فنون الأفنان في عيون علوم القرآن باب في أدب الوقف
والابتداء
أخبرنا علي بن عبيد، الله الزاغوني، قال: أخبرنا أبو جعفر بن
(1/353)
المسلمة، قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد،
قال: أخبرنا
أبو بكر بن الأنباري، قال: لا يتم الوقف على المضاف دون
ما أُضيف إليه، ولا على المنعوت، دون النعت.
ولا على الرافع دون المرفوع، ولا على المرفوع دون الرافع.
ولا على الناصب دون المنصوب، ولا على المنصوب دون
الناصب.
(1/355)
ولا على المؤكد دون التوكيد، ولا على
المنسوق دون ما نسقه
عليه.
ولا على "إن وأخواتها" دون اسمها، ولا على اسمها دون
خبرها.
ولا على "كان وليس وأصبح ولم يزل " وأَخواتهن دون اسمها.
ولا على اسمها دون خبرها.
ولا على "ظننت وأخواتها" دون الاسم، ولا على الاسم دون
الخبر.
ولا على المقطوع منه دون القطع، ولا على المستثنى منه دون
الاستثناء.
ولا على المفَسَّر عنه دون التفسير، ولا على المترجم عنه دون
المترجم.
ولا على "الذي وما ومَنْ " دون صلاتهن، ولا على صلاتهن دون
معرِبهن.
ولا على الفعل دون مصدره، ولا على مصدره دون آلته.
(1/356)
ولا على حروف الاستفهام دون ما استفهم بها
عنه.
ولا على حروف الجزاء دون الفعل الذي يليها، ولا على الفعل
الذي يليها دون جواب الجزاء، وإن كان جواب الجزاء مقدَّماً لم يتم
الوقف عليه دون الجزاء، ولا على الأمر دون جوابه.
والفاء تنصب في جواب ستة أشياء: في جواب الأمر والنهي
والاستفهام والجحود والتمني والشكوك، لا يتم الوقف على هذه الستة
دون الفاء.
ولا يتم الوقف على الْأَيمان دون جواباتها، ولا على "حيث "
دون ما بعدها.
ولا على بعض أسماء الِإشارة دون بعض.
ولا يتم الوقف على المصروف عنه دون الصرف، ولا على
الجَحْد دون المجحود.
ولا على "لا" في النهي دون المجزوم، ولا على "لا" إذا كانت
بمعنى "غير" دون الذي بعدها.
(1/357)
ولا على "لا" إذا كانت تبرئة دون الذي
بعدها، ولا على "لا" إذا
كانت توكيداً للكلام غير جحد.
ولا على "لا" إذا كان الحرف الذي قبلها عاملاً في الذي بعدها.
فإن كان غير عامل صلح للمضطر أنْ يقفَ.
ولا يتم الكلام على الحكاية دون المحكي.
ولا على "قد، وسوف، ولما، وإلا، وثم " لأنه من حروف
معان تقع الفائدة فيما بعدهن.
ولا يتم الوقف على "أوْ، ولا، وبل، ولكنْ " لأنهن حروف نسق
يعطفن ما بعدهن على ما قبلهن.
فأما المضاف دون ما أضيف إليه، فكقوله تعالى: (صبغة اللَّه)
الوقف على "صبغة" قبيح، لأنها مضافة إلى اللَّه، وكذلك:
(وتمت كلمت ربك) الوقف على (كلمت) قبيح.
(1/358)
وأما المنعوت دون النعت، فكقوله:، (الحمد
للَّه رب
العالمين) الوقف على (اللَّه) غير تام، لأن (رب العالمين) نعته
وأما الرافع دون المرفوع، فكقوله: (قال الله) الوقف على
(قال) قبيح، لأن الذي بعده مرفوع به،. وأما المرفوع دون الرافع
فكقوله: (الحمد للَّه) الوقف على (الحمد) قبيح، لأنه مرفوع باللام
الأولى من اسم (اللَّه) .
وأما الناصب دون المنصوب، فكقوله: (ونادى نوح ابنه)
الوقف على (نوح) غير تام، لأن الابن منصوب ب (نادى) .
وأما
(1/359)
المنصوب دون الناصب فكقوله: (إياك نعبد)
الوقف على (إياك)
قبيح، لأنه منصوب ب (نعبد) .
وأما المؤكد دون التوكيد فكقوله: (فسجد الملائكة كلهم
أجمعون) الوقف على (الملائكة) غير تام، لأن قوله: (كلهم
أجمعون) توكيد لـ (الملائكة) .
وأما المنسوق دون ما نسقه عليه فكقوله: (ألم ترأن الله
يسجد له مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض) الوقف على
(السماوات) غير تام، لأن (مَن) الثانية نسق على الأولى.
وأما "إنَ " دون اسمها فكقوله: (إن إبراهيم لحليم) الوقف
على (إنَّ) قبيح، لأن (إبراهيم) اسمها، والوقف على (إبراهيم)
قبيح لأن (حليماً) خبرها، والوقف على (حليم) غير تام، لأن
"أواهاً" نعت له.
(1/360)
وأما "كان " دون اسمها فكقوله: (وكان الله
غفوراً رحيماً)
الوقف على (كان) قبيح، لأن (الله) مرتفع بها، والوقف على
(الله) قبيح، لأن (غفوراً رحيماً) خبر كان. والوقف على
(غفور) غير تام، لأن (رحيماً) نعت لـ (غفور) .
وأما "ظننت " وأخواتها دون اسمها، فكقوله تعالى. (ولا تحسبنَ
الله غافلاً) الوقوف على (تحسبنَ) قبيح، لأن (الله) عز وجل
هو الاسم. والوقوف على (الله) غير تام، لأن (غافلَاَ)
هوالخبر.
وأما المقطوع منه دون القطع فكقوله تعالى: (وله الدين
واصباً) الوقف على (الدين) غير تام، لأن (واصباً) قطع منه.
وأما المستثنى منه دون الاستثناء، فقوله: (إن الِإنسان لفي خسر
(1/361)
إلا الذين آمنوا) الوقف على (خسر) غير تام،
لأن (الذين آمنوا) منصوبون على الاستثناء من (الِإنسان) .
وأما المفسر عنه دون التفسير، فقوله. (فلَنْ يُقبلَ من أحدهم ملءُ
الأرضِ ذهباً) الوقف على (الأرض) قبيح، لأنَّ (الذهب)
مُفسِّره.
والمترجم عنه دون المترجم، قوله: (أتدعون بعلاً وتذرون
أحسن الخالقين اللَّه ربكم) الوقف على (الخالقين) غير تام، لأن
(الله) مترجم عن (أحسن) .
وأما "الذي، وما، ومَنْ " دون صلاتِهن قوله: (قال الذين
يظنون) الوقف على (الذين) قبيح، لأن (يظنون) صلته. وكذلك:
(1/362)
(سبح للهِ مافي السماوات) الوقف على (ما)
قبيح، لأن (في
السموات) صلة (ما) وكذلك: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله)
الوقف على (مَنْ) قبيح، لأن (وجد في رحله) صلة (مَنْ) .
وأما الاستفهام دون ما استفهم عنه، فكقوله تعالى: (كيف نُكلم
من كان في المهد صبياً) ، الوقف على، (كيف) قبيح.
وأما حروف الجزاء دون الفعل الذي يليها، فكقوله: (وإنْ يأت
الأحزاب يودوا) ، الوقف على (وإنْ) قبيح، أوالوقف على
(يأتِ) قبيح، لأن (يودوا) جواب الجز اء.
وأما جواب الجزاء المتقدم، فقوله: (واشكروا نعمةَ اللَّهِ إنْ
كنتم إياه تعبدون) لا يتم الكلام على قوله: (واشكروا نعمة اللَّه)
لأن قوله (إنْ كنتم) متعلق بالذي قبله.
(1/363)
وأما جواب الفاء، فقوله (لعلي أبلغ الأسباب
أسباب
السماوات) لا يتم الكلام بالوقف على (السموات) لأن قوله:
(فأطلع) جواب الشك.
وأما الأيمان دون جواباتها، فقوله: (والليل إذا يغشى)
، لا يتم الكلام دون قوله: (إن سعيكم لشتى) لأنه هو الجواب.
وأما (حيث) دون ما بعدها، فقوله: (ومن حيث خرجت)
لا يتم الكلام على (حيث) لأنها متعلقة بالفعل الذي بعدها.
وأما بعض أسماء الِإشارة دون بعض، فقوله: (وهذا كتاب
مصدِّق) لا يتم الكلام على (ها) ولا الابتداء ب (ذا) لأنهما
بمنزلة حرف واحد.
وأما المصروف عنه دون الصرف، فقوله: (ولمّا يعلمِ اللهُ الذين
جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين) لا يتم الكلام على (منكم) لأن
(ويعلمَ) الثاني منصوب على الصرف عن الأول.
(1/364)
وأما الجَحْدُ دون المجحود فقوله: (ما قلتُ
لهم إلا ما أمرتني
به) ، الوقف على (ما) قبيح، لأنها جحد وما بعدها مجحود.
وأما "لا" في النهي دون المجزوم، فقوله: (وإذا قيل لهم
لا تفسدوا في الأرض) ، الوقف على (لا) قبيح، لأنها مع المجزوم
بمنزلة حرف واحد. وكذلك: (لا تغلوا في دينكم) ،، الوقف على
(لا) قبيح لأنها مإلمجزوم بمنزلة حرف واحد.
وأما "لا" إذا كانت بمعنى "غير"، كقوله: (لا شرقية ولا غربية) .
فإنه لا يتم الكلام على (لا) لأن معناه: غير شرقية وغير غربية.
وأما "لا" إذا تبرئة، فقوله: (الم.، ذلك الكتاب لا ريب
فيه) ، الوقف على (لا) قبيح، لأنها مع المنصوب بمنزلة شيء
واحد. ولا يتم الكلام على (ريب) ، لأن (فيه) ، خبر التبرئة.
وأما "لا" إذا كانت توكيداً، فقوله:، (ما منعك أن لا تسجد)
(1/365)
لا يتم الوقف على (لا) لأن معناه: ما منعك
أن تسجد.
وأما "لا" إذا كان الحرف الذي قبلها عاملاً في الذي بعدها.
فقوله: (إِلَّا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً) لا يحسن الوقف على
(لا) لأنَّ "إنْ " عاملة فيما بعدها، ولا مع الفعل بمنزلة، شيء
واحد.
وأما الحكاية دون المحكىِ، فكقوله: (قال اللَّهُ هذا يومُ ينفعُ
الصادقين صدقهم) ، لا يتم الوقف على (قال اللَّه) .
وأما "قد، وسوف " ونحوهما، فكقوله: (وسوف تعلمون) .
وهذه الأشياء وأمثالها تبين للفطن من غير تعليم.
(1/366)
أقسام الوقف
واعلم أن الوقف على ثلاثة أقسام: تام، وقبيح ليس بحسن ولا تام.
وحسن ليس بتام.
فالتام: الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، ولا يكون
ما بعده متعلقاً به، كقوله: (أولئك هم المفلحون) .
والحسن: هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء
بما بعده، كقوله. (الحمد للَّه) ، ويقبح الابتداء بقوله: (رب
العالمين) .
والقبيح. كقوله: (بسم) لأنه لا يُعْلَمُ إلى أي شيء أضفته.
واللَّه تعالى أعلم.
(1/367)
فصل مواقف حسنة في
القرآن
ذكر بعض العلماء مواضع في القرآن يحسن الوقوف عليها.
ولا يحسن أن يوصل الكلام فيها فيما بعده،.
في البقرة: (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يقف، ثم
يبتدىء (الذين يأكلون الربا) .
وفي آل عمران: (وما يعلم تأويله إلا اللَّه) ، يقف ثم يبتدىء:
(والراسخون في العلم) .
وفي براءة: (واللَّه لايهدي القوم الظالمين) ، يقف ثم يبتدىء: (الذين آمنوا
وهاجروا) .
وفي النحل: (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) ، يقف ثم يبتدىء: (يعظكم) .
(1/368)
وفي يس: (ياويلنا مَنْ بعثنا مِنْ مرقدنا)
، يقف ثم يبتدىء:
(هذا ما وعد الرحمن) .
وفي حم المؤمن: (على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) .
يقف ثم يبتدىء: (الذين يحملون العرش) .
وفي الحشر: (إن اللَّه شديد العقاب) ، يقف ثم يبتدىء:
(للفقراء المهاجرين) .
فصل " الوقف على يا أيها "
قال أبو بكر بن الأنباري: كل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر
(يا أيها) ، فالوقف عليه بالألف، إلا ثلاثة أحرف:
في سورة النور: (وتوبوا إلى اللَّه جميعاً أيُّهَ المؤمنون) .
وفي الزخرف: (وقالوا يا أيُّهَ الساحر) .
وفي الرحمن: (أيُّهَ الثقلان) .
(1/369)
فالوقف على هؤلاء الثلاثة بغير ألف إتباعاً
للمصحف.
وهومذهب نافع. وكان ابن عامر يضم الهاء في المواضع الثلاثة.
وكان أبوعمرو والكسائي يقفان عليهن بالألف.
فمن حذف اكتفى بالفتحة، ومن وقف بالألف قال: الأصل إثبات الألف.
فصل " الوقف على: هاء التأنيث، والرحمة "
قال أبو بكر: وكل هاء دخلتْ للتأنيث، فالوقف عليها بالهاء
والتاء جائز.
وكل ما في كتاب اللَّه عز وجل من ذكر الرحمة فالوقف
عليه بالهاء إلا سبعة أحرف:
في البقرة: (يرجون رحمت اللَّه) .
وفي الأعراف: (إن رحمت الله) .
وفي هود: (رحمتُ اللَّه وبركاته عليكم) .
وفي مريم: (رحمت ربك) .
(1/370)
وفي الروم: (فانظر إلى آثار رحمت اللَّه) .
وفي الزخرف: (أهمْ يقسِمُون رحمتَ ربك) .
وفيها: (ورحمت ربك خير مما يجمعون) .
فصل " الوقف على المرأة "
قال أبو بكر: وكل ما في القرآن من ذكر المرأة، فالوقف عليها
بالهاء، إلا سبعة أحرف:
في آل عمران: (إذْ قالت امرأتُ عمران) .
وفي يوسف: (قالت امرأت العزيز) ، وفيها: (امرأتُ العزيز
تراود) .
وفي القصص: (وقالت امرأت فرعون قُرتُ عينٍ لي) .
وفي التحريم: (امرأتَ نوحٍ، وامرأتَ لوطٍ، وامرأتَ فرعونَ) .
(1/371)
باب في الياءات
المحذوفات
كل اسم منادى أضافَهُ المتكلم إلى نفسه فالياء منه ساقطة.
كقوله: (يا قوم اذكروا- رب ارجعون- يا عباد فاتقون) إلا حرفين
، أثبتوا فيهما الياء:
أحدهما في العنكبوت: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي
واسعة) .
وفي الزمر: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) .
واختلفت المصاحف في حرف في الزخرف: (ويا عبادي لا خوف
عليكم اليوم) ، فهو في مصاحف أهل المدينة ب "ياء" وفي مصاحفنا
بغير "ياء".
والمواضع التي حذفت منها الياء اكتفوا فيها بالكسرة.
(1/372)
وكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر العباد
على غير معنى نداء
فالياء ثابتة، فيه، كقوله تعالى: (يرثها عبادي الصالحون) ، (قل
لعبادي) ، فالوقف على ذلك بالياء، إلا حرفاً فىِ الزمر: (فبشر
عباد) الوقف عليه بغير ياء، لأن الياء ساقطة من الكتاب.
وقد رُوي عن أبي عمرو (فبشر عباديَ الذين) فمن أخذ بهذه
القراءة وقف بالياء.
والمواضع التىِ حذفت منها "الياء" اكتفي فيها بالكسرة، والتي
ثبتت فيها خرجت على الأصل.
فصل " التفسير. النسخ. المحكم والمتشابه "
وأما الكلام في الفرق بين التفسير والتأويل فقد ذكرناه في
(1/373)
التفسير.
وذكرنا هنالك الكلام في الناسخ والمنسوخ،
(1/374)
تم أفردنا له كتاباً يختص به، فكرهنا
الإِعادة في التصانيف.
وذكرنا في التفسير الفرق بين المحكم والمتشابه.
ونحن نذكر الآن من محاسن المتشابه في اللفظ.
(1/375)
|