حجة القراءات 25 - سُورَة الْفرْقَان
{أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا} {تبَارك الَّذِي إِن
شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا
الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا} 8 و 10
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {نَأْكُل مِنْهَا} بالنُّون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ أَي مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وحجتهم قَوْله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك
خيرا من ذَلِك} فخصه بِالْوَصْفِ وَلم يقل جعل لكم فيدخلوا
مَعَه فِي الْوَصْف وَمن قَرَأَ بالنُّون أخبر الْمُتَكَلّم
عَن نَفسه مَعَ جمَاعَة كَأَنَّهُمْ أَرَادوا أَن يكون
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ جنَّة لَهُ دونهم يرونها ويأكلون
مِنْهَا حَتَّى يتيقنوا صِحَة ذَلِك بأكلهم مِنْهُ نَظِير مَا
أخبر عَنْهُم فِي قيلهم لَهُ {لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من
الأَرْض ينبوعا} وقيلهم أَيْضا لَهُ {وَلنْ نؤمن لرقيك حَتَّى
تنزل علينا كتابا نقرؤه} وَلم يقل تقرؤه
(1/507)
أَنْت علينا حَتَّى تفجر لنَفسك
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {وَيجْعَل لَك
قصورا} بِرَفْع اللَّام على الِابْتِدَاء قطعوه عَمَّا قبله
وَالْمعْنَى وسيجعل لَك قصورا أَي سيعطيك الله فِي الْآخِرَة
أَكثر مِمَّا قَالُوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيجْعَل لَك} جزما عطفوا على مَوضِع
{إِن شَاءَ} الْمَعْنى إِن يَشَأْ يَجْعَل لَك جنَّات وَيجْعَل
لَك قصورا
{وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين دعوا هُنَالك
ثبورا}
قَرَأَ ابْن كثير ضيقا بِالتَّخْفِيفِ ووزنه فعل وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {ضيقا} بِالتَّشْدِيدِ ووزنه فيعل وهما لُغَتَانِ
مثل هَين ولين وهين ولين وَمثله ميت وميت
{وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم
أضللتم عبَادي هَؤُلَاءِ} 17
قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من
دون الله فَيَقُول} بِالْيَاءِ جَمِيعًا
(1/508)
وَقَرَأَ ابْن عَامر جَمِيعًا بالنُّون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نحشرهم} بالنُّون {فَيَقُول} بِالْيَاءِ
حجَّة من قَرَأَ جَمِيعًا بِالْيَاءِ قَوْله قبلهَا {كَانَ على
رَبك وَعدا مسؤولا وَيَوْم يحشرهم} أَي وَيَوْم يحشرهم رَبك
فَيَقُول وَيُقَوِّي ذَلِك مَا بعده {أضللتم عبَادي} وَلم يقل
عبادنَا
وَحجَّة من قَرَأَ نحشرهم بالنُّون {فَيَقُول} بِالْيَاءِ
فَإِنَّهُ على أَنه أفرد بعد الْجمع مثل قَوْله {وآتينا مُوسَى
الْكتاب وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل أَلا تَتَّخِذُوا من
دوني وَكيلا} وَحجَّة من قَرَأَ {نحشرهم} بالنُّون فَالله أخبر
عَن نَفسه أَي نَحن نحشرهم ثمَّ عطف عَلَيْهِ / فَنَقُول /
بِلَفْظ الْجمع وحجته قَوْله فِي الْأَنْعَام / وَيَوْم نحشرهم
جَمِيعًا ثمَّ نقُول للْمَلَائكَة / وكما قَالَ {وحشرناهم فَلم
نغادر مِنْهُم أحدا}
{فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا
نصرا}
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة قنبل / فقد كذبوكم بِمَا
يَقُولُونَ / بِالْيَاءِ أَي كذبوكم بقَوْلهمْ وَقَوْلهمْ
{سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من
أَوْلِيَاء} وَقَوْلهمْ أَيْضا {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ
يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} وَقَوْلهمْ
أَيْضا {سُبْحَانَكَ أَنْت ولينا من دونهم} فَفِي قَوْله
{أَنْت ولينا من دونهم} دلَالَة على أَنهم لم
(1/509)
يعبدوهم لأَنهم لَو عبدوهم وَرَضوا بذلك لم
يكن الله وليا لَهُم من دونهم وَقَرَأَ / فَمَا يَسْتَطِيعُونَ
/ بِالْيَاءِ أَي فَمَا يَسْتَطِيع الْمَلَائِكَة لَهُم صرفا
وَلَا نصرا
وَقَرَأَ حَفْص {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} بِالتَّاءِ أَي
فقد كذبتكم الْمَلَائِكَة بِمَا تَقولُونَ أَي فِي قَوْلكُم
إِنَّهُم آلِهَة وَقَرَأَ {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} بِالْيَاءِ
أَي فَمَا يَسْتَطِيع الشُّرَكَاء صرفا وَلَا نصرا لكم
{وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة
تَنْزِيلا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر {وَيَوْم تشقق
السَّمَاء} بِالتَّشْدِيدِ أَرَادوا تتشق فأدغموا التَّاء فِي
الشين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تشقق} بِالتَّخْفِيفِ أَرَادوا ايضا /
تتشقق / فحذفوا إِحْدَى التَّاءَيْنِ الْمَعْنى تشقق السَّمَاء
بالغمام أَي مَعَ الْغَمَام وَقد قيل عَن الْغَمَام
قَرَأَ ابْن كثير {وننزل} بنونين الأولى مَضْمُومَة
وَالثَّانيَِة سَاكِنة وَاللَّام مَرْفُوعَة {الْمَلَائِكَة}
نصب الله تَعَالَى يخبر عَن نَفسه أَي ننزل نَحن الْمَلَائِكَة
وحجته قِرَاءَة من قَرَأَ {مَا ننزل الْمَلَائِكَة إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذا منظرين} وَقَوله {تَنْزِيلا}
مصدرا نزل تَنْزِيلا وَمن أنزل ينزل إنزالا لَا يَجِيء إِلَّا
أَنه قد جَاءَ فِي الْقُرْآن مثله وَهُوَ قَوْله {وتبتل
إِلَيْهِ تبتيلا} وَلم يقل تبتلا فَكَذَلِك قِرَاءَة ابْن كثير
(1/510)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَنزل
الْمَلَائِكَة} على مَا لم يسم فَاعله وَهُوَ الِاخْتِيَار
لِأَن {تَنْزِيلا} لَا يكون إِلَّا مصدر نزل
/ وَهُوَ الَّذِي أرسل الرّيح بشرا بَين يَدي رَحمته 48 /
قَرَأَ ابْن كثير / وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرّيح / بِغَيْر
ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي
سُورَة الْبَقَرَة نشرا أَيْضا قد ذكرنَا الْقرَاءَات والحجج
فِي الْأَعْرَاف
{وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لِيذكرُوا} سَاكِنة الذَّال من
ذكر يذكر أَي لِيذكرُوا نعم الله عَلَيْهِم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِيذكرُوا} بِالتَّشْدِيدِ أَرَادوا
ليتذكروا فأدغموا التَّاء فِي الذَّال وَالْمعْنَى ليتعظوا
{وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن
أنسجد لما تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لما يَأْمُرنَا / بِالْيَاءِ
وحجتهما أَن التَّفْسِير
(1/511)
ورد بِأَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب كَانَ تسمى
بالرحمن فَلَمَّا قيل لَهُم {اسجدوا للرحمن} قَالُوا حِينَئِذٍ
أنسجد لما يَأْمُرنَا رَحْمَن الْيَمَامَة تكبرا مِنْهُم
واستهزاء فَأنْزل الله جلّ وَعز من قيلهم هَذِه الْآيَة وَقد
يجوز أَن يَقُولُوا لَهُ وَمَا الرَّحْمَن ثمَّ يَقُول بَعضهم
لبَعض أنسجد لما يَأْمُرنَا مُحَمَّد بِالسُّجُود لَهُ على
وَجه الْإِنْكَار مِنْهُم لذَلِك وَيجوز أَيْضا أَن يَعْنِي
أَنهم قَالُوا لَا نصدقك فنسجد لما تزْعم أَنه يَأْمُرنَا بذلك
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لما تَأْمُرنَا بِالتَّاءِ جعلُوا
الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي أنسجد لما
تَأْمُرنَا كَأَنَّهُمْ خاطبوه بِالرَّدِّ {وَزَادَهُمْ نفورا}
أَي وَزَادَهُمْ أمره إيَّاهُم بِالسُّجُود نفورا عَمَّا أمروا
بِهِ
{تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا
سِرَاجًا وقمرا منيرا}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَجعل فِيهَا سرجا / على
الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سِرَاجًا} على التَّوْحِيد
أَرَادوا الشَّمْس وحجتهم {وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا}
بِالتَّوْحِيدِ فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ وَالْهَاء فِي {فِيهَا} عَائِدَة على
السَّمَاء وأرادو بالبروج النُّجُوم الْكِبَار وَيجوز أَن تكون
الْهَاء عَائِدَة على البروج فَيكون حِينَئِذٍ السراج يُؤَدِّي
عَن معنى الْجمع كَمَا قَالَ {يخرجكم طفْلا} وَيكون
التَّقْدِير وَجعل فِي البروج سِرَاجًا فَيُؤَدِّي السراج عَن
معنى الْجمع وَمن قَرَأَ سرجا الشَّمْس وَالْقَمَر
وَالْكَوَاكِب الْعِظَام مَعهَا وَالْهَاء فِي {فِيهَا}
(1/512)
عَائِدَة على البروج وَيكون تَقْدِير
الْكَلَام جعل فِي البروج سرجا وقمرا منيرا وَإِذا وجهت
الْقِرَاءَة على هَذَا الْوَجْه أخذت الْمَعْنيين الْجمع
والتوحيد لِأَن البروج منَازِل الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم
فَهِيَ كلهَا فِي البروج وَالشَّمْس دَاخِلَة مَعهَا
{وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة لمن أَرَادَ
أَن يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا}
قَرَأَ حَمْزَة {لمن أَرَادَ أَن يذكر} بِإِسْكَان الذَّال
وَضم الْكَاف أَي لمن أَرَادَ الذّكر قَالَ الْفراء يذكر
ويتذكر بِمَعْنى وَاحِد يُقَال ذكرت حَاجَتك وتذكرتها وَفِي
التَّنْزِيل {إِنَّه تذكرة فَمن شَاءَ ذكره}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يذكر} بِالتَّشْدِيدِ أَي يتعظ ويتفكر
وَيعْتَبر فِي اخْتِلَافهمَا وَالْأَصْل يتَذَكَّر ثمَّ أدغموا
التَّاء فِي الذَّال وحجتهم قَوْله {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا
الْأَلْبَاب}
{وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَلم يقترُوا} بِضَم الْيَاء
وَكسر التَّاء من أقتر يقتر مثل أكْرم يكرم وحجتهما قَوْله
{وعَلى المقتر قدره}
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {يقترُوا} بِفَتْح الْيَاء
وَكسر التَّاء
(1/513)
وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {يقترُوا} بِضَم
التَّاء من قتر يقتر وهما لُغَتَانِ تَقول قتر يقتر ويقتر مثل
عرش يعرش ويعرش وَعَكَفَ يعكف ويعكف وحجتهم قَوْله وَكَانَ
الْإِنْسَان قتورا
{وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم
الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهانا} 68 و 69
قَرَأَ ابْن كثير / يضعف لَهُ الْعَذَاب / بِالتَّشْدِيدِ
والجزم
وَقَرَأَ ابْن عَامر / يضعف / بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع
{ويخلد} بِالرَّفْع أَيْضا
وَقَرَأَ أَبُو بكر {يُضَاعف} بِالرَّفْع وَالْألف {ويخلد}
بِالرَّفْع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يُضَاعف} {ويخلد} بِالْألف والجزم
فيهمَا
فَمن جزم جعله بَدَلا من جَوَاب الشَّرْط وَالشّرط قَوْله
{وَمن يفعل ذَلِك} جَوَابه {يلق} وعلامة الْجَزْم فِيهِ سُقُوط
الْألف و {يُضَاعف} بدل من يلق و {ويخلد} نسق عَلَيْهِ قَالَ
الزّجاج وَتَأْويل الأثام تَأْوِيل المجازاة على الشَّيْء
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يُقَال لقد لَقِي أثام
ذَلِك أَي جَزَاء ذَلِك وسيبويه والخليل يذهبان إِلَى أَن
مَعْنَاهُ يلقى جَزَاء الأثام وَمثله {مشفقين مِمَّا كسبوا}
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة {يلق أثاما} أَي عُقُوبَة أَي عُقُوبَته
وَمن رفع فقد اسْتغنى الْكَلَام وَتمّ جَوَاب الشَّرْط فاستأنف
على تَأْوِيل تَفْسِير يلق أثاما كَأَن قَائِلا قَالَ مَا
لَقِي الآثم
(1/514)
فَقيل يُضَاعف للآثم الْعَذَاب ويخلد نسق
عَلَيْهِ و / يضعف / جيد تَقول ضاعفت الشَّيْء وضعفته
{رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين}
74
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَحَفْص {من
أَزوَاجنَا} وَذُرِّيَّاتنَا بِالْألف على الْجمع وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ ذريتنا وَاحِدَة فَمن جمع قَالَ الْجمع للأزواج
وَمن وحد قَالَ الذُّرِّيَّة فِي معنى الْجمع قَالَ الله
تَعَالَى {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح}
{أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا
تَحِيَّة وَسلَامًا} 75
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {ويلقون فِيهَا}
بِالتَّخْفِيفِ أَي يلقون أهل الْجنَّة فِيهَا تَحِيَّة
وَسلَامًا من الله جعلنَا الله مِنْهُم فالفعل لَهُم وحجتهم
قَوْله {فَسَوف يلقون غيا} {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما}
فَجعلُوا قَوْله {ويلقون فِيهَا} بِلَفْظ مَا تقدم ليَكُون
الْكَلَام على نظم وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ويلقون} بِالتَّشْدِيدِ أَي يُلقيهِمْ
الله أَو مَلَائكَته التَّحِيَّة وَالسَّلَام إِذا دخلُوا
الْجنَّة وحجتهم قَوْله {ولقاهم نَضرة وسرورا} فعلى لقاهم
يلقون
(1/515)
وَاعْلَم أَن لَقِي فعل مُتَعَدٍّ إِلَى
مفعول وَاحِد فَإِذا ثقل تعدى إِلَى مفعولين فَقَوله
{تَحِيَّة} الْمَفْعُول الثَّانِي من لقِيت زيدا تَحِيَّة
فَلَمَّا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ قَامَ أحد المفعولين
مقَام الْفَاعِل فَبَقيَ الْفِعْل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول
وَاحِد
26 - سُورَة الشُّعَرَاء
{طسم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر {طسم} بِكَسْر الطَّاء
وحجتهم صِحَة الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنه
أمال {طه} فأجروا {طسم} مجْراهَا إِذْ هِيَ هِيَ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الطَّاء وحجتهم أَنَّهَا من
الْحُرُوف المناعة لِأَنَّك لَا تَقول فِي طَالب طَالب كَا
أَنَّك لَا تَقول فِي ظَالِم ظَالِم
قَرَأَ حَمْزَة وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع بِإِظْهَار النُّون
عِنْد الْمِيم هَا هُنَا وَفِي الْقَصَص وحجتهما أَن حُرُوف
الهجاء فِي تَقْدِير الِانْفِصَال والانقطاع مِمَّا بعْدهَا
فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك وَجب تَبْيِين النُّون عِنْد
الْمِيم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بإخفاء النُّون عِنْد الْمِيم وحجتهم فِي
ذَلِك أَن همزَة الْوَصْل قد وصلت وَلم تقطع فِي قَوْله آلم
الله اله فَلَمَّا سَقَطت همزَة
(1/516)
الْوَصْل وَهِي لَا تسْقط إِلَّا فِي الدرج
مَعَ هَذِه الْحُرُوف فَكَذَلِك لَا تتبين النُّون عِنْد
الْمِيم
{فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون}
قَرَأَ حَفْص {تلقف} من لقف يلقف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالتَّشْدِيدِ من تلقف يتلقف وَالْأَصْل تتلقف فحذفوا إِحْدَى
التَّاءَيْنِ قَرَأَ البزي {فَإِذا هِيَ تلقف} بتَشْديد
التَّاء أدغم التَّاء فِي التَّاء
{أَن أسر بعبادي}
أَن أسر قد ذكرنَا فِي هود
{وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} 56
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَإِنَّا لجَمِيع
حذرون / بِغَيْر ألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ حاذرون بِالْألف أَي مؤدون مقوون أَي
ذَوُو أَدَاة وذوو سلَاح وَقُوَّة
فالحاذر المستعد والحذر المتيقظ أَي قد أَخذنَا حذرنا وتأهبنا
وَقَالَ 4 الحاذر الَّذِي يحذر الْآن والحذر الْمَخْلُوق حذرا
لَا تَلقاهُ إِلَّا حذرا حذرا وَكَانَ الْكسَائي يَقُول
أَصلهمَا وَاحِد من الحذر
(1/517)
لِأَن المتسلح إِنَّمَا يتسلح مَخَافَة
الْقَتْل وَالْعرب تَقول هُوَ حاذر وحذر أَي قد أَخذ حذره
{إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {إِن هَذَا
إِلَّا خلق} الْأَوَّلين بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون اللَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خلق} بِضَم الْخَاء وَاللَّام
وَمن قَرَأَ {خلق الْأَوَّلين} بِالْفَتْح فَمَعْنَاه اختلاقهم
وكذبهم كَأَنَّهُمْ قَالُوا لهود عَلَيْهِ السَّلَام مَا هَذَا
الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ إِلَّا كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم
قَالَ ابْن عَبَّاس إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين أَي كذب
الْأَوَّلين وَفِيه وَجه آخر قَالَه قَتَادَة قَوْله {خلق
الْأَوَّلين} قَالُوا هَكَذَا كَانَ النَّاس يعيشون مَا عاشوا
ثمَّ يموتون قَالَ الزّجاج الْمَعْنى خلقنَا كَمَا خلق من
كَانَ قبلنَا نحيا كَمَا حيوا وَنَمُوت كَمَا مَاتُوا وَلَا
نبعث لأَنهم أَنْكَرُوا الْبَعْث
وَمن قَرَأَ {خلق الْأَوَّلين} فَمَعْنَاه عَادَة الْأَوَّلين
أَي مَا هَذَا الَّذِي نفعله نَحن إِلَّا عَادَة الْأَوَّلين
من قبلنَا وَالْمُخْتَار ضم الْخَاء لِأَن هودا صلى الله
عَلَيْهِ لما وعظهم وحذرهم وَأَنْذرهُمْ وَقَالَ لَهُم {إِنِّي
أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم} ردوا عَلَيْهِ وعظه
وَقَالُوا {سَوَاء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إِن
هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} يُرِيدُونَ مَا هَذَا الَّذِي
نَحن عَلَيْهِ إِلَّا عَادَة الْأَوَّلين {وَمَا نَحن بمعذبين}
(1/518)
{وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين} 149
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فرهين / بِغَيْر
ألف أَي أشرين بطرين من خير وَقَالَ مُجَاهِد معجبين بصنعتكم
وَعَن الْحسن آمِنين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فارهين أَي حاذقين بنحتها قَالَ الْفراء
هما لُغَتَانِ مثل طمع وطامع
{كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين} 176
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر / كذب أَصْحَاب ليكة /
مَفْتُوحَة اللَّام وَالتَّاء وَفِي ص مثلهَا
جَاءَ فِي التَّفْسِير ان اسْم الْمَدِينَة كَانَ ليكة فَلم
يصرفوها للتأنيث والتعريف وحجتهم أَنَّهُمَا كتبَتَا فِي
الْمَصَاحِف بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الأيكة}
سَاكِنة اللَّام مَكْسُورَة التَّاء والأيكة الشّجر الْمُتْلف
وحجتهم مَا ذكر فِي التَّفْسِير جَاءَ أَن أَصْحَاب الأيكة
هَؤُلَاءِ كَانُوا
(1/519)
أَصْحَاب شجر ملتف وَيُقَال إِن شجرهم هُوَ
الدوم والدوم شجر الْمقل
{وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم}
{بالقسطاس} قد ذكرنَا فِي سُورَة سُبْحَانَ
{فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء إِن كنت من الصَّادِقين}
قَرَأَ حَفْص {كسفا من السَّمَاء} بتحريك السِّين أَي قطعا من
السَّمَاء جمع كسفة وكسف مثل كسرة وَكسر وَالْفرق بَين واحده
وَجمعه إِسْقَاط الْهَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كسفا} سَاكِنة السِّين أَي جانبا من
السَّمَاء وَقد ذكرنَا فِي سُورَة سُبْحَانَ
{نزل بِهِ الرّوح الْأمين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {نزل}
بِالتَّخْفِيفِ {الرّوح الْأمين} بِالرَّفْع أَي جَاءَ بِهِ
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وحجتهم قَوْله {قل نزله روح
الْقُدس من رَبك} وَقَوله {فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن
الله} فَلَمَّا كَانَ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ جِبْرَائِيل
هُوَ الْفَاعِل بِإِجْمَاع ردوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ وَالْبَاء للتعدية كَمَا أَن التَّشْدِيد
فِي قَوْله {نزله} للتعدية
(1/520)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نزل بِهِ}
بِالتَّشْدِيدِ الرّوح الْأمين بِالنّصب الْمَعْنى نزل الله
بِهِ الرّوح الْأمين وحجتهم أَن ذَلِك أَتَى عقيب الْخَبَر عَن
تَنْزِيل الْقُرْآن وَهُوَ قَوْله {وَإنَّهُ لتنزيل رب
الْعَالمين} والتنزيل مصدر نزل بِالتَّشْدِيدِ فَكَأَن قَوْله
{نزل بِهِ الرّوح الْأمين} كَانَ مردودا على مَا تقدمه من ذكر
الله تَعَالَى ليَكُون آخر الْكَلَام منظوما على لفظ أَوله
إِذْ كَانَ على سِيَاقه
{أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل}
197
قَرَأَ ابْن عَامر / أَو لم تكن / بِالتَّاءِ {لَهُم آيَة}
بِالرَّفْع جعلهَا اسْم تكون وَخبر {تكن} أَن يُعلمهُ لِأَن
أَن مَعَ الْفِعْل مصدر وَالتَّقْدِير أَو لم تكن لَهُم آيَة
معْجزَة وَدلَالَة ظَاهِرَة فِي علم بني إِسْرَائِيل بِمُحَمد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب إِلَى الْأَنْبِيَاء قبله
أَنه نَبِي وَأَن الْقُرْآن من عِنْد الله وَلَكنهُمْ لما
جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ على بَصِيرَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لم يكن} بِالْيَاءِ {آيَة} بِالنّصب
جعلُوا الْآيَة خبر كَانَ وَاسم كَانَ {أَن يُعلمهُ} كَأَن
الْمَعْنى أَو لم يكن لَهُم علم بني إِسْرَائِيل أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ حق وَأَن نبوته حق آيَة أَي عَلامَة مُوضحَة
لِأَن الْعلمَاء الَّذين آمنُوا من بني إِسْرَائِيل وجدوا ذكر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا قَالَ جلّ وَعز
{وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم}
(1/521)
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / فتوكل على
الْعَزِيز الرَّحِيم / بِالْفَاءِ كَذَا فِي مصاحفهما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْوَاو وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة
فِي مصاحف أهل الْعرَاق بِالْوَاو {وَالشعرَاء يتبعهُم
الْغَاوُونَ}
قَرَأَ نَافِع {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ}
بِالتَّخْفِيفِ من تبع يتبع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يتبعهُ بِالتَّشْدِيدِ من اتبع يتبع
فَتَبِعَهُ سَار فِي أَثَره وَاتبعهُ لحقه
27 - سُورَة النَّمْل {طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب
مُبين}
قَوْله عز وَجل {طس تِلْكَ} نون سين مخفاة عِنْد التَّاء غير
مدغمة إِجْمَاعًا وَلم يَخْتَلِفُوا عِنْد التَّاء كَمَا
اخْتلفُوا عِنْد الْمِيم وَالْوَاو وَذَلِكَ أَن التَّاء أقرب
إِلَى النُّون من الْمِيم وَالْوَاو وَيعرف ذَلِك بِأَن تَقول
هِيَ النُّون وَالتَّاء فترى لَام التَّعْرِيف تندغم فِي
التَّاء كَمَا تندغم فِي النُّون وَتقول هِيَ الْوَاو
وَالْمِيم فتراها ظَاهِرَة فَلَمَّا قرب التَّاء من النُّون
صَارَت النُّون مخفاة عِنْدهَا
{أَو آتيكم بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون} 7
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بشهاب قبس} منونا
جعلُوا القبس صفة لِلشِّهَابِ وتأويله بشهاب مقتبس قَالَ
الْأَخْفَش
(1/522)
وَإِن شِئْت كَانَ بَدَلا مِنْهُ وَهُوَ
هُوَ فَمن أجل ذَلِك امْتنع من إِضَافَة الشهَاب إِلَى القبس
لِأَن الْعَرَب لَا تكَاد تضيف الْأَسْمَاء إِلَى صفاتها
إِلَّا فِي شذوذ وَالْأول قَول الْفراء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بشهاب قبس} مُضَافا فَيكون على
ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا ذكره اليزيدي فَقَالَ {بشهاب قبس} أَي
شعلة نَار كَمَا تَقول أَتَيْتُك بشعلة نَار وَالضَّرْب الآخر
ذكره الْفراء قَالَ الشهَاب هُوَ القبس فيضاف إِلَى نَفسه لما
اخْتلف لفظاه كَقَوْلِه {لحق الْيَقِين} {ولدار الْآخِرَة}
{حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل} 17
وقف الْكسَائي على {وَادي} بِالْيَاءِ قَالَ الْكسَائي لَا يتم
إِلَّا بِالْيَاءِ وَإِنَّمَا حذفوا فِي الْوَصْل من أجل
السَّاكِن وَهُوَ اللَّام من النَّمْل فَإِذا وقفت وقفت على
الْيَاء لِأَن الْعلَّة زَالَت
ووقف الْبَاقُونَ بِغَيْر يَاء لِأَنَّهَا كتبت بِغَيْر يَاء
على الْوَصْل وَسَقَطت الْيَاء من أجل السَّاكِن
{مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين}
(1/523)
قَرَأَ ابْن كثير وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ
وَابْن عَامر {مَا لي لَا أرى الهدهد} بِفَتْح الْيَاء هَا
هُنَا وَفِي يس
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِإِسْكَان الْيَاء هَا هُنَا
وَفتح الْيَاء هُنَاكَ وأسكنهما حَمْزَة
فَمن فتح فعلى أصل الْكَلِمَة لِأَن الْيَاء اسْم مكني وكل
مكني فَإِنَّهُ يبْنى على حَرَكَة نَحْو التَّاء فِي قُمْت
وَالْكَاف فِي كلمك وَإِنَّمَا فرق أَبُو عَمْرو بَينهمَا
لِأَن {مَا لي لَا أرى الهدهد} اسْتِفْهَام يصلح الْوَقْف على
{مَا لي} فَإِذا وقفت سكنت الْيَاء {وَمَا لي لَا أعبد} بني
الْكَلَام فِيهِ على الْوَصْل فحرك الْيَاء إِذْ لم ينْو
الْوَقْف
{أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} 21
قَرَأَ ابْن كثير / أَو ليأتينني / بنونين الأولى مُشَدّدَة
وَهِي نون التوكيد وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء اسْم
الْمُتَكَلّم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو ليأتيني} بنُون وَاحِدَة كَرهُوا
الْجمع بَين ثَلَاث نونات فحذفوا وَاحِدَة كَمَا قَالَ إِنَّا
أعطيناك وَالْأَصْل إننا
(1/524)
{فَمَكثَ غير بعيد فَقَالَ أحطت بِمَا لم
تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين}
قَرَأَ عَاصِم {فَمَكثَ غير بعيد} بِفَتْح الْكَاف وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ
وهما لُغَتَانِ مكث وَمكث وكمل وكمل وحمض وحمض فَهُوَ ماكث
وكامل وَالِاخْتِيَار مكث بِالْفَتْح لِأَن فعل بِالضَّمِّ
أَكثر مَا يَأْتِي الِاسْم مِنْهُ على فعيل نَحْو ظرف وكرم
فَهُوَ ظريف وكريم وَمن فعل بِالْفَتْح يَأْتِي الِاسْم على
فَاعل تَقول مكث فَهُوَ ماكث قَالَ الله جلّ وَعز ماكثين فِيهِ
أبدا وَلَا يكون من فعل بِالضَّمِّ فَاعل إِلَّا حرف وَاحِد
قَالُوا فره فَهُوَ فاره ورد الْأَصْمَعِي مَا سوى هَذَا
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {وجئتك من سبإ} غير مَصْرُوف
اسْم أَرض أَو مَدِينَة قَالَ الزّجاج {من سبإ} هِيَ مَدِينَة
تعرف ب مأرب من الْيمن بَينهَا وَبَين صنعاء مسيرَة ثَلَاثَة
أَيَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ من سبأ مصروفا جَعَلُوهُ اسْما للبلد
فَيكون مذكرا سمي بِهِ مُذَكّر
وَقَرَأَ القواس {من سبإ} سَاكِنة الْهمزَة لِأَن الِاسْم مؤنث
وَهُوَ ثقيل والهمزة ثَقيلَة فَلَمَّا اجْتمع ثقيلان أسكن
الْهمزَة تَحْقِيقا
{وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم
لَا يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون}
(1/525)
قَرَأَ الْكسَائي / فهم لَا يَهْتَدُونَ
أَلا يَا اسجدوا / بتَخْفِيف اللَّام وَألا تَنْبِيه وَبعدهَا
{يَا} الَّتِي يُنَادى بهَا والابتداء {اسجدوا} على الْأَمر
بِالسُّجُود فَالْمَعْنى أَلا يَا قوم اسجدوا لله خلافًا
عَلَيْهِم وحمدا لله لمَكَان مَا هدَاكُمْ فَلم تَكُونُوا
مثلهم فِي الطغيان وَهَذَا الْكَلَام يكون مُنْقَطِعًا مِمَّا
قبله على أَن مَا قبله تَمام وَيكون مَا بعده كلَاما
مُعْتَرضًا من غير الْقِصَّة الْمَاضِيَة إِمَّا من سُلَيْمَان
صلى الله عَلَيْهِ وَإِمَّا من الهدهد على تَأْوِيل يَا
هَؤُلَاءِ اسجدوا فَلَمَّا كف ذكر هَؤُلَاءِ اتَّصَلت {يَا}
بقوله {اسجدوا} فَصَارَ يسجدوا كَأَنَّهُ فعل مضارع إِذا أدرجت
الْكَلَام
وَالْعرب تَقول أَلا يَا ارحمونا أَي الا يَا هَؤُلَاءِ
ارحمونا لِأَن يَا لَا يَلِي الْفِعْل إِلَّا مَعَ إِضْمَار
وَمثله قَول ذِي الرمة ... أَلا يَا اسلمي يَا دارمي على البلى
... وَلَا زَالَ فَهَلا بجرعائك الْقطر ...
أَي يَا دَار هَذِه كنت فِي سَلامَة
(1/526)
قَالَ قطرب الْمَعْنى أَلا يَا قوم اسجدوا
فحذفت الْأَسْمَاء وَقَامَت يَا مقَامهَا وَكَانَ هَذَا
الْحَذف فِي النداء خَاصَّة لِأَنَّهُ مَوضِع حذف التَّنْوِين
إِذا قلت يَا زيد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فهم لَا يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا}
بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم اخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ الزّجاج من
قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَالْمَعْنى فصدهم لِئَلَّا يسجدوا أَي
صدهم الشَّيْطَان عَن سَبِيل الْهدى لِئَلَّا يسجدوا ف يسجدوا
نصب ب أَن وعلامة النصب حذف النُّون
وَقَالَ اليزيدي الْمَعْنى وزين لَهُم الشَّيْطَان أَلا يسجدوا
ف أَن فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهَا بدل من {أَعْمَالهم} وَقَالَ
إِذا خففت / أَلا يَا اسجدوا / فَفِيهِ انْقِطَاع الْقِصَّة
الَّتِي كنت فِيهَا ثمَّ تعود بعد إِلَيْهَا وَإِذا اتَّصَلت
الْقِصَّة بَعْضهَا بِبَعْض فَذَلِك أسهل وَيجوز أَن يكون
مَعْنَاهُ فصدهم أَن يسجدوا وَتَكون لَا دَاخِلَة لتوكيد
الْجحْد كَمَا قَالَ {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا
يرجعُونَ} مَعْنَاهُ أَنهم يرجعُونَ لِأَن الْحَرَام فِي معنى
الْجحْد وَكَذَلِكَ الصد فِي معنى الْجحْد وَإِنَّمَا تدخل لَا
بِمَعْنى التوكيد إِذا كَانَ قبلهَا جحد مثل قَوْله {مَا مَنعك
أَلا تسْجد} وَمِنْه قَول ابي النَّجْم ... فَمَا ألوم الْبيض
أَلا تسخرا ...
8
- أَي أَن تسخرا وَقَالَ قوم جَاءَت لَا هَا هُنَا لمجيء لَا
الَّتِي فِي قَوْله {فهم لَا يَهْتَدُونَ} كَمَا قَالَ {وَمَا
يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} فَهَذَا بِغَيْر لَا ثمَّ قَالَ
فِي النسق عَلَيْهِ {وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور}
(1/527)
فكرر لَا فِي قَوْله {وَلَا النُّور} لمجيء
لَا فِي قَوْله {وَلَا الظُّلُمَات} والتأويل وَلَا
الظُّلُمَات والنور فَكل مَوضِع دخل لَا فِي مبتدئه حسن أَن
يدْخل لَا فِي خَبره على أَن تكون زَائِدَة وَالله أعلم بِمَا
أَرَادَ
قَرَأَ الْكسَائي وَحَفْص {وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون}
بِالتَّاءِ فيهمَا على الْخطاب لِأَن الْكَلَام قد دخله خطاب
على قِرَاءَة الْكسَائي / اسجدوا لله / الَّذِي يعلم مَا تسرون
وَمَا تعلنون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فيهمَا أَتَوا فِي سِيَاق
الْخَبَر عَنْهُم وحجتهم قَوْله {وزين لَهُم الشَّيْطَان
أَعْمَالهم} {أَلا يسجدوا} وَهُوَ يعلم الْغَيْب وَمَا يخفون
وَمَا يعلنون هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة
{اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة {فألقه إِلَيْهِم}
بِإِسْكَان الْهَاء وَقَرَأَ الْحلْوانِي بالاختلاس وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بالإشباع وَقد ذكرت الْحجَّة فِي آل عمرَان
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان قَالَ أتمدونن بِمَال فَمَا
آتَانِي الله خير مِمَّا آتَاكُم} 36
قَرَأَ حَمْزَة / أتمدوني بِمَال / 2 بنُون وَاحِدَة مُشَدّدَة
وَالْيَاء مثبتة فِي الْوَصْل وَالْوَقْف وَالْأَصْل أتمدونني
النُّون الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة نصب ضمير
الْمُتَكَلّم الْمَنْصُوب فأدغم النُّون فِي النُّون وَلم يحذف
الْيَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاصل
(1/528)
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو
عَمْرو أتمدونن بنونين أظهرُوا وَلم يدغموا غير أَنهم حذفوا
الْيَاء فِي الْوَقْف لِأَنَّهَا لَيست ثَابِتَة فِي الْمُصحف
وَأثبت ابْن كثير فِي الْوَقْف
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ بِحَذْف الْيَاء
فِي الْوَصْل وَالْوَقْف اجتزؤوا بِالْكَسْرِ عَن الْيَاء
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {فَمَا آتَانِي الله}
بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر النُّون من غير
يَاء
من قَرَأَ بِسُكُون الْيَاء إِذا أدرج يحذفها لالتقاء الساكنين
الْيَاء وَلَام التَّعْرِيف وحذفلوا فِي الْوَقْف إتباعا
للمصحف وَمن فتحهَا فعلى أصل مَا يجب لهَذِهِ الْيَاء من
الفتحة وَثبتت وَلم تحذف لِأَنَّهَا لَا تلتقي سَاكِنة مَعَ
سَاكن فَيلْزم حذفهَا
وَقَرَأَ الْكسَائي بالإمالة لِأَن هَذِه الْيَاء ثَابِتَة فِي
تصرف هَذَا الْفِعْل وَمَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ ابْتِدَاء
و {آتَانِي} صلَة {مَا} و {خير} خَبره وَالتَّقْدِير فَالَّذِي
آتَانِي الله خير
{أَنا آتِيك بِهِ} 39
قَرَأَ 4 حَمْزَة أَنا آتِيك بالإمالة وَإِنَّمَا أمال من أجل
لُزُوم الكسرة فِي أَنا آتِي فَإِذا لَزِمت الكسرة جَاءَت
الإمالة فأمال الفتحة الَّتِي هِيَ همزَة المضارعة ليميل
الْألف فِي آتِي نَحْو الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَنا آتِيك} بِغَيْر إمالة لِأَن
الْهمزَة بَابهَا الْفَتْح
(1/529)
وَلِأَنَّهَا فَاء الْفِعْل فَلذَلِك
تركُوا الإمالة فَإِن قيل {فَمَا آتَانِي الله} قبلهَا
مَمْدُود لِأَنَّهُ من الْإِعْطَاء فَلم مددت {أَنا آتِيك}
وَهُوَ من الْمَجِيء الْجَواب فِي ذَلِك أَن أَتَى فِي
الْمَاضِي يكون مَقْصُورا تَقول أَتَى زيد عمرا فَإِذا رددت
الْمَاضِي إِلَى الْمُسْتَقْبل زِدْت على الْهمزَة همزَة
أُخْرَى وَهِي عَلامَة الِاسْتِقْبَال وَالثَّانيَِة فَاء
الْفِعْل فصيرت الثَّانِيَة مُدَّة فَلذَلِك صَار ممدودا
قَوْلك {أَنا آتِيك}
{وكشفت عَن سَاقيهَا}
قَرَأَ القواس {عَن سَاقيهَا} بِالْهَمْز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بترك الْهَمْز وهما مثل كاس وياس وسَاق وَالْعرب تهمز مَا لَا
يهمز تَشْبِيها بِمَا يهمز ف كاس وياس وسَاق وَزنهَا وَاحِد
يشبه بَعْضهَا بِبَعْض أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول حلأت
السويق وَالْأَصْل حليت تَشْبِيها ب حلأت الْإِنْسَان عَن
المَال وَالْإِبِل
{قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله ثمَّ لنقولن
لوَلِيِّه مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون} 49
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / قَالُوا تقاسموا بِاللَّه
لتبيتنه / بِالتَّاءِ وَضم التَّاء الثَّانِيَة / ثمَّ لتقولن
/ بِالتَّاءِ أَيْضا وَضم اللَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون فيهمَا وَفتح التَّاء وَاللَّام
وحجتهم قَوْله {مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون}
وَجعلُوا {تقاسموا} أمرا كَأَنَّهُمْ قَالُوا احلفوا لنبيتنه
كَمَا تَقول قومُوا نَذْهَب إِلَى فلَان وَإِن الَّذِي
(1/530)
أَمرهم بِالْحلف دَاخل مَعَهم وَقَالَ
الْفراء قد يجوز اللَّفْظ {تقاسموا} على هَذِه الْقِرَاءَة أَن
يَجْعَل فعلا مَاضِيا فِي معنى الْحلف وَيكون تقاسموا خَبرا
عَنْهُم فَيكون التَّأْوِيل قَالُوا متقاسمين بِاللَّه لنبيتنه
وَأَهله فَحكى لَفظهمْ بعد القَوْل على مَا نطقوا
وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ جعل {تقاسموا} أمرا أَيْضا
فَكَأَنَّهُ قَالَ احلفوا لتفعلن فَكَأَنَّهُ أخرج نَفسه فِي
اللَّفْظ وَالنُّون أَجود
قَرَأَ ابو بكر {مَا شَهِدنَا مهلك} بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام
وَقَرَأَ حَفْص بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مهلك} بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام
جَعَلُوهُ مصدرا من أهلك يهْلك مهْلكا وإهلاكا قَالُوا
فَيحْتَمل ضَرْبَيْنِ يجوز أَن يكون إهلاك أَهله أَي مَا
شَهِدنَا إهلاك أَهله وَيجوز أَن يكون الْموضع أَي لم نشْهد
مَوضِع الإهلاك
وَمن فتح الْمِيم وَاللَّام جعله مصدرا ل هلك يهْلك مهْلكا مثل
ضرب يضْرب وَاسم الْمَكَان المهلك بِكَسْر اللَّام وكل مَا
كَانَ على فعل يفعل فاسم الْمَكَان على مفعل والمصدر على مفعل
الْمَعْنى مَا شَهِدنَا هَلَاك أَهله
وَأما رِوَايَة حَفْص مهلك اسْم الْمَكَان الْمَعْنى مَا
شَهِدنَا مَوضِع هلاكهم ومكانهم فَيكون المهلك كالمجلس فِي
أَنه يُرَاد بِهِ مَوضِع الْجُلُوس وَيجوز أَن يُرِيد بالمهلك
الْمصدر لِأَنَّهُ قد جَاءَ الْمصدر من فعل يفعل على مفعل
قَالَ الله عز وَجل {إِلَيّ مرجعكم}
(1/531)
{فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ
أَنا دمرناهم وقومهم أَجْمَعِينَ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {أَنا
دمرناهم} بِكَسْر الْألف على الِابْتِدَاء واستئناف خبر وحجتهم
أَن الْكَلَام متناه عِنْد قَوْله {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة
مَكْرهمْ} ف {عَاقِبَة} اسْم كَانَ وَكَيف فِي مَوضِع نصب خبر
{كَانَ} وَيجوز أَن يكون كَانَ الَّتِي بِمَعْنى وَقع وَحدث
فَإِذا جعل على معنى وَقع كَانَ قَوْله {كَيفَ} فِي مَوضِع
حَال الْمَعْنى على أَي حَال وَقع عَاقِبَة مَكْرهمْ أَي حسنا
وَقع عَاقِبَة مَكْرهمْ أم سَيِّئًا
وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة {أَنا دمرناهم} بِالْفَتْح وحجتهم
قِرَاءَة أبي / كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ أَن دمرناهم /
قَوْله أَنا دمرناهم على هَذِه الْقِرَاءَة يكون رفعا من وَجه
ونصبا من وَجْهَيْن أما الرّفْع فَأن ترده على قَوْله
{عَاقِبَة} فَتكون تَابِعَة لَهَا وَيكون تَقْدِير الْكَلَام
فَانْظُر كَيفَ كَانَ تدميرنا إيَّاهُم وقومهم أَجْمَعِينَ على
الْبَدَل من {عَاقِبَة} و {كَيفَ} فِي مَوضِع نصب خبر ل كَانَ
ونصبها إِن شِئْت جعلت أَنا مَعَ مَا بعده فِي مَوضِع خبر
كَانَ الْمَعْنى فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ
التدمير وَيجوز أَن يكون أَنا فِي مَوضِع نصب على معنى
فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ لأَنا دمرناهم
{فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته قدرناها من الغابرين}
(1/532)
قَرَأَ أَبُو بكر {قدرناها} بِالتَّخْفِيفِ
كَقَوْلِه {فقدرنا فَنعم القادرون} وَلَو كَانَ قَدرنَا لقَالَ
فَنعم المقدرون وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَدرنَا} بِالتَّشْدِيدِ
وَالْعرب تَقول قدرت وقدرت لُغَتَانِ
{آللَّهُ خير أما يشركُونَ} 59
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {آللَّهُ خير أما يشركُونَ}
بِالْيَاءِ جعلا الْكَلَام خَبرا عَن أهل الشّرك وهم غيب فَجرى
الْكَلَام على لفظ الْخَبَر عَنْهُم لغيبتهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى
عقيب المخاطبة فأجروا الْكَلَام على لفظ مَا تقدمه وَذَلِكَ
قَوْله {قل الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى}
ثمَّ قَالَ آللَّهُ خير أم مَا تشركون إِذْ كَانَ أمره أَن
يَقُول لَهُم مُخَاطبا لَهُم
{أإله مَعَ الله} 60 64
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو / آيله مَعَ الله / بِهَمْزَة
وَاحِدَة مُطَوَّلَة وأصل الْكَلِمَة إِلَه ثمَّ دخلت هممة
الِاسْتِفْهَام فَصَارَ أإله فاستثقل الْجمع بَين الهمزتين
أَدخل بَينهمَا ألف ليبعد هَذِه من هَذِه ثمَّ لين الثَّانِيَة
وَقَرَأَ ورش وَابْن كثير / أيله / بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير
مد وَهُوَ أَن تحقق الأولى وتخفف الثَّانِيَة وَلم تدخل
بَينهمَا ألفا
(1/533)
وَقَرَأَ هِشَام عَن ابْن عَامر آإله
بهمزتين بَينهمَا مُدَّة وَهُوَ أَن تزاد الْألف بَين الهمزتين
ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الِاجْتِمَاع فيخف اللَّفْظ
بالهمزتين مَعَ الْحَائِل بَينهمَا
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {أإله} بهمزتين وَقد ذكرت حجتهم
فِي سُورَة الْبَقَرَة
{ويجعلكم خلفاء الأَرْض أإله مَعَ الله قَلِيلا مَا تذكرُونَ}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَهِشَام / قَلِيلا مَا يذكرُونَ /
بِالْيَاءِ وحجتهما مَا تقدم من رُؤُوس الْآيَات من قَوْله {بل
هم قوم يعدلُونَ} {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} فَلَمَّا جَاءَت
خَاتِمَة هَذِه الْآيَة فِي سياقهن أجْرى بلفظهن ليأتلف
الْكَلَام على نظام وَاحِد وَأَرَادَ التوفقة بَين رُؤُوس
الْآيَات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قَلِيلا مَا تذكرُونَ} بِالتَّاءِ
وحجتهم أَنَّهَا قريب من المخاطبة فِي قَوْله {ويجعلكم خلفاء
الأَرْض} فأجروا بِلَفْظ المخاطبة إِذْ كَانَت أقرب إِلَيْهَا
من قَوْله {يعدلُونَ} و {لَا يعلمُونَ}
{وَمن يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته} 63
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمن يُرْسل
الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد ذكرت
الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة قَوْله {نشرا} وَقد ذكرنَا
أَيْضا فِي سُورَة الْأَعْرَاف
(1/534)
{بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة بل هم فِي
شكّ مِنْهَا} 66
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / بل اِدَّرَكَ علمهمْ /
بِقطع الْألف وَسُكُون الدَّال بِمَعْنى هَل أدْرك علمهمْ علم
الْآخِرَة كَذَا قَالَ الْفراء {وَهل} بِمَعْنى الْجحْد أَي لم
يعلمُوا حدوثها وَكَونهَا وَدلّ على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {بل
هم فِي شكّ مِنْهَا} وَقَالُوا {فِي} فِي قَوْله {فِي
الْآخِرَة} بِمَعْنى الْبَاء وَتَأْويل الْكَلَام لم يدْرك
علمهمْ بِالآخِرَة وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَة من قرا / بل
أدْرك علمهمْ / على لفظ الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى النَّفْي
وَكَانَ قَتَادَة يَقُول / بل أدْرك / أَي لم يدْرك بعد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} أَي بل
تَكَامل علمه يَوْم الْقِيَامَة بِأَنَّهُم مبعوثون وَأَن كل
مَا وعدوا بِهِ حق قَالَ ابْن عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي
الْآخِرَة} أَي مَا جهلوا فِي الدُّنْيَا علموه فِي الأخرة
وحجتهم قِرَاءَة أبي بل تدارك علمهمْ فأدغموا التَّاء فِي
الدَّال لمقاربتها لَهَا فَلَمَّا سكنت التَّاء للإدغام اجتلبت
لَهُ ألف الْوَصْل كَمَا اجتلبت فِي نَحْو {فادارأتم} وَفِي
التَّنْزِيل حَتَّى {إِذا اداركوا فِيهَا}
{وَقَالَ الَّذين كفرُوا أئذا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا أئنا
لمخرجون} 67
قَرَأَ نَافِع / وَقَالَ الَّذِي كفرُوا إِذا كُنَّا / بِكَسْر
الْألف {أئنا} بالاستفهام وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو
جَمِيعًا بالاستفهامين
قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ / أإذا / بهمزتين {إننا}
بنونين
(1/535)
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {أئذا} بهمزتين
{أئنا} بهمزتين وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الرَّعْد
{وَلَا تكن فِي ضيق مِمَّا يمكرون}
قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا تكن فِي ضيق} بِكَسْر الضَّاد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي ضيق} بِالْفَتْح الضّيق بِالْكَسْرِ
الِاسْم والضيق بِالْفَتْح الْمصدر وَقَالَ الْفراء الضّيق مَا
ضَاقَ عَنهُ صدرك والضيق مَا يكون فِي الشَّيْء الَّذِي
يَتَّسِع ويضيق مثل الدَّار وَالثَّوْب وَقَالَ أَبُو عَمْرو
الضّيق بِالْفَتْح الْغم والضيق بِالْكَسْرِ الشدَّة
{إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا
ولوا مُدبرين}
قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ وَفتحهَا {الصم}
بِالرَّفْع جعلهم الفاعلين أَي لَا ينقادون للحق لعنادهم كَمَا
لَا يسمع الْأَصَم مَا يُقَال لَهُ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تسمع} بِالتَّاءِ وَضمّهَا {الصم}
نصب خطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم أَنه أشبه
بِمَا قبله أَلا ترى فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّك لَا تسمع
الْمَوْتَى} فأسند الْفِعْل إِلَى الْمُخَاطب فَكَذَلِك تسند
إِلَيْهِ فِي قَوْله {وَلَا تسمع الصم} وَيدل على ذَلِك قَوْله
وَلَو علم الله فِيهِ خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم لتولوا فَيكون
الْمَعْنى إِنَّك
(1/536)
لَا تسمعهم كَمَا لم يسمعهم الله
فَالْمَعْنى أَنهم لفرط إعراضهم عَمَّا يدعونَ إِلَيْهِ من
التَّوْحِيد كالميت الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى إسماعه وإعلامه
شَيْئا كالصم
{وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم} 81
قَرَأَ حَمْزَة / وَمَا أَنْت تهدي الْعمي / بِالتَّاءِ و
{الْعمي} بِالنّصب وحجته قَوْله {أفأنت تهدي الْعمي}
وَالْمعْنَى أَنَّك لَا تهديهم لشدَّة عنادهم وفرط إعراضهم
فَأَما {أَنْت} فِي قَوْله / وَمَا أَنْت تهدي / فعلى قَول أهل
الْحجاز وَهُوَ لُغَة التَّنْزِيل يرْتَفع ب {مَا} {وتهدي} فِي
مَوضِع نصب بِأَنَّهُ الْخَبَر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا أَنْت بهادي الْعمي} مُضَافا
وَفِي الرّوم مثله {بهادي} اسْم الْفَاعِل وَهُوَ فِي مَوضِع
جر بِالْبَاء وَهُوَ خبر {مَا} كَمَا تَقول مَا أَنْت بقائم
وَلَو أسقطت الْبَاء لَقلت مَا أَنْت قَائِما وَكتب {بهادي}
فِي هَذِه السُّورَة بِالْيَاءِ على الأَصْل وَكتب فِي الرّوم
/ بهاد / بِغَيْر يَاء على نِيَّة الْوَصْل وَالِاخْتِيَار أَن
تقف هَا هُنَا
(1/537)
بِالْيَاءِ وَفِي الرّوم بِغَيْر يَاء
{أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم أَن النَّاس كَانُوا
بِآيَاتِنَا لَا يوقنون} 82
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {إِن النَّاس} بِفَتْح
الْألف وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود / تكلمهم بِأَن
النَّاس / بِالْبَاء فَلَمَّا سَقَطت الْبَاء حكم عَلَيْهَا
بِالنّصب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن النَّاس} بِالْكَسْرِ على
الِاسْتِئْنَاف جعلُوا الْكَلَام عِنْد قَوْله تكلمهم تَاما
{وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن
فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وكل أَتَوْهُ داخرين} 87
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {وكل أَتَوْهُ} مَقْصُورَة مَفْتُوحَة
التَّاء جعلاه فعلا مَاضِيا أَي جاؤوه على تَأْوِيل إِذا كَانَ
ذَلِك أَتَوْهُ كَقَوْلِه {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة}
وَإِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ ذَلِك وَكَذَلِكَ قَوْله {يَوْمًا
كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} أَي إِذا وَقع كَانَ شَره مُسْتَطِيرا
وَهُوَ مَرْدُود على قَوْله {فَفَزعَ} كَأَنَّهُمْ وجهوا معنى
الْكَلَام إِلَى قَوْله وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من
فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَكلهمْ أَتَوْهُ داخرين
وَالْأَصْل أتيوه فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها وحذفوا
الْيَاء لسكونها وَسُكُون وَاو الْجمع
(1/538)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكل أَتَوْهُ}
بِالْمدِّ مَضْمُومَة على الِاسْتِقْبَال وحجتهم قَوْله
تَعَالَى {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة} فَكَذَلِك الْجمع
{آتوه} وَالْأَصْل آتيونه فَذَهَبت الْيَاء لما أعلمتك
وَالنُّون للإضافة وَإِنَّمَا جَازَ فِي كل أَن تَقول آتيه
وآتوه لِأَن لَفظهَا لفظ الْوَاحِد وَمَعْنَاهُ الْجمع فَمن
جمع رده إِلَى مَعْنَاهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {كل لَهُ قانتون}
{وكل أَتَوْهُ داخرين} وَمن وحد رده إِلَى لَفظهَا كَمَا قَالَ
وَكلهمْ {آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} فَوحد ردا إِلَى
اللَّفْظ
{وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} {إِنَّه خَبِير بِمَا
تَفْعَلُونَ} 88
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / إِنَّه خَبِير
بِمَا يَفْعَلُونَ / بِالْيَاءِ ردُّوهُ على الْخَبَر عَن
الْغَيْب فِي قَوْله {وكل أَتَوْهُ داخرين}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّه خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ}
بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم وهم وحجتهم فِي ذَلِك أَنه قرب من
المخاطبة فِي قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} فَهَذَا
خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَأمته داخلون مَعَه فِي
الْخطاب كَمَا قَالَ {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا} ثمَّ قَالَ
{منيبين إِلَيْهِ} فَجعل الْحَال من أمته فَدلَّ على أَنه
خاطبه وَأمته وَأسْندَ الْخطاب إِلَيْهِ وَالْمعْنَى هُوَ
وَأمته فَكَذَلِك قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة}
الْخطاب لَهُ ولأمته فختم الْكَلَام بِمثل معنى مَا تقدمه من
الْخطاب {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع
يَوْمئِذٍ آمنون}
(1/539)
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ
{وهم من فزع} منون {يَوْمئِذٍ} نصب
وَقَرَأَ ابو عَمْرو وَابْن كثير وَابْن عَامر وَإِسْمَاعِيل
{من فزع يَوْمئِذٍ} بِكَسْر الْمِيم غير منون جَعَلُوهُ
مُضَافا
وَقَرَأَ نَافِع {من فزع} غير منون {يَوْمئِذٍ} بِفَتْح
الْمِيم قَالَ الْفراء الْإِضَافَة أعجب إِلَيّ لِأَنَّهُ فزع
يَوْم مَعْلُوم وَإِذا نون صَار فَزعًا دون فزع وحجتهم قَوْله
{لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} فَجعله معرفَة فَكَانَ
تَأْوِيله وهم من فزع يَوْم الْقِيَامَة كُله آمنون وَحجَّة من
نون هِيَ أَن النكرَة أَعم من الْمعرفَة لِأَن ذَلِك يَقع على
فزع وَهُوَ أَعم وَأكْثر لِأَنَّك إِذْ قلت رَأَيْت رجلا وَقع
على كل رجل وَكَذَا إِذا قلت رايت غُلَاما فَإِذا قلت رايت
غلامك حصرت الرُّؤْيَة على شخص وَاحِد
قَالَ بعض النَّحْوِيين يجوز إِذا نون أَن يَعْنِي بِهِ فزع
وَاحِد وَيجوز أَن يعْنى بِهِ كَثْرَة لِأَنَّهُ مصدر والمصادر
تدل على الْكَثْرَة وَإِن كَانَت مُفْردَة قَالَ وينتصب
يَوْمئِذٍ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون منتصبا
بِالْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قَالَ وهم من أَن يفزعوا يَوْمئِذٍ
وَيجوز أَن الْيَوْم صفة لفزع لِأَن أَسمَاء الْأَحْدَاث
تُوصَف بأسماء الزَّمَان كَمَا يخبر عَنْهَا بهَا وَفِيه ذكر
الْمَوْصُوف وَتَقْدِيره فِي هَذَا الْوَجْه أَن يتَعَلَّق
بِمَحْذُوف كَأَنَّهُ من فزع يحدث يَوْمئِذٍ وَالثَّانِي أَن
يتَعَلَّق
(1/540)
باسم الْفَاعِل كَأَنَّهُ قَالَ آمنون يَوْمئِذٍ من فزع وَمن
لم ينون وَفتح الْمِيم فَإِنَّهُ جعل يَوْم مَعَ إِذْ كالاسم
الْوَاحِد فَبنى الْكَلَام وَجعل الإسمين اسْما وَاحِد
كَقَوْلِك خَمْسَة عشر وحجته فِي ذَلِك أَن إِضَافَة يَوْم
إِلَى إِذْ غير مَحْضَة لِأَن الْحُرُوف لَا يُضَاف إِلَيْهَا
وَلَا إِلَى الْأَفْعَال لَا يُقَال هَذَا غُلَام يقوم وَلَا
يُقَال هَذ غُلَام إِذْ وَإِنَّمَا تَقول هَذَا غُلَام زيد
فَأَما من كسر فقد أضَاف الْيَوْم وَهُوَ مُعرب فِي نَفسه
فَأعْطَاهُ حَقه من الْإِعْرَاب كَمَا كَانَ يجب لَهُ فِي غير
هَذَا الْموضع وَلم يلْتَفت إِلَى مَا بعده
{وَقل الْحَمد لله سيريكم آيَاته فتعرفونها وَمَا رَبك بغافل
عَمَّا تَعْمَلُونَ} 93
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا
تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم مَا تقدم وَهُوَ
قَوْله {سيريكم آيَاته} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ
وحجتهم أَن الْكَلَام انْقَطع عِنْد قَوْله {وَقل الْحَمد لله
سيريكم آيَاته} ثمَّ قَالَ {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا
يعْملُونَ} أَي عَمَّا يعْمل هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ |