حجة القراءات 28 - سُورَة الْقَصَص
{ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم
أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الأَرْض ونري
فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون} 5 و 6
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَيرى} بِالْيَاءِ {فِرْعَوْن
وهامان وجنودهما}
(1/541)
كُله بِالرَّفْع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ونري} بالنُّون وَفتح الْيَاء
{فِرْعَوْن وهامان وجنودهما} بِالنّصب أَي نَحن نري فِرْعَوْن
وهامان وحجتهم أَن مَا قبله للمتكلم فَيَنْبَغِي أَن يكون مَا
بعده أَيْضا كَذَلِك ليَكُون الْكَلَام من وَجه وَالَّذِي قبله
{ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم
أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم} فأجروا على لفظ مَا
تقدم ليأتلف الْكَلَام
وَمن قَرَأَ {يرى} بِالْيَاءِ {فِرْعَوْن وهامان وجنودهما}
فَالْمَعْنى هم يعاينون وَالْفِعْل لَهُم وحجتهم أَن
الْمَعْنيين يتداخلان لِأَن فِرْعَوْن وَمن ذكر مَعَه إِذا
أَرَاهُم الله من الْمُسْتَضْعَفِينَ مَا كَانُوا يحذرون
رَأَوْا ذَلِك وَإِذا رَأَوْهُ فَلَا شكّ أَن الله جلّ وَعز
أراهموه وَهُوَ مثل قَوْله {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ}
{فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا إِن فِرْعَوْن
وهامان وجنودهما كَانُوا خاطئين} 8
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وحزنا} بِضَم الْحَاء وَجزم
الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْحَاء وَالزَّاي وهما
لُغَتَانِ مثل الْبُخْل الْبُخْل والعجم والعجم وَفِي
التَّنْزِيل {وابيضت عَيناهُ} {من الْحزن} وَقَالَ {الْحَمد
لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} وَقَالَ الْفراء كَأَن الْحزن
الِاسْم والحزن الْمصدر تَقول حزن حزنا
(1/542)
{قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء}
قَرَأَ أبوع عَمْرو وَابْن عَامر {حَتَّى يصدر الرعاء} بِفَتْح
الْيَاء وَرفع الدَّال أَي حَتَّى يرجِعوا من سقيهم وَفِي
التَّنْزِيل {يصدر النَّاس أشتاتا} قَالَ أَبُو عَمْرو
وَالْمرَاد من ذَلِك حَتَّى ينْصَرف الرعاء عَن المَاء وَلَو
كَانَ {يصدر} كَانَ الْوَجْه أَن يذكر المعفول فَيَقُول حَتَّى
يصدر الرعاء ماشيتهم فَلَمَّا لم يذكر مَعَ الْفِعْل
الْمَفْعُول علم أَنه غير وَاقع وَأَنه {يصدر الرعاء} بِمَعْنى
يَنْصَرِفُونَ عَن المَاء و {الرعاء} جمع رَاع مثل صَاحب وصحاب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدر} بِضَم الْيَاء وَكسر الدَّال أَي
حَتَّى يصدر الرعاء غَنمهمْ عَن لماء فالمفعول مَحْذُوف وَحذف
الْمَفْعُول كثير قَالَ الله تَعَالَى {وَلكم فِيهَا جمال حِين
تريحون وَحين تسرحون} وَلم يذكر مَعَ الإراحة والسرح مَفْعُولا
لدلَالَة الْكَلَام على الْمَفْعُول لِأَن الْمَعْنى حِين
تريحون إبلكم وتسرحون إبلكم فَكَذَلِك {يصدر الرعاء} استغني
بالإصدار عَن الْمَفْعُول
{لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو جذوة من النَّار لَعَلَّكُمْ
تصطلون} 29
قَرَأَ عَاصِم {جذوة من النَّار} بِالْفَتْح وَقَرَأَ حَمْزَة
{جذوة} بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جذوة} بِالْكَسْرِ
ثَلَاث لُغَات مثل ربوة
(1/543)
ربوة ربوة وَسمعت الشَّيْخ أَبَا
الْحُسَيْن يَقُول سمعنَا قَدِيما بعض أهل الْعلم يَقُول جذوة
قِطْعَة وجذوة جَمْرَة وجذوة شعلة
{واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب فذانك برهانان من رَبك} 32
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {من الرهب} بِفَتْح
الرَّاء وَالْهَاء وَقَرَأَ حَفْص الرهب بِفَتْح الرَّاء
وَسُكُون الْهَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من الرهب} بِضَم
الرَّاء وَسُكُون الْهَاء والرهب والرهب لُغَتَانِ مثل الْحزن
والحزن والسقم والسقم وَمن سكن الْهَاء مَعَ فتح الرَّاء
فَإِنَّهُ ذهب إِلَى التَّخْفِيف مثل شعر وَشعر ونهر ونهر
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فذانك} بِالتَّشْدِيدِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ
قَالَ الزّجاج كَأَن / ذَانك / بِالتَّشْدِيدِ تَثْنِيَة ذَلِك
وذانك بِالتَّخْفِيفِ تَثْنِيَة ذَاك يكون بدل اللَّام فِي
ذَلِك تَشْدِيد النُّون فِي ذَانك
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين إِنَّمَا شددت النُّون فِي
الِاثْنَيْنِ للتَّأْكِيد لأَنهم زادوا على نون الِاثْنَيْنِ
نونا كَمَا زادوا قبل كَاف الْمشَار إِلَيْهِ لاما للتَّأْكِيد
(1/544)
فَقَالُوا فِي ذَاك ذَلِك فَلَمَّا زادوا
فِي ذَاك لاما زادوا فِي ذَانك نونا أُخْرَى فَقَالُوا ذَانك
وَقَالَ آخَرُونَ إِن الأَصْل فِي ذَانك ذَا انك بِأَلفَيْنِ
فحذفت الْألف وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْألف المحذوفة
الَّتِي كَانَت فِي ذَا وَمن الْعَرَب من إِذا حذف عوض
وَمِنْهُم من إِذا حذف لم يعوض من عوض آثر تَمام الْكَلِمَة
وَمن لم يعوض آثر التَّخْفِيف وَمثل ذَلِك فِي تَصْغِير مغتسل
مِنْهُم من يَقُول مغيسل فَلَا يعوض وَمِنْهُم من يَقُول
مغيسيل فيعوض من التَّاء يَاء
{فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني إِنِّي أَخَاف أَن يكذبُون}
قَرَأَ نَافِع ردا بِغَيْر همز الأَصْل ردْءًا خفف الْهمزَة
وَنقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ ردا بتحريك
الدَّال
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ردْءًا} بِالْهَمْز
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {يصدقني} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء
أَي هُوَ يصدقني
(1/545)
قَالَ أهل الْبَصْرَة من رفع لم يَجعله
جَوَابا لِلْأَمْرِ وَلَكِن جعله حَالا وَصفَة للنكرة
وَالتَّقْدِير ردْءًا مُصدقا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدقني} بِالْجَزْمِ جَوَابا للمسألة
أَي أرْسلهُ يصدقني
{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أعلم بِمن جَاءَ بِالْهدى من عِنْده
وَمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار} 37
قَرَأَ ابْن كثير / قَالَ مُوسَى رَبِّي / بِغَيْر وَاو
كَذَلِك فِي مصحف أهل مَكَّة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَقَالَ}
بِالْوَاو
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / من يكون لَهُ عَاقِبَة /
بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الْعَاقِبَة غير حَقِيقِيّ
وَالثَّانِي أَنه قد حجز بَين الِاسْم وَالْفِعْل حاجز فَصَارَ
كالعوض من التَّأْنِيث
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتأنيث الْعَاقِبَة ذَهَبُوا
إِلَى اللَّفْظ لَا إِلَى الْمَعْنى
{وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ}
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وظنوا أَنهم إِلَيْنَا
لَا يرجعُونَ} بِفَتْح الْيَاء أَي لَا يصيرون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا يرجعُونَ} أَي لَا يردون وحجتهم
قَوْله ثمَّ ردوا إِلَى الله وَحجَّة الْفَتْح قَوْله
{وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}
{قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى أَو لم
يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا سحران تظاهرا}
(1/546)
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ
{قَالُوا سحران} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ساحران /
بِالْألف وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ السحران كَيفَ
يتظاهران إِنَّمَا يَعْنِي مُوسَى وَهَارُون وَقيل عنوا مُوسَى
وَعِيسَى وَقيل عنوا مُوسَى ومحمدا صلى الله عَلَيْهَا وَسلم
وَمن قَرَأَ {سحران} يَعْنِي الْكِتَابَيْنِ فالكتابان كَيفَ
يتظاهران إِنَّمَا يَعْنِي الرجلَيْن فَكَانَ تَأْوِيل قَوْله
إِن التظاهر بِالنَّاسِ وأفعالهم اشبه مِنْهُ بالكتب كَمَا
قَالَ عز وَجل {وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ} {وظاهروا على إخراجكم}
فأسند التظاهر إِلَى النَّاس فَكَذَلِك أسندوه هَا هُنَا إِلَى
الرجلَيْن وَحجَّة من قَرَأَ {سحران} مَا رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة أَنهم تأولوا ذَلِك بِمَعْنى
الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاة وَالْقُرْآن وَإِنَّمَا نسب
المعاونة إِلَى السحرين على الاتساع كَأَن الْمَعْنى أَن كل
سحر مِنْهُمَا يُقَوي الآخر
وَقَول أهل الْكُوفَة أولى بِالصَّوَابِ لِأَن الْكَلَام جرى
عقيب ذكر الْكتاب فِي قَوْله تَعَالَى {لَوْلَا أُوتِيَ مثل
مَا أُوتِيَ مُوسَى} فجرت الْقِصَّة بعد ذَلِك بِذكر الْكتاب
وَهُوَ قَوْله {فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى
مِنْهُمَا} فَهَذَا على الْكِتَابَيْنِ اللَّذين قَالُوا
فيهمَا {سحران} فَلِأَن يكون مَا بَينهمَا دَاخِلا فِي قصتهما
أولى بِهِ
(1/547)
{أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا يجبى
إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء} 57
قَرَأَ نَافِع / تجبى إِلَيْهِ / بِالتَّاءِ لتأنيث الثمرات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِأَن تَأْنِيث الثمرات غير
حَقِيقِيّ فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ بِمَنْزِلَة الْوَعْظ
وَالْمَوْعِظَة إِذا ذكرت جَازَ وَكَذَلِكَ إِذا أنثت
{وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء فمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَزينتهَا} {أَفلا تعقلون}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أَفلا يعْقلُونَ} بِالْيَاءِ على أَنه قل
لَهُم يَا مُحَمَّد وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء ثمَّ قَالَ
{أَفلا يعْقلُونَ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ لقَوْله
{وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء} ثمَّ قَالَ {أَفلا تعقلون} فأجروا
على مَا تقدمه من الْخطاب
{ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة من المحضرين}
قَرَأَ الْحلْوانِي وَإِسْمَاعِيل عَن نَافِع وَالْكسَائِيّ
{ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة} بتَخْفِيف الْهَاء وَقَرَأَ ابو
عَمْرو بِضَم الْهَاء وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ وَحجَّة أبي
عَمْرو فِي ضم الْهَاء أَن {ثمَّ} تنفصل من الْكِتَابَة وَيحسن
الْوَقْف عَلَيْهَا وَكَأن هُوَ مُبتَدأَة فِي الْمَعْنى
وَإِذا كَانَت مُبتَدأَة لم يجز فِيهَا غير الضَّم وَحجَّة من
سكن الْهَاء أَنَّهَا إِذا اتَّصَلت بفاء أَو وَاو كَانَت فِي
قَوْلهم أَجْمَعِينَ سَاكِنة و {ثمَّ} أُخْت الْفَاء وَالْوَاو
فجرت مجراهما فِي حكم مَا بعْدهَا
(1/548)
{لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا}
قَرَأَ حَفْص {لخسف بِنَا} بِفَتْح الْخَاء وَالسِّين أَي لخسف
الله بِنَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لخسف بِنَا} بِضَم الْخَاء على مَا لم
يسم فَاعله
29 - سُورَة العنكبوت
{أَو لم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ إِن ذَلِك
على الله يسير قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ بَدَأَ
الْخلق ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} 19 و 20
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / أولم تروا /
بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَإِن تكذبوا
فقد كذب أُمَم من قبلكُمْ} ثمَّ قَالَ / أَو لم تروا كَيفَ
يبدئ الله الْخلق / وَمَا بعده يدل أَيْضا على الْخطاب وَهُوَ
قَوْله {قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا} وَأُخْرَى وَهِي أَن
الْكَلَام جرى على حِكَايَة مُخَاطبَة إِبْرَاهِيم قومه فِي
قَوْله {وَإِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله
واتقوه} ثمَّ جرى الْكَلَام بِلَفْظ خطابه إيَّاهُم إِلَى
قَوْله {وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} ثمَّ
جرى الْخطاب بعد ذَلِك مِنْهُ لَهُم بقيله / أولم تروا كَيفَ
يبدئ الله الْخلق /
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أولم يرَوا} بِالْيَاءِ وحجتهم فِي
ذَلِك أَن معنى الْكَلَام أولم ير الَّذين اقتصصنا عَلَيْهِم
قصَص سالف الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ يبدئ الله الْخلق فينشئه
على غير مِثَال
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ثمَّ الله ينشئ النشأة
الْآخِرَة} بِفَتْح الشين فِي كل الْقُرْآن وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {النشأة} بِإِسْكَان الشين
(1/549)
وَحجَّة من فتح الشين هِيَ أَن النشأة اسْم
الْمصدر وَالْعرب جعلُوا اسْم الْمصدر فِي مَوضِع الْمصدر
فَيَقُولُونَ أَعْطيته عَطاء وكلمته كلَاما وَلَو أخرجُوا
الْمصدر فِي صِحَة لقالوا أَعْطيته إِعْطَاء وكلمته تكليما
وإنشأته إنْشَاء كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {إِنَّا
أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} وَمن قَرَأَ بِإِسْكَان الشين
فَإِنَّهُ جعله مصدرا صدر عَن غير لفظ ينشئ فَكَانَ تَقْرِير
الْكَلَام فِي النِّيَّة أَن الله ينشئ يَوْم الْقِيَامَة خلقه
الْأَمْوَات فينشؤون النشأة الْآخِرَة وَفِي التَّنْزِيل مَا
يُقَوي هَذَا وَهُوَ قَوْله وأنبتها نباتا حسنا
{وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا مَوَدَّة
بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {مَوَدَّة} بِفَتْح
الْهَاء من غير تَنْوِين {بَيْنكُم} بِكَسْر النُّون
وَقَرَأَ الْأَعْشَى {مَوَدَّة} بِالرَّفْع والتنوين
{بَيْنكُم} بِالنّصب
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {مَوَدَّة} بِالرَّفْع
غير منون {بَيْنكُم} بالخفض
فَمن رفع فَلهُ مذهبان أَحدهمَا أَن يَجْعَل إِنَّمَا
كَلِمَتَيْنِ وَيكون معنى {مَا} بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ اسْم
{إِن} و {مَوَدَّة} خبر إِن ومفعول {اتخذتم} مَحْذُوف
الْمَعْنى إِن الَّذِي اتخذتموه مَوَدَّة بَيْنكُم وَالثَّانِي
أَن ترفعها بِالِابْتِدَاءِ و {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}
خَبَرهَا وَتجْعَل مَا كَافَّة على هَذَا الْوَجْه وَقَالَ
الزّجاج وَيجوز أَن ترفع {مَوَدَّة} على إِضْمَار
(1/550)
هِيَ كَأَنَّهُ قَالَ تِلْكَ مَوَدَّة
بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا أَي ألفتكم وإجماعكم على
الْأَصْنَام مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمن
نصب جعل {الْمَوَدَّة} مفعول {اتخذتم} وَجعل {مَا} مَعَ {إِن}
كَافَّة وَلم يعد إِلَيْهَا ذكرا كَمَا أعَاد فِي الْوَجْه
الأول وانتصب {مَوَدَّة} على أَنه مفعول لَهُ أَي اتخذتم
الْأَوْثَان للمودة {بَيْنكُم} نصب على الظّرْف وَالْمعْنَى
إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثانا آلِهَة فَحذف كَمَا حذف من
قَوْله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم} مَعْنَاهُ
اتَّخذُوا الْعجل إِلَهًا
وَمن قَرَأَ {مَوَدَّة بَيْنكُم} أضَاف الْمَوَدَّة إِلَى
الْبَين وَجعل الْبَين الْوَصْل
{لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته} {إِنَّا منجوك وَأهْلك
إِلَّا امْرَأَتك} {إِنَّا منزلون على أهل هَذِه الْقرْيَة
رجزا} 32 34
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لننجينه وَأَهله} و {إِنَّا
منجوك} بتَخْفِيف الحرفين وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر
وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص بتَشْديد الحرفين وَقَرَأَ ابْن كثير
وَأَبُو بكر {لننجينه} بِالتَّشْدِيدِ و {إِنَّا منجوك}
بِالتَّخْفِيفِ فَمن خففها جَعلهمَا من أنجى يُنجي مثل أَقَامَ
يُقيم وحجته قَوْله قبل {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} و
{لَئِن أنجيتنا} وَمن شددهما جَعلهمَا من نجى يُنجي وحجته
{ونجينا الَّذين آمنُوا} وَقَوله {نجيناهم بِسحر} وهما
لُغَتَانِ نطق الْقُرْآن بهما وَمن خفف وَاحِدًا وشدد الآخر
جمع بَين اللغتين ليعلم أَنَّهُمَا جائزتان وَالْأَصْل فِي
منجوك منجونك فَسَقَطت النُّون للإضافة
(1/551)
قَرَأَ ابْن عَامر {إِنَّا منزلون}
بِالتَّشْدِيدِ من نزل ينزل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ من أنزل وَقد ذكرت
{إِن الله يعلم مَا يدعونَ من دونه من شَيْء وَهُوَ الْعَزِيز
الْحَكِيم}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم {إِن الله يعلم مَا يدعونَ}
بِالْيَاءِ لقَوْله قبلهَا {لَو كَانُوا يعلمُونَ} {إِن الله
يعلم مَا يدعونَ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تدعون} بِالتَّاءِ أَي قل لَهُم إِن
الله يعلم مَا تدعون لَا يكون إِلَّا على هَذَا لِأَن
الْمُسلمين لَا يخاطبون بذلك
{وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه} 50
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَقَالُوا
لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه} بِالْألف وحجتهم مَا
بعْدهَا وَهُوَ قَوْله {إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله}
إِنَّمَا جَاءَت بِلَفْظ السُّؤَال وَأُخْرَى وَهِي أَنَّهَا
مَكْتُوبَة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آيَة من ربه} وحجتهم قَوْله {فليأتنا
بِآيَة} وَقَوله {وَقَالُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ آيَة} من ربه
قل إِن الله قَادر على أَن ينزل آيَة
(1/552)
{وَيَقُول ذوقوا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {ونقول ذوقوا}
بالنُّون أَي نَحن نقُول وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب لفظ
الْجمع فِي قَوْلهم {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا} 51 وَبعد
ذَلِك {ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون} ولنبلونهم 58 فَجعلُوا مَا بَين
ذَلِك بِلَفْظ الْجمع ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَقُول} بِالْيَاءِ أَي يَقُول الْملك
الْمُوكل بعذابهم أَو يَقُول الله جلّ وَعز وحجتهم قَوْله {قل
كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا} وَقَوله {وَكَفرُوا
بِاللَّه} وَهَذَانِ أقرب من لفظ الْجمع فَكَانَ رده على لفظ
مَا قرب مِنْهُ أولى من رده على الْأَبْعَد
{يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة} 56
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يَا عبَادي
الَّذين آمنُوا} بِإِسْكَان الْيَاء وحجتهم فِي ذَلِك أَن
النداء بَاب الْحَذف كَمَا تَقول يَا رب
وَيَا قوم فتحذف الْيَاء وَإِذا وقفُوا وقفُوا على الْيَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا عبَادي} بِفَتْح الْيَاء على
أَصْلهَا لِأَن أصل كل
(1/553)
يَاء الْفَتْح وَقد ذكرنَا فِي سُورَة
الْبَقَرَة
{كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون}
قَرَأَ أَبُو بكر / ثمَّ إِلَيْنَا يرجعُونَ / بِالْيَاءِ
وحجته فِي ذَلِك أَن الَّذِي قبله على لفظ الْغَيْب وَهُوَ
قَوْله / كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا يرجعُونَ /
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وانتقلوا من الْغَيْبَة إِلَى
الْخطاب مثل قَوْله {إياك نعْبد} بعد قَوْله {الْحَمد لله رب
الْعَالمين}
{وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم من
الْجنَّة غرفا} 58
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لنثوينهم / بالثاء من أثويت
أَي لنقيمنهم يُقَال ثوى الرجل بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ
وأثواه غَيره إِذا جعله بذلك الْمَكَان وحجتهما {وَمَا كنت
ثاويا} أَي مُقيما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لنبوئنهم} بِالْبَاء أَي لننزلنهم من
بوأت تَقول الْعَرَب بوأت فلَانا منزلا أَي أنزلته قَالَ
تَعَالَى {وَلَقَد بوأنا بني إِسْرَائِيل مبوأ صدق} وَتقول
تبوأ فلَان الْمنزل وَقَالَ
(1/554)
الله تَعَالَى {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار
وَالْإِيمَان} أَي اتَّخَذُوهَا قَالَ الْفراء بوأته منزلا
وأنويته منزلا سَوَاء {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم وليتمتعوا
فَسَوف يعلمُونَ} 66
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وقالون {وليتمتعوا}
بِإِسْكَان اللَّام جعلوها لَام الْأَمر فِي معنى الْوَعيد
والتهدد لِأَن الله لَا يَأْمُرهُم بالإصرار على الْمعاصِي
وَالْكفْر وَهُوَ كَقَوْلِه {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} على
الْوَعيد
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَابْن عَامر
{وليتمتعوا} بِكَسْر اللَّام جعلوها لَام كي الْمَعْنى لكَي
يكفروا ولكي يتمتعوا وَسُئِلَ أَبُو عَمْرو عَن هَذِه اللَّام
فَقَالَ اقْرَأ مَا قبلهَا {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم}
{وليتمتعوا} مثلهَا وَقَالَ قوم هِيَ لَام الْأَمر بِمَعْنى
الْوَعيد كَالْأولِ لَكِن الْعَرَب لَهَا فِي الْأَمر
لُغَتَانِ الْكسر على أصل الِابْتِدَاء والإسكان للتَّخْفِيف
(1/555)
30 - سُورَة الرّوم
{ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى أَن كذبُوا بآيَات
الله وَكَانُوا بهَا يستهزؤون}
قَرَأَ أهل الشَّام والكوفة {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين}
بِالنّصب جعلوها خبر {كَانَ} وَاسم كَانَ السوأى أَي النَّار
وَأَن كذبُوا فِي مَوضِع نصب وَالتَّقْدِير ثمَّ كَانَ عاقبتهم
النَّار لِأَن كذبُوا بآيَات الله
وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة عَاقِبَة بِالرَّفْع جعلوها
اسْم كَانَ وَالْخَبَر السوأى وَالْخَبَر وَالِاسْم هَا هُنَا
معرفتان وَإِذا اجْتمع اسمان نظرت فَإِن كَانَ أَحدهمَا معرفَة
وَالْآخر نكرَة جعلت النكرَة الْخَبَر والمعرفة الِاسْم وَإِن
كَانَا معرفتين كنت بِالْخِيَارِ أَيهمَا شِئْت جعلته خَبرا
وَأيهمَا شِئْت جعلته اسْما
{الله يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {ثمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ}
بِالْيَاءِ وحجتهما أَن الْمُتَقَدّم ذكره غيبَة / يبْدَأ
الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ يرجعُونَ / فَقرب من ذكر
{الْخلق} فَجعلَا الْكَلَام خَبرا عَنْهُم إِذْ كَانَ
مُتَّصِلا بذكرهم والخلق هم المخلوقون فِي الْمَعْنى وَجَاء
فِي قَوْله {ثمَّ يُعِيدهُ} على لفظ
(1/556)
الْخلق وَقَوله {يرجعُونَ} على الْمَعْنى
وَإِن لم يرجع على لفظ الْوَاحِد كَمَا كَانَ {يُعِيدهُ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ترجعون} بِالتَّاءِ وحجتهم ذَلِك أَن
الْكَلَام فِي ابْتِدَائه قد يكون خَبرا ثمَّ يصرف عَنهُ إِلَى
خطاب كَقَوْلِه تَعَالَى {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ
قَالَ {إياك نعْبد} صَار الْكَلَام من الْغَيْبَة إِلَى
الْخطاب
{ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} بِفَتْح
التَّاء وَضم الرَّاء جعلا الْفِعْل لَهُم لِأَن الله تَعَالَى
إِذا أخرجهم خَرجُوا هم كَمَا تَقول مَاتَ زيد وَإِن كَانَ
الله أَمَاتَهُ وَدخل زيد الْجنَّة وَإِن كَانَ عمله أدخلهُ
لِأَن الْمَفْعُول بِهِ فَاعل وحجتهما قَوْله {يخرجُون من
الأجداث} وَقَوله {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} بِالرَّفْع وحجتهم قَوْله
{يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} وَقَوله تَعَالَى {نخرج
الْمَوْتَى}
{إِن فِي ذَلِك لآيَات للْعَالمين}
قَرَأَ حَفْص {لآيَات للْعَالمين} بِكَسْر اللَّام أَي
للْعُلَمَاء وَهُوَ
(1/557)
جمع عَالم لِأَن الْعَالم بالشَّيْء يكون
أحسن اعتقادا من الْجَاهِل كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا
يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ} وحجته مَا تقدم وَمَا تَأَخّر
فَأَما مَا تقدم فَقَوله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون}
وَأما مَا تَأَخّر فَقَوله {لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وَإِن
كَانَت الْآيَة لكافة النَّاس عالمهم وجاهلهم لِأَن الْعَالم
لما تدبر وَاسْتدلَّ بِمَا شَاهد على مَا لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ
غَيره صَار لَيْسَ كَغَيْر الْعَالم لذهابه عَنْهَا وَتَركه
الِاعْتِبَار بهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لآيَات للْعَالمين} بِفَتْح اللَّام أَي
للنَّاس أَجْمَعِينَ من الْجِنّ وَالْإِنْس
{وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا
يَرْبُو عِنْد الله}
قَرَأَ ابْن كثير وَمَا أتيتم من رَبًّا من غير مد أَي مَا
جئْتُمْ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا آتيتم من رَبًّا} أَي مَا
أعطيتم من قَوْله {فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا} أَي اعطاهم
وَأما قصر ابْن كثير فَإِنَّهُ يؤول فِي الْمَعْنى إِلَى قَول
من مد إِلَّا أَن أتيتم على لفظ جئْتُمْ فَكَانهُ مَا جئْتُمْ
من رَبًّا ومجيئهم لذَلِك
(1/558)
إِنَّمَا هُوَ على وَجه الْإِعْطَاء لَهُ
وَمعنى الْآيَة وَمَا أعطيتم من هَدِيَّة أهديتموها لتعوضوا
مَا هُوَ أَكثر مِنْهَا فَلَا يَرْبُو عِنْد الله لأنكم
إِنَّمَا قصدتم إِلَى زِيَادَة الْعِوَض وَلم تَبْتَغُوا بذلك
وَجه الله
قَالَ عِكْرِمَة هما ربوان أَحدهمَا حَلَال وَالْآخر حرَام
فَأَما الْحَلَال فالرجل يُعْطي أَخَاهُ هَدِيَّة ليكافئه
المهدى إِلَيْهِ بأضعافه لَا أَنه يهدي إِلَيْهِ ابْتِغَاء
وَجه الله فَهَذَا حَلَال علينا وَحرَام على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَأما الْحَرَام فَهُوَ أَن يُعْطي الرجل دِينَارا
على أَن يَأْخُذ أَزِيد مِنْهُ
قَرَأَ نَافِع / لتربوا فِي أَمْوَال النَّاس / بِضَم التَّاء
وَسُكُون الْوَاو فالتاء هَا هُنَا للمخاطبين وَالْوَاو وَاو
الْجمع وَالْوَاو الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل سَاقِطَة لسكونها
وَسُكُون هَذِه فَالْأَصْل لتربوون فَانْقَلَبت الْوَاو يَاء
لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَ لتربيون ثمَّ حذفنا حَرَكَة
الْيَاء فَاجْتمع ساكنان الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء
لسكونها وَسُكُون الْوَاو وَسَقَطت النُّون عَلامَة للنصب
وفاعل الرِّبَا الْقَوْم الَّذين خوطبوا الْمَعْنى لتربوا
أَنْتُم أَي تعطون الْعَطِيَّة لتزدادوا بهَا أَنْتُم وحجته
أَنَّهَا كتبت فِي الْمَصَاحِف بِأَلف بعد الْوَاو
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / ليربو / بِالْيَاءِ وَفتح الْوَاو
وَيكون فَاعل يَرْبُو الرِّبَا الْمَعْنى ليربو الرِّبَا
وعلامة النصب فتح الْوَاو وحجتهم الَّذِي بعده وَهُوَ قَوْله
{فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} وَلم يقل فَلَا تربون
{الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم} {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يشركُونَ} 40
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
تشركون / بِالتَّاءِ وحجتهما فِي ذَلِك أَن ذَلِك أَتَى عقيب
الْخطاب فِي قَوْله {الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم}
(1/559)
فَجرى مَا بعد ذَلِك على لفظ مَا تقدمه من
الْخطاب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ جعلُوا الْكَلَام خَبرا عَن
أهل الشّرك
{ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس
ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا}
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / لنذيقهم بعض الَّذِي /
بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم أَي
ليذيقهم الله
{الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحابا فيبسطه فِي
السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ويجعله كسفا} 48
قَرَأَ ابْن عَامر ويجعله كسفا سَاكِنة السِّين وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِفَتْح السِّين جمع كسفة مثل قِطْعَة وَقطع وكسرة
وَكسر وسدرة وَسدر
وَمن قَرَأَ كسفا سَاكِنة السِّين فَهِيَ جمع كسفة مثل سِدْرَة
وَسدر
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / الله الَّذِي
يُرْسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف
وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة
(1/560)
{فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله} 50
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر /
فَانْظُر إِلَى أثر رَحْمَة الله / بِغَيْر ألف على
التَّوْحِيد وحجتهم أَن الْوَاحِد يَنُوب على الْجَمِيع كَمَا
قَالَ سُبْحَانَهُ {هم أولاء على أثري} وَلم يقل آثاري وَيجوز
التَّوْحِيد فِي أثر لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مُفْرد وَجَاز
الْجمع لِأَن رَحْمَة الله يجوز أَن يُرَاد بهَا الْكَثْرَة
كَمَا قَالَ جلّ وَعز {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آثَار رَحْمَة الله} أَي آثَار الْمَطَر
الَّذِي هُوَ رَحْمَة من الله
{فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا
ولوا مُدبرين وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم} 51 و 52
قَرَأَ ابْن كثير {وَلَا يسمع} بِالْيَاءِ وَفتحهَا {الصم} رفع
أَي لَا ينقادون للحق لعنادهم كَمَا لَا يسمع الْأَصَم مَا
يُقَال لَهُ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا تسمع} بِالتَّاءِ {الصم} نصب خطاب
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم مَا ذكره فِي أول الاية
وَهُوَ قَوْله {فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} فأسند الْفِعْل
إِلَى الْمُخَاطب فَكَذَلِك تسند إِلَيْهِ مَا بعده ليَكُون
الْكَلَام على نظام وَاحِد
قَرَأَ حَمْزَة / وَمَا أَنْت تهدي / بِالتَّاءِ {الْعمي} نصب
(1/561)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بهادي} بِالْبَاء
وَالْألف و {الْعمي} جر وَقد ذكرت فِي {طس} و {بهادي} أثبتها
الْكسَائي فِي الْوَقْف
قَالَ سِيبَوَيْهٍ حذف الْيَاء من هادي لالتقائها مَعَ
التَّنْوِين فَلَمَّا وقف حذف التَّنْوِين فِي الْوَقْف
فَلَمَّا حذف التَّنْوِين عَادَتْ الْيَاء وَكَانَت حذفت
لالتقائها سَاكِنة مَعَ التَّنْوِين فَيَقُول هادي أَو يكون
أُرِيد ب هادي الْإِضَافَة وَلم ينون فَلَمَّا لم ينون لم
يلْزم أَن تحذف الْيَاء كَمَا تحذف إِذا نون لسكونها وَسُكُون
الْيَاء
{الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة ثمَّ
جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {من ضعف} بِفَتْح الضَّاد وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ مثل الْقرح والقرح
{فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع الَّذين ظلمُوا معذرتهم}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع
الَّذين} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتأنيث
المعذرة وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ قَالَ إِن المعذرة بِمَعْنى
الْعذر كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه}
بالتذكير لِأَن الموعظة بِمَعْنى الْوَعْظ
(1/562)
|