مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة مريم
عليها السلام
وتسمى - أيضاً - كهيعص.
مكية. قال الأصفهاني: قيل: بإجماعهم، من غير خلاف علمناه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما - قال أبو حيان: ومقاتل: هي
مكية غير سجدتها.
وقيل: غير آيتين منها، قوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) والتي
تليها.
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآيها تسع وتسعون في المدني الأخير والمكي، وثمان في عدد
الباقين.
اختلافها ثلاث آيات:
(2/255)
(كهيعص) عدها الكوفي وحده.
(في الكتاب إبراهيم) عدها المدني الأخير والمكي، ولم يعدها
الباقون. (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) ، لم يعدها
الكوفي، وعدها
الباقوِن.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، أربعة مواضع:
(الرأس شيبا) ، (وقري عينا) ، (للرحمن صوما) .
(اهتدوا هدى)
وعكسه موضع:
(كن فيكون) .
ورويها ستة أحرف: أدم يزن.
مقصودها
ومقصودها: بيان اتصافه سبحانه بشمول الرحمة بإضافة جميع
النعم على جميع خلقه، المستلزم للدلالة على اتصافه بجميع صفات
الكمال.
المستلزم لشمول القدرة على إبداع المستغرب، المستلزم لتمام
العلم، الموجب للقدرة على البعث، والتنزه عن الولد، لأنه لا
يكون إلا لمحتاج، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سمَِىَّ له
سبحانه، فضلاً عن مثيل.
(2/256)
وعلى هذا دلت تسميتها بمريم، لأن قصتها أدل
ما فيها على تمام
القدرة، وشمول العلم، لأن أغرب ما في المخلوقات وأجمعه خلقاً
الآدمي
وأعجب أقسام توليده الأربعة: ما كان من أنثى بلا توسط ذكر، لأن
ذلك
أضعف الأقسام، وأغرب وجوه ذلك، أن يتولد منها - على ضعفها -
أقوى النوع، وهو الذكر، ولا سيما وقد أوتي قوة في الخلق
والخلق، كما دل عليه وصفه هنا بغلام، ولا سيما وقد أوتي قوة
الكلام والعلم والكتاب، التي هي خواص الآدمي في حال الطفولية،
ولا سيما إذا انضم إلى ذلك أن يخبر بسلامته الكاملة التي لا
يشوبها نوع من عطب، فيكون الأمر كذلك، لم
يقدر - ولا يقدر - أحد مع كثرة الأعداء، على أن يمسه بشيء من
أذى، ثم حفظ في هذه المدد الطويلة، والدهور المديدة، في جميع
جواهره وأعراضه.
هذا إلى ما جمعته القصة من إخراج الرطب في غير حينه من يابس
الحطب ومن إنباع الماء في غير موضعه، وعلى مثل ذلك أيضاً دلت
تسميتها، بما في أولها من الحروف المقطعة.
بيان ذلك: أن مخرج الكاف من أقصى اللسان، مما يلي الحلق
ويحاذيه
من أسفل الحنك، وهي أدق مخرج القاف قليلاً إلى مقدم الفم، ولها
من
الصفات الهمس، والشدة، والانفتاح، والاستفال.
ومخرج الهاء من أقصى الحلق، لكنها أدق من الهمزة، إلى جهة
اللسان
قليلا، ولها من الصفات: الهمس، والرخاوة، والانفتاح، والاستفال
والخفاء.
(2/257)
ومخرج الياء من وسط اللسان، ووسط الحنك
الأعلى، ولها من
الصفات: الجهر، والرخاوة، والانفتاح، والاستفال، وهو أغلب
صفاتها.
ومخرج العين، من وسط الحلق، ولها من الصفات: الجهر، وبين الشدة
والرخاوة، والانفتاح والاستفال.
ومخرج الصاد: من طرف رأس اللسان، وبين أصول الثَّنيتين
السفليين
وله من الصفات: الهمس، والرخاوة، والإطباق، والاستعلاء،
والصفير.
فالافتتاح بهذه الأحرف في هذه السورة، إشارة - والله أعلم -
إلى أن
أهل الله عامة، من ذكر منهم في هذه السورة وغيرهم، يكون أمرهم
عند
المخالفين - أولاً - كما تشير إليه الكاف ضعيفاً، مع شدة
وانفتاح، كما كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما دعا
إلى الله تعالى، فإنه اشتهر أمره، ولكنه كان ضعيفاً بإنكار
قومه عليه، إلا أنهم لم يبالغوا في الإِنكار، ثم يصير الأمر في
أوائل العراك - كما تشير إليه الهاء - إلا استفال، ثم يزداد
بتمالؤه المستكبرين عليهم ضعفاً وخفاء، وإلى هذا تشير قراءتها
بالإمالة، ولا بد مع ذلك من نوع ظهور، كما يشير إليه انفتاح
الهاء، وعليه نبهت قراءة الفتح.
وهكذا كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رح بسبّ
آلهتهم وتسفيه أحلامهم، وتضليل آبائهم، فقاموا عليه الباً
واحدا، فهاجر أكثر الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة، وخاف
أبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - دهماء العرب، فقال
قصيدته اللامية الطويلة في ذلك، يستعيذ فيها بحرم الله وببيته
من
(2/258)
المبطلين، وتمادي الحال، حتى الجأتهم قريش
إلى الشِّعْب، فانحاز فيه بنو هاشم.
وانضم معهم بنو المطلب، وتكوّن في وسط أمرهم - كما تشير إليه
الياء
وقراءتها بالفتح - لهم قوة، مع رخاوة واشتهار واستفال، وهو
الأغلب عليهم ظاهراً، كما تشير إليه قراءة الإمالة فيكون ذلهم
من وراء عز، وعزهم من ساتر ذل، فتنة من العليم الخبير ليتميز
المخلص من غيره، يعرف ذلك من عاناه، ونظر إليه بعين الحقيقة
واجتلاه، وهذا كما كان عند قيام من قام من قريش في نقض الصحيفة
الظالمة وإخراجهم من الشعب، ثم كان عند موت خديجة رضي الله
عنها وأبي طالب وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توالى
عليه من المصائب إلى الطائف فردوه - بأبي هو وأمي ونفسي وولدي
وعيني - على تلك الصورة التي يعرفها من طالع السيرة، فلما قرب
من مكة المشرفة، لم يستطع دخولها بغير جوار فاختفى في غار
حراء، وأرسل إلى من يجيره، ثم أرسل، ثم كرر الإرسال حتى أجاره
المطعم بن عدي، فلبس السلاح هو ومن أطاعه من عشيرته وأدخله -
صلى الله عليه وسلم -، حتى طاف بالبيت، ثم انصرف إلى منزله ثم
قضى الله
سبحانه - وهو الذي يفعل ما يشاء، لا يسأل عما يشاء، ولا راد
لحكمه، ولا معقب لأمره - أن قتل المطعم هذا في بدر كافراً إلى
النار وبئس القرار، بعد أن اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
في سلامته، والإيصاء به في أن لا يقتل، ليعلم أنه سبحانه مختار
في عموم رحمته، التي أشارت إليها هذه السورة وخصوصها،
(2/259)
لئلا ييأس عاص، أو يأمن طائع، وليظهر سر
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليؤيد هذا الحديث
بالرجل الفاجر".
ثم إذا علا أمرهم عن الوسط صاعداً قوي، كما تشير إليه العين.
فصار بين الشدة والرخاوة، وفيه انفتاح بشهرة، مع استفال في بعض
الأمر.
كما كان حاله مجيهئم عند مبايعة الأنصار رضوان الله عليهم.
وأما آخر أمرهم: فهو - وإن كان فيه نوع من الضعف، وضرب من
الرخاوة واللين، كما كان في غزوة حنين والطائف - فإنه يعقبه
قوة عظيمة
بالإطباق واستعلاء واشتهار يملأ الآفاق، كما يشير إليه الصفير.
هذا في أهل الله عامة، المذكورين في هذه السورة، وغيرهم.
(2/260)
وامَّا مَا يخص عيسى عليه الذي هو صورة
سورتها، ومطمح إشارتها.
فجعل الحروف اللسانية من هذه الحروف، أغلبها ثلاثة أحرف منها،
إشارة
إلى أن إبراهيم عليه السلام بما أعطى في نفسه وفي ذريته ولسان
الصدق
المذكور به، إجابة لدعوته في قوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ
صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ، وتحقيقاً لوعده في هذه السورة في
قوله: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) ، هو لسان
هذا الوجود، وإلى أن دولة إله الذين عيسى عليه السلام من
أعيانهم، هي وسط هذا الوجود حقيقة وخياراً.
فموسى عليه السلام أول أصحاب شرائعهم بمنزلة القاف، التي هي
من أقصى اللسان من أول مخارجه، وله حظ كبير منها، فإنه من أجله
قتل
أبناء بني إسرائيل، وولد في سنة القتل، وكان سبب هجرته وابتداء
سيره
إلى الله تعالى، قتله القبطي، وقرب نجيا، ومن صفاتها الجهر،
والشدة -
والانفتاح والاستعلاء والقلقلة، وهو - صلى الله عليه وسلم -
عريق في كل من خيرات ذلك.
وداود عليه السلام ثاني ذوي كتبهم، بمنزلة الهمزة التي هي أبعد
من
مخرج الهاء إحدى هذه الحروف، وهو أول من جمع من بني إسرائيل
بين الملك
والنبوة، وله حظ من وصفها بالاستفال في أول أمره، وفي آخره بما
كان من
بكائه ونواحه، قتواضعه وإخباته لربه وصلاحه.
(2/261)
فالكاف هنا إشارة إلى أن عيسى عليه السلام،
هو ثاني الشارعين منهم
في الوجود، و "الهاء"، عبارة عن أنه من عقب داود، عليهما
السلام، كل منهما له حظ من صفات الحرف المشير إليه، الدَّال
عليه.
والصاد التي هي من طرف اللسان، وهي خاتمة هذه الحروف، إشارة -
بما فيها من الإطباق، المشير إلى تطبيق الرسالة لجميع الوجود،
ومن الاستعلاء المشير إلى نهاية العظمة، والصفير المشير إلى
غاية الانتشار والشهرة - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -،
وإلى مقرر دينه ومجدّده عيسى عليه السلام.
ويشير الكاف - أيضاً - بما فيه من الصفات، إلى أن أول أمر عيسى
عليه السلام يكون فيه مع الشدة ضعف.
ثم تشير - أيضاً - الهاء التي هي من أقصى الحلق، إلى أن أمره
يبطن
بعد ذلك الظهور، ويخفي بارتفاعه إلى السماء، ويدل وصفها
بالاستفال على
أن السماء التي يكون بها قريبة إلى العالم السفلي، وهو كذلك،
فإنه في الثانية، بدلالة رتبة الكاف والهاء في مخرجهما.
وتشير الياء بجهرها إلى ظهور بنزوله، وتدل بكونها من وسط
اللسان
على تمكنه في أموره، وباعتلائها على شيء في ذلك، وهو ضعف
الأتباع
وحصرهم في ذلك الوقت، وتدل بانفتاحها ورخاوتها على ظهور على
الدجال في أولئك القوم الذي جهدهم البلاء عند نزوله، ومسهم
الضر قبل حلوله.
وتليح غلبة الاستفال عليها إلى أمر يأجوج ومأجوج لما يوحيه
إليه: "إني قد
أخرجت عباداً لي، لا يدان لأحدهم، فجرّز عبادي إلى الطور".
وتدل العين بكونها من وسط الحلق على انحصارهم، وبجهرها على أنه
لا سبيل للعدو عليهم، ولا وصول بوجه إليهم، وبما فيها من
البينية
(2/262)
والاستفال على جهدهم مع حسن العاقبة، وتبشر
بما فيها من الانفتاح
بحصول الفتح الذي ليس فوقه فتح.
وتدل الصاد بمخرجها على القوة الزائدة، وبالهمس والرخاوة على
أنها
قوة لا بطش فيها، وبالإطباق والاستعلاء على عموم الدين جميع
الناس.
وبالصفير على أنه ليس وراء ذلك إلا النفخ في الصور، لعموم
الهلاك لكل
موجود مقطور ثم بعثرة القبور، وتحصيل ما في الصدور.
وكل هذا من ترتيب سنته سبحانه في المصطفين من عباده على هذا
النحو البديع، وترتيب هذه الحروف على النظم الدال عليه، دائر
على القدرة التامة، والعلم الشامل، والحكمة الباهرة، رحمهم
سبحانه بأن نكبهم طريق الجبارين التي أوصلتهم إلى القسوة،
وجنبهم سنن المستكبرين التي تلجىء - ولا بد - إلى الشقوة، فجعل
نصرهم في لوامع انكسار، وكسرهم في جوامع انتصار، وحماهم من
فخامة دائمة تجر إلى بذ وعلو واستكبار ومن رقة ثابتة تحمل على
ذل وسفول وصغار، فلقد انطبق الاسمان على المسمى واتضحا غاية
الاتضاح في أمره وتما.
(2/263)
فضائلها
وأما فضائلها: فقال أبو عبيد في الفضائل، حدثنا إسماعيل بن
مجالد.
عن هلال الوزان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه قرأ سورة مريم
عليها
السلام حتى انتهى إلى السجدة (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ،
فسجد بها.
فلما رفع رأسه قال: هذه السجدة قد سجدناها، فأين البكاء؟.
(2/264)
رضي الله عنهما - وقد اختلف ناس في ورود
النار - فأهوى بأصبعه إلى أذنيه
وقال: صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول: الورود: الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر، إلا دخلها، فتكون
على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم عليه السلام،
حتى إن للنار - أو قال: لجهنم - ضجيجاً من بردهم، ثم ينجي الله
الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.
وروى الإِمام أحمد من حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة
هجرتهم إلى الحبشة والنجاشي، وفيه: أنه دعا أساقفته، فنشروا
مصاحفهم
حوله وقال لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: هل معك مما جاء به
- يعني
النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء؟
قال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي فاقرأه عليّ، فقرأ عليه
صدراً من "كهيعص"، قالت: فبكى والله النجاشي، حتى أخضل لحيته،
وبكت أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم.
ثم قال النجاشي: والله إن هذا والذي جاء به موسى عليه السلام
ليخرج
من مشكاة واحدة.
وروى ابن المبارك، عن عباد المنقري، عن بكر المزني قال: لما
(2/265)
نزلت هذه الآية: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا) ، ذهب ابن رواحة إلى
بيته، فبكى فجاءت امرأته فبكت، وجاءت الخادم فبكت، وجاء أهل
البيت فجعلوا يبكون، فلما انقضت عبرته قال: يا أهلاه ما
يبكيكم؟
قالوا: لا ندري، ولكنا رأيناك بكيت فبكينا، قال: آية نزلت على
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبئني فيها ربي أني وارد
النار، ولم ينبئني أني أصدر عنها.
(2/266)
سورة طه
وتسمى: سورة موسى عليه السلام.
مكية إجماعاً.
عدد آياتها
وآيها مائة وثلاثون وآيتان بصري، وأربع مدنيان ومكي، وخمس كوفي
وأربعون شامي.
اختلافها إحدى وعشرون آية:
(طه) عدها الكوفي وحده.
(نسبحك كثيراً) ، وكذا: (ونذكرك كثيراً) ، لم يعدهما
البصري وعدهما الباقون.
(2/267)
(ومحبة مني) ، لم يعدها الكوفي والبصري،
وعدها الباقون.
(كي تقر عينها ولا تحزن) ، عدها الشامي، ولم يعدها
الباقون.
(وفتناك فتوناً) ، عدها البصري والشامي، ولم يعدها الباقون.
(في أهل مدين) عدها الشامي، ولم يعدها الباقون.
(واصطنعتك لنفسي) ، عدها الكوفي والشامي، ولم يعدها
الباقون.
(فأرسل معنا بني إسرائيل) ، عدها الشامي وحده.
(ولقد أوحينا إلى موسى) ، عدها الشامي - أيضاً - وحده.
(ما غشيهم) عدها الكوفي وحده.
(غضبان أسفا) عدها المدني الأول والمكي، ولم يعدها الباقون.
(وعداً حسنا) عدها المدني الأخير وحده.
(ألقى السامري) لم يعدها المدني الأخير، وعدها الباقون.
(وإله موسى) عدها المدني الأول والمكي، ولم يعدها الباقون.
(فَنَسيَ) لم يعدها المدني الأول والمكي، وعدها الباقون.
(2/268)
(إليهم قولاً) عدها المدني الأخير وحده.
(إذ رأيتهم ضلوا) عدها الكوفي وحده.
(قاعا صفصفا) ، لم يعدها المدنيان والمكي، وعدها الباقون.
(منى هدى) ، (زهرة الحياة الدنيا) لم يعدها الكوفي وحده.
ما يشبه الفاصلة فيها
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، اثنان وعشرون
موضعاً: (فاعبدني) ، (بآياتي) ، (قولًا ليناً) ، (فيها سبلا)
(وبينك موعدا) (على الله كذبا) ، (ثم ائتوا صفا) ، (سجدا) ،
(والذي فطرنا) ، (ما أنت قاض) ، (عليكم غضبي) ، (بملكنا) ،
(جسداً له خوار) ،
(2/269)
(ولا برأسي) ، (لا مساس) ، (منها جميعاً) ،
(ضنكا) .
(حشرتني أعمى) ، (لزاماً) ، (رزقا) (رسولا) .
وعكسه خمسة:
(فتردى) (يا موسى) ، (المقدس طوى) ، (من أهلي) ، (هارون أخي) ،
(على عيني) .
ورويها ستة عشر حرفاً: قدح، عوف، تاري، الخمسة.
تعتبرتاء التأنيث هاء للوقف، وتاء للوصل.
الهاء: (طه) فإن ألفها لبيان الحركة.
الياء: (السامري) التاء: (أمتا) الواو: (سوى) ،
(2/270)
الحاء: (ضحى) ، فإن ألفها للتنوين.
مقصودها
ومقصودها: إعلام الداعي - صلى الله عليه وسلم - بإقبال
المدعوين، والترفق إلى أن يكونوا أكثر الأمم زيادة في شرفه -
صلى الله عليه وسلم -.
وعلى هذا المقصد الشريف دل اسمها المشهور بطريق الرمز
والإِشارة
ليتبين أهل الفطنة والبصارة، وذلك كما في أولها من الحروف
المقطعة لأنه لما
كان ختام سورة مريم عليها السلام حاملًا على الخوف العظيم، من
أن تهلك
أمته - صلى الله عليه وسلم - قبل ظهور أمره الذي أمره الله به،
وقبل اشتهار دعوته، لقلة من آمن منهم إذ ذاك، ابتدأه سبحانه
بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين
العليين، إلى قوة أمره وانتشاره، وعلوه وكثرة أتباعه.
لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفاً، وأشدها حركة، وأوسعها
انتشاراً، وبما فيها من صفات الجهر والإطباق، والاستعلاء
والقلقلة، إلى
انقلاب ما هو فيه من الأسرار جهراً، وما هو فيه من الرقة
فخامة، لأنها من
حروف التفخيم، وأنه يستعلي أمره، وينشر ذكره، حتى يطبق جميع
الوجود
ويقلقل سائر الأمم.
ولكن يكون ذلك مما تشير إليه الهاء، بمخرجها من أقصى الحلق،
على
حد بعده من طرف اللسان، مع طول كبير، وتماد كثير، بما فيها من
صفات
الهمس والرخاوة، والانفتاح، والاستفال، والخفاء، مع مخافته
وضعف كبير، وهدوء وخفاء عظيم، ومقاساة شدائد كبار، مع نوع
فخامة واشتهار وهو وإن
(2/271)
كان اشتهاراً يسيراً يغلب هذا الضعف كله
وإن كان قوياً شديداً وقراءة الِإمالة للهاء تشير إلى شدة
الضعف، وقراءة التفخيم - هي لأكثر القراء - مشيرة إلى فخامة
القدر، وقوة الأمر، بما لها من الانفتاح، وإن رئي أنه ليس
كذلك.
"لقد أمر أمره: إنه ليخافه ملك بني الأصفر".
وإن كان معنى الحرفين: يا رجل، فهو إشارة إلى قوته، وعلو قدره.
وفخامة ذكره، وانتشار أتباعه، وعموم أمره.
وإن كان إشارة إلى وطء الأرض فهو إلاحة إلى قوة التمكن، وعظيمِ
القدرة، وبعد الصيت، حتى تصير الأرض كلها ملكًا له ولأتباعه،
وملكًا
لأمرائه وأشياعه، والله أعلم.
وذكر ابن الفرات في تاريخه: أن هجرة الحبشة كانت في السنة
الثامنة
من المبعث.
(2/272)
فالظاهر - على ما يأتي في فضائلها من قصة
إسلام عمر رضي الله
عنه -: أن نزول هذه السورة، أولها، كان قريب هجرة الحبشة،
فيكون
سبحانه قد رمز له - صلى الله عليه وسلم - على ما هو ألذ في
محادثة الأحباب، من صريح الخطاب، بعدد مسمى الطاء، إلى أن وهن
الكفار الوهن الشديد، يقع في السنة التاسعة من نزولها، وذلك في
غزوة بدر الموعد في سنة أربع من الهجرة، وبعدد اسمها إلى أن
الفتح الأول يكون في السنة الحادية عشرة من نزولها، وذلك في
عمرة الحديبية في ذي القعدة، سنة ست من الهجرة عند نزول سورة
الفتح.
ورمز له بعدد مسمى الهاء إلى أن مبدأ النصرة بالهجرة في السنة
الخامسة من نزولها، وذلك في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية
من الهجرة.
وبعدد حرفي اسمها - لا بعدد اسميهما - إلى أنه في السنة
الثالثة عشرة
من نزولها، يكون الفتح الأكبر بالاستعلاء على مكة المشرفة،
الذي كان سبباً
قريباً للاستعلاء على جميع الأرض، وذلك في أواخرها في شهر
رمضان سنة
ثمان من الهجرة، وكان تمامه بفتح الطائف، بإرسال وفدهم
وإسلامهم وهدم
طاغيتهم في سنة تسع، وهي السنة الرابعة عشرة.
وبعدد اسميهما: إلى أن تطبيق أكثر الأرض بالإِسلام، يكون في
السنة
الثامنة عشرة من نزولها، وذلك بخلافة عمر رضي الله عنه، وهو
الوزير
المطلوب بإشارتها التي كانت سبب إسلامه، وكانت خلافته في السنة
الثالثة
عشرة من الهجرة.
(2/273)
وكذا دل مقصودها بإضافتها إلى موسى عليه
السلام، بتأصل قصته وما
كان فيها من قدرة الله وحكمته. والله الموفق.
(2/274)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو عبيد في الفضائل، عن شهر بن حوشب رحمه
الله قال: يرفع القرآن عن أهل الجنة، إلا طه ويس.
ولابن ماجة، والطبراني في الأوسط في ترجمة موسى بن سهل أبي
عمران
الجوني، والحاكم، والمخلّص في التاسع من فوائده، عن أبي أمامة
رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اسم الله
الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، في سور ثلاث: في البقرة، وآل
عمران، وطه.
قال القاسم: فالتمستها، أنه: (الحي القيوم) .
(2/275)
قال ابن رجب: قال هشام بن عمار: (هو الحي
القيوم) .
وللطبراني في الأوسط - أيضاً - والدارمي في المسند، والبيهقي
في
الأسماء والصفات، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، عن أبي هريرة
رضي الله
عنهْ فال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَ الله
قرأ طه وشى، قبل أن يخلق آدم عليه السلام - في رواية الدامي:
قبل أن يخلق السماوات والأرض - بألف عام، فلما سمعت الملائكة
القرآن، قالت: طوبي لأمة ينزل هذا عليها، وطوبي لأجواف تحمل
هذا، وطوبي لألسن تتكلم بهذا.
قال شيخنا حافظ العصر ابن حجر: وقد زعم ابن حيان: أنه موضوع
وتبعه ابن الجوزي.
وقال الهيثمي: في سند الطبراني إبراهيم بن مهاجر بن مسمار ضعفه
البخاري بهذا الحديث، ووثقه ابن معين.
(2/276)
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: هذا غريب،
وفيه نكارة، وإبراهيم
ابن مهاجر وشيخه تكلم فيهما.
ولأبي يعلى، عن معقل بن يسار، رضي الله عنه قال: قال النبي -
صلى الله عليه وسلم -: اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا
حرامه، واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه، ما تشابه عليكم منه
فردوه إلى الله، وإلى أولى العلم من بعدي كما يخبروكم، وآمنوا
بالتوراة والإنجيل والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم، وليسعكم
القرآن، وما فيه من البيان، فإنه شافع مشفع، وماحل مصدق، وإني
أعطيت سورة البقرة من الذكر الأولى، وأعطيت طه، والطواسين
والحواميم، من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة
البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة.
وسيعاد هذا الحديث في الشعراء.
وأخرج الحاكم منه من قوله: وأعطيت طه، إلى آخره.
قال ابن رجب في كتابه الاستغناء بالقرآن، وقال: صحيح الإسناد.
وليس كما قال، عبد الله بن أبي حميد ضعيف جداً.
(2/277)
ورواه من طريق أخرى، أولها: أعطيت البقرة
من الذكر الأول.
وأعطيت طه، إلى آخره.
قال: وأخرجه هشام بن عمار في كتاب "المبعث" له، ولفظه:
أعطيت مكان التوراة السبع الطول، وأعطيت مكان الإنجيل المئين،
وأعطيت
مكان الزبور المثاني، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة تحت
العرش لم
يعطها نبي قبلي، وأعطاني ربي المفصل نافلة.
وروى أبو عبيد في الفضائل عن ابن عوف قال: حدثني رجل من
أهل الكوفة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صلى ليلة، قال:
فذكروا
ذاك فقال بعضهم: هذا مقام صاحبكم منذ الليلة يردد آية، حتى
أصبح قال
ابن عوف: بلغني أن الآية (رب زدني علماً) .
وروى الطبراني في الكبير بسند - قال الهيثمي: فيه يحيى بن سعيد
العطار، وهو ضعيف - عن جرير رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - في قوله: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) قال: قبل طلوع الشمس:
صلاة الصبح، وقبل غروبها: صلاة العصر.
(2/278)
وللطبراني في الأوسط بسند - قال الهيثمي:
رجاله ثقات - عن
عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه
وسلم - إذا نزل بأهله الضيف، أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: وأمر أهلك
بالصلاة واصطبر عليها، الآية.
ومن أعظم فضائلها: أن قراءة أولها كان سبباً لإسلام عمر بن
الخطاب
رضي الله عنه، وهو الفاروق، الذي كان إسلامه فتحاً أيَّد الله
به هذا الدين
ففرق به بين الحق والباطل، فعزّ به المسلمون، فرغب في الِإسلام
بسبب
ذلك من وفقه الله له، وذلك هو عين مقصودها.
روى عبد بن حميد في مسنده، والبيهقي في دلائل النبوة، عن ابن
عمر
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
اللَهُمَّ أعزَّ الدين - وقال البيهقي: الإِسلام - بأحب هذين
الرجلين إليك: أبو جهل ابن هشام، أو عمر بن الخطاب - وقال عبد:
بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام - قال: فكان - يعني عمر
بن الخطاب رضي الله عنه - أحبهما إلى الله تعالى.
(2/279)
وقال عبد: فكان أحبهما إليه عمر رضي الله
عنه.
وروى البيهقي - أيضاً - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج
عمر رضي الله عنه متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال
له:
أين تعمد يا عمر؟. قال: أريد أن أقتل محمداً، قال: وكيف تأمن
في بني
هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمداً؟.
قال: فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي
أنت عليه؟.
قال: أفلا أدلك على العجب؟. إن ختنك وأختك قد صبوا
وتركا دينك الذي أنت عليه.
قال: فمشى عمر زامراً - يعني غضبان - حتى أتاهما، وعندهما رجل
من
المهاجرين يقال له: خباب، فلما سمع خباب رضي الله عنه بحس عمر
توارى في البيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها
عندكم؟.
قال: وكانوا يقرأون "طه"، فقالا: كان حديثاً تحدثناه بيننا.
قال: فلعلكما قد صبوتما؟.
فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك.
قال: فوثب عمر على ختنه - وفي رواية: زوج أخته - سعيد بن زيد
ابن
(2/280)
عمرو بن نفيل، فوطئه وطئاً شديداً.
قال فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى
وجهها فقالت - وهي غضبانة -: وإن كان الحق في غير دينك، إني
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه.
قال: وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت له أخته: إنك رجس، وإنه لا
يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، أو توضأ.
قال: فقام عمر فتوضأ، وأخذ الكتاب، فقرأ طه، حتى انتهى إلى:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي) .
قال: فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر رضي
الله عنهما، خرج من البيت وقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن
تكون دعوة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك ليلة الخميس: "اللهم أعز
الإِسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام ".
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدار التي في أصل
الصفا.
قال: فانطلق عمر، حتى أتى للدار، وعلى باب الدار حمزة وطلحة
رضي الله عنهما، وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، فلما رأى حمزة، وجل القوم من عمر، فقال حمزة عم رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - هذا عمر، إن يرد اللهُ
(2/281)
بعمر خيراً يسلم، فيتبع النبي - صلى الله
عليه وسلم - وإن يرد غير ذلك، يكن قتله علينا هيناً.
قال: والنبي - صلى الله عليه وسلم - داخل يوحى إليه، قال: فخرج
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عمر رضي الله عنه،
فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال ما أنت بمنته يا عمر حتى
ينزل الله بك من الخزى والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟.
فهذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الِإسلام - أو الدين - بعمر بن
الخطاب. فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنك عبد الله
ورسوله.
وأسلم وقال: أخرج يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي، وقال في الحديث:
فقرأ طه، حتى إذا بلغ: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لنجزي كل
نفس بما
تسعى - إلى قوله -: فتردى) وقرأ: (إذا الشمس كورت - حتى
بلغ -: علمت نفس ما أحضرت) ، فأسلم عند ذلك.
وروى البيهقي من طريق ابن إسحاق عن عبد العزيز بن عبد اللُه
بن عامر ابن ربيعة، عن أمه ليلى رضي الله عنها قالت: كان عمر
بن
(2/282)
الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا،
فلما تهيأنا للخروج إلى أرض
الحبشة جاءني عمر بن الخطاب وأنا على بعيري نريد أن نتوجه،
فقال: أين
أم عبد الله؟. فقلت له: آذيتمونا في ديننا فنذهب إلى أرض الله
حيث لا
نؤذي في عبادة الله، فقال: صحبكم الله، ثم ذهب، فجاء زوجي عامر
ابن ربيعة رضي الله عنه، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر. فقال:
ترجين
يسلم؟. فقلت: نعم. قال: فوالله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب
وهذا
من شدته على المسلمين، ثم رزقه الله تعالى الِإسلام.
قال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلاً، وإحدى
عشرة امرأة.
وروى هذا الحديث ابن هشام في تهذيب السيرة من طريق ابن إسحاق
وزاد فيه: أنه اغتسل، كما أمرته أخته.
وفيه: أنه لما قرأ الآيات من صدر طه قال: ما أحسن هذا الكلام
وأكرمه، فلما سمع ذلك خباب رضي الله عنه خرج إليه.
وفيه أشياء حسنة، وقد سقته مستوفى في "نظم الدرر" مع أشياء
حسنة.
وفيه: أنه أراد أن يعلم بإسلامه جميع قريش، فأتى أنقلهم للحديث
(2/283)
جميل بن معمرة فأخبره، فصرخ بأعلى صوته: أن
ابن الخطاب صبأ؟
فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت، فثاروا إليه، فما برح يقاتلهم حتى
قامت الشمس على رؤوسهم وأعيا فقعد، وقال: أما والله لو كنا
ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
وروى البخاري، والبيهقي في الدلائل وهذا لفظه، عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال: إني لعلي سطح، فرأيت الناس مجتمعين على
رجل وهم
يقولون: صبأ عمر، صبأ عمر، فجاء العاص بن وائل، عليه قباء
ديباج
فقال: إن كان عمر قد صبأ فمه أنا له جار، قال: فتفرق الناس عنه
فتعجبت من عزه.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام الجمحي في كتابي، فضائل القرآن.
وغريب الحديث عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً: أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - مر هو وأصحابه على إبل لحي يقال لهم: بنو الملوح،
أو بنو المصطلق، وقد عبست أبوالها من السمن، فتقنع بثوبه، ثم
قرأ هذه الآية - وفي رواية: قول الله تعالى -: (وَلَا
تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا
مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) إلى آخر الآية.
قال: ومعنى "عبست": أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها وذلك
إنما
يكون من كثرة الشحم، فذلك العبس.
(2/284)
سورة الأنبياء
عليهم السلام
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآياتها مائة واثنتا عشرة في الكوفى، وإحدى عشرة في الباقين.
اختلافها آية، (ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم) ، عدها الكوفي
وحده.
وفيها مما يشبه الفاصلة ولم يعد بإجماع: أربعة مواضع:
(أكثرهم لا يعلمون) ، (ولا يشفعون) ، (لكم ولما تعبدون) (إنكم
وما تعبدون) .
(2/285)
وعكسه ثلاثة: (له إبراهيم) (يا إبراهيم) ،
(على إبراهيم) .
ورويها: من.
مقصودها
ومقصودها: الاستدلال على تحقق الساعة وقربها، ولو بالموت،
ووقوع
الحساب فيها، على الجليل والحقير، لأن موجودها لا شريك له
يعوقه عنها.
وهو من لا يبدل القول لديه.
والدال على ذلك أوضح دلالة: مجموع قصص جماعة ممن ذكر فيها من
الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقل قصة منها استقلالا ظاهراً
لجميع ذلك.
كما بينته في أصل هذا الكتاب "نظم الدرر"، ولا تخلو قصة من
قصصهم
عن دلالة على شيء من ذلك، فنسبت إلى الكل.
(2/286)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن زيد، بن أسلم.
عن أبيه عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، أنه نزل به رجل من
(2/287)
العرب، فأكرم مثواه وكلم فيه رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وَادِياً، وقد أردت أن أقطع لك
منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك.
قال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن
الدنيا: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ) .
وروى الترمذي - واللفظ له -، والنَّسائي، وابن السنى، والإمام
أحمد - قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن محمد
ابن
سعد، بن أبي وقاص، وهو ثقة -، والحاكم وقال: صحيح الِإسناد، عن
سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت، (لَا
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ) ، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا
استجاب اللهُ له.
ولفظ الحاكم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هل
أدلكم على اسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعى به
أجاب الدعوة التي دعا بها يونس عليه السلام، حيث نادى في
الظلمات الثلاث:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ)
(2/288)
فقال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس عليه
السلام خاصة، أم للمؤمنين عامة؟. فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: ألا تسمع
إلى قول الله عز وجل: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) .
ولفظ ابن السنى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إِلا فرج عنه، كلمة أخي يونس
عليه السلام: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
.
وعند الإمام أحمد في أوله قصة بين سعد وعثمان رضي الله عنهما.
(2/289)
|