دلائل الإعجاز ت شاكر باب القصر والاختصاص:
فصل في "ما" و"إلا":
تُبْطِلَ ظنَّ المخاطَبِ أنَّ المجيءَ لم يَكُنْ منه، ولكنْ
كان مِن "عمرو" حَسَبَ ما يكونُ إذا قلتَ: "جاءني زيدٌ لا
عمرو"، فاعرفه.
بيان وأمثلة فيما فيه "ما" و"إلا":
398 - وإذْ قَدْ عرفْتَ هذه الجملةَ، فإنَّا نَذْكُر جملةً من
القولِ في "ما" و "إلاَّ" وما يكونُ مِنْ حُكْمهما.
إِعلمْ أنك إذا قلتَ: "ما جاءني إلاَّ زيدٌ": احتَمَلَ أمرين:
أحدُهما: أنْ تُريدَ اختصاصَ "زيدٍ" بالمجيءِ وأن تنفيه عمن
غداه، وأنْ يكونَ كلاماً تقولهُ، لا لأنَّ بالمخاطَب حاجةً إلى
أن يعْلمَ أنَّ "زيداً" قد جاءَك، ولكنْ لأنَّ به حاجةً إلى أن
يعلم أنه لم يجىء إليكَ غيرُه.
والثاني: أن تُريد الذي ذكَرْناه في "إنما"، ويكونُ كلاماً
تقولُه ليُعْلَم أنَّ الجائي "زيدٌ" لا غيرُه. فمن ذلك قولُكَ
للرجل يدعي قلتَ قولاً ثم قلتَ خلافَهُ: "ما قلتُ اليومَ إلاَّ
ما قلتُه أمسِ بعينِه" ويقولُ: "لم تَر زيداً، وإنما رأيتَ
فلاناً"، فتقولُ: "بلْ لم أرَ إلا زيداً". وعلى ذلك قولُه
تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117]، لأنه
ليس المعنى: أني لم أَزِدْ على ما أمَرْتني به شيئاً، ولكنَّ
المعنى: أني لم أدَّع ما أمَرْتَني به أن أقولَه لهم وقلتُ
خِلافَه.
ومثالُ ما جاءَ في الشعر من ذلك قوله:
قَدْ عَلِمَتْ سَلْمى وجاراتُها ... ما قطَّر الفارسَ إلا أنا1
__________
1 هو لعمرو بن معد يكرب، في ديوانه، وفي سيبويه 1: 379، وفي
فرحه الأديب: 135، وقال الغندجاني: قال ابن السيرافي: "قطر
الفارس" ألقاه على أحد قطر به، وهما جانباه "ثم قال: "قل غناء
على المستفيد هذا القدر، وذلك أنه لا يكاد يعرف حقيقة معناه
إلا بمعرفة القصة المتعلق بها، وذلك أن عمرو بن معد يكرب حمل
يوم القادسية على مرزبان، وهو يرى أنه رستم، فقتله، فقال في
ذلك:
ألمم بسلمى قبل أن تظعنا ... إن لليلى عندنا ديدنا
قَدْ عَلِمَتْ سَلْمى وجاراتُها ... ما قطَّر الفارسَ إلا أن
شككت بالرمح حيازيمه ... والخيل تعدو زيما بيننا
(1/337)
المعنى: أن الذي قَطَّر الفارسَ، وليسَ
المعنى على أنَّه يريد أن يزعم أنه انفرد بأنقطره، وأنه لم
يشركه فيه غيره.
بيان في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ} وتقديم اسمه سبحانه:
399 - وههنا كلام ينبغي أن تغلمه، إلاَّ أنِّي أكتُبُ لكَ مِنْ
قبلِه مسألةً، لأنّ فيها عوناً عليه. قولُه تعالى: {إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، في
تقديم اسمِ الله عزَّ وجلَّ معنى خلافُ ما يكونُ لو أُخِّرَ.
وإنما يَبِينُ لكَ ذلكَ إذا اعتبرتَ الحكمَ في "ما" و "إلا"،
وحصلْتَ الفرْقَ بينَ أن تقولَ: "ما ضَرَبَ زيداً إلاَّ عمرو"،
وبينَ قولِك: "ما ضرَبَ عمروٌ إلا زيداً".
والفرقُ بينهما أنك إذا قلتَ: "ما ضرَبَ زيداً إلا عمرو"،
فقدَّمْتَ المنصوبَ، كان الغرَضُ بيانَ الضاربِ مَنْ هُو،
والإخبارُ بأنَّه عمرو خاصةً دون غيره وإذا قلتَ: "ما ضرَب
عمرو إلاَّ زيداً"، فقدَّمتَ المرفوعَ، كان الغرضُ بيانَ
المضروبِ مَنْ هو، والإخبار بأنه "زيدٌ" خاصَّةً دونَ غيرِه.
400 - وإذْ قد عرفْتَ ذلكَ فاعتبرْ بهِ الآيةَ، وإذا
اعتبرْتَها بهِ علمتَ أنَّ تقديمَ اسمِ الله تعالى إنما كانَ
لأجْلِ أنَّ الغرضَ أن يبيَّن الخاشونَ مَنْ هُمْ، ويُخْبَر
بأنهم العلماءُ خاصَّةً دونَ غيرهم. ولو أُخِّر ذكْرُ اسمِ
الله وقدَّم
(1/338)
"العلماءُ" فقيلَ: "إنَّما يخشَى العلماءُ
اللهَ"، لصارَ المعنى على ضدِّ ما هو عليه الآن، ولصارَ
الغرَضُ بيانَ المَخْشيِّ مَنْ هو، والإخبارُ بأنه اللهُ تعالى
دونَ غيرِه، ولم يَجِبْ حينئذٍ أن تكونَ الخَشْيَةُ مِنَ الله
تعالى مقصورةً على العلماءِ، وأن يكونوا مَخْصوصين بها كما هو
الغرضُ في الآية، بل كان يكونُ المعنى أنَّ غيرَ العلماء
يَخشَوْن اللهَ تعالى أيضاً، إلاَّ أَنَّهم مع خَشْيتهم اللهَ
تعالى يخشَوْنَ معه غيرَه، والعلماءُ لا يَخْشَونَ غيرَ الله
تعالى.
وهذا المعنى وإنْ كانَ قد جاءَ في التنزيلِ في غيرِ هذه الآية
كقولهِ تعالى: {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}
[الأحزاب: 29]، فليس هو الغرضَ في الآية، ولا اللفظُ بمُحْتملِ
له البتَّة. ومَنْ أجازَ حَمْلَها عليه، كان قد أبطَلَ فائدةَ
التقديمِ، وسوَّى بينَ قولِه تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وبينَ أنْ يُقالَ: "إنما يخشَى
العلماءُ اللهَ"، وإذا سوَّى بينهُما، لَزمَه أن يسوِّيَ بين
قولِنا: "ما ضَرَبَ زيداً إلا عمرو" وبينَ: "ما ضرَب عمرو
إلاَّ زيداً"، وذلك ما لا شُبْهَةَ في آمتناعه.
"ما" و"إلا" وتقديم المفعول في الجملة وتأخيره، وأن الاختصاصَ
مع "إلاَّ" يقعُ في الذي تؤخِّرُهُ:
401 - فهذه هي المسئلة، وإذ قد عرفتها فالأمر فيما بين: أن
الكلام "بما" و "إلا" قد يكونُ في معنى الكلامِ "بإنما"، ألا
تَرى إلى وضوحِ الصورةِ في قولك: "ما ضرب زيدًا إلا عمرو" و
"ما ضرب عمرو إلا زيداً"، أنه في الأولِ لبيانِ مَن الضارب،
وفي الثاني لبيان منالمضروب، وإن كانا تكلُّفاً أن تَحْمِله
على نفْي الشركةِ، فتريدُ "بما ضرَب زيداً إلاَّ عمرو" أَنه لم
يضرِبْهُ اثنان، و "بما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً"، أنه لم
يَضْرِب اثنين.
402 - ثم اعلمْ أنَّ السببَ في أنْ لم يكنْ تقديمُ المفعولِ في
هذا
(1/339)
كتأخيرِه، ولم يكنْ "ما ضَربَ زيداً إلاَّ
عمرو" و "ما ضرَبَ عمرو إلا زيداً"، سواءٌ في المعنى أنَّ
الاختصاصَ يَقعُ في واحدٍ من الفاعلِ والمفعولِ، ولا يقعُ
فيهما جميعاً. ثم إنَّه يقعُ في الذي يكونُ بعد "إلاَّ" منهما
دونَ الذي قبلَها، لاستحالةِ أن يحدُثَ معنى الحرفِ في الكلمة
من قبْلَ أن يَجيء الحرفُ. وإذا كان الأمرُ كذلكَ، وجَبَ أن
يَفْترقَ الحالُ بينَ أَن تقدم المعفول على "إلاَّ" فتقولَ:
"ما ضرَب زيداً إلاَّ عمرو"، وبين أن تقدِّم الفاعلَ فتقولَ:
"ما ضربَ عمرو إلاَّ زيداً"، لأنَّا إنْ زعَمْنا أنَّ الحالَ
لا يَفترِقُ، جعَلْنا المتقدِّمَ كالمتأخِّرِ في جوازِ حدوثِه
فيه. وذلك يقتضي المحالَ الذي هو أن يَحْدُثَ معنى "إلاَّ" في
الاسمِ مِنْ قببل أن تجيء بها، فآعرفه.
403 - وإذا قد عَرفْتَ أنَّ الاختصاصَ مع "إلاَّ" يقعُ في ذلك
تؤخِّرُهُ من الفاعل والمفعولِ، فكذلك يَقعُ مع "إنما" في
المؤخَّر منهما دونَ المقدَّمِ. فإذا قلت: "إنما ضرَب زيداً
عمرو"، كان الاختصاصُ في الضاربِ، وإذا قلتَ: "إنما ضربَ عمرو
زيداً"، كان الاختصاصُ في المضروبِ، وكما لا يَجوزُ أنْ يستويَ
الحالُ بينَ التقديم والتأخيرِ معَ "إلاَّ"، كذلكَ لا يجوزُ مع
"إنما".
العود إلى القول في "إنما" وما يقع فيه الاختصاص بعدها:
404 - وإذا استبَنْتَ هذهِ الجملةَ1، عرفْتَ منها أنَّ الذي
صنعهُ
الفرزدقُ في قولِه:
وإنَّما يُدافعُ عن أحسابهم أنا أو مثلي2
__________
1 في "س": "وإذا استثبت هذه الجملة".
2 انظر رقم: 388، ثم في هذا الموضع من "ج" حاشية بخط الكاتب
هذا نصها: "قوله: "إنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي"، إنما
امتنع فيه إذا قال: "إنما أدافع عن أحسابهم"، أن يكون المعنى
مثله الآن، من أجل أن =
(1/340)
شيءٌ لو لم يصنَعْه لم يصِحَّ له المعنى.
ذاك لأن غرضه أن يخص
__________
= الاختصاص إنما انصرف في قوله: "إنما يدافع عن أحسابهم أنا"
إليه دون الأحساب، من حيث أن المقصود بالاختصاص يكون لهذا
الثاني دون الأول، كما قد بينا من أنك إذا قلت: "إنما ضرب
زيدًا عمرو"، كان المعنى على اختصاص الفاعل، وإذا قلت: "إنما
ضرب عمرو زيدًا"، كان الاختصاص في المفعول فإنما كان الاختصاص
في بيت الفرزدق لقوله: "أنا" بأن قدم "الأحساب" عليه. وهو إذا
قال: "أدافع"، آستكن ضميره في الفعل فلم يتصور تقديم "الأحساب"
عليه، ولم يقع "الأحساب" إلا مؤخرًا عن ضمير الفرزدق، وإذا
تأخر انصرف الاختصاص إليه لا محالة.
فإن قلت: إنه يمكنه أن يقول: "فإنما أدافع عن أحسابهم أنا"،
فتقدم "الأحساب" على "أنا".
قيل: إنه إذا قال: "أدافع" كان الفاعل الضمير المستكن في
الفعل، وكان "أنا" الظاهر تأكيدًا له، والحكم يتعلق بالمؤكد
دون التأكيد. لأن التأكيد كالتكرير، فهو يجيء من بعد نفوذ
الحلكم، فلا يكون تقديم الجار مع المجرور الذي هو قوله: "عن
أحسابهم" على الضمير الذي هو تأكيد، تقديمًا على الفاعل.
وجملة الأمر أن تقديم المفعول على الفاعل إنما يكون إذا ذكرت
المفعول قبل أن تذكر الفاعل، ولا سبيل لك إذا قلت: "إنما أدافع
عن أحسابهم" إلى أن تذكر المفعول قبل ذكر الفاعل، لأن ذكر
الفاعل ههنا هو ذكر الفعل، من حيث أنه [استكن] مستكن في الفعل،
فكيف يتصور تقديم شيء عليه".
ثم قال كاتب النسخة فوق لفظ "حاشية"، ما يأتي:
(1/341)
المدافع لا المدافع عنه. ولو قال: "إنما
أدافع عن أحسابهم"، لصار المعنى أنه يخص المدافع عنه1، وأنه
يَزعمُ أنَّ المدافعةَ منه تكونُ عن أحسابِهم لا عَن أحسابِ
غيرِهم، كما يكونُ إذا قال: "وما أُدافِعُ إلاَّ عن أحسابِهم"،
وليس ذلك معناه، إنَّما معناه أنْ يَزعُمَ أنَّ المُدافِعَ
هُوَ لا غيرُه، فاعرِفْ ذلك، فإنَّ الغلَطَ كما أظَنُّ يدْخُلُ
على كثيرٍ ممَّن تَسمعُهم يقولونَ: "إنه فَصلَ الضميرَ للحَمْل
على المعنى"، فيَرى أنه لوْ لم يَفْصِلْه، لكان يكونُ معناه
مثْلَه الآن.
هذا ولا يجوزُ أن يُنْسَب فيه إلى الضرورةِ، فيُجْعَلَ مثَلاً
نظير قول الآخر:
كأنَّا يَوْمَ قُرَّى إنْما نَقْتُل إيَّانا2
لأنَّه ليس به ضرورةٌ إِلى ذلك، من حيث أن "أدافع" و "يدافع"
واحد في الوزن، فاعرف هذا أيضًا.
__________
= "هذه الحاشية مؤخرة في أماليه المدونة".
يقول أبو فهر: هذا نص يقطع، كما قطعت آنفًا قبل أن أصل إلى هذا
الموضع، بأن جميع الحواشي التي كتبها كانت النسخة، وهي من كلام
عبد القاهر: والحمد لله أولًا وآخرًا. هذا، وقد أثبت هذه
الحاشية هنا، كما في المخطوطة، لأن فيها بعض التوضيح لما قاله
هنا، ولأني أظن أن الشيخ عبد القاهر هو الذي كتبها على نسخته
في هذا الموضع فوضعها الكاتب في موضعها من الحاشية مع أنها
ستأتي في متن الكاب بنصها في رقم: 405، مع قليل من الاختلاف.
ثم انظر التعليق على رقم: 405 هناك، ثم ما سيأتي رقم: 456.
1 من أول قوله: "ولو قال: إنما أدافع ... " إلى هذا الموضع
ساقط من المطبوعة، ومن "ج"، وبسقطوه فسد الكلام.
2 هو من شواهد سيبويه 1: 271، 383، وهو في منسوب في "1: 383"
لبعض النصوص، وكذلك في ابن يعيش 3: 101، وهو منسوب في الخصائص
2: 194 لأبي بحيلة "؟ "، وأما في أمالي ابن الشجري 1: 39،
وتهذيب الألفاظ: 201، والخزانة 2: 406، فهو منسوب لذي الإصبع
العدواني، وهي خمسة أبيات:
(1/342)
405 - وجملةُ الأمْر أنَّ الواجبَ أنْ
يكونَ اللفظُ على وجهٍ يَجعلُ الاختصاصَ فيه للفرزدق. وذلك لا
يكونُ إلاَّ بأنْ يُقدِّم "الأحسابَ" على ضميرِه، وهو لو قال:
"وإِنما أُدافِع عن أَحسابهم"، استكنَّ ضميرُه في الفعل، فلم
يتصوَّر تقديمُ "الأحسابِ" عليه، ولم يقعِ "الأحساب" إلاَّ
مؤخَّراً عن ضَمير الفرزدق، وإِذا تأخرتْ انصرفَ الاختصاصُ
إِليها لا مَحالة.
فإنْ قلتَ: إِنَّه كان يمكنه أنْ يقولَ1: "وإِنما أُدافِعُ عن
أحسابهم أَنا"، فيقدِّمَ "الأحسابَ" على "أنا".
قيل: إِذا قال: "أُدافِع" كان الفاعلُ الضميرَ المستكنَّ في
الفعلِ، وكان "أنا" الظاهرُ تأكيداً له، أعني للمستكن، والحكم
يتعلق باملؤكد دون التأكيد، لأنَّ التأكيدَ كالتكريرِ، فهو
يجيءُ من بَعْد نفوذِ الحكْم، ولا يكونُ تقديمُ الجارِّ مع
المَجْرور، الذي هو قولُه "عن أحسابهم" على الضمير الذي هو
تأكيدٌ، تقديماً له على الفاعلَ، ولا يكونُ لكَ إِذا قلتَ:
"وإِنَّما أُدافعُ عن أحسابِهم"، سبيلٌ إِلى أن تَذْكُر
المفعولَ قبل أن تذكُرَ الفاعلَ، لأنَّ ذكْرَ الفاعل
__________
= لقينا منهم جمعا ... فأوفى الجمع ما كانا
كَأنَّا يومَ قُرَّى إنَّـ ... ما نَقْتُل إيَّانا
قتلنا منهم كل ... فتى أبيض حسانا
يرى يرفل في بردين ... من أبراد نجرانا
إذايسرح ضأنًا مـ ... ـئة أتبعها ضانًا
1 في المطبوعة: "كان عليه"، خطأ بلا ريب.
(1/343)
ههنا هو ذكْرُ الفعلِ، من حيثُ إنَّ
الفاعلَ مستكِنَّ في الفِعْلِ، فكيف يُتَصوَّرُ تقديمُ شيءٍ
عليه، فاعرفه1.
الاختصاص يقع في الذي بعد "إلا" من فاعل أو مفعول، أو جار
ومجرور يكون بدل أحد المفعولين:
406 - واعلمْ أَنك إنْ عمَدْت إِلى الفاعلِ والمفعولِ
فأخَّرْتَهما جميعاً إلى ما بَعْد "إلاَّ"، فإنَّ الاختصاصَ
يقَعُ حينئذٍ في الذي يلي "إِلاّ" منهما. فإذا قلتَ: "ما ضرَبَ
إلاَّ عمرو زيداً"، كان الاختصاصُ في الفاعلِ، وكان المعنى أنك
قلت: "إنَّ الضاربَ عمرو لا غيرُه" وإِن قلْتَ: "ما ضربَ إِلا
زيداً عمرو"، كان الاختصاصُ في المفعول، وكان المعنى أنك قلتَ:
"إِنَّ المضروبَ زيدٌ لا مَنْ سِواه"2
وحُكْم المفعولَيْنِ حكْمُ الفاعلِ والمفعولِ فيما ذكرتُ لك.
تقولُ: "لم يكْسُ إلاَّ زيداً جُبَّةً"، فيكونُ المعنى أنه
خَصَّ "زِيداً" من بين الناس بكُسوةِ الجُبَّة فإن قلْتَ: "لم
يَكْسُ إلا جبة زيدًا"، كان المغنى: أنه خَصَّ الجبَّةَ من
أصنافِ الكُسْوة.
وكذلك الحكُم حيثُ يكونُ بدلَ أحدِ المفعولين جارٌّ ومجرور،
كقول السيد الحميري:
لَوْ خُيِّر المِنْبرُ فرْسانَه ... ما اخْتَارَ إلاَّ منكم
فارسًا3
__________
1 هذه الفقرة: 405 بتمامها غير موجودة في "س"، والكلام فيها
متصل، من آخر الفقرة: 404، بأول الفقرة: 406، وهذا يوضح بعض ما
قلته في التعليق الطويل في رقم: 404.
2 انظر ما سيأتي في رقم: 406، 417.
3 هو في شعره المجموع، والأغاني 7: 240، "الدار" قالها لأبي
العباس السفاح، لما استقر له الأمر، وقام إليه السيد الحميري
حين نزل عن المنبر، فأنشده أبياتًا منها هذا.
(1/344)
الاختصاصُ في "منكُم" دونَ "فارساً" ولو
قلتَ: "ما اختارَ إلاَّ فارساً منكم"، صار الاختصاصُ في
"فارسًا"1.
حكم المبتدأ والخبر إذا جاء بعد "إثما":
407 - واعلمْ أَنَّ الأمرَ في المبتدأ والخَبر، إنْ كانا
بَعْدَ "إِنّما" عَلَى العبرةِ التي ذكرتُ لك فيالفاعل
والمفعولِ، إِذا أنتَ قدَّمْتَ أَحدَهما على الآخَرِ.
معنى ذلك: أنك إنْ تركتَ الخبرَ في موضِعهِ فلَمْ تُقدِّمه على
المبتدأ، كان الاختصاصُ فيه وإِن قدَّمْتَه على المبتدأ، صار
الاختصاصُ الذي كان فيه في المبتدأ.
تفسيرُ هذا، أَنك تقولُ: "إِنما هذا لك"، فيكونُ الاختصاصُ في
"لك" بدلالةِ أَنك تقولُ: "إِنَّما هذا لكَ لا لِغيرك" وتقولُ:
"إِنما لكَ هذا"، فيكونُ الاختصاصُ في "هذا"، بدلالةِ أنك
تقول: "إما لكَ هذا لا ذاكَ"، والاختصاصُ يكونُ أبداً في الذي
إِذا جئتَ "بلا" العاطفة كان العطف عليه.
وإذا أردْتَ أن يزدادَ ذلك عندَكَ وضوحاً، فانظرْ إِلى قولِه
تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسَابُ} [الرعد: 40]، وقوله عزَّ وعَلاَ: {إِنَّمَا
السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [التوبة: 92]،
فإنَّك تَرَى الأمرَ ظاهراً أنَّ الاختصاصَ في الآية الأولى في
المبتدأ الذي هو "البلاغُ" و "الحساب"، دون الخبر الذي هو
"عليك" و "علينا" وأنَّه في الآيةِ الثانيةِ في الخَبر الذي هو
"عَلَى الذين"، دونَ المبتدأ الذي هو "السبيل".
__________
1 من أول قوله هنا: "في فارسًا" إلى آخر قوله بعد قليل: "وإن
قدمته على المبتدإ صار الاختصاص"، سقط من كاتب "ج" سهوًا.
(1/345)
عود إلى الاختصاص إذا كان "بما" و"إلا":
408 - واعلم أنه إذا كان الكلام "بما" و "إلا" كان الذي ذكرتُه
مِنْ أنَّ الاختصاصَ يكونُ في الخبر إنْ لم تقدِّمْه، وفي
المبتدأ إنْ قدَّمْتَ الخبرَ أوضحَ وأَبْيَنَ1، تقولُ: "ما
زيدٌ إلاَّ قائمٌ"، فيكون المعنى أنَّكَ اختَصَصْتَ "القيامَ"
من بينِ الأوصافِ التي يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها بجَعْله صفةً
له. وتقول: "ما قائم إلا زيد"، يكون المعنى أنك اختصصت زيدًا
بكونه موصوفاً بالقيام. فقد قَصْرتَ في الأول الصفةَ على
الموصوفِ، وفي الثاني الموصوف على الصفة.
409 - واعلمْ أَنَّ قولَنا في الخبرِ إذا أُخِّر نحو: "ما زيدٌ
إلاَّ قائم"، أَنك اختصصْتَ القيامَ من بينِ الأوصافِ التي
يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها، ونفَيْتَ ما عدا القيامَ عنه، فإنما
تعني أنك نفَيْتَ عنه الأوصافَ التي تُنَافي القيامَ، نحو أنْ
يكونَ "جالساً" أو "مضطجعاً" أو "متكئًا" أو ما شاكل ذلك ولم
ترد أنك نفَيْتَ ما ليس مِنَ القيامِ بسبيلٍ، إذا لسنا نَنْفي
عنه بقَوْلِنا: "ما هوَ إِلاّ قائم" أن يكونَ "أسودَ" أو
"أبيضَ" أو طويلاً" أو "قصيراً" أو "عالِماً" أو "جاهِلاً"،
كما أنا إأذا قلنا: "ما قائم إلا زيد"، لم يرد أنه ليس في
الدنيا قائمٌ سِواهُ، وإِنَّما نَعْني ما قائمٌ حيثُ نحن،
وَبِحَضْرَتِنا، وما أشبه ذلك.
410 - واعلم أن الأمرين في قولِنا: "ما زيدٌ إلاَّ قائم"، أنْ
ليس المعنى على نفْي الشركةِ، ولكنْ على نفي أن لا يكون
المذكور، ويكون بذله شيءٌ آخر. أَلا ترى أنْ ليس المَعنى أنه
ليس له معَ "القيامِ" صفةٌ أخرى، بلِ المعنى أَنْ ليس له بدَلَ
القيام صفةٌ ليستْ بالقيام، وأنْ ليس القيامُ، منفياً عنه،
وكائنًا مكانه فيه "القعود" أو "لاضطجاع" أو نحوهما.
__________
1 السياق: "كان الذي ذكره له .... أوضح وأبين".
(1/346)
فإن قلت: قصورة المعنى إذن صورته إذا وضعت
الكلام "بإنما" فقتلت: "إِنما هو قائمٌ"، ونحنُ نَرى أنَّه
يجوزُ في هذا أن تَعْطِفَ "بلا" فتقول: "إنما هو قائمٌ لا
قاعدٌ"، ولا نرى ذلك جائزًا مع "ما" و "إلا" إذْ ليس من كلام
الناس أَن يقولوا1: "ما زيدٌ إِلاّ قائمٌ لا قاعدٌ".
2فإنَّ ذلك إِنما لم يَجُزْ مِن حيثُ إنَّكَ إِذا قلتَ: "ما
زيدٌ إلاَّ قائمٌ"، فقد نفيتَ عنه كلَّ صفةٍ تُنَافي
"القيامَ"، وصرتَ كأنك قلتَ: "ليس هو بقاعدٍ ولا مضطجِعٍ ولا
متكئٍ"، وهكذا حتى لا تدَعَ صفةً يخرجُ بها من "القيامِ".
فإِذا قلتَ مِن بَعْد ذلك "لا قاعد"، كنتَ قد نفيْت "بلا"
العاطفةِ شيئاً قد بدأْتَ فنفَيْتَه، وهي موضوعةٌ لأنْ تنفي
بها ما بدأت فأوجبته، لالأن تُفيدَ بها النفيَ في شيءٍ قد
نَفيتَه. ومن ثَمَّ لم يَجُزْ أنْ تقولَ: "ما جاءني أحدٌ لا
زيدٌ"، على أنْ تعْمَد إلى عبض ما دَخل في النفيِ بعمومِ
"أحدٍ" فتنفيَه على الخُصوص، بل كان الواجِبُ إِذا أردتَ ذلك
أنْ تقولَ: "ما جاءني أحدٌ ولا زيد"، فتجيء "البواو" من قبل
"لا"، حتى تخرج بذلك على أن تكونَ عاطفةً، فاعرفْ ذلك.
411 - وإذْ قد عرفْتَ فسادَ أن تقولَ: "ما زيدٌ إلاَّ قائمٌ لا
قاعدٌ"، فإِنَّك تَعْرِفُ بذلك امتناعَ أن تقولَ: "ما جاءني
إِلا زيدٌ لا عمرو" و "ما ضربتُ إِلا زيداً لا عمراً" وما
شاكَلَ ذلك. وذلك أَنك إِذا قلْتَ: "ما جاءني إلاَّ زيدٌ"، فقد
نفَيْتَ أنْ يكونَ قد جاءك أَحدٌ غيرُه، فإذا قلت:
__________
1 في "س"، ونسخة عند رشيد رضا: "في الكلام".
2 "فإن ذلك" هو جواب من قال: "فصورة المعنى إذن ... ".
(1/347)
"لا عمرو"، كنتَ قد طلبتَ أن تنفيَ "بلا"
العاطفةِ شيئاً قد تقدَّمْتَ فنفيتَه، وذلك، كما عرَّفْتُكَ،
خروجٌ بها عن المعنى الذي وُضِعَتْ له إلى خلافه.
بيان آخر في معنى "إنما" في الجملة، في "ما" و"إلا"، وأن حكم
"غير" حكم "إلا":
412 - فإِنْ قيلَ: فإِنَّك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد"، فقد
نفَيْتَ فيه أيضاً أن يكونَ المجيءُ قد كانَ من غيرهِ، فكانَ
ينبغي أن لا يجوزَ فيه أيضاً أن تعطِفَ بلا فتقول: "إنما جاءني
زيد لا عمرو".
قيل: إنَّ الذي قلْتَه من أنك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد"
فقد نفَيْتَ فيه أيضاً المجيءُ قد كانَ من غيرهِ، فكانَ ينبغي
أن لا يجوزَ فيه أيضاً أن تعطِفَ بلا فتقول: "إنما جاءني زيد
لا عمرو".
قيل: إنَّ الذي قلْتَه من أنك إِذا قلتَ: "إِنما جاءني زيد"
فقد نفَيْتَ فيه أيضاً المجيءَ عن غيرهِ غيرُ مُسلَّمٍ لك على
حقيقته. وذلك أنه ليس معكط إلاَّ قولُكَ: "جاءني زيد"، وهو
كلامٌ كما تَراه مُثْبَتٌ ليس فيه نَفْيٌ البتةَ، كما كانَ في
قولِك: "ما جاءني إلاَّ زيدٌ"، وإِنما فيه أَنَّك وضعْتَ يدَك
عَلَى "زيدٍ" فجعلتَه "الجائي"، وذلك وإِن أوجبَ انتفاءَ
المجيء عن غيرِه، فليس يُوجِبُه مِن أجْل أنْ كان ذلك إعمالَ
نفْي في شيءٍ، وإِنما أوجبَه من حيثُ كان "المجيءُ" الذي
أخبرْتَ بهِ مَجيئاً مخصوصاً، إذ كانَ لزيدٍ لم يكنْ لغيره.
والذي أَبَيْناهُ أن تنفي "بلا" العاطفةِ الفعلَ عن شيءٍ وقد
نفَيْتَه عنه لفظاً.
413 - ونظيرُ هذا أنَّا نعْقِل من قولنا: "زيدٌ هو الجائي"،
أنَّ هذا المجيءَ لم يَكنْ مِن غيرهِ، ثم لا يمنعُ ذلك مِن أن
تجيءَ فيه "بلا" العاطفةِ فتقولَ: "زيدٌ هو الجائي لا عمرو"،
لأنَّا لم نعقلْ ما عَقَلْناه من انتفاءِ المجيءِ عن غيرِه،
بنَفْي أوقعناهُ على شيءٍ، ولكنْ بأنَّه لما كانَ المجيءُ
المقصودُ مجيئاً واحداً، كان النصُّ على "زيدٍ" بأَنه فاعلُه
وإثباته له، نفياً له من غيرِه، ولكنْ مِن طريقِ المعقولِ، لا
من طريقِ أَنْ كانَ في الكلامِ نَفيٌ، كما كان ثَمَّ، فاعرفْه.
(1/348)
414 - فإِنْ قيل: فإِنَّك إِذا قلتَ: "ما
جاءني إِلاّ زيدٌ"، ولم يكن غرَضُك أنْ تنفيَ أَنْ يكونَ قد
جاءَ معهُ واحدٌ آخرُ، كان المجيء أيضًا مجيئًا واحدًا.
قيل: وإِنْ كانَ واحداً، فإِنَّك إِنما تُثْبِتُ أنَّ "زيداً"
الفاعلُ له، بأنْ نَفَيْتَ المجيءَ عن كلِّ مَنْ سِوى زيدٍ1،
كما تصنعُ إِذا أردتَ أن تنفيَ أن يكون قد جاءَ معه جاءٍ آخرُ.
وإِذا كان كذلك، كانَ ما قلناهُ مِن أَنك إنْ جئتَ "بلا"
العاطفةِ فقلتَ: "ما جاءني إلاَّ زيدٌ لا عمرُو"، كنتَ قد
نفَيْتَ الفعلَ عن شيءٍ قد نَفيتَه عنه مرةً صحيحاً ثابتاً،
كما قلناه، فاعرفْه.
415 - واعلمْ أنَّ حكْم "غير" في جميعِ ما ذكرْنا، حُكْمُ
"إلاَّ". فإذا قلتَ: "ما جاءني غيرُ زيدٍ"، احتملَ أنْ تريدَ
نفيَ أنْ يكونَ قد جاءَ معه إنسانٌ آخرُ، وأنْ تُريدَ نفيَ أنْ
لا يكونَ قد جاءَ، وجاءَ مكانَه واحدٌ آخرُ2 ولا يصحُّ أن
تقولَ: "ما جاءني غيرُ زيدٍ لاعمرو"، كما لم يَجُزْ: "ما جاءني
إِلاّ زيدٌ لا عمرو".
__________
1 في المطبوعة: "فإنك إنما بينت".
2 في "س"، ونسخة عند رشيد رضا: "ففي أن يكون قد جاء مكانه واحد
آخر".
(1/349)
فصل: في نكتة تتصل بالكلام الذي تضعه "بما"
و "إلا"
بيان آخر في "ما" و"إلا":
416 - إعلمْ أنَّ الذي ذكَرْناه من أنَّك تقولُ: "ما ضرَبَ إلا
عمروٌ زيداً"، فتُوقِعُ الفاعلَ والمفعولَ جميعاً بعْد
"إِلاّ"1، ليس بأكثَرِ الكلام، وإِنَّما الأكثرُ أنْ تُقدِّم
المفعولَ على "إِلاَّ"، نحوُ: "ما ضرَبَ زيداً إلاَّ عمرو"،
حتى إنَّهم ذهَبوا فيه أعني في قولكَ: "ما ضرَبَ إلاّ عمرو
زيداً" إِلى أنَّه على كلامَيْن، وأنَّ "زيداً" منصوبٌ بفعلٍ
مضمَرٍ، حتى كأن المتكلِّمَ بذلكَ أيهم في أوَّلِ أمرِهِ فقال:
ما ضرَبَ إلاَّ عمروٌ" ثم قيلَ له: "مَنْ ضَرَبَ؟ " فقال:
"ضرَبَ زيداً".
417 - وههنا، إِذا تأملْتَ، معنىً لطيفٌ يُوجِبُ ذلكَ، وهو
أَنَّك إذا قلتَ: "ما ضَرَبَ زيداً إلاّ عمرو"، كان غرضُك أن
تَختَصَّ "عَمْراً" "بضربِ" "زَيْدٍ"، لا بالطرب على الإِطلاق.
وإذا كانَ كذلِكَ، وجَبَ أَن تُعَدِّيَ الفعلَ إِلى المفعولِ
مِن قَبْل أنْ تذكُر "عَمراً" الذي هو الفاعلُ، لأنَّ السامعَ
لا يَعْقِلُ عنكَ أَنَّكَ اختصصْتَه بالفعلِ معدًّى حتى تكونَ
قد بدأتَ فعدَّيْتَه أعني لا يَفهم عنكَ أنك أردتَ أَنْ تختصَّ
"عَمراً" بضربِ "زيدٍ"، حتى تذكرَه له مُعَدًّى إِلى "زيدٍ"،
فأمَّا إِذا ذكَرْتَه غيرَ معدى فقلتَ: "ما ضَرَبَ إلا عمروٌ"،
فإنَّ الذي يَقعُ في نفسِه أنَّك أردتَ أنْ تزعُمَ أنه لم
يَكُنْ مِن أحدٍ غير "عمرو" ضرب، وأنه ليس ههنا مضْروبٌ إلاَّ
وضارِبُه عمرو، فاعرفه أصلاً في شأن التقديم والتأخير.
__________
1 انظر ما سلف رقم: 406.
(1/350)
فصل في العود إلى مباحث "إنما":
فصل
زيادة بيان في "إنما"، وهو فصل طويل متشعب، فيه غموض:
418 - إن قيل: قد مَضيْتَ في كلامِك كلِّه على أنَّ "إِنما"
للخبرلا يجهلُه المخاطَبُ، ولا يكونُ ذكْرُك له لأنْ تُفيدَه
إياهُ1، وإنَّا لنراها في كثيرٍ من الكلامِ، والقصدُ بالخبر
بعْدَها أن تُعْلم السامعَ أمراً قد غلِطَ فيه بالحقيقة،
واحتاجَ إِلى معرفتِه، كمِثْلِ ما ذكرتَ في أوّلِ الفَصْل
الثاني مِنْ قولك2:
"إِنّما جاءني زيدٌ لا عمروٌ"، وتراها كذلك تَدورُ في الكُتب
للكَشْف عن معانٍ غيرِ معلومةٍ، ودلالةِ المتعلِّمِ منها عَلَى
ما لا يَعْلم.
قيل: أمَّا ما يجيءُ في الكلامِ مِنْ نحْوِ: "إِنما جاءَ زيدٌ
لا عمرو"، فإِنه وإنْ كانَ يكونُ إِعلاماً لأمرٍ لا يَعْلمهُ
السامعُ، فإِنه لا بدَّ معَ ذلك مِنْ أنْ يُدَّعى هناك فضْلُ
انكشافٍ وظهورٍ في أنَّ الأمَر كالذي ذكَرَ. وقد قسمتُ في أولِ
ما افتتحتُ القولَ فيها فقلتُ: "إِنها تجيءُ للخبر لا يَجهلُه
السامعُ ولا ينكر صحته، أو لما ينزل هذه المنزلةَ"3. وأمَّا ما
ذكرتُ مِنْ أَنَّها تَجيء في الكتبِ لدلالةِ المتعلِّم على ما
لم يَعلمْه، فإنَّك إِذا تأملْتَ مواقعَها وجدْتَها في الأمر
الأَكْثرِ قَدْ جاءتْ لأمرٍ قد وقع العلم بموجبه وبشيء يدل
عليه.
"إذا قلتَ: كان زيدٌ، فقد ابتدأَتَ بما هو معروفٌ عندَه مثلهُ
عندَكَ،
__________
1 انظر ما سلف رقم: 390، وما بعده.
2 "الفصل الثاني"، يعني رقم: 395 وما بعده.
3 هو ما جاء في صدر الفقرة رقم: 390.
(1/351)
وإِنما يَنتظرُ الخَبَر. فإِذا قلتَ:
"حليماً"، فقد أعلمتَه مثلَ ما علِمْتَ. وإِذا قلتَ: "كان
حليماً"، فإِنما يَنتظِرُ أنْ تعرِّفَه صاحِبَ الصفة"1.
وذاكَ أنه إِذا كان معْلوماً أنه لا يكون متبدأ من غيرِ خبرٍ،
ولا خَبرٌ مِن غيرِ مبتدإٍ، كانَ معلوماً أنك إِذا قلتَ: "كان
زيدٌ" فالمخاطَبُ يَنتظِرُ الخبرَ، وإِذا قلتَ: "كان حليماً"،
أنه يَنتظِرُ الاسْمَ، فلم يقع إذن بعْد "إِنما" إلاَّ شيءٌ
كانَ معلوماً للسَّامِعِ مِن قَبْل أنْ ينتهيَ إِليه.
419 - وممَّا الأمرُ فيه بيِّنٌ، قولُه في باب "ظننْتُ"2:
"وإِنما تَحْكي بعْد "قلتُ" ما كان كلاماً لا قولا"3.
وذلك أنَّه معلومٌ أنكَ لا تحكي بعد "قلتُ"، إِذا كنتَ تَنْحوِ
نحْوَ المعنى، إلاَّ ما كَانَ جملةً مُفيدةً، فلا تقولُ: "قال
فلانٌ زيدٌ" وتَسْكتُ، أَللهمَّ إلاَّ أنْ تُريدَ أَنَّه نطَقَ
بالاسمِ على هذهِ الهيئةِ، كأنَّكَ تُريد أَنه ذكَرَهُ
مرفوعاً.
ومثلُ ذلك قولُهم: "إِنّما يحذَفُ الشيءُ إِذا كانَ في الكلامِ
دليلٌ عليه"، إِلى أشباه ذلك مما لا يُحصى، فإِنْ رأيتَها قد
دخلتْ على كلامٍ هو ابتداءُ إعلامٍ بشيءٍ لم يَعلَمْهُ
السامعُ، فلأَن الدليلَ عليه حاضِرٌ معه، والشيءَ بحيث
__________
1 هذا نص سيبويه في الكتاب 1: 22.
2 "قوله"، يعني قوله سيبويه.
3 هو في الكتاب 1: 62، ونص كلام سيبويه:
"واعلم أن "قلت" في كلام العرب إنما وقعت ليحكي بها. وإنما
يحكي بعد "القول" ما كان كلامًا لا قولًا، نحو: قلت زيد منطلق
... ".
(1/352)
يَقعُ العِلمُ به عن كَثَبٍ. واعلمْ أنه
ليس يكادُ يَنتهي ما يُعَرض بسببِ هذا الحرف من الدقائق1.
ما لا يحسن فيه العطف بلا:
420 - ومما يَجبُ أن يُعْلَم: أنه إِذا كانَ الفعلُ بَعْدها
فعلاً لا يصِحُّ إلاَّ مِن المذكورِ ولا يكونُ مِنْ غيرِه،
كالتذكُّر الذي يُعْلَم أنه لا يكونُ إِلاّ مِن أُولي
الألبابِ2 لم يحسُنِ العطفُ "بلا" فيه، كما يَحْسنُ فيما لا
يُختصُّ بالمذكور وتصح مِن غَيره.
تفسيرُ هذا: أنه لا يَحْسنُ أن تقولَ: "إِنما يتذكَّرُ أُولو
الألبابِ لا الجهالُ"، كما يَحْسن أن تقولَ: "إِنما يجيءُ زيدٌ
لا عمروٌ".
ثُمَّ إنَّ النفيَ فيما نحن فيه3، النفيُ يتقدَّم تارةً
وَيتأخَّرُ أخرى، فمثالُ التأخير ما تراه في قولك: "إنما
[جاءني] زيدٌ لا عمرو"4، وكقَولِهِ تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ
مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21،
22]، وكقول لبيد:
إنما يجزى الفتى ليس الجمل5
__________
1 "الحرف" يعني "إنما".
2 من أول قوله هنا "لم يحسن العطف"، إلى آخر قوله بعد سطرين:
{أُولُو الْأَلْبَابِ}، سقط من كاتب "ج" سهوًا.
3 في المطبوعة، وفي "س": "ثُمَّ إنَّ النفيَ فيما يجيءُ فيه
النفيُ"، وهي سيئة، والذي في "ج" هو الصواب المحض.
4 في النسخ جميعًا "إنما يجيء زيد لا عمرو"، وليس صوابًا،
بدليل السياق بعده، فغيرته ووضعته بين القوسين.
5 هو في ديوانه، في طولته اللامية الساكنة، وصدره:
فإذا جوزيت قرضًا فاجزره
العرب تقول "الفتى"، وتعني به اللبيب الفطن، وتقول: "الجمل"،
وتعني به الجاهل يقول: إنما يجزى اللبيب لا الجاهل.
(1/353)
ومثالُ التقديم قولُك: "ما جاءني زيدٌ،
وإِنما جاءني عمرو"، وهذا مما أنتَ تعلَمُ به مكانَ الفائدةِ
فيها، وذلك أنك تعلم ضرورةأنك لو لم تُدْخِلْها وقلتَ: "ما
جاءني زيدٌ وجاءني عمرو"، لكان الكلامُ مع مَنْ ظنَّ أنهما
جاءك جميعاً، وأنَّ المعنى الآن مع دخولِها، أَنَّ الكلامَ معَ
مَن غَلِطَ في عينِ الجائي، فظن أنه كان زيدًا لا عمرًا.
بيان في انضمام "ما" إلى "إن" في "إنما" وقول النحاة هي
"كافة":
421 - وأمرٌ آخرُ، وهو ليس ببعيدٍ: أنْ يَظُنَّ الظَّانُّ
أنَّه ليس في انضمام "ما" إِلى "إِنّ" فائدةٌ أكثرُ من أنها
تُبْطِل عملَها، حتى تَرى النحويِّينَ لا يَزيدون في أكثرِ
كلامهم على أنها "كافَّة"، ومكانُها ههنا يُزيل هذا الظنَّ
ويُبْطِلُه. وذلك أنك تَرى أنك لو قلت: "ما جاءني زيدٌ، وإنَّ
عمراً جاءني"، لم يُعقل منه أنك أردتَ أنَّ الجائي "عمروٌ" لا
"زيدٌ" بل يكونُ دخولُ "إنَّ" كالشيءِ الذي لا يُحتاجُ إِليه،
ووجدتَ المعنى يَنْبو عنه.
"إنما" إذا جاءت للتعريض بأمر هو مقتضى الكلام، ومثاله في
الشعر:
422 - ثم اعلمْ أَنك إِذا استقريْتَ وجدْتَها أقوى ما تكونُ
وأعْلَقَ ما ترى بالقلب، إِذا كان لا يُراد بالكلامِ بعدَها
نفْسُ معناه، ولكنَّ التعريضَ بأمرٍ هو مُقْتضاه، نحوُ أنَّا
نعلمُ أَنْ ليس الغَرضُ مِن قولِه تعالى: {إِنَّمَا
يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] [الزمر: 9]، أنْ
يَعلَم السَّامِعُون ظاهرَ معناه، ولكنْ أن يُذَمَّ الكفَّارُ،
وأنْ يُقالَ إِنهم مِنْ فرطِ العِنادِ ومِنْ غلبةِ الهوى
عليهم، في حُكْم مَنْ ليس بذي عقْلٍ، وإِنكم إنْ طمِعْتُم منهم
في أنْ يَنْظروا ويَتذكَّروا، كنتُم كمَنْ طمِعَ في ذلك مِنْ
غيرِ أُولي الألباب. وكذلك قولُه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ
مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45]، وقولُه عَزَّ اسْمُه:
{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
(1/354)
بِالْغَيْبِ} [فاطر: 18]، المعنى على أنَّ
مَن لم تكنْ له هذه الخَشْيةُ، فهو كأنهُ ليس له أُذُنٌ
تَسمَعُ وقلْبٌ يَعْقِلُ، فالإنذارُ معه كَلاَ إِنذارٌ.
423 - ومثال ذلك في الشعر قوله:
أَنا لَمْ أُرْزَقْ محبَّتَها ... إِنَّما لِلْعبدِ ما رُزقا1
الغرضُ أن يُفْهِمَك مِن طريقِ التعريضِ أنه قد صار يَنْصَحُ
نفسَه، ويَعلَمُ أنه يَنْبغي له أن يقْطَع الطمَعَ من وصلِها2،
ويَيْأَسَ من أن يكونَ منها إسعافٌ.
ومن ذلك قوله:
وإِنَّما يَعْذِرُ العشَّاقَ مَنْ عَشِقا
يقولُ: إِنَّه ليس يَنْبغي للعاشقِ أن يلومَ من يَلُومُهُ في
عِشْقه، وأنه ينبغي أنْ لا يُنْكَر ذلك منه، فإِنه لا يَعْلَمُ
كنْهَ البلوَى في العِشْقِ، ولو كان ابْتُليَ به لعرَفَ ما هو
فيه فعذره.
وقوله:
ما أنتَ بالسَّبَبِ الضعيفِ وإنَّما ... نُجْحُ الأُمورِ
بقوَّةِ الأَسْبابِ
فاليومَ حاجتُنا إليكَ ... وإِنما يُدْعى الطبيبُ لساعةِ
الأوَصابِ3
يقولُ في البيتِ الأول: إِنه ينبغي أن أَنجحَ في أمري حِينَ
جعلتك السبب
__________
1 هو للعباس من الأحنف في ديوانه، وروايته: "لم أرزق مودتكم".
2 "ويعلم أنه"، هكذا في النسخ جميعًا، والأجود أن يقول:
"ويعلمها".
3 عند رشيد رضا: "في نسخة المدينة: هذا الشعر للباخرزي".
(1/355)
إِليه. ويقولُ في الثاني: إنَّا قد وضَعْنا
الشيءَ في موضِعِه، وطلَبْنا الأمرَ من جهَتهِ، حينَ استعنَّا
بك فيما عَرضَ من الحاجةِ1، وعوَّلْنا على فضْلِكَ، كما أَنَّ
مَنْ عوَّل عَلَى الطبيبِ فيما يَعْرِضُ له من السُّقْم، كان
قد أصاب التعويل مَوْضِعَه، وطلَبَ الشيءَ مِنْ معدنِه.
424 - ثم إنَّ العجَبَ في أنَّ هذا التعريضَ الذي ذكرتُ لكَ،
لا يَحصُلُ من دُونِ "إِنما". فلو قلتَ: "يتذكَّرُ أُولو
الألباب"، لم يدل ما دَلَّ عليه في الآية، وإنْ كان الكلامُ لم
يتغيرْ في نفسِه، وليس إلاَّ أنهن ليس فيه "إِنما"2.
والسببُ في ذلك أنَّ هذا التعريضَ، إِنما وقعَ بأنْ كان مِنْ
شأنِ "إِنَّما" أنْ تُضَمِّنَ الكلامَ معنى النفْي مِنْ بَعْد
الإثباتِ، والتصريحِ بامتناعِ التذكُّر ممَّن لا يَعْقِل.
وإِذا أُسِقطتْ من الكلامِ فقيلَ: "يتذكر أولوا الألباب"، كان
مجرد
__________
1 في "ج" و "س": "حتى استعنا".
2 عند هذا الموضع في "ج"، حاشية بخط الكاتب، وهي بلا شك من
كلام عبد القاهر، كما أسلفت في التعليق على رقم: 404، فيما
سلف. ونص الحاشية هو:
"إذا نلت": "العاقل يتذكر"، فأنت في ذكر من لا تنفى عنه العقل،
ولا تمنعه أن يفعل ما يفعله العقلاء وإذا قلت: "إنما يتذكر
العاقل"، فأنت في ذكر من تنفي عنه القعل، وتمنعه من أن يجيء
منه ما يجيء من العقلاء.
ويبينه أنك إذا قلت: "الكريم يعفو"، فأنت في ذكر من تجعله
أهلًا لأن يفعل ما يفعله الكريم وإذا قلت: "إنما يعفو الكريم"،
فأنت في ذكر من تباعده من ذلك".
(1/356)
وصفٍ لأُولي الألبابِ بأنهم يتذكَّرونَ،
ولم يكنْ فيه معنى نفْي للتذكُّر عمَّنْ ليس منهم. ومُحالٌ أن
يقَعَ تعريضٌ لشيءٍ ليس له في الكلام ذِكْرٌ1، ولا فيه دليلٌ
عليه. فالتعريضُ بمثلُ هذا أعني بأن تقول: "يتذكَّر أولو
الألباب" بإسقاط "إنما"، يقع إذنْ إنْ وَقَعَ، بمَدْح إنسانٍ
بالتيقُّظ، وبأنه فعلَ ما فعلَ، وتنبَّه لِمَا تنبَّه له،
لعَقْله وحلسن تمييزه، كما يقال: "كذلك يفعل العاقل"، و "هكذا
يفعل الكريم".
وهذا موعض فيه دقةٌ وغموضٌ، وهو ممَّا لا يكادُ يقع في نفسه
أحد أنه ينبغي أن يتعرض سبببه، ويَبْحثَ عن حقيقة الأمرِ فيه.
425 - وممَّا يجبُ لك أن تَجعلَه على ذكْرٍ منكَ مِنْ معاني
"إِنما"، ما عرَّفْتُكَ أولاً مِنْ أنها قد تَدْخُلُ في الشيء
على أنْ يُخَيِّلَ فيه المتكلمُ أَنه معلومٌ، ويدَّعي أَنَّه
مِن الصحة بحيث لا يدفع دافعٌ، كقوله:
إنَّما مُصْعَبٌ شِهابٌ مِن الله2
ومنَ اللطيفِ في ذلك قولُ قَتبَ بن حصن3:
ألا أيها الناهي فزارة بعد ما ... أجدت لغزو، إنما أنت حالم4
__________
1 في "س": "تعريض بشيء".
2 هو ابن قيس الرقيات، ومضى الشعر في رقم: 391.
3 في المطبوعة: "قس بن حصن" وهو خطأ، وضبطته بفتحتين، وضبط في
"س": "قنب" بضم فسكون، والله أعلم.
4 الشعر منسوب في معجم الشعراء: 339، 340 في ترجمة قنب بن حصن:
من بني شمخ بن فزارة، وقال: "رويت لغيره"، ورواها في الأمالي
1: 258 في خبر، غير منسوبة، وقال
(1/357)
ومن ذلك قولُه تعالى حكايةً عن اليَهُود:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون} [البقرة: 11]، دخلتْ "إِنّما"
لتدلَّ على أنَّهم حين ادَّعَوا لأنفهسم أنَّهمْ مُصْلِحون،
أَظهروا أنهم يدَّعون مِن ذلك أمرًا ظاهرًا معلومًا، ولذلك
أكيد الأمرَ في تكذيبِهم والردِّ عليهم، فجمَعَ بين "أَلاَ"
الذي هو للتَّنبيه، وبين "إنَّ" الذي هو للتأكيد، فقيل: {أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُون}
[البقرة: 12].
__________
البكري في اللآلي: 576: "الشعر لبعض بني فزارة"، وغير منسوبة
في مجموعة المعاني: 40، ونسبها أبو الفرج في مقاتل الطالبين:
376 لعويف القوافي، وذكرها أيضًا في ترجمته في الأغاني 19:
192، ونسبها أبو تمام في الوحشيات رقم: 156 لأبي حرجة الفزاري،
وبعد البيت:
أبي كل حر أن يبيت بوتره ... ويمنع منه النوم، إذا أنت نائم
أقول لفتيان العشى تروحوا ... على الجرد في أواهن الشكائم
وقلت لفتيان مصاليت إنكم ... قدامي، وإن العيش لا هو دائم
قفوا وقفة، من يحيى لا يخز بعدها ... ومن يحترم لا تتبعه
اللوائم
وهل أنت، إن باعدت نفسك عنهم ... لتسلم، فيما بعد ذلك سالم
(1/358)
|