حجة القراءات

22 - سُورَة الْحَج
{وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى}
قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي / وَترى النَّاس سكرى وَمَا هم بسكرى / وحجتهما أَن فعلى جمع كل ذِي ضَرَر مثل مَرِيض ومرضى وجريح وجرحى وَالْعرب تذْهب ب فَاعل وفعيل وَفعل إِذا كَانَ صَاحبه كَالْمَرِيضِ أَو الصريع فيجمعونه على فعلى وَجعلُوا ذَلِك عَلامَة لجمع كل ذِي زمانة وضرر وهلاك لَا يبالون إِن كَانَ واحده فَاعِلا أَو فعيلا أَو فعلا وَاعْلَم أَن السكرى دَاخل على الْإِنْسَان كالمرض والهلاك فَقَالُوا سكرى مثل هلكى قَالَ الْفراء فَكَأَن واحدهم سكر مثل زمن وزمنى أَو ساكر مثل هَالك وهلكى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سكارى} بِالْألف فيهمَا وَهُوَ جمع سَكرَان وحجتهم أَن بَاب فعلان يجمع على فعالى لإجماعهم على قَوْله {قَامُوا كسَالَى} جمع كسلان وَكَذَلِكَ سَكرَان جمعه سكارى وَيُقَوِّي هَذَا إِجْمَاعهم على قَوْله {وَأَنْتُم سكارى} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

{ثَانِي عطفه ليضل عَن سَبِيل الله}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضل عَن سَبِيل الله} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضل هُوَ

(1/472)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضل} بِضَم الْيَاء أَي ليضل غَيره وَقد ذَكرْنَاهُ فِي سُورَة الْأَنْعَام

{ثمَّ ليقطع} {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} 15 و 30
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع وَابْن عَامر / ثمَّ ليقطع ثمَّ ليقضوا / بِكَسْر اللَّام فيهمَا دخل القواس مَعَهم فِي قَوْله {ثمَّ ليقضوا} وحجتهم أَن أصل هَذِه اللَّام الْكسر إِذا كَانَت مُبتَدأَة فَلَمَّا جَاءَت بعد كلمة يُمكن السُّكُوت عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا كَانَت اللَّام كالمبتدأ فَأتوا بهَا على أَصْلهَا لذَلِك وَزَاد ابْن عَامر {وليوفوا} و {وليطوفوا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ثمَّ ليقطع} {ثمَّ ليقضوا} بِسُكُون اللَّام وحجتهم أَن أَصْلهَا السّكُون وَإِنَّمَا تكسر إِذا وَقعت ابْتِدَاء فَإِذا كَانَ قبلهَا حرف مُتَّصِل بهَا رجعت اللَّام على الأَصْل وَأَصلهَا السّكُون وَيُقَوِّي هَذَا إِجْمَاع الْجَمِيع على إسكان قَوْله {فليعمل عملا صَالحا} و {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ} فَإِن قيل لم فصل أَبُو عَمْرو بَين ثمَّ وَالْوَاو فَكسر عِنْد ثمَّ وَلم يكسر عِنْد الْوَاو قيل إِنَّمَا فصل بَينهمَا لِأَن ثمَّ تنفصل من اللَّام وأصل لَام الْأَمر الْكسر إِذا ابتدئ بهَا وَسكن إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَا لَا ينْفَصل مِنْهَا وَهُوَ الْوَاو وَالْفَاء أما ثمَّ فَإنَّك تقف عَلَيْهَا إِذا شِئْت وتستأنف بعْدهَا فَلذَلِك فرق

(1/473)


أَبُو عَمْرو بَينهمَا وَمثل هَذَا {ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة} بالتثقيل وَهُوَ فَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ

{هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم}
قَرَأَ ابْن كثير {هَذَانِ} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة النِّسَاء وطه

{يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا}
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {ولؤلؤا} بِالْألف أَي يحلونَ فِيهَا من أساور وَيحلونَ لؤلؤا وَيجوز أَن يكون عطفا على مَوضِع الْجَار وَالْمَجْرُور لِأَن الْمَعْنى فِي {يحلونَ فِيهَا من أساور} يحلونَ أساور وَفِي الشواذ قِرَاءَة ابْن عَبَّاس / وَيحلونَ / بِفَتْح الْيَاء وَتَخْفِيف اللَّام قَالَ ابْن جني / وَيحلونَ / من حلي يحلى يُقَال لم أحل مِنْهُ بطائل أَي لم أظفر وَيجوز أَن يكون من قَوْلهم امْرَأَة حَالية أَي ذَات حلي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ولؤلؤ / أَي يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب وَمن لُؤْلُؤ قَالَ الزّجاج وَجَائِز أَن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ يكون ذَلِك فِيمَا خلط خلطا من الصِّنْفَيْنِ

(1/474)


{ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} 25
قَرَأَ حَفْص {سَوَاء العاكف فِيهِ} نصبا جعله مَفْعُولا ثَانِيًا من قَوْله {جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء} أَي مستويا كَمَا قَالَ {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} و {العاكف} يرْتَفع بِفِعْلِهِ فِي هَذِه الْقِرَاءَة أَي اسْتَوَى العاكف فِيهِ والباد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَوَاء} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء والعاكف خَبره
قَرَأَ ابْن كثير / والبادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف على أصل الْكَلِمَة لِأَنَّك تَقول بدا يَبْدُو إِذا دخل الْبَادِيَة فَهُوَ باد مثل رَاع والراعي وَالْأَصْل البادو فَصَارَت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت والبادي
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَإِسْمَاعِيل وورش / والبادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وبالحذف فِي الْوَقْف وَهُوَ الِاخْتِيَار ليكونوا قد تبعوا الأَصْل تَارَة والمصحف أُخْرَى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء اتبَاعا للمصحف واجتزاء بالكسرة عَن الْيَاء لِأَن الكسرة تدل على الْيَاء
{وليوفوا نذورهم}
قَرَأَ عَاصِم {وليوفوا نذورهم} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهما لُغَتَانِ تَقول وَفِي يُوفى تَوْفِيَة إِذا أكمل وحجتهم

(1/475)


{وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} وَالتَّخْفِيف من أوفى يُوفي وحجتهم قَوْله {وأوفوا بِعَهْد الله}

{فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير}
قَرَأَ نَافِع {فتخطفه} بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الطَّاء وَالْأَصْل فتختطفه فأدغم التَّاء فِي الطَّاء وَألقى حَرَكَة التَّاء على الْخَاء فَفَتحهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فتخطفه} مخففا من خطف يخطف وَهُوَ الِاخْتِيَار وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} وَلم يقل اخْتَطَف وهما لُغَتَانِ تَقول الْعَرَب خطف يخطف واختطف يختطف

{وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا} بِكَسْر السِّين

(1/476)


وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي ينْحَر فِيهِ كَمَا يُقَال مجْلِس لمَكَان الْجُلُوس قَالَ الْفراء هُوَ الْمَكَان المألوف الَّذِي يَقْصِدهُ النَّاس وقتا بعد وَقت والمناسك سميت بذلك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منسكا} بِالْفَتْح والمنسك بِمَعْنى الْمصدر وحجتهم مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {منسكا} قَالَ ذبحا تَقول نسكت الشَّاة أَي ذبحتها الْمَعْنى جعلنَا لكل أمة أَن تتقرب بِأَن تذبح الذَّبَائِح لله وَيدل على ذَلِك قَول {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم} أَي عِنْد ذَبحهَا إِيَّاهَا وَيُقَوِّي الْمصدر قَوْله {لكل أمة جعلنَا منسكا هم ناسكوه} فَصَارَ فعلا وَقَالَ بعض النَّحْوِيين من قَالَ نسك ينْسك قَالَ منسكا بِالْفَتْح كَمَا تَقول دخل يدْخل مدخلًا وَمن قَالَ نسك ينْسك قَالَ منسكا بِالْكَسْرِ فعلى هَذَا القَوْل الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون مصدرا أَو مَكَانا وَكِلَاهُمَا مَفْتُوح الْعين وَإِذا كَانَ الْفِعْل مِنْهُ على فعل يفعل فالمصدر مِنْهُ وَاسم الْمَكَان على مفعل نَحْو قتل يقتل مقتلا وَهَذَا مقتلنا وَدخل يدْخل مدخلًا وَهَذَا مدخلنا وكل مَا كَانَ على فعل يفعل مثل جلس يجلس فالاسم مِنْهُ بِالْكَسْرِ والمصدر مفعل بِالْفَتْح وَالْمَكَان مفعل بِالْكَسْرِ مثل مغرس اسْما ومغرس مصدرا فَلهَذَا قُلْنَا الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ يدل على الْمصدر وَالْمَكَان وَالْكَسْر يدل على الْمَكَان فَحسب

{إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا} 38
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / إِن الله يدْفع عَن الَّذين آمنُوا / بِغَيْر ألف من دفع يدْفع دفعا وحجتهما أَن الله جلّ وَعز لَا يدافعه

(1/477)


شَيْء وَهُوَ يدْفع عَن النَّاس فالفعل وَحده لَهُ لَا لغيره
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن الله يدافع} بِالْألف وحجتهم أَن يدافع عَن مَرَّات مُتَوَالِيَات لِأَن قَول الْقَائِل دافعت عَن زيد يجوز أَن يُرَاد بِهِ دفعت عَنهُ مرّة بعد مرّة وَلَيْسَ ينحى بِهِ نَحْو قَاتَلت زيدا بل ينحى بِهِ نَحْو قَوْله {قَاتلهم الله} وَالْفِعْل لَهُ لَا لغيره وَنَحْو هَذَا طارقت النَّعْل وسافرت

{أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {أذن للَّذين يُقَاتلُون} بِضَم الْألف أَي اذن الله للَّذين يُقَاتلُون ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آذن} بِفَتْح الْألف وحجتهم أَنه قرب من قَوْله قبلهَا {إِن الله لَا يحب كل خوان كفور} فأسندوا الْفِعْل إِلَى الله لتقدم اسْمه وَأَن الْفِعْل قرب مِنْهُ وَأُخْرَى وَهِي أَن الْكَلَام عَقِيبه جرى بِتَسْمِيَة الله وَهُوَ قَوْله {وَإِن الله على نَصرهم لقدير} فَكَانَ الأولى أَن يكون مَا بَينهمَا فِي سِيَاق الْكَلَام بلفظهما ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ نَاس مُؤمنُونَ خَرجُوا مُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانُوا يمْنَعُونَ فأدركهم الْكفَّار فَأذن للْمُؤْمِنين بِقِتَال الْكفَّار فقاتلوهم قَالَ مُجَاهِد هُوَ أول قتال أذن بِهِ للْمُؤْمِنين
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص بِفَتْح التَّاء على مَا لم يسم فَاعله أَي

(1/478)


يقاتلهم الْكفَّار وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {بِأَنَّهُم ظلمُوا} أَن الْفِعْل بعده مُسْند إِلَى الْمَفْعُول بِهِ قَالَ عَاصِم لَو كَانَت يُقَاتلُون بِكَسْر التَّاء فَفِيمَ اذن لَهُم فكأنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمُشْركين قد كَانُوا بدؤوهم بِالْقِتَالِ فَأذن الله لَهُم حِين قَاتلُوا أَن يقاتلوا من قَاتلهم وَهُوَ وَجه حسن لِأَن الْمُشْركين قد كَانُوا يقتلُون أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ ممسكين عَن الْقِتَال لأَنهم لم يؤمروا بِهِ فَأذن الله لَهُم أَن يقاتلوا من قَاتلهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر التَّاء لأَنهم فاعلون الْمَعْنى يُقَاتلُون عدوهم الظَّالِمين لَهُم بإخراجهم من دِيَارهمْ وحجتهم فِي حرف أبي / أذن للَّذين قَاتلُوا /

{وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لهدمت صوامع}
قرا نَافِع / وَلَوْلَا دفاع الله النَّاس / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَوْلَا دفع الله} وَقد بيّنت فِي سُورَة الْبَقَرَة
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير {لهدمت} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ غير أَن التَّشْدِيد للتكثير {لهدمت} شَيْئا بعد شَيْء مثل ذبحت وذبحت

{فكأين من قَرْيَة أهلكناها وَهِي ظالمة} 45
قَرَأَ أبوعمرو / أهلكتها / بِالتَّاءِ وحجته مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَأَما مَا تقدم فَقَوله {وَكذب مُوسَى فأمليت للْكَافِرِينَ ثمَّ أخذتهم}

(1/479)


44 - {وَمَا تَأَخّر} قَوْله {وكأين من قَرْيَة أمليت لَهَا} 48 فَكَانَ الأولى مَا يكون بَينهمَا فِي لَفْظهمَا ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أهلكناها} بالنُّون وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {وَكم أهلكنا من قَرْيَة} {وَكم من قَرْيَة أهلكناها} {ألم نهلك الْأَوَّلين} وَلم يَأْتِ شَيْء من ذكر الإهلاك بِلَفْظ الْوَاحِد بل كُله أَتَى بِلَفْظ الْجمع فَكَانَ إِلْحَاق هَذَا الْحَرْف بنظائره أولى

{وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / مِمَّا يعدون / بِالْيَاءِ وحجتهم أَن قبله {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} فَكَذَلِك {يعدون} إِخْبَار عَنْهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تَعدونَ} بِالتَّاءِ وحجتهم أَن التَّاء أَعم لِأَنَّهُ عَنى النَّاس كلهم فَكَأَنَّهُ قَالَ كألف سنة مِمَّا تَعدونَ أَنْتُم وهم وَيُقَوِّي التَّاء قَوْله تَعَالَى {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة} مِمَّا تعده أَنْت يَا مُحَمَّد وَمن استعجلك بعذابي

{وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} 51
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالَّذين سعوا فِي آيتنا معجزين / بِغَيْر ألف أَي ينسبون من تبع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِلَى الْعَجز وَهَذَا كَقَوْلِهِم جهلته نسبته إِلَى الْجَهْل وفسقته نسبته إِلَى الْفسق

(1/480)


وَقَالَ مُجَاهِد {معجزين} أَي مثبطين ومبطئين أَي يثبطون النَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَعَن أَتبَاع الْحق
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معاجزين} بِالْألف أَي ظانين أَنهم يعجزوننا لأَنهم ظنُّوا أَنهم لَا يبعثون وَأَنه لَا جنَّة وَلَا نَار
قَالَ قَتَادَة ظنُّوا أَنهم يعجزون الله وَقَالَ ابْن عَبَّاس معاجزين مسابقين وَقَالَ الْفراء {معاجزين} أَي معاندين وَأما قَوْله {أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين فِي الأَرْض} فأجمع الْقُرَّاء على ذَلِك وَلَا يجوز معاجزين هَا هُنَا لِأَنَّهُ يصير إِلَى معنى أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معاندين وَذَلِكَ خطأ لأَنهم قد عاندوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَمعنى معجزين أَي سابقين يُقَال أعجزني أَي سابقني وفاتني

{وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا}
قَرَأَ ابْن عَامر {ثمَّ قتلوا} بِالتَّشْدِيدِ مرّة بعد مرّة وَهُوَ حسن لأَنهم قد أَكْثرُوا الْقَتْل فيهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قتلوا} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَن التَّخْفِيف يصلح للكثير والقليل

{ليدخلنهم مدخلًا يرضونه}
قَرَأَ نَافِع {ليدخلنهم مدخلًا} بِفَتْح الْمِيم جعله مصدرا وَاسم مَكَان تَقول دخل يدْخل مدخلًا وَهَذَا مدخلنا وكل مَا كَانَ

(1/481)


على فعل يفعل فالمصدر وَاسم الْمَكَان على مفعل وَدلّ قَوْله تَعَالَى {ليدخلنهم} على الْمصدر لأَنهم إِذا أدخحلوا دُخُولا فَكَأَنَّهُ قَالَ ليدخلنهم فَيدْخلُونَ مدخلًا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مدخلًا} وحجتهم قَوْله تَعَالَى {ليدخلنهم} تَقول أَدخل يدْخل إدخالا ومدخلا كَمَا قَالَ {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق}

{ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / وَإِن مَا تدعون / بِالتَّاءِ هَا هُنَا وَفِي لُقْمَان أَي قل يَا مُحَمَّد لهَؤُلَاء الْكَفَرَة إِن الَّذين تدعون من دون الله هُوَ الْبَاطِل لِأَنَّهُ لَا يعقل وَلَا يسمع وَلَا ينفع وَلَا يضر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدعونَ} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن غيب
23 - سُورَة الْمُؤمنِينَ {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ} 8 و 9
قَرَأَ ابْن كثير وَحده / لأمانتهم / على التَّوْحِيد وحجته قَوْله

(1/482)


{وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} وَلم يقل وعهودهم وَقَالَ بعض النَّحْوِيين وَجه الْإِفْرَاد أَنه مصدر وَاسم جنس فَيَقَع على الْكَثْرَة وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ وَمن هَذَا قَوْله {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} فأفرد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِأَمَانَاتِهِمْ} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَالَّذين هم على صلَاتهم يُحَافِظُونَ} على التَّوْحِيد وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي سُورَة الْأَنْعَام وَسَأَلَ سَائل عِنْد قَوْله {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} فَردا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {على صلواتهم} على الْجمع وحجتهم أَن هَذِه مَكْتُوبَة بالمصحف بواو وَكَذَلِكَ فِي بَرَاءَة وَهود فَكَانَ هَذَا دَلِيلا على الْجمع وَكَتَبُوا مَا عدا هَذِه الثَّلَاث {الصَّلَاة} بِأَلف من غير وَاو وَلم يكتبوا الْألف بعد الْوَاو اختصارا وإيجازا وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَنه عَنى الصَّلَوَات الْخمس فجعلوها جمعا لذَلِك

(1/483)


{فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} 14
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر / عظما فكسونا الْعظم لَحْمًا / على التَّوْحِيد لِأَن الْعظم يُجزئ عَن الْعِظَام قَالَ الله عز وَجل {ثمَّ يخرجكم طفْلا} أَرَادَ أطفالا وحجتهما فِي الاية / فكسونا الْعظم لَحْمًا / وَلم يقل لحوما لِأَن لفظ الْوَاحِد قد علم أَنه يُرَاد بِهِ الْجمع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عظاما فكسونا الْعِظَام} على الْجمع وحجتهم قَوْله تَعَالَى {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} وَقَوله {أئذا كُنَّا عظاما نخرة} فالجمع أشبه بِمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل

{وشجرة تخرج من طور سيناء تنْبت بالدهن وصبغ للآكلين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من طور سيناء} بِكَسْر السِّين وحجتهم قَوْله {وطور سينين} والسيناء والسينين الْحسن وكل جبل نَبتَت الثِّمَار فِيهِ فَهُوَ سينين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سيناء} بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ أَصله سرياني قَالَ مُجَاهِد الطّور الْجَبَل والسيناء الْحِجَارَة الْمُبَارَكَة
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {تنْبت بالدهن} بِضَم التَّاء وَقَرَأَ

(1/484)


الْبَاقُونَ بِالْفَتْح قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ يُقَال نبت الشّجر وَأنْبت قَالَ الشَّاعِر ... رَأَيْت ذَوي الْحَاجَات حول بيوتها ... قطينا لَهُم حَتَّى إِذا انبت البقل ...

وَهُوَ كَقَوْلِه {فَأسر بأهلك} بوصل الْألف وبقطعها وَمعنى {تنْبت بالدهن} أَي تنْبت وفيهَا دهن وَمَعَهَا صبغ كَمَا تَقول جَاءَنِي زيد بِالسَّيْفِ تُرِيدُ جَاءَنِي وَمَعَهُ السَّيْف وَقَالَ قوم من قَرَأَ {تنْبت} بِالرَّفْع فالباء زَائِدَة وَقَالُوا إِن نبت وَأنْبت فِي معنى وَاحِد

{وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونها} 21
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم} بِفَتْح النُّون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع قَالَ سِيبَوَيْهٍ والخليل سقيته كَقَوْلِه ناولته فَشرب وأسقيته جعلت لَهُ سقيا وَقَالَ آخَرُونَ سقى وأسقى لُغَتَانِ وأنشدوا

(1/485)


.. سقى قومِي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هِلَال ...

{فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأهْلك}
قَرَأَ حَفْص {من كل زَوْجَيْنِ} منونا أَرَادَ من كل شَيْء فَحذف كَمَا حذف من قَوْله كل أَتَوْهُ و {زَوْجَيْنِ} معفول بِهِ و {اثْنَيْنِ} وصف لَهُ وَتَقْدِير الْكَلَام اسلك فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من كل أَي من كل جنس وَمن كل الْحَيَوَان كَمَا قَالَ {وَلكُل وجهة} أَي وَلكُل إِنْسَان قبْلَة لِأَن كلا وبعضا يقتضيان مُضَافا إِلَيْهِمَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من كل زَوْجَيْنِ} مُضَافا أضافوا {كلا} إِلَى زَوْجَيْنِ و {اثْنَيْنِ} مفعول بِهِ

{وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين}
قَرَأَ أَبُو بكر {وَقل رب أنزلني منزلا} بِفَتْح الْمِيم وَكسر الزَّاي جعله اسْما للمكان كَأَنَّهُ قَالَ أنزلني دَارا مباركة والمنزل اسْم لكل مَا نزلت فِيهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {منزلا} بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي جَعَلُوهُ مصدرا بِمَعْنى الْإِنْزَال تَقول أنزلته إنزالا مُبَارَكًا ومنزلا

(1/486)


{ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى / منونا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ تترى فعلى
وَمعنى تترى من المواترة والمواترة أَن يتبع الْخَبَر الْخَبَر وَالْكتاب الْكتاب وَلَا يكون بَين ذَلِك فصل كثير قَالَ الْأَصْمَعِي المواترة من واترت الْخَبَر أتبعت بعضه بَعْضًا وَبَين الْخَبَر هنيهة وَقَالَ غَيره المواترة الْمُتَابَعَة وَجَاء فِي التَّفْسِير تترى يتبع بعضه بَعْضًا وَقَالَ الزّجاج وأصل هَذَا كُله الْوتر وَهُوَ الْفَرد أَي جعلت كل وَاحِد بعد صَاحبه فَردا فَردا
فَمن قَرَأَ بِالتَّنْوِينِ فَمَعْنَاه وترا فأبدل التَّاء من الْوَاو كَمَا قَالُوا التكلان من الْوكَالَة وتجاه وَإِنَّمَا هُوَ وجاه وحجته ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ هِيَ من وترت وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا كتبت بِالْألف وَهِي لُغَة قُرَيْش وَلَو كَانَت من ذَوَات الْيَاء لكَانَتْ مَكْتُوبَة بِالْيَاءِ تترى كَمَا كتبُوا يخْشَى ويرعى بِالْيَاءِ فَذهب اليزيدي إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنى الْمصدر وَأَن الْألف الَّتِي بعد الرَّاء عوض من التَّنْوِين فِي الْوَقْف من قَوْله وتر يتر وترا مثل ضرب يضْرب ضربا فَإِن قيل فَأَيْنَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ صَدره قلت صدر هَذَا الْمصدر عَن معنى الْفِعْل لَا عَن لَفظه كَأَنَّهُ حِين قَالَ {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا}

(1/487)


قَالَ وترنا رسلنَا فَجعل تترا صادرا عَن غير لفظ الْفِعْل
وَحجَّة من لم ينون أَن الْألف الَّتِي بعد الرَّاء ألف تَأْنِيث فَتَقول تترى على وزن فعلى مثل شكوى وَهَذَا هُوَ الأقيس أَلا تصرف لِأَن المصادر تلْحق أواخرها ألف التَّأْنِيث كالدعوى والشورى والذكرى وَنَحْوهَا

{وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين}
قَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر {إِلَى ربوة} بِالْفَتْح وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ

{وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وَإِن هَذِه أمتكُم} بِفَتْح الْألف وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {وَإِن} بِكَسْر الْألف
وَقَرَأَ ابْن عَامر {وَإِن} بالخفيف وَهِي مُخَفّفَة من {إِن} فَمن فتح كَانَ الْمَعْنى فِي قَول الْخَلِيل إِنَّه يحمل على الْجَار التَّقْدِير لِأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقوني لهَذَا وَمثل ذَلِك عِنْده قَوْله {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله} أَي لِأَن الْمَسَاجِد لَهُ فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا وَكَذَلِكَ قَوْله {لِإِيلَافِ قُرَيْش} كَأَنَّهُ قَالَ فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت لِإِيلَافِ قُرَيْش
وَقَالَ قوم إِنَّهَا مَرْدُودَة على مَا وَتَقْدِير الْكَلَام أَي إِنِّي بِمَا

(1/488)


تَعْمَلُونَ عليم وَبِأَن هَذِه أمتكُم وَمن كسر جعل {إِن} استئنافا وابتداءا خبر من الله جلّ وعزلا

{مستكبرين بِهِ سامرا تهجرون} 68
قَرَأَ نَافِع {سامرا تهجرون} بِضَم التَّاء وَكسر الْجِيم من أَهجر يهجر إِذا هذى فَمَعْنَى تهجرون أَي تهذون وَقَالُوا أَهجر الْمَرِيض إِذا تكلم بِمَا لَا يفهم فَكَانَ الْكفَّار إِذا سمعُوا قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ تكلمُوا بالفحش وَسبوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ جلّ وَعز {مستكبرين بِهِ} أَي بِالْقُرْآنِ أَي يحدث لكم بتلاوته عَلَيْكُم استكبارا {سامرا تهجرون} قَالَ ابْن عَبَّاس تأتون بالهجر والهذيان وَمَا لَا خير فِيهِ وَفِي الحَدِيث فِي زِيَارَة الْقُبُور
زوروها وَلَا تَقولُوا هجرا وَيجوز أَن تكون الْهَاء للبيت الْعَتِيق سامر وَجمعه سمار وهم الَّذين يتحدثون بِاللَّيْلِ فِي السمر والسمر ظلّ الْقَمَر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح التَّاء الْمَعْنى أَنكُمْ تهجرون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وآياتي وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم من كتابي فَشبه الله تَعَالَى من ترك الْقُرْآن وَالْعَمَل بِهِ كالهاجر لرشده

{أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير} 72
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أم تَسْأَلهُمْ خراجا فخراج رَبك / جَمِيعًا بِالْألف وَقَرَأَ ابْن عَامر جَمِيعًا بِغَيْر ألف

(1/489)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أم تَسْأَلهُمْ خرجا} بِغَيْر ألف {فخراج} بِالْألف
قَالَ السّديّ / أم تَسْأَلهُمْ خراجا / أَي رزقا {فخراج رَبك خير} أَي رزق رَبك خير قَالَ وَمن قَرَأَ {خرجا} أَرَادَ جعلا وَقَالَ آخَرُونَ الخرج الْجعل وَالْخَرَاج الْعَطاء وَقَالَ آخَرُونَ الخرج وَالْخَرَاج بِمَعْنى وَاحِد

{سيقولون لله} 87 و 89
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / سيقولون الله / / سيقولون الله / بِالْألف فيهمَا وَلم يَخْتَلِفُوا فِي الأولى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لله} {لله}
من قَرَأَ / سيقولون الله / فَهُوَ على جَوَاب السُّؤَال إِذْ قَالَ قبلهَا {من رب السَّمَاوَات السَّبع} 86 فَالْجَوَاب {الله} وَأما من قَالَ {لله} فعلى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه إِذا قَالَ من مَالك هَذِه الدَّار فَقَالَ فِي جَوَابه لزيد فقد أَجَابَهُ على الْمَعْنى دون مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ من مَالك هَذِه الدَّار أَن يُقَال فِي جَوَابه زيد وَإِذا قَالَ لزيد فقد حمله على الْمَعْنى وَإِنَّمَا استقام هَذَا لِأَن معنى من مَالك هَذِه الدَّار وَلمن هَذِه الدَّار وَاحِد فَلذَلِك حملت تَارَة على اللَّفْظ وَتارَة على الْمَعْنى وَالْجَوَاب على اللَّفْظ

(1/490)


هُوَ الْوَجْه لِأَنَّك إِذا قلت من صَاحب هَذِه الدَّار فأجبت زيد لَكَانَ جَوَابا على لفظ السُّؤَال وَلَو قلت فِي جَوَاب من صَاحب هَذِه الدَّار لزيد لجَاز لِأَن معنى من صَاحب هَذِه الدَّار معنى لمن هَذِه الدَّار

{سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى عَمَّا يشركُونَ} 91 و 92
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر عَالم بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَالم} بالخفص رد على قَوْله سُبْحَانَ الله عَالم الْغَيْب فَأَما الرّفْع فعلى أَن يكون خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ عَالم

{قَالُوا رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / شقاوتنا / بِالْألف وَفتح الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {شِقْوَتنَا} بِكَسْر الشين من غير ألف وهما مصدران تَقول شقي من الشقاوة والشقوة والشقوة كالفطنة والشقاوة كالسعادة
{فاتخذتموهم سخريا}
قَرَأَ طنافع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {سخريا} بِالضَّمِّ وَفِي ص

(1/491)


مثله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ
وَقَالَ الْخَلِيل هما لُغَتَانِ وَقَالَ آخَرُونَ بل مَا كَانَ فِي الِاسْتِهْزَاء فَهُوَ بِالْكَسْرِ وَمَا كَانَ من جِهَة السخري فَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر أحسن لاتباع الكسرة وَيُقَوِّي الكسرة قَوْله بعْدهَا {وكنتم مِنْهُم تضحكون} والضحك بالهزء أشبه وَحجَّة الرّفْع اجماع الْجَمِيع على الرّفْع فِي سُورَة الزخرف {ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخريا} 32 فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

{إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَنهم هم الفائزون} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح
وَالْفَتْح على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون أَنهم فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَن جزيت تتعدى إِلَى مفعولين قَالَ الله جلّ الله وَعز {وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} وَيجْعَل {إِنَّهُم} فِي مَوضِع نصب على تاويل إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا الْفَوْز يَعْنِي الْجنَّة وَإِن شِئْت لم تأت بالمفعول الثَّانِي فِي جزيت فَكَانَ مَعْنَاهُ أثبتهم وَلم تذكر مَا أثبتهم ثمَّ قلت لأَنهم هم الفائزون بأعمالهم السَّابِقَة

(1/492)


قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد التَّفْسِير الأول أَجود لِأَن الْفَوْز هُوَ الْجَزَاء وَلَيْسَ بعلة للجزاء وَمن كسر إِن يَقُول إِن الْكَلَام متناه عِنْد قَوْله {بِمَا صَبَرُوا} ثمَّ أخبر فَقَالَ {أَنهم هم الفائزون} قَالَ أَبُو عبيد هَذَا مدح من الله لَهُم

{قَالَ كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم فاسأل العادين قَالَ إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا} 112 و 114
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قل كم لبثتم فِي الأَرْض / / قل إِن لبثتم / بِغَيْر ألف فيهمَا على الْأَمر وَدخل ابْن كثير مَعَهُمَا فِي الأول
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَالَ} {قَالَ} على الْخَبَر عَمَّا هُوَ قَائِل أَو من أحب من عباده أَو مَلَائكَته للمبعوثين يَوْم الْقِيَامَة سَائِلًا لَهُم عَن لبثهم بعد وفاتهم وَهُوَ فعل منتظر وَجرى بِمَعْنى الْمُضِيّ لِأَن أَخْبَار الْقِيَامَة وَإِن كَانَت لم تأت بعد فَهِيَ بِمَنْزِلَة مَا قد مضى إِذْ لَيْسَ فِيمَا مضى شكّ فِي كَونه ووجوبه فَجعلت أَخْبَار الْقِيَامَة فِي التَّحْقِيق كَمَا قد مضى
وَحجَّة من قَرَأَ {قل} أَن الْمَعْنى فِي ذَلِك أَن أهل النَّار قيل لَهُم قُولُوا {كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين} على الْأَمر لَهُم بِأَن يَقُولُوا ذَلِك فَأخْرج الْكَلَام على وَجه الْأَمر بِهِ للْوَاحِد وَالْمرَاد الْجَمَاعَة إِذْ كَانَ الْمَعْنى مفهوما وَالْعرب تخاطب الْوَاحِد ومرادهم خطاب جمَاعَة إِذا عرف الْمَعْنى كَقَوْلِه يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم و {إِنَّك كَادِح} وَالْمعْنَى مُخَاطبَة جَمِيع النَّاس

(1/493)


{أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} بِنصب التَّاء وَكسر الْجِيم وحجتهم قَوْله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِضَم التَّاء وحجتهم قَوْله {وَإِلَيْهِ تقلبون} و {ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون}
24 - سُورَة النُّور {سُورَة أنزلناها وفرضناها}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وفرضناها بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ
معنى فرضناها فَرضنَا فرائضها فَحذف الْمُضَاف وَحسن ذَلِك لإضافة الْفَرَائِض إِلَى السُّورَة وَهِي لله سُبْحَانَهُ لِأَنَّهَا مفهومة عَنْهَا قَالَ الزّجاج من قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاه ألزمناكم الْعَمَل بِمَا فرض فِيهَا وَمن قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا على التكثير على معنى إِنَّا فَرضنَا فِيهَا فروضا وعَلى معنى بَينا مَا فِيهَا من الْحَلَال وَالْحرَام وَحجَّة التَّخْفِيف قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم}

{وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله}

(1/494)


قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} بِفَتْح الْهمزَة تَقول رؤف رافا كَمَا تَقول كرم كرما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رأفة} سَاكِنة الْهمزَة وَهُوَ الأَصْل تَقول رؤف يروف رأفة

{فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} 6 9
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {فشهادة أحدهم أَربع} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب
قَالَ الزّجاج من قَرَأَ أَربع فعلى خبر الِابْتِدَاء الْمَعْنى فشهادة أحدهم الَّتِي تدرأ حد الْقَاذِف {أَربع} والمبتدأ فشهادة وَمن نصب {أَربع} فَالْمَعْنى فَعَلَيْهِم أَن يشْهد أحدهم أَربع شَهَادَات وينتصب انتصاب المصادر كَا تَقول شهِدت شَهَادَة
قَرَأَ حَفْص {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا} بِالنّصب على تَأْوِيل وَتشهد الْخَامِسَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَالْخَامِسَة بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
قَرَأَ نَافِع {إِن} خَفِيفَة {لعنة الله} على الِابْتِدَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن لعنة الله}

(1/495)


قَرَأَ نَافِع {إِن} خَفِيفَة {غضب} بِكَسْر الضَّاد وَفتح الْبَاء {الله} فَاعل رفع {غضب} فعل مَاض وَاسم الله رفع بِفِعْلِهِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَا هُنَا هَاء مضمرة وَأَن خَفِيفَة من الثَّقِيلَة الْمَعْنى أَنه غضب الله عَلَيْهَا قَالَ الشَّاعِر ... فِي فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل ...

وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَن غضب الله عَلَيْهَا

{يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} 24
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / يَوْم يشْهد عَلَيْهِم ألسنتهم / بِالْيَاءِ لِأَن الْوَاحِد مِنْهَا مُذَكّر وَالْفِعْل مُتَقَدم وَقد حيل بَين الِاسْم وَالْفِعْل بقوله عَلَيْهِم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَوْم تشهد} بِالتَّاءِ لِأَنَّهَا جمَاعَة تَقول هَذِه أَلْسِنَة

{وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا} {لبعولتهن أَو آبائهن} {أَو التَّابِعين غير أولي الإربة من الرِّجَال} {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} 31
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر غير أولي الإربة نصبا ونصبه على

(1/496)


ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا الِاسْتِثْنَاء الْمَعْنى لَا يبدين إِلَّا للتابعين إِلَّا أولي الإربة فَلَا يبدين زينتهن لَهُم وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال فَيكون الْمَعْنى أَو التَّابِعين لَا مريدين النِّسَاء أَي فِي هَذِه الْحَال
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غير} خفضا صفة الْمَعْنى لَا يبدين زينتهن إِلَّا للتابعين الَّذين لَا إربة لَهُم فِي النِّسَاء والإربة الْحَاجة قَالَ الزّجاج وَجَاز وصف التَّابِعين ب غير وَإِن كَانَت غير يُوصف بهَا النكرَة فَإِن التَّابِعين هَا هُنَا لَيْسَ بمقصود بِهِ إِلَى قوم بأعيانهم إِنَّمَا مَعْنَاهُ لكل تَابع غير ذِي إربة
قَرَأَ ابْن عَامر / أيه الْمُؤْمِنُونَ / بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ / أيه السَّاحر /

(1/497)


و / أيه الثَّقَلَان / وَهَذِه لُغَة وحجته أَن الْمَصَاحِف جَاءَت فِي هَذِه الثَّلَاثَة بِغَيْر ألف قَالَ ثَعْلَب كَأَن من يرفع الْهَاء يَجْعَل الْهَاء مَعَ أَي اسْما وَاحِدًا على أَنه اسْم مُفْرد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَيهَا} بِفَتْح الْهَاء فِيهِنَّ وابو عَمْرو وَالْكسَائِيّ يقفان عَلَيْهَا بِالْألف لِأَنَّهَا إِنَّمَا سَقَطت لسكونها وَسُكُون لَام الْمعرفَة فَإِذا وقف عَلَيْهَا زَالَ التقاء الساكنين فظهرت الْألف فَلَا وَجه لخدفها فِي الْوَقْف

{وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات مبينات} 34
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {آيَات مبينات} بِفَتْح الْيَاء أَي لَا لبس فِيهَا وحجتهم قَوْله {قد بَينا لكم الْآيَات} وَالْفِعْل مُسْند إِلَى الله فَهِيَ الْآن مبينات بِدلَالَة مَا فِي التَّنْزِيل على صِحَة وَجه إخراجهن مفعولات
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة غير أبي بكر مبينات بِالْكَسْرِ الْمَعْنى بَين لكم الْحَلَال من الْحَرَام فهن الفاعلات وحجتهم قَوْله {يحذر المُنَافِقُونَ أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم} فأسند التَّبْيِين إِلَى السُّورَة فَكَذَلِك قَوْله {آيَات مبينات} فأسندوا التَّبْيِين إِلَى الْآيَات

{الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري يُوقد من شَجَرَة مباركة} 35

(1/498)


قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} بِضَم الدَّال مُشَدّدَة الْيَاء بِغَيْر همز
يحْتَمل قَوْله تَعَالَى {دري} أَمريْن احدهما أَن يكون نِسْبَة إِلَى الدّرّ لفرط ضيائه وبهائه ونوره كَمَا أَن الدّرّ كَذَلِك وحجتهم حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ إِنَّكُم لترون أهل عليين فِي عليين كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي أفق السَّمَاء وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأنعما هَكَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث وَيجوز أَن يكون فعيلا من الدرء وَهُوَ الدّفع وَهُوَ أَن يدْفع بنوره من أَن ينظر النَّاظر إِلَيْهِ فخففت الْهمزَة فَانْقَلَبت يَاء كَمَا تنْقَلب من النبيء ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء
وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر / دريء / بِضَم الدَّال مهموزا فعيلا من الدرء وَهُوَ الدّفع وَقد فسرت حكى سِيبَوَيْهٍ عَن أبي الْخطاب / كَوْكَب دريء / من الصِّفَات وَمن الْأَسْمَاء المريق وَهُوَ العصفر
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ / دريء / مهموزا بِكَسْر الدَّال فعيلا من الدرء مثل السكير والفسيق وَالْمعْنَى أَن الخفاء يدْفع عَنهُ لتلألئه فِي ظُهُوره فَلم يخف كَمَا خَفِي نَحْو السها

(1/499)


قَالَ الْكسَائي / كَوْكَب دريء / أَي مضيء تَقول دَرأ النَّجْم يدْرَأ درءا إِذا أَضَاء وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم أَبُو عَمْرو أَخَذُوهُ من درأت النُّجُوم إِذا اندفعت أَي اندفعت الشَّيَاطِين بهَا
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / توقد / بِالتَّاءِ وَفتح الْوَاو وَالدَّال فعل مَاض وفاعل توقد الْمِصْبَاح وَيكون الْمَعْنى الْمِصْبَاح فِي زجاجة توقد الْمِصْبَاح وَيجوز أَن يكون التوقد للكوكب لِأَن الْكَوْكَب يُوصف كثيرا بالتوقد لما يعرض فِيهَا من الحركات الَّتِي تشبه توقد النيرَان
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {يُوقد} مَضْمُومَة الْيَاء وَالدَّال وَمن قَرَأَ هَذَا كمن قَرَأَ / توقد / فِي أَنه جعل فَاعل يُوقد الْمِصْبَاح أَو الْكَوْكَب
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر / توقد / بِالتَّاءِ جعلُوا الإيقاد للزجاجة لِأَنَّهُ جَاءَ فِي سِيَاق وصفهَا وَقرب مِنْهَا فَجعلُوا الْخَبَر عَنْهَا لقربها مِنْهُ وَبعده من الْمِصْبَاح فَإِن قيل كَيفَ وصفت الزجاجة بِأَنَّهَا توقد وَإِنَّمَا يكون الاتقاد للنار قيل لما كَانَ الاتقاد فِيهَا جَازَ أَن يُوصف بِهِ لارْتِفَاع اللّبْس عَن وهم السامعين وعلمهم بالمراد

(1/500)


من الْكَلَام وَالْعرب قد تسند الْأَفْعَال كثيرا إِلَى مَا لَا فعل لَهُ فِي الْحَقِيقَة إِذا كَانَ الْفِعْل يَقع فِيهِ فَيَقُولُونَ ليل نَائِم لِأَن النّوم فِيهِ يكون كَمَا قَالَ جلّ وَعز {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف} فالعصوف للريح فَجعله من صفة الْيَوْم لكَونه فِيهِ وَهَذَا وَاضح عِنْد أهل الْعَرَبيَّة

{فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال} 26 و 27
قَرَأَ ابْن عَامر وَأَبُو بكر {يسبح لَهُ فِيهَا} بِفَتْح الْبَاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَامَ الْجَار وَالْمَجْرُور مقَام الْفَاعِل ثمَّ فسر من يسبح فَقَالَ {رجال} أَي يسبح لَهُ رجال فَهَذَا الْمُضمر دلّ عَلَيْهِ قَوْله {يسبح لَهُ} لِأَنَّهُ إِذا قَالَ يسبح دلّ على فَاعل التَّسْبِيح فَيكون رفع {رجال} هَا هُنَا على تَفْسِير مَا لم يسم فَاعله وَيجوز أَن يكون الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله {وَالْآصَال} ثمَّ يَقُول {رجال لَا تُلْهِيهِمْ} على الِابْتِدَاء وَالْأول بإضمار فعل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يسبح} بِكَسْر الْبَاء و {رجال} رفع بفعلهم

{أَو كظلمات فِي بَحر لجي يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج من فَوْقه سَحَاب ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض} 40
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس {سَحَاب} منونا {ظلمات}

(1/501)


مَكْسُورَة التَّاء فَجعله تكريرا أَو بَدَلا من الظُّلُمَات الأولى وَالتَّقْدِير أَو كظلمات ظلمات
قَرَأَ البزي {سَحَاب ظلمات} مُضَافا كَمَا تَقول سَحَابَة رَحْمَة وسحاب مطر إِذا ارْتَفع فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ الرَّحْمَة والمطر وَكَذَلِكَ شبه إِذا ارْتَفع فِي وَقت كَون هَذِه الظُّلُمَات بارتفاعه فِي وَقت الرَّحْمَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَحَاب ظلمات} رفعا جَمِيعًا بِالتَّنْوِينِ {سَحَاب} رفع لِأَنَّهُ خبر الصّفة والظمات رفع لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف تَقْدِيره هَذِه ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض

{وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَالله خَالق كل دَابَّة من مَاء على فَاعل وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا بعده
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خلق كل دَابَّة} وحجتهم أَن الْمَقْصُود من ذَلِك هُوَ التَّنْبِيه على الِاعْتِبَار بِمَا بعد الْفِعْل من الْمَخْلُوقَات وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَأكْثر مَا يتأتي فِيهِ الْفِعْل على فعل وَهَذَا الْموضع مَوْضِعه كَمَا قَالَ {الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} وَقَالَ {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} فنبههم بذلك أَن يعتبروا ويتفكروا فِي قدرته فَكَذَلِك قَوْله {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء}

(1/502)


وَحجَّة من قَرَأَ / خَالق كل دَابَّة / فَلفظ قَوْله {خَالق} أَعم وَأجْمع لِأَنَّهُ يشْتَمل على مَا مضى وَمَا يحدث مِمَّا هُوَ كَائِن وَيدل عَلَيْهِ قَوْله {خَالق كل شَيْء فاعبدوه}

{وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون}
قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة الْحلْوانِي {ويخش الله ويتقه} بالاختلاس وَهُوَ الِاخْتِيَار عِنْد أهل النَّحْو لِأَن الأَصْل فِي الْفِعْل قبل الْجَزْم أَن تَقول يتقيه وبالاختلاس فَلَمَّا سَقَطت الْيَاء للجزم بقيت الْحَرَكَة مختلسة كأول وهلة
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ويتقه} سَاكِنة الْهَاء قَالُوا إِن الْهَاء لما اخْتلطت بِالْفِعْلِ ثقلت الْكَلِمَة فخففت بالإسكان
وَقَرَأَ حَفْص ويتقه بِإِسْكَان الْقَاف وَكسر الْهَاء وَله حجتان إِحْدَاهمَا أَنه كره الكسرة فِي الْقَاف فأسكنها تَخْفِيفًا وَالْعرب تَقول هَذَا فَخذ وفخذ وكبد وكبد وَيجوز أَن يكون أسكن الْقَاف وَالْهَاء فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين كَمَا قَرَأَ أَبُو بكر فِي أول الْكَهْف {من لَدنه} بِكَسْر الْهَاء فَإِنَّهُ أسكن الدَّال استثقالا للضمة فَلَمَّا أسكن الدَّال التقى ساكنان النُّون وَالدَّال فَكسر النُّون لالتقاء الساكنين وَكسر الْهَاء لمجاورة حرف مكسور وَوَصلهَا بياء

(1/503)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ويتقه} ي بِكَسْر الْهَاء لمجاورة الْقَاف الْمَكْسُورَة يتبعُون الْهَاء يَاء تَقْوِيَة وَقد ذكرت ذَلِك فِي آل عمرَان

{ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} 55
قَرَأَ أَبُو بكر {اسْتخْلف} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ كَمَا اسْتخْلف بِفَتْح التَّاء لذكر الله تَعَالَى قبل ذَلِك وَبعده فَمن ضم التَّاء ف الَّذين فِي مَوضِع رفع وَمن فتح التَّاء ف الَّذين فِي مَوضِع نصب
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {وليبدلنهم} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ
قَالَ الْفراء هما متقاربان فَإِذا قلت للرجل قد بدلت مَعْنَاهُ قد تغير حالك وَلم يَأْتِ مَكَانك آخر وكل مَا غير عَن حَاله فَهُوَ مبدل وَقد يجوز بِالتَّخْفِيفِ مبدل وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ فَإِذا جعلت الشَّيْء مَكَان الشَّيْء قلت أبدلته ابدل لي هَذَا الدِّرْهَم أَي أَعْطِنِي مَكَانَهُ وَبدل جَائِزَة فَمن قَالَ وليهدلنه فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَجْعَل الْخَوْف أمنا وَمن قَالَ ليبدلنهم بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الْأَمْن خلاف الْخَوْف فَكَأَنَّهُ قَالَ اجْعَل لَهُم مَكَان الْخَوْف أمنا أَي ذهب بالخوف وَجَاء الْأَمْن وَهَذَا مَوضِع اتساع الْعَرَب فِي الْعَرَبيَّة

{لَا تحسبن الَّذين كفرُوا معجزين فِي الأَرْض}

(1/504)


قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة / وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا معجزين / بِالْيَاءِ وَجَاز أَن يكون فَاعل الحسبان أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا أَن يكون قد يضمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَحسبن مُحَمَّد الَّذين كفرُوا معجزين وَالَّذين الْمَفْعُول الأول والمعفول الثَّانِي معجزين وَيجوز أَن يكون فَاعل الحسبان الَّذين كفرُوا وَيكون الْمَفْعُول الأول محذوفا تَقْدِيره لَا يَحسبن الَّذين كفرُوا إيَّاهُم معجزين فِي الأَرْض
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تحسبن الَّذين} بِالتَّاءِ أَي لَا تحسبن يَا مُحَمَّد الْكَافرين معجزين أَي قدرَة الله مُحِيطَة بهم

{لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء ثَلَاث عورات لكم} 58
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {ثَلَاث عورات لكم} نصبا جَعَلُوهُ بَدَلا من قَوْله {ثَلَاث مَرَّات} و {ثَلَاث مَرَّات} نصب على الظّرْف فَإِن قلت إِن قَوْله {ثَلَاث مَرَّات} وزمان بِدلَالَة أَنه فسر بِزَمَان وَهُوَ قَوْله {من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَلَيْسَ العورات بِزَمَان فَكيف يَصح وَلَيْسَ هَذِه هن
قيل يكون ذَلِك على أَن يضمر الْأَوْقَات كَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَات

(1/505)


ثَلَاث العورات فَلَمَّا حذف الْمُضَاف أعرب الْمُضَاف إِلَيْهِ بإعراب الْمُضَاف والعورات جمع عَورَة وَحكم مَا كَانَ على فعله من الْأَسْمَاء تَحْرِيك الْعين فِي الْجمع نَحْو حفْنَة وحفنات إِلَّا أَن عَامَّة الْعَرَب كَرهُوا تَحْرِيك الْعين فِيمَا كَانَ عينه واوا أَو يَاء لما كَانَ يلْزم من الانقلاب إِلَى الْألف فأسكنوا وَقَالُوا عورات وبيضات وهذيل حركوا الْعين مِنْهَا فَقَالُوا عورات وَأنْشد عبهضم ... أَخُو بيضات رائح متأوب ... رَفِيق بمسح الْمَنْكِبَيْنِ سبوح ...

فحرك الْيَاء من بيضات وَمن قَرَأَ / يَضعن من ثيابهن / فَلِأَنَّهُ لَا يوضع كل الثِّيَاب وَإِنَّمَا يوضع بَعْضهَا وَرُوِيَ عَن أبي عبد الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ هُوَ الجلباب إِلَّا أَن يكون أمة فَلَيْسَ عَلَيْهَا جنَاح أَن تضع خمارها
قَالَ الزّجاج {ثَلَاث عورات} بِالنّصب على معنى لِيَسْتَأْذِنكُم ثَلَاث عورات

(1/506)


وقرأالباقون {ثَلَاث عورات} جَعَلُوهُ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَمَا قَالَ {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} ثَلَاث مَرَّات وَفصل الثَّلَاث بقوله {من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ ثَلَاث عورات فأجمل بعد التَّفْصِيل