حجة القراءات

69 - سُورَة الحاقة {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله والمؤتفكات بالخاطئة} 9
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} بِكَسْر الْقَاف أَي وتباعه الْمَعْنى جَاءَ فِرْعَوْن وَأَصْحَابه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمن قبله} بِفَتْح الْقَاف أَي من تقدمه أَرَادَ من الْأُمَم الْمَاضِيَة قبله {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} 18 د
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لَا يخفى مِنْك خافية / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ لتانيث الخافية وَسقط السُّؤَال وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ يردهُ

(1/718)


إِلَى أَمر خَافَ أَي خَفِي يجوز أَن يكون لما فصل بَين اسْم الْمُؤَنَّث وَفعله بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل كَانَ كالعوض وخافية تكون نعتا لمَحْذُوف أَي لَا تخفى مِنْكُم على الله وَلَا تتوارى من الله نفس خافية كَمَا قَالَ جلّ وَعز {لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء} فَإِن شِئْت جعلت التَّأْنِيث ل فعلة أَي لَا تخفى مِنْكُم فعلة خافية {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} 28 و 29
قَرَأَ حَمْزَة {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} بِحَذْف الْهَاء فيهمَا فِي الْوَصْل وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَأَجْمعُوا على إِثْبَات الْهَاء فِي الْوَقْف
وَاعْلَم أَن هَذِه الْهَاء أدخلت لتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا فِي الْوَقْف إِذْ الْمَسْكُوت عَلَيْهِ سَاكن فكرهوا أَن يسكتوا على الْيَاء فَلَا يفرق بَينهَا وَهِي متحركة فِي الْوَصْل وَبَينهَا وَهِي سَاكِنة فِي الْوَصْل فبينوا حركتها بِهَذِهِ الْهَاء لِأَن الْمَسْكُوت عَلَيْهِ إِذا كَانَ متحركا فِي الْوَصْل مسكن فِي الْوَقْف وَإِذا كَانَ سَاكِنا فِي الْوَصْل سَاكن فِي الْوَقْف وَإِنَّمَا يصلح إِثْبَات هَاء الْوَقْف فِي الفواصل لِأَنَّهَا مسكوت عَلَيْهَا على أَن دُخُول الْهَاء أَمارَة إِذا وصل الْقَارئ الْآيَة بِالْآيَةِ
وَحجَّة من حذف الْهَاء فِي الإدراج فَإِنَّهُ يَقُول الْهَاء جلبتها لحفظ

(1/719)


حَرَكَة الْيَاء فِي حَال الْوَقْف لِأَنَّهُ لَو وقف على الْيَاء المتحركة لَكَانَ الْوَقْف بِالسُّكُونِ فَكَانَت الْيَاء تسكن لأجل الْوَقْف فَإِذا لم يكن وقف لم يجب فِيهَا السّكُون فَلم يحْتَج إِلَى الْهَاء الَّتِي تحفظ حركتها الْوَاجِبَة لَهَا لِأَن الْحَال حَال الإدراج الَّذِي لَا يَقْتَضِي السّكُون {وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ} 41 و 42
قَرَأَ ابْن كثير / قَلِيلا مَا يُؤمنُونَ / و / قَلِيلا مَا يذكرُونَ / بِالْيَاءِ فيهمَا خبر عَن غائبين كَأَنَّهُ قَالَ قَلِيلا مَا يُؤمنُونَ يَا مُحَمَّد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على الْخطاب وحجتهم قَوْله بعْدهَا {فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين} 47
70 - سُورَة المعارج {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} 1
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {سَأَلَ} غير مَهْمُوز أَرَادَ سَأَلَ بِالْهَمْز فَترك الْهَمْز للتَّخْفِيف قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد من لم يهمز فعلى أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يَأْخُذهَا من سَالَ يسيل من السَّيْل وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون من سلت أسَال كَمَا تَقول خفت أَخَاف ونمت أَنَام وسلت أسَال فِي معنى سَأَلت أسأَل وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة وَالْعرب تَقول سَأَلت أسأَل وَيُقَوِّي الْوَجْه الأول مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ

(1/720)


من قَرَأَهَا بِلَا همز فَإِنَّهُ وَاد فِي جَهَنَّم وَمن قَرَأَهَا مَهْمُوزَة يُرِيد النَّضر فعلى هَذَا القَوْل سَائل وَاد فِي جَهَنَّم كَمَا قَالَ {فَسَوف يلقون غيا} والغي وَاد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَأَلَ} بِالْهَمْز أَي دَعَا دَاع وَهُوَ النَّضر ابْن الْحَارِث بن كلدة وَأجْمع الْقُرَّاء على همز {سَائل} لِأَنَّهُ إِن كَانَ من سَأَلَ بِالْهَمْز فعين الْفِعْل همزَة وَإِن كَانَ من سَالَ بِغَيْر همز فالهمزة بدل من الْيَاء كَمَا تَقول سَار فَهُوَ سَائِر {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} 4
قَرَأَ الْكسَائي / يعرج الْمَلَائِكَة / بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ الجموع تذكر إِذا قدرت بهَا الْجمع وتؤنث إِذا أُرِيد بهَا الْجَمَاعَة نَحْو قَالَ الرِّجَال وَقَالَت الرِّجَال قَالَ الله {كذبت قوم نوح الْمُرْسلين} وَقَالَ {إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة} فَمن قَرَأَ {تعرج} بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى جمَاعَة الْمَلَائِكَة وَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ ذهب إِلَى جمع الْمَلَائِكَة {وَلَا يسْأَل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لَو يفتدي من عَذَاب يَوْمئِذٍ ببنيه} 10 و 11

(1/721)


قَرَأَ البرجمي عَن أبي بكر {وَلَا يسْأَل حميم حميما} بِضَم الْيَاء أَي لَا يُقَال لحميم أَيْن حميمك أَي لَا يُطَالب قَرِيبا بِأَن يحضر قَرِيبه كَمَا يفعل أهل الدُّنْيَا بِأَن يُؤْخَذ الْجَار بالجار وَالْحَمِيم بالحميم لِأَنَّهُ لَا جور هُنَاكَ
أعلم أَنَّك إِذا بنيت الْفِعْل للْفَاعِل قلت سَأَلت زيدا عَن حميمه فَإِذا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ قلت سُئِلَ زيد عَن حميمه وَقد يحذف الْجَار فيصل الْفِعْل إِلَى الِاسْم الَّذِي كَانَ مجرورا قبل حذف الْجَار فينتصب الِاسْم فعلى هَذَا انتصاب قَوْله {حميما}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا يسْأَل} بِفَتْح الْيَاء لأَنهم فِي شغل فِي أنفسهم عَن أَن يلقى قريب قَرِيبه فَكيف أَن يسْأَل ألم تسمع قَوْله تَعَالَى {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ أَبُو عبيد وَالشَّاهِد عَلَيْهَا قَوْله {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} فَكيف يسألهم عَن شَيْء وَهُوَ يفر مِنْهُم
وَالْفِعْل قبل تَضْعِيف الْعين مِنْهُ بصرت بِهِ كَمَا جَاءَ

(1/722)


{بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} فَإِذا ضعفت عين الْفِعْل صَار الْفَاعِل مَفْعُولا تَقول بصرني زيد بِكَذَا فَإذْ حذفت الْجَار قلت بصرني زيد كَذَا فَإِذا بنيت الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ وَقد حذفت الْجَار قلت بصرت كَذَا فعلى هَذَا قَوْله {يبصرونهم} لِأَن الْحَمِيم وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ فَالْمُرَاد بِهِ الْكَثْرَة وَالْجمع
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ {من عَذَاب يَوْمئِذٍ} بِفَتْح الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْمِيم على أصل الْإِضَافَة
وَمن فتح {يَوْم} فَلِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى غير مُتَمَكن مُضَاف إِلَى {إِذْ} وَإِذ مُبْهمَة وَمَعْنَاهُ يَوْم يكون كَذَا فَلَمَّا كَانَت مُبْهمَة أضيف إِلَيْهَا بني الْمُضَاف إِلَيْهَا على الْفَتْح {كلا إِنَّهَا لظى نزاعة للشوى} 1615
قَرَأَ حَفْص نزاعة للشوى بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع
قَالَ الزّجاج من نصب فعلى أَنَّهَا حَال مُؤَكدَة كَمَا قَالَ {هُوَ الْحق مُصدقا} وكما تَقول أَنا زيد مَعْرُوفا فَتكون {نزاعة} مَنْصُوبَة مُؤَكدَة لأمر النَّار وَمن رَفعهَا جعلهَا بَدَلا من لظى على تَقْدِير كلا إِنَّهَا لظى وكلا إِنَّهَا نزاعة للشوى كَذَا كرّ الْفراء وَقَالَ الزّجاج وَالرَّفْع على أَن تكون {لظى} و {نزاعة} خَبرا عَن الْهَاء

(1/723)


وَالْألف كَمَا تَقول إِنَّه حُلْو حامض تُرِيدُ أَنه قد جمع الطعمين وَتَكون الْهَاء وَالْألف إضمارا للقصة الْمَعْنى أَن الْقِصَّة نزاعة للشوى {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَالَّذين هم بشهاداتهم قائمون} 32 و 33
قَرَأَ ابْن كثير / وَالَّذين هم لأمانتهم / وَاحِدَة وحجته قَوْله {وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} وَلم يقل وعهودهم قَالَ بعض أهل النَّحْو وَجه الْإِفْرَاد أَنه مصدر وَاسم جنس فَيَقَع على الْكَثْرَة وَإِن كَانَ مُفردا فِي اللَّفْظ وَمن هَذَا قَوْله {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} فأفرد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لِأَمَانَاتِهِمْ} جمَاعَة وحجتهم قَوْله إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات والأمانات جمع امانة وَأَمَانَة مصدر وَيجوز جمع الْمصدر إِذا اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن جمع فلاختلاف الْأَمَانَات وَكَثْرَة ضروبها يحسن الْجمع من اجل الِاخْتِلَاف
قَرَأَ حَفْص {وَالَّذين هم بشهاداتهم} جمَاعَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / بِشَهَادَتِهِم / على التَّوْحِيد وَالْقَوْل فِي الشَّهَادَة والشهادات كَمَا تقدم من القَوْل فِي الْأَمَانَة والأمانات {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب} بِضَم النُّون وَالصَّاد جعلاه جمع نِصَاب كَمَا تَقول حمَار وحمر ونصاب وَنصب وَالنّصب حِجَارَة كَانَت لَهُم يعبدونها وَهِي الْأَوْثَان فَقَوله {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب}

(1/724)


أَي إِلَى أصنام لَهُم وحجتهما قَوْله {وَمَا ذبح على النصب} قَالَ الْفراء النصب وَاحِد وَجمعه أنصاب قَالَ الله تَعَالَى {والأنصاب والأزلام} فَهُوَ وَاحِد الأنصاب قَالَ الْحسن كَأَنَّهُمْ يبدرون إِلَى نصبهم أَيهمْ يستلمها وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة من قَرَأَ بِضَمَّتَيْنِ جعله جمع نصب كرهن وَرهن وسقف وسقف وَالنّصب الْعلم يَعْنِي الصَّنَم الَّذِي نصبوه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ إِلَى نصب بِفَتْح النُّون وَسُكُون الصَّاد أَي كَأَنَّهُمْ إِلَى علم مَنْصُوب يَسْتَبقُونَ وَالنّصب بِمَعْنى الْمَنْصُوب كَمَا تَقول هَذَا ضرب الْأَمِير أَي مَضْرُوب الْأَمِير وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَرَأَ إِلَى نصب بِضَم النُّون وَسُكُون الصَّاد أَي غَايَة يَسْتَبقُونَ وَالنّصب وَالنّصب لُغَتَانِ كالضعف والضعف
71 - سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَاتبعُوا من لم يزده مَاله وَولده إِلَّا خسارا} 21
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {مَاله وَولده} بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام
قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ مثل الْحزن والحزن والرشد والرشد وَالْبخل وَالْبخل وَيدل على أَن الْوَلَد يكون وَاحِدًا مَا أنْشدهُ

(1/725)


فليت فلَانا كَانَ فِي بطن أمه ... وليت فلَانا كَانَ ولد حمَار
وَقَالَ الزّجاج الْوَلَد وَاحِد وَالْولد بِالضَّمِّ جمع مثل أَسد وَأسد وَقَالَ ابْن أبي حَمَّاد الْوَلَد بِالضَّمِّ ولد الْوَلَد وَالْولد بِالْفَتْح ولد الصلب وَالْولد بِالضَّمِّ يصلح للْوَاحِد وللجمع وَالْولد لَا يصلح إِلَّا للْوَاحِد فَلهَذَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو هَا هُنَا بِالضَّمِّ {وَلَا تذرن ودا وَلَا سواعا}
قَرَأَ نَافِع وَلَا تذرن ودا بِضَم الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وهما لُغَتَانِ وَهُوَ اسْم صنم كَانُوا يَقُولُونَ عبدود وود {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} 25
قَرَأَ أَبُو عَمْرو / مِمَّا خطاياهم / مثل قضاياهم وحجته أَن الْخَطَايَا أَكثر من الخطيئات لِأَن جمع الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ فِي الْأَغْلَب من كَلَام الْعَرَب أَن يكون للقليل مثل نَخْلَة ونخلات وبقرة وبقرات قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ أَبُو عَمْرو يقْرَأ {خطاياهم} وَيَقُول إِن قوما كفرُوا ألف سنة كَانَت لَهُم خطيئات لَا بل خَطَايَا يذهب أَبُو عَمْرو إِلَى أَن التَّاء وَالْألف للْجمع الْقَلِيل وخطايا جمع التكسير وَهُوَ للتكثير وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع فِي سُورَة الْبَقَرَة نغفر لكم خطاياكم

(1/726)


وَكَانَ الأَصْل خطاءا على وزن خطاعى ثمَّ لينت الْهمزَة فَقيل خَطَايَا وَقد بيّنت فِي سُورَة الْأَعْرَاف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {خطيئاتهم} بِالتَّاءِ وحجتهم مرسوم الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَهُوَ جمع السَّلامَة فِي الْمُؤَنَّث قَالُوا إِن الْألف وَالتَّاء تكون للقليل وَالْكثير وَإِلَيْهِ ذهب الْكسَائي لِأَن الله قَالَ {مَا نفدت كَلِمَات الله} فَلَيْسَتْ كَلِمَات الله قَليلَة وَقَالَ {وهم فِي الغرفات آمنون}
72 - سُورَة الْجِنّ {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا}
قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو بكر {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} بِكَسْر الألفات إِلَّا قَوْله {أَنه اسْتمع} {وَأَن لَو استقاموا} 16 {وَأَن الْمَسَاجِد لله} 18 فَإِنَّهُم قرؤوا بِالْفَتْح وَزَاد ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو عَلَيْهِم {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} 8 و 9 وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالْفَتْح إِلَّا مَا جَاءَ بعد القَوْل أَو بعد فَاء جَزَاء
من كسر فَإِنَّهُ رد على قَوْله {فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا} وَقَالَ {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} ثمَّ أتبع ذَلِك مَا حسن أَن يكون من قَول الْجِنّ ثمَّ يعْتَرض كَلَام الله وَهُوَ قَوْله {وَأَنه كَانَ رجال} وَهَذَا مكسور

(1/727)


@ على الِابْتِدَاء ويتلوه قَوْله {وَأَنَّهُمْ ظنُّوا} نسق على مَا قبله ثمَّ تَقول الْجِنّ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء} وَهَذَا مَنْسُوب على مَا تقدم من قَول الْجِنّ ثمَّ تَقول الْجِنّ أَيْضا وَإِنَّا لَا نذري {وَأَنا منا الصالحون} إِلَى قَوْله {وَأَنا منا الْمُسلمُونَ وَمنا القاسطون} ثمَّ يَنْقَطِع قَول الْجِنّ وَيَقُول الله تَعَالَى وَأَن لَو استقاموا على الطرية ق نسقا على قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه} وَكَذَلِكَ {وَأَن الْمَسَاجِد} {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} لِأَنَّهُ لَا يحسن فِي قَوْله وَأَن الْمَسَاجِد لله وَأَنه لما قَامَ عبد الله أَن يكون من قبلهم فَكَانَ مَعْطُوفًا على قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع} {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} فموضعها رفع لما لم يسم الْفَاعِل
قَوْله {وَأَن لَو استقاموا} فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن تكون الْخَفِيفَة من المثقلة فَيكون مَحْمُولا على الْوَحْي كَأَنَّهُ أُوحِي أَن لَو استقاموا أَي أَنهم لَو استقاموا وَالثَّانِي ذكره الْفراء قَالَ إِنَّمَا فتحُوا لأَنهم أضمروا يمينما وقطعوها عَن النسق فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالله إِن لَو استقاموا فَأَما من فتح فَإِنَّهُ نسق على الْوَحْي فِي قَوْله {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع} {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} وَقَالَ الْفراء فَأَما الَّذين فتحُوا كلهَا فكأنهم ردوا جَمِيع مَا فتحُوا على قَوْله {فَآمَنا بِهِ} وآمنا بِكُل ذَلِك ففتحت أَن لوُقُوع الْإِيمَان عَلَيْهَا وَأَنت مَعَ ذَلِك تَجِد الْإِيمَان يحسن فِي بعض مَا فتح ويقبح فِي بعض فَلَا يمنعك ذَلِك من إمضائهن على الْفَتْح فَإِن الَّذِي يقبح من ظُهُور الْإِيمَان قد يحسن مَعَ صدقنا وَشَهِدْنَا

(1/728)


وَمعنى صدقنا أقررنا {وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعدا} 17
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {يسلكه} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجتهم أَنه قرب من ذكر الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَمن يعرض عَن ذكر ربه} فأجروا الْفِعْل على مَا قرب مِنْهُ إِذْ كَانَ فِي سيقاه وَكَانَ أقرب إِلَى الْفِعْل من لفظ الْجمع
وقرا الْبَاقُونَ {نسلكه} بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وحجتهم قَوْله قبلهَا {لأسقيناهم مَاء غدقا} لنقتنهم فِيهِ فأجروا الْكَلَام على لفظ الْجمع إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا}
قَرَأَ هِشَام {لبدا} بِضَم اللَّام جمع لبدة مثل غرفَة وغرف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لبدا وَهُوَ جمع لبدة مثل كسرة وَكسر {قل إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أشرك بِهِ أحدا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {قل إِنَّمَا أَدْعُو} على الْأَمر وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على مَا بعده على الْأَمر وَهُوَ قَوْله {قل إِنِّي لَا أملك لكم ضرا وَلَا رشدا} 21 و {قل إِنِّي لن يجيرني من الله أحد} 2 فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / قَالَ / على الْخَبَر وحجتهم أَن ذكر الْغَيْبَة قد تقدم

(1/729)


وَهُوَ قَوْله {وَأَنه لما قَامَ عبد الله} قَالَ {إِنَّمَا أَدْعُو} على الْغَيْبَة الَّتِي قبلهَا
73 - سُورَة المزمل {إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأقوم قيلا}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / وطاء / بِكَسْر الْوَاو ممدودة الْألف وَهُوَ مصدر فاعلت مفاعلة وفعالا تَقول واطأت فلَانا على كَذَا مواطأة ووطاء أَرَادَ وَالله أعلم أَن الْقِرَاءَة فِي اللَّيْل يواطئ فِيهَا قلب الْمُصَلِّي لِسَانه وسَمعه على التفهم وَالْأَدَاء وَالِاسْتِمَاع أَكثر مِمَّا يتوطأ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل تَنْقَطِع فِيهِ الأشغال وتهدأ فِيهِ الْأَصْوَات والحركات عَن ابْن عَبَّاس / وطاء / قَالَ يواطئ السّمع الْقلب
وَعَن يُونُس / أَشد وطاء / قَالَ ملاءمة وموافقة وَمن ذَلِك {ليواطئوا} أَي ليوافقوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَشد وطأ} بِفَتْح الْوَاو أَي أثقل على الْمُصَلِّي من سَاعَات النَّهَار وَهُوَ من قَوْلهم اشتدت على الْقَوْم وَطْأَة سلطانهم أَي ثقل عَلَيْهِم مَا يلْزمهُم وَيَأْخُذهُ مِنْهُم وَفِي الحَدِيث
اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون أَشد وطأ

(1/730)


اغلظ وَأَشد على الْإِنْسَان من الْقيام بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل جعل للنوم والسكون وَقيل أَشد وطأ أَي أبلغ فِي الثَّوَاب لِأَن كل مُجْتَهد فثوابه على قدر اجْتِهَاده
قَالَ آخَرُونَ مِنْهُم الْفراء {هِيَ أَشد وطأ} أَي هِيَ أثبت قيَاما قَالَ قَتَادَة أَشد وطا أَي اثْبتْ فِي الْخَيْر وَأثبت للقلب وَالْحِفْظ {رب الْمشرق وَالْمغْرب لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فاتخذه وَكيلا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {رب الْمشرق} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالخفض
الرّفْع يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَن يكون كَمَا قَالَ قبلهَا {وَاذْكُر اسْم رَبك} قطعه من الأول فَقَالَ {رب الْمشرق} فَيكون على هَذَا خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف وَالْوَجْه الآخر أَن يرفعهُ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَمن خفض فَإِنَّهُ عطفه على قَوْله قبله {وَاذْكُر اسْم رَبك} فَجعل مَا بعده مَعْطُوفًا عَلَيْهِ إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَنصفه وَثلثه}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو عَمْرو {وَنصفه وَثلثه} بِالْكَسْرِ حملوه على الْجَار أَي تقوم أدنى من نصفه وَمن ثلثه وَالْمعْنَى فِي ذَلِك يكون على تَأْوِيل إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أَحْيَانًا أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَأَحْيَانا أدنى من نصفه وَأَحْيَانا أدنى من ثلثه غير عَارِف بالمقدار فِي ذَلِك التَّحْدِيد بِدلَالَة قَوْله بعْدهَا {علم أَن لن تحصوه} وَقَوله وَالله

(1/731)


يقدر اللَّيْل وَالنَّهَار فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنا أعلم من مقادير قيامك بِاللَّيْلِ مَا لَا تعلمه من تَحْدِيد السَّاعَات من آخر اللَّيْل قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار الْخَفْض فِي نصفه وَثلثه لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {علم أَن لن تحصوه} فَكيف يقدرُونَ على أَن يعرفوا نصفه وَثلثه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب بِوُقُوع الْفِعْل أَي يقوم نصفه وَثلثه وحجتهم فِي ذَلِك أَن النصب أصح فِي النّظر قَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} أَي صل اللَّيْل إِلَّا شَيْئا يَسِيرا مِنْهُ تنام فِيهِ وَهُوَ الثُّلُث وَالثلث يسير عِنْد الثُّلثَيْنِ ثمَّ قَالَ {نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} أَي من الثُّلُث قَلِيلا أَي نصفه أَو أنقص من النّصْف قَلِيلا إِلَى الثُّلُث أَو زد على النّصْف إِلَى الثُّلثَيْنِ فَإِذا قَرَأت بالخفض كَانَ مَعْنَاهُ أَنهم قد كَانُوا يقومُونَ أقل من الثُّلُث وَفِي هَذَا مُخَالفَة لما أمروا بِهِ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} إِلَى الثُّلُث أَو زد على الثُّلُث وَلم يَأْمُرهُم بِأَن ينقصوا من الثُّلُث شَيْئا وَأما قَوْله {علم أَن لن تحصوه} أَي لن تطيقوه كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا أَي وَلنْ تتطيقوا وَالله أعلم

(1/732)


74 - سُورَة المدثر {وَالرجز فاهجر} 5
قَرَأَ حَفْص {وَالرجز فاهجر} بِضَم الرَّاء يَعْنِي الصَّنَم كَذَا قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالرجز} بِالْكَسْرِ يعي الْعَذَاب وحجتهم قَوْله {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز} يَعْنِي الْعَذَاب
وَمعنى الْكَلَام اهجر مَا يؤديك إِلَى عَذَاب قَالَ الزّجاج هما لُغَتَانِ ومعناهما وَاحِد {وَاللَّيْل إِذْ أدبر وَالصُّبْح إِذا أَسْفر} 3332
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَحَفْص {وَاللَّيْل} إِذْ بِغَيْر ألف {أدبر} بِالْألف وحجتهم قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أقبل اللَّيْل من هَا هُنَا وادبر النَّهَار من هَا هُنَا فقد أفطر الصَّائِم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِذا} بِالْألف دبر بِغَيْر ألف وهما لُغَتَانِ يُقَال دبر اللَّيْل وَأدبر وَكَذَلِكَ قبل اللَّيْل وَأَقْبل وَقَالَ يُونُس

(1/733)


دبر انْقَضى وَأدبر ولى قَالَ أَبُو عبيد الِاخْتِيَار إِذا بِالْألف دبر بِغَيْر ألف لموافقة الْحَرْف الَّذِي يَلِيهِ أَلا ترى قَالَ وَالصُّبْح إِذا أَسْفر فَكيف يكون فِي أَحدهمَا إِذا وَفِي الآخر إِذْ قَالَ فَلهَذَا اخترنا أَن نجعلهما جَمِيعًا إِذْ على لفظ اواحد {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة} 50 و 51
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة} بِفَتْح الْفَاء مفعولة أَي مَذْعُورَة قَالَ أهل العاني الْفَتْح هُوَ الْمُخْتَار بِمَعْنى فعل ذَلِك بهَا لِأَن أَكثر مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب إِذا جعلُوا الْفِعْل للحمر أَن يَقُولُوا نفرت وَلَا يكادون يَقُولُونَ استنفرت إِذا كَانَت هِيَ الفاعلة وَيَقُولُونَ استنفرت إِذا فعل ذَلِك بهَا فَهِيَ مستنفرة فَكَأَن القسورة استنفرتها أَو الرَّامِي
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مستنفرة} بِالْكَسْرِ جعلوها فاعلة وحجتهم أَن الْعَرَب تَقول نفرت الْحمر واستنفرت جَمِيعًا بِمَعْنى وَاحِد قَالَ الشَّاعِر ... أمسك حِمَارك إِنَّه مستنفر ... فِي إِثْر أحمرة عمدن لغرب ...

وَالْكَسْر أولى أَلا ترى أَنه قَالَ {فرت من قسورة} فَهَذَا يدل على أَنَّهَا هِيَ استنفرت

(1/734)


{وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} 56
قَرَأَ نَافِع / وَمَا تذكرُونَ / بِالتَّاءِ على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ ردا على مَا قبله
75 - سُورَة الْقِيَامَة {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة}
قَرَأَ ابْن كثير / لأقسم بِيَوْم الْقِيَامَة / بِغَيْر ألف يَجْعَل اللَّام لَام تَأْكِيد الْمَعْنى أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة كَمَا تَقول أقوم ثمَّ تدخل اللَّام فَتَقول لأَقوم رُوِيَ عَن الْحسن أَنه على هَذِه الْقِرَاءَة قَالَ إِن الله تَعَالَى أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَلم يقسم بِالنَّفسِ اللوامة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا أقسم بِالْألف وَاخْتلف النَّحْوِيين فِي {لَا} فَقَالَ الْكسَائي وَأَبُو عبيد {لَا} صلَة زَائِدَة وَالتَّقْدِير أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة و {لَا} على قَوْلهمَا صلَة كَالَّتِي فِي قَوْله {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} وَالْمعْنَى لِأَن يعلم فَإِن قلت لَا وَمَا والحروف الَّتِي تكون زَوَائِد إِنَّمَا تكون بَين كلامين كَقَوْلِه / مِمَّا خطاياهم / وَقَوله {فبمَا رَحْمَة من الله} وَلَا تكَاد تزاد أَولا فقد قَالُوا إِن مجَاز الْقُرْآن مجَاز الْكَلَام الْوَاحِد وَالسورَة الْوَاحِدَة قَالُوا وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَنه قد يذكر الشَّيْء فِي سُورَة وَيَجِيء جَوَابه فِي سُورَة أُخْرَى كَقَوْلِه {وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر إِنَّك لمَجْنُون} جَاءَ جَوَابه فِي سُورَة أُخْرَى فَقَالَ

(1/735)


{مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} وَقَالَ الْفراء الْعَرَب لَا تزيد لَا فِي أول الْكَلِمَة وَلَكِن {لَا} فِي هَا هُنَا رد لكَلَام كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْبَعْث فَقيل لَيْسَ الْأَمر على مَا ذكرْتُمْ أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة {فَإِذا برق الْبَصَر}
قَرَأَ نَافِع {فَإِذا برق الْبَصَر} بِفَتْح الرَّاء أَي شخص إِذا فتح عَيْنَيْهِ عِنْد الْمَوْت كَذَا قَالَ الْفراء وَقَالَ آخَرُونَ برق لمع بَصَره
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {برق} بِالْكَسْرِ أَي تحير وَقَالَ الْفراء برق فزع قَالَ وأنشدني بعض الْعَرَب وداو الكلوم ولاتبرق ...

أَي لَا تفزع من هول الْجراح {كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الْآخِرَة} 2120
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / كلا بل يحبونَ العاجلة ويذرون الْآخِرَة / بِالْيَاءِ وحجتهم أَنه ذكر قبل ذَلِك الْإِنْسَان فَقَالَ {ينبأ} الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ {بل الْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة} 1413 وَالْإِنْسَان فِي هَذَا الْوَضع فِي معنى النَّاس فأخرجوا الْخَبَر عَنْهُم إِذْ كَانَ ذَلِك فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بل تحبون} {وتذرون} بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي

(1/736)


قل لَهُم يَا مُحَمَّد بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة الْبَاقِيَة ثمَّ وصف الْمُؤمن وَالْكَافِر على إثْرهَا {وَقيل من راق} 27
قَرَأَ حَفْص {وَقيل من راق} بِإِظْهَار النُّون إعلاما أَن من مُنْفَصِلَة من الرَّاء الْمَعْنى هَل من مداو
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِدْغَامِ لقرب النُّون من الرَّاء {ألم يَك نُطْفَة من مني يمنى} 37
قرا حَفْص {من مني يمنى} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فَمن قَرَأَ {يمنى} فللفظ مني وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فللفظ {نُطْفَة}
76 - سُورَة الْإِنْسَان {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ / سلاسلا / بِالتَّنْوِينِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلاسل} بِغَيْر تَنْوِين لِأَن فعالل لَا تَنْصَرِف وكل جمع ثالثه ألف وَبعدهَا حرف مشدد أَو حرفان خفيفان أَو أَكثر فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة نَحْو مَسَاجِد قَالَ الله تَعَالَى {ومساجد يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا}
وَحجَّة من صرف أَمْرَانِ أَحدهمَا ذكر الْفراء فَقَالَ إِن الْعَرَب

(1/737)


تجْرِي مَا لَا يجْرِي فِي الشّعْر فَلَو كَانَ خطأ مَا أدخلوه فِي أشعارهم فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ اجروا / سلاسلا / قَالَ الشَّاعِر ... فَمَا وجد أظآر ثَلَاث روائم ...

فَأجرى روائم وَالْوَجْه الثَّانِي أَنهم اتبعُوا مرسوم الْمَصَاحِف فِي الْوَصْل وَالْوَقْف لِأَنَّهَا مَكْتُوبَة بِالْألف وَإِن لم تكن رَأس آيَة فَهِيَ تشاكل رُؤُوس الْآي لِأَن بعده {وأغلالا وسعيرا} {وأكواب كَانَت قواريرا قَوَارِير من فضَّة قدروها تَقْديرا} 1615
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو بكر وَالْكسَائِيّ / قواريرا قواريرا / منونا كِلَاهُمَا وَإِذا وقفُوا وقفُوا عَلَيْهِمَا بالف اتبَاعا للمصحف وَلِأَن الأولى راس آيَة وكرهوا أَن يخالفوا بَين لفظين مَعْنَاهُمَا وَاحِد كَمَا قَرَأَ الْكسَائي {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا رَبهم أَلا بعدا لثمود} فصرف الثَّانِي لقُرْبه من الأول
قَرَأَ ابْن كثير {قواريرا} منونا و {قَوَارِير من فضَّة} بِغَيْر تَنْوِين وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الأولى رَأس آيَة وَلَيْسَت الثَّانِيَة كَذَلِك
فَمن قَرَأَ / قواريرا قواريرا / بإجرائهما جَمِيعًا كَانَت لَهُ ثَلَاث حجج إِحْدَاهُنَّ أَن يَقُول نونت الأولى لِأَنَّهَا رَأس آيَة ورؤوس

(1/738)


الْآيَات جَاءَت بِالتَّنْوِينِ كَقَوْلِه {مَذْكُورا} {سميعا} {بَصيرًا} فنون الأولى ليُوَافق بَين رُؤُوس الْآيَات وَنون الثَّانِي على الْجوَار للْأولِ
وَالْحجّة الثَّانِيَة أَن الْعَرَب تجْرِي مَا لَا يجرى فِي كثير من كَلَامهَا من ذَلِك قَول عَمْرو بن كُلْثُوم ... كَأَن سُيُوفنَا فِينَا وَفِيهِمْ ... مخاريق بأيدي لاعبينا ...

فَأجرى مخاريق وَالثَّالِثَة اتِّبَاع الْمَصَاحِف وَذَلِكَ أَنهم جَمِيعًا فِي مصاحف أهل الْحجاز والكوفة بِالْألف
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص {قواريرا قَوَارِير} بِغَيْر تَنْوِين وَهُوَ مَحْض الْعَرَبيَّة لِأَن فواعل لَا تَنْصَرِف فِي معرفَة وَلَا نكرَة ووقفوا على الأولى بِالْألف لِأَنَّهَا رَأس آيَة وآيتها على الْألف ووقفوا على الثَّانِيَة بِغَيْر ألف لِأَنَّهَا لَيست ب رَأس آيَة ووقف حَمْزَة بِغَيْر ألف فيهمَا
قَوْله {كَانَت قواريرا قَوَارِير من فضَّة} يَقُول كَانَت كصفاء الْقَوَارِير وَبَيَاض الْفضة فَاجْتمع فِيهَا صفاء القوراير وَبَيَاض الْفضة {قدروها تَقْديرا} أَي قدرُوا الكأس على ري أحدهم لافضل فِيهِ وَلَا عجز عَن ريه {عاليهم ثِيَاب سندس خضر وإستبرق} 21
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة {عاليهم} سَاكِنة الْيَاء وَهِي فِي مَوضِع رفع على الِابْتِدَاء وَخَبره ثِيَاب سندس لِأَن العالي هُوَ الثِّيَاب

(1/739)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عاليهم بِفَتْح الْيَاء على الْحَال قَالَ الزّجاج نصب على الْحَال من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا من الْهَاء وَالْمِيم الْمَعْنى يطوف على الْأَبْرَار ولدان مخلدون على الْأَبْرَار ثِيَاب سندس لِأَنَّهُ قد وصفت أَحْوَالهم فِي الحنة فَيكون الْمَعْنى يطوف عَلَيْهِم فِي هَذِه الْحَال هَؤُلَاءِ ويجو أَن يكون حَالا من الْولدَان الْمَعْنى إِذا رَأَيْته حسبتهم لؤلؤا منثورا فِي حَال علو الثِّيَاب إيَّاهُم وَقَالَ قوم نصب على الظّرْف بِمَعْنى فَوْقهم
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {ثِيَاب سندس خضر} خفضا {وإستبرق} رفعا
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {خضر} رفع {وإستبرق} خفض وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص بِالرَّفْع فيهمَا
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بالخفض فيهمَا
فَمن قَرَأَ خضر بِالرَّفْع فَهُوَ أحسن لِأَنَّهُ يكون نعتا للثياب وَلَفظ الثِّيَاب لفظ الْجمع و {خضر} لَفظهَا لفظ الْجمع
وَمن قَرَأَ {خضر} فَهُوَ من نعت السندس والسندس فِي الْمَعْنى رَاجع إِلَى الثِّيَاب
وَمن قَرَأَ إستبرق بِالرَّفْع فَهُوَ نسق على {ثِيَاب} الْمَعْنى وَعَلَيْهِم إستبرق وَمن خفض فَهُوَ نسق على السندس وَثيَاب إستبرق

(1/740)


وَيكون الْمَعْنى عَلَيْهِم ثِيَاب من هذَيْن النَّوْعَيْنِ ثِيَاب سندس وإستبرق
وأجود هَذِه الْوُجُوه قَول أبي عَمْرو وَمن مَعَه فَرفع الْخضر لِأَنَّهُ صفة مَجْمُوعَة لموصوف مَجْمُوع فأتبع الْخضر الَّذِي هُوَ جمع مَرْفُوع الْجمع الْمَرْفُوع الَّذِي هُوَ {ثِيَاب} وَأما {إستبرق} فجر من حَيْثُ كَانَ جِنْسا أضيف إِلَيْهِ الثِّيَاب كَمَا اضيف إِلَى {سندس} فاضاف الثِّيَاب إِلَى الجنسين كَمَا تَقول ثِيَاب خَز وكتان وَيدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق} وَأما خفض {خضر} {وإستبرق} بِالرَّفْع فَإِنَّهُ أجْرى الْخضر وَهُوَ جمع على السندس لما كَانَ الْمَعْنى أَن الثِّيَاب من هَذَا الْجِنْس
وَأَجَازَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش وصف بعض هَذِه الْأَجْنَاس بِالْجمعِ فَقَالَ تَقول أهلك النَّاس الدِّينَار الصفر وَالدِّرْهَم الْبيض والصفر وَالْبيض جمعان وَالدِّرْهَم لَفظه وَاحِد أَرَادَ بِهِ الْجِنْس {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} 30
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / وَمَا يشاؤون / بِالْيَاءِ ردُّوهُ على قَوْله {ويذرون وَرَاءَهُمْ} 27 {نَحن خلقناهم وشددنا} أسرهم فَجعلُوا قَوْله يشاؤون خَبرا عَنْهُم إِذْ أَتَى فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُم ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا تشاؤون} بِالتَّاءِ على الْخطاب وَإِنَّمَا خاطبهم

(1/741)


بذلك بعد انْقِضَاء الْخَبَر عَنْهُم وَلِأَن الْخطاب يدْخل فِيهِ معنى الْخَبَر فَهُوَ أوعب
77 - سُورَة المرسلات {عذرا أَو نذرا}
قَرَأَ الْأَعْشَى {عذرا أَو نذرا} بِضَم الذَّال فيهمَا وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَأَبُو بكر {عذرا} سَاكِنة الذَّال أَو {نذرا} مَضْمُومَة الذَّال وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الذَّال فيهمَا
فَأَما التَّخْفِيف فَأن يكون مصدرا مُفردا تَقول عذرته عذرا كَمَا تَقول شغلته شغلا وشكرته شكرا
وَأما التثقيل فَإِن يكون {عذرا أَو نذرا} جمع عذير ونذير تَقول عذيري من فلَان أَي اعذرني مِنْهُ عذيرا وَمن خفف {عذرا} وَثقل {نذرا} جعل {نذرا} جمع نَذِير قَالَ الله تَعَالَى وَلَقَد جَاءَ آل فِرْعَوْن النّذر قَالَ الزّجاج الْعذر والعذر وَالنّذر وَالنّذر بِمَعْنى وَاحِد ومعناهما الْمصدر {وَإِذا الرُّسُل أقتت}
قَالَ أَبُو عَمْرو / وَإِذا الرُّسُل وقتت / بِالْوَاو وَتَشْديد الْقَاف على الأَصْل لِأَنَّهَا فعلت من الْوَقْت مثل قَوْله {ووفيت كل نفس}

(1/742)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أقتت} بِالْألف وحجتهم فِي ذَلِك خطّ الْمَصَاحِف بِالْألف فَمن همز فَإِنَّهُ أبدل الْهمزَة من الْوَاو لانضمام الْوَاو وكل وَاو انضمت وَكَانَت ضمتها لَازِمَة جَازَ أَن تبدل مِنْهَا همزَة فَتَقول فِي وُجُوه أجوه {فقدرنا فَنعم القادرون}
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ فقدرنا بِالتَّشْدِيدِ ورأ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم قَوْله {فَنعم القادرون} وَلم يقل المقدرون فأجروا على لفظ مَا جاوره إِذْ لم يقم على التَّفْرِيق بَين اللَّفْظَيْنِ وَكَانَ الْمَعْنى فِيهِ فملكنا فَنعم المالكون فَكَانَ لفظ يشاكل بعضه بَعْضًا فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى
وَمن شدد فَإِنَّهُ أحب أَن يجْرِي على معِين كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخِلَاف الآخر وَذَلِكَ {فقدرنا} مرّة بعد مرّة لِأَنَّهُ ذكر الْخلق فَقَالَ {ألم نخلقكم من مَاء مهين} فجعلناه فِي قَرَار مكين إِلَى قدر مَعْلُوم فَذَلِك مِنْهُ فعل مُتَرَدّد فَشدد إِرَادَة تردد الْفِعْل على سنَن الْعَرَبيَّة وَقد أوضح هَذَا الْمَعْنى فِي تَقْدِير خلق الْإِنْسَان بِمَا أَجمعُوا فِيهِ على التَّشْدِيد وَهُوَ قَوْله {من نُطْفَة خلقه فقدره} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى

(1/743)


ثمَّ قَالَ {فَنعم القادرون} يَعْنِي الْقُدْرَة على ذَلِك وَالْملك وَالْأول من التَّقْدِير والفائدة هَا هُنَا فَائِدَتَانِ وَإِذا كَانَا بِلَفْظ وَاحِد كَانَت الْفَائِدَة وَاحِدَة وَيجوز أَن يَعْنِي بذلك معنى وَاحِد وَيجمع ذَلِك الْمَعْنى بَين اللغتين
قَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ وَالْعرب تَقول قدر عَلَيْهِ الْمَوْت وَقدر وَقدر عَلَيْهِ رزقه وَقدر وَقيل للكسائي لم اخْتَرْت التَّشْدِيد وَاسم الْفَاعِل لَيْسَ مَبْنِيا على هَذَا الْفِعْل فَقَالَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله {فمهل الْكَافرين} ثمَّ قَالَ {أمهلهم} وَلم يقل مهلهم فَجمع بَين اللغتين وَمثله {فَإِنِّي أعذبه عذَابا} وَلم يقل تعذيبا
قَالَ الْأَعْشَى ... وأنركتني وَمَا كَانَ الَّذِي نكرت ... من الْحَوَادِث إِلَّا الشيب والصلعا ...

{كَأَنَّهُ جمالة صفر} 33
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {كَأَنَّهُ جمالة صفر} بِغَيْر ألف جمع جمل تَقول جمل وجمال وجمالة وَإِنَّمَا تدخل الْهَاء توكيدا لتأنيث الْجمع كَمَا تَقول عمومة وَنَظِيره حجر وحجار وَحجر وحجارة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / جمالات صفر / فَهُوَ جمع الْجمع تَقول جمل

(1/744)


وجمال وجمالات كَمَا تَقول وَرجل وَرِجَال ورجالا وَبَيت وبيوت وبيوتات
78 - سُورَة عَم يتساءلون النبأ {وَفتحت السَّمَاء فَكَانَت أبوابا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة الْكسَائي {وَفتحت السَّمَاء} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {فَكَانَت أبوابا} وَالتَّشْدِيد للتكثير وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} بِالتَّشْدِيدِ
وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ التَّخْفِيف يكون للقليل وَالْكثير {لابثين فِيهَا أحقابا}
وَقَرَأَ حَمْزَة / لبثين فِيهَا أحقابا / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لابثين} بِأَلف وحجتهم مَجِيء الْمصدر عَليّ اللّّبْث يدل على أَنه من بَاب شرب يشرب ولقم يلقم فَهُوَ شَارِب ولاقم وَلَيْسَ من بَاب فرق يفرق وَلَو كَانَ مِنْهُ لَكَانَ الْمصدر مَفْتُوح الْعين فَلَمَّا سكن

(1/745)


وَقيل اللّّبْث وَجب أَن يكون اسْم الْفَاعِل فَاعِلا لما كَانَ اللّّبْث كاللقم وَمن قَرَأَ / لبثين / جعل اسْم الْفَاعِل فعلا وَقد جَاءَ غير حرف من هَذَا النَّحْو على فَاعل وَفعل نَحْو رجل طامع طمع وآثم وأثم وعَلى هَذَا نقُول لبث فَهُوَ لابث ولبث فِي {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} 35
وَقَرَأَ الْكسَائي {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مصدر كذب يكذب كذابا وأصل مصدر فعلت إِنَّمَا هُوَ فعال لِأَنَّك إِذا جَاوَزت الثَّلَاثَة من الْأَفْعَال بِالزِّيَادَةِ فوزن الْمصدر على وزن الْفِعْل الْمَاضِي بِزِيَادَة الْألف فِي الْمصدر قبل آخِره وَذَلِكَ نَحْو أكْرم إِكْرَاما وَانْطَلَقت انطلاقا فاصل مصدر فعلت إِنَّمَا هُوَ فعال فَمن كَذبته كذابا وكلمته كلَاما قَالَ سِيبَوَيْهٍ قَوْله كَلمته تكليما وسلمته تَسْلِيمًا وكذبته تَكْذِيبًا إِنَّمَا كرهو التَّضْعِيف فالتاء عوض من التَّضْعِيف وَالْيَاء الَّتِي قبل الآخر كالألف فِي قَوْله كذابا وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
فَأَما الْكذَّاب بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مصدر كذب كذابا مثل كتبه كتابا وحسبه حسابا كَذَا قَالَ الْخَلِيل قَالَ الْأَعْشَى ... فصدقتهم وكذبتهم ... ولمرء يَنْفَعهُ كذابه ...

(1/746)


وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد وَقد يكون كذابا من قَوْلك كاذبته كذابا مثل قَاتلته قتالا
قَالَ الْفراء التَّخْفِيف كَأَنَّهُ وَالله أعلم لَا يتكاذبون وحجته فِي التَّخْفِيف أَن قَوْله لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا لَيست بمقيدة بِفعل يكون مصدرا لَهُ كَمَا شدد قَوْله {وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا} لمجيء {كذبُوا} فقيدها بل هُوَ مصدر صدر عَن قَوْله كذب كذابا بِالتَّخْفِيفِ وَقد ذكرنَا وَأُخْرَى أَن رُؤُوس الْآيَات من لدن قَوْله {أحصيناه كتابا} إِلَى أخر السُّورَة على التَّخْفِيف فَكَانَ التوفقة بَين نظام رُؤُوس الْآيَات أولى من مخالفتها {جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا} 36 و 37
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الرَّحْمَن} بِالرَّفْع فيهمَا على الِاسْتِئْنَاف و {الرَّحْمَن} خَبره
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم بِالْجَرِّ فيهمَا عطف على قَوْله جَزَاء من رَبك رب السَّمَوَات
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {رب السَّمَاوَات} بالخفض و {الرَّحْمَن} رفع قَوْله رب ترده على قَوْله من رَبك وترفع الرَّحْمَن

(1/747)


على الِابْتِدَاء وَتجْعَل قَوْله {لَا يملكُونَ مِنْهُ} فِي مَوضِع خبر قَوْله {الرَّحْمَن}