مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة القصص
مكية كلها.
قال الجعبري وغيره: إلا (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) .
قال يحيى بن معاذ: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
لما هاجر، وهو بالجحفة فقال: يا محمد أتشتاق إلى بلادك التي
ولدت فيها؟
فقال: نعم.
فقال: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ
إِلَى مَعَادٍ) .
(2/336)
قال ابن الجوزي: هذا قول ابن عباس، وروى عن
الحسن وعطاء
وعكرمة: أنها مكية كلها.
وقال البغوي، وابن الجوزي أيضاً، والأصفهاني: قال مقاتل: فيها
من
المدني: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون - إلى
قوله -:
لا نبتغي الجاهلين) .
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآيها ثمان وثمانون في جميع العدد، متفقة الإجمال، مختلفة
الفواصل.
اختلافها آيتان:
(طسم) ، عدها الكوفي وحده.
(من الناس يسقون) ، لم يعدها الكوفي، وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفاصلة موضع:
(امرأتين تذودان) .
وعكسه موضع:
(2/337)
(مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
ورويها: نرمل.
مقصودها
ومقصودها: التواضع للهِ، المستلزم لرد الأمر كله إليه، الناشىء
عن
الإيمان بالآخرة، الناشىء عن الإيمان بنبوة محمد - صلى الله
عليه وسلم - الثابتة بإعجاز القرآن، المظهر للخفايا، على لسان
من لم يتعلم قط من أحد من الخلق، المنتج لعلو المتصف به.
وذلك هو المأخوذ من تسميتها بالقصص، الذي حكم لأجله شعيب
بعلو الكليم - عليهما السلام - على من ناوأه، وقمعه لمن عاداه،
فكان المآل وفق ما قال.
(2/338)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى البزار عن عتبة بن النّذر رضي الله عنه، أن
(2/339)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي
الأجلين قضى موسى عليه السلام؟. قال: أبرهما وأوفاها، ثم قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما أراد موسى فراق شعيب -
عليهما السلام - أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه
ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون
قال: فما مرت شاة إلا ضرب جنبيها
موسى عليه السلام بعصاه، فولدت قوالب ألوانها كلها، وولدت
ثنتين
وثلاثا، كل شاة ليس فيها فشوش ولا ضبوب، ولا كمشة تفوت
الكف، ولا ثغول.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا فتحتم الشام فإنكم
ستجدون بقايا منها -، وهي السامرية.
ورواه الطبراني، إلا أنه قال: فلما وردت الغنم الحوض، وقف -
صلى الله عليه وسلم - بإزاء الحوض، فلم يصدر منها شيء إلا ضرب
جنبيها فحملت فنتجت كلها قوالب لون واحد، ليس فيها فشوش، ولا
ضبوب ولا ثعول، ولا كمشة تفوت الكف، فإن افتتحتم الشام وجدتم
بقايا منها فاتخذوها، وهي السامرية.
(2/340)
قال يحيى بن بكير: الفشوش: التي ينفش لبنها
عند الحلب.
والضبوب: التي يضب ضرعها عند الحلب. والكمشة: التي تعتاص
عند الحلب.
قال الهيثمي: وفي إسنادهما ابن لهيعة وهو ضعيف، وقد يحسن
حديثه.
وبقية رجالهما رجال الصحيح.
ورواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، من طريق ابن لهيعة - أيضاً -
وقال: إلا ضرب جنبها، وقال: ولا كمشة.
وروى أبو يعلى بسند - قال الهيثمي: رجاله ثقات - عن أبي سعيد
(2/341)
رضي الله عنه: أنه سئل عن قول الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى
مَعَادٍ) قال: معاده: آخرته.
ورواه الطبراني عن ابن عباش رضي الله عنهما أنه قال: معادك:
الجنة.
وفي رواية: إلى معاد: قال: الموت.
قال الهيثمي: رواه بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، غير
حصيف وهو ثقة وفيه ضعف.
وذكر ابن إسحاق أنه وقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو
بمكة عشرون رجلاً، - أو قريباً من ذلك - من النصارى حين ظهر
خبره في الحبشة، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وتلا عليهم القرآن فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع، حتى
استجابوا له، وآمنوا به، وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم من
أمره.
ويقال: فيهم نزلت هذه الآيات: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) .
(2/342)
سورة العنكبوت
مكية.
قال قتادة: إلا عشراً من أولها إلى: (وَلَيَعْلَمَنَّ
الْمُنَافِقِينَ)
فإنهن نزلن بالمدينة.
نقله أبو عمرو الداني والجعبري.
قال أبو حيان: نزل أوائلها في مسلمين بمكة كرهوا الجهاد حين
فرض
بالمدينة.
وقيل: في مِهْجَع مولى عمر رضي الله عنهما، قتل ببدر فجزع أبوه
وامرأته عليه.
(2/343)
وقال النجم النسفي: مكية إلا قوله في قصة
سعد: (ووصينا الِإنسان
بوالديه حُسْناً) وقوله: (ومن الناس من يقول آمنَّا بالله)
فإنهما نزلتا
بالمدينة.
وقال الأصفهاني تبعاً لابن الجوزي: وبأنها مكية قال الحسن
وقتادة
وعطاء وجابر بن زيد، ومقاتل، ورواه العوفي عن ابن عباس رضي
الله
عنهما.
وفي رواية عن ابن عباس: أنها مدنية.
وقال هبة الله المفسر: نزل من أولها إلى رأس العشر بمكة،
وباقيها بالمدينة.
وقال غيره عكس ذلك: نزلت العشر بالمدينة، وباقيها بمكة.
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآيها تسع وستون في جميع العدد، متفقة الإجمال فقط.
(2/344)
واختلافها ثلاث آيات:
(الم) عدها الكوفي وحده.
(وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) عدها المدنيان والمكي، ولم يعدها
الباقون.
(مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) عدها البصري والشامي، ولم يعدها
الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، موضع واحد:
(أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) .
ورويها: نمر.
مقصودها
ومقصودها: الحث على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
والدعاء إلى الله تعالى وحده، من غير تعريج على غيره سبحانه
أصلاً لئلا
يكون مثل المعرِّج، مثل العنكبوت، فإن ذلك مثل كل من عرج عنه
سبحانه، وتعوض عوضا منه، فهي سورة ضعف الكافرين، وقوة المؤمنين
وقد ظهر سر تسميتها بالعنكبوت، والله تعالى أعلم.
(2/345)
فضائلها
أما فضائلها: فروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه -
قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الأعمش قال: أرى أبا
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح
سرق، قال: سينهاه ما تقول.
يعني قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .
وروى عبد بن حميد في مسنده عن الزهري، عن رجل، عن ابن عمر
(2/346)
رضي الله عنهما، قال: خرجت مع النبي - صلى
الله عليه وسلم -، حتى دخل بعض حوائط الأنصار رضي الله عنهم،
فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: يا ابن عمر مالك لا
تأكل؟.
قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أشتهيه، قال:
لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منه لم أذق طعاماً، ولم أجده، ولو
شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف يا ابن عمر
إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟.
فوالله ما برحنا ولارمنا، حتى نزلت: (وَكَأَيِّنْ مِنْ
دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا
وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عز وجل لم
يأمرني بكثرة الدنيا ولا اتباع الشهوات، فمن كنز دنيا يريد بها
حياة باقية، فإن الحياة بيد الله ألا وأني لم أكنز ديناراً ولا
درهماً، ولا أخبأ رزقاً لغد.
وروى الحافظ زين الدين ابن رجب من طريق الحافظ أبي بكر الخطيب
عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال: كان أحمد بن نصر خليّ، فلما
قتل
في المحنة وصلب رأسه، أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت
بقرب
من الرأس مشرفاً عليه، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه، فلما
هدأت
العيون، سمعت الرأس يقرأ: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ
يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
.
فاقشعر جلده.
(2/347)
سورة الروم
مكية كلها إجماعاً.
وقيل: إلا قوله: (فسبحان الله حين تمسون)
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها خمسون وتسع آيات في المدني الأخير والمكي، وستون آية في
غيره.
اختلافها أربع آيات:
(الم) ، عدها الكوفي وحده.
(غلبت الروم) لم يعدها المدني الأخير والمكي، وعدها الباقون.
(2/348)
(في بضع سنين) لم يعدها المدني الأول
والكوفي، وعدها
الباقون.
(يقسم المجرِمون) عدها المدني الأول، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، أربعة مواضع:
(بنصر الله) (حين تمسون) ، (والمساكين) ، (وابن السبيل) .
وعكسه موضع: (يفرح المؤمنون.
ورويه ا: نمر.
مقصودها
ومقصودها: إثبات الأمر كله لله، فتأتي الوحدانية مطلقاً في
الإلهية
وغيرها، والقدرة على كل شيء فيأتي البعث ونصر أوليائه، وخذلان
أعدائه، وهذا هو المقصود بالذات، واسم السورة واضح فيه بما كان
من السبب في
نصر الروم من الوعد الصادق، والسر المكتوم.
(2/349)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أحمد فِى المسند، عن معاذ بن أنس الجهني
رضي
الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ألا
أخبركم لم سمي الله تعالى إبراهيم عليه السلام خليله الذي وفى،
لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: سبحان اللة حين تمسون وحين
تصبحون، حتى يختم الآية.
(2/350)
ولأبى داود - وسكت عليه، لكن تكلم فيه
البخاري في تاريخه، قال
النووي: وفي كتاب الضعفاء - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال حين يصبح:
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ،
إلى قوله، (وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) ، أدرك ما فاته في يومه
ذلك، ومن قالها حين يمسي، أدرك ما فاته في ليلته.
ولعبد الرزاق في جامعه عن شبيب بن روح، عن رجل من أصحاب
محمد قال: صَلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة
الفجر، فقرأ سورة الروم، فالتبس فيها عليه، فلما انصرف قال: ما
بال رجال يصلون معنا بغير طهور؟. من صلى معنا فليحسن طهوره،
فإنما يلبس علينا القرآن أولئك.
ورواه أحمد عن أبي روح الكلاعي قال: صلى بنا النبي - صلى الله
عليه وسلم - صلاة، فقرأ فيها بسورة الروم، فلبس عليه بعضها،
فقال: إنما لبس علينا الشيطان من أجل أقوام يأتون الصلاة بغير
وضوء، فإذا أتيتم الصلاة، فأحسنوا الوضوء.
(2/351)
وفي رواية: فردد في آية، فلما انصرف قال:
إنه لبس عليه القرآن أن
أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة
معنا
فليحسن الوضوء.
قال المنذري: هكذا رواه، ورجال الروايتين محتج بهم في الصحيح
ورواه النسائي عن أبي روح، عن رجل.
يعني كرواية عبد الرزاق.
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن عبد الملك بن عمير: أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة
الروم.
وروى الطبراني في الكبير عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن
أبي
مريم، وهو ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قيل له: نجد
الصلوات الخمس في كتاب الله تعالى؟.
قال: نعم، فقرأ عليه:
(2/352)
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) :
الغرب، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الصبح.
(وَعَشِيًّا) : العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : الظهر، (وَمِنْ
بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ)
قال: صلاة العشاء.
(2/353)
|