دلائل الإعجاز ت شاكر باب القصر والاختصاص:
فصل في "إنما" ومواقعها
فصل: في مسائل "إنمًا"
قول الفارسي في "إنما" في كتابه "الشيرازيات":
388 - قال الشيخُ أبو علي في "الشيرازيَّات"1: "يقولُ ناسٌ من
النَّحْويين في نحْو قولهِ تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}
[الأعراف: 33]، إنَّ المعنى: ما حَرَّمَ ربِّي إلاَّ الفواحشَ.
قال: وأصبتُ ما يدل على صحته قولهم في هذا، وهو قول الفرزدق:
أَنَا الذائدُ الحامي الذِّمارَ، وإنَّما ... يُدافِعُ عَنْ
أحسابِهِم أَنا أوْ مِثْلِي2
فليس يَخْلو هذا الكلامُ مِنْ أن يكونَ موجِباً أو مَنْفيّاً.
فلو كان المراد به الإيجاب لم يستقيم، ألاَ ترى أنَّك لا
تقولُ: "يُدافعُ أنا" و "لا يقاتل أنا"، وإنما تقول: "أدافع" و
"أقاتل" إلاَّ أنَّ المعنى لمَّا كانَ: "ما يُدافِعُ إلا أنا"،
فصَلْتَ الضميرَ كما تفصِلهُ مَع النَّفي إذا ألحقتَ معه
"إلاَّ"، حَمْلاً على المعنى، وقال أبو إسحاقَ الزجَّاجُ في
قولِه تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ} [البقرة: 173، سورة النحل: 115]، النصْبُ في
"الميتة" هو القراءةُ، ويجوزُ: "إنما حُرِّمَ عليكم". قال أبو
إسحاقَ: والذي اختارُه أن تكونَ "ما" هي التي تمنعُ "إنَّ"
مِنَ العمل، ويكونُ المعنى: "ما حُرِّمَ عليكُم إلاَّ
الميتةُ"، لأنَّ "إنما" تأتي إثباتاً لما يُذْكَرُ بعدَها،
ونَفْياً لِمَا سواهُ، وقولِ/ الشاعر/.
وإنَّما يُدافِعُ عَنْ أحسابِهِم أَنا أوْ مِثْلِي
المعنى: ما يُدافِع عن أحسابِهم إلا أنا او مثلي". انتهى كلام
أبي علي.
__________
1 هو الشيخ أبي على الفارسي.
2 هو في ديوانه، وانظر ما سيأتي في رقم: 404.
(1/328)
ليس كلُّ كلام يصلُحُ فيه "ما"، و"إلا"
يصلح فيه "إنما":
389 - اعلمْ أنَّهم، وإنْ كانوا قَدْ قَالوا هذا الذي كتبته
لك، فإنه لم يَعْنُوا بذلك أنَّ المعنى في هذا هُوَ المعنى في
ذلكَ بعينِه، وأنَّ سبيلَهما سبيلُ اللفظَيْن يُوضَعان لمعنى
واحدٍ. وفرقٌ بينَ أنْ يكونَ في الشيءِ معنَى الشيءِ، وبينَ
أنْ يكونَ الشيءُ الشيءَ عَلَى الإطلاق.
يُبيِّنُ لكَ أنَّهما لا يكونان سواءً، أنه ليس كلُّ كلامٍ
يصلُحُ فيه "ما" و "إلاَّ"، يصلحُ فيه "إنما". ألاَ تَرى أنها
لا تَصْلُح في مثلِ قولِه تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا
اللَّه} [آل عمران: 62]، ولا نحوِ قولِنا: "ما أحدٌ إلاَّ وهُو
يقولُ ذك"، إذْ لوْ قلتَ: "إنَّما مِنْ إلهٍ اللهُ" و "إنما
أحَدٌُ وهو يقولُ ذاك"، قلتَ ما لا يكون له معنى.
فإن قلت: إن ذلك أنَّ "أحداً" لا يقعُ إلاَّ في النفيِ وما
يَجْري مَجْرى النفي من النَهْي والاستفهام، وأنَّ "مِنْ"
المَزيدةَ في "ما مِنْ إلهٍ إلا اللهُ"، كذلكَ لا تكونُ إلاَّ
في النفي.
قيل: ففي هذا كفايةٌ، فإنه اعترافٌ بأنْ ليسا سواءً، لأنهما لو
كانا سواءً لكانَ ينبغي أن يكونَ في "إِنما" مِنَ النفي مثلُ
ما يكونُ في "ما" و "إلاَّ" وكما وجدتَ "إنما" لا تصلحُ فيما
ذكرْنا، كذلك تجد "ما" و "إلا" لا تصْلُح في ضَرْبٍ من الكلام
قد صلحتْ فيه "إنما"، وذلكَ في مثلِ قولكَ:"إنما هو دِرهمٌ لا
دينارٌ"، لو قلتَ: "ما هو إلاَّ درهمٌ لا دينارٌ"، لم يكنْ
شيئاً. وإذْ قد بانَ بهذه الجملةِ أنَّهم حينَ جعلوا "إنما" في
معنى "ما" و "إلا"، لم يَعْنوا أنَّ المعنى فيهما واحدٌ على
الإطلاق، وأن يُسْقطوا الفرْقَ1 فإني أُبَيِّن لكَ أمرَهُما،
وما هو أصْلٌ في كلِّ واحدٍ منهما، بعون الله وتوفيقه.
__________
1 السياق: "وإذ قد بان بهذه الجملة ..... فإني أبين لك ... ".
(1/329)
"إنما"، تجيء لخبر لا يجهله المخاطب،
وتفسير ذلك:
390 - إِعْلم أنَّ موضوعَ "إنما" على أن تجيءَ لخَبرٍ لا
يَجهلُهُ المخاطَبُ ولا يَدفعُ صِحَّتَه، أو لا يُنزَّلُ هذه
المنزلةَ1.
تفسيرُ ذلك أَنكَ تقولُ للرجل: "إنما هو أخوك" و "إنما هُوَ
صاحُبك القديمُ": لا تقولُه لِمَنْ يَجْهلُ ذلك ويدفَعُ
صحَّتَه، ولكنْ لِمَن يَعْلَمُه ويُقِرُّ به، إلاَّ أنَّك
تُريد أن تُنَبِّهَهُ للذي يجبُ عليه من حقِّ، الأخِ وحُرْمةِ
الصاحبِ، ومثله قوله2:
إنما أنتَ والدٌ، والأبُ القا ... طِعُ أحْنى مِنْ واصلِ
الأولادِ3
لم يُرد أن يُعْلِمَ كافوراً أنه والدٌ، ولا ذاكَ مما يحتاجُ
كافورٌ فيه إلى الإِعلام، ولكنه أراد أنْ يُذكِّرَهُ منه
بالأمر المعلوم ليبنى عليه استداء ما يُوجِبهُ كونُهُ بمنزلةِ
الوالدِ4.
ومثلُ ذلك قولُهم: "إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخْشَى الفَوْتَ"،
وذلكَ أنَّ مِن المعلومِ الثابتِ في النفوسِ أنَّ من لم يخشى
الفوتَ لَمْ يَعْجَل.
ومِثالُه مِنَ التنزيلِ قولُه تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأَنعام: 36]، وقولُه عز وجل:
{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ
الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 11]، وقولُه تعالى: {إِنَّمَا
أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45]، كلُّ ذلكَ
تذكيرٌ بأمرٍ ثابتٍ معلومٍ. وذلك أنَّ كلَّ عاقلٍ يَعْلَم
أنَّه لا تكونُ استجابة إلا ممن
__________
1 انظر ما سيأتي أيضًا برقم: 418.
2 في المطبوعة و "ج" "قول الآخر"، كأنه سهو.
3 هو المتنبي، في ديوانه.
4 في المطبوعة: "لينبني".
(1/330)
يسمع ويعقل مايقال له ويُدْعى إليه، وأنَّ
مَنْ لم يَسْمعْ ولم يعقِلْ لم يَسْتجبْ. وكذلك معلومٌ أنَّ
الإنذارَ إنما يكونُ إنذاراً ويكونُ له تأثيرٌ، إذا كان معَ
مَنْ يؤمِنُ بالله ويَخْشاهُ ويُصدِّقُ بالبعثِ والساعةِ،
فأمَّا الكافرُ الجاهلُ، فالإنذارُ وتَرْكُ الإنذار معه واحدٌ.
فهذا مثالُ ما الخبرُ فيهِ خبرٌ بأمرٍ يعلمُه المخاطَبُ ولا
يُنْكِرُه بحالٍ.
391 - وأمَّا مثالٌ ما يُنَزَّل هذه المنزلةَ، 1 فكقولِه:
إنما مُصْعَبٌ شِهابٌ مِنَ ... الله تجلَّتْ عن وجْهِهِ
الظلْماءُ2
ادَّعى في كونِ الممدوحِ بهذه الصفةِ، أنَّه أمرٌ ظاهرٌ معلومٌ
للجميع، على عادةِ الشعراءِ إذا مَدَحوا أنْ يدَّعوا في
الأوصاف التي يَذْكُرون بها الممدوحينَ أنها ثابتةٌ لهم،
وأنَّهم قد شُهروا بها، وأنهم لم يَصِفوا إلاَّ بالمعلومِ
الظاهرِ الذي لا يدفعُه أحد، كما قال:
وتعدلني أفناءُ سَعْدٍ عليهمُ ... وَمَا قلْتُ إلاَّ بالذَّي
عَلِمَتْ سَعْدُ3
وكما قال البحتري:
لا أدَّعي لأبي العلاءِ فَضيلَةً ... حتَّى يُسَلِّمَها
إلَيْهِ عِدَاه4
ومثلُه قولُهم: "إنما هو أسَدٌ"، و "إنما هو نار"، و "إنما هو
سيف
__________
1 انظر أول الفقرة رقم: 398.
2 هو لابن قيس الرقيات في ديوانه.
3 هو للحطيئة في ديوانه.
4 هو في ديوانه.
(1/331)
صارمٌ"، إذا أدخلوا "إنما" جعلوا ذلك في
حُكْم الظاهرِ المعلومِ الذي لا يُنْكَر ولا يدفع ولا يخفى.
392 - وأما الخبر بانلفي والإثبات نحو: "ما هذا إلا كذا"، و
"إن هو إلا كذا"، فيكون للمر يُنْكِرهُ المخاطَبُ ويَشُكُّ
فيه. فإذا قلتَ: "ما هو إلاَّ مُصيبٌ" أو: "ما هو إلا مخطئ"،
قلتَه لمن يدفَعُ أن يكونَ الأمْرُ على ما قلت، وإذا رأيتَ
شخصاً مِنْ بعيدٍ فقلتَ: "ما هو إلا زيدٌ"، لم تَقُلْه إلاَّ
وصاحِبُك يَتوهَّم أنه ليس بزيدٍ، وأنه إنسانٌ آخرُ، ويجدُّ في
الإنكارِ أن يكون "زيدًا".
وإأذا كان الأمرُ ظاهراً كالذي مضَى، لم تَقُلْه كذلك، فلا
تقول للرجل ترقفه على أخيهِ وتُنَبِّهُهُ للذي يَجب عليه منْ
صِلة الرَّحِم ومنْ حُسْن التحابِّ1: "ما هُوَ إلاَّ أخوك"
وكذلك لا يَصْلُح في "إنما أنتَ والدٌ": "ما أنتَ إلاَّ
والدٌ"، فأما نحوُ: "إنما مصعبٌ شهابٌ"، فيَصلُحُ فيه أن
تقولَ: "ما مصعبٌ إلاَّ شهابٌ"، لأنَّه ليس من المعلومِ على
الصحَّة، وإنما ادَّعى الشاعرُ فيه أنَّه كذلك، وإذا كانَ هذا
هكذا، جاز أن تقول بالنفي والإثباتِ، إلاَّ أنك تُخْرِجُ
المدحَ حينئذٍ عن أن يكونَ على حَدِّ المبالغةِ، من حيثُ لا
تكونُ قد ادَّعيتَ فيه أنه معلوم، وأنهبحيث لا يُنْكِره
مُنْكِرٌ، ولا يُخَالِفُ فيه مُخالِفٌ.
__________
1 في "ج"، "حسن التحافي" بالحاء، وفي "س": "التجافي" بالجيم
وهي ليست بشيء. أما "التحافي"، كأنه من "الحفاوة"، يقال: "تحفي
به، واحتفى" إذا بالغ في إكرامه. وهي حسنة إن شاء الله، وقد
تركت ما في المطبوعة كما هو لظهوره، وإن كنت أخشى أن يكون رشيد
رضا قد غيرها، وأن الأصل "التحافي"، كما في "ج".
(1/332)
"إن"، و"إلا" وبيان المراد فيهما، والفرق
بينهما وبين "إنما":
393 - قولهُ تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا
تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}
[إبراهيم: 10] إنما جاء، والله أعلم، "بإن" و "إلاَّ" دونَ
"إنَّما"، فلم يَقُلْ: "إنما أنتُم بشرٌ مثلُنا"، لأنهم جعلوا
الرسلَ كأنهم بادِّعائهم النبوَّة قد أَخرجوا أنفُسَهم عن أن
يكونوا بَشَراً مثلَهم، وادَّعوا أمْراً لا يجوزُ أنْ يكَون
لِمَنْ هو بشرٌ. ولمَّا كان الأمرُ كذلك، أُخرجَ اللفظُ
مُخرَجَهُ حيثُ يُرادُ إثباتُ أمرٍ يدفَعُه المخاطَبُ ويدَّعي
خلافَه، ثم جاء الجوابُ منَ الرسُل الذي هو قولُه تعالى:
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: 11]، كذلك "بإن" و "إلا" دون "إنَّما"،
لأنَّ مِنْ حُكْمِ مَنْ ادَّعى عليه خصْمُه الخلافَ في أمرٍ هو
لا يُخالِفُ فيه، أن يُعيد كلامَ الخصْمِ على وجه، ويجيءَ به
على هيئتِه ويَحْكيه كما هو. فإِذا قلتَ للرجلِ: "أنتَ مِنْ
شأنِكَ كيتَ وكيتَ"، قال: "نَعَمْ، أنا مَنْ شأني كيتَ وكيتَ،
ولكنْ لا ضَيْرَ عَلَيَّ، ولا يلزَمُني مِنْ أجْلِ ذلك ما
ظنَنْتُ أنه يلزَمُ" فالرُّسُلُ صلواتُ اللهُ عليهم كأنهم
قالوا: "إنَّ ما قُلْتُم مِنْ أَنَّا بشرٌ مثلُكم كما قلتم،
لَسْنا نُنْكِر ذلك ولا نَجْهَلُه، ولكنَّ ذلك لا يَمْنعُنا
مِنْ أن يكونَ اللهُ تعالى قَدْ منَّ علينا وأكْرَمنا
بالرسالة.
وأمَّا قولُه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
[الكهف: 110]، [فصلت: 6]، فجاء "بإنما"، لأنَّه ابتداءُ كلام
قد أمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُبلِّغه إيَّاهُم
ويقولَه معَهم، وليس هو جواباً لكلامٍ سابقٍ قد قِيلَ فيه:
"إنْ أنْتَ إلاَّ بشرٌ مثلُنا"، فيجبُ أنْ يُؤْتى به على وفْقِ
ذلك الكلامِ، ويُراعَى فيه حَذْوُه، كما كانَ ذلك في الآيةِ
الأولى.
394 - وجملةُ الأمرِ أنك متى رأيتَ شيئاً هُوَ مِن المَعْلوم
الذي لا يُشَكُّ
(1/333)
فيه قد جاء بالنَّفي، فذلك لتقديرِ معنًى
صارَ به في حُكْم المشكوكِ فيه، فمِنْ ذلك قولُه تعالى: {وَمَا
أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا
نَذِير} [فاطر: 22، 23] إنما جاء واللهُ أعلم، بالنفي
والإِثبات، لأنه لمَّا قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ
مَنْ فِي الْقُبُور}، وكان المعنى في ذلك أن يقال للنبي صلى
الله عليه وسلم "إنك لن تستطيعَ أن تُحوِّل قلوبَهُم عمَّا هي
عليه من الإِباء، ولا تملِكُ أن تُوقِعَ الإيمانَ في نفوسِهم،
مع إصرارِهم على كُفرهم، واستمرارِهم على جَهْلِهم، وصدِّهم
بأسْماعِهم عما تقوله لهم وتتوله عليه"1 كان اللائقُ بهذا أن
يُجعَل حالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حالَ مَنْ قد ظَنَّ
أنه يملكُ ذلكَ، ومَنْ لا يَعْلَمُ يقينًا أنه ليس ي وُسْعه
شيءٌ أكثرُ من أن يُنْذِر ويُحَذِّر، فأخْرَجَ اللفظَ
مُخْرَجَه إذا كان الخطابُ مع مَنْ يَشُكُّ، فقيل: "إِنْ أَنتَ
إِلاَّ نَذِيرٌ". ويُبيِّنُ ذلك أنَّك تقولُ للرجل يُطِيلُ
مُناظَرةَ الجاهلِ ومقاولَتَهُ: "إنَّك لا تَستطيعُ أنْ
تُسْمِعَ الميِّتَ، وأنْ تُفْهِمَ الجمادَ، وأن تحوِّلَ الأعمى
بصيرًا، وليس بيدك إيلا تُبَيِّنَ وتحتجَّ، ولستَ تملكُ أكثرَ
من ذلك" لا تقول ههنا: "فإنَّما الذي بيدِك أنْ تُبَيِّنَ
وتحتجَّ"، ذلك لأنك لم تَقُلْ له "إنك لا تستطيع أنْ تُسْمِعَ
الميتَ"، حتى جعلته بماثبة مَنْ يَظُنُّ أنه يملك وراءَ
الاحتجاجِ والبيانِ شيئاً. وهذا واضحٌ، فاعرفْه.
ومثلُ هذا في أنَّ الذي تقدَّم منَ الكلام اقتضى أن يكونَ
اللفظُ كالذي تَراه، من كَوْنه "بإنْ" و "إلا"، قولُه تعالى:
{قُلْ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا
شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ
أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
[الأعراف: 188].
__________
1 السياق: "لأنه لما قال الله تعالى .... كان اللائق".
(1/334)
|