دلائل الإعجاز ت شاكر خاتمة كتاب دلائل
الإعجاز
560 - قد1 بلغنا في مداواة الناسِ مِنْ دائهم، وعلاجِ الفسادِ
الذي عرضَ في آرائِهم كلَّ مبلغَ، وانتهينا إلى كلِّ غاية،
وأخذنا بهم عَنِ المجاهل التي كانوا يتعسَّفون فيها إلى
السَّنن اللاَّحِب2، ونقلْنَاهم عَنِ الآجنِ المطروقِ إلى
النَّمير الذي يَشْفي غليلَ الشارِب3، ولم ندعْ لباطِلِهم
عِرْقاً ينبضُ إلاَّ كويناهُ، ولا للخلافِ لساناً ينطقُ إلاَّ
أخرَسْناه، ولم نتركْ غِطاءً كان على بصَرِ ذي عَقْلٍ إلا
حَسرْناهُ، فيا أيُّها السامعُ لِمَا قلناهُ، والناظرُ فيما
كتبناهُ، والمتصفِّحُ لما دوَّنَّاهُ، إنْ كنتَ سمعتَ سماعَ
صادقِ الرغبةِ في أن تكونَ في أَمركَ على بصيرةٍ، ونظرتَ نظَرَ
تامِّ العنايةِ في أن يُورِدَ ويَصْدُرَ عن معرفةٍ، وتصفَّحْتَ
تصفُّحَ مَن إذا مارَسَ باباً من العلم لم يقنعْه إلا أن يكونَ
على ذِروة السَّنام، ويضرب بالمعن من السَّهام، فقد هُديتَ
لضالَّتك، وفتح لك الطريقُ إلى بُغْيتك، وهُيِّئ لك الأداةُ
التي بها تبلغُ، وأُوتيت الآلةَ التي معها تصل. فخذْ لنفسكَ
بالتي هي أملًا ليديك، وأعوذ بالحظِّ عليكَ، ووازنْ بين حالِك
الآن وقد تنبَّهْتَ من رَقْدتك، وأفقْتَ من غفْلتك، وصرتَ
تعلمُ إِذا أنتَ خُضتَ في أمر "اللفظ" و "النظم" معنى ما تذكر،
وتعلم كيف نورد
__________
1 في المطبوعة عنوان لهذا، وكتب في وسط السطر: "فصل"، وهذا ليس
في المخطوطتين.
2 "السنن" الطريق المسلوك، و "اللاحب" الواضح الواسع المنقاد.
3 "الآجن"، الماء المتغير الطعم. "المطروق" الذي تطرقه الأنعام
والوحش، و "النمير"، الماء الزاكي الناجع في الري.
(1/477)
وتصْدر1، وبينها وأنتَ من أمرها في عمياءَ،
وخابطٌ خَبْطَ عشواءَ، قُصاراكَ أنْ تكرِّرَ ألفاظاً لا تعرفُ
لشيءٍ منها تفسيراً وضروبَ كلامٍ للبلغاء إذا سئلت على أغراضهم
فيها لم تستطيع لها تَبْيينا، فإنكَ تراكَ تُطيل التعجُّبَ من
غفلتك، وتكثرُ الاعتذارَ إِلى عقلك من الذي كنتَ عليه طولَ
مُدَّتك. ونسأَلُ اللهَ تعالى أن يجعل كل ما نأتيه، ونقصده
ننتحيه، لوجههِ خالصاً، وإلى رضاه عزَّ وجَلَّ مؤدِّياً،
ولِثَوابهِ مقْتَضِياً، وللزُّلْفى عنده مُوْجِبا، بمَّنه
وفضلهِ ورحمته2.
__________
1 السياق: "ووازن بين حالك ... وينها وأنت من أمرها في عمياء".
2 هذه الفقرة الأخيرة رقم: 560، صريحة الدلالة على أن هذا هو
آخر كتاب "دلائل الإعجاز"، ولكنه في المطبوعة لم يذكر شيئًا،
ولكنه كتب بعدها "بسم الله الرحمن الرحيم"، دون فاصل واضح. أما
في المخطوطة "ج" فإنه ترك بياضًا كبيرًا بين الكلامين، ثم بدأ
بالبسملة، فكان دلالة على انقضاء كتاب "دلائل الإعجاز"، وأما
"س" فهي التي جاءت بالأمر صريحًا فقد كتب.
"تم الكتاب
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه،
وهو حسبنا ونعم الوكيل"
وبهذا انتهت نسخة "س"، وليس فيها شيء مما سيأتي بعد هذا في
"ج"، وفي المطبوعة فمن أجل ذلك، فصلت ما بعد هذا عن "كتاب
دلائل الإعجاز"، ووضعت له عنوان:
"رسائل وتعليقات"
كتبها عبد القاهر الجرجاني
وهذه الرسائل متصلة الأواصر بكتاب ""دلائل الإعجاز" اتصالًا
واضحًا، كتبها عبد القااهر بعد الفراغ من كتابه الدلائل. سترى
ذلك واضحًا. وقد رتبتها متسلسلة كما هي في المخطوطة "ج".
(1/478)
|