفِي قراءتهم ذكر الْعَذَاب فِي {يصرف} فَحسب

{ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين}
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {ثمَّ لم تكن} بِالتَّاءِ {فتنتهم} رفع جعلُوا الْفِتْنَة اسْم كَانَ وَالْخَبَر {إِلَّا أَن قَالُوا} لِأَن أَن مَعَ الْفِعْل فِي تَقْدِير المصد ر الْمَعْنى ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ثمَّ لم تكن} بِالتَّاءِ {فتنتهم} نصب جعلُوا الْفِتْنَة خَبرا وَالِاسْم {إِلَّا أَن قَالُوا} وَتَقْدِير الْكَلَام ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم يُقَال لم أنث تكن وَالِاسْم مُذَكّر الْجَواب إِنَّمَا أنث لِأَن الْفِعْل لما جَاءَ ملاصقا للفتنة أنث لتانيثها وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْفِتْنَة هِيَ القَوْل وَالْقَوْل هُوَ الْفِتْنَة فَجَاز أَن يحل مَحَله

(1/243)


وَلَا يُؤثر فِي الْخَبَر إِلَّا فِيمَا كَانَ الأول بِعَيْنِه نَحْو كَانَ زيد أَخَاك فَالْخَبَر هُوَ الِاسْم فَكَذَلِك الْفِتْنَة هِيَ القَوْل
وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن الْمصدر قد يقدر مؤنثا ومذكرا التَّقْدِير ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا مقالتهم وَالِاسْم مؤنث
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / ثمَّ لم يكن / بِالْيَاءِ {فتنتهم} نصبا جعلا {أَن قَالُوا} الِاسْم التَّقْدِير ثمَّ لم يكن فتنتهم إِلَّا قَوْلهم وحجتهما إِجْمَاع الْقُرَّاء على نصب قَوْله {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} وَأُخْرَى وَهِي أَن فِي حرف عبد الله / فَمَا كَانَ فتنتهم / فَهَذَا دَلِيل على التَّذْكِير
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالله رَبنَا} بِالنّصب أَي يَا رَبنَا على النداء وحجتهما أَن الْآيَة ابتدئت بمخاطبة الله إيَّاهُم إِذْ قَالَ للَّذين أشركوا {أَيْن شركاؤكم} فَجرى جوابهم إِيَّاه على نَحْو سُؤَاله لمخاطبتهم إِيَّاه فَقَالُوا {وَالله رَبنَا} بِمَعْنى وَالله يَا رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَأَجَابُوهُ مخاطبين لَهُ كَمَا سَأَلَهُمْ مخاطبين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالله رَبنَا} خفضا على النَّعْت وَالثنَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّك إِذا قلت أَحْلف بِاللَّه رَبِّي كَانَ أحسن من أَن تَقول أَحْلف بِاللَّه يَا رب

{فَقَالُوا يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ}

(1/244)


قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {فَقَالُوا يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون} بِنصب الْيَاء وَالنُّون جعلاه جَوَاب التَّمَنِّي لِأَن الْجَواب بِالْوَاو ينصب كَا ينصب بِالْفَاءِ قَالَ الشَّاعِر ... لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم ...

وكما تَقول ليتك تصير إِلَيْنَا ونكرمك الْمَعْنى لَيْت مصيرك يَقع وإكرامنا وَيكون الْمَعْنى لَيْت ردنا وَقع وَلَا نكذب أَي إِن رددنا لم نكذب
وَقَرَأَ ابْن عَامر {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب} بِالرَّفْع {ونكون} بِالنّصب جعل الأول نسقا وَالثَّانِي جَوَابا كَأَنَّهُ قَالَ وَنحن لَا نكذب ثمَّ رد الْجَواب إِلَى {يَا ليتنا} الْمَعْنى يَا ليتنا نرد فنكون من الْمُؤمنِينَ
وحجته قَوْله {لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون} بِالرَّفْع فيهمَا جعلُوا الْكَلَام مُنْقَطِعًا عَن الأول قَالَ الزّجاج الْمَعْنى أَنهم تمنوا الرَّد وضمنوا أَنهم لَا يكذبُون الْمَعْنى يَا ليتنا نرد وَنحن لَا نكذب بآيَات رَبنَا رددنا أم لم نرد ونكون من الْمُؤمنِينَ أَي عانينا وشاهدنا مَا لَا نكذب مَعَه أبدا قَالَ وَيجوز الرّفْع على وَجه آخر على معنى يَا ليتنا نرد وَيَا ليتنا لَا نكذب بآيَات رَبنَا كَأَنَّهُمْ تمنوا الرَّد والتوفيق للتصديق

(1/245)


{وللدار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون} 32
قَرَأَ ابْن عَامر {ولدار الْآخِرَة} بلام وَاحِدَة {الْآخِرَة} جر وحجته فِي ذَلِك إِجْمَاع الجمي على قَوْله فِي سُورَة يُوسُف {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم ولدار الْآخِرَة} بلام وَاحِدَة فَرد ابْن عَامر مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وللدار الْآخِرَة} بلامين الْآخِرَة رفع نعت وحجتهم مَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف {وَالدَّار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم أَفلا تعقلون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم أَن صدر الْآيَة خبر

{قد نعلم إِنَّه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}
قَرَأَ نَافِع {ليحزنك} بِضَم الْيَاء وَكسر الزَّاي فِي جَمِيع الْقُرْآن إِلَّا فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهُ قَرَأَ {لَا يحزنهم} بِفَتْح الْيَاء وَضم الزَّاي فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم خَالف أَصله الْجَواب عَنهُ مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ أَن بَين أحزنته وحزنته فرقانا وَهُوَ أَن أحزنته أدخلته فِي الْحزن وحزنته أوصلت إِلَيْهِ الْحزن فَقَوْلهم {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} أَي لَا يصيبهم أدنى حزن فَإِذا قلت أحزنته أَي أدخلته فِي الْحزن أَي أحَاط بِهِ وَمَا اهْتَدَى إِلَى هَذَا الْفرْقَان غير نَافِع

(1/246)


قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} بِإِسْكَان الْكَاف وَتَخْفِيف الذَّال قَالَ الْكسَائي معنى لَا يكذبُونَك أَنهم لَيْسُوا يكذبُون قَوْلك فِيمَا سوى ذَلِك قَالَ وَالْعرب تَقول أكذبت الرجل إِذْ إخبرت أَنه جَاءَ بِالْكَذِبِ وكذبته أخْبرت أَنه كَاذِب فَكَانَ الْكسَائي يذهب إِلَى أَن الإكذاب يكون فِي بعض حَدِيث الرجل وأخباره الَّتِي يَرْوِيهَا والتكذيب يكون فِي كل مَا أخبر أَو حدث بِهِ وَهَذَا معنى قَول الْفراء وَذَاكَ أَنه قَالَ معنى التَّخْفِيف وَالله أعلم لَا يجعلونك كذابا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن مَا جِئْت بِهِ بَاطِل لأَنهم لم يجربوا عَلَيْهِ كذبا فيكذبوه إِنَّمَا أكذبوه أَي مَا جِئْت بِهِ كذب لَا نعرفه وَالتَّفْسِير يصدق قَوْلهم
رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه قَالَ إِن أَبَا جهل قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله إِنَّا لَا نكذبك إِنَّك عندنَا لصَادِق وَلَكِن نكذب الَّذِي جِئْت بِهِ فَأنْزل الله الاية
وحجتهم فِي ذَلِك قَوْله جلّ وَعز {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق} أَي قَالُوا مَا جئتنا بِهِ كذب إِذْ لم يقل وَكَذبَك قَوْمك وَهُوَ الْحق كَأَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ كذب أَخَذته عَن غَيْرك كَمَا قَالَ جلّ وَعز {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر}
وَقد اخْتلف فِي ذَلِك المتقدمون فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب فَإِنَّهُم

(1/247)


لَا يكذبُونَك أَي لَا يبطلون مَا فِي يَديك وَقَالَ قطرب أكذبت الرجل إِذا دللت على كذبه فَكَانَ تَأْوِيل ذَلِك لَا يدلون على كَذبك ببرهان يبطل مَا جئتهم بِهِ وَقَالَ ابْن مُسلم {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا يجدونك كَاذِبًا تَقول أكذبت الرجل إِذا وجدته كَاذِبًا كَمَا تَقول أحمدت الرجل إِذا وجدته مَحْمُودًا
وَكَانَ قوم من أهل الْعَرَبيَّة يذهبون إِلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مثل أوفيت الرجل حَقه ووفيته وأعظمته وعظمته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} بِالتَّشْدِيدِ قَالَ ابْن عَبَّاس لَا يسمونك كذابا وَلَكنهُمْ يُنكرُونَ آيَات الله بألسنتهم وَقُلُوبهمْ موقنة بِأَنَّهَا من عِنْد الله وحجتهم مَا وَرَاه اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ

(1/248)


وتصديقها قَوْله بعْدهَا {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك فصبروا على مَا كذبُوا} فَتَأْوِيل ابي عَمْرو فَإِن الْكفَّار لَا يكذبُونَك جهلا مِنْهُم بِصدق قَوْلك بل هم موقنون بأنك رَسُول من عِنْد رَبهم وَلَكنهُمْ يكذبُونَك قولا
وَقَالَ الزّجاج وَتَفْسِير {لَا يكذبُونَك} أَي لَا يقدرُونَ أَن يَقُولُوا لَك فِيمَا أنبأت بِهِ مِمَّا فِي كتبهمْ كذبت وَوجه آخر أَنهم لَا يكذبُونَك بقلوبهم أَي يعلمُونَ أَنَّك صَادِق وَالَّذِي يدل على هَذَا القَوْل أَنهم لَا يكذبُونَك بقلوبهم قَوْله {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون} والجحد أَن تنكر بلسانك مَا تستيقنه فِي نَفسك أَلا ترى أَنَّك تَقول جحدني حَقي قَالَ الله جلّ وَعز {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم} وَكَانَ ابْن عَبَّاس يحْتَج بِهَذَا
وَقد اخْتلف فِي ذَلِك أهل الْعَرَبيَّة فَقَالَ عبد الله ابْن مُسلم {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا ينسبونك إِلَى الْكَذِب تَقول كذبت الرجل أَي نسبته إِلَى الْكَذِب وظلمته أَي نسبته إِلَى الظُّلم
وَقَالَ بعض أهل الْعَرَبيَّة {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} أَي لَا يصححون عَلَيْك الْكَذِب تَقول كَذبته أَي صححت عَلَيْهِ الْكَذِب

{قل أَرَأَيْتكُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله} 40

(1/249)


قَرَأَ نَافِع {قل أَرَأَيْتكُم} و {أَرَأَيْتُم} بِالْألف من غير همز وحجته فِي ذَلِك أَنه كره أَن يجمع بَين همزتين أَلا ترى أَنه قَرَأَ {وَإِذا رَأَيْت} بِالْهَمْز لِأَنَّهُ لم يتقدمه همزَة الِاسْتِفْهَام فَيتْرك الثَّانِيَة
وَقَرَأَ الْكسَائي / أريتكم / بِغَيْر همزَة وَلَا ألف وحجته إِجْمَاع الْعَرَب على ترك الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل فِي وَقَوْلهمْ ترى ونرى فَبنِي الْمَاضِي على الْمُسْتَقْبل مَعَ زِيَادَة الْهمزَة فِي أَولهَا فَإِذا لم تكن فِي أَولهَا همزَة الِاسْتِفْهَام لم يتْرك الْهمزَة مثل رَأَيْت لِأَن من شَرطه إِذا تقدمها همزَة الِاسْتِفْهَام فَحِينَئِذٍ يستثقل الْجمع بَينهمَا وَأُخْرَى وَهِي أَنَّهَا كتبت فِي المصافح بِغَيْر ألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَرَأَيْتكُم} و {أَرَأَيْتُم} بِالْهَمْزَةِ وحجتهم أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِيمَا كَانَ من غير اسْتِفْهَام فَكَذَلِك إِذا دخل حرف الِاسْتِفْهَام فالحرف على أَصله أَلا ترى أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي قَوْله {رَأَيْت الْمُنَافِقين} و {وَرَأَيْت النَّاس}

{فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء}
قَرَأَ ابْن عَامر {فتحنا عَلَيْهِم} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وحجته قَوْله {أَبْوَاب كل شَيْء} الْأَبْوَاب فَذكر الْأَبْوَاب وَمَعَ الْأَبْوَاب تشدد كَمَا قَالَ {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَكَذَلِكَ قَرَأَ فِي الْأَعْرَاف والأنبياء وَالْقَمَر بِالتَّشْدِيدِ

(1/250)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن التَّخْفِيف يصلح للقليل وللكثير

{وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي}
قَرَأَ ابْن عَامر / بالغدوة والعشي / بِالْوَاو وَضم الْغَيْن وحجته فِي ذَلِك أَنه وجده فِي الْمُصحف بِالْوَاو فَقَرَأَ ذَلِك اتبَاعا لِلْخَطِّ فَإِن قيل لم أَدخل الْألف وَاللَّام على الْمعرفَة فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب تدخل الْألف وَاللَّام على الْمعرفَة إِذا جاورتها فِيهِ الْألف وَاللَّام ليزدوج الْكَلَام كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... رَأَيْت الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأحناء الْخلَافَة كَاهِله ...

فَأدْخل الْألف وَاللَّام فِي اليزيد لما جاور الْوَلِيد فَكَذَلِك أَدخل الْألف وَاللَّام فِي / الغدوة / لما جاور {والعشي}
وقرا الْبَاقُونَ {بِالْغَدَاةِ} وَهَذَا هُوَ الْوَجْه لِأَن غَدَاة نكرَة وغدوة معرفَة وَلَا تسْتَعْمل بالأل وَاللَّام وَدخلت على غَدَاة لِأَنَّهَا نكرَة وَالْمعْنَى وَالله أعلم وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي أَي غَدَاة كل يَوْم

{كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم}

(1/251)


قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل} {فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} الْألف فيهمَا مَفْتُوحَة
قَالَ الزّجاج مَوضِع {إِن} الأولى النصب الْمَعْنى كتب ربكُم على نَفسه الْمَغْفِرَة وَهِي بدل من الرَّحْمَة كَأَنَّهُ قَالَ كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة وَهِي الْمَغْفِرَة للمذنبين التائبين لِأَن معنى أَنه غَفُور رَحِيم الْمَغْفِرَة مِنْهُ فَيجْعَل أَنه بَدَلا من الرَّحْمَة وتفسيرا عَنْهَا قَالَ وَيجوز أَن تكون أَن الثَّانِيَة وَقعت مُؤَكدَة للأولى لِأَن الْمَعْنى كتب ربكُم أَنه غَفُور رَحِيم فَلَمَّا طَال الْكَلَام أُعِيد ذكر أَن
وَقَالَ أَبُو حَاتِم يجوز أَن تكون فِي مَوضِع رفع على ضمير هِيَ أَنه كَأَنَّهُ فسر الرَّحْمَة فَقَالَ هِيَ أَنه وَحمل الثَّانِي على الأول لِأَن الْمَعْنى كتب ربكُم أَنه غَفُور رَحِيم للَّذي يَتُوب وَيصْلح
وَقَرَأَ نَافِع {أَنه من عمل مِنْكُم} بِفَتْح الْألف {فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} بِالْكَسْرِ جعل الْفَاء جَوَاب الشَّرْط ل من واستأنف كَقَوْلِه {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَكَقَوْلِه {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} وَقَالَ الزّجاج من فتح الأولى وَكسر الثَّانِيَة فَالْمَعْنى

(1/252)


رَاجع إِلَى الْمصدر وكأنك لم تذكر إِن الثَّانِيَة الْمَعْنى كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة إِنَّه غَفُور رَحِيم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ إِنَّه فَإِنَّهُ بِكَسْر الْألف فيهمَا على مَذْهَب الْحِكَايَة كَأَنَّهُ لما قَالَ {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} قَالَ {أَنه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} {ولتستبين سَبِيل الْمُجْرمين}
قَرَأَ نَافِع {ولتستبين} بِالتَّاءِ {سَبِيل} نصب أَي ولتستبين أَنْت يَا مُحَمَّد سَبِيل الْمُجْرمين فَإِن قَالَ قَائِل أفلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله مستبينا سَبِيل الْمُجْرمين فَالْجَوَاب فِي هَذَا إِن جَمِيع مَا يُخَاطب بِهِ الْمُؤْمِنُونَ يُخَاطب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قيل ولتستبينوا سَبِيل الْمُجْرمين أَي لتزدادوا استبانة لَهَا وَلم يحْتَج إِلَى أَن يَقُول ولتستبين سَبِيل الْمُؤمنِينَ مَعَ ذكر سَبِيل الْمُجْرمين لِأَن سَبِيل الْمُجْرمين إِذا بَانَتْ فقد بَان مَعهَا سَبِيل الْمُؤمنِينَ
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / وليستبين / بِالْيَاءِ {سَبِيل} رفع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ
اعْلَم أَن السَّبِيل يذكر وَيُؤَنث جَاءَ الْقُرْآن بِالْوَجْهَيْنِ فالتأنيث قَوْله {ويصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا} و {قل هَذِه سبيلي} والتذكير قَوْله {وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا وَإِن يرَوا سَبِيل الغي يتخذوه سَبِيلا}

(1/253)


{إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَعَاصِم {إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق} بِضَم الْقَاف وَالصَّاد الْمَعْنى إِن جَمِيع مَا أنبأ بِهِ أَو أَمر بِهِ فَهُوَ من أقاصيص الْحق وَاحْتج ابْن عَبَّاس على هَذِه الْقِرَاءَة بقوله {نَحن نقص عَلَيْك} وَقَالَ {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل} و {ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي} وَأُخْرَى قَالَ مُجَاهِد لَو كَانَ يقْضِي لكَانَتْ يقْضِي بِالْحَقِّ وَالْعرب تَقول قضيت بِالْحَقِّ قَالَ الله جلّ وَعز {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} بِإِثْبَات الْيَاء وَالْبَاء مَعَ الْقَضَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يقْضِي الْحق / بالضاد وَسُكُون الْقَاف من قضى يقْضِي إِذا حكم وَفصل وحجتهم قَوْله {وَهُوَ خير الفاصلين} والفصل يكون فِي الْقَضَاء لَا فِي الْقَصَص وَكَانَ أَبُو عَمْرو يعْتَبر بِهَذِهِ وَقَالَ إِنَّمَا الْفَصْل فِي الْقَضَاء لَا فِي الْقَصَص وَكَانَ الْكسَائي يَعْتَبِرهَا بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود قَالَ وَفِي قِرَاءَته {يقْضِي بِالْحَقِّ}

{توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون}
قَرَأَ حَمْزَة / توفه رسلنَا / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا جائزان لِأَن الْجَمَاعَة يلْحقهَا اسْم التَّأْنِيث لِأَن مَعْنَاهَا معنى جمَاعَة وَيجوز أيعبر عَنْهَا بِلَفْظ التَّذْكِير كَمَا يُقَال جمع الرُّسُل والتأنيث

(1/254)


كَمَا قَالَ {قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ}

{تَدعُونَهُ تضرعا وخفية لَئِن أنجانا من هَذِه لنكونن من الشَّاكِرِينَ قل الله ينجيكم مِنْهَا وَمن كل كرب} 63 و 64
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَئِن أنجانا من هَذِه} بِغَيْر تَاء على لفظ الْخَبَر عَن غَائِب بِمَعْنى لَئِن أنجانا الله وحجتهم أَنَّهَا فِي مصاحفهم بِغَيْر تَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَئِن أنجيتنا} بِالتَّاءِ على الْخطاب لله أَي لَئِن أنجيتنا يَا رَبنَا وحجتهم مَا فِي يُونُس {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل الله ينجيكم مِنْهَا} بِالتَّشْدِيدِ من نجى يُنجي وحجتهم إِجْمَاعهم على تَشْدِيد قَوْله قبلهَا {قل من ينجيكم من ظلمات} فَكَانَ إِلْحَاق نَظِير لَفظه بِهِ أولى من الْمُخَالفَة بَين اللَّفْظَيْنِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل الله ينجيكم} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {لَئِن أنجيتنا من هَذِه} وَلم يقل نجيتنا
قَرَأَ أبوبكر {تضرعا وخفية} بِكَسْر الْخَاء وَفِي الْأَعْرَاف مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ مثل رشوة ورشوة من أخفيت الشَّيْء إِذا سترته وَالَّتِي فِي خَاتِمَة الْأَعْرَاف {تضرعا وخيفة} وَهُوَ من الْخَوْف فتقلب الْوَاو يَاء للكسرة الَّتِي فِي الْخَاء

(1/255)


{وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان فَلَا تقعد بعد الذكرى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين}
قَرَأَ ابْن عَامر {وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان} بِالتَّشْدِيدِ تَقول نسيت الشَّيْء وأنساني غَيْرِي ونساني أَيْضا وحجته مَا جَاءَ فِي الحَدِيث لَا يَقُولَن أحدكُم نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا بل هُوَ نسي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِمَّا ينسينك} بِالتَّخْفِيفِ من أنساني غَيْرِي وحجتهم قَوْله {فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه} وَلم يقل فنساه

{كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين}
قَرَأَ حَمْزَة {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} بِالْيَاءِ ذهب إِلَى جمع الشَّيَاطِين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {استهوته} بِالتَّاءِ ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الشَّيَاطِين

{فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكبا} {فَلَمَّا رأى الْقَمَر} {فَلَمَّا رأى الشَّمْس} 76 78
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكبا} بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَإِنَّمَا كسر الْهمزَة لمجاورة الْيَاء وَالْألف هِيَ الممالة وأشير إِلَى كسر الْهمزَة كَمَا يشار إِلَى كسر الْمِيم فِي قَوْله {وَلَكِن الله رمى} وَإِلَى كسر الضَّاد فِي قَوْله ثمَّ قضى فَكَذَلِك كسر الْهمزَة لمجاورة الْألف الممالة

(1/256)


قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {رأى كوكبا} بِكَسْر الرَّاء وَإِنَّمَا كسروا الرَّاء لمجاورة الْهمزَة وَمن الْعَرَب من يَقُول رمى بِكَسْر الرَّاء وَالْمِيم
وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَحَفْص بِفَتْح الرَّاء والهمزة على أصل الْكَلِمَة وَالْأَصْل رأى مثل رعى فقلبوا الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَت ألفا فِي اللَّفْظ يَاء فِي الْخط
قَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر {رأى الْقَمَر} و {رأى الشَّمْس} بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْهمزَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الرَّاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن الرَّاء إِنَّمَا كسرت لمجاورة الْهمزَة الْمَكْسُورَة والهمزة كسرت لمجاورة الْيَاء فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء عَادَتْ الْهمزَة إِلَى أَصْلهَا فَلَمَّا عَادَتْ الْهمزَة إِلَى أَصْلهَا عَادَتْ الرَّاء إِلَى أَصْلهَا
وَحجَّة من كسر الرَّاء وَفتح الْهمزَة أَن الْيَاء لما سَقَطت فَعَادَت الْهمزَة إِلَى الْفَتْح الَّذِي هُوَ أَصْلهَا لم يبْق فِي الْفِعْل مَا يدل على مذْهبه فَترك فِي الرَّاء من الْكسر مَا يدل على مذْهبه

{أتحاجوني فِي الله}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أتحاجوني} بتَخْفِيف النُّون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أتحاجوني} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل أتحاجونني بنونين الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ يَاء الْمُتَكَلّم فِي مَوضِع النصب

(1/257)


فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد فأدغموا الأولى فِي الثَّانِيَة وَمثله {أفغير الله تأمروني}
وَأما نَافِع فَإِنَّهُ كره الْجمع بَين نونين فَحذف إِحْدَى النونين طلبا للتَّخْفِيف وحجته قَول الشَّاعِر ... ترَاهُ كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إِذا فليني ...

أَرَادَ فلينني فَحذف إِحْدَى النونين

{نرفع دَرَجَات من نشَاء}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نرفع دَرَجَات من نشَاء} بِالتَّنْوِينِ جعلُوا الْمَرْفُوع هُوَ الْإِنْسَان وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله قد بَين معنى هَذَا الْكَلَام فِي غير مَوضِع من الْقُرْآن فَجعل الْمَرْفُوع هُوَ الْإِنْسَان وَبَين فضل من أحب أَن يفضله بِأَن يرفعهُ فَقَالَ {يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم} وَقَالَ {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما} فجعلهم هم المرفوعين دون الدَّرَجَات وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير الْمَعْنى نرفع من نشَاء دَرَجَات وَمن فِي مَوضِع النصب ونجعل دَرَجَات مَفْعُولا ثَانِيًا أَو حَالا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نرفع دَرَجَات} بِغَيْر تَنْوِين وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ كَقَوْلِك نرفع أَعمال من نشَاء فَجعل اليزيدي

(1/258)


الرّفْع للأعمال دون الْإِنْسَان وَالَّذِي يدل على هَذَا أَن الْآثَار قد جَاءَت فِي الدُّعَاء مُضَافَة كَقَوْلِهِم للْمَيت اللَّهُمَّ شرف بُنْيَانه وارفع دَرَجَته وَلَا يُقَال ارفعه وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير فِي قَوْله {نرفع دَرَجَات من نشَاء} أَي فِي الْعلم {وَإِسْمَاعِيل وَالْيَسع}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / والليسع / بلامين وحجتهما فِي ذَلِك أَن الليسع اشبه بالأسماء الأعجمية وَدخُول الْألف وَاللَّام فِي اليسع قَبِيح لِأَنَّك لَا تَقول اليزيد وَلَا اليحي وَتَشْديد اللَّام أشبه بالأسماء العجمية
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالْيَسع} بلام وَاحِدَة وحجتهم ذكرهَا اليزيدي عَن أبي عَمْرو فَقَالَ هُوَ مثل الْيُسْر وَإِنَّمَا هُوَ يسر ويسع فَردَّتْ الْألف وَاللَّام فَقَالَ اليسع مثل اليحمد قَبيلَة من الْعَرَب واليرمع الْحِجَارَة وَالْأَصْل يسع مثل يزِيد وَإِنَّمَا تدخل الْألف وَاللَّام عِنْد الْفراء للمدح فَإِن كَانَ عَرَبيا فوزنه يفعل وَالْأَصْل يُوسع مثل يصنع وَإِن كَانَ أعجميا لَا اشتقاق لَهُ فوزنه فعل تجْعَل الْيَاء أَصْلِيَّة
قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ الْكسَائي يقْرَأ الليسع وَيَقُول لَا يكون

(1/259)


اليفعل كَمَا لَا يكون اليحي قَالَ فَقلت لَهُ اليرمع واليحمد حَيّ من الْيمن فَسكت
وَمن قَرَأَ بلامين وَزنه فيعل اللَّام أَصْلِيَّة مثل صيرف ثمَّ أدخلت الْألف وَاللَّام للتعريف فَقلت الليسع مثل الصيرف وَالله أعلم

{فبهداهم اقتده قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / اقتد قل لَا أَسأَلكُم / بِغَيْر هَاء فِي الْوَصْل وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْهَاء إِنَّمَا دخلت للْوَقْف ولبيان الْحَرَكَة فِي حَال الْوَقْف فَإِذا وصل الْقَارئ قِرَاءَته اتَّصَلت الدَّال بِمَا بعْدهَا فاستغنى عَن الْهَاء لزوَال السَّبَب الَّذِي أدخلها من أَجله فطرحها
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا مثبتة فِي الْمُصحف فكرهوا إِسْقَاط حرف من الْمَصَاحِف
وَقَرَأَ ابْن عَامر / اقتدهي / بالإشباع جعلهَا اسْما قَالَ بعض أهل الْبَصْرَة جعل ابْن عَامر الْهَاء فِيهِ ضميرا لمصدر وَهُوَ الِاقْتِدَاء كَأَن الأَصْل فِيهِ فبهداهم اقتد اقْتِدَاء ثمَّ أضمر الِاقْتِدَاء فَقَالَ / بهداهم اقتدهي /

{قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / يجعلونه قَرَاطِيس يبدونها ويخفون

(1/260)


كثيرا / وَالْيَاء قَالَ أَبُو عَمْرو يَعْنِي أهل الْكتاب {وعلمتم مَا لم تعلمُوا} يَعْنِي الْمُسلمين لِأَن الْعَرَب لم يكن لَهَا قبل ذَلِك كتاب وحجته قَوْله {جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس} أَي يَجعله النَّاس قَرَاطِيس يَعْنِي الْيَهُود فَلَمَّا قرب الْفِعْل مِنْهُم جعل الْفِعْل لَهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ قَالَ أَبُو عبيد التَّاء تخْتَار للمخاطبة قبلهَا وَبعدهَا فالتي قبل قَوْله {قل من أنزل الْكتاب} وَالَّتِي بعْدهَا قَوْله {وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم} يَعْنِي وعلمتم فِيمَا أنزلهُ عَلَيْكُم فِي الْكتاب مَا لم تعلمُوا فَكَأَن قراءتهم مَا توَسط بَين الخطابين من الْكَلَام على لفظ مَا قبله وَمَا بعده ليأتلف نظام الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد أولى

{وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك مُصدق الَّذِي بَين يَدَيْهِ ولتنذر أم الْقرى وَمن حولهَا}
قَرَأَ أَبُو بكر / ولينذر أم الْقرى / وحجته قَوْله {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} أَي لينذر الْكتاب أهل مَكَّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي لتنذر أَنْت يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة وحجتهم قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر}

{لقد تقطع بَيْنكُم}
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {لقد تقطع بَيْنكُم} بِالْفَتْح أَي لقد تقطع مَا بَيْنكُم كَذَا قَالَ أهل الْكُوفَة وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقِرَاءَة عبد الله لِأَن فِي قِرَاءَته / لقد تقطع مَا بَيْنكُم / ف مَا عِنْدهم مَوْصُولَة وَبَين صلَة وحذفوا الْمَوْصُول وَهُوَ مَا وَبقيت الصِّلَة وَهِي بَيْنكُم

(1/261)


وَعند أهل الْبَصْرَة غير جَائِز هَذَا لِأَن الصِّلَة والموصول اسْم وَاحِد ومحال أَن يحذف صدر الِاسْم وَيبقى آخر الِاسْم وَلَكِن التَّقْدِير لقد تقطع الْأَمر بَيْنكُم وَالسَّبَب بَيْنكُم لِأَن الْأَمر وَالسَّبَب ليسَا مِمَّا يحْتَاج إِلَى صلَة ف بَين إِذا نصب على الظّرْف عِنْد أهل الْبَصْرَة والكوفة وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي تَقْدِير الْكَلَام

{فالق الإصباح وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَجعل اللَّيْل سكنا} بِغَيْر ألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وجاعل اللَّيْل / بِالْألف وَكسر اللَّيْل وحجتهم قَوْله {فالق الإصباح} فأجروا / جَاعل اللَّيْل / على لفظ مَا تقدمه إِذْ أَتَى فِي سِيَاقه ونصبوا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} على تَأْوِيل وَجعل الشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا قَالَ الزّجاج لِأَن فِي {جَاعل} معنى جعل وَبِه نصب {سكنا} قَالَ أَبُو عَمْرو وَنصب {الشَّمْس وَالْقَمَر} على الإتباع لما قلت {سكنا} أتبعت النصب النصب
وَحجَّة من قَرَأَ {وَجعل اللَّيْل سكنا} هِيَ أَن الْأَفْعَال الَّتِي عطفت عَلَيْهِ جَاءَت بِلَفْظ الْمَاضِي وَهُوَ قَوْله بعْدهَا {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم} {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم} {وَهُوَ الَّذِي أنزل} فَلِأَن تكون معطوفة على شبهها وَيكون مَا تقدمها جرى بلفظها أولى

{وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر ومستودع}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فمستقر} بِكَسْر الْقَاف جعلا الْفِعْل

(1/262)


لَهُ أَي فمنكم مُسْتَقر ومنكم مستودع تَقول قر الشَّيْء يقر وَاسْتقر يسْتَقرّ بِمَعْنى وَاحِد وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ فمستقر فِي الرَّحِم يَعْنِي الْوَلَد ومستودع فِي أصلاب الرِّجَال كَمَا تَقول هَذَا ولد مُسْتَقر فِي رحم أمه وَأَنا مُسْتَقر فِي مَكَان كَذَا وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ مُسْتَقر فِي الْقَبْر ومستودع فِي الدُّنْيَا يُوشك أَن يلْحق بِصَاحِبِهِ قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يكون فمستقر أَي فمنكم مُسْتَقر فِي الْأَحْيَاء ومنكم مستودع فِي الثرى فَجعل أَبُو عَمْرو المستقر فَاعِلا والمستودع مَفْعُولا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فمستقر} بِالْفَتْح وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على فتح الدَّال فِي مستودع على معنى أَن الله استودعه فَكَذَلِك مُسْتَقر موجه إِلَى أَن الله استقره فِي مقره فَهُوَ مُسْتَقر كَمَا هُوَ مستودع فِي مستودعه وَقَوله {وَيعلم مستقرها ومستودعها} يشْهد لِلْفَتْحِ
والوجهان يتداخلان لِأَن الله إِذا أقره اسْتَقر وَلَا شكّ أَنه لَا يسْتَقرّ حَتَّى يقره فَهُوَ مفعول وفاعل
قَالَ الزّجاج أما رفع فمستقر ومستودع فعلى معنى لكم مُسْتَقر وَلكم مستودع أَي فلكم فِي الْأَرْحَام مُسْتَقر وَلكم فِي الأصلاب مستودع وَجَائِز أَن يكون مُسْتَقر فِي الدُّنْيَا ومستودع فِي الأصلاب لم يخلق بعد

{فأخرجنا مِنْهُ خضرًا نخرج مِنْهُ حبا متراكبا وَمن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وينعه}

(1/263)


قَرَأَ الْأَعْشَى عَن أبي بكر {وجنات} قَالَ الْفراء وَلَو رفعت الجنات تتبع القنوان كَانَ صَوَابا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جنَّات} نصب نسق على قَوْله {خضرًا} أَي فأخرجنا من المَاء خضرًا وجنات من اعناب
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {انْظُرُوا إِلَى ثمره} بِضَم الثَّاء وَالْمِيم أَرَادَ جمع الْجمع تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر كَمَا تَقول أكمة وإكام وأكم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ثَمَرَة} بِفَتْح الثَّاء وَالْمِيم جمع ثَمَرَة مثل بقر وبقرة وشجرة وَشَجر

{وخلقهم وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْر علم}
قَرَأَ نَافِع {وخرقوا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة مثل قتل وَقتل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وخرقوا} بِالتَّخْفِيفِ وَمعنى خرقوا واخترقوا واختلقوا كذبُوا
{وليقولوا درست}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير / دارست / بِالْألف أَي ذاكرت أهل الْكتاب وَعَن ابْن عَبَّاس قارأت وتعلمت
وَقَرَأَ ابْن عَامر {درست} بِفَتْح السِّين وتسكين التَّاء أَي درست

(1/264)


هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي تتلوها علينا أَي مَضَت وامحت
وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَأهل الْكُوفَة {درست} بِسُكُون السِّين وَفتح التَّاء أَي قَرَأت أَنْت وتعلمت أَي درست أَنْت يَا مُحَمَّد كتب الْأَوَّلين وتعلمت من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وحجتهم قِرَاءَة عبد الله / وليقولوا درس / دلّ على أَن الْفِعْل لَهُ وَحده

{قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت} بِكَسْر الْألف قَالَ اليزيدي الْخَبَر متناه عِنْد قَوْله {وَمَا يشعركم} أَي مَا يدريكم ثمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُم إِنَّهُم لَا يُؤمنُونَ إِذا جَاءَتْهُم وكسروا الْألف على الِاسْتِئْنَاف قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت} مَا منعهَا أَن تكون كَقَوْلِك وَمَا يدْريك أَنه لَا يفعل فَقَالَ لَا يحسن ذَلِك فِي هَذَا الْموضع إِنَّمَا قَالَ {وَمَا يشعركم} ثمَّ ابْتَدَأَ فَأوجب فَقَالَ {أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} لَو قَالَ {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} كَانَ عذرا لَهُم وحجتهم قَوْله بعْدهَا {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} إِلَى قَوْله {مَا كَانُوا ليؤمنوا} فَأوجب لَهُم الْكفْر وَقَالَ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} أَي إِن الْآيَة إِن جَاءَتْهُم لم يُؤمنُوا

(1/265)


كَمَا لم يُؤمنُوا أول مرّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنَّهَا إِذا جَاءَت} بِالْفَتْح قَالَ الْخَلِيل إِن مَعْنَاهَا لَعَلَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِهِم إيت السُّوق أَنَّك تشتري لنا شَيْئا أَي لَعَلَّك أنْشد أَبُو عُبَيْدَة ... أريني جوادا مَاتَ هزلا لأنني ... أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا ...

يُرِيد لعلني أرى مَا تَرين
يرْوى فِي التَّفْسِير أَنهم اقترحوا الْآيَات وَقَالُوا {لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} إِلَى قَوْله {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فَأنْزل الله {قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} أَي لَعَلَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ على رَجَاء الْمُؤمنِينَ وَقَالَ آخَرُونَ بل الْمَعْنى وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت يُؤمنُونَ فَتكون لَا مُؤَكدَة للجحد كَمَا قَالَ {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} بِمَعْنى وَحرَام عَلَيْهِم أَن يرجِعوا قَالَ الْفراء سَأَلَ الْكفَّار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَن يَأْتِيهم بِالْآيَةِ الَّتِي نزلت فِي الشُّعَرَاء {إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ يَا رَسُول الله سل رَبك أَن ينزلها حَتَّى يُؤمنُوا فَأنْزل الله {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} أَي إِذا

(1/266)


جَاءَت يُؤمنُونَ وَلَا صلَة كَقَوْلِه {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} أَي أَن تسْجد
قَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر / إِذا جَاءَت لَا تؤمنون / بِالتَّاءِ وحجتهما قَوْله {وَمَا يشعركم} قَالَ مُجَاهِد قَوْله {وَمَا يشعركم} خطاب للْمُشْرِكين الَّذين أَقْسمُوا فَقَالَ جلّ وَعز وَمَا يدريكم أَنكُمْ تؤمنون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم وحجتهم قَوْله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وَلم يقل أفئدتكم

{وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {قبلا} بكسرالقاف أَي عيَانًا كَمَا تَقول لقته قبلا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قبلا} بِضَمَّتَيْنِ جمع قبيل وَالْمعْنَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبيلا قبيلا أَي جمَاعَة جمَاعَة قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون قبلا جمع قبيل وَمَعْنَاهُ الْكَفِيل ليَكُون الْمَعْنى لَو حشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء فتكفل لَهُم بِصِحَّة مَا يَقُول مَا كَانُوا ليؤمنوا
وَقَالَ الْفراء وَيجوز أَن يكون {قبلا} من قبل وُجُوههم أَي

(1/267)


مَا يقابلهم وَالْمعْنَى لَو حشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء فقابلهم

{يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {أَنه منزل من رَبك} بِالتَّشْدِيدِ من نزل ينزل جمعا بَين اللغتين لِأَنَّهُ قد تقدم قَوْله {وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا} وَلم يقل وَهُوَ الَّذِي نزل

{وتمت كلمة رَبك صدقا وعدلا لَا مبدل لكلماته}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وتمت كلمة رَبك} على التَّوْحِيد وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي قَوْله {وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل} {وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / كَلِمَات ربكُم / على الْجمع وحجتهم فِي ذَلِك أَنَّهَا مَكْتُوبَة بِالتَّاءِ فَدلَّ ذَلِك على الْجمع وعَلى أَن الْألف الَّتِي قبل التَّاء اختصرت فِي المحصف وَأُخْرَى أَن الْكَلِمَات جَاءَت بعْدهَا بِلَفْظ الْجمع فَقَالَ {لَا مبدل لكلماته} وفيهَا إِجْمَاع فَكَانَ الْجمع فِي الأول أشبه بِالصَّوَابِ للتوفيق بَينهمَا إِذْ كَانَا بِمَعْنى وَاحِد

{وَمَا لكم أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِن كثيرا ليضلون بأهوائهم بِغَيْر علم}
قَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَقد فصل}

(1/268)


بِفَتْح الْفَاء وَالصَّاد وحجتهم ظُهُور اسْم الله فِي قَوْله {وَمَا لكم أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فَلَمَّا قرب اسْم الله من الْفِعْل قرؤوا فصل لقرب اسْمه مِنْهُ فَكَانَ مَعْنَاهُ وَقد فصل الله لكم ثمَّ قرؤوا {مَا حرم} بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل بِدلَالَة مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من التَّحْرِيم بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فِي قَوْله {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} و {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر} جرى الْكَلَام فِيهَا بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فأجروا مَا اخْتلفُوا فِيهِ من ذَلِك بِلَفْظ مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فَألْحق قَول {حرم} ليَكُون لفظا الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ متفقين
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {وَقد فصل} بِضَم الْفَاء {مَا حرم} بِضَم الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير} وَهَذِه أحسن أعنى {فصل} و {حرم} ليأتلف اللفظان على نظام وَاحِد إِذْ كَانَ الْمفصل هُوَ الْمحرم وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى الْمُخَالفَة بَين اللَّفْظَيْنِ
وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص {فصل} بِفَتْح الْفَاء و {حرم} بِالْفَتْح أَي بَين الله لكم مَا حرمه عَلَيْكُم
قَرَأَ عَاصِم حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِن كثيرا ليضلون} بِضَم الْيَاء وحجتهم فِي وَصفهم بالإضلال أَن الَّذين أخبر الله عَنْهُم بذلك قد ثَبت لَهُم أَنهم ضالون بِمَا تقدم من وَصفه جلّ وَعز إيَّاهُم بالْكفْر بِهِ قبل أَن يصفهم بالإضلال فَلَا معنى إِذا لوصفهم بالضلال وَقد تقدم أَنهم

(1/269)


ضالون فَكَانَ وَصفهم بِأَنَّهُم يضلون النَّاس يَأْتِي بفائدة غير مَا تقدم من وَصفهم فِي الْكَلَام الأول فهم الْآن ضالون بشركهم ويضلون غَيرهم بِمَا جاؤوا بِهِ
جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهَا نزلت فِي قوم من الْمُشْركين قَالُوا للْمُسلمين تَأْكُلُونَ مَا قتلتم وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قتل الله قَالُوا فَإِذا قرئَ {ليضلون} بِفَتْح الْيَاء لم يكن فِي الْكَلَام فَائِدَة غير أَنهم ضالون فَقَط وَقد علم ضلالتهم بِمَا تقدم من وَصفهم فَكَأَنَّهُ كرر كلامين وَمَعْنَاهُ وَاحِد
وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام وَالْبَصْرَة {ليضلون} أَي ليضلون هم وحجتهم قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله} وَقَوله {وَأُولَئِكَ هم الضالون} وَصفهم بالضلال لَا بالإضلال

{أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه}
قَرَأَ نَافِع {أَو من كَانَ مَيتا} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكره فِيمَا تقدم

{حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته}
قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} على وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ على الْجمع وحجتهم أَن الله جلّ وَعز ذكر الرُّسُل

(1/270)


قبله فَقَالَ {حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله} وَمَا بعده يجب أَن يكون الْجمع ليأتلف اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَمن قَرَأَ بِالتَّوْحِيدِ اجتزأ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمِيع

{وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء}
قَرَأَ ابْن كثير {ضيقا} خَفِيفا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَصْل ضييق على وزن فيعل ابْن كثير حذف الْيَاء الثَّانِيَة وَالْبَاقُونَ أدغموا الْيَاء وَلم يحذفوا من الْكَلِمَة شَيْئا وَمثله هَين وهين
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر {حرجا} بِكَسْر الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ مثل الدنف الدنف وَحجَّة من فتح قَوْله {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} فَإِن قَالَ قَائِل لم قَالَ الله {صَدره ضيقا} مُثقلًا الْجَواب إِن الْحَرج أَشد الضّيق فَكَأَنَّهُ قَالَ ضيق جدا
قَرَأَ ابْن كثير {كَأَنَّمَا يصعد} خَفِيفا من صعد يصعد وحجته قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} وَقَرَأَ أَبُو بكر / يصاعد / الأَصْل يتصاعد فأدغم التَّاء فِي الصَّاد لقربها من الصَّاد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصعد} الأَصْل يتَصَعَّد فأدغموا التَّاء فِي الصَّاد وَمعنى يصعد ويصاعد ويصعد كُله وَاحِد

{وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ}

(1/271)


قَرَأَ ابْن عَامر {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا ذَلِك {أَن لم يكن رَبك مهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا غافلون}

{قل يَا قوم اعْمَلُوا على مكانتكم إِنِّي عَامل فَسَوف تعلمُونَ من تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار}
قَرَأَ أَبُو بكر / اعْمَلُوا على مكاناتكم / على الْجمع فِي كل الْقُرْآن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {على مكانتكم} أَي على تمكنكم وأمركم وحالكم والتوحيد هُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْوَاحِد يَنُوب عَن الْجمع وَلَا يَنُوب الْجمع عَن الْوَاحِد قَوْله {مكانتكم} وَزنه مفعلة من الْكَوْن وَالْمِيم زَائِدَة وَالْألف منقلبة عَن الْوَاو من كَانَ يكون مفعلة وَقَالَ قوم وَزنه فعال مثل ذهَاب وَالْألف زَائِدَة وَالْمِيم أَصْلِيَّة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن فعالا تجمعه على أفعلة تَقول أمكنة وَلَو كَانَ مفعلا لم يجمع على أفعلة
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من يكون} بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الْقَصَص لِأَن تأنيثهما غير حَقِيقِيّ الْعَاقِبَة وَالْآخر وَاحِد وحجتهما قَوْله {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} وَقَوله {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من تكون} بِالتَّاءِ لتأنيث الْعَاقِبَة

(1/272)


{هَذَا لله بزعمهم}
قَرَأَ الْكسَائي {بزعمهم} بِضَم الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ

{وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم}
قَرَأَ ابْن عَامر / وَكَذَلِكَ زين / بِضَم الزَّاي {قتل} بِالرَّفْع أَوْلَادهم نصب {شركائهم} بالخ {زين} على مَا لم يسم فَاعله {قتل} اسْم مَا لم يسم فَاعله {أَوْلَادهم} نصب بوقو الْفِعْل عَلَيْهِم {شركائهم} جر بِالْإِضَافَة على تَقْدِير قتل شركائهم أَوْلَادهم فَفرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وحجته قَول الشَّاعِر ... فزججتها مُتَمَكنًا ... زج القلوص ابي مزاده ...

أَرَادَ زج أبي مزادة القلوص وَأهل الْكُوفَة يجوزون الْفرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَكَذَلِكَ زين} بِفَتْح الزَّاي {قتل} نصب أَوْلَادهم جر {شركاؤهم} رفع وهم الفاعلون وَالتَّقْدِير وَكَذَلِكَ زين شركاؤهم أَن قتل كثير من الْمُشْركين أَوْلَادهم

(1/273)


قَالَ الزّجاج {شركاؤهم} ارتفعوا بتزيينهم وَيُقَال إِن هَؤُلَاءِ المزينين كَانُوا يخدمون الْأَوْثَان وَقيل شركاؤهم شياطينهم

{وَقَالُوا مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام خَالِصَة لذكورنا ومحرم على أَزوَاجنَا وَإِن يكن ميتَة فهم فِيهِ شُرَكَاء}
قَرَأَ ابْن عَامر / وَإِن تكن / بِالتَّاءِ {ميتَة} رفع وتكن بِمَعْنى الْحُدُوث والوقوع أَي وَإِن تقع أَو تحدث ميتَة
وَقَرَأَ ابْن كثير {وَإِن يكن} بِالْيَاءِ {ميتَة} رفع جعل أَيْضا يكن بِمَعْنى الْوُقُوع إِلَّا أَنه ذكر الْفِعْل لِأَن تَأْنِيث الْميتَة غير حَقِيقِيّ فَلذَلِك ذكر الْفِعْل
وَقَرَأَ أَبُو بكر وَإِن تكن بِالتَّاءِ ميتَة نصب الْمَعْنى وَإِن تكن تِلْكَ الحمول الَّتِي فِي الْبُطُون ميتَة وَيجوز أَن ترد على الْأَنْعَام أَو على معنى مَا وَلَك أَن ترجع عَن لفظ مَا وَمن إِلَى مَعْنَاهُمَا وَمن مَعْنَاهُمَا إِلَى لَفْظهمَا لِأَن لَفْظهمَا وَاحِد ومعناهما الْجمع والتأنيث وَقد جَاءَ فِي التَّنْزِيل حرف قد حمله على اللَّفْظ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنى ثمَّ حمله ثَانِيًا على اللَّفْظ وَهُوَ قَوْله {وَمن يُؤمن بِاللَّه وَيعْمل صَالحا يدْخلهُ جنَّات} فَوحد وَحمله على اللَّفْظ ثمَّ قَالَ {خَالِدين فِيهَا أبدا} فَجمع على الْمَعْنى ثمَّ قَالَ {قد أحسن الله لَهُ رزقا} فَرجع بعد الْجمع إِلَى التَّوْحِيد وَحمله أَيْضا على التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ قَوْله هُنَا {وَقَالُوا مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام خَالِصَة لذكورنا} على معنى مَا {ومحرم} مُذَكّر بعد مؤنث على لفظ مَا فَهُوَ حرف ثَان وَهُوَ حسن

(1/274)


وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة الْكسَائي وَحَفْص {وَإِن يكن} بِالْيَاءِ {ميتَة} نصب جعلوها خبر كَانَ وَالِاسْم الْمُضمر فِي {يكن} ردُّوهُ على لفظ مَا الْمَعْنى وَإِن يكن فِي فِي الْبُطُون ميتَة وَإِن يكن الَّذِي فِي الْبُطُون ميتَة قَالَ أَبُو عَمْرو الْوَجْه {يكن} بِالْيَاءِ لقَوْله {فهم فِيهِ} وَلم يقل فِيهَا

{قد خسر الَّذين قتلوا}
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر {قد خسر الَّذين قتلوا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة كَمَا يُقَال رجل قتال إِذا كثر مِنْهُ الْقَتْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قتلوا} بِالتَّخْفِيفِ

{وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَابْن عَامر {يَوْم حَصَاده} بِفَتْح الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ مثل الصرام والصرام قَالَ الْفراء بِالْكَسْرِ حجازية وَأهل نجد وَتَمِيم بِالْفَتْح

{وَمن الْمعز اثْنَيْنِ}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / من الْمعز / بِفَتْح الْعين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سَاكِنة الْعين وهما لُغَتَانِ
وَالْأَصْل تسكين الْعين لِأَنَّهُ جمع مَاعِز مثل تَاجر وتجر وَصَاحب وَصَحب وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على تسكين الْهمزَة فِي الضَّأْن وَهُوَ جمع ضائن كماعز والهمزة وَالْعين من حُرُوف

(1/275)


الْحلق فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا جَازَ فيهمَا الْفَتْح وَإِن كَانَ الأَصْل الإسكان لِأَن فِيهَا حرفا من حُرُوف الْحلق وَالْعرب تفتح إِذا كَانَ فِيهَا حرف من حُرُوف الْحلق وَذَلِكَ نَحْو النَّهر وَالنّهر والزهر والزهر والظعن والظعن وَإِنَّمَا جَازَ فتحهَا لِأَن الحركات ثَلَاث ضمة وفتحة وكسرة فالفتحة من الْألف فَهِيَ من حيّز حُرُوف الْحلق هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ فَإِن قَالَ قَائِل هلا فتحت الْهمزَة من الضَّأْن إِذْ كَانَت من حُرُوف الْحلق كَمَا فتحت الْعين من الْمعز الْجَواب أَن الْهمزَة أثقل من الْعين لِأَنَّهَا تخرج من أقْصَى الْحلق وتحريكها أثقل من تَحْرِيك الْعين وَكَذَلِكَ فرق بَينهمَا

{قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {إِلَّا أَن يكون} بِالْيَاءِ {ميتَة} نصب هَذَا هُوَ الْوَجْه لِأَن الِاسْم الْمُضمر فِي {يكون} مُذَكّر وَهُوَ قَوْله {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما} وَلم يقل مُحرمَة قَالَ الزّجاج تَقْدِيره إِلَّا أَن يكون الْمَأْكُول ميتَة أَو ذَلِك الشَّيْء ميتَة
وَقَرَأَ ابْن عَامر {إِلَّا أَن تكون} بِالتَّاءِ {ميتَة} رفع {يكون} فِي هَذِه الْقِرَاءَة بِمَعْنى االحدوث والوقوع الْمَعْنى إِلَّا أَن تقع ميتَة
وَقَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة {إِلَّا أَن تكون} بِالتَّاءِ {ميتَة} نصب

{ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ} 152 و 153

(1/276)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَأَن هَذَا صِرَاطِي} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف وَذَلِكَ أَن الْكَلَام متناه عِنْد انْقِضَاء الْآيَة نكسر {إِن} للابتداء بهَا وحجتهما فِي أَن المُرَاد من الْكَلَام هُوَ الِاسْتِئْنَاف قَوْله فِي هَذِه السُّورَة {وَهَذَا صِرَاط رَبك مُسْتَقِيمًا} 126 على الِابْتِدَاء بالْخبر عَن صفة الصِّرَاط
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {وَأَن هَذَا} بِفَتْح الْألف وَتَشْديد النُّون وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ على معنى وَصَّاكُم بِهِ وَبِأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا وَقَالَ آخَرُونَ بل نسق على قَوْله {أتل مَا حرم ربكُم} أَي أتل مَا حرم ربكُم وأتل أَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
وَقَرَأَ ابْن عَامر {وَأَن هَذَا} بِفَتْح الْألف وَتَخْفِيف النُّون عطف على قَوْله {أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} و {إِن هَذَا} عطف {إِن} على {إِن}

{هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ ذهب إِلَى جمع الْمَلَائِكَة وَقد ذكرت الْحجَّة فِي آل عمرَان
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الْمَلَائِكَة وحجتهم قَوْله {تحمله الْمَلَائِكَة} وَقَوله {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة} وَاعْلَم أَن فعل

(1/277)


الجموع إِذا تقدم يذكر وَيُؤَنث تذكره إِذا قدرت الْجمع وتؤنثه إِذا أردْت الْجَمَاعَة

{إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِن الَّذين فارقوا / بالأل وَفِي الرّوم أَيْضا وَمعنى / فارقوا / أَي زايلوا وَقد رُوِيَ أَن رجلا قَرَأَ عِنْد عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه {إِن الَّذين فرقوا} دينهم فَقَالَ عَليّ لَا وَالله مَا فرقوه وَلَكِن فارقوه ثمَّ قَرَأَ / إِن الَّذين فارقوا دينهم / أَي تركُوا دينهم الْحق الَّذِي أَمرهم الله باتباعه ودعاهم إِلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فرقوا دينهم} من التَّفْرِيق تَقول فرقت المَال تفريقا وحجتهم قَوْله بعد {وَكَانُوا شيعًا} أَي صَارُوا أحزابا وفرقا قَالَ عبد الْوَارِث وتصديقها قَوْله {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} يدلك على أَنهم صَارُوا أحزابا وفرقا والمعنيان متقاربان لأَنهم إِذا فرقوا الدّين فقد فارقوه

{دينا قيمًا}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {دينا قيمًا} بِكَسْر الْقَاف أَي مُسْتَقِيمًا

(1/278)


مَا
قَالَ الزّجاج قيم مصدر كالصغر وَالْكبر إِلَّا أَنه لم يقل قوما مثل {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا} لِأَن قيمًا من قَوْلك قَامَ قيَاما وَالْأَصْل قوم فقلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ قَامَ فَلَمَّا اعتل الْفِعْل اعتللمصدر فَقيل قيم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} و {فِيهَا كتب قيمَة} قَالَ الْفراء فِي هَذِه الْكَلِمَة لُغَات للْعَرَب تَقول هَذَا قيام أَهله وقوام أَهله وقيم أَهله وقيم أَهله

{قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين}
قَرَأَ نَافِع {ومحياي} سَاكِنة الْيَاء {ومماتي لله} بِفَتْح الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ومحياي بِفَتْح الْيَاء {ومماتي} سَاكِنة الْيَاء وَقد بيّنت فِي سُورَة الْبَقَرَة