غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر

سورة سبأ
مكية كلها
2- {مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} أي يَدخلُ.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي يصعَدُ.
3- {لا يَعْزُبُ عَنْهُ} لا يبعُدُ.
{مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} أي وزنُ ذرةٍ، وهي: النملة الحمراء الصغيرة.
5- {مُعَاجِزِينَ} أي مسابِقِين. يقال: ما أنت بمُعاجِزِي، أي بمُسابِقِي. وما أنت بمُعْجِزِي، أي سابِقِي وَفائِتِي.
9- {كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} قطعةً. و "كِسَفًا": قِطَعًا؛ جمع كِسْفَةٍ.
10- {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} أي سَبِّحي (1) . وأصله: التأْويبُ في السير؛ وهو: أن تسيرَ النهارَ كلَّه وتنزلَ ليلا. قال ابن مُقْبِل:
[لَحِقْنا بحيٍّ] أوَّبُوا السَّيرَ بعدَ مَا ... دَفَعْنا شُعاعَ الشمسِ والطَّرْفُ يَجْنَحُ (2)
كأنه أراد: أوِّبِي النهارَ كلَّه بالتسبيح إِلى الليل.
11- (السابغات) الدُّروعُ الواسعةُ.
__________
(1) تأويل المشكل 84، وتفسير الطبري 22/45، واللسان 1/212.
(2) البيت له: في تفسير القرطبي 14/265، والبحر 7/263.

(1/353)


{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي في النَّسْج، أي لا تَجعل المساميرَ دِقاقًا فَتَقْلَقَ ولا غِلاظًا فتكسِّرَ الحَلَقَ. ومنه قيل لصانع [حَلَقِ] الدُّروعِ: سَرَّادٌ وزَرَّادٌ. تبدل من السين الزايُ، كما يقال: سَرَّاطٌ وزَرَّاطٌ.
والسَّرْدُ: الخَرَزُ أيضًا. قال الشَّمَّاخ:
كما تَابَعَتْ سَرْدَ العِنَانِ الْخَوَازِرُ (1)
ويقال للإثْفَى: مِسْرَدٌ وسِرَادٌ.
12- {وَأَسَلْنَا لَهُ} أذَبْنا لهُ. يقال: سال الشيءُ وأسَلْتُه.
والقِطْرُ: النُّحاس.
13- {مَحَارِيبَ} مساجدَ.
و (الْجَوَابِي) : الحِياضُ. جمع جابِيَة، قال الشاعر:
تَرُوحُ على آلِ الْمُحَلَّقِ جَفْنَةٌ ... كجَابِيَةِ الشَّيْخِ العِرَاقيِّ تَفْهَقُ (2)
{وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ثَوَابِتَ في أماكنها تُتركُ -لعظمِها- ولا تُنقلُ. يقال: رَسَا [الشيءُ]-إذا ثَبَت- فهو يَرْسُو. ومنه قيل للجبال: رَوَاسٍ.
14- (المِنْسَأَةُ) : العصا. وهي مِفْعَلَة من نسأتُ الدابة: إذا سُقتُها قال الشاعر:
__________
(1) صدره كما في ديوانه ص50:
(شككن بأحشاء الذنابي على هدى)
وكما في القرطبي 14/268: (فظلت تباعا خيلنا في بيوتكم) وفي البحر: "فظن تباعا ... سرد الضأن"!.
(2) ورد البيت غير منسوب في القرطبي 14/275، ومنسوبا للأعشى: في اللسان 18/140، والطبري 22/49، والبحر 7/255 - ببعض اختلاف.

(1/354)


إذَا دَبَبْتَ على المِنْسَاةِ من كِبَرٍ ... فَقَدْ تَبَاعَدَ عنكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ (1)
وقال الآخر:
وعَنْسٍ كألواحِ الإرَانِ نَسَأْتُها ... إذا قِيلَ للمَشْبُوبَتَيْنِ: هُمَاهُمَا (2)
{فَلَمَّا خَرَّ} سقطَ {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} كان الناس يَرون الشياطينَ تعلم كثيرا من الغيب والسر؛ فلمَّا خرَّ سليمانُ تبينتِ الجنُّ أي ظهر أمرها، ثم قال: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}
وقد يجوز أن يكون {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} أي علمتْ وظهر لها العجزُ. وكانت تسترقُ السمعَ وتُلَبِّسُ بذلك على الناس أنها تعلم الغيبَ؛ فلما خرَّ سليمانُ زال الشكُّ في أمرها كأنها أقرتْ بالعجز (3) .
وفي مصحف عبد الله (4) "تبيَّنتِ الإنْسُ أنَّ الجنَّ لو كانوا يَعلمون الغيبَ".
16- (الْعَرِمُ) المُسَنَّاةُ (5) . واحدها: عَرِمَة قال الشاعر:
مِنْ سَبَأَ الحَاضِرينَ مَأْرِبَ إِذ ... يَبْنُونَ من دونِ سَيْلِه العَرِمَا (6)
__________
(1) ورد البيت غير منسوب في اللسان 1/164، وتفسير الطبري 22/51، والقرطبي 14/279، والبحر 7/255. و "المنسأة" تهمز وتسهل. وقرأ أبو عمرو بالتسهيل، وقال: إنه لا يعرف لها اشتقاقا، كما في البحر 7/267.
(2) ورد البيت غير منسوب في اللسان 1/164. وانظر القرطبي 14/280.
(3) راجع تقرير أبي حيان في البحر، لهذا الرأي.
(4) يعني ابن مسعود. انظر تفسير القرطبي 14/281.
(5) هي: الجسر، أو ضفيرة تبنى للسيل لترد الماء. انظر تفسير القرطبي 14/286، والطبري 22/54، والبحر 7/270، واللسان 19/131.
(6) ورد البيت غير منسوب: في القرطبي 14/283، واللسان 1/87، وفي البحر 7/270 باختلاف وتصحيف. كما ورد في اللسان 15/290 منسوبا للجعدي، بلفظ: "شرد من دون".

(1/355)


(الأكُلُ) : الثمر.
(الخَمْطُ) : شجرُ العِضَاهِ. وهي: كل شجرة ذاتِ شوك. وقال قَتادةُ: الخمطُ: الأَرَاكُ؛ وبَرِيرُه (1) أُكُلُه.
و (الأَثْلُ) : شبيهٌ بالطَّرْفاء إلا أنه أعظم منه.
17- (وَهَلْ يُجَازَى إِلا الْكَفُورُ) (2) قال طاوسٌ: يُجازَى ولا يُغفرُ له؛ والمؤمن لا يناقَشُ الحسابَ.
18- {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي جعلنا ما بيْنَ القريةِ والقريةِ مقدارًا واحدًا.
19- {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي عظة ومُعْتَبَرًا.
{وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرَّقناهم في كل وجه. ولذلك قالت العربُ للقوم إذا أخَذوا في وجوهٍ مختلفة: تفرَّقوا أيْدِي سَبَا (3) . "وأيدي" بمعنى: مذاهبَ وطرُقٍ.
20- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} وذلك أنه قال: لأضِلَّنَّهم ولأُغْوِيَنَّهُم [ولأُمنِّيَنَّهم] ولآمُرَنَّهم بكذا؛ فلمَّا اتَّبعوه [وأطاعوه] صَدَّق ما ظنَّه؛ أي فيهم.
وقد فسرت هذا في كتاب "المشكل" (4) .
23- {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} خُفِّف عنها الفَزعُ.
__________
(1) أي ثمرة، كما في اللسان 5/120. وانظر تفسير الطبري 22/56، والقرطبي 14/286-288، واللسان 9/167.
(2) هذه قراءة العامة. وقرأ يعقوب وحفص وحمزة والكسائي "نجازي" بالنون وكسر الزاي، "الكفور" بالنصب. انظر تفسير القرطبي 288، والطبري 57، والبحر 7/271. وكلام طاوس ورد بنحوه في تفسير القرطبي.
(3) اللسان 1/87-88.
(4) ص 240، وانظر الطبري 22/60، والقرطبي 14/293.

(1/356)


ومن قرأ: فُرِّغَ (1) أراد فُرِّغَ منها الفزعُ.
24- {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [هذا] كما تقول: أحدُنا على باطلٍ؛ وأنتَ تعلم أن صاحبك على الباطل، وأنك على الحق. وقال أبو عبيدةَ: "معناها إنك لعلى هدًى، وإنكم لفي ضلال مبين" (2) .
26- {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أي يقضي. [ومنه قوله تعالى] : {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (3) أي القُضاةِ.
28- {إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أي عامةً.
33- {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي مكرُكم في الليل والنهار (4) .
{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} أي أظهروها، يقال: (5) أسررتُ الشيءَ: أخفيتُه وأظهرتُه. وهو من الأضداد.
34- (الْمُتْرَفُونَ) المتكبِّرون.
37- {تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} أي قُرْبَى ومنزلةً عندنا.
{فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} لم يُرد فيما يَرى أهلُ النظر -والله أعلم- أنهم يُجازون على الواحد بواحدٍ مثلِه ولا اثنَيْن. وكيف يكون هذا واللهُ يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (6) وَ {خَيْرٌ مِنْهَا} (7) ؟!!
__________
(1) كابن عمر، والحسن، وأيوب السختياني، وقتادة، وأبي مجلز. انظر تفسير الطبري 22/64، والبحر 7/278، والقرطبي 14/298، وتأويل المشكل 28 و 32.
(2) تفسير الطبري 22/65، والقرطبي 14/298-299، والبحر 7/279-280، وتأويل المشكل 208.
(3) سورة الأعراف 89، وانظر تأويل المشكل 376، وتفسير القرطبي 14/111-112 و 300، والطبري 22/65-66، وما تقدم: ص170.
(4) تأويل المشكل 162، والقرطبي 14/302، والطبري 22/67.
(5) كما حكي عن أبي عبيدة: في اللسان 6/21. وانظر تفسير القرطبي 303، والبحر 7/283.
(6) سورة الأنعام 160.
(7) سورة النمل 89 والقصص 84.

(1/357)


ولكنه أراد لهم جزاء التَّضْعيفِ. وجزاءُ التَّضعيف إنَّما هو مِثلٌ يضم إلى مثلٍ إلى ما بَلغ. وكأن "الضعف": الزيادةُ؛ أي لهم جزاءُ الزيادة.
ويجوز أن يُجعَل "الضِّعفُ" في معنى الجمع أي [لهم] جزاءُ الأضعاف. ونحوُه: {عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} (1) أي مُضَعَّفًا.
45- {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} أي عُشرَه.
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنْكاري. وكذلك: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (2) ؛ أي إنْذاري، وجمعه: نُكُرٌ ونُذُرٌ.
46- {مَثْنَى} أي اثنَيْن اثنين، {وَفُرَادَى} واحدًا واحدًا.
ويريد بـ"المَثْنَى": أن يتناظَرُوا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبـ "فُرَادَى" (3) أن يفكِّرُوا. فإن في ذلك ما دَلَّهم على أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ليس بمجنونٍ ولا كذَّابٍ.
48- {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} أي يلقيه إلى أنبيائه صلوات الله عليهم.
49- {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ} أي الشيطانُ {وَمَا يُعِيدُ}
51- {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} أي عند البعث.
{وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} أي قريبٍ على الله؛ يعني القبورَ (4) .
52- {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} ؟ أي تناوُل ما أرادوا بلوغَه، وإدراكُ
__________
(1) سورة ص 61، وانظر القرطبي، واللسان 107-108.
(2) سورة الملك 17، وقد ورد بالأصل واللسان 7/55: (فكيف كان نذير) وهو خطأ نشأ من الاشتباه، قد تفاداه صاحب التاج 3/561.
(3) تأويل المشكل 241، وتفسير القرطبي 14/311، والطبري 22/71.
(4) تأويل المشكل 255، والقرطبي 14/314، والطبري 22/73.

(1/358)


ما طلبوا من التوبة.
{مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} من الموضع الذي تُقبلُ فيه التوبةُ (1) .
والتناوُشُ يُهمز ولا يُهمز (2) . يقال: نُشْتُ ونأشْتُ كما يقال: ذِمْتُ الرجلَ وذَأَمْتُه؛ أي عبتُه.
وقال أبو عبيدةَ: نأشْتُ: طَلَبتُ (3) . واحتَجَّ بقول رُؤْبةَ:
إليكَ نأْشُ القَدَرِ النَّؤُوشِ
وقال: "يريد طلبَ القَدَرِ المطلوبِ".
وقال الأصْمَعيُّ: "أراد تناوُلَ القدرِ لنا بالمكروه".
53- {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} أي بالظنِّ أن التوبةَ تنفعُهم.
54- {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الإيمان. وهذا مفسر في "تأويل المشكل" (4) بأكثرَ من هذا التفسير.
__________
(1) تأويل المشكل 255، والقرطبي 14/316، والطبري 22/74، والبحر 7/256 و 293-294، واللسان 8/241 و 254-255.
(2) وبالهمز قرأ الأعمش وأبو عمرو والكسائي وحمزة وأبو بكر.
(3) اللسان 8/242، وتفسير القرطبي 14/316.
(4) ص 256. وانظر تفسير الطبري 22/75، والقرطبي 14/313-314.

(1/359)


سورة فاطر
مكية كلها (1)
2- {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} أي من غيثٍ (2) .
3- {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي احفَظُوها. تقول: اذكرْ أيادِيَّ عندك؛ أي احفَظْها. وكلُّ ما كان في القرآن -من هذا- فهو مثلُه.
8- {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} أي شُبِّهَ عليه.
9- {النُّشُورُ} الحياةُ.
10- {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي يَبْطُلُ.
12- {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} أي جَوَارِيَ. ومَخْرُها: خَرْقُها للماء.
13- {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} القطميرُ: الفُوفَةُ التي تكون في النَّواةِ. وفي التفسير: أنه الذي بين قِمَْعِ الرُّطَبةِ وبين النَّواة (3) . وهو من الاستعارة في قلة الشيء وتحقيره.
18- {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} يقول: إنْ دَعتْ نفسٌ ذاتُ ذنوبٍ قد أثقلَتْها ذنُوبها ليُحملَ عنها شيءٌ منها لم تَجِدْ ذلك؛ {وَلَوْ كَانَ} مَن تدعوه {ذَا قُرْبَى}
__________
(1) في قول الجميع. كما في تفسير القرطبي 14/718، والبحر 7/297.
(2) تأويل المشكل 110، والقرطبي 14/321.
(3) تفسير الطبري 22/82-83، والقرطبي 14/336، والبحر 7/296 و 305، واللسان 6/420، وتأويل المشكل 105.

(1/360)


19- {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} مثلٌ للكافر والمؤمن.
20- {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ} مثلٌ للكفر والإيمان.
21- {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} مثلٌ للجنة والنار.
22- {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} مثلٌ للعقلاء والجهال.
24- {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} أي سلف فيها نبيّ.
27-28- {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} و"الجُدَدُ": الخُطوطُ والطَّرائِقُ تكون في الجبال فبعضُها بِيضٌ وبعضُها حمرٌ وبعضُها غرابيبُ سودٌ.
وغَرابيبُ: جمع غِرْبِيبٍ وهو: الشديد السواد. يقال: أسْودُ غِرْبِيبٌ.
وتمام الكلام عند قوله: {كَذَلِكَ} يقول: من الجبالِ مختلِفٌ ألوانُها.
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} أي كاختلاف الثمرات. ثم يبتدئُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
31- {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لما قبله.
35- {دَارَ الْمُقَامَةِ} ودارُ المُقام واحدٌ، وهما بمعنى الإقامة.
اللغوب: الإعْياءُ.
37- {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.

(1/361)


ويقال: الشيبُ. ومَن ذهب هذا المذهب فإنه أراد: "أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ حَتَّى شِبْتُمْ" (1) .
43- {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} أي يَنْتَظِرون، {إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ} أي سُنَّتَنا في أمثالهم من الأَوَّلين الذين كفروا كُفْرَهم.
__________
(1) انظر تفسير الطبري 22/93، والقرطبي 14/353، والبحر 7/316.

(1/362)


سورة يس
مكية كلها
7- {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي وَجَب.
8- {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} "المقمح": الذي يرفع رأسَه ويغُض بصرَه. يقال: بعيرٌ قامحٌ وإبِلٌ قِمَاحٌ؛ إذا رَوِيتْ من الماء وقَمَحتْ. قال الشاعر -وذكر سفينةً وركبانَها-:
ونحن على جَوانِبِها قُعُودٌ ... نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإِبِلِ القِمَاحِ (1)
يريد إنا حبَسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانعَ كالأغلال.
9- {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} والسَّدُّ والسُّدُّ (2) الجبلُ. وجمعهما: أسْدَادٌ.
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} (3) أي أغشينا عيونَهم وأعميناهم عن الهُدَى. وقال الأسود بن يَعْفُرَ -وكان قد كُفَّ بصره-:
ومنَ الحَوادثِ -لا أبَا لَكَ- أَنَّنِي ... ضُرِبَتْ علَيَّ الأرضُ بالأسْدَادِ
ما أهْتَدِي فيها لمَدْفَعِ تَلْعَةٍ ... بيْنَ العُذَيْبِ وبيْنَ أرْضِ مُرَادِ (4)
__________
(1) البيت لبشر بن أبي خازم في اللسان 3/401، ومختارات ابن الشجري 31، وتفسير القرطبي 15/8، والبحر 7/324. وغير منسوب في الدر المنثور 5/259.
(2) وقرئ بكل منهما، كما في تفسير الطبري 22/98-99، والبحر 7/329، واللسان 4/190-191.
(3) قرأ ابن عباس بالعين المهملة، والمعنى متقارب، كما قال القرطبي 15 / 10.
(4) البيتان له في المفضليات 216، والشعر والشعراء 1/210، وتفسير القرطبي. وفيه "لموضع تلعة". والمدفع واحد مدافع المياه التي تجري فيها، كما في اللسان 9/443 وقد ورد عجز البيت الأول غير منسوب في اللسان 4/192.

(1/363)


12- {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من أعمالهم؛ {وَآثَارَهُمْ} ما استُنَّ به بعدهم من سُننهم. وهو مثل قوله: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (1) أي بما قَدَّم من عملهِ وأخَّر من أثرٍ باقٍ بعده.
14- {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوَّيْنَا وشدَّدْنَا. يُقال: عَزِّز منه؛ أي قَوِّ من قلبِهِ. وتعزَّز لحمُ الناقة: إذ صَلُب.
18و19- {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} قال قَتادةُ: يقولون: إن أصابنا شرٌّ فهو بكم.
{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ثم قال: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} تَطَيَّرْتُم بنا؟ (2)
وقال غيره: طائرُكم معكم أين ذُكِّرْتُم (3) .
و"الطَّائرُ" هاهنا: العملُ والرزقُ. يقول: هو في أعناقكم ليس من شؤمنا. ومثلُه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (4) . وقد ذكرناه فيما تقدم.
25- {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أي فاشهَدُوا.
34 و 35- {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}
__________
(1) سورة القيامة 13، وانظر القرطبي 15/11-12، والطبري 22/99-100.
(2) كلام قتادة هنا مختصر مقتضب. وهو بتمامه متصلا: في الدر المنثور 5/261، ومتفرقا في تفسير الطبري 22/102. وانظر القرطبي 15/16-17، والبحر 7/327-328.
(3) وبهذا قرأ الحسن البصري، وعيسى بن عمر. على ما في القرطبي. ونسبه في البحر 7/327 إلى قتادة أيضا.
(4) سورة الإسراء 13، وراجع ما تقدَّم ص252 و 325-326.

(1/364)


أي ولِيأكلوا مما (1) عملتْه أيديهم. ويجوز أن يكون: إنا جعلنا لهم جناتٍ من نخيل وأعناب ولم تعملْه أيديهم. ويقرأ: (وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ) بلا هاء (2) .
36- {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} أي الأَجناسَ كلَّها (3) .
37- {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي داخلون في الظلام.
38- {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي موضعٍ تنتهي إليهُ فلا تُجَاوزُه؛ ثم ترجع (4) .
39- و (الْعُرْجُونُ) عُودُ الكِبَاسَةِ. وهو: الإهَانُ أيضًا. و (الْقَدِيمِ) الذي قد أتى عليه حَوْلٌ فاستَقْوَس ودَقَّ. وشُبِّهَ القمرُ -آخِرَ ليلةٍ يطلُع- به (5) .
40- {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فيجتمعا.
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي لا يفوتُ الليلُ النهارَ فيذهبَ قبل مجيئه.
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني: الشمسُ والقمرُ والنجومُ يَسْبحون أي يَجْرُون (6) .
43 و 44- {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مُغيثَ لهم ولا مُجِيرَ.
__________
(1) كما ورد في قراءة عبد الله، على ما في تفسير الطبري 23/4.
(2) وهي قراءة الكسائي وحمزة وشعبة وخلف. انظر القرطبي 15/25، والبحر 7/335، وتأويل المشكل 29.
(3) تأويل المشكل 380، وتفسير القرطبي 15/26.
(4) تأويل المشكل 243، وتفسير القرطبي 15/27.
(5) تأويل المشكل 244، والقرطبي 15/30-31، واللسان 17/156.
(6) تأويل المشكل 244، والقرطبي 15/33، والطبري 23/7، واللسان 3/299.

(1/365)


{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي إلا أن نرحمَهم ونُمَتِّعَهم إلى أجَلٍ.
49- {يَخِصِّمُونَ} أي يَخْتَصِمون. فأدغم التاءَ في الصاد.
51- و (الأَجْدَاثُ) القبور. واحدها: جَدَثٌ.
{يَنْسِلُونَ} قد ذكرناه في سورة الأنبياء (1) .
53- {مُحْضَرُونَ} مُشْهَدُون.
55- (فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ) أي يَتَفَكَّهون. قال: أبو عُبيدٍ (2) تقول العرب للرجُل -إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس-: إن فلانًا لَفَكِهٌ بكذا، قال الشاعر:
فَكِهٌ إلى جَنْبِ الخِوَانِ إذَا غَدَتْ ... نَكْبَاءُ تَقْطَعُ ثابتَ الأَطْنَابِ
ومنه يقالُ للمِزاح: فاكهةٌ. ومن قرأ: (فَاكِهُونَ) أراد ذَوِي فاكهةٍ؛ كما يقال: فلان لابنٌ تامرٌ.
وقال الفراء (3) "هما جميعًا سواءٌ: فَكِهٌ وفاكِهٌ؛ كما يقال حَذِرٌ وحَاذِرٌ". وروي في التفسير: (فَاكِهُونَ) ناعمون. وفكهون: مُعْجَبُونَ.
56- {فِي ظِلالٍ} جمع ظِلٍّ و (فِي ظُلَلٍ) (4) جمعُ ظُلَّةٍ.
(الأَرَائِكُ) السُّرُر في الحِجَال. واحدُها: أرِيكةٌ.
__________
(1) ص 288. وراجع القرطبي 15/40-41، والطبري 23/11.
(2) في اللسان 17/420 إلى آخر البيت الآتي. وذكر في الطبري 23/14 عن بعض البصريين، وبزيادة وبدون البيت. وانظر القرطبي 15/44.
(3) اللسان 17/420 وتفسير القرطبي 15/44. وحكاه الطبري 23/14، وقال: هذا أشبه بالكلمة.
(4) هذه قراءة ابن مسعود والأعمش وحمزة والكسائي وغيرهم. والأولى قراءة العامة. كما في تفسير القرطبي 15/44. وانظر الطبري 23/14، والبحر 7/342.

(1/366)


57- {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أي ما يَتَمَنَّوْن. ومنه يقول الناس: هو في خيرِ ما ادَّعى؛ أي ما تَمَنَّى. والعرب تقول: (1) ادَّعِ [عليَّ] ما شئت؛ أي تَمَنَّ [عليَّ] ما شئت.
58- {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} أي سلامٌ يقال لهم [فيها] كأنهم يَتَلَقَّوْنه من رب رحيم.
59- {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي انقطِعُوا عن المؤمنين وتَميَّزُوا منهم. يقال: مِزْتُ الشيءَ من الشيءِ -إذا عزلتُه عنه- فانْمازَ وامْتازَ ومَيَّزتُه فتَميَّزَ.
60- {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم آمُرْكم ألم أُوصِكم؟!
62- {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} أي خَلْقًا. وجُبُلا بالضم والتخفيف، مثلُه. والجِبْلُ أيضًا: الخَلْقُ. قال الشاعر:
[جِهَارًا] ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجِبْلِ (2)
66- {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} والْمطْموسُ هو [الأعمى] الذي لا يكون بين جَفْنَيْه شقٌّ.
{فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} ليَجوزوا.
{فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} أي فكيف يبصرون؟!.
__________
(1) اللسان 18/285، والطبري 23/15. وقد حكاه أبو عبيدة، على ما في البحر 7/342. وانظر القرطبي 15/45.
(2) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي. وصدره -كما في اللسان، والديوان 38:
*منايا يقربن الحتوف لأهلها*

(1/367)


67- {عَلَى مَكَانَتِهِمْ} هو مثل مكانِهم. يقال: مكانٌ ومكانةٌ ومنزلٌ ومنزلةٌ.
68- {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} أي نَرُدَّه إلى أرذلِ العُمُرِ.
70- {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي مؤمنًا. ويقال: عاقلا.
71- {خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} يجوز أن يكون مما عملناه بقدرتِنا وقوَّتنا. وفي اليد القوةُ والقدرةُ على العمل؛ فتُستعارُ اليدُ فتُوضَعُ موضعها. على ما بيَّناه في كتاب "المشكل" (1) . هذا مجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرفُ والله أعلم بما أراد.
72- {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي ما يَرْكَبون. والحَلوب: ما يَحْلُبون والجَلُوبة: ما يَجْلِبُونَ. ويُقْرَأ: "رَكُوبَتُهُمْ" أيضًا. [وهي] قراءةُ عائشةَ رضي الله عنها (2) .
78- {وَهِيَ رَمِيمٌ} أي باليةٌ. يقال: رَمَّ العظْمُ -إذا بَلِيَ- فهو رَمِيمٌ ورُمام (3) . كما يقال: رُفاتٌ وفُتَاتٌ.
80- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأعرابُ من شجر المَرْخ والعَفَار.
__________
(1) ص117. وراجع البحر 7/347، والقرطبي 15/55.
(2) وأبي بن كعب. كما قرأ الحسن والأعمش وغيرهما (ركوبهم) : بضم الراء، على المصدر. وإن زعم الفراء أن القراء اجتمعوا على فتح الراء. انظر تفسير القرطبي 15/55-56، والبحر 7/347، واللسان 1/416.
(3) بضم الراء -لا بكسرها كما في القرطبي 15/58-: مبالغة في الرميم. كما في النهاية 2/105، واللسان 15/146. أما بالكسر فهو جمع الرميم، كما في اللسان 144.

(1/368)