غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر سورة الحج
مكية كلها إلا ثلاث آيات (1)
2- {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أي تسلو عن
ولدها وتتركه.
4- {كُتِبَ عَلَيْهِ} أي على شيطانه {أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ
فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ}
5- {مُخَلَّقَةٍ} تَامَّة.
{وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} غير تامَّة. يعني السّقط.
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} كيف نخلقكم {فِي الأَرْحَامِ}
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} يعني قبل بلوغ الهَرَم.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي
الخَرَف والهرم.
{وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} أي مَيِّتَةً يابسةً. ومثل ذلك
همود النار: إذا طَفِئت فذهبت.
{اهْتَزَّتْ} بالنبات.
{وَرَبَتْ} انتفختْ.
{وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كل جنس حسن،
يُبْهِجُ، أي يَشْرح. وهو فعيل في معنى فاعل. يقال: امرأة ذات
خَلْق باهِج.
9- {ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي متكبر مُعرض.
11- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} على
وجه واحد ومذهب واحد.
__________
(1) هي قوله: "هذان خصمان" إلى تمام ثلاث آيات (19-21) كما في
البحر المحيط 6/349 وتفسير القرطبي 12/1.
(1/290)
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} أي:
ارتد.
13- {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} أي الوَليّ.
{وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أي الصاحب والخليل.
15- {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} أي لن
يرزقه الله. وهو قول أبي عبيدة، يقال: مَطرٌ نَاصِرٌ، وأرض
مَنْصُورَةٌ. أي مَمْطورَة. وقال المفسرون: من كان يظن أن لن
ينصر الله محمدًا (1) .
{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} أي بحبل إلى سقف
البيت.
{ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} أي
حِيلتُه غيظَه لِيَجْهَد جهْده، وقد ذكرت ذلك في تأويل المشكل
بأكثر من هذا التفسير (2) .
19- {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} أي الماء
الحار.
20- {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} أي يُذاب. يقال:
صَهَرت النار الشَّحْمة. والصُّهارة: ما أُذيب من الألْيَة.
25- {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} المقيم فيه
والبادي، وهو الطارئ من البدو، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى
من النَّازح إليه.
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أي من يرد فيه إلحادا. وهو
الظلم والميل عن الحق. فزيدت الباءُ كما قال: {تَنْبُتُ
بِالدُّهْنِ} (3) ؛ وكما قال الآخر:
سُودُ المحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ (4)
__________
(1) تفسير القرطبي 12/21.
(2) راجع ص 278-280.
(3) سورة المؤمنون 20.
(4) صدره:
هن الحرائر لا ربات أخمرة
وهو للراعي، كما في اللسان 6/52.
(1/291)
أي: لا يقرأن السُّور. وقال الآخر:
نَضْرِبُ بالسيف وَنْرجُو بالفَرَجْ (1)
26- {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أي
جعلنا له بيتًا.
27- {يَأْتُوكَ رِجَالا} أي رَجَّالةً، جمع رَاجِل، مثل صاحب
وصِحَاب.
{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي رُكْبَانًا على ضُمْرٍ من طول
السفر.
{مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي بعيد غامض.
28- {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} يقال: التجارة.
{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} يوم
التَّرْوِيَة، ويوم عَرَفَة، ويوم النَّحر. ويقال: أيام العشر
كلها (2) .
29- {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والتَّفَثُ: الأَخْذ من
الشارب والأظفار، ونتف الإبطين، وحلق العَانَة.
{بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سمي بذلك لأنه عتيق من التَّجَبُّر،
فلا يتكبر عنده جبّار.
30- {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} يعني رَمْيَ
الجِمَار، والوقوفَ بجمع، وأشباه ذلك. وهي شعائر الله.
{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}
يعني في سورة المائدة من الميتةِ والمَوْقُوذَةِ
والمُتَرَدِّيَةِ والنَّطِيحَةِ (3) .
__________
(1) صدره:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
وهو للنابغة الجعدي، كما في الخزانة 4/59 وانظر تخريجه في هامش
تأويل مشكل القرآن 193.
(2) راجع تفسير القرطبي 3/1-3.
(3) راجع ص 138، 140.
(1/292)
31- {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} هذا مثل ضربه الله لمن
أشرك به، في هلاكه وبعده من الهدى.
(السَّحِيقُ) البعيد. ومنه يقال: بُعْدًا وسُحْقًا،
وأَسْحَقَهُ الله.
36- {صَوَافَّ} أي قد صُفَّت أيديها. وذلك إذا قُرِنَت أيديها
عند الذبح.
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت. ومنه يقال: وَجَبت
الشمس: إذا غابت.
{الْقَانِعَ} السائل (1) . يقال: قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا؛
ومن الرِّضا قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً.
{الْمُعْتَرَّ} الذي يَعتريك: أي يُلِمُّ بك لتعطيه ولا
يَسْأَل. يقال: اعْتَرَّني وعَرَّني، وعَرَانِي واعْتَرَانِي
(2) .
37- {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} كانوا
في الجاهلية: إذا نحروا البُدْنَ نَضَحُوا دماءَها حول الكعبة؛
فأراد المسلمون أن يصنعوا ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لَنْ
يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} (3) .
40- {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} للصَّابئين.
{وَبِيَعٌ} للنَّصارى.
{وَصَلَوَاتٌ} يريد بيوت صَلَوَات، يعني كنائس اليهود.
{وَمَسَاجِدُ} للمسلمين. هذا قول قتادة (4) وقال: الأديان ستة:
خمسة للشيطان،
__________
(1) وهذا أولى الأقوال بالصواب عند الطبري 17/121 وانظر الدر
المنثور 4/362-363.
(2) نقله في البحر المحيط 6/347 منسوبا لابن قتيبة.
(3) في تفسير القرطبي 12/65 وفي الدر المنثور 4/363 وهو فيهما
عن ابن عباس.
(4) في الدر المنثور 4/364.
(1/293)
وواحد للرحمن، فالصابئون: قوم يعبدون
الملائكة، ويصلون للقبلة ويقرأون الزَّبور. والمَجُوس: يعبدون
الشمس والقمر، والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. واليهود
والنصارى.
45- {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} يقال: هو المبني بالشِّيد. وهو
الجِصُّ. والمَشِيد: المُطَوَّل. ويقال: المَشِيدُ والمُشَيَّد
سواء في معنى المطول، وقال عَدِيّ بن زَيْد:
شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ ... سًا فَلِلطَّيْرِ في
ذَرَاهُ وُكُورُ (1)
51- {مُعَاجِزِينَ} مُسَابِقِين (2) .
52- {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي تلا القرآن.
{أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} في تلاوته.
54- {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أي تخضع وتَذِلّ.
55- {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} كأنه عَقُمَ عن أن يكون فيه خير
أو فرج للكافرين.
67- {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} أي عيدًا (3) .
71- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي برهانا ولا
حُجَّة.
__________
(1) البيت له في تفسير الطبري 17/128 والقرطبي 12/74 والدر
المنثور 4/361 وغير منسوب في اللسان 4/230.
(2) قال الأخفش: معاندين مسابقين. وقال ابن عباس: مغالبين
مشاقين، كما في تفسير القرطبي 12/78.
(3) وقيل: عنى به ذبح يذبحونه ودم يهريقونه، قال الطبري 17/138
"والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى بذلك إراقة الدم أيام
النحر بمنى؛ لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- كانت إراقة الدم في هذه الأيام ...
".
(1/294)
72- {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ
يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أي يتناولونهم بالمكروه من
الشتم والضرب.
78- {هُوَ اجْتَبَاكُمْ} أي اختاركم.
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق.
{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا}
يعني القرآن.
{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} أي قد بلغكم.
{وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بأن الرسل قد بلّغتهم.
{فَنِعْمَ الْمَوْلَى} أي الوَلِيّ.
{وَنِعْمَ النَّصِيرُ} أي الناصر. مثل قَدِير وقَادِر، وسميع
وسامع.
(1/295)
سورة المؤمنون
مكية كلها
3- {اللَّغْوِ} باطل الكلام والمزاح.
10- {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ} قال مجاهد: هو البستان المخصوص بالحسن، بلسان
الرُّوم (1) .
11- ثم قال: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فأَنَّثَ. ذَهَبَ إلى
الجنة.
12- {مِنْ سُلالَةٍ} قال قتادة: اسْتُلَّ آدم من طين، وخُلِقت
ذريتُه من ماءٍ مَهين. ويقال للولد: سلالة أبيه، وللنُّطْفَة:
سُلالة، وللخمر: سلالة. ويقال: إنما جعل آدم من سلالة، لأنه
سُلَّ مِنْ كل تُرْبة.
14- {عَلَقَةً} واحدة العَلَق، وهو الدم.
و (المضغة) اللَّحمة الصغيرة. سميت بذلك لأنها بقدْر ما
يُمْضَغُ، كما قيل: غرفة، بقدر ما يُغْرَف.
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أي خلقناه بنفخ الروح فيه
خلقًا آخر.
17- {سَبْعَ طَرَائِقَ} سبع سماوات كل سماء طَرِيقة. ويقال: هي
الأفْلاك كلُّ واحد طَرِيِقة. وإنما سميت طَرَائِق
بالتَّطَارق؛ لأن بعضها فوق بعض. يقال: طارقت الشيء، إذا جعلت
بعضَه فوق بعض. يقال: ريش طَرَائِق.
20- {وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} (2) مثل الصِّبَاغ. كما يقال:
دِبْغٌ ودِبَاغ ولِبْس ولِبَاس.
__________
(1) وقيل: هي فارسية عربت، وقيل: حبشية؛ وإن ثبت ذلك فهو وفاق
بين اللغات. كما في تفسير القرطبي 12/108 وانظر المعرب
للجواليقي 240-241 والإتقان 1/237.
(2) ويراد به الزيت الذي يصطبغ به الأكل، وأصل الصبغ: ما يلون
به الثوب. وشبه الإدام به لأن الخبز يلون بالصبغ إذا غمس فيه.
(1/296)
27- {فَاسْلُكْ فِيهَا} أي أدخِل فيها.
يقال: سَلَكْتُ الخيط في الإبرة وأَسْلَكته.
33- و {أَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وسَّعنا
عليهم حتى أُتْرِفُوا، والتُّرْفَةُ [منه] ، ونحوها:
التُّحْفَة، كأنّ المُتْرَف هو الذي يتحف.
41- {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} أي هَلْكَى كالغُثَاء، وهو ما
علا السَّيْل من الزَّبَد [والقَمْش] (1) لأنه يذهب ويتفرّق.
44- {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي تَتَابع
بِفَتْرَةٍ بين كل رسولين وهو من التَّوَاتُر. والأصل وَتْرَى.
فقلبت الواو كما قلبوها في التَّقْوى، والتّخمة والتُّكلان.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أخبارًا وعبرًا.
50- {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي عَلَمًا
ودليلا.
و (الرَّبْوَةُ) الارتفاع. وكلُّ شيء ارتفع أو زاد، فقد رَبَا،
ومنه الرِّبا في البيع.
{ذَاتِ قَرَارٍ} يُسْتَقَرُّ بها للعمارة.
{وَمَعِينٍ} ماء ظاهر. يقال: هو مَفْعُول من العين. كأنّ أصلَه
مَعْيُون. كما هو يقال: ثوب مَخِيط، وبُرٌّ مَكِيل.
51- {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} خوطب
به النبي، صلى الله عليه؛ وحْدَه على مذهب العرب في مخاطبة
الواحد خطاب الجمع (2) .
__________
(1) القمش: الرديء من كل شيء، وما كان على وجه الأرض من فتات
الأشياء. ويقال لرذالة الناس: قماش، كما في اللسان 8/229.
(2) في تأويل مشكل القرآن 218 وقال الطبري: الخطاب لعيسى.
(1/297)
52- {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً} أي دينكم دين واحد، وهو الإسلام. والأمة تنصرف
[عَلى وجوه] قد بينتها في "تأويل المشكل" (1) .
53- {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي اختلفوا في
دينهم.
(زُبَرًا) بفتح الباء جمع زُبْرَة، وهي القطعة. ومن قرأ
{زُبُرًا} فإنه جمع زَبُور، أي كُتُبًا.
56- {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} أي نُسْرِع. يقال:
سارعت إلى حاجتك وأسرعت.
63- {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} أي في غطاء
وغفلة.
{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}
قال قتادة: ذكر الله. {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ
مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ
يُؤْمِنُون} ثم قال للكفار {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ
مِنْ هَذَا} ثم رجع إلى المؤمنين فقال: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ
مِنْ دُونِ ذَلِكَ} أي من دون الأعمال التي عدَّدَ {هُمْ لَهَا
عَامِلُونَ}
{يَجْأَرُونَ} أي يَضِجُّون ويَسْتَغِيثُون بالله.
66- {عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} أي ترجِعون
القَهْقَرَى.
67- {مُسْتَكْبِرِينَ} يعني بالبيت تَفْخَرُون به، وتقولون:
نحن أهلُه ووُلاتُه.
{سَامِرًا} أي متحدثين ليلا.
و (السَّمَرُ) : حديث الليل. وأصل السَّمَر: الليل. قال ابن
أَحْمَرَ:
من دونهم إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَرًا (2)
__________
(1) راجع ص 345-346.
(2) عجزه:
"عزف القيان ومجلس غمر"
والبيت غير منسوب في اللسان 4/43 وتفسير القرطبي 12/137.
(1/298)
أي ليلا ويقال: هو جمع سامِر. كما يقال:
طَالِبٌ وطَلَب وحارِسٌ وحَرَس. ويقال: هذا سامِرُ الحيِّ يراد
المتحدثون منهم ليلا. وسَمَرُ الحي.
{تَهْجُرُونَ} تقولون هُجْرًا من القول. وهو اللَّغو منه
والهذيان. وقرأ ابن عباس: "تُهْجِرُون" -بضم التاء وكسر الجيم-
وهذا من الهُجْر وهو السَّب والإفْحاش في المنطق. يريد سبهم
النبيَّ صلى الله عليه ومن اتبعه.
68- {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} أي يَتَدَبَّروا
القرآن.
71- {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أي بِشَرَفِهم.
72- {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} أي خَرَاجًا، فهم
يَسْتَثْقِلُونَ ذلك.
{فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} أي رزقُه.
74- {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أي عَادِلُون، يقال:
نَكَبَ عن الحق: أي عدَل عنه.
76- {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} يريد: نَقْصَ
الأموال والثمرات (1) .
{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} أي ما خَضَعُوا.
77- {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ
شَدِيدٍ} يعني الجوع.
{إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي يَائِسُون من كل خير.
89- {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي تُخْدَعون وتُصْرَفون عن هذا.
96- {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [أي] الحُسْنَى من
القول. قال قتادة: سلِّم عليه إذا لقيته.
__________
(1) راجع سبب نزولها في تفسير القرطبي 12/143 وأسباب نزول
القرآن للواحدي 235 والدر المنثور 5/13.
(1/299)
97- و {هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} نَخْسُها
وطَعْنُهَا. ومنه قيل [للعائب: هُمْزَةٌ] كأنه يطعن ويَنْخَس
إذا عاب.
100- و (الْبَرْزَخُ) ما بين الدنيا والآخرة [وكل شيء بين
شيئين] فهو بَرْزَخُ. ومنه قوله في البحرين: {وَجَعَلَ
بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} (1) أي حاجزًا.
110- {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} -بكسر السين- أي
تَسْخَرُون منهم. وسُخريا -بضمها- تُسَخِّرُونَهُم، من
السُّخْرة {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي شغلكم أمرهُم عن
ذكري.
113- {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} أي الحُسَّاب (2) .
117- {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} أي لا حُجَّة له به ولا دليل.
__________
(1) سورة الفرقان 53.
(2) في تفسير القرطبي 12/156 "أي سل الحساب الذين يعرفون ذلك
فإنا قد نسيناه، أو فاسأل الملائكة الذين كانوا معنا في
الدنيا؛ الأول قول قتادة؛ والثاني قول مجاهد".
(1/300)
سورة النور
مدنية كلها
1- {فَرَضْنَاهَا} فرضنا ما فيها.
8- {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} أي يَدْفعه عنها. والعذاب:
الرَّجْم.
11- {جَاءُوا بِالإِفْكِ} أي بالكذب.
وقوله: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ} يعني عائشة. أي تُؤْجَرُون فيه.
{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} أي [عُظْمَهُ] قال الشاعر يصف
امرأة:
تَنَامُ عَن كِبْرِ شَأْنِهَا فإذا ... [قَامَتْ رُوَيْدًا
تكادُ تَنْغَرِفُ] (1)
أي تنام عن عظم شأنها؛ لأنها مُنَعَّمَة.
12- {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من
المسلمين. على ما بينا في كتاب "المشكل" (2) .
13- {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي هَلا
جاءوا.
14- {فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [أي خضتم فيه] .
15- {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} أي تَقْبَلُونه. ومن قرأ "تَلِقُونه"
أخذه من الْوَلْق وهو الكذِب. وبذلك قرأت عائشة (3) .
__________
(1) البيت لقيس بن الخطيم، كما في ديوانه 17 واللسان 6/443،
11/170 وبعده فيه "قال يعقوب: معناه: تتثنى، وقيل معناه: تنقصف
من دقة خصرها".
(2) راجع ص 297.
(3) تأويل مشكل القرآن 19.
(1/301)
21- {مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} أي
ما طَهُرَ.
{اللَّهَ يُزَكِّي} أي يُطَهِّر.
22- {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} أي لا يحلِف.
وهو يَفْتَعِل من الألِيَّةِ، وهي اليمين. وقُرِئَت أيضًا: ولا
يَتَأَلَّ على يَتَفَعَّل.
{أَنْ يُؤْتُوا} أراد أن لا يؤتوا. فحذف "لا". وكان أبو بكر
حلف أن لا ينفق على مِسْطَح وقرابته الذين ذكروا عائشة، وقال
أبو عبيدة: لا يَأْتَلِ، هو يَفْتَعِل من ألَوْتُ. يقال: ما
أَلَوْتُ أن أصْنع كذا وكذا. وما آلو [جهدًا] قال النابغة
الجعدي:
وَأَشْمَطَ عُرْيَانًا يَشُدُّ كِتَافَهُ ... يُلامُ على
جَهْدِ القِتَالِ وما ائْتَلا (1)
أي ما تَرَكَ جَهدًا.
25- {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}
الدين هاهنا الحساب. والدين يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب
"المشكل" (2) .
26- {الْخَبِيثَاتُ} من الكلام.
{لِلْخَبِيثِينَ} من الناس.
{وَالْخَبِيثُونَ} من الناس.
{لِلْخَبِيثَاتِ} من الكلام (3) .
{أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ} يعني عائشة.
وكذلك الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِين على هذا التأويل.
__________
(1) البيت له في اللسان 18/41 وفيه: "عريان".
(2) راجع ص 351.
(3) في تفسير القرطبي 12/211 "قال النحاس في معاني القرآن:
وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية، ودل على صحة هذا القول (أولئك
مبرءون مما يقولون) أي عائشة وصفوان، مما يقول الخبيثون
والخبيثات".
(1/302)
27- {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أي حتى
تستأذنوا {وَتُسَلِّمُوا} والاستئناس: أن يعلم من في الدار.
تقول: استأنست فما رأيت أحدًا؛ أي استعلمت وتعرَّفْتُ. ومنه:
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} (1) أي علمتم. قال
النابغة:
كأنَّ رَحْلِي وقَدْ زَالَ النَّهارُ بِنَا ... بِذِي
الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وَحِدِ (2)
يعني ثورًا أبصر شيئًا فهو فَزِع.
29- {بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} بيوت الخَانَات.
{فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} أي منفعة لكم من الحر والبرد.
والسترُ والمتاع: النَّفْع.
31- {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يقال: الدُّمْلُج
والوِشَاحان، ونحو ذلك.
{إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يقال: الكف والخاتم. ويقال: الكُحْل
والخاتم (3) .
{أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} يعني الإِخْوَة.
{أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني المسلمات. ولا ينبغي للمسلمة أن
تتجرد بين يَدَيْ كافرة.
{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} يريد الأتْبَاع
الذين ليست لهم إِرْبَةٌ في النساء، أي حاجة، مثل الخَصِيّ
والخُنْثَى والشيخ الهرِم.
__________
(1) سورة النساء 6.
(2) عجزه له في اللسان 7/312 وبعده
"أي على ثور وحشي أحس بما
رابه، فهو يستأنس، أي يتبصر ويتلفت هل يرى أحدا؛ أراد أنه
مذعور فهو أجد لعدوه وفراره وسرعته، وانظر ديوانه 26، والبحر
المحيط 6/446، وشرح القصائد العشر 293.
(3) راجع تفسير الطبري 18/92 والقرطبي 12/228.
(1/303)
{أَوِ الطِّفْلِ} يريد الأطفال. يدلك على
ذلك قوله: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاءِ} أي لم يعرفوها ولم يفهموها.
{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِنْ زِينَتِهِنَّ} أي لا يضربن بإحدى الرِّجلين على الأخرى
ليصيب الخلخالُ الخلْخَالَ، فيعلم أن عليها خلْخَالَيْن.
32- {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} والأَيَامَى من الرجال
والنساء: هم الذين لا أزواج لهم. يقال: رجل أيِّم، وامرأة
أيِّم؛ ورجل أرْمَل، وامرأة أرْملة ورجل بِكْر، وامرأة بِكْر:
إذا لم يتزوجا. ورجل ثيب، وامرأة ثيب: إذا كانا قد تزوَّجا.
{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} أي من عبيدكم. يقال:
عَبْدٌ وعِبَاد وعَبِيد. كما يقال: كَلْبٌ وكِلاب وكَلِيب.
33- {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} أي يريدون
المُكَاتَبَةَ من العبيد والإماء، على أنفسهم.
{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} عفافًا
وأمانة.
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} أي أعطوهم، أو ضَعُوا عنهم
شيئًا مما يلزمهم.
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} أي لا
تكرهوا الإماء على الزنا.
{لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لتأخذوا من
أجورهم على ذلك.
{وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ
إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يقال: للإماء (1) .
__________
(1) في تفسير الطبري 18/104 "يقول: غفور لهن للمكرهات على
الزنا".
(1/304)
35- {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} في قلب المؤمن.
{كَمِشْكَاةٍ} وهي: الكُُوَّةُ غيرُ النافذةِ.
{فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي سراجٌ.
{كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} مضئٌ، منسوب إلى الدُّر.
ومن قرأ: (دِرِّيءٌ) بالهمز وكسر الدال، فإنه من الكواكب
الدَّرارئ وهن: اللائي يَدْرَأْن عليك، أي يطلُعن. وتقديره:
فِعِّيلٌ، من "دَرَأْتُ" أي دفعتُ.
{لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أي ليستْ في مَشْرََُقَةٍ
أبدًا، فلا يصيبها ظلٌّ. ولا في مَقْنَأَةٍ أبدًا، فلا
تُصيبُها الشمسُ. ولكنها قد جمعت الأمرين فهي شرقية غربية:
تُصيبُها الشمسُ في وقت، ويُصيبها الظلُّ في وقت.
37- {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} أي تتقلب
عمَّا كانت عليه في الدنيا: من الشك والكفر؛ وتتفتَّحُ فيه
الأبصارُ من الأغْطية.
39- (السَّرَابُ) ما رأيتَه من الشمس كالماء نصف النهار. و
"الآل": ما رأيته في أول النهار وآخره، الذي يَرفعُ كل شيء.
{بِقِيعَةٍ} والقِيعَةُ: القاع. قال ذلك أبو عبيدةَ.
وأهلُ النظر من أصحاب اللغة يذكرون: أن "القِيعة" جمع "القاع"
(1) ؛ قالوا: والقاعُ واحدٌ مذكر، وثلاثةٌ: أقْواعٌ، والكثيرةُ
منها: قِيعانٌ وقِيعةٌ.
__________
(1) القاع: الأرض المنبسطة، وانظر اللسان 10/178 وتفسير
القرطبي 12/282 والطبري 18/114.
(1/305)
41- {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} قد صَفَّتْ
أجنحتَها في الطيران.
43- {يُزْجِي سَحَابًا} أي يَسُوقُه.
{ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} بعضَه فوق بعض.
{فَتَرَى الْوَدْقَ} يعني المطرَ.
{يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي من خَلَلِه.
{سَنَا بَرْقِهِ} ضوءُه.
49- {يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي مُقِرِّين خاضعين.
53- {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ
أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا} وتمَّ الكلام.
ثم قال: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} ؛ أراد: هي طاعة معروفة.
وفي هذا الكلام حذفٌ للإيجاز، يُستدلُّ بظاهره عليه. كأن القوم
كانوا يُنافِقون ويَحلِفون في الظاهر على ما يُضمرون خلافَه؛
فقيل لهم: "لا تُقسموا؛ هي طاعةٌ معروفة، صحيحةٌ لا نفاق فيها؛
لا طاعةٌ فيها نفاقٌ" (1) .
وبعض النحويين يقولون: الضَّميرُ فيها: "لِتكنْ منكم طاعةٌ
معروفة".
54- {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي أعرضوا.
{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ} أي على الرسول.
{مَا حُمِّلَ} من التبليغ.
{وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من القبول. أي ليس عليه ألا
تقبلوا.
58- {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
يعني: العبيدَ والإماءَ.
{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} يعني:
الأطفالَ؛ (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) .
__________
(1) تفسير القرطبي 12/290 والطبري 18/121.
(1/306)
ثم بيَّنهن، فقال: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ
الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ
وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} يريد: عند النوم.
ثم قال: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} يريد هذه الأوقات، لأنها
أوقاتُ التَّجرُّد وظهورِ العورة:
فأمَّا قبلَ صلاة الفجر، فللخروجِ من ثياب النوم، ولُبسِ ثياب
النهار.
وأمَّا عند الظهيرةُ فلوضعِ الثياب للقائلة.
وأمَّا بعدَ صلاة العشاء، فلوضعِ الثياب للنوم.
ثم قال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ
بَعْدَهُنَّ} أي بعد هذه الأوقات.
ثم قال: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} ؛ يريد: أنهم خدمُكم، فلا
بأس أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثلاثة، بغير إذن. قال الله
عز وجل: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} (1) أي
يَطُوفون عليهم في الخدمة. وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله
وسلم- في الهِرَّة: "ليستْ بنجِسٍ؛ إنَّما هي من
الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافاتِ" (2) جعَلَها بمنزلة
العبيد والإماء.
59- {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا} في كل وقت.
{كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: الرجال.
60- {وَالْقَوَاعِدُ} يعني: العُجْزَ. واحدها: قاعدٌ.
ويقال: "إنما قيل لها قاعدٌ: لقعودها عن المحيض والولد".
وقد تقعد عن المحيض والولد: ومثلُها يرجو النكاح، أي يطمعُ
فيه.
__________
(1) سورة الواقعة 17.
(2) الفتح الكبير للنبهاني 1/448 وتفسير القرطبي 12/306.
(1/307)
ولا أراها سميتْ قاعدًا، إلا بالقعود.
لأنها إذا أسَنَّتْ: عجزتْ عن التَّصرُّفِ وكثرة الحركة،
وأطالت القعودَ؛ فقيل لها: "قاعدٌ" بلا هاء؛ ليُدلَّ بحذف
الهاء على أنه قعودُ كبَرٍ. كما قالوا: "امرأةٌ حاملٌ" بلا
هاء؛ ليُدلَّ بحذف الهاء على أنه حمل حَبَلٍ. وقالوا في غير
ذلك: قاعدةٌ في بيتها، وحاملةٌ على ظهرها.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}
يعني: الرِّداءَ.
{وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يُلْقِينَ الرِّداءَ.
{خَيْرٌ لَهُنَّ} والعربُ تقول: "امرأةٌ واضعٌ": إذا كبِرتْ
فوضعتْ الخِمار. ولا يكون هذا إلا في الهرِمة.
61- {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} في مؤاكلة الناس. وكذلك
الباقون: وإن اختلفوا فكان فيهم الرَّغيبُ والزَّهيد. وقد بينت
هذا في كتاب "المشكل"، واختلافَ المفسرين فيه (1) .
{وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}
يريد: من أموال نسائكم ومَن ضَمَّتْهُ منازلُكم.
{أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يعني: بيوت العبيد. لأن
السيد يملك منزل عبده.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} أي
مُجْتَمِعِين.
{أَوْ أَشْتَاتًا} أي مُفتَرِقين. وكان المسلمون يتحرَّجون (2)
من مؤاكلة أهل الضُّرِّ -: خوفًا من
__________
(1) راجع ص 257-259.
(2) تأويل مشكل القرآن 257 وتفسير القرطبي 12/317.
(1/308)
أن يَستأثِرُوا عليهم - ومن الاجتماع على
الطعام: لاختلاف الناس في مأكلهم، وزيادةِ بعضهم على بعض.
فوسَّع الله عليهم.
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}
قال ابن عباس (1) : "أراد المساجد، إذا دخلتَها فقل: السلامُ
علينا وعلى عباد الله الصالحين".
وقال الحسن (2) : "ليُسلِّم بعضكم على بعض. كما قال تعالى:
{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} . (3)
62- {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} يريد يوم
الجمعة، {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} لم يقوموا
إلا بإذْنه.
ويقال: بل نزل هذا في حفر الخندق؛ وكان قوم يَتَسَلَّلُون منه
بلا إذن (4) .
63- {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ
بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يعني: فخِّموه وشرِّفوه، وقولوا: يا رسول
الله، ويا نبيَّ الله، ونحوَ هذا. ولا تقولوا: يا محمدُ، كما
يدعو بعضكم بعضًا بالأسماء.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ
لِوَاذًا} أي من يَسْتَتِرُ بصاحبه في اسْتِلالِهِ، ويخرجُ.
ويقال: لاذ فلان بفلان؛ [إذا استترَ به] .
و"اللِّوَاذُ": مصدر "لاوَذْتُ به"، فعْل اثنين. ولو كان
مصدرًا لـ "لُذْتُ" لكان "لِيَاذًا". هذا قول الفرَّاء.
__________
(1) تفسير الطبري 18/132 والبحر المحيط 6/474.
(2) تفسير الطبري 18/132 والبحر المحيط 6/474.
(3) سورة النساء 29.
(4) تفسير القرطبي 12/321.
(1/309)
|