كشف المعانى فى المتشابه من المثانى

سورة مريم
260 - مسألة:
قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ)
ما وجه قوله ذلك مع أنه قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
فسؤاله مؤذن بإمكانه عنده، وقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي) مؤذن بإحالته عادة؟
جوابه:
أنه كان بين سؤاله وبشارته بالولد أربعين سنة. (1)
261 - مسألة:
قوله تعالى في يحيى عليه السلام (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ) وفى عيسى عليه السلام (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ) .
جوابه:
أن الأول: إخبار من الله تعالى ببركته وسلامه عليه.
________
(1) كلام فى غاية البعد.

(1/246)


والثاني: إخبار عيسى عليه السلام عن نفسه، فناسب
عدم التزكية لنفسه بنفي المعصية أدبا مع الله تعالى، وقال:
(شقيا) أي بعقوق أمي أو بعيدا من الخير.
وقوله: (وَالسَّلَامُ) معرفا، أي السلام المتقدم على يحيى
علىَّ أيضا.
262 - مسألة:
قوله تعالى: (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)) وقد تقدم قول الملك: (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) و (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) فكيف ذلك بعد علمها
جوابه:
لم تقله كراهة له، بل لما يحصل لها من الخجل عند قومها
بخروج ذلك عن العادة والوقوع فيها.
263 - مسألة:
قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)

(1/247)


وقال في الزخرف: أبث (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) ؟ .
جوابه:
أن آية مريم تقدمها وصف الكفار باتخاذ الولد وهو كفر
صريح، فناسب وصفهم بالكفر.
ولم يرد مثل ذلك في الزخرف، بل قال تعالى: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) فوصفهم بالظلم لاختلافهم.
246- مسألة:
قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) . في إبراهيم وإدريس وفى موسي: (رَسُولًا نَبِيًّا) ، وفى إسماعيل: (صَادِقَ الْوَعْدِ) . ما وجه تخصيص كل منهم بما وصف به وكل منهم كذلك؟ .
جوابه:
أما إبراهيم عليه السلام فلعل المبالغة في صدقه لنفى ما توهم منه في الثلاثة التي ورى بها وهي: " إنى سقيم " ولسارة: " هي أختي "، و " فعله كبيرهم ".

(1/248)


وأما موسى عليه السلام، فلأنه أخلص نفسه لله في منابذة
فرعون مع ملكه وجبروته وفى غير ذلك.
وأما إسماعيل عليه السلام: فلصدق قوله: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ووفى بوعده فصدق في قوله:
وقيل: إنه وعد إنسانا إلى مكان فوفى له وانتظره مدة.
265 - مسألة:
قوله تعالى: (أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) ومناسبة مس العذاب: الجبار المنتقم؟ .
وما فائدة تكرار ذكر " الرحمن " في هذه السورة أكثر من غيرها؟ .
جوابه:
أما قوله تعالى: (عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) ففيه تعظيم أمر الكفر الذي كان عليه أبوه، لأن من عظمت رحمته وعمت لا يعذب إلا على أمر عظيم بالغ في القبح فنبه على عظم ما عليه أبوه من الكفر ورجاء قبول توبته من الرحمن.
وأما تكرار لفظ (الرَّحْمَنِ) في هذه السورة: فقد يجاب بأنه لما افتتح أول السورة بقوله تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
نبه بتكرار لفظ (الرَّحْمَنِ) الذي هر بصيغة المبالغة على عظم رحمته وعمومها، وأن ذاك ليس خاصا بأنبيائه وأوليائه، وخواصه.

(1/249)


266 - مسألة:
قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) وقد قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)) ؟ .
جوابه:
أدن ورود المؤمنين: الجواز على الصراط، والكفار والعصاة يدخلونها أو أن الخطاب لمن تقدم ذكرهم في قوله (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
إلى قوله تعالى: (صِلِيًّا (70) .
سورة طه
267 - مسألة:
قوله تعالى: (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)) وفى غيره من المواضع: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) ؟.
فبدأ بِالسَّمَاوَاتِ

(1/250)


جوابه:
أما أولا: فلموافقة رؤوس الآى، ولأنه الواقع لأن خلق
الأرض قبل السماء، وأيضا: لما ذكر أن إنزال القرآن تذكرة لمن يخشى وهم سكان الأرض ناسب ذلك البداءة بالأرض التي أنزل القرآن تذكرة لأهلها.
وأما البداءة بالسموات: فلشرفها وعظمها.
268 - مسألة:
قوله تعالى: " أَكَادُ أُخْفِيهَا "، وقال تعالى: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) فظاهر قوله تعالى: (آتِيَةٌ أَكَادُ)
أنه أظهرها، وقوله تعالى: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) إخفاء
لها؟ .
جوابه:.
أن معناه: أكاد لشدة الاعتناء بإخفاء وقتها أن أخفى علمها
ووقوعها عن الخلق، وهذا قد أظهره للخلق بقوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) دليل على أن المراد: أكاد أخفى إتيانها.
وقوله: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) أي حقيقة وقتها بعينه لأن
ذلك مما اختص الله تعالى به.
269 - مسألة:
قوله تعالى: (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا) .

(1/251)


والسحر حرام فكيف أمرهم. به مع عصمته؟ .
جوابه:
أنه لما كان إلقاؤهم سببا لظهور معجزته، وصدق دعوى نبوته صار حسنا بهذا الاعتبار، وخرج عن كونه قبيحا.
270 - مسألة:
قوله تعالى: (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)) ما فائدة قوله: (وَمَا هَدَى) وهو معلوم ((وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) ؟ .
جوابه:
التصريح بكذبه في قوله (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)) والتهكم به.
271 - مسألة:
قوله تعالى: (لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)) فالاهتداء هنا مؤخر عن الإيمان والعمل الصالح وفى الآية الأخرى مقدم عليها؟ .

(1/252)


جوابه:
أن المراد بقوله: (ثُمَّ اهْتَدَى) أي دام على هدايته،
كقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) أي ثبتنا عليه
وأدمنا.
272 - مسألة:
قوله تعالى: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)) وقال تعالى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ) وقال: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) .
فظاهره يدل على الإنكار؟ .
جوابه:
أن القيامة مواطن: ففى بعضها يكون عمى، وفى بعضها
إبصارا، ويختلف ذلك باختلاف أهل الحشر فيه - والله أعلم.
سورة الأنبياء عليهم السلام
273 - مسألة:
قوله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ)

(1/253)


وقال في الشعراء: (مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ) ؟ .
جوابه:
لما تقدم هنا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ) وذكر إعراضهم
وغفلتهم وهو وعيد وتخويف فناسب ذكر الرب المالك ليوم
القيامة المتوفى ذلك الحساب.
وفى الشعراء: تقدم (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً)
لكن لم يفعل ذلك لعموم رحمته للمؤمنين والكافرين
لم يشأ ذلك، ويقوى ذلك تكرير قوله تعالى في السورة:
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) .
274 - مسألة:
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا) ثم قال تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
والسقف: المستوى، والفلك: هو المستدير؟ .
جوابه:
أن السقف لا يلزم منه الاستواء، بل يقال لكل بناء عال على هواء سقف سواء كان مستويا أو مستديرا، كقولهم:

(1/254)


"سقف الخباء " وإن كان مستديرا.
275 - مسألة:
قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) .
وقال في إدريس وعيسى عليهما السلام أنه: رفعهما إليه فهما حيان باقيان وهم من البشر؟ .
جوابه:
أن المراد من الخلد في الدنيا التي هي عالم الفناء المعهود
عندهم. وإدريس وعيسى عليهما السلام في عالم آخر غير
المعهود عنده.
276 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وفى النمل والروم: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) .
والصم كاف فما فائدة ولوا مدبرين؟ .
جوابه:
أن آية الأنبياء نسب فيها السماع إليهم فلم يحتج إلى توكيد ومبالغة فيه، ولذلك قال: (إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) أي يتشاغلون

(1/255)


عن سماعه، فهم كالصم الذين لايسمعون.
وفى آية الروم والنمل نسب الإسماع إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فبالغ في عدم القدرة على إسماعهم بقوله تعالى: (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)
لأن المولى عن المتكلم أجدر بعدم القدرة على إسماعه من
الماكث عنده، ولذلك شبههم بالمولى، وفيه بسط عذر النبى
- صلى الله عليه وسلم -.
277- مسألة:
قوله معا. إى: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وقال تعالى في الصافات: (فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)) ؟ .
جوابه:
أنهم أرادوا كيده بإحراقه فنجاه الله تعالى وأهلكهم وكسر
أصنامهم، فخسروا الدنيا والآخرة.
وفى الصافات قالوا: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ) أي من
فوق البناء في الجحيم، فناسب ذكر الأسفلين لقصدهم العلو
لإلقائه في النار والله أعلم.
278 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ)

(1/256)


وقال في سورة ص: (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً)
والعاصفة ة الشديدة، والرخاء: الرخوة؟ .
جوابه:
أنها كانت رخوة طيبة في نفسها، عاصفة في مرورها كما. قال تعالى: (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) .
أو أن ذلك كان باعتبار حالين على حسب ما يأمرها سليمان عليه السلام.
279 - مسألة:
قوله تعالى: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا) وفى التحريم: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) ؟ .
جوابه:
أن لفظ التذكير عند العرب أخف من التأنيث، وها هنا لم يتكرر لفظ التأنيث كتكريره في التحريم فجاء فيها مؤنثا.
وفى التحريم تكرر لفظ التأنيث بقوله تعالى: (ومريم) و (ابنت) و (أحصنت) و (فرجها) فناسب التذكببر تخفيفا من زيادة تكرر التأنيث.

(1/257)


280 - مسألة:
قوله تعالى: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا) وفى
المؤمنين: (فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا) ؟ .
جوابه:
أما قوله: (فَاعْبُدُونِ) فلأنه خطاب لسائر الخلق، فناسب
أمرهم بالعبادة والتوحيد ودين الحق.
وقوله: ((فَاتَّقُونِ) خطاب للرسل فناسب الأمر بالتقوى،
ويؤيده: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) و (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) .
وأما " الواو"، و " الفاء"، فلأن ما قبل " الواو" لا يتعلق بما
بعدها، وما قبل "الفاء" متعلق بما بعدها لأن ذكر الرسل
يقتضي التبليغ ولم يسمعوا، فكأنه قيل: بلغهم الرسل دين
الحق فتقطعوا أمرهم، ولذلك قيل هنا: (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)) وفى المؤمنين: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ)
أي من الخلاف بينهم فرحون.
281 - مسألة:
قوله تعالى: (وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)) وقال تعالى: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ)

(1/258)


وقال تعالى: (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)
إلى غير ذلك مما يدل على سماعهم؟ .
جوابه:
لعل ذلك باعتبار حالين:
فحال السماع والمحاجة والمخاصمة قبل اليأس من الخلاص من النار.
وحال اليأس لا يسمعون، لما روى أنهم يجعلون في توابيت من نار ويسد عليهم أبوابها فحينئذ لا يسمعون.
سورة الحج
282 - مسألة:
قوله تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ) ثم قال: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) الآية؟ .

(1/259)


جوابه:
أن الزلزلة عامة في وقت واحد فيدركها الكل إدراكا واحدا
فقال: (تَرَوْنَهَا)
ورؤية السكارى مختصة بكل إنسان بنفسه فيراهم هذا في وقت وهذا في وقت فقال: وترى أيها الرائى.
283- مسألة:
قوله تعالى: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) إن كان المراد بالزلزلة نفس البعث والساعة فلا حمل حينئذ ولا رضاع. وإن كان غير الساعة فما هو؟ .
جوابه:
اختلف في ذلك، فقيل: هو رجفة عظيمة عند نفخة الصعق، وقيل: عند طلوع الشمس من مغربها، وهذا
جواب ظاهر.
وقيل: هو نفس قيام الساعة، والمراد: التمثيل بأن الحال
كذلك لو كان حمل أو إرضاع.
284 - مسألة:
قوله تعالى: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) ؟ .

(1/260)


جوابه:
أنهم سكارى من الدهش لتلك الأهوال، وما هم بسكارى من الشراب.
285 - مسألة:
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ثم قال: (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وقد دخلوا فيمن في الأرض؟ .
جوابه:
أن السجود المذكور أولا: سجود الخضوع والانقياد لأمره
وتصرفه، وهو من الناس سجود العبادة المعهود.
286 - مسألة:
قوله تعالى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) ؟ .
وفى السجدة (أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا)
جوابه:
لما تقدم تفاصيل أنواع العذاب ناسب قوله: (مِنْ غَمٍّ) أي

(1/261)


من الغموم المذكورة وهي ثبات أهل النار، وصب الحميم في
رؤوسهم إلى آخره.
ولم يذكر في السجدة سوى (مَأْوَاهُمُ النَّارُ) فناسب سقوط
(مِنْ غَمٍّ) واقتصر على (منها) ولذلك وصف أنواع نعيم
الجنة لمقابلة ذكر أنواع عذاب النار واقتصر فى السجدة فيه كما يقتصر فيها على مقابله.
287 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ)
وقال في آخر السورة: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا) بغير واو؟ .
جوابه:
أن الأولى: تقدمها ما هو من جنسها وهو ذكر الحج
والمناسك فحسن فيه العطف عليه، بخلاف الثانية: فإنه لم
يتقدمها ما يناسبها فجاءت ابتدائية، وبيان ذلك قوله تعالى:
(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) الآية، ثم قال:
((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) الآية.
288 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) وقال تعالى:

(1/262)


(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) الآية. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وأشباه ذلك كوقعة أحد وحنين وبئر معونة.
جوابه:
أن ناصر دين الله منصور بإحدى الحسنيين، أو أنه النصر في
العاقبة، أو هو عام مخصوص كغيره من العمومات
المخصوصة، والله أعلم.
289 - مسألة:
قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا) بالفاء وقال تعالى: (أَهْلَكْنَاهَا) ، ثم قال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا) بالواو؟ .
جوابه:
أن "الفاء" في الأولى: بدل من قوله تعالى: (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فهو كالتفسير للنكرة.
و"الواو" في الثانية: عطف على الجمل قبلها.

(1/263)


ولما قال قبل الأولى: فأمليت للكافرين، ثم أغنى ذكر الإملاء
فيما بعد، ولأن الإهلاك إنما هو كان بعد الإملاء المذكور.
ولما تقدم في الثانية: (ويستعجلونك) ناسب (أَمْلَيْتُ لَهَا) أي لم أعجل عليهم عند استعجالهم العذاب.
290 - مسألة:
قوله تعالى: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)) وقال تعالى
بعده: (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)) وكلاهما للذين آمنوا
وعملوا الصالحات؟ .
جوابه:
لما تقدم ذكر الإنذار في الأولى وهو في الدنيا، ذكر جزاء
إجابته في الدنيا وهي مغفرة ورزق كريم.
ولما تقدم في الثانية ذكر العقاب بقوله تعالى: (عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
وهو يوم القيامة، ناسب ذلك: (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56))
أي يوم القيامة.
291 - مسألة:
قوله تعالى: (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) وفى
لقمان بحذف (هُوَ) ؟ .

(1/264)


جوابه:
أن آية الحج تقدمها جمل عدة مؤكدات باللام والنون والهاء والواو فناسب توكيد هذه الجملة كأخواتها تبعا لهن.
ولم يتقدم في لقمان مثل ذلك، ولذلك جاء في الحج بعدها: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) وفى لقمان: (إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ) . (1)
سورة المؤمنون
292 - مسألة:
قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)) الآيات. عطف الأولين بثم، والثلاثة الأخر بالفاء.
_________
(1) هذه الآية سابقة على الآية المقارن بها فى سورة لقمان.

(1/265)


جوابه:
أن الإنسان: آدم، والمجعول: بنوه بعده، والمراد الجنس، لأن آدم عليه السلام لم يكن نطفة قط، ثم ذكر خلقه بعده من النطفة كما ذكر.
293 - مسألة:
قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) وظاهره
الاشتراك في الخلق وفى فاطر: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) ؟ .
جوابه:
أن المراد بالخلق: التقدير، ويطلق الخلق على التقدير لغة
ومنه قوله تعالى: (وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) لكن عند الإطلاق
مختص بالله تعالى كالرب يطلق على رب المال والدار وعند
الإطلاق لله تعالى.
290 - مسألة:
قوله تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وقال
تعالى بعده في قصة هود (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقدم الجار والمجرور ثانيا.
جوابه:
أن الجار في قصة نوح عليه السلام - جاء بعد تمام

(1/266)


الصلة والانتقال إلى المقول فما فصل بين متلازمين، ولو
أخره في قصة هود عليه السلام لفصل بين الصلة وتمامها
المعطوف عليها لأن قوله تعالى: (وكذبوا) من تمام الصلة.
295 - مسألة:
قوله تعالى: (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)) معرفا، وقال
بعده: (فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)) منكرا؟ .
جوابه:
أن القرن الأول معروف أنهم قوم هود لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا) ، وأول قرن بعد نوح: قوم هود.
وقوله تعالى: (قُرُونًا آخَرِينَ) غير معروفين بأعيانهم
فجاء بلفظ التنكير بقوله تعالى: (لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) لأن عدم
الإيمان هي الصفة العامة لجميعهم.
296 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية. فما وجه فسادهما باتباع الحق أهواءهم؟ .

(1/267)


جوابه:
أي لو كان الحق كما يقولون من تعدد الآلهة لفسدت
السموات والأرض، وهو معنى قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) .
297 - مسألة:
قوله تعالى: (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ) وفى النمل: (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ) قدم (نَحْنُ) هنا، وأخره في النمل؟ .
جوابه:
لما تقدم هنا ذكر آبائهم بقوله تعالى: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)
وهم آباؤهم ناسب ذلك تقديم المؤكد وهو (نحن) ليعطف عليه "الآباء" المقدم ذكرهم، ثم تأخير المفعول الموعود لهم جميعا وهو (هَذَا) .
وآية النمل لم يذكرفيها (الْأَوَّلُونَ) بل قال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية، فناسب تقديم المفعول لموعود، ثم ذكر المؤكد ليعطف عليه، ثم لم يذكر أولا، وحاصله تقديم من تقدم ذكره أهم وأنسب، وتقديم المفعول الموعود، وتأخير من

(1/268)


لم يذكر أهم وأنسب.
298 - مسألة:
قوله تعالى: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
وقال تعالى أيضا: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)) الآية. وقال تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)) .
جوابه:
أنه لا أنساب بينهم تنفع كما كانت تنفع في الدنيا.
ووجه آخر: أن في القيامة مواطن كما تقدم، ففي بعضها لا يتساءلون لاشتغالهم كل بنفسه، وفى بعضها يتساءلون.
سورة النور
299 - مسألة:
قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)
ثم قال: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) قدم (الزَّانِيَة) أولا

(1/269)


و (الزَّانِي) ؟ .
جوابه:
أن المرأة هي الأصل في الزنا غالبا لتزينها وتطميع الرجل بها،
وقيل: لأن شهوة النساء أشد من الرجال، فلذلك قدمها أولا، وقدم الرجل ثانيا، لأن الرجل هو الأصل في عقد النكاح لأنه الخاطب، فناسب ما ذكرناه تقديم النساء أولا والرجال ثانيا.
300 - مسألة:
قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً) . وقد يتزوج
العفيف الزانية، وعكسه؟ .
جوابه:
أنه منسوخ بآية النساء.
301 - مسألة:
قوله تعالى: (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ) ثم قال:

(1/270)


(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) ؟ .
جوابه:
إما ليتفنن في الخطاب لكراهة التكرار، أو لأن الغضب أشد من اللعن لأنه مقدمة الانتقام، واللعن: الإبعاد المجرد، وقد
لا ينتقم. وخصها بذلك لاحتمال كذبها لقلة عقلها ودينها.
302 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)) وقال تعالى بعده: (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) .
جوابه:
أن الأولى: تقدمها ذكر الزنا والجلد، فناسب ختمه بالتوبة، حثا على التوبة منه وأنها مقبولة من التائب، وناسب أنه (حَكِيمٌ) لأن الحكمة اقتضت ما قدمه من العقوبة لما فيه من الزجر عن الزنا، وما يترتب عليه من المفاسد.
وأما الثانية: فقوله تعالى: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ذكره بعد ما وقع به أصحاب الإفك فبين أنه لولا رأفته ورحمته لعاجلهم بالعقوبة على عظيم ما أتوه من الإفك، ولذلك قال تعالى فيما تقدمه: (لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) .

(1/271)


303 - مسألة:
قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)
وقال تعالى بعده: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)) بحذف " الواو " و " إليكم "؟ .
جوابه:
أن الأولى بعد ما قدمه قبلها من المواعظ والآداب والأحكام،
فناسب العطف عليه " بالواو": و "إلى" ثم ابتدأ كلاما مستأنفا
بعد ما قدمه من عظيم آياته بإرسال الرياح والمطر وإنزال الماء والبرد قوله تعالى: " إليكم " في الأولى دون الثانية لأنها عقيب تأديب المؤمنين وإرشادهم فكأنها خاصة بهم.
والثانية عامة لأن آيات القدرة للكل غير خاصة، ولذلك قال تعالى بعده: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) .
304 - مسألة:
قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ) ثم قال بعده: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) ثم بعده: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ)

(1/272)


جوابه:
أن ذلك كما قدمنا مرات للتفنن لكراهة التكرار لما فيه من مج النفوس. وأيضا قد يقال: لما قدم الأوقات التي يستأذن فيها والاستئذان من أفعال العباد، وكذلك الآية الثالثة قال: (الْآيَاتِ) أي العلامات على أحكامه تعالى ولما قدم على الثانية بلوغ الأطفال وهو من فعله تبارك وتعالى وخلقه لا من فعل العبد نسب الآيات إلى نفسه، فقال تعالى: (آيَاتِهِ) لاختصاص الله تعالى بذلك.