غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر

سورة لقمان (1)
6- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} نزلت في النَّضْر بن الحارث (2) ؛ وكان يشتري كتبًا فيها أخبارُ الأعاجم، ويحدثُ بها أهلَ مكةَ، ويقول: "محمدٌ حدثكم أحاديثَ عادٍ وثمودَ؛ وأنا أحدثُكم أحاديثَ فارسَ والرُّومِ وملوكِ الحِيرةِ".
14- {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي ضَعفًا على ضعفٍ.
{وَفِصَالُهُ} فِطَامُه.
16- {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} أي يُظهرْها اللهُ ولا تَخْفَ عليه.
18- {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي لا تُعْرِضْ بوجهك وتتكبرْ. و"الأَصْعَرُ" من الرجال: المُعرضُ بوجهه [كِبْرًا] .
19- {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} أي أقبحَها. عَرَّفَه قبْحَ رفعِ الصوتِ في المخاطبة وفي الملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عاليةٌ.

32- {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} جمع "ظُلَّة". يريد: أَنَّ بعضه فوق بعض، فله سوادٌ من كثرته. والبحر ذو ظلال لأمواجه. قال الْجَعديُّ:
يُعارِضُهُن أخضرُ ذُو ظِلالٍ ... على حافَاتِه فِلَقُ الدِّنَانِ (3)
يعني: البحرَ.
و (الخَتَّارُ) : الغدَّار. و"الخَتْرُ": أقبحُ الغدرِ وأشدُّه.
33- {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} أي لا يُغني عنهُ ولا ينفعُه.
{الْغَرُورُ} الشيطان؛ و"الغُرُور" بضم الغين: الباطلُ.
__________
(1) هي مكية غير آيتين أو ثلاث: (27-29) . انظر: تفسير القرطبي 14/50، والبحر 7 /183.
(2) كما حكاه الفراء والكلبي وغيرهما. على ما في تفسير القرطبي 52. وانظر تفسير البحر 7/184.
(3) في تفسير الطبري 21/54، والقرطبي 14/80 "يماشيهن".

(1/344)


سورة السجدة
وهي مكية كلها إلا ثلاث آيات من قوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} إلى قوله: {كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1) .
5- {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} أي يَقْضي القضاء.
{مِنَ السَّمَاءِ} فيُنزلُه {إِلَى الأَرْضِ (2) ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي يصعَدُ إليه.
{فِي يَوْمٍ} واحدٍ {كَانَ مِقْدَارُهُ} أي مسافةُ نزولِه وصعودِه.
{أَلْفَ سَنَةٍ} يريد: نزولَ الملائكةِ وصعودَها.
10- {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} ؟ أي بَطَلنا وصرنا ترابًا (3) .
11- {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} هو مِن "تَوَفِّي العدَدِ واستِيفائه". وأنشد أبو عبيدةَ:
إنَّ بَنِي الأَدْرَمِ لَيْسُوا من أحَدْ ... لَيْسُوا إِلى قَيْسٍ ولَيْسُوا من أسَدْ
ولا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ في العَدَدْ (4)
أي لا تجعلهم [قريشٌ] وفاءً لعَدَدها. والوفاء: التَّمام.
16- {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} أي ترتفعُ.
26- {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي يُبيِّنْ لهم (5) .
__________
(1) 18-20 كما في تفسير القرطبي 14/84، والبحر 7/196.
(2) راجع تأويل المشكل 274 و 394، والقرطبي 14/86.
(3) راجع تأويل المشكل 98 و 353، والقرطبي 14/91، والطبري 21/61.
(4) ورد الشطر الأول والثاني في الطبري 61 غير منسوبين. ووردا في اللسان 20/280 منسوبين لمنظور الوبري، بلفظ "إن بني الأدرد".
(5) كما في تأويل المشكل 344، والطبري 21/72، والقرطبي 14/110.

(1/345)


27- {الأَرْضِ الْجُرُزِ} الغليظة اليابسة التي لا نبتَ فيها (1) . وجمعها: "أجْرازٌ". ويقال: سِنُونَ أجْرازٌ؛ إذا كانت سِنِي جَدْبٍ.
28- {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} ؟ يعني: فتْحَ مكةَ.
29- {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} يقال: "أراد قتْلَ خالدِ بن الوليد -يومَ فتحِ مكة- مَن قَتَل" (2) . والله أعلم.
__________
(1) كما قال الفراء. على ما في القرطبي 14/110، واللسان 7/181. وقاله الطبري 21/72.
(2) تأويل المشكل 376، وتفسير القرطبي 14/112.

(1/347)


سورة الأحزاب
مدنية كلها (1)
4- {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} من تَبَنَّيْتُمُوه واتَّخَذْتُمُوهُ ولدًا.
يقول: ما جعلهم بمنزلةِ ولدِ الصُّلبِ؛ وكانوا يورِّثون من ادَّعَوه.
{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي قولُكم على التَّشبيهِ والمجازِ، لا على الحقيقة.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ}
5- {هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أعدلُ وأصحُّ.
6- {مَسْطُورًا} أي مكتوبًا.
10- {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أي عَدَلتْ.
{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أي كادت تبلُغ الحُلوقَ من الخوف (2) .
11- {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} أي شُدِّد عليهم وهُوِّل. و"الزِّلازلُ": الشدائدُ. وأصلها من "التحريك".
13- {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي خاليةٌ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها، وأصل "العورة": ما ذهب عنه السِّترُ والحفظُ؛ فكأن الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت، فإذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ. تقول العرب: أعْوَرَ مَنزلُك؛ إذا ذهب سِترُه، أو
__________
(1) 18-20 كما في تفسير القرطبي 14/84، والبحر 7/196.
(2) راجع: تأويل المشكل 24 و 130، والبحر 7/216.

(1/348)


سقط جِدارُه. وأعْوَرَ الفارسُ: إذا بدا فيه موضعُ خللٍ للضرب بالسيف أو الطعن.
يقول الله: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ؛ لأن الله يحفظها. ولكن يريدون الفِرارَ.
14- {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي من جوانبها.
{ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} أي الكفرَ-: {لآتَوْهَا} أي أعطَوْا ذلك مَن أراده.
{وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا} أي بالمدينة.
ومن قرأ: (لأتوها) بقصر الألف (1) أراد: لصاروا إليها.
19- {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يقول: آذَوْكم بالكلام [الشديد] (2) .
يقال: خطيبٌ مِسْلَقٌ ومِسْلاقٌ. وفيه لغة أخرى: "صَلَقُوكُمْ"؛ ولا يُقْرأُ بها.
وأصل "الصَّلْق": الضربُ. قال ابن أحمرَ -يصف سوطا ضرب به ناقته-:
كأنَّ وَقْعتَه -لَوْذَانَ مِرْفَقِها- ... صَلْقُ الصَّفَا بأدِيمٍ وقْعُه تِيَرُ (3)
23- {مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} أي قُتل. وأصل "النحب": النذرُ. وكان قوم نَذَروا -إن لقوا العدوَّ-: أن يُقاتلوا حتى يُقتَلوا أو يَفتحَ اللهُ؛ فقُتِلوا. فقيل: فلانٌ قَضى نحْبَه؛ إذا قُتل (4) .
26- {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} أي من حُصونهم. وأصل "الصَّياصي": قرونُ البقر؛ لأنها تمتنعُ بها وتدفعُ عن أنفسها. فقيل للحصون صياصي: لأنها تَمنع.
__________
(1) كابن كثير ونافع. والأولى قراءة الباقين. انظر: تفسير القرطبي 14/149، والبحر 7/218، والطبري 21/87.
(2) كما نقله القرطبي 14/154 عن ابن قتيبة. وانظر: الطبري 21/90.
(3) أي تارات. والبيت له: في المعاني الكبير 2/933
"وقعته في لوح مرفقها"
، واللسان 5/44، ولوذان مرفقها: أي قريب مرفقها. والصلق: الصوت.
(4) كما في تأويل المشكل 140. وانظر: تفسير القرطبي 14/158-160.

(1/349)


30 و31- {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} قال أبو عبيدة: يُجعل الواحدُ ثلاثةً [لا] (1) اثنين. هذا معنى قول أبي عبيدةَ.
ولا أراه كذاك؛ لأنه يقول بعدُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي يُطعهْما: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ؛ فهذا يدلُّ على أن "الضِّعفين" ثَمَّ أيضًا: مِثْلان.
وكأنه أراد: يُضَاعف لها العذابُ، فيجعل ضعفَيْن، أي مثلَيْن، كلُّ واحد منهما ضعفُ الآخر. وضعفُ الشيء: مِثلُه. ولذلك قرأ أبو عَمْرٍو: (يُضَعَّفْ) لأنه رأى أن "يضعَّف" للمِثْل و "يضاعف" لما فوق ذلك.
وهذا كما يقول الرجل: إن أعطيتَني درهمًا كافأتُك بضِعفَيْن -أي بدرهمين- فإن أعطيتَني فردًا أعطيتُك زوجَيْنِ؛ يريد اثنين. ومثلُه: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} (2) أي مِثْلَين.
32- {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي فلا تُلِنَّ القولَ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجورٌ؛ {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} أي صحيحًا: لا يُطمع فاجرًا.
33- (وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (3) من الوقار يقال: وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُورًا (4) .
ومن قرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} بنصب القاف؛ جعله من "القرار". وكأنه من "قَرَّ يَقَرُّ" بفتح القاف. أراد: "اقْرَرَنْ في بيوتكن"؛ فحذف الراء
__________
(1) انظر تفسير الطبري 21/101، والقرطبي 14/174-175، والبحر 7/228، واللسان 11/108-109.
(2) سورة الأحزاب 68، وانظر في اللسان 11/109 كلام الأزهري.
(3) هذه قراءة الجمهور. والقراءة الآتية قراءة عاصم ونافع.
(4) كذا بالأصل والطبري 22/3. يعني فهو وقور. وإلا فالمصدر الوقار.

(1/350)


الأولى، وحوَّل فتحتها إلى القاف. كما يقالُ: ظَلْن في موضع كذا؛ من "اظْلَلْنَ". قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (1) .
ولم نسمع بـ "قَرَّ يَقَرُّ" إلا في قُرة العين. فأمَّا في الاستقرار فإنما هو "قَرَّ يَقِرُّ" بالقاف مكسورةً. ولعلها لغةٌ (2) .
38- {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي أحَلَّ الله له (3) .
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أنه لا حرجَ على أحد فيما لم يَحرُم عليه.
42- و (الأصيلُ) ما بين العصر إلى الليل.
43- {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي يباركُ عليكم. ويقال: يغفرُ لكم.
{وَمَلائِكَتُهُ} أي تستغفرُ لكم (4) .
50- {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مُهورَهن.
51- {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أي تؤخرْ. يُهْمَزُ ولا يُهْمَزُ (5) . يقال: أرْجَيْتُ الأمرَ وأرجأْتُه.
{وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي تَضمُّ.
قال الحسن (6) : "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب امرأةً لم يكن لأحد أن يخطبَها حتى يَدَعَها النبيُّ صلى الله عليه وسلمُ أو يتزوجَها".
__________
(1) سورة الواقعة 65، وانظر اللسان 6/394.
(2) بل الفتح لغة أهل الحجاز، ذكرها أبو عبيد في "الغريب المصنف" عن الكسائي، وذكرها الزجاج وغيره كأبي الهيثم. فراجع: اللسان 6/393-396 و7/153، وتفسير القرطبي 14/178-179، والبحر 7/230، والطبري 22/3-4.
(3) كما في تأويل المشكل 364، والطبري 22/11-12.
(4) تأويل المشكل 355، وتفسير القرطبي 14/198.
(5) وقرئ بكل منهما، كما في تفسير القرطبي 14/214.
(6) تفسير الطبري 22/19.

(1/351)


ويقال: "هذا في قسمة الأيام بيْنَهن؛ كان يسوِّي بينَهن قبلُ ثم نزل. [أي] تؤخرُ من شئتَ فلا تُقْسِمُ له. وتَضُمُّ إليك مَن شئتَ بغير قسمة" (1) .
52- {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قَصَرَه على أزواجه، وحَرَّم عليه ما سواهنَّ إلا ما ملكتْ يمينُه من الإماء.
53- {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي منتظِرين وقتَ إدراكه (2) .
59- {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أي يلبَسْنَ الأرْدية.
60- {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي لنُسلطَنَّك عليهم، ونُولِعَنَّك بهم.
70- {قَوْلا سَدِيدًا} أي قصْدًا.
72- {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} يعني: الفرائضَ.
{عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} بما فيها من الثواب والعقاب.
{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} وعُرضتْ على الإنسان -بما فيها من الثواب والعقاب- فحَمَلها.
وقال بعض المفسرين: "إن آدمَ لما حضرتْه الوفاة قال: يا ربِّ! مَن أَسْتَخْلِفُ بعدي؟ فقيل له: اعرِضْ خلافتَك على جميع الخلق، فعَرَضها، فَكلٌّ أباها غيرَ ولدِه" (3) .
__________
(1) انظر البحر 7/243، والقرطبي 14/214-215، والطبري 22/18.
(2) أي بلوغه ونضجه، واستوائه وتهيئته. انظر تفسير الطبري 22/25، والقرطبي 14/226 والبحر 7/246، واللسان 18/50-51.
(3) انظر تأويل المشكل 238، والقرطبي 14/255-256.

(1/352)