غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر

سورة الطور
مكية كلها (3)
1- {وَالطُّورِ} جبل بمَدْيَنَ، كُلِّمَ عنده موسى عليه السلام (4) .
2 - {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} أي مكتوب.
3- {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} يقال: هي الصحائف التي تخرج يوم القيامة إلى بني آدمَ (5) .
4- {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} بيت في السَّماء حِيالَ الكعبة (6) .
5- {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني: السماء.
6- {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} المملوء. قال النَّمِر بن تَوْلَبٍ -وذكر وَعِلا-:
إِذا شاء طالَعَ مَسْجُورَةً ... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والسَّاسَمَا (7)
أي عينًا مملوءةً.
9- {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} تدور بما فيها.
10- {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ} عن وجه الأرض.
13- {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي يُدفعون. يقال: دَعَعْتُه
__________
(1) كما في المشكل 172. فـ "من" زائدة كما في المشكل 194، والقرطبي 17/56.
(2) تأويل مشكل القرآن 113، والقرطبي 17/57، والطبري 27/9، واللسان 1/378، والمفردات 180. وانظر البحر 8/143.
(3) بالإجماع. على ما في تفسير القرطبي 17/58، والبحر 8/146، والدر المنثور 6/116.
(4) القرطبي 17/58-59، والدر 6/117، وما تقدم ص 52.
(5) أي صحائف أعمالهم، كما قال الفراء. على ما في القرطبي 17/59، والبحر. وانظر الطبري 27/10، والدر 6/117.
(6) كما قال علي وابن عباس وغيرهما. على ما في القرطبي، والطبري 27/11، والدر.
(7) هو: شجر أسود من شجر الجبال؛ كما في اللسان 15/178. والبيت له فيه وفي القرطبي 17/61. وهو في الطبري 27/12 مع آخر.

(1/423)


أدعُّه دعًّا؛ أي دفعته. ومنه: {الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (1) .
18- {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أي ناعمين بذلك. وفكهين معجَبين بذلك (2) .
21- {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي ما نقصناهم.
23- {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يَتَعاطَون. قال الأخطل:
وشَارِبٍ مُرْبِحٍ بالكأْسِ نازَعَنِي ... لا بالحَصُورِ ولا فيها بِسَوَّار (3)
أي عاطاني.
{لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} أي لا تَذهبُ بعقولهم فيَلْغُوا أو يَرفُثوا فيأثموا. كما يكون ذلك في خمر الدنيا.
26- {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي خائفين.
29- {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} كما تقول: ما أنت -بحمد الله- بجاهل.
30- {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي حوادثَ الدهر وأوجاعه ومصائبه و "المنون": الدهر؛ قال أبو ذُؤيبٍ:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ ... والدَّهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ ? (4)
__________
(1) سورة الماعون 2، كما في تفسير القرطبي 17/64، واللسان 9/436. وانظر الطبري 27/13-14، والبحر 8/144 و 147.
(2) ص 366. وانظر القرطبي 17/65.
(3) البيت له في ديوانه 116، واللسان 6/51، والقرطبي 17/68 بلفظ: "نادمني".
(4) البيت مطلع مرثيته الجيدة. وهو في ديوانه 1/1، والمفضليات 421، واللسان 17/303 و 304، وتفسير القرطبي 16/170 و 17/72، والبحر 7/494 و 8/151.

(1/425)


هكذا كان الأصمعيُّ يرويه: "ورَيْبِه" (1) ويذهب إلى أنه الدهر؛ قال: وقوله: "والدّهرُ ليس بمعتِبٍ" يدل على ذلك؛ كأنه قال: "أمِن الدهرِ وريبه تتوجعُ والدهر لا يُعتِبُ من يجزع!؟ ".
قال الكسائي: "تقول العرب: لا أكلمك آخرَ المنون، أي آخرَ الدهر".
37- {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} ! أي الأرباب. يقال: تسيطرتَ عليَّ؛ أي اتخذتني خَوَلا [لك] .
38- {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} !؟ أي دَرَجٌ. قال ابن مُقْبِل:
لا تُحْرِزُ المَرْءَ أحْجاءُ البلادِ ولا ... تُبْنَى له في السَّمَواتِ السَّلالِيمُ (2)
44- {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} قد تقدم ذكره (3) .
{سَحَابٌ مَرْكُومٌ} أي رُكام: بعضُه على بعض.
والمعنى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه: إنا لا نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفًا؛ فقال الله: لو أسقطنا عليهم كِسْفًا من السماءِ قالوا: هذا سحاب مركوم؛ ولم يؤمنوا.
45- {يُصْعَقُونَ} يموتون.
__________
(1) قال ابن سيده: "وقد روي: "وريبها" حملا على المنية. ويحتمل أن يكون التأنيث راجعا إلى معنى الجنسية والكثرة؛ وذلك: لأن الداهية توصف بالعموم والكثرة والانتشار". فيكون التأنيث على معنى الدهور [لا المنية] ؛ كما قال ابن بري. على ما في اللسان. فلا فرق بين الروايتين حينئذ. وراجع الطبري 27/19.
(2) البيت له: في تفسير الطبري 27/20، والقرطبي 17/76، واللسان 15/191. وفيهما: "يُبنى". وراجع تأويل المشكل 272.
(3) ص 261 و 320 و 353. وانظر القرطبي 17/77.

(1/426)


سورة النجم
مكية كلها (1)
1- {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} يقال: "كان القرآن ينزلُ نُجومًا؛ فأقسم الله بالنجم منه إذا نزل".
وقال مجاهد: "أقسم بالثُّريَّا إذا غابت" والعرب تسمي الثّريا -وهي ستة أنجم ظاهرةٍ- نجمًا (2) .
[و] قال أبو عبيدة: "أقسم بالنجم إذا سقط في الغَوْر". وكأنه لم يخصِّص الثُّريَّا دون غيرها.
5- {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} جبريلُ عليه السلام. وأصله من "قُوَى الحَبْل"؛ وهي طاقاته. الواحدة: قوة.
6 و7- {ذُو مِرَّةٍ} أي ذو قوةٍ. وأصل "المِرَّة": الفَتْلُ.
ومنه الحديث (3) : "لا تَحِلُّ الصَّدقةُ لغنيٍّ ولا لِذي مِرَّة سَوِيٍّ".
وقوله: {فَاسْتَوَى * وَهُوَ} ؛ أي استوى هو وجبريلُ (4) -صلوات الله عليهما- {بِالأُفُقِ الأَعْلَى}
__________
(1) في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، على ما في تفسير القرطبي 17/81. أو بلا خلاف على ما يؤخذ من البحر 8/57، والدر المنثور 6/121.
(2) الطبري والقرطبي والبحر، واللسان 16/46 و 18/121.
(3) المرفوع من طريق أبي هريرة عند أحمد والنسائي وابن ماجه، ومن طريق ابن عمر عند أبي داود والترمذي والحاكم وأحمد أيضا. على ما في الفتح الكبير 3/317. وقد ورد في الطبري 27/26، والبحر، والنهاية 4/88، واللسان 7/15.
(4) راجع في الطبري والقرطبي والبحر 8/158، كلام البصريين والكوفيين في هذا التقدير.

(1/427)


8 و9- {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي قدرَ قوسين عربيتَيْن (1) .
وقال قوم: "القوس: الذارع؛ أي كان ما بينهما قدر ذراعين".
والتفسير الأول أعجبُ إليَّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (2) : "لَقابُ قوسِ أحدِكم من الجنةِ، أو موضعُ قِدِّه - خيرٌ له من الدنيا وما فيها". و "القِدُّ": السوط.
10- {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} عن الله عز وجل.
11- {مَا رَأَى} يقول بعض المفسرين: "إنه أراد: رؤية بصر القلب".
12- {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} أفتجادلونه. من "المراء".
ومن قرأ: {أَفَتُمَارُونَهُ} (3) ؛ أراد: أفتجحدونه.
16- {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} من أمر الله تعالى.
17- {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} أي ما عدل.
{وَمَا طَغَى} ما زاد ولا جاوز.
19-21- {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} ؟! كانوا يجعلونها بناتِ الله؛ فقال: ألكم الذكورُ من الولد وله الإناثُ؟!
22- {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي جائرةٌ. يقال: ضِرت في الحكم؛ أي جُرْت.
و"ضِيزَى": فُعلى؛ فكسرت الضاد للياء. وليس في النعوت "فِعْلَى".
__________
(1) كما قال ابن عباس وابن المسيب وعطاء ومجاهد وقتادة والفراء. وهو اختيار الطبري. و "أو" بمعنى بل، كما في المشكل 415.
(2) النهاية 3/282، واللسان 2/187، والقرطبي 17/90. وقد أخرج في الصحيح عن أبي هريرة مختصرا، على ما في القرطبي. وراجع الطبري 27/26-27، والدر 6/123، والبحر 8/154 و 158.
(3) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف ويعقوب.

(1/428)


23- {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي حجة.
32- {اللَّمَمَ} صغار الذنوب. وهو من "أَلَمَّ بالشيء": إذا لم يتعَمَّق فيه ولم يلزمه. ويقال (1) "اللَّمَم: أن يُلِمَّ [الرجلُ] بالذنب ولا يعود".
34- {وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى} أي قطع. وهو من "كُدْية الرَّكِيَّة". (2) وهي: الصلابة فيها، وإذا بلغها الحافر يئس من حفرها فقطع الحفر. فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخرَه أو أعطَى ولم يتمِّمْ -: أكْدَى (3) .
35- {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} أي يعرفُ ما غاب عنه: من أمر الآخرة وغيرها؟!
37- {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أي بلَّغ.
39- {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} أي ما عمِل لآخرته.
40- {وَأَنَّ سَعْيَهُ} عمله.
{سَوْفَ يُرَى} أي يعلم.
41- {ثُمَّ يُجْزَاهُ} يُجْزَى به.
46- {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} أي تقدَّرُ وتُخلَق (4) . يقال: ما تدري ما يَمْنِي لك الماني؛ أي ما يقدِّر لك الله.
47- {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} أي الخلْق الثانيَ للبعث يوم القيامة.
__________
(1) الطبري 27/38-40 والقرطبي 17/106-107، والبحر 8/154 و 164، واللسان 16/23.
(2) كما حكاه الطبري 27/42 عن بعض أهل العلم بالعربية، وصاحب اللسان 20/80 عن الزجاج. وذكره القرطبي 17/112، وصاحب البحر 8/155 و"الركية": البئر تحفر؛ كما في اللسان 19/50.
(3) ذكر نحوه القرطبي وأبو حيان، ثم استشهدا ببيت للحطيئة ورد بهامش الأصل، وفي الدر المنثور 6/129 باختلاف؛ وهو:
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ... ومن يبذل المعروف في الناس يحمد
(4) كما قال أبو عبيدة، على ما في القرطبي 17/118. وقال عطاء والضحاك والكلبي: تصب في الرحم وتراق؛ كما حكاه القرطبي، وقال به الطبري 27/44.

(1/429)


48- {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [أي أعطَى ما يُقتَنى] : من القِنْية والنَّشَب. يقال: أقنيت كذا [وأقْنَانِيه الله] .
49- {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} الكوكب [المضيء الذي يطلُع] بعد الجَوْزاء. وكان ناسٌ في الجاهلية يعبدونها.
53- {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} مدينة قوم لوط؛ لأنها ائْتفَكتْ [بهم] أي انقلبت.
{أَهْوَى} أسقط. يقال: هَوَى؛ إذا سقط. وأهواه اللهُ أي أسقطه.
54- {فَغَشَّاهَا} من العذاب والحجارة؛ {مَا غَشَّى}
56- {هَذَا نَذِيرٌ} يعنى: محمدا صلى الله عليه وسلم.
{مِنَ النُّذُرِ الأُولَى} يعني من الأنبياء المتقدمين.
57- {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} أي قربت القيامة.
58- {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} ليس لعلمها كاشفٌ ومبيِّنٌ دونَ الله، ومثله: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} (1) .
وتأنيث "كاشفة" كما قال: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} (2) أي بقاء. و [كما قيل] : العاقبة، وليست له ناهية.
61- {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} لاهُون (3) ؛ ببعض اللغات. يقال للجارية: اسْمُدِى لنا؛ أي غنِّي لنا.
__________
(1) سورة الأعراف 187، وانظر ما تقدم ص 175.
(2) سورة الحاقة 8، كما في تفسير الطبري 27/48 هو وما بعده. وانظر القرطبي 17/122، والبحر 8/170، واللسان 11/210.
(3) كما في رواية عن ابن عباس وعكرمة. أو المغنون بالحميرية، كما روي عنهما أيضا. وهو الذي ذكره الشافعي أولا في أحكام القرآن 2/178. ثم ذكر عن بعضهم -كمجاهد-: أنهم الغضاب المبرطمون. فراجع كلامه وهامشه، والدر 6/132، والبحر 8/155 و 170.

(1/430)


سورة القمر (1)
مكية كلها (2)
1- {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي قرُبتْ.
2- {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} أي شديد قويٌّ. وهو من "الْمِرَّة" مأخوذ. والمِرَّةُ: الفتْل؛ يقال: استمَرَّت مَرِيرَتُه.
ويقال: هو من "المرارة". [يقال] : أمَرَّ الشيءُ واستَمرَّ [إذا صار مُرًّا] (3) .
4- {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي متَّعَظ ومنتهى.
6- {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أي منكَر.
8- {مُهْطِعِينَ} قال أبو عبيدةَ (4) : مسرعين {إِلَى الدَّاعِ}
وفي التفسير (5) : "ناظرين قد دفعوا رءوسَهم إلى الداعي".
9- {وَازْدُجِرَ} أي زُجر. وهو: "افتُعِل" من ذلك.
11- {بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} أي كثير سريع الانصباب. ومنه يقال: همر الرجل؛ إذا أكثر من الكلام وأسرع.
__________
(1) في النسخة المخطوطة: (سورة اقتربت) .
(2) في قول الجمهور، كما في تفسير القرطبي 17/125، والبحر 8/173. وهو المروي عن ابن عباس، على ما في الدر المنثور 6/132.
(3) ويقال أيضا: مر الشيء يمر (بالتحريك) فهو مر. على ما في القرطبي 17/127 و 135، واللسان 7/15. وذهب مجاهد والكسائي وغيرهما إلى أن معنى "مستمر": ذاهب. كما في البحر 8/174، والطبري 27/52، والقرطبي واللسان. وانظر النهاية 4/89.
(4) القرطبي 17/130، والبحر 8/176. وهو الذي اختاره ابن قتيبة فيما تقدم ص 233، والطبري 27/53. وانظر اللسان 10/251.
(5) كما روي عن ابن عباس وسفيان الثوري. على ما في الطبري 27/54، والدر 6/134، والقرطبي والبحر.

(1/431)


12- {فَالْتَقَى الْمَاءُ} أي التقى ماء الأرض وماء السماء.
13- و (الدسر) : المسامير؛ واحدها: "دِسار". وهي أيضًا (1) الشُّرُط التي تُشَدُّ بها السفينة.
14- {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا وحفظٍ.
{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يعني: نوحًا -عليه السلام- ومن حمله معه من المؤمنين.
و (كُفِرَ) : جُحِد ما جاء به.
15و51- {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي معتبِر ومتعِظ (2) . وأصله "مُفْتَعِل" من الذِّكر: "مُذْتَكر". فأدغمت الذال في التاءِ ثم قلبتا دالا مشدَّدَة.
16، 18، 21، 30- {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} جمع نَذِير. و "نذير" بمعنى الإنذار أي فكيف كان عذابي وإنذاري. ومثله: "النَّكير" بمعنى الإنكار (3) .
17، 22، 32، 40- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أي سَهَّلناه للتلاوة. ولولا ذلك: ما أطاق العبادُ أن يَلْفِظوا به ولا أن يستَمِعوا [له] .
19- (الصرصر) : الريح الشديدة ذات الصوت.
{فِي يَوْمِ نَحْسٍ} أي في يوم شؤم.
{مُسْتَمِرٍّ} أي استمَرَّ عليهم بالنُّحوسة (4) .
__________
(1) كما قال الفراء والليث والجوهري. على ما في اللسان 5/370، والقرطبي 17/133، والبحر 8/172. وانظر صفحة 177 منه، والطبري 27/55، والدر 6/135.
(2) كما في تأويل المشكل 176. وهو مروي عن ابن زبد: في الطبري 27/57، والبحر 8/178. وروي نحوه عن محمد بن كعب في الدر 6/135.
(3) كما تقدم ص 358، وقال الفراء: النذر مصدر كالإنذار؛ كما في القرطبي 17/134.
(4) كما في القرطبي 17/135. وانظر الطبري 27/58، والبحر 8/179، وما تقدم ص 431.

(1/432)


20- {تَنْزِعُ النَّاسَ} أي تقلَعُهم من مواضعهم.
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} أي أصولُ نخل.
{مُنْقَعِرٍ} منقطِعٍ ساقط. يقال: قَعرتُه فانْقَعَر؛ أي قلعته فسقط.
24- {إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} أي جنون. وهو من - "تَسَعَّرَتِ النار": إذا التهبتْ. يقال: ناقة مَسْعُورة؛ أي كأنها مجنونة من النشاط (1) .
25-26- و (الأَشِرُ) : المَرِح المتكبر.
27- {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} أي مُخرِجوها.
{فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} .
28- {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم} وبين الناقة: لها يوم ولهم يوم.
{كُلُّ شِرْبٍ} أي كل حظ منه لأحد الفريقين.
{مُحْتَضَرٌ} يَحْتَضِرُه (2) صاحبه ومستحِقه.
29- {فَتَعَاطَى} أي تعاطى عقْرَ الناقة.
{فَعَقَرَ} أي قتل.
و"العقرُ" قد يكون: القتلَ (3) ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم -حين ذكر الشهداء-: "من عُقِر جوادُه وهُرِيق (4) دمُه".
__________
(1) حكاه القرطبي 17/138 وصاحب البحر 8/180 عن ابن عباس، وصاحب اللسان 6/31 عن الفارسي. وراجع الطبري 27/59، والدر 6/136.
(2) أو يحضره كما في اللسان 5/274، والمفردات 121، والقرطبي 17/141، والطبري 27/60. وانظر البحر 8/181، وما تقدم ص 320.
(3) والنحر. كما صرح به في اللسان 6/269-270، والنهاية 3/114، والمفردات 346.
(4) أي أريق. وفي اللسان 12/246 -ولم يذكر من الحديث إلا هذه الفقرة-: "أهريق" أي يهريق (بفتح الهاء) . وكلٌّ صوابٌ على ما في اللسان ص 244.

(1/433)


31- {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} و "الهشيمُ": يابسُ النبت الذي يتهشَّم أي يتكسَّر.
و"المحتظِرُ": صاحب الحَظِيرة. وكأنه يعني: صاحبَ الغنم الذي يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه.
ومن قرأه {الْمُحْتَظِرِ} بفتح الظاء (1) ؛ أراد الحِظَار وهو: الحظيرة.
ويقال (2) (المحتظِرُ) هاهنا: الذي يَحظُر على غنمه وبيته بالنبات، فَيَيْبَسُ ويسقط ويصير هشيمًا بوطء الدوابِّ والناسِ.
36- {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} أي شكُّوا في الإنذار.
43- {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} ؟! أي يا أهل مكةَ! أنتم خير من أولئك الذين أصابهم العذاب؟!
{أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ} من العذاب.
{فِي الزُّبُرِ} ؟! يعني: الكتب المتقدمة. واحدها: "زَبُور".
45- {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} يومَ بدرٍ. {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
53- {مُسْتَطَرٌ} أي مكتوب: "مُفْتَعَل" من "سطرت": إذا كتبت. وهو مثل "مَسْطور" (3) .
54- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} قال الفراء: "وُحِّد؛ لأنه رأسُ آية، فقَابَلَ بالتوحيد رءوسَ الآي" (4) .
__________
(1) كالحسن وقتادة وأبي العالية وغيرهم على ما في القرطبي 17/142، والطبري 27/61، والبحر 8/181 واللسان 5/279.
(2) كما روي عن ابن عباس ومجاهد والفراء. على ما في القرطبي والطبري واللسان. وراجع الدر 6/136.
(3) اللسان 6/26. وانظر القرطبي 17/149 وما تقدم ص 424.
(4) فمعناه: أنهار؛ كقوله عز وجل: (ويولون الدبر) أي الأدبار. كما حكاه في اللسان 7/96 عنه وعن الزجاج. وروى القرطبي 17/149 عن ابن جريج نحو صدر كلام الفراء.

(1/434)


قال: ويقال: " (1) النهْر: الضياء والسعة؛ من قولك: أنْهَرْتُ الطعنة؛ إذا وسعتها. قال قيس بن الخطِيم يصف طعنة:
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي, فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِها مَاوَرَاءَهَا (2)
أي وسَّعتُ فتقها.
__________
(1) القرطبي واللسان، والطبري 27/67، والبحر 8/184. وروي نحوه عن ابن عباس، في الدر 6/139.
(2) البيت له في اللسان والبحر، وتأويل المشكل 132 وسائر المصادر التي بهامشه. وورد منسوبا للبيد في الدر، وغير منسوب في القرطبي.

(1/435)


سورة الرحمن
مكية كلها (1)
4- {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} أي الكلام.
5- {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي بحسابٍ ومنازلَ لا يَعْدُونها.
6- {وَالنَّجْمُ} العُشْب والبقل.
{وَالشَّجَرُ} ما قام على ساق.
{يَسْجُدَانِ} قال الفراء (2) : "سجودُهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا أشرقتْ ثم يَمِيلان معها حتى ينكسر الْفَيْءُ".
وقد بينت السجود في كتاب "تأويل المشكل" (3) وأنه الاستسلامُ من جميع المَوَات (4) ، والانقيادُ لِما سُخر له.
7- {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} أي العدل في الأرض.
8- {أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي ألا تجورُوا.
9- {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل.
{وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} أي لا تَنقُصوا الوزن.
10- و (الأنام) : الخَلْق.
11- و {ذَاتُ الأَكْمَامِ} أي ذات الكُفُرَّى قبل أن ينفتق. وغِلاف كل شيء: كُمُّه.
__________
(1) في قول الجمهور، كما في البحر 8/187. وانظر تفسير القرطبي 17/151، والدر المنثور 6/139.
(2) القرطبي 17/154، واللسان 4/190. وانظر الطبري 27/69، والبحر 8/189.
(3) ص 321-323. وانظر ما تقدم ص 243.
(4) من الجبال وغيرها: كالطيور والدواب. كما في اللسان. وصحف في الأصل بلفظ: "الصواب".

(1/436)


[و] "الكُفُرَّى": هو الجُفُّ وهو الكُمُّ وهو الكافور وهو الذي ينشق عن الطَّلْع.
12- و {الْعَصْفِ} ورق الزرع؛ ثم يصير -إذا جَفَّ ودَرَس- تبنًا.
{وَالرَّيْحَانُ} الرزق؛ يقال: خرجت أطلب ريحان الله. قال النَّمِر بن تَوْلَبٍ:
سلامُ الإلهِ ورَيْحَانُهُ ... ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ (1)
13- و (الآلاء) : (2) النعم. واحدها "ألًى" إلى مثل قفًا و "إلًى" مثل مِعًى (3) .
14- {صَلْصَالٍ} طين يابس يُصَلْصِل أي يصوت من يُبسه كما يصوت الفَخَّار؛ وهو: ما طُبخ.
ويقال: "الصلصال": المُنْتِن؛ مأخوذ من "صلَّ الشيء": إذا أنْتَنَ مكانه فكأنه أراد: "صَلالا"؛ ثم قلب إحدى اللامين.
وقد قرئ (4) (أَئِذَا صَلَلْنَا فِي الأَرْضِ) : أي أنْتَنَّا.
15- و (المارج) : هاهنا: لهب النار؛ من قولك: مَرج الشيءُ؛ إذا اضطرب ولم يستقرَّ.
__________
(1) البيت له: في الطبري 27/72، والقرطبي 17/157، وكذلك في اللسان بعده آخر هو:
غمام ينزل رزق العباد ... فأحيا البلاد, وطاب الشجر
(2) تكررت هذه الآية في هذه السورة، وذكرت بعد ذلك ثلاثين مرة.
(3) و "إلى": بسكون اللام مع كسر الهمزة أو فتحها. فهي لغات أربع، حكاها أبو جعفر النحاس كما في القرطبي 17/159. ووردت -ما عدا الأخيرة- في اللسان 18/46. وذكرها صاحب البحر 8/190.
(4) في آية السجدة 10، كما في اللسان 13/407. وراجع صفحة 405-406 منه، وتفسير القرطبي 17/160، والطبري 27/72-73، وما تقدم ص 237 و 246.

(1/437)


قال أبو عبيدةَ (1) : {مِنْ مَارِجٍ} من خِلْط من النار.
19- {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} خلاهما. تقول: مَرَجتُ دابتي؛ إذا خلَّيتَها ومَرَج السلطانُ الناسَ: [إذا أهملهم] . وأمْرَجْتُ الدابة: رعيتها (2) .
20- {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز: لئلا يحملَ أحدهما على الآخر؛ فيختلطان.
22- و {اللُّؤْلُؤُ} كبار الحبّ.
{وَالْمَرْجَانُ} صغاره.
24- {الْجَوَارِ} السفن. و {الْمُنْشَآتُ} اللواتي أُنشِئن أي ابتُدئ بهن
{فِي الْبَحْرِ} ومن قرأ: {الْمُنْشَآتُ} (3) جعلهن: اللَّواتي ابتدأْن. يقال أنشأت السحابةُ تُمطر؛ أي ابتدأتْ. وأنشأ الشاعر يقول.
و (الأَعْلامُ) : الجبال. واحدها: "عَلَم" (4) .
33- {أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ} وأقتارها: جوانبُها.
{لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} أي إلا بمُلكٍ وقَهرٍ.
35- و (الشواظ) : النار التي لا دخَانَ فيها. و (النُّحَاسُ) : الدخان. قال الجَعْديُّ:
تُضِيءُ كضَوْءِ سِراجِ السَّلِيطِ ... لم يجعَلِ اللهُ فِيه نُحاسا (5)
__________
(1) اللسان 3/189، والقرطبي 17/161. وهو مروي فيه عن الحسن أيضا. وراجع القرطبي 17/74، والدر 6/141-142.
(2) القرطبي 17/162، واللسان 3/188-189، وما تقدم ص 417.
(3) كالأعمش وحمزة وعامة قراء الكوفة على ما في البحر 8/192، والقرطبي 17/164، والطبري 27/78.
(4) كما تقدم ص 393 وانظر القرطبي 17/164، والطبري 27/78.
(5) البيت له: في الكشاف 2/426، والبحر 8/185. وفي القرطبي 17/172، واللسان 8/112 و 9/193. وغير منسوب في الدر 6/144. وفيها: "يضيء". ونسب في الطبري 27/82 إلى النابغة الذبياني. وفيه: "يضوء". و "السليط" عند عامة العرب: الزيت. وعند أهل اليمن والشام: دهن السمسم.

(1/438)


37- {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} أي حمراءَ في لون الفرس الوَرْدة (1) .
و"الدِّهان": جمع "دُهن".
ويقال (2) : "الدِّهانُ": الأَدِيم الأحمر.
41- {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} أي بعلامات فيهم، يقال (3) : سوادُ الوجوه وزُرقةُ العيون ونحو ذلك.
44- وقوله: {حَمِيمٍ آنٍ} و "الحميم": الماء المغلي. و "الآني": الذي قد انتهت شدة حره (4) .
46- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} بستانان في الجنة.
قال الفراء (5) : وقد تكون في العربية جنةً واحدة. (قال) : أنشدني بعضهم:
وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ ... قَطَعتُه بالسَّمْتِ (6) لا بالسَّمْتَيْنِ
__________
(1) أو الورد، بالنظر إلى الأنثى والذكر. كما في اللسان 4/470، والبحر 8/185.
(2) اللسان 17/19. وانظر القرطبي 17/173، والبحر 8/195، والطبري 27/82-83.
(3) الطبري 27/83، والقرطبي 17/175، والدر 6/145.
(4) كما روي عن ابن عباس: في الطبري 27/84، والدر 6/115.
(5) كما في تفسير القرطبي 17/117، والشوكاني 5/137 باختصار. وحكاه الفخر الرازي في تفسيره 8/29 عن بعضهم، باختلاف.
(6) اللسان 2/351، والتاج 1/555. والبيت فيهما غير منسوب. وبالأصل: "بالأم". ونرجح أنه مصحف عما ذكرنا وقد يكون مصحفا عما في تفسير الفخر؛ ورواية البيت فيه هكذا:
ومهمهين سرت مرتين ... قطعته بالسهم لا السهمين
وقد ورد الشطر الأول في اللسان 395 منسوبا إلى خطام المجاشعي، وفي شواهد الكشاف 148 غير منسوب - مع آخرين هما:
ظهراهما مثل ظهور الترسين ... جبتهما بالنعت لا بالنعتين
وورد كذلك منسوبا إليه -في الخزانة 1/367- مع شطر رابع هو:
*على مطار القلب سامى العينين*
وحكاه في الخزانة أيضا 1/369 عن التذكرة للفارسي، بلفظ آخر مع آخرين كالآتي:
ومهمه أعور إحدى العينين ... بصير الأخرى وأصم الأذنين
*قطعت بالسمت لا بالسمتين*
وورد في أمالي ابن الشجري 1/10 مع الثاني في رواية اللسان، منسوبا إلى هميان بن قحافة.

(1/439)


يريد: مهمهًا واحدًا وسمتًا واحدًا.
(قال) وأنشدني آخرُ:
يَسْعَى بِكَبْدَاءَ وفَرَسَيْنِ ... قد جَعَلَ الأرْطَاةَ جَنَّتَيْنِ
(قال) : وذلك للقوافي؛ والقوافي تحتمل -من الزيادة والنقصان- ما لا يحتمله الكلام".
وهذا من أعجب ما حُمل عليه كتاب الله (1) . ونحن نعوذ بالله من أن نَتَعسَّفَ هذا التعسُّفَ ونُجِيزَ على الله -جل ثناؤه- الزيادة والنقص في الكلام لرأس آية.
وإنما يجوز في رءوس الآي: أن يزيد هاءً للسكت؛ كقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} (2) ؛ وألفًا كقوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (3) أو يحذف همزةً من الحرف كقوله: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} (4) أو ياءً كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (5) لتستويَ رءوس الآي على مذاهب العرب في الكلام: إذا تمَّ فآذَنَتْ بانقطاعه وابتداء غيره. لأن هذا لا يُزيل معنًى عن جهته ولا يَزيد ولا يَنقُص. فأمَّا أن يكون الله عز وجل وَعَد جنتَيْن فيجعلَها جنة واحدة من أجل رءوس الآي -: فمعاذ الله!.
وكيف يكون هذا: وهو -تبارك اسمه- يصفُهما بصفات الاثنين، فقال: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} (6) ؛ ثم قال: {فِيهِمَا} ، {فِيهِمَا} (7) ؟!.
__________
(1) أو من أعظم الغلط عليه كما قال أبو جعفر النحاس. ووصفه الفخر بالبطلان.
(2) سورة القارعة 10.
(3) سورة الأحزاب 10.
(4) سورة مريم 74.
(5) سورة الفجر 4.
(6) في الآية 48.
(7) في الآيتين 50/52.

(1/440)


ولو أن قائلا قال في خَزَنة النار: إنهم عشرونَ، وإنما جعلهم تسعةَ عشرَ لرأس الآية - كما قال الشاعر:
نحنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأَرْبَعة (1)
وإنما هم خمسة فجعلهم للقافية أربعة -: ما كان في هذا القول إلا كالفراء.
54- {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} قال الفراء (2) : "قد تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظهارةُ بطانةً. وذلك: أن كل واحد منهما [قد] يكون وجهًا؛ تقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء -لـ[ظاهرها] الذي تراه. (قال) : وقال ابن الزُّبير- وذكر قَتَلةَ عثمانَ رضي الله عنه-: "فقتلهم الله كل قِتْلَةٍ، ونجا من نجا منهم تحت بطون السماء والكواكب"؛ يعني: هربوا ليلا".
وهذا أيضا من عَجَب التفسير. كيف (3) تكون البِطانةُ ظِهارةً، والظِّهارةُ بِطانةً - والبِطانةُ: ما بَطَن من الثوب وكان من شأن الناس إخفاؤه؛ والظِّهارةُ: ما ظَهَر منه وكان من شأن الناس إبداؤه؟!.
وهل يجوز لأحد أن يقول لوجهِ مصلًّى: هذا بِطانته؛ ولما وَلِيَ الأرضَ منه: هذا ظِهارتُه؟!.
وإنَّما أراد الله جل وعز أن يعرفنا -من حيثُ نفهم- فضلَ هذه الفُرش
__________
(1) ورد في تأويل المشكل 154 منسوبا للبيد. وعجزه - كما في ديوانه ص 7:
*ونحن خير عامر بن صعصعة*
وانظر هامش المشكل.
(2) اللسان 6/194 و 16/201، والبحر 8/197، وتفسير الشوكاني 5/137 - ببعض اختصار. وكذلك ذكر في الطبري 27/87 عن بعض أهل العلم بالعربية. وروى القرطبي 17/179-180 هذا الرأي عن الحسن وقتادة والفراء؛ ثم ذكر بعض كلام الفراء غير مضاف إليه. وراجع الدر 6/147.
(3) هذا الرد قد ورد مختصرا في اللسان 6/194 و 16/201-202 غير منسوب إلى ابن قتيبة؛ وفي الشوكاني منسوبا له، وفي القرطبي منسوبا له مع غيره.

(1/441)


وأن ما وليَ الأرضَ منها إستَبْرَقٌ، وهو: الغليظ من الدِّيباج. وإذا كانت البِطانة كذلك: فالظِّهارةُ أعلى وأشرفُ.
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لَمَنَادِيلُ سعدِ بن مُعاذٍ -في الجنة- أحسنُ من هذه الحُلَّة " (1) . فذكر المناديلَ دون غيرها: لأنها أخشنُ من الثياب. وكذلك البطائنُ: أخشنُ من الظواهر.
وأما قولهم: ظهر السماء وبطن السماء؛ -لما ولِينَا-:فإن هذا قد يجوز في ذي الوَجْهين المتساويَيْن إذا ولِيَ كلُّ واحد منهما قومًا. تقول في حائط بينك وبين قوم -لِمَا ولِيَكَ منه-: هذا ظهرُ الحائط؛ ويقول الآخَرون لما ولِيَهم: هذا ظهر الحائط. فكلُّ واحد -من الوجهين-: ظهرٌ وبطنٌ. ومثلُ هذا كثيرٌ.
كذلك السماء: ما وَلِينا منها ظهرٌ؛ وهو لمن فوقها -من الملائكة- بطنٌ.
56، 74- {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ} قال أبو عبيدة: لم يَمْسَسْهن (2) . ويقال: ناقة صعبة لم يَطمِثْها فحلٌ قط؛ أي لم يمسسها.
وقال الفراء (3) : {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يفتَضَّهن. و "الطَّمْث": النكاح بالتَّدْمِيَة. ومنه قيل للحائض: طامثٌ.
64- {مُدْهَامَّتَانِ} سَوْداوَان من شدة الخُضرة والرِّيّ (4) . قال ذو الرُّمة -وذكر غيثًا-:
__________
(1) أخرجه الترمذي والنسائي من طريق البراء؛ وأخرجه أحمد والشيخان من طريقه وطريق أنس رضي الله عنهما. على ما في الفتح الكبير 3/295.
(2) الطبري 27/87، والقرطبي 17/181 و 189، والبحر 8/198، والدر 6/147، واللسان 2/471.
(3) اللسان والقرطبي وحكاه الطبري عن أهل العلم بالعربية من الكوفيين، مريدا إياه. وروي نحوه عن ابن عباس، في البحر.
(4) كما قال مجاهد. واختاره الطبري. وذكر نحوه في اللسان 15/99، قائلا بعده: "يقول خضراوان إلى السواد من الري. وقال الزجاج: يعني أنهما خضراوان تضرب خضرتهما إلى السواد". وحكي عن ابن عباس وغيره نحو قول الزجاج. والتفسيران متقاربان. فراجع أيضا: القرطبي 17/184، والطبري 27/89-90، والبحر 8/198، والدر 6/149.

(1/442)


كَسا الأَكْمَ بُهْمَى غَضَّةً حَبَشِيَةً ... تُؤَامًا ونُقْعانُ الظُّهورِ الأَقارِعِ (1)
جعلها حبشية من شدة الخضرة.
66- {نَضَّاخَتَانِ} تفوران بالماء. و "النَّضْخ" أكثر من "النَّضْح". ولا يقال منه: فَعَلْت (2) .
70- {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} نساء خيِّرات؛ فخفف. كما يقال: هيْنٌ وليْنٌ.
72- {حُورٌ} شديدات البياض وشديدات سواد المُقل. واحدها: "حَوْراءُ" ومنه قيل: حَوَارِيُّ.
{مَقْصُورَاتٌ} أي محبوسات مخَدَّرات. والعرب تسمي الحَجَلة: "المقصورة". قال كُثيِّر:
لَعَمْرِي! لقد حبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ... إلَيَّ وما تَدْرِي بذاكَ القصَائِرُ (3)
عَنَيْتُ قَصيراتِ الحِجَالِ ولم أُرِدْ ... قِصارَ الخُطَى; شرُّ النساءِ البَحَاتِرُ
و"البَحَاتِرُ": القِصَارُ.
76- {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} يقال: رياضُ الجنة (4) .
__________
(1) البيت في ديوانه 361، واللسان 10/141، والتاج: (قرع) . وفيهما: "قواما". ولعل المراد منه: طوالا مستقيمة. ومن "تؤاما": مجتمعة غير متفرقة. و "البهمى": نبت تَجِدُ بِه الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر. و "النقعان" جمع "نقع" بالفتح: مجتمع الماء. و "الظهور القوارع": الأراضي المرتفعة الشديدة الصلبة. انظر: اللسان 6/196 و 10/141 و 237 و 14/326 و 338 و 15/400 و 407.
(2) إنما يقال: أصابه نضخ من كذا. كما قال الأصمعي. وخالفه أبو زيد وغيره. راجع: اللسان 3/158 و 4/129.
(3) البيتان له في ديوانه، واللسان 6/410، والقرطبي 17/189، والبحر 8/186 والرواية: "وأنت التي حببت".
(4) روي عن ابن عباس وابن جبير، على ما في الدر 6/152، والطبري 27/94 والقرطبي 17/190.

(1/443)


وقال أبو عبيدة (1) : "هي الفُرش والبُسط" أيضًا؛ وجمعه: "رَفارِف".
ويقال: هي المحابس (2) .
و (الْعَبْقَرِيُّ) : الطَّنَافِس الثِّخان (3) .
قال أبو عبيدة: "يقال لكل شيء من البُسُط: عبقريٌّ. ويُذكر أن "عَبْقَرَ": أرض كان يُعمل فيها الوشيُ؛ فنُسب إليها كلُّ شيء جيد" (4) .
__________
(1) كما حكاه الفراء عن بعضهم، على ما في اللسان 11/26. والذي في القرطبي عنه: أنها حاشية الثوب.
(2) كما روي عن قتادة والضحاك وابن زيد، وابن عباس أيضا. على ما في الطبري 27/95. أو المجالس كما روي عن الفراء وابن قتيبة في البحر 8/199.
(3) كما قال الفراء. على ما في القرطبي 17/192 والبحر، واللسان 6/209. وقال ابن زيد: الطنافس عامة. كما في البحر والطبري 27/95.
(4) كما روي عنه في اللسان والقرطبي. ونسب صدره القرطبي إلى ابن قتيبة. وانظر: البحر 8/186.

(1/444)