حجة القراءات

7 - سُورَة الْأَعْرَاف
{قَلِيلا مَا تذكرُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} بتَخْفِيف الذَّال
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ والأل تتذكرون من خفف حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهِي الثَّانِيَة وهما زائدتان إِلَّا أَن الأولى تدل على معنى الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة إِنَّمَا دخلت على معنى فعلت الشَّيْء على تمهل نَحْو قَوْلك تفهمت الشَّيْء أَي أخذت على مهل وَمن شدد أدغم التَّاء فِي الذَّال لقرب مَكَان هَذِه من مَكَان هَذِه

(1/279)


وَقَرَأَ ابْن عَامر / قَلِيلا مَا يتذكرون / بياء وتاء أَي قَلِيلا مَا يتذكرون هم وَكَذَلِكَ مَكْتُوب فِي مصاحفهم

{قَالَ فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون وَمِنْهَا تخرجُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بن عَامر {وَمِنْهَا تخرجُونَ} بِفَتْح التَّاء جعلوالفعل لَهُم لِأَن الله جلّ وَعز إِذا بَعثهمْ يَوْم الْقِيَامَة فأحياهم وأخرجهم خَرجُوا كَمَا تَقول مَاتَ فلَان فتنسب الْفِعْل إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أَمَاتَهُ الله وحجتهم قَوْله {فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون} على تصيير الْفِعْل لَهُم فَكَذَلِك أَيْضا {وَمِنْهَا تخرجُونَ} على مَا تقدمه من الْكَلَام وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل على قراءتهم وَهُوَ قَوْله {إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} بِالْفَتْح
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} بِالضَّمِّ على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون} على أَنهم مفعولون وَلم يسم الْفَاعِل والمعنيان يتداخلان لِأَن الله إِذْ أخرجهم خَرجُوا وَإِذا خَرجُوا ف بِإِخْرَاج الله خَرجُوا فهم فاعلون مفعولون

{يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {وريشا ولباس التَّقْوَى} بِالنّصب عطفوا على الريش الْمَعْنى وأنزلنا عَلَيْكُم لِبَاس التَّقْوَى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ الزّجاج وَرَفعه على ضَرْبَيْنِ أحده

(1/280)


أَن يكون مُبْتَدأ وَيكون {ذَلِك} من صفته وَيكون خير خبر الِابْتِدَاء الْمَعْنى ولباس التَّقْوَى الْمشَار إِلَيْهِ خير وَيجوز أَن يكون {ولباس التَّقْوَى} مَرْفُوعا بإضمار هُوَ الْمَعْنى وَهُوَ لِبَاس التَّقْوَى أَي وَستر الْعَوْرَة لِبَاس الْمُتَّقِينَ وحجتهم مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير قيل ولباس التَّقْوَى أفضل من الأثاث وَالْكِسْوَة وَجَاء أَيْضا ولباس التَّقْوَى الْحيَاء

{قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة}
قَرَأَ نَافِع {خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} بِالرَّفْع أَي هِيَ خَالِصَة للَّذين آمنُوا قَالَ الزّجاج قَوْله {خَالِصَة} خبر بعد خبر كَمَا تَقول زيد عَاقل لَبِيب فَالْمَعْنى قل هِيَ ثَابِتَة للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خَالِصَة} نصبا على الْحَال كَمَا تَقول المَال لزيد خَالِصا

{قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا تعلمُونَ}
قَرَأَ أَبُو بكر / قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا يعلمُونَ / بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن غيب الْمَعْنى وَلَكِن لَا يعلم كل فريق مِقْدَار عَذَاب الْفَرِيق الآخر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ أَي وَلَكِن لَا تعلمُونَ أَيهَا المخاطبون مَا لكل فريق مِنْكُم من الْعَذَاب وَيجوز وَالله أعلم وَلَكِن لَا تعلمُونَ يَا أهل الدُّنْيَا مِقْدَار ذَلِك

(1/281)


{إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {لَا تفتح} بِالتَّاءِ وَالتَّخْفِيف وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِالْيَاءِ وَالتَّخْفِيف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد وَحجَّة التَّاء قَوْله {وَفتحت أَبْوَابهَا} ذَهَبُوا إِلَى جمَاعَة الْأَبْوَاب وَحجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ هِيَ أَنه لما فصل بَين الْمُؤَنَّث وَبَين فعله بفاصل صَار الْفَاصِل كالعوض من التَّأْنِيث والتذكير والتأنيث فِي هَذَا النَّوْع قد جَاءَ بهما التَّنْزِيل فَمن الأول قَوْله {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها} وَمن التَّأْنِيث قَوْله {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} وَلَو ذكر أما وأنث فعل اللحوم كَانَ جَائِزا حسنا
فَأَما التَّشْدِيد فَإِنَّهُ من التفتيح مرّة بعد مرّة أُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهَا جمَاعَة وحجتهم قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَلم يقل مَفْتُوحَة وَقَالَ {وغلقت الْأَبْوَاب} وَمن خفف دلّ على الْمرة الْوَاحِدَة وَمعنى قَوْله {لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء} أَي لَا يستحاب لَهُم دعاؤهم فتفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء وَقد ذكرت فِي تَفْسِير الْقُرْآن

{قَالُوا نعم فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين}
قَرَأَ الْكسَائي {قَالُوا نعم} بِكَسْر الْعين حَيْثُ كَانَ وحجته

(1/282)


مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث أَن رجلا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله بمنى فَقَالَ أَنْت الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ
نعم بِكَسْر الْعين وَرُوِيَ أَيْضا أَن عمر سَأَلَ رجلا شَيْئا فَقَالَ نعم فَقَالَ قل نعم إِنَّمَا النعم الْإِبِل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نعم بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو والقواس عَن ابْن كثير {أَن لعنة الله} {إِن} خَفِيفَة {لعنة الله} رفع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن} بِالتَّشْدِيدِ لعنة نصب
من خفف فَلهُ مذهبان أَحدهمَا أَنه أَرَادَ أَن الْخَفِيفَة عَن أَن الثَّقِيلَة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {أَلا يقدرُونَ على شَيْء} أَرَادَ أَنهم وَالثَّانِي بِمَعْنى أَي الَّتِي هِيَ تَفْسِير كَأَنَّهَا تفسر لما أذنوا بِهِ أَرَادَ {فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله} وَهَذَا حَكَاهُ الْخَلِيل وَحجَّة التَّخْفِيف قَوْله {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة} و {أَن سَلام عَلَيْكُم} وَلم يقْرَأ أحد أَن تلكم وَلَا أَن سَلاما

{يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره}

(1/283)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يغشي اللَّيْل النَّهَار} بِالتَّشْدِيدِ وَفِي الرَّعْد أَيْضا من غشى يغشي أَي يغشي الله اللَّيْل النَّهَار وحجتهم أَن هَذَا فعل يتَرَدَّد ويتكرر وَذَلِكَ أَن كل يَوْم وكل لَيْلَة غير الْيَوْم الآخر وَغير اللَّيْلَة الْأُخْرَى فالتغشية مكررة مَرْدُودَة لمجيئها يَوْمًا بعد يَوْم وَلَيْلَة بعد لَيْلَة وَفِي التَّنْزِيل {فغشاها مَا غشى}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} وَقَالَ {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا} وَلم يقل غشيت
قَرَأَ ابْن عَامر {وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات} بِالرَّفْع جعل الْوَاو وَاو حَال كَمَا تَقول لقِيت زيدا وَيَده على رَأسه أَي رَأَيْته فِي هَذِه الْحَال فَكَذَلِك قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر} أَي حَالهمَا التسخير وَكَذَلِكَ {والنجوم مسخرات} وَيجوز أَن يكون {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} رفعا على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر {مسخرات}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب على إِضْمَار خلق لِأَنَّهُ لما قَالَ قبلهَا {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ثمَّ قَالَ {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} دلّ على أَن الْمَعْنى وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر كَمَا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض

(1/284)


{وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / نشرا بَين / بِضَم النُّون والشين جمع نشور كَقَوْلِك صبور وصبر وعجوز وَعجز وَرَسُول ورسل قَالَ اليزيدي الْعَرَب تَقول هَذِه ريَاح نشر مثل قَوْلك نسَاء صَبر قَالَ أَبُو عبيد الرّيح النشور الَّتِي تهب من كل جَانب وَتجمع السحابة الممطرة وَقَالَ غَيره الرّيح النشور الَّتِي تنشر السَّحَاب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ نشرا بِضَم النُّون وَسُكُون الشين أَرَادَ {نشرا} فَخفف مثل رسل ورسل
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نشرا} بِفَتْح النُّون وَسُكُون الشين قَالَ الْفراء النشر من الرِّيَاح الطّيبَة اللينة الَّتِي تنشئ السَّحَاب فَكَأَن الْفراء ذهب إِلَى أَن النشر صنف من صنوف الرِّيَاح وَنَوع من أَنْوَاعهَا
وَقَالَ آخَرُونَ يجوز أَن يكون قَوْله {نشرا} مصدر نشرت الرّيح السَّحَاب نشرا فَكَأَن معنى ذَلِك على هَذَا التَّأْوِيل وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح نَاشِرَة للسحاب ثمَّ اكْتفى بِالْمَصْدَرِ عَن الْفَاعِل كَمَا تَقول الْعَرَب رجل صَوْم وَرجل فطر أَي صَائِم

(1/285)


قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وحجته فِي هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {والناشرات نشرا}
وَقَرَأَ عَاصِم {بشرا} بِالْيَاءِ وَإِسْكَان الشين أَخذه من الْبشَارَة وحجته قَوْله {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات} وَذَلِكَ أَن الرّيح تبشر بالمطر وَكَانَ عَاصِم يُنكر أَن تكون الرّيح تنشر وَكَانَ يَقُول الْمَطَر ينشر أَي يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا يُقَال نشر وأنشر إِذا أَحْيَا

{مَا لكم من إِلَه غَيره}
قَرَأَ الْكسَائي {مَا لكم من إِلَه غَيره} بالخفض جعله صفة ل إِلَه ولموافقة اللَّفْظ الْمَعْنى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا لكم من إِلَه غَيره} بِالرَّفْع أَي مَا لكم إِلَه غَيره وَدخلت من مُؤَكدَة وَهُوَ الْمُخْتَار على مَذْهَب التَّحْقِيق لِأَن غير إِذا كَانَت بِمَعْنى إِلَّا جعلت على إِعْرَاب مَا بعد إِلَّا وَأَنت قَائِل مَا لكم من إِلَه إِلَّا الله وَلَو جعلت مَكَان إِلَّا غير رفعته وَالِاسْتِثْنَاء بعد الْجحْد تَحْقِيق

{أبلغكم رسالات رَبِّي}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أبلغكم رسالات} بِالتَّخْفِيفِ من أبلغ يبلغ

(1/286)


وحجته قَوْله {لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي} فَرد أَبُو عَمْرو مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أبلغكم} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَقَالَ {الَّذين يبلغون رسالات الله} وهما لُغَتَانِ مثل عظمت الْأَمر وأعظمته

{قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه}
قَرَأَ ابْن عَامر فِي قصَّة صَالح / وَقَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه / بِزِيَادَة وَاو كَذَلِك فِي مصاحفهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر الْوَاو فَمن قَرَأَ بِالْوَاو عطفه على مَا قبله وَمن قَرَأَ بِغَيْر الْوَاو ابْتَدَأَ بِغَيْر عطف

{إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال}
قَرَأَ نَافِع وَحَفْص {إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال} بِكَسْر الْألف على الْخَبَر
وقرا ابو عَمْرو / ءاينكم / بهمز ثمَّ بِمد بعد الْهَمْز أصل الْكَلِمَة إِنَّكُم ثمَّ دخلت همزَة الِاسْتِفْهَام وَصَارَ أئنكم فاستثقل الْجمع بَين الهمزتين فَأدْخل بَينهمَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ فَصَارَ ءائنكم ثمَّ لين الثَّانِيَة فَصَارَ ءاينكم وحجته أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كأس وبأس وَتَقَلُّبهَا ألفا فَإِذا كَانَت تخففها وَهِي وَحدهَا فَأن تخففها وَمَعَهَا مثلهَا أولى

(1/287)


وَقَرَأَ ابْن كثير / أينكم / بِهَمْزَة وَاحِدَة غير مُطَوَّلَة وَهُوَ أَن تحقق الأولى وتخفف الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة إِذا خففت جعلت بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي عَنهُ حَرَكَة الْهمزَة وَهُوَ هَا هُنَا همزَة مَكْسُورَة وَالْأَصْل إِنَّكُم ثمَّ دخلت همزَة الِاسْتِفْهَام فَصَارَ أئنكم ثمَّ لين الثَّانِيَة فَصَارَ أينكم
قَرَأَ ابْن عَامر فِي رِوَايَة هِشَام / ءائنكم / بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَهُوَ أَن تزاد الْألف بَين الهمزتين ليبعد الْمثل عَن الْمثل فيخف اللَّفْظ بالهمزتين مَعَ الْحَائِل بَينهمَا وَهُوَ الْمدَّة
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {أئنكم} بهمزتين وحجتهم أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف جَازَ الْجمع بَينهمَا من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {أتمدونن بِمَال} و {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فَجعلُوا الهمزتين كغيرهما من سَائِر الْحُرُوف فَافْهَم ذَلِك وَقس وَابْن على هَذَا جَمِيع مَا يَأْتِي فِي الْقُرْآن من هَذَا النَّوْع من اخْتِلَاف الْقُرَّاء على مَا بيّنت لَك

{لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض}
قَرَأَ ابْن عَامر {لفتحنا} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وحجته قَوْله {بَرَكَات من السَّمَاء} وَلم يقل بركَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا الْوَاحِد

{أَو أَمن أهل الْقرى}

(1/288)


قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر {أَو أَمن أهل الْقرى} بِإِسْكَان الْوَاو جَعَلُوهُ نسقا فِي الاستفها كَمَا تَقول أَقمت أَو قعدت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو أَمن} بِفَتْح الْوَاو جعلُوا وَاو عطف دخلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَهُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهُ مثل قَوْله قبلهَا {أفأمن أهل الْقرى}

{حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق}
قَرَأَ نَافِع {حقيق على} مُشَدّدَة الْيَاء وحجته مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير حقيق عَليّ أَي وَاجِب عَليّ كَمَا يَقُول الرجل هَذَا عَليّ وَاجِب فالياء الْأَخِيرَة يَاء الْإِضَافَة وَالْأولَى من نفس الْكَلِمَة فأدغمت الأولى فِي الثَّانِيَة وَفتحت الثَّانِيَة لالتقاء الساكنين على أَصْلهَا وَمثله لدي وإلي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / حقيق على أَلا أَقُول / بِالتَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ حقيق بألا أَقُول كَقَوْلِك جدير وخليق أَلا أفعل كَذَا وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ حَرِيص على أَلا أَقُول وحجتهم قِرَاءَة ابْن مَسْعُود قَرَأَ / حقيق بألا اقول / قَالَ الْفراء الْبَاء بِمَعْنى على كَقَوْل الْعَرَب فلَان على حَالَة حَسَنَة وبحالة حَسَنَة

{قَالُوا أرجه وأخاه}
قَرَأَ ابْن كثير وَهِشَام عَن ابْن عَامر / أرجئه / مَهْمُوزَة بواو بعد الْهَاء فِي اللَّفْظ وَاصل هَذِه الْهَاء الَّتِي للمضمر أَن تكون مَضْمُومَة

(1/289)


بعْدهَا وَاو كَقَوْلِك ضربتهو يَا فَتى ومررت بهويا فَتى زعم سِيبَوَيْهٍ أَن الْوَاو زيدت على الْهَاء فِي الْمُذكر كَمَا زيدت الْألف فِي الْمُؤَنَّث كَقَوْلِك ضربتها ومررت بهَا ليستوي الْمُذكر والمؤنث فِي بَاب الزِّيَادَة وعلامة الْأَمر فِي أرجئهو سُكُون الْهمزَة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو / وأرجئه / مَضْمُومَة الْهَاء من غير إشباع اكْتِفَاء بالضمة عَن الْوَاو لِأَنَّهَا نابت عَن الْوَاو وَأُخْرَى أَن الْهَاء لَيست بحاجز حُصَيْن فَكَأَن السَّاكِن الَّذِي قبلهَا ملاق للساكن الَّذِي بعْدهَا فتحذف الْوَاو كَمَا يحذف السَّاكِن عِنْد ملاقاة سَاكن
وَقَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / أرجهي / بِغَيْر همزَة وبجر الْهَاء يصلان بياء وَالْأَصْل فِي هَذِه الْهَاء الضمة كَمَا ذكرنَا وَلَكنهُمْ قلبوا الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا أَعنِي كسرة الْجِيم وَإِنَّمَا اخْتَار الكسرة على الضمة الَّتِي هِيَ الأَصْل لاستثقال الضمة بعد الكسرة أَلا ترى أَنه رفض فِي اصل الْبناء فَلم يجِئ بِنَاء على فعل مَضْمُومَة الْعين بعد كسرة الْفَاء
وَقَرَأَ الْحلْوانِي عَن نَافِع {أرجه} بِكَسْر الْهَاء من غير إشباع وحجته هِيَ أَن الكسرة تدل على الْيَاء وتنوب كَمَا قَالَ {أكرمن} و {أهانن} وَالْأَصْل أكرمني وأهانني
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {أرجه} بترك الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وحجتهما ذكرهَا الْفراء قَالَ إِن من الْعَرَب من يسكن الْهَاء إِذْ تحرّك مَا قبلهَا فَيَقُول ضَربته ضربا شَدِيدا فينزلون الْهَاء وَأَصلهَا الضمة بِمَنْزِلَة أَنْتُم وأصل الْمِيم الرّفْع وَلم يصلوها بواو وَالَّذِي يدل على مَا قَالَ

(1/290)


أَنَّك تردها إِلَى الأَصْل مَعَ الْمُضمر فَتَقول رَأَيْتُمُوهُ قَالَ الله تَعَالَى {فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون} فأجريا الْهَاء وَأَصلهَا الضَّم مجْرى الْمِيم قَالَ الشَّاعِر ... فيصلح الْيَوْم ويفسده غَدا ...

وَقَرَأَ ابْن عَامر / أرجئه / بِالْهَمْز وَكسر الْهَاء من غير إشباع
قَالَ أهل النَّحْو هَذَا غلط لِأَن الكسرة لَا تجوز فِي الْهَاء إِذا سكن مَا قبلهَا نَحْو مِنْهُم بِكَسْر الْهَاء قَالَ وَإِنَّمَا يجوز كسر الْهَاء إِذا كَانَ مَا قبلهَا يَاء أَو كسرة فتكسر الْهَاء لأجلهما وَله وَجه قد ذكره بعض النَّحْوِيين قَالَ إِن الْهمزَة لما سكنت للجزم وَبعدهَا الْهَاء سَاكِنة على لُغَة من يسكن فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِم مِنْهُم لِأَن الْهَاء هُنَالك لَا تكون إِلَّا متحركة

{يأتوك بِكُل سَاحر عليم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِكُل سحار عليم} بِالْألف بعد الْحَاء وَكَذَلِكَ فِي يُونُس وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله فِي سُورَة الشُّعَرَاء {بِكُل سحار عليم} وَلَا فرق بَينهمَا وَبَين مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَن سحارا أبلغ من سَاحر وَأَشد مُبَالغَة فِي الْوَصْف من ذَلِك علام أبلغ من عَالم فَكَذَلِك سحار أبلغ من سَاحر

(1/291)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يأتوك بِكُل سَاحر} الْألف قبل الْحَاء وحجتهم إِجْمَاعهم على قَوْله {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى}

{قَالُوا إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص {قَالُوا إِن لنا لأجرا} على الْخَبَر
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو / إين لنا / بِالْمدِّ وَقَرَأَ هِشَام بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أئن} بهمزتين وَقد كرنا الْحجَّة عِنْد قَوْله {أئنكم لتأتون الرِّجَال}

{فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون}
قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {فَإِذا هِيَ تلقف} سَاكِنة اللَّام من لقفت الشَّيْء ألقفه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تلقف} بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف على وزن تعلم يتَعَلَّم وَالْأَصْل تتلقف فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ مثل تذكرُونَ و {يَوْم يَأْتِ لَا تكلم} أَي لَا تَتَكَلَّم
وَقَرَأَ البزي {فَإِذا هِيَ تلقف} بتَشْديد التَّاء أَرَادَ تتلقف فأدغم التَّاء فِي التَّاء وَكَذَلِكَ فِي طه

{قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ}

(1/292)


قَرَأَ ورش عَن نَافِع وَحَفْص {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ} على لفظ الْخَبَر بِغَيْر اسْتِفْهَام أَي صَدقْتُمْ بِهِ وَقَرَأَ نَافِع والبزي عَن ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم} بِالْهَمْز وَالْمدّ على الِاسْتِفْهَام أَي أجعلتم لَهُ الَّذِي أَرَادَ فِي {آمنتم} ثَلَاث ألفات ألف الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى التوبيخ وَالْألف الْوُسْطَى ألف افْعَل وَهِي ألف الْقطع والأخيرة فَاء الْفِعْل وَالْأَصْل قبل دُخُول ألف التوبيخ ءامنتم بِهَمْزَة بعْدهَا ألف ملينة الأَصْل أأمنتم فَخفف مثل آدم
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / قَالَ فِرْعَوْن وامنتم / بواو فِي اللَّفْظ إِذا وصل وَلَا يهمز وَاعْلَم أَن هَذِه الْهمزَة إِذا خففت لم تكن بَين بَين بل تنْقَلب واوا لِأَن جعلهَا بَين بَين هُوَ أَن تكون الْهمزَة وَالْألف وَالْألف لَا تقع قبلهَا ضمة فمنعت ضمة النُّون فِي {قَالَ فِرْعَوْن} أَن تجْعَل الْهمزَة بَين بَين وَجَرت مجْرى الهمة فِي جؤن إِذا خففت قلبت واوا فَتَقول جون وَكَذَلِكَ كل همزَة مَفْتُوحَة قبلهَا ضمة فَإنَّك إِذا خففتها قلبتها واوا مثل / لَا يُوَاخِذُكُمْ الله / و / المولفة /
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / قَالَ فِرْعَوْن أآمنتم / بهمزتين وحجتهم أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف جَازَ الْجمع بَينهمَا نَحْو مَا يجْتَمع فِي الْكَلِمَة حرفان فَيُؤتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا من غير تَغْيِير كَقَوْلِه {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فَجعلُوا

(1/293)


الهمزتين كغيرهما من سَائِر الْحُرُوف

{قَالَ سنقتل أَبْنَاءَهُم}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {قَالَ سنقتل أَبْنَاءَهُم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ لِكَثْرَة الْقَتْل مرّة بعد مرّة فَأكْثر مَا تكلم بِهِ الْعَرَب التَّشْدِيد وَمن خفف فَإِنَّهُ أَرَادَ مرّة وَاحِدَة

{وَمَا كَانُوا يعرشون}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {يعرشون} بِضَم الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الرَّاء

{فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يعكفون} بِكَسْر الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وهما لُغَتَانِ تَقول عكف يعكف ويعكف وَكَذَلِكَ عرش يعرش ويعرش

{وَإِذ أنجيناكم من آل فِرْعَوْن يسومونكم سوء الْعَذَاب يقتلُون أبناءكم}
قَرَأَ ابْن عَامر / وَإِذ أنجاكم من آل فِرْعَوْن / بِغَيْر يَاء وَلَا نون وَكَذَا فِي مصاحفهم وَالْمعْنَى وَإِذ أنجاكم الله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِذ أنجيناكم} بِالْيَاءِ وَالنُّون أخبر جلّ وَعز عَن نَفسه بِلَفْظ الْمُلُوك
قَرَأَ نَافِع {يقتلُون أبناءكم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ

{فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا}

(1/294)


قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {جعله دكاء} بِالْمدِّ والهمز قَالَ الْأَخْفَش قَول تَعَالَى {دكاء} أَي جعله مثل دكاء ثمَّ حذف الْمُضَاف وأقم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه كَمَا قَالَ / وسل الْقرْيَة الَّتِي / وَالْعرب تَقول نَاقَة دكاء أَي لَا سقام لَهَا وَقَالَ قطرب قَوْله {دكاء} صفة التَّقْدِير جعله أَرضًا دكاء أَي ملساء فأقيمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف وَحذف الْمَوْصُوف وَدلّ عَلَيْهِ الصّفة كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} أَي قولا حسنا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {دكا} منونا جعلُوا دكا مصدرا من دككت الشَّيْء إِذا كَسرته وفتته فتأويله جعلته مفتتا كالتراب وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كلا إِذا دكت الأَرْض دكا دكا} الْمَعْنى فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعل مدكوكا فَكَأَنَّهُ دكه فَيجْعَل قَوْله {دكا} مصدرا صدر عَن معنى الْفِعْل لَا عَن لَفظه

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير / إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالتي / على التَّوْحِيد وحجته مَا بعده {وبكلامي}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {برسالاتي} على الْجمع أرْسلهُ مرَارًا

{وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {الرشد} بِفَتْح الرَّاء والشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الرَّاء وَسُكُون الشين وهما لُغَتَانِ مثل السقم والسقم والحزن

(1/295)


والحزن قَالَ أَبُو عَمْرو سَبِيل الرشد أَي الصّلاح وتصديقها قَوْله {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا} والرشد فِي الدّين فَلذَلِك قَرَأَ فِي الْكَهْف {مِمَّا علمت رشدا}

{وَاتخذ قوم مُوسَى من بعده من حليهم عجلا جسدا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من حليهم} بِكَسْر الْحَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وحجتهم أَن الضَّم هُوَ الأَصْل وَفِيه علم الْجمع وَذَلِكَ أَن الْحلِيّ جمع حلي مثل حقو وحقي وَالْأَصْل حلوي مثل قلب وَقُلُوب فَلَمَّا سبقت الْوَاو الْيَاء قلب الْوَاو يَاء فأدغمت فِي الْيَاء فَصَارَت حلي بِضَم الحاءواللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما يَاء مُشَدّدَة فَكَانَ ذَلِك أَشد ثقلا فَكسرت اللَّام لمجيء الْيَاء فَصَارَت حلي بِضَم الْحَاء وَكسر اللَّام
وَحجَّة من كسر الْحَاء هِيَ أَنه استثقل ضمة الْحَاء بعد كسر اللَّام وَبعدهَا يَاء فَكسر الْحَاء لمجاورة كسرة اللَّام وَأُخْرَى أَنهم قد أَجمعُوا على قَوْله من عصيهم فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ

{قَالُوا لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا لنكونن من الخاسرين}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لَئِن لم ترحمنا / بِالتَّاءِ على الْخطاب {رَبنَا} بِالنّصب على النداء أَي يَا رَبنَا / وَتغْفر لنا / بِالتَّاءِ وحجتهما أَن فِي حرف أبي قَالُوا / رَبنَا لَئِن لم ترحمنا وَتغْفر لنا /

(1/296)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَئِن لم يَرْحَمنَا} بِالْيَاءِ {رَبنَا} بِالرَّفْع على الْخَبَر {وَيغْفر} بِالْيَاءِ أَيْضا وحجتهم هِيَ أَنه لما تبين لَهُم الضلال بعبادتهم الْعجل قَالَ بَعضهم لبَعض لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا مَا جنيناه على أَنْفُسنَا لنكونن من الخاسرين فَجرى الْكَلَام على لفظ الْخَبَر من بَعضهم لبَعض

{قَالَ ابْن أم إِن الْقَوْم استضعفوني}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {قَالَ ابْن أم} بِفَتْح الْمِيم جعلُوا الاسمين اسْما وَاحِدًا نَحْو خَمْسَة عشر ففتحوا ابْن أم وَابْن عَم لِكَثْرَة استعمالهم هَذَا الِاسْم
وَاعْلَم أَن النداء كَلَام مُحْتَمل الْحَذف فَجعلُوا ابْن وَأم شَيْئا وَاحِدًا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُم أَرَادوا الندبة ب ابْن أُمَّاهُ قَالُوا وَالْعرب تَقول يَا بن عماه وَالْأَصْل يَا بن أُمِّي ثمَّ قلبت الْيَاء ألفا فَصَارَت يَا بن أما ثمَّ حذفت الْألف لِأَن الفتحة تنوب عَنْهَا
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {قَالَ ابْن أم} بِالْكَسْرِ وَكَذَلِكَ فِي طه وَالْأَصْل يَا بن أُمِّي بِإِثْبَات الْيَاء ثمَّ حذفوا الْيَاء لِأَن الكسرة نابت عَن الْيَاء وحجتهم قَوْله {يَا قوم لَا أَسأَلكُم} فَإِن قيل لم حذفت الْيَاء من قَوْلك يَا بن أم والمنادى هَا هُنَا الابْن لَا الْأُم وَهُوَ مثل قَوْلك يَا غُلَام غلامي وَهَا هُنَا لم تجوز حذف الْيَاء وَإِنَّمَا سَقَطت الْيَاء من المنادى من نَحْو يَا قوم وَيَا عباد

(1/297)


الْجَواب عَنهُ إِنَّمَا جَازَ حذف الْيَاء من الْأُم تَشْبِيها بياء الْإِضَافَة فِي قَول الْقَائِل يَا غُلَام وَذَلِكَ أَنا جعلنَا الاسمين اسْما وَاحِدًا فتنزلا منزلَة اسْم وَاحِد كَأَنَّك تنادي وَاحِدًا لِأَنَّك إِذا قلت يَا بن أم كَأَنَّك قلت يَا أَخ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا غُلَام وَيَا قوم

{وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم}
قَرَأَ ابْن عَامر / وَيَضَع عَنْهُم آصارهم / على الْجمع أَي أثقالهم تَقول إصر وآصار مثل جذع وأجذاع وَفِي قِرَاءَته همزتان الأولى ألف الْجمع وَالثَّانيَِة اصلية فَلَمَّا اجْتمعت همزتان لينوا الثَّانِيَة وَالْأَصْل أأصارهم وحجته أَنه لم يخْتَلف فِي جمع الأغلال وَهِي نسق على الإصر وَكَذَلِكَ آصارهم لقَوْله {والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم} قيل إِن الآصار هِيَ العهود
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إصرهم} وحجتهم قَوْله تَعَالَى {رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا} وَقَوله {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
عَن سعيد بن جُبَير {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} قَالَ شدَّة الْعِبَادَة

{وادخلوا الْبَاب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد الْمُحْسِنِينَ}
قَرَأَ نَافِع / تغْفر لكم / بِالتَّاءِ مَضْمُومَة {خطيئاتكم} على الْجمع

(1/298)


وَضم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وَهِي جمع سَلامَة كَمَا تَقول صحيفَة وصحائف وحجته أَن أول الْآيَة {وَإِذ قيل لَهُم} على مَا لم يسم فَاعله فَكَذَلِك {تغْفر} على مَا لم يسم فَاعله وَالتَّاء فِي قَوْله {تغْفر} فعل جمَاعَة تقدم
وَقَرَأَ ابْن عَامر {تغْفر} بِالتَّاءِ أَيْضا إِلَّا أَنه وحد فَقَرَأَ / خطيئتكم / وحجته أَن الْوَاحِدَة تُؤدِّي عَن الْجمع قَالَ الله تَعَالَى {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر}
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {نغفر لكم} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه وحجته قَوْله {سنزيد الْمُحْسِنِينَ} {خطاياكم} بِالْجمعِ جمع تكسير كَمَا تَقول رعية ورعايا وبرية وبرايا وضحية وضحايا
قَالَ سِيبَوَيْهٍ الأَصْل فِي خَطَايَا خطائي مثل خطائع فَيجب أَن يُبدل من هَذِه الْيَاء همزَة فَيصير خطائئي مثل خطايع وَإِنَّمَا همز ليَكُون فرقا بَين الْأَصْلِيَّة وَغير الْأَصْلِيَّة مثل معيشة فتجتمع همزتان فنقلب الثَّانِيَة يَاء فَتَصِير خطائي مثل خطاعي ثمَّ يجب أَن تقلب الْيَاء والكسرة إِلَى الفتحة وَالْألف فَتَصِير خطاءا مثل خطاءا فَيجب أَن تبدل الْهمزَة يَاء لوقوعها بَين أَلفَيْنِ فَتَصِير خَطَايَا وَإِنَّمَا أبدلت الْهمزَة حِين وَقعت بَين أَلفَيْنِ لِأَن الْهمزَة مجانسة للألفات فاجتمعت ثَلَاثَة أحرف من جنس وَاحِد
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأهل الْكُوفَة {نغفر} بالنُّون أَيْضا {خطيئاتكم}

(1/299)


بِالتَّاءِ مَهْمُوزَة على الْجمع جمع السَّلامَة نَحْو سفينة وسفينات وصحيفة وصحيفات وخطيئة وخطيئات على وزن فعيلات وَهِي فِي مَوضِع نصب وَإِنَّمَا كسرت التَّاء لِأَنَّهَا غير أَصْلِيَّة

{قَالُوا معذرة إِلَى ربكُم ولعلهم يَتَّقُونَ}
قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {قَالُوا معذرة} بِالنّصب على الْمصدر وحجته أَن الْكَلَام جَوَاب كَأَنَّهُ قيل لَهُم لم تعظون قوما الله مهلكهم فَأَجَابُوا فَقَالُوا نعظهم اعتذارا ومعذرة إِلَى رَبهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معذرة} بِالرَّفْع قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهُ موعظتنا إيَّاهُم معذرة فَالْمَعْنى أَنهم قَالُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَاجِب علينا فعلينا موعظة هَؤُلَاءِ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ

{وأخذنا الَّذين ظلمُوا بِعَذَاب بئيس بِمَا كَانُوا يفسقون}
قَرَأَ ابْن عَامر / بِعَذَاب بئس / بِكَسْر الْبَاء وبهمزة سَاكِنة خرج الْهمزَة على الأَصْل وَلم يلف فِي الْهمزَة هَا هُنَا ثقل لخفة الْحَرْف وَقلة حُرُوفه
وَقَرَأَ نَافِع / بِعَذَاب بيس / بِغَيْر همز فعل من الْبُؤْس ترك همزه فأبدلت الْيَاء من الْهمزَة لثقل الْهَمْز لِأَن الْيَاء أخف مِنْهُ
وَقَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم / بيأس / على فيعل مثل رجل صيرف إِذا كَانَ يتَصَرَّف فِي الْأُمُور
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِعَذَاب بئيس} على فعيل من الْبُؤْس وَتَفْسِيره الشَّديد

{ودرسوا مَا فِيهِ وَالدَّار الْآخِرَة خير للَّذين يَتَّقُونَ أَفلا تعقلون}

(1/300)


{وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} 169 و 170
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَار عَنْهُم
قَرَأَ أَبُو بكر {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب} بِالتَّخْفِيفِ أَي يَأْخُذُونَ بِمَا فِيهِ من حَلَاله وَحَرَامه وحجته قَوْله {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} وَقَوله {أمسك عَلَيْك زَوجك} وَلم يقل مسك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يمسكون} بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم قَالُوا إِنَّمَا يُقَال مسكت بالشَّيْء فَإِذا خففوا لم يدخلُوا بِالْبَاء وَقَالُوا أَمْسَكت الشَّيْء وَلَا يُقَال أَمْسَكت بالشَّيْء
الْجَواب عَن قِرَاءَة أبي بكر أَن الْعَرَب تزيد الْبَاء وَفِي كتاب الله {عينا يشرب بهَا عباد الله} أَي يشْربهَا وَالْبَاء زَائِدَة فَكَذَلِك تَقول أَمْسَكت بالشَّيْء مَعْنَاهُ أَمْسَكت الشَّيْء

{وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا} 172 و 173
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو / من ظُهُورهمْ ذرياتهم / بِالْألف وَكسر التَّاء وحجتهم أَن الذريات الأعقاب المتناسلة وَأَنَّهَا إِذا كَانَت كَذَلِك كَانَت أَكثر من الذُّرِّيَّة وَاحْتج أَبُو عَمْرو فِي ذَلِك عِنْد قَوْله / هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّتنَا قُرَّة أعين / أَن الذُّرِّيَّة مَا كَانَ فِي

(1/301)


حجورهم وَأَن الذريات مَا تناسل بعدهمْ وأحال أَن تكون ذريات بقد قَوْله {قُرَّة أعين} وَقَالَ لِأَن الْإِنْسَان لَا تقر عينه بِمَا كَانَ بعده
وَقَرَأَ أهل مَكَّة والكوفة {ذُرِّيتهمْ} وحجتهم أَن الذُّرِّيَّة لما فِي الجحور وَمَا يتناسل بعد وَالدّلَالَة على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين من ذُرِّيَّة آدم} فَلَا شىء أَكثر من ذُرِّيَّة آدم وَالَّذين لم يرهم آدم من ذُريَّته أَكثر من الَّذين رَآهُمْ وَقد أَجمعُوا هُنَا على ذُرِّيَّة بِلَا خلاف بَين الْأمة فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى بِالصَّوَابِ وَقَوله عقيب ذَلِك {وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ} بِلَفْظ وَاحِد أدل دَلِيل على صِحَة التَّوْحِيد إِذْ كَانُوا هم الَّذين أخبر عَنْهُم وَقد أَجمعُوا على التَّوْحِيد
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / أَن يقولو يَوْم الْقِيَامَة / / أَو يَقُولُوا / بِالْيَاءِ فيهمَا وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ وتصديقها قَوْله / من ظُهُورهمْ ذرياتهم وأشهدهم / وَبعدهَا أَيْضا {وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات ولعلهم يرجعُونَ} فَذكر أَبُو عَمْرو فَذهب إِلَى أَن الْكَلَام أجري على لفظ مَا تقدمه من الْخَبَر عَن الذُّرِّيَّة لِأَن الْكَلَام ابتداؤه بالْخبر عَنْهُم فَمَا كَانَ فِي سِيَاقه فَهُوَ جَار على لَفظه وَمَعْنَاهُ فَكل هَذَا خبر عَنْهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ ردوا الْكَلَام على المخاطبة وحجتهم قَوْله {أَلَسْت بربكم} فَجرى مَا بعده على لَفظه وسياقه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} قَالَ
أخذُوا من ظَهره كَمَا يُؤْخَذ من الراس بالمشط فَقَالَ لَهُم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى قَالَت الْمَلَائِكَة

(1/302)


شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَي لِئَلَّا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة

{وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ}
قَرَأَ حَمْزَة {وذروا الَّذين يلحدون} بِفَتْح الْيَاء والحاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلحدون} بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء
قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ يُقَال لحد وألحد وَقَالَ غَيره يلحدون أَي يطعنون فِي أَسْمَائِهِ ويلحدون يعرضون وَكَانَ ابْن جريج يَقُول يلحدون قَالَ اشتقوا أَسمَاء آلِهَتهم من أَسمَاء الله اشتقوا الْعُزَّى من الْعَزِيز وَاللات من الله وَقَالَ أَبُو عبيد يلحدون يَجُورُونَ وَلَا يستقيمون وَإِنَّمَا سمي اللَّحْد لِأَنَّهُ فِي نَاحيَة وَلَو كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضريحا وَحجَّة الرّفْع قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} أَي باعتراض

{من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم فِي طغيانهم يعمهون}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير {ونذرهم فِي طغيانهم} بالنُّون وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف أَي نَحن نذرهم أخبر عَن نَفسه
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {ويذرهم} بِالْيَاءِ وَالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف ايضا وحجتهما قَوْله {من يضلل الله} ثمَّ قَالَ {ويذرهم} أَي ويذرهم الله إِخْبَار عَنهُ

(1/303)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ويذرهم} بِالْيَاءِ والجزم عطفا على مَوضِع الْفَاء فِي قَوْله {فَلَا هادي لَهُ} الْمَعْنى من يضلل الله يذره فِي طغيانه

{جعلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتاهما} 190
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر / جعلا لَهُ شركا / بِكَسْر الشين وحجتهما أَنَّهَا قِرَاءَة ابْن عَبَّاس وَهِي مَعَ ذَلِك أبعد من الالتباس لِأَنَّهُمَا لم يجعلا لَهُ شُرَكَاء جمَاعَة وَإِنَّمَا سميا الْوَلَد عبد الْحَارِث وَلَا يُقَال لِلْحَارِثِ شُرَكَاء لِأَنَّهُ وَاحِد وَكَأن الْمَعْنى فَلَمَّا آتاهما صَالحا جعلا لَهُ نَصِيبا لم يخلصاه لَهُ بتسميتهما إِيَّاه عبد الْحَارِث والتفاسير على ذَلِك تدل كَانَ ابْن جُبَير يَقُول شركا فِي طَاعَته وَلم يكن فِي عِبَادَته قَالَ الزّجاج من قَرَأَ / شركا / فَهُوَ مصدر شركت الرجل أشركه شركا قَالَ بَعضهم يَنْبَغِي أَن يكون عَن قِرَاءَة من قَرَأَ شركا جعلا لغيره شركا يَقُول لِأَنَّهُمَا لَا ينكران إِن يكون الأَصْل لَهُ جلّ وَعز فالشرك يَجْعَل لغيره وَهَذَا على معنى جعلا لَهُ ذَا شرك فَحذف ذَا مثل وسل الْقرْيَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شُرَكَاء} على فعلاء جمع شريك وحجتهم فِي ذَلِك أَن آدم وحواء كَانَا يدينان بِأَن ولدهما من رزق الله وعطيته ثمَّ سمياه عبد الْحَارِث فَجعلَا لإبليس فِيهِ شُرَكَاء بِالِاسْمِ وَلَو كَانَت الْقِرَاءَة شركا وَجب أَن يكون الْكَلَام جعلا لغيره فِيهِ شركا وَفِي نزُول وَحي الله جلّ وَعز بقوله {جعلا لَهُ} مَا يُوضح أَن الصَّحِيح من الْقِرَاءَة شُرَكَاء بِضَم الشين على مَا بَيناهُ فَإِن قَالَ قَائِل فَإِن آدم

(1/304)


وحواء إِنَّمَا سميا ابنهما عبد الْحَارِث والْحَارث وَاحِد وَقَوله شُرَكَاء جمَاعَة قيل إِن الْعَرَب تخرج الْخَبَر عَن الْوَاحِد مخرج الْخَبَر عَن الْجَمَاعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم}

{وَإِن تدعوهم إِلَى الْهدى لَا يتبعوكم}
قَرَأَ نَافِع {لَا يتبعوكم} سَاكِنة التَّاء من تبع يتبع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يتبعوكم من اتبع يتبع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول} بِالتَّشْدِيدِ

{إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة {طائف} بِالْألف من طَاف بِهِ إِذا دَار حوله فَهُوَ طايف كَذَا قَالَ الْكسَائي وَقَالَ غَيره هُوَ من طَاف بِهِ من وَسْوَسَة الشَّيْطَان
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / طيف من الشَّيْطَان / أَي لمة وخطرة من الشَّيْطَان وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول طيف من الشَّيْطَان غضب وحجتهم قَوْله قبله {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} وَلم يقل

(1/305)


نازغ وَقَالَ {وَإِذا مسكم الضّر} وَلم يقل الضار وَيُقَال أَصَابَته نظرة وَلَا يُقَال ناظرة فَقَوله طيف يحْتَمل أَن يكون مصدر طَاف يطِيف طيفا كَمَا يُقَال طَاف الخيال يطِيف طيفا وَيحْتَمل أَن يكون اسْما مثل الطاف سَوَاء كَمَا يُقَال مائت وميت وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / طيف / بِالتَّشْدِيدِ مثل هَين وهين بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف

{وإخوانهم يمدونهم فِي الغي ثمَّ لَا يقصرون}
قَرَأَ نَافِع {وإخوانهم يمدونهم} بِضَم الْيَاء وَكسر الْمِيم من من أمد يمد وَهُوَ من قَوْلك أمددت الْجَيْش إِذا زِدْته بمدد قَالَ الله تَعَالَى {وأمددناكم بأموال وبنين} فَمَعْنَى {يمدونهم} يزيدونهم غيا وَكَأَنَّهُ قَالَ يمدونهم من الغي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يمدونهم} بِفَتْح الْيَاء من مد يمد إِذا جر فَقَوله يمدونهم أَي يجرونهم فِي الغي وَقَالَ قوم يمدونهم يتركونهم فِي الغي تَقول الْعَرَب لأمدنك فِي باطلك أَي لأتركنك فِيهِ وَلَا أخرجك مِنْهُ

(1/306)