حجة القراءات

19 - سُورَة مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {كهيعص} بِكَسْر الْهَاء وَفتح الْيَاء قَالَ اليزيدي قلت لأبي عَمْرو لم كسرت الْهَاء قَالَ لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه إِذا قلت هَا زيد
وَقَرَأَ حَمْزَة وَابْن عَامر بِفَتْح الْهَاء وَكسر الْيَاء وحجتهما فِي ذَلِك أَن الكسرة هِيَ أُخْت الْيَاء وَلَيْسَت الكسرة أُخْت الْهَاء فَلهَذَا كسرا الْيَاء وفتحا الْهَاء
وَقَرَأَ أَبُو بكر وَالْكسَائِيّ بِكَسْر الْهَاء وَالْيَاء وَإِنَّمَا كسرا الْهَاء لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه وَالْيَاء لِئَلَّا تَلْتَبِس بياء النداء إِذا قلت يَا رجل
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص بِفَتْح الْهَاء وَالْيَاء وَهُوَ الأَصْل الْعَرَب تَقول هَا يَا وَمن الْعَرَب من يَقُول هَا يَا
قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا جَازَت فِيهِ الإمالة نَحْو يَا تا هَا لِأَنَّهَا أَسمَاء مَا تكتبه وَإِنَّمَا أمالتها الْعَرَب لتفصل بَينهَا وَبَين الْحُرُوف لِأَن الإمالة إِنَّمَا تلْحق الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال ويدلك على أَنَّهَا أَسمَاء أَنَّهَا إِذا أخْبرت عَنْهَا أعربتها فَتَقول هَذِه هَاء وياء قَالَ وَلَا أميل لَا وَلَا مَا لِأَنَّهُمَا حرفان وَقَالَ مَا الَّتِي تكون اسْما بِمَنْزِلَة الَّذِي لَا أميلها لِأَنَّهَا لَا تتمّ إِلَّا بصلَة

{وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي وَكَانَت امْرَأَتي عاقرا فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} 5 و 6

(1/437)


قَرَأَ ابْن كثير {من ورائي} بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُون الْيَاء تَخْفِيفًا لطول الْحَرْف مَعَ الْهمزَة
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {يَرِثنِي وَيَرِث} جزما جَوَابا لِلْأَمْرِ وَإِنَّمَا صَار جَوَاب الْأَمر مَجْزُومًا لِأَن الْأَمر مَعَ جَوَابه بِمَنْزِلَة الشَّرْط وَالْجَزَاء الْمَعْنى هَب لي وليا فَإنَّك إِن وهبته لي ورثني
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَرِثنِي وَيَرِث} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ صفة للْوَلِيّ أَي أَي وليا وَارِثا وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الرّفْع لِأَن {وليا} نكرَة فَجعلُوا {يَرِثنِي} صفة كَمَا تَقول أعرني دَابَّة أركبها وكما قَالَ {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا} وَلَو كَانَ الِاسْم معرفَة لَكَانَ الِاخْتِيَار الْجَزْم كَمَا قَالَ {فذروها تَأْكُل} فالهاء معرفَة فَلَا يجوز أَن تجْعَل النكرَة صفة للمعرفة
وَاعْلَم أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا حل مَحل اسْم الْفَاعِل لم يكن إِلَّا رفعا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر} أَي مستكثرا وحجتهم فِي ذَلِك أَن زَكَرِيَّا إِنَّمَا سَأَلَ وليا وَارِثا علمه ونبوته وَلَيْسَ الْمَعْنى على الْجَزَاء أَي إِن وهبته ورث ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ كل ولي يَرث فَإِذا لم يكن كَذَلِك لم يسهل الْجَزَاء من حَيْثُ لم يَصح أَن تَقول إِن وهبته ورث لِأَنَّهُ قد يهب وليا لَا يَرث وَأُخْرَى وَهِي أَن الْآيَة قد تمت عِنْد قَوْله {وليا} ثمَّ تبتدئ {يَرِثنِي} أَي هُوَ يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب

{وَقد بلغت من الْكبر عتيا}

(1/438)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {عتيا} و {صليا} و {جثيا} و {وبكيا} بِكَسْر الْعين وَالصَّاد وَالْجِيم وَالْبَاء حَفْص خرج فِي قَوْله {وبكيا} فَرفع وَإِنَّمَا كسروا أَوَائِل هَذِه الْحُرُوف لمجاورة الكسرة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم هَذِه الْحُرُوف على الأَصْل وَكَانَ أصل الْكَلِمَة عتووا مصدر عتا مثل قعد قعُودا ثمَّ جعلُوا الْوَاو الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل يَاء ثمَّ أدغموا فِيهَا وَاو فعول بعد أَن قلبوها فَصَارَت عتيا بِضَم الْعين وَالْيَاء فَاجْتمع ضمتان وبعدهما يَاء مُشَدّدَة وَكسرت التَّاء لمجيء الْيَاء بعْدهَا فَصَارَت عتيا وَمن كسر الْعين فَإِنَّهُ استثقل ضمة الْعين لمجيء كسرة التَّاء وَبعدهَا يَاء مُشَدّدَة وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله {أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا} و {صليا} كَانَ الأَصْل صلويا وَكَذَلِكَ بكويا وَهُوَ جمع باك مثل شَاهد وشهود و {جثيا} جمع جاث وَكَانَ الأَصْل جثووا

{قَالَ كَذَلِك قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا} 9
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَقد خلقناك / بالنُّون كَذَا يكون كَلَام الْمُلُوك والعظماء وحجتهما أَن مَا أَتَى فِي الْقُرْآن من هَذَا اللَّفْظ بِلَفْظ الْجمع أَكثر مِمَّا أَتَى بِلَفْظ التَّوْحِيد وَذَلِكَ قَوْله {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} {وخلقناكم أَزْوَاجًا}

(1/439)


{أم من خلقنَا إِنَّا خلقناهم} فِي نَظَائِر ذَلِك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقد خلقتك} بِالتَّاءِ وحجتهم أَنه قرب من قَوْله {قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين} وَلم يقل علينا يجب أَن يكون الْكَلَام بعده جَارِيا على لَفظه إِذْ هُوَ فِي سِيَاقه وَلم يعْتَرض بَينهمَا بِكَلَام يُوجب صرفه عَن لفظ مَا تقدمه إِلَى لفظ الْجمع

{قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا} 19
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش والحلواني عَن نَافِع / قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك ليهب لَك / بِالْيَاءِ أَي ليهب الله لَك وَلم يكن جِبْرِيل الَّذِي يهب بل الله يهب الْمَعْنى أَرْسلنِي ليهب الله لَك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لأهب لَك} جبرئيل يخبر عَن نَفسه فَإِن قَالَ قَائِل الْهِبَة من الله تَعَالَى فَلم أخبر جبرئيل عَن نَفسه قيل فَفِي ذَلِك قَولَانِ أَحدهمَا قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك يَقُول الله تَعَالَى لأهب لَك
قَالَ الزّجاج من قَرَأَ {لأهب لَك} فَهُوَ على الْحِكَايَة وَحمل الْحِكَايَة على الْمَعْنى على ت تَأْوِيل قَالَ أرْسلت إِلَيْك لأهب لَك فَحذف من الْكَلَام أرْسلت لدلَالَة مَا ظهر على مَا حذف وَالْقَوْل الثَّانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِمَرْيَم إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك أَرْسلنِي لأهب لَك

(1/440)


إِذْ كَانَ النافخ فِي جيبها بِأَمْر الله فَتكون الْهِبَة فِي الْمَعْنى من الله وَهِي فِي اللَّفْظ مُسندَة إِلَى جبرئيل لِأَن الرَّسُول وَالْوَكِيل قد يسندان هَذَا النَّحْو إِلَى أنفسهم وَإِن كَانَ الْفِعْل للْمُوكل والمرسل للْعلم بِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى للمرسل وَأَن الرَّسُول مترجم عَنهُ

{قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا}
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {نسيا} بِفَتْح النُّون مصدر نسيت أنسى نسيا ونسيانا مثل غَشيته غشيا وغشيانا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نسيا} بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاسْم وَقَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الجسر والجسر وَالْوتر وَالْوتر قَالَ الْأَخْفَش النسي هُوَ الشَّيْء الحقير ينسى نَحْو النَّعْل قَالَ الزّجاج نسيا حَيْضَة ملقاة وَقيل نسيا فِي معنى منسية لَا أعرف

{فناداها من تحتهَا أَلا تحزني}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {فناداها من تحتهَا} بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء جعلُوا {من} اسْما وَجعلُوا النداء لَهُ الْمَعْنى فناداها الَّذِي تحتهَا وَهُوَ عِيسَى و {تحتهَا} صلَة {من} وحجتهم مَا رُوِيَ عَن أبي بن كَعْب قَالَ الَّذِي خاطبها هُوَ الَّذِي حَملته فِي جوفها
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من تحتهَا} بِكَسْر الْمِيم وَالتَّاء أَي فناداها جِبْرِيل من بَين يَديهَا وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس {من تحتهَا} قَالَ جِبْرِيل وَلم يتَكَلَّم عِيسَى حَتَّى أَتَت بِهِ قَومهَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْحسن

(1/441)


الْبَصْرِيّ من تحتهَا عِيسَى فَكَأَنَّهُ جعل الْفَاعِل مستترا فِي {فناداها} الْمَعْنى فناداها عِيسَى من تحتهَا وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَنه جرى ذكره فِي قَوْله {فَحَملته} فَلَمَّا أَتَى الْفِعْل بعد ذكره دلّ على أَنه فعل الْمَذْكُور وَأَنه مستتر فِي فعله فالكسر أَعم وَذَلِكَ أَن من كسر يحْتَمل الْمَعْنى أَن يكون الْملك وَيحْتَمل أَن يكون عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام

{وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا}
قَرَأَ حَفْص {تساقط} بِضَم التَّاء وَكسر الْقَاف جعله فَاعل سَاقِط يساقط مساقطة وعنى بِهِ النَّخْلَة وَقَالَ {تساقط} لِأَن ذَلِك لَا يكون دفْعَة وَاحِدَة وَمثله فِي الْكَلَام أَنا أساقط إِلَيْك المَال أَولا فأولا
قَرَأَ حَمْزَة {تساقط} بِفَتْح التَّاء وَالتَّخْفِيف أَرَادَ تتساقط ثمَّ حذف التَّاء لِاجْتِمَاع التَّاءَيْنِ

(1/442)


وحجته قَوْله {فَأَنت لَهُ تصدى} {فَأَنت عَنهُ تلهى} وَالْأَصْل تتهلى وتتصدى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تساقط} بِالتَّشْدِيدِ أدغموا التَّاء فِي السِّين
قَرَأَ حَمَّاد / يساقط / بِالْيَاءِ ذهب إِلَى الْجذع وَآخَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى النَّخْلَة

{ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق الَّذِي فِيهِ يمترون}
قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {قَول الْحق} بِنصب اللَّام على الْمصدر الْمَعْنى أَقُول قَول الْحق الَّذِي فِيهِ يمترون فَالله جلّ وَعز أخبر عَن نَفسه بِأَنِّي أَقُول قَول الْحق بِأَن عِيسَى هُوَ ابْن مَرْيَم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَول الْحق} بِالرَّفْع وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهَا أَن يَجْعَل {قَول} نعتا لعيسى قَالَ اليزيدي {قَول الْحق} رفع على النَّعْت وَقَالَ الزّجاج وَيجوز أَن تضمر هُوَ وتجعله كِنَايَة عَن عِيسَى لِأَنَّهُ قد قيل فِيهِ روح الله وكلمته والكلمة قَول وَقَالَ آخَرُونَ بل الْمَعْنى هَذَا الْكَلَام الَّذِي جرى هُوَ قَول الْحق

{إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون وَإِن الله رَبِّي وربكم فاعبدوه} 35 و 36

(1/443)


قَرَأَ ابْن عَامر {كن فَيكون} بِالنّصب وَقد ذكرت فِي سُورَة الْبَقَرَة
قرا نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَإِن الله رَبِّي وربكم} بِنصب الْألف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ من فَتحه حمله على قَوْله {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة} وب {إِن الله رَبِّي وربكم} وَكَانَ أَبُو عَمْرو يتأولها على {إِذا قضى أمرا} وَقضى {إِن الله رَبِّي وربكم} ف {إِن} فِي مَوضِع نصب
قَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {وَأَن الله} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف قَالَ الْكسَائي إِن ذَلِك على قَول عِيسَى حِين قَالَ {إِنِّي عبد الله} و {إِن الله رَبِّي وربكم}

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا}
قَرَأَ ابْن عَامر {يَا أَبَت} بِفَتْح التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وَقد بيّنت فِي سُورَة يُوسُف

{وَاذْكُر فِي الْكتاب مُوسَى إِنَّه كَانَ مخلصا وَكَانَ رَسُولا نَبيا} 51
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِنَّه كَانَ مخلصا} بِفَتْح اللَّام أَي أخلصه الله وَاخْتَارَهُ وَجعله خَالِصا من الدنس وحجتهم قَوْله {إِنَّا أخلصناهم بخالصة}

(1/444)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مخلصا} بِكَسْر اللَّام أَي أخْلص هُوَ التَّوْحِيد فَصَارَ مخلصا وَجعل نَفسه خَالِصَة فِي طَاعَة الله وحجتهم قَوْله {مُخلصين لَهُ الدّين}

{فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ شَيْئا}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِرَفْع الْيَاء وحجتهم قَوْله تَعَالَى {وَأدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ} بِفَتْح الْيَاء وحجتهم قَوْله {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} وَقد تقدم ذكره فِي سُورَة النِّسَاء

{أَولا يذكر الْإِنْسَان أَنا خلقناه من قبل وَلم يَك شَيْئا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {أَولا يذكر الْإِنْسَان} بِالتَّخْفِيفِ أَي أَولا يعْمل أَولا يتَنَبَّه من ذكر يذكر وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كلا إِنَّهَا تذكرة فَمن شَاءَ ذكره}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَولا يذكر} بِالتَّشْدِيدِ أَي أَولا يتدبر ويتفكر

(1/445)


وَيعْتَبر وَالْأَصْل يتَذَكَّر فأدغموا التَّاء فِي الذَّال وحجتهم قَوْله تَعَالَى و {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب}

{ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا وَنذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا}
قَرَأَ الْكسَائي {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا} بِالتَّخْفِيفِ من أنجى يُنجي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من نجى يُنجي وهما لُغَتَانِ مثل كرم وَأكْرم

{أَي الْفَرِيقَيْنِ خير مقَاما وَأحسن نديا}
قَرَأَ ابْن كثير {خير مقَاما} بِضَم الْمِيم أَي إِقَامَة يُقَال طَال مقَامي بِالْبَلَدِ وأقمت بِالْبَلَدِ مقَاما وَإِقَامَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ خير مقَاما بِالْفَتْح أَي مَكَانا تَقول قَامَ يقوم مقَاما وَهَذَا مقامنا فالمقام يَسْتَقِيم أَن يكون مصدرا ويستقيم أَن يكون اسْم الْموضع

{وَكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} 74
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أحسن أثاثا وريا / بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ ورش عَن نَافِع {ورئيا} بِالْهَمْزَةِ وَبِه قَرَأَ الْبَاقُونَ الْمَعْنى هم أحسن مَتَاعا

(1/446)


ورئيا أَي منْظرًا من رَأَيْت وَمن لم يهمز فَلهُ حجتان إِحْدَاهمَا أَن يكون أَرَادَ الْهَمْز فَترك كَمَا قرؤوا {خير الْبَريَّة} وَالْأَصْل {رئيا} بِالْهَمْز ثمَّ تركت الْهمزَة فَصَارَت يَاء مثل ذيب إِذا تركت الْهمزَة ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَت ريا مشددا فَهَذَا مثل الأول فِي التَّفْسِير وَالثَّانيَِة أَن تَأْخُذهُ من الرّيّ وَهُوَ امتلاء الشَّبَاب أَي أَن منظرهم مرتو من النِّعْمَة كَأَن النَّعيم بَين فيهم

{لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مَالا وَولدا} بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام جَمِيع مَا فِي هَذِه السُّورَة وَفِي الزخرف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الْبُخْل وَالْبخل والحزن والحزن قَالَ الشَّاعِر ... فليت فلَانا كَانَ فِي بطن أمه ... وَلَيْسَت فلَانا كَانَ ولد حمَار ...

يَعْنِي الْوَلَد وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن أبي حَمَّاد الْوَلَد ولد الْوَلَد وَالْولد بِالْفَتْح ولد الصلب

(1/447)


{تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ}
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / يكَاد السَّمَوَات / بِالْيَاءِ لِأَن السَّمَوَات جمع قَلِيل وَالْعرب تذكر فعل الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ قَلِيلا كَقَوْلِه {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم} وَلم يقل انسلخت وَقَوله {وَقَالَ نسْوَة} وَلم يقل وَقَالَت قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي سَأَلت ثعلبا لم صَار ذَلِك كَذَلِك فَقَالَ لِأَن الْجمع الْقَلِيل قبل الْكثير والمذكر قبل الْمُؤَنَّث فَحمل الأول على الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تكَاد} بِالتَّاءِ لتأنيث السَّمَوَات وَسقط السُّؤَال
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَأَبُو بكر / ينفطرن / بالنُّون أَي ينشققن وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {السَّمَاء منفطر بِهِ} وَلم يقل متفطر و {إِذا السَّمَاء انفطرت} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {يتفطرن} بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد أَي يتشققن وَالْأَمر فِي التَّاء وَالنُّون يرجع إِلَى معنى وَاحِد إِلَّا أَنه

(1/448)


التَّاء للتكثير وَذَلِكَ أَن ينفطرن إِنَّمَا هُوَ من فطرت فانفطرت مثل كسرت فَانْكَسَرت وَقطعت فَانْقَطَعت و {يتفطرن} من قَوْلك فطرت فتفطرت مثل كسرت فتكسرت وَقطعت فتقطعت فَهَذَا لَا يكون إِلَّا للتكثير فَقَوله {يتفطرن} أَشد مُبَالغَة فِي تغيظهن على من نسب إِلَى الله ولدا كَقَوْلِه فِي قصَّة النَّار {تكَاد تميز من الغيظ} وَلم يقل تنماز
20 - سُورَة طه
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {طه} بِفَتْح الطَّاء وَكسر الْهَاء قيل لأبي عَمْرو لم كسرت الْهَاء قَالَ لِئَلَّا تَلْتَبِس بِالْهَاءِ الَّتِي للتّنْبِيه وَإِنَّمَا فتح الطَّاء لاستعلائها وَلِأَنَّهَا من الْحُرُوف المناعة

(1/449)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {طه} بِكَسْر الطَّاء وَالْهَاء وحجتهم صِحَة الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه أمال الطَّاء وَالْهَاء عَن زر قَالَ قَرَأَ رجل على ابْن مَسْعُود {طه} فَقَالَ عبد الله طه فَقَالَ لَهُ الرجل يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَلَيْسَ إِنَّمَا أَمر أَن يطَأ قدمه فَقَالَ لَهُ عبد الله {طه} هَكَذَا أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَحَفْص {طه} بِفَتْح الطَّاء وَالْهَاء وَهُوَ الأَصْل الْعَرَب تَقول طاء وهاء وَمن الْعَرَب من يكسر

{إِذْ رأى نَارا فَقَالَ لأَهله امكثوا} 10
قَرَأَ حَمْزَة {لأَهله امكثوا} بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ فِي الْقَصَص على أصل الْكَلِمَة وعَلى لُغَة من يَقُول مَرَرْت بِهِ يَا فَتى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَإِنَّمَا كسروا لمجاورة الكسرة وَقد بَينا فِي سُورَة الْبَقَرَة

(1/450)


{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك فاخلع نعليك إِنَّك بالواد الْمُقَدّس طوى وَأَنا اخْتَرْتُك} 11 13
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {نُودي يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك} بِفَتْح الْألف الْمَعْنى نُودي بِأَنِّي أَنا رَبك وَمَوْضِع {إِنِّي} نصب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنِّي} بِكَسْر الْألف أوقعوا النداء على مُوسَى فَسلمت {إِنِّي} من وُقُوع النداء عَلَيْهَا فاستأنفوا بهَا الْكَلَام وكسروا كَذَا ذكر الْفراء وَقَالَ الْمبرد الْكسر أقرب لِأَنَّهَا حِكَايَة كَلَام الله بعد النداء فالتقدير وَالله أعلم فناديناه بِأَن قُلْنَا يَا مُوسَى إِنِّي أَنا رَبك
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {طوى} بِغَيْر تَنْوِين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ
قَالَ الزّجاج فَمن لم ينون ترك صرفه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون معدولا عَن طاو فَيصير مثل عمر المعدول عَن عَامر فَلَا يصرف كَمَا لَا ينْصَرف عمر وَالْوَجْه الآخر أَن يكون اسْما للبقعة كَمَا قَالَ جلّ وَعز {فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة} وَمن ينونه فَهُوَ اسْم الْوَادي وَهُوَ مُذَكّر سمي بمذكر على فعل مثل حطم
قَرَأَ حَمْزَة / وَأَنا اخترناك / على معنى نُودي أَنا اخترناك من خطاب الْمُلُوك والعظماء وَمن حجَّته قَوْله قبله {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} وَالْأَصْل أننا كَمَا قَالَ {إِنَّنِي مَعَكُمَا} وَلَكِن النُّون حذفت لِكَثْرَة النونات والمحذوف النُّون الثَّانِيَة فِي أَن

(1/451)


الأولى الساكنة وَالثَّانيَِة المتحركة ف نَا فِي مَوضِع نصب ب أَن أَن وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب الْمَعْنى نُودي مُوسَى أَنا اخترناك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِنَّا} خَفِيفَة {اخْتَرْتُك} على لفظ التَّوْحِيد ف أَنا مَوْضِعه رفع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره اخْتَرْتُك فَالْمَعْنى فِي الْقِرَاءَتَيْن وَاحِد غير أَن هَذِه الْقِرَاءَة أَشد مُوَافقَة لِلْخَطِّ وأشبه بنسق اللَّفْظ لقَوْله {إِنِّي أَنا رَبك} فَكَذَلِك {وَأَنا اخْتَرْتُك}

{هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي} 30 32
قَرَأَ ابْن عَامر {أخي اشْدُد بِهِ} بِفَتْح الْألف {وأشركه فِي أَمْرِي} بِضَم الْألف على الإخبا كَأَن مُوسَى أخبر عَن نَفسه كَمَا تَقول زرني أكرمك وَإِنَّمَا انجزم الفعلان لِأَن جَوَاب الْأَمر جَوَاب شَرط وَجَزَاء الْمَعْنى إِن فعلت ذَلِك أشدد بِهِ أزري فَإِن قيل لم فتح الْألف فِي {اشْدُد} وَضم فِي {وأشركه} فَقل إِذا كَانَ الْفِعْل ثلاثيا كَانَ ألف الْمخبر عَن نَفسه مَفْتُوحًا وَإِذا كَانَ الْفِعْل رباعيا كَانَ الْألف مضموما أَلا تراك أَنَّك تَقول شدّ يشد وأشرك يُشْرك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أخي اشْدُد} بوصل الْألف {وأشركه} بِفَتْح الْألف على الْأَمر وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء أَي اللَّهُمَّ اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي أَي فِي نبوتي

{الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهدا}

(1/452)


قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهادا / بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْهَاء وَكَذَلِكَ فِي الزخرف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ إِنَّمَا المهد الْفِعْل يُقَال مهدت الأَرْض مهدا وَهِي نَفسهَا مهاد كَمَا تَقول فرشتها فرشا وَهِي نَفسهَا فرَاش وَفِي التَّنْزِيل {الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} وَقَالَ {ألم نجْعَل الأَرْض مهادا} وَلم يقْرَأ أحد {مهدا}
قَرَأَ أهل الْكُوفَة مهدا ذَهَبُوا إِلَى الْمصدر فَيكون تَقْدِير الْكَلَام الَّذِي جعل لكم الأَرْض ممهودة مهدا فكيتفي بقوله {مهدا} من ممهودة وَالْعرب تضع المصادر فِي مَوَاضِع الْمَوْصُوف فَتَقول رجل رضى أَي مرضِي وَرجل صَوْم وَيُمكن أَن يكون مهدا اسْما يُوصف بِهِ الأَرْض لِأَن النَّاس يتمهدونها ويسكنونها فَهِيَ لَهُم كالمهد الَّذِي يعرف فسميت بِهِ وَقَالَ قوم هما لُغَتَانِ مثل الريش والرياش

{فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك موعدا لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت مَكَانا سوى}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَابْن عَامر {مَكَانا سوى} بِضَم السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ أَي مَكَانا عدلا وَقيل وسطا بَين قريتين

(1/453)


{لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بِعَذَاب}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فيسحتكم} بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء والحاء
قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ يُقَال سحته وأسحته إِذا استأصله وأهلكه

{قَالُوا إِن هَذَانِ لساحران} 63
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / إِن هذَيْن / بِالْيَاءِ لِأَن تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور بِالْيَاءِ فِي لُغَة فصحاء الْعَرَب وَأَبُو عَمْرو مستغن عَن إِقَامَة دَلِيل على صِحَّتهَا كَمَا أَن الْقَارئ فِي قَول الله جلّ وَعز {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} مستغن عَن الِاحْتِجَاج على منازعه إِن نازعه فِي صِحَة قِرَاءَته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن هَذَانِ لساحران} بِالْألف وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة هَكَذَا فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان وَهَذَا الْحَرْف فِي كتاب الله مُشكل على أهل اللُّغَة وَقد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِيره وَنحن نذْكر جَمِيع مَا قَالَ النحويون فَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي الْخطاب وَهُوَ رَأس رُؤَسَاء الروَاة أَنَّهَا لُغَة كنَانَة يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد يَقُولُونَ أَتَانِي الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان قَالَ الشَّاعِر
تزَود منا بَين أذنَاهُ ضَرْبَة ... دَعَتْهُ إِلَى هابي التُّرَاب عقيم

(1/454)


قَالَ الزّجاج وَقَالَ النحويون القدماء هَا هُنَا هَاء مضمرة وَالْمعْنَى إِنَّه هَذَانِ لساحران كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق ثمَّ تَقول إِن زيد منطلق وَقَالَ الْمبرد أحسن مَا قيل فِي هَذَا أَن يَجْعَل إِن بِمَعْنى نعم الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران فَيكون ابْتِدَاء وخبرا قَالَ الشَّاعِر ... وَيَقُلْنَ شيب قد علا ... ك وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ...

أَي نعم فَإِن قيل اللَّام لَا تدخل بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره لَا يُقَال زيد لقائم فَمَا وَجه هَذَانِ لساحران
الْجَواب فِي ذَلِك أَن من الْعَرَب من يدْخل لَام التوكيد فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَيَقُول زيد لأخوك قَالَ الشَّاعِر ... خَالِي لأَنْت وَمن جرير خَاله ... ينل الْعَلَاء وَيكرم الأخوالا ...

وَقَالَ الزّجاج الْمَعْنى نعم هَذَانِ لساحران وَقَالَ قطرب يجوز أَن يكون الْمَعْنى أجل فَيكون الْمَعْنى وَالله أعلم {فتنازعوا أَمرهم بَينهم وأسروا النَّجْوَى} قَالُوا أجل تَصْدِيقًا من بَعضهم لبَعض ثمَّ قَالُوا {هَذَانِ لساحران} وَيجوز أَن يكون اللَّام دَاخِلَة فِي الْخَبَر على التوكيد

(1/455)


وَقَالَ الْفراء فِي {هَذَانِ} إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي التَّثْنِيَة وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر كَمَا فعلوا فِي الَّذِي فَقَالُوا الَّذين فِي الرّفْع وَالنّصب والجر
وَقَرَأَ حَفْص {إِن هَذَانِ} بتخفف {إِن} جعل إِن بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا التَّقْدِير مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران
وَقَرَأَ ابْن كثير {إِن} بِالتَّخْفِيفِ {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ و {إِن} تكون أَيْضا بِمَعْنى مَا والأ فِي هَذَانِ هَذَا ان فَحذف الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي هَذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض فَمن عوض آثر تَمام الْكَلِمَة وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلم يعوض وَمِنْهُم من يَقُول مغيسيل فعوض من التَّاء يَاء

{فَأَجْمعُوا كيدكم ثمَّ ائْتُوا صفا وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {فَأَجْمعُوا كيدكم} بوصل الْألف وَفتح الْمِيم أَي جيئوا بِكُل كيد تقدرون عَلَيْهِ أَي لَا تدعوا مِنْهُ شَيْئا إِلَّا جئْتُمْ بِهِ وَهُوَ من جمعت الشَّيْء أجمعه وحجته قَوْله تَعَالَى قبلهَا {فَجمع كَيده}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَأَجْمعُوا} بِقطع الْألف وَكسر الْمِيم أَي أحكموا أَمركُم واعزموا عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر

(1/456)


.. يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع ...

يُرِيد قد أحكم وعزم عَلَيْهِ

{فَإِذا حبالهم وعصيهم يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى}
قَرَأَ ابْن عَامر / تخيل إِلَيْهِ / بِالتَّاءِ رده على الحبال والعصي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يخيل إِلَيْهِ} بِالْيَاءِ الْمَعْنى يخيل إِلَيْهِ سعيها وَيجوز أَن ترده على السحر

{وألق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} 69
قَرَأَ ابْن عَامر {تلقف} بِرَفْع الْفَاء جعله فعلا مُسْتَقْبلا فأضمر فَاء يكون جَوَاب الْأَمر كَأَنَّهُ التَّقْدِير ألق عصاك فَإِنَّهَا تلقف قَالَ الزّجاج وَيجوز الرّفْع على معنى الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ ألقها ملقفة على حَال متوقعة كَمَا قَالَ {وَلَا تمنن تستكثر} أَي مستكثرا
وَقَرَأَ حَفْص {تلقف} سَاكِنة اللَّام جعله من لقف يلقف وَجزم الْفَاء لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَالْأَمر مَعَ جَوَابه كالشرط وَالْجَزَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تلقف} بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف وَالْأَصْل

(1/457)


تتلقف فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَابْن كثير أدغم التَّاء فِي التَّاء فِي رِوَايَة البزي
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / كيد سحر / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كيد سَاحر} وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ السحر لَيْسَ لَهُ كيد إِنَّمَا الكيد للساحر يُقَوي هَذَا قَوْله {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى}
وَحجَّة من قَرَأَ بِغَيْر ألف هِيَ أَن الكيد إِذا كَانَ بِالسحرِ جَازَ أَن يُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بِهِ وَمِنْه وَمن سَببه قَالَ الله جلّ وَعز و {وَالنَّهَار مبصرا} لِأَنَّهُ يبصر فِيهِ وَمثله كثير

{قَالَ آمنتم لَهُ} 71
وَقَرَأَ القواس عَن ابْن كثير وورش وَحَفْص {قَالَ آمنتم} على الْخَبَر قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / أآمنتم لَهُ / بهمزتين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة وَقد بيّنت فِي الْأَعْرَاف

{فَاضْرب لَهُم طَرِيقا فِي الْبَحْر يبسا لَا تخَاف دركا وَلَا تخشى} 77
قَرَأَ حَمْزَة / لَا تخف دركا / بجزم الْفَاء على النَّهْي وَسَقَطت الْألف لسكونها وَسُكُون الْفَاء الْمَعْنى لَا تخف أَن يدركك فِرْعَوْن وَلَا تخشى الْغَرق قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد من قَرَأَ {لَا تخف}

(1/458)


فَهُوَ على المجازاة الَّتِي هِيَ جَوَاب الْأَمر كَأَنَّهُ قَالَ اضْرِب فَإنَّك إِن تضرب لَا تخف كَقَوْلِه {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} وَقَوله {وَلَا تخشى} رفع على الِاسْتِئْنَاف كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ} فاستأنف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تخَاف دركا} بِالرَّفْع على الْخَبَر الْمَعْنى لست تخَاف دركا قَالَ الْمبرد وَمن قَرَأَ {لَا تخَاف دركا وَلَا تخشى} فعلى ضَرْبَيْنِ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَي اضْرِب لَهُم طَرِيقا غير خَائِف وَلَا خاش فيكونان فِي مَوضِع الْحَال كَقَوْلِك انْطلق تَتَكَلَّم يَا فَتى أَي متكلما فَامْضِ لَا تخَاف يَا فَتى أَي غير خَائِف وَالضَّرْب الثَّانِي أَن يكون على الْقطع مِمَّا قبله فَيكون تَقْدِيره وَاضْرِبْ لَهُم

(1/459)


طَرِيقا ثمَّ أخبر فَقَالَ أَنْت غير خَائِف وَلَا خاش أَي لست تخَاف

{يَا بني إِسْرَائِيل قد أنجيناكم من عَدوكُمْ وواعدناكم جَانب الطّور الْأَيْمن ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} 80 و 81
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قد أنجيتكم من عَدوكُمْ وواعدتكم / بِالتَّاءِ على التَّوْحِيد وحجتهما أَن الْخَبَر أخرج فِيمَا ختم بِهِ الْكَلَام على التَّوْحِيد فِي قَوْله تَعَالَى {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي} فَكَانَ إِلْحَاقه مَا تقدمه بِلَفْظِهِ أولى من صرفه عَنهُ ليَكُون الْكَلَام خَارِجا عَن نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِأَلف وَنون وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن} وَقَوله {ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى} وَهن فِي سِيَاقه وَهن أقرب إِلَيْهِ من قَوْله {غَضَبي} فإلحاقه بِمَا قرب مِنْهُ أولى
قَرَأَ الْكسَائي {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي وَمن يحلل} بِضَم الْحَاء الْحَرْف الأول وبضم اللَّام فِي الْحَرْف الثَّانِي الْمَعْنى فَينزل عَلَيْكُم غَضَبي يُقَال حل يحل إِذا نزل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَيحل} و / من يحلل / بِكَسْر الْحَاء وَاللَّام

(1/460)


أَي يجب عَلَيْكُم غَضَبي وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله بعْدهَا {أم أردتم أَن يحل عَلَيْكُم غضب من ربكُم}

{قَالُوا مَا أخلفنا موعدك بملكنا وَلَكنَّا حملنَا أوزارا من زِينَة الْقَوْم فقذفناها} 87
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {بملكنا} بِفَتْح الْمِيم على الْمصدر تَقول ملكت أملك ملكا وملكا أَيْضا كَمَا تَقول ضربت أضْرب ضربا قَالَ حمد بن يزِيد الْمبرد الْمصدر الحيح هُوَ الْفَتْح وَالْكَسْر كَأَنَّهُ اسْم الْمصدر وَكِلَاهُمَا حسن وَكَأن الْمَعْنى وَالله أعلم مَا أخلفناه بِأَن ملكنا ذَلِك ملكا وملكا
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {بملكنا} بِكَسْر الْمِيم أَي مَا أخلفنا بقوتنا أَي بِمَا ملكناه وَالْملك اسْم لكل مَمْلُوك يملكهُ الرجل تَقول هَذِه الدَّار ملكي وَهَذَا الْغُلَام ملكي قَالَ الزّجاج الْملك مَا حوته الْيَد وَقد يجوز أَن يكون مصدر ملكت الشَّيْء ملكا
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بملكنا} بِضَم الْمِيم أَي سلطاننا أَي لم يكن لنا سُلْطَان وقدرة على أخلافك الْوَعْد

(1/461)


قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ {وَلَكنَّا حملنَا} بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ أَن الْقَوْم حملُوا مَا كَانَ مَعَهم من حلي آل فِرْعَوْن وحجتهم قَوْله {فقذفناها} وَكَذَلِكَ {حملنَا} فَيكون الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِم كَمَا أَن قذفنا مُسْند إِلَيْهِم
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {حملنَا} على مَا لم يسم فَاعله أَي أمرنَا بحملها وحملنا السامري تَقول حَملَنِي فلَان كَذَا أَي كلفك حمله فَلَمَّا لم يسم السامري رفعت الْمَفْعُول وضممت أَولا الْفِعْل

{قَالَ يَا ابْن أم} {قَالَ بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} 94 و 96
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / بِمَا لم تبصروا بِهِ / بِالتَّاءِ أَي بصرت بِمَا لم تبصر بِهِ أَنْت يَا مُوسَى وَلَا قَوْمك فأخرجا الْكَلَام على مَا جرى بِهِ الْخطاب قبل ذَلِك وَهُوَ قَوْله {قَالَ فَمَا خَطبك يَا سامري}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا لم يبصروا بِهِ} بِالْيَاءِ أَي علمت مَا لم يعلم بَنو إِسْرَائِيل وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْخَبَر إِنَّمَا جرى من السامري لمُوسَى مَا كَانَ فِي غيبته من الْحَدث عَمَّا فعله ببني إِسْرَائِيل فخاطب مُوسَى بِخَبَر عَن غيب فعله قَالَ {يَا ابْن أم} وَقد ذكرت فِي سُورَة الْأَعْرَاف

{وَإِن لَك موعدا لن تخلفه}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / إِن لَك موعدا لن تخلفه / بِكَسْر اللَّام أَي أَنْت يَا سامري قَالَ اليزيدي قَوْله {لن تخلفه}

(1/462)


أَي لن تغيب عَنهُ على وَجه التهدد أَي ستصير إِلَيْهِ مرِيدا أَو كَارِهًا فَلَا يكون لَك سَبِيل إِلَى أَن تخلفه فو خبر فِي معنى وَعِيد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لن تخلفه} بِفَتْح اللَّام وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك أَن لَك من الله موعدا بِعَذَابِك على إضلالك بني إِسْرَائِيل حِين عبدُوا الْعجل لن يخلفكه الله وَلَكِن ينزله فَلَمَّا كَانَ الْموعد مُسْندًا إِلَى الله جلّ وَعز لم يحسن إِسْنَاد الْخلف إِلَى السامري إِذْ كَانَ الْخلف إِنَّمَا يجْرِي فِي الْكَلَام مِمَّن وعد لَا من الْمَوْعُود كَمَا قَالَ الله جلّ وع {وعد الله لَا يخلف} الله وعده وَكَذَلِكَ معنى ذَلِك لن يخلفكه الله ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله

{يَوْم ينْفخ فِي الصُّور ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / ننفخ فِي الصُّور / بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه على أَن يكون آمرا بذلك كَمَا يَقُول السُّلْطَان نَحن نكتب إِلَى فلَان وَمَعْنَاهُ نأمر لَا أَنه يتَوَلَّى الْكتاب بِيَدِهِ وحجته أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه بِلَفْظ الْجمع بِإِجْمَاع وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {ونحشر الْمُجْرمين} فَجعل مَا قبله بِلَفْظِهِ لينسق الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ينْفخ} بِالْيَاءِ على مَا لم يسم فَاعله الْمَعْنى ينْفخ ملك الصُّور فِي الصُّور وحجتهم قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} جَاءَ بِلَفْظ مَا لم يسم فَاعله

(1/463)


{وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما} 112
قَرَأَ ابْن كثير / فَلَا يخف ظلما / جزما على النَّهْي وعلامة الْجَزْم سُكُون الْفَاء وَسَقَطت الْألف لسكونها وَسُكُون الْفَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَلَا يخَاف} رفعا على الْخَبَر

{وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر {وَأَنَّك لَا تظمأ} بِكَسْر الْألف على الِاسْتِئْنَاف قَالَ الْفراء من قَرَأَ {وَإِن} عطفا على قَوْله {إِن لَك أَلا تجوع} {وَأَنَّك لَا تظمأ} جعله مردودا على قَوْله {إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَأَنَّك لَا تظمأ} {لَعَلَّك ترْضى}
قَرَأَ الْكسَائي وَأَبُو بكر {لَعَلَّك ترْضى} بِضَم التَّاء قَالَ أَبُو عبيد فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن يُرَاد تُعْطى الرضى ويرضيك الله وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْمَعْنى يرضاك الله بِدلَالَة قَوْله {وَكَانَ عِنْد ربه مرضيا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَعَلَّك ترْضى} بِالْفَتْح أَي لَعَلَّك ترْضى عَطاء الله وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} فأسند الْفِعْل إِلَيْهِ فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا هم مجمعون عَلَيْهِ أولى

(1/464)


{أَو لم تأتهم بَيِّنَة مَا فِي الصُّحُف الأولى} 133
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {أَو لم تأتهم بَيِّنَة} بِالتَّاءِ لتأنيث الْبَيِّنَة وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّاء فِي قَوْله {حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أولم يَأْتهمْ بَيِّنَة / بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الْبَيِّنَة غير حَقِيقِيّ وَالْبَيِّنَة فِي معنى الْبَيَان وحجتهم قَوْله {فقد جَاءَكُم بَيِّنَة من ربكُم وَهدى وَرَحْمَة} وَقَوله {قل إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي وكذبتم بِهِ} أَي بِالْبَيِّنَةِ وَلم يقل بهَا
21 - سُورَة الْأَنْبِيَاء
{قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {قَالَ رَبِّي} على الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ للْكفَّار مجيبا عَن قيلهم قبلهَا {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} ونزول هَذِه الْآيَة بعد أَن تقدم هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل رَبِّي} على الْأَمر وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله أمره أَن يَقُول للْكفَّار مجيبا لَهُم عَن قَوْلهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ}

(1/465)


قل رَبِّي يعلم قَوْلكُم وَقَول كل قَائِل قولا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع لجَمِيع ذَلِك والعليم بخلقه

{وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم}
قَرَأَ حَفْص {إِلَّا رجَالًا نوحي} بالنُّون وَكسر الْحَاء إِخْبَار الله عَن نَفسه وحجته قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُوحى} بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح}

{وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص و {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ} بالنُّون وَكسر الْحَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن {نوحي} جَاءَت على مجْرى {أرسلنَا} ولفظها قريب من لفظ الْجمع فَجرى الْكَلَام على نظام وَاحِد إِذْ كَانَ الْوَحْي والإرسال جَمِيعًا لَهُ فأسندوا الْفِعْلَيْنِ إِلَيْهِ وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِلَّا يُوحى / بِالْيَاءِ وَفتح الْحَاء وَتركُوا لفظ {أرسلنَا} وَإِنَّمَا تركُوا لِأَن آخر الْكَلَام جرى على غير لفظ أَوله وَذَلِكَ

(1/466)


أَنه قَالَ {لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَلَو كَانَ الْكَلَام يتبع بعضه بَعْضًا لم يقل فاعبدون لِأَنَّهُ لم يقل فِي أول الْآيَة وَمَا أرْسلت من رَسُول فَيكون آخر الْكَلَام تَابعا لأوله فَلَمَّا لم يكن الْكَلَام منظوما لم يجب أَن يَجْعَل {نوحي} بالنُّون بِلَفْظ {أرسلنَا} وَلَكِن عدلوا بِهِ إِلَى لفظ مَا لم يسم فَاعله وحجتهم قَوْله {وأوحي إِلَى نوح}

{أولم ير الَّذين كفرُوا أَن السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما} 30
قَرَأَ ابْن كثير / ألم ير الَّذين كفرُوا / بِغَيْر وَاو وَكَذَا مَكْتُوب فِي مصاحفهم بِغَيْر وَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْوَاو وَالْوَاو عطف على مَا قبلهَا كَمَا قَالَ / أولم يَأْتهمْ / وَمن أسقط الْوَاو لم يَجعله نسقا لكنه جعله ابْتِدَاء كَلَام فِي معنى وعظ وتذكير

{وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون}
قَرَأَ ابْن عَامر {وَلَا تسمع} بِالتَّاءِ مَضْمُومَة {الصم} نصب أَي أَنْت يَا مُحَمَّد لَا تقدر أَن تسمع الصم كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} والصم هَا هُنَا المعرضون عَمَّا يُتْلَى عَلَيْهِم من ذكر الله فهم بِمَنْزِلَة من لَا يسمع كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... أَصمّ عَمَّا سَاءَهُ سميع ...

(1/467)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ و {الصم} رفع جعلُوا الْفِعْل لَهُم وَكَانُوا يسمعُونَ ويبصرون وَلَكنهُمْ لم يستعملوا هَذِه الْحَواس اسْتِعْمَالا يجدي عَلَيْهِم فصاروا كمن لم يسمع وَلم يبصر

{فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين} 47
قَرَأَ نَافِع {وَإِن كَانَ مِثْقَال} بِالرَّفْع أَي وَإِن حصل للْعَبد مِثْقَال حَبَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مِثْقَال} بِالنّصب فجعلوه خبر كَانَ وَالِاسْم مُضْمر الْمَعْنى فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ الْعَمَل مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل

{فجعلهم جذاذا إِلَّا كَبِيرا لَهُم}
قَرَأَ الْكسَائي {فجعلهم جذاذا} بِالْكَسْرِ جمع ل جذيذ وجذيذ معدول عَن مجذوذ مثل قَتِيل مقتول ثمَّ جمع الجذيذ جذاذا كَمَا جمع الْخَفِيف خفافا وَالْكَبِير كبارًا وَالصَّغِير صغَارًا وَكَانَ قطرب يذهب إِلَى الْمصدر يَقُول جذذته جذاذا مثل ضرمته ضراما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جذاذا} بِالضَّمِّ قَالَ اليزيدي وَاحِدهَا جذاذة مثل زجاجة وزجاج وَقَالَ الْفراء الْجذاذ مثل الحطام فَهُوَ عِنْد اليزيدي جمع وَعند الْفراء فِي تَأْوِيل مصدر مثل الرفات والفتات لَا وَاحِد لَهُ

(1/468)


{وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فَهَل أَنْتُم شاكرون} 80
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {لتحصنكم} بِالتَّاءِ أَرَادوا الدرْع والدرع تؤنث وتذكر وَقَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالتَّاءِ أَرَادَ الصَّنْعَة
وَقَرَأَ أَبُو بكر / لنحصنكم / بالنُّون الله جلّ وَعز يخبر عَن نَفسه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ليحصنكم / بِالْيَاءِ أَي ليحصنكم الله مثل النُّون وَيجوز ليحصنكم هَذَا اللبوس

{وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر / وَكَذَلِكَ نجي الْمُؤمنِينَ / بنُون وَاحِدَة وَالْجِيم مُشَدّدَة قَالَ الْفراء لَا وَجه لَهُ عِنْدِي لِأَن مَا لم يسم فَاعله إِذا خلا باسم رفع وَقَالُوا أَيْضا / نجي / لم يسم فَاعله وَكَانَ الْوَاجِب أَن تكون الْيَاء مَفْتُوحَة كَمَا تَقول عزي وَقضي وَقد احْتج لَهُ غَيره فَقَالَ / نجي / فعل مَاض على مَا لم يسم فَاعله ثمَّ سكنوا الْيَاء وتأويله نجي النَّجَاء الْمُؤمنِينَ فَيكون النَّجَاء مَرْفُوعا لِأَنَّهُ اسْم مَا لم يسم فَاعله وَالْمُؤمنِينَ نصب لِأَنَّهُ خبر مَا لم يسم فَاعله كَمَا تَقول ضرب الضَّرْب زيدا ثمَّ يكنى عَن الضَّرْب فَتَقول ضرب زيدا وحجتهم قِرَاءَة أبي جَعْفَر قَرَأَ {ليجزي قوما بِمَا كَانُوا} أَي ليجزى الْجَزَاء قوما وَقَالَ أَبُو عبيد يجوز أَن

(1/469)


يكون أَرَادَ {ننجي} فأدغم النُّون فِي الْجِيم وَالْمُؤمنِينَ نصب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ ف نجي على مَا ذكره أَبُو عبيد فعل مُسْتَقْبل وعلامة الِاسْتِقْبَال سُكُون الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ننجي} بنونين فعل مُسْتَقْبل من أنجى يُنجي و {الْمُؤمنِينَ} معفولون وَكَتَبُوا فِي الْمَصَاحِف بنُون وَاحِد على الِاخْتِصَار

{وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} 95
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / وَحرم على قَرْيَة / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَحرَام} قَالَ قطرب هما لُغَتَانِ مثل حل وحلال وَحرم وَحرَام وَقَالَ قوم حرم بِمَعْنى عزم وَحرَام بِمَعْنى وَاجِب
قَرَأَ ابْن عَامر {حَتَّى إِذا فتحت} بِالتَّشْدِيدِ أَي مرّة بعد مرّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا بِمرَّة وَاحِدَة

{يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {كطي السّجل للكتب} بِضَم الْكَاف وَالتَّاء وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ السّجل ملك وَهُوَ الَّذِي يطوي كتب بني آدم إِذا رفعت إِلَيْهِ

(1/470)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / للْكتاب / وحجتهم أَن الْكتاب فِي معنى مصدر وتأويله كطي الصَّحِيفَة للكتب فِيهَا كَمَا يطوي الْكَاتِب الصَّحِيفَة عِنْد إِرَادَته الْكتب قَالَ مُجَاهِد السّجل الصَّحِيفَة الَّتِي يكْتب فِيهَا فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ تطوي الصَّحِيفَة الْكتاب إِن كَانَ السّجل صحيفَة قيل لَيْسَ الْمَعْنى فِي ذَلِك مَا ذهبت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَوْم نطوي السَّمَاء كَمَا يطوى السّجل على مَا فِيهِ من الْكتاب ثمَّ جعل يطوي مصدرا فَقيل {كطي السّجل} وَاللَّام فِي قَوْله للْكتاب بِمَعْنى على وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن عَبَّاس السّجل اسْم رجل كَانَ يكْتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فَإِن صَحَّ ذَلِك فالطي مُضَاف إِلَى كَاتبه وَمَعْنَاهُ كطي الْملك أَو الْكَاتِب للْكتاب وقراءتهم أحب إِلَيّ لِأَن الْكتاب يجمع الْمَعْنيين إِن كَانَ مصدرا وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع

{وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور}
قَرَأَ حَمْزَة {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} بِضَم الزَّاي يَعْنِي فِي الْكتب جمع زبر مثل قرح وقروح
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي الزبُور} بِفَتْح الزَّاي أَرَادَ زبور دَاوُود

{قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} 112
قَرَأَ حَفْص {قَالَ رب احكم} هُوَ إِخْبَار الله جلّ وَعز عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه قَالَ
يَا رب احكم بِالْحَقِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل} على الْأَمر أَي قل يَا مُحَمَّد يَا رب احكم بِالْحَقِّ

(1/471)