مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور

سورة سبأ
مكية إجماعاً.
وقال الأصفهاني تبعاً لابن الجوزي: وقال الضحاك وابن السائب
ومقاتل: فيها آية مدنية، وهي قوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم) الآية.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وأيها خسون وخمس آيات في الشامي، وأربع في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(عن يمين وشمال) عدها الشامي، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداَ بإجماع، أربعة مواضع:

(2/376)


(معاجزين) موضعان. (كالجواب) . (وبين ما يشتهون) .
وعكسه موضع:
(قَبْلَكَ مِنْ نذير) .
ورويها: ظن لدبر.
مقصودها
ومقصودها: أن الدار الآخرة التي أشار إليها آخر الأحزاب بالعذاب
والمغفرة، بعد أن أعلم أن الناس يسئلون عنها، كائنة لا ريب في إتيانها، لما
في ذلك من الحكمة وله عليه من القدرة.
ولقصة سبأ التي سميت بها السورة مناسبة كبيرة لهذا المقصد لما فيها من
الآيات الشهودية المشهودة - لاسيما عند العرب - على قدرته سبحانه على
الإِيجاد والإِعدام، للذات والصفات، والتحويل لما يريد من الأحوال.
والتصرف بالحكمة في الِإعطاء والمنع ابتداء وجزاء لمن شكر، أو كفر.

(2/377)


فضائلها
وأما فضائلها: فروى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصُباً، فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطلُ، إن البَاطِلَ كان زَهُوقاً) (جاء الحق وما يُبدئ الباطلُ وما يُعيدُ) .
وفي السير: أن الأصنام كانت مشدودة بالرصاص، وأنه ما أشار إلى
صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى مما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أسد الخزاعي:
وفي الأصنام معتبر وعلم. . . لمن يرجو الثواب أو العقابا
وروى أحمد في المسند، والطبراني في الكبير، عن ابن عباس رضي الله
عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سبأ: ما هو، أرجل، أم امرأة، أم أرض؟.

(2/379)


قال: بل هو رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، وسكن
الشام منهم أربعة. فأما اليمانيون: فمذحج، وكندة والأزد، والأشعريون.
وأنمار، وحمير. وأما الشاميون: فلخم: وجذام، وعاملة، وغسان.
قال الهيثمي: وفي سندهما ابن لهيعة وفيه ضعف، وبقية رجالهما
ثقات.
ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها شيخ الطبراني لم يعرفه
الهيثمي، وبقية السند رجال الصحيح.

(2/380)


وروى عبيد الله بن محمد العَيْشِي في جزءيه، عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: كان لكل قَبِيل من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه
الوحي، وكان الوحي إذا نزل، سمع له صوت كإمرار السلسلة على
الصفوان - قال العيشي: يعني على الحجر - فلا ينزل على سماء إلا صُعقوا:
(حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) .
ثم يقال: يكون العام كذا، ويكون العام كذا، فتسمع الجن
ذلك فتخبر به الكهنة، فتخبر الكهنة الناس، فيجدونه كما قالوا، فلما
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دحروا. فقالت العرب: هلك من في السماء، فجعل صاحب الإِبل ينحر كل يوم بعيراً وجعل صاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الشاة يذبح كل يوم شاة، حتى أسرعوا في أموالهم، فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب: يا آيها الناس عليكم أموالكم، فإنه لم يهلك من في السماء، وإن هذا ليس بانتشار، أليس ترون معالمكم من النجوم كما هي؟
فقال إبليس: لقد حدث اليوم حدث، ائتوني من تربة الأرض، فأتوه من
تربة كل أرض، فجعل يشمها، حتى أتى من تربة مكة، فشمها فقال: من
ههنا حدث الحدث، فنظروا فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث.

(2/381)


وروى الطبراني في الكبير عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح - قال
الهيثمي: وقد وثق، وتُكلم فيه بغير قادح، وبقية رجاله ثقات - عن
النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد الله أن يوحي بأمره، تكلم بالوحي، أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل عليه السلام، فيكلمهم الله من وحيه بما أراد فينتهي به جبريل على الملائكة عليهم السلام، كلما مر بسماء سأله أهلها، ماذا قال ربنا يا جبريل؟
قال الحق وهو العلي الكبير، فيقول كلهم مثل ما قال جبريل عليه السلام.
فينتهي به جبريل حيث أمر من السماء والأرض.

(2/382)


سورة فاطر
وتسمى سورة اللائكة.
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآيها أربعون وست آيات في المدني الأخير والشامي، وخمس في عدد الباقين.
اختلافها سبع آيات:
(لهم عذاب شديد) وهو الأول، عدها البصري والشامي.
ولم يعدها الباقون.
(بخلق جديد) ، (والأعمى والبصير) لم يعدهن ثلاثتهن.
وعدهن الباقون.

(2/383)


(مَنْ في القبور) لم يعدها الشامي وحده.
(أن تزولا) عدها البصري وحده.
(فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) عدها المدني الأخير والبصري والشامي.
ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، ثلاثة مواضع:
(لهم عذاب شديد) وهو الثاني، (جُدَدٌ بِيضٌ) ، (وجاءكم النذير) .
ورويها: زد برغل.
مقصودها
ومقصودها: إثبتا القدرة الكاملة لله تعالى، اللازم منها تمام القدرة على
البعث، الذي عنه يكون أتم الإِبقاءين بالفعل دائماً أبداً بلا انقطاع، ولا
زوال أصلًا، ولا اندفاع، في دار المقامة التي أذهب سبحانه عنها الحزن
والنصب واللغوب. ودار الشقاوة الجامعة لجميع الأنكاد والهموم.
ولاسم السورة "فاطر" أتم مناسبة لمقصودها، لأنه لا شيء يعدل ما في

(2/384)


الجنة من تجدد الخلق، فإنه لا يؤكل منها شيء إلا عاد كما كان في الحال.
ولا يراد شيء إلا وجد في أسرع وقت فهي دار. الإِبداع والاختراع بالحقيقة، وكذا النار، كلما نضجت جلودهم بدَّلناهم جلوداً غيرها.
وكذا تسميتها بالملائكة بأنهم يُبْدَعُون خلقاً جديداً، كل واحد منهم
على صورته التي أراد الله كونه عليها، لا يزاد فيها، ولا ينقص، كلما أراد الله ذلك من غير سبب أصلاً غير إرادته المطابقة لقدرته سبحانه، وعز شأنه من غير تدريج بسبب توليد ولا غيره، فكل واحد منهم نوع برأسه، وهم من الكثرة على وجه لا يحاط به.
وما يعلم جنود ربك إلا هو.

(2/385)


فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو عبيد في الفضائل، عن عامر بن عبد قيس
قال: أربع آيات من كتاب الله إذا قرأْتُهُنً، ما أبالي ما أصبح عليه وأمسي:
(ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من
بعده وهو العزيز الحكيم) ، (وإن يَمْسَسْكَ الله بضر فلا كاشف له إلا
هو وإن يردك بخير فلا رَادَّ لفضله) ، (سيجعل الله بعد عسر
يسراً) . (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) .
وروى أبو يعلى - بإسناد قال المنذري: صحيح - والحاكم

(2/386)


وقال: صحيح على شرط مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أوى الرجل إلى فراشه ابتدره مَلَكٌ وشيطان، فيقول المَلَكُ: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشر، فإن ذكر الله ثم نام، بات المَلَكُ يكلؤه، فإذا استيقظ قال المَلَكُ: افتح بخير، وقال الشيطان: افتح بشر،، فإن قال: الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها، (الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا) إلى آخر الآية، الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه - وزاد الحاكم: الحمد لله الذي يحى الموتى وهو على كل شيء قدير - فإن وقع عن سريره فمات، دخل الجنة.

(2/387)


سورة يس
وتسمى - أيضاً -: القلب، والدافعة، والقاضية، والمُعِمَّة.
قال ابن الجوزي: قاله - أي إنها مكية - ابن عباس، والحسن.
وعكرمة، وقتادة، والجمهور.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة أنهما قالا: إنها مكية إلا
آية منها:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ) .
وحكى أبو سليمان الدمشقي: أنها مدنية. وقال: وليس بالمشهور.

(2/388)


عدد آياتها وما يشيه الفواصل فيها
وآيها ثمانون وثلاث آيات في الكوفى، واثنتان في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(يس) ، عدها الكوفي وحده.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يُعَدَّ بإجماع، موضع:
(رجل يسعى) .
وعكسه اثنان:
(من العيون) ، (فيكون) .
ورويها: نم.
مقصودها
ومقصودها: إثبات الرسالة التي هي روح الوجود، المفاض فيه من جهة
المَلِكِ، وقلب جميع الحقائق، وبها قوامها للمرسل بها، الذي هو خالصة
المرسلين، الذين هم قلب الموجودات كلها، ذوات ومعادن، إلى أهل مكة أم القرى وقلب الأرض، وهم قريش قلب العرب، الذين هم قلب الناس،

(2/389)


بصلاحهم صلاحهم كلهم، وبفسادهم فسادهم، فلذلك كان من حولها
جميع أهل الأرض.
وجل فائدة الرسالة: إثبات الوحدانية للعزيز الرحيم، ذي الجلال
والِإكرام، والِإنذار بيوم الجمع، الذي به - مع ستره عن العيان، الذي هو
من خواص القلب - صلاح الخلق فهو قلب الأكوان، وبه الصلاح أو الفساد للِإنسان.
وعلى ذلك تنطبق معاني أسمائها: يس، والقلب، والدافعة، والقاضية.
والمُعِمَّة.
لأن، من اعتقد الرسالة كفته جميع مهمة، ودفعت عنه سائر ملمة.
وقضت له بكل خير، وأعطته بكل كل مراد. وكل من هذا له أتم نظر إلى
القلب، كما لا يخفى.
والمعمة: الشاملة بالخير والبركة.
قال في القاموس: عمهم بالعطية، وهو مِعَم خير، يعم خيره.
ومن المعلوم: أن القلب كذلك.
وأما يس: فمشير إلى سر كونها قلب المشير إلى البعث، الذي هو من

(2/390)


أجل مقاصدها الذي يكون به صلاح القلب، الذي به قبول ما ذكر.
وذلك أنه لما كان قلب كل شيء أبْطَنَ ما فيه وأنْفَسَ وكان قلبُ الِإنسان غائباً عن الإحساس، وكان مودعاً من المعاني الجليلة، والِإدراكات الخفية والجلية، ما يكون للبدن سبباً في إصلاحه أو إسعاده، وكانت الساعة من عالم الغيب وفيها انكشاف الأمور، والوقوف على حقائق المقدور، وبملاحظتها في إصلاح أسبابها تكون الشقاوة السرمدية.
وكانت قد بينت في هذه السورة بيانا لم يكن في غيرها، بما وقع من
التصريح في قلبها الذي هو وسطها - بنفختيها المميتة لكل من في الأرض.
فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، والباعثة (فإذا هم من
الأجداث إلى ربهم ينسلون) ، والتصريح بالمعاد الجثماني والاستدلال عليه
بالدليل، الذي نقل أن أبا نصر الفارابي - الذي وُسِم بأنه العلم الثاني -
كان يقول: وددت لو أن هذا العالم الرباني - يشير إلى العلم الأول أرسطو

(2/391)


وقف على هذا القياس الجلى، حتى أعلم ما يقول فيه، ويتلو قوله
تعالى: (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) .
وترتيب القياس أن يقال: الله أنشأ العظام، وأحياها أول مرة، وكل
من أنشأ شيئاً وأحياه أول مرة، فهو قادر على إنشائه وإحيائه ثاني مرة، ينتج: أن الله قادر على إنشاء العظام وإحيائها بعد إفنائها.
فلما اختصت بذلك عن باقي القرآن، كانت قلباً له، كما قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -، على ما سياتي في الفضائل.
هذا ما هداني الله - وله الحمد - إليه، من بيان السر في كونها قلباً.
ثم رأيت البرهان النسفي قال في تفسيره في آخر السورة، بعد أن ذكر الحديث في تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - لها قلباً: قال الغزالي فيه: إن ذلك - أي كونها قلباً - لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر، والحشر متقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك.
واستحسنه الإِمام المحقق فخر الدين الرازي.
ويمكن أن يقال: إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة:
الوحدانية والرسالة، والحشر، بأقوى البراهين.
فابتدأها ببيان الرسالة بقوله: (إنك لمن المرسلين) ودليله: ما قدمه عليها بقوله: (والقرآن الحكيم) ، وما أخره عنها بقوله: (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) وأنهاها ببيان الوحدانية والحشر.

(2/392)


فقوله: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) إشارة إلى التوحيد.
وقوله: (وإليه ترجعون) ، إشارة إلى الحشر.
وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائلها.
ومن حصل من هذا القرآن، هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه، وهو التصديق الذي بالجنان.
وأما الذي باللسان، والذي بالأركان، ففي غير هذه السورة.
فلما كان فيها أعمال القلب لا غير، سماها قلباً، ولهذا ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - قراءتها عند رأس من دنى منه الموت، لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة، والأعضاء ساقطة المنة لكن القلب يكون قد أقبل على الله (تعالى) ، ورجع عن كل ما سواه، فيقرأ عند رأسه ما يزداد به قوة في قلبه، فيشتد تصديقه بالأصول الثلاثة.
انتهى وفيه بعض تصرف.
وقوله: إن وظيفتي اللسان والأركان ليس في هذه السورة منهما شيء.
ربما يعكس عليه قوله تعالى: (ومالي لا أعبد الذي فطرني) ، (وإذا
قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله) ، (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) .
هذا، وقد استمد من هذا الصريح في أمر الحشر، كل ما انبث في
القرآن من ذكر الآخرة الذي بمراعاته وإتقانه، يكون صلاح جميع الأحوال، في

(2/393)


الدارين، وبإهماله ونسيانه يكون فسادها فيهما.
هذا ما شاركت به غيرها مما جمعته من جميع معانيه المجموعة في الفاتحة
من الأسماء الحسنى: الله، والرب، والرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين.
الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، والأمر بالعبادة بسلوك الصراط
المستقيم، وتفصيل أهل النعيم، وأهل الجحيم، وإثبات الأصول الثلاثة التي
يصير بها المكلف مؤمناً: الوحدانية، والحشر، والرسالة، التي هي قلب
الوجود، وبها صلاحه، وهي ممدة لكل روح يكون به حياة هنيئة، وهي مبدأ
الصلاح، كما أن البعث غايته وأن الخاتم لها إنسان عين الموجوادات
وقلبها، فأثبت له ذلك على أصرح وجه وآكده.
ومع جمع ما افتتحت به السورة من الحروف المقطعة، المنشورة أول
السور، عمادا للقرآن وشحذا للأذهان، لصنفي المنقوطة أو العاطلة، ووصفى المجهورة والمهموسة.
ولما كان القلب من الإِنسان المقصود بالذات من الأكوان، في نحو ثلث
بدنه من جهة رأسه وكانت الياء في نحو ذلك من حروف أبجد، فإنها
العاشرة منها. والسين بذلك المحل من حروف أب ت ث، فإنها الثانية عشرة
منها وعَلَا هَذَانِ الحرافانِ بما فيهما من الجهر عن غاية الضعف، ونزر بما لهما
من الهمس عن نهاية الشدة، إشارة إلى أن القلب الصحيح هو الزجاجي
الشفاف، الجامع بين الصلابة والرقة، الذي علا بصلابته عن رقة الماء.
الذي لا تثبت فيه صورة ونزل بلطافته عن قساوة الحجر، الذي لا يكاد
ينطبع فيه شيء إلا بغاية الجهد، فكان جامعاً بين الصلابة والرقة متهيئاً لأن
تنطبع فيه الصور وتثبت، ليكون قابلًا مفيداً، فيكون متخلقاً من صفات
مُوجَدةٍ بالقدرة والاختيار، اللذين دلت عليهما سورة الملائكة، وبمعرفة الخير
فيجتلبه والشر فيجتنبه، فيكون فيه شاهد من نفسه على الاعتقاد الحق في
صانعه.

(2/394)


وكانت المجهورة أقوى، فقدمت الياء لجهرها، وكانتا بعد الاختلاف
بالجهر والهمس قد اتفقتا في الانفتاح والرخاوة والاستفال، إشارة إلى أن
القلب لا يصلح - كما تقدم - مع الصلابة التي هي في معنى الجهر، إلا
بالإِخبات، الذي هو في معنى الهمس، وبالنزول عن غاية الصلابة إلى حَدِّ
الرخاوة، لئلا يكون حجرياً قاسياً، وبأن يكون مستفلًا، ليكون إلى ربه -
بتواضعه وبُعْدِه عن النفور والاستكبار - سائراً واصلاً وزادت الصفير الذي
فيه شدة وانتشار وقوة بضعفها عن الياء بالهمس فتعادلتا.
ودل صفيرها على النفخ في الصور، الذي صرحت به هذه السورة.
ودل جهر الياء على قوته، ودل كونها من حروف النداء على خروجه
عن الحد في شدته، حتى تبدو عنه تلك الآثار، المخلية للديار، المفنية للصغار
والكبار، ثم الباعثة لهم من جميع الأقطار إجابة لدعوة الواحد القهار.
وكان مخرجهما من اللسان، الذي هو قلب المخارج الثلائة، لتوسطه
وكثرة منافعه في ذلك، وكانت الياء من وسطه، والسين من طرفه، وكان
هذان المخرجان - مع كونهما وسطا - مداراً لأكثر الحروف.
هذا مع ما لهما من الأسرار، التي تدق عن تصور الأفكار.
قال تعالى: (يس) .
وإن أريد يا إنسان فهو قلب الموجودات كلها، وخالصها، وسرها.
ولبابها.
وإن أريد: يا سيد، فهو خلاصة من سادهم.

(2/395)


وإن أريد: يا رجل فهو خلاصة البشر.
وإن أريد: يا محمد، فهو خلاصة الرجال، الذين هم لباب البشر.
الذين هم سر الأحياء الذين هم عين الموجودات، فهو خلاصة الخلاصة.
وخيار الخيار، وإنسان العين، وعين القلب.
وكأن من قال معناه: يا محمد، نظر إلى الاتحاد في عدد حروف
اسمه - صلى الله عليه وسلم -، بالنظر إلى المِيمَيْن في المشددة، وعدد اسمى الحرفين.
ولا يخفى أن الهمزة في اسم الياء ألف ثانية، فمبلغ عددها اثنا عشر.
ثم إنه لما كان الأنبياء عليهم السلام من نوره - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أولهم خلقاً وآخرهم بعثاً، فكانوا في الحقيقة إنما هم ممهدون لشرعه، وكأن سبحانه إنما أرسله ليتمم مكارم الأخلاق، وكأن قد جعل سبحانه من المكارم أن لا يكلم الناس إلا بما يسع عقولهم، وكانت عدة المرسلين عليهم السلام، كما في
حديث أبي أمامة الباهلي عن أبي ذر رضي الله عنهما، عند أحمد في المسند
ثلاثمائة وخمسة عشر.
وفيه: أن الأنبياء عليهم السلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
وهو في الطبراني الكبير، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رجلاً سأل
النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر عدد الرسل فقط.
ولما كانت عقول العرب لا تسع بوجه أول الدعوة قبل الِإيمان.
أنهم منه، أقسم سبحانه ظاهراً أنه منهم، ورمز الأصفياء باطناً إلى أنهم منه.
بجعلهم عدد أسماء حروف اسمه "محمد" الذي رمز إليه بالحرفين أول
السورة.

(2/396)


فكأنه قال: إنك يا ياسين - الذي تأويله محمد، الذي عدد أسماء
حروفه بعدِّهم - لأصلهم. فصار رمزاً في رمز، وكنزاً نفيساً تحت كنز، وسراً من سر، وخفاء من وراء ستر، وهو ألذ في مناداة الأحباب، من صريح الخطاب.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو داود، والنَّسائي، وابن ماجة، وأبو يعلى
الموصلي والإِمام أحمد في مسنديهما، وابن حبان في صحيحه، والطبراني، عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: البقرة سنام القرآن -
الحديث كما مضى في البقرة، إلى أن قال: - ويس قلب القرآن، لا يقرؤها
رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، اقرؤوها على موتاكم.
وأخرجه البيهقي في الشعب عن معقل رضي الله عنه، ولفظه: من قرأ

(2/397)


يس ابتغاء وجه الله، غفر له ما تقدم من ذنبه، فاقرأوها عند موتاكم.
ورواه أبو داود في السنن، والبيهقي في الدعوات عنه، ولفظهما: اقرأوا
على موتاكم يَس.
ورواه أبو عبيد ولفظه: اقرأوها على موتاكم. يعني: يس.
قال شيخنا البوصيري: وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه، رواه البزار في مسنده.
ولأحمد. وأبي داود، والنَّسائي، وابن ماجة وابن حبان، والحاكم عن
معقل بن يسار - أيضاً - رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اقرأوا على موتاكم يس.
وروى ابن رجب في كتابه "الاستغناء بالقرآن" عن أسد بن وداعة
قال: لما حضر غضيف بن الحارث رضي الله عنه - الموت، حضره إخوانه،

(2/398)


فقال: هل فيكم من يقرأ سورة يس؟.
قال رجل من القوم: نعم. قال: اقرأ ورتل وأنصتوا. فقرأ ورتل واستمع القوم، فلما بلغ: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) ، خرجت نفسه.
وللترمذي وقال: غريب، والدارمي، عن أنس رضي الله عنه، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات.
زاد في رواية: دون يس.
وعند الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأيس في ليلة الجمعة، غفر له.
ورواه أبو يعلى ولفظه: من قرأ يس في ليلة، أصبح مغفوراً له.
ورواه الطبراني من رواية الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولفظه: من قرأ يس في يوم أو ليلة ابتغاء وجه الله، غفر له

(2/399)


ورواه الدارمي من هذه الطريق، ولفظه: من قرأ يس في ليلة
ابتغاء وجه الله غفرله تلك الليلة.
ورواه أبو يعلى والطيالسي بهذا اللفظ، عن ابي هريرة - أيضاً - رضي
الله عنه.
وللطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دام على قراءة يس كل ليلة، ثم مات، مات شهيداً.
وعند مالك، وابن السنى، وابن حبان في صحيحه، عن جندب بن
عبد الله رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ لس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له.
وتقدم في براءة حديث علي رضي الله عنه في فضلها.
وفي طه مرسل عن شهر بن حوشب كذلك.
وروى أحمد بن منيع عن أمامة، عن أبي بن كعب رضي الله عنهما؟
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر له. ومن قرأ يس فكأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة. ومن قرأ يس وهو في سكرات الموت،

(2/400)


جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة حتى يسقيه وهو على فراشه
حتى يموت ريان، ويبعث ريانا.
وروى الِإمام أحمد في المسند عن سماك بن حرب عن رجل من أهل
البادية - رضي الله عنه - أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسمعه يقرأ في صلاة الفجر (ق والقرآن المجيد) و (يس والقرآن الحكيم) .
وللدارمي عن عطاء بن أبي رباح قال: بلغني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ يس في صدر النهار، قضيت حوائجه.
ورواه أبو الشيخ ابن حيان عن ابن عباس، والبراء بن عازب، رضي
الله عنهم مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ومن قرأها في صدر النهار، وقدمها بين يدي حاجته قضيت.
ورواه القاضي أبو عبد الله المحاملي في الخامس من أماليه عن عبد الله
ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جعل يس أمام حاجته قضيت له.

(2/401)


وذكر ابن هشام في السيرة في مقدمة الهجرة، اجتماع قريش في دار
الندوة، ومعهم إبليس في هيئة شيخ نجدي للمشاورة قيماً يصنعونه برسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن أبا جهل أشار بأن يقتلوه، وصوب رأيه الشيخ النجدي.
ثم قال: قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب
القرظي قال: اجتمعوا له - يعني ليقتلوه - وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال - وهو على بابه -: إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره، كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان
ْالأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ريح، ثم بعثتم من بعد موتكم.
فجعلت لكم نار تحرقون فيها، قال: وخرج عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: نعم، أنا أقول ذلك أنت أحدهم، وأخدذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من: (يس والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين، على صراط مستقيم - إلى قوله -: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ، حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل، إلا وقد وضع على رأسه تراباً، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟.
قالوا محمداً.
قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته، فما ترون ما بكم؟.
قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم
جعلوا يطلعونه، فيرون علياً على الفراش متسجياً بِبرْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائماً عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى

(2/402)


أصبحوا فقام علي عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صَدَقَنَا الذي حَدَثَنَا.
وللدارمي عن الحسن رحمه الله قال: من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه
الله، ومرضاة الله غفر له، وقال: إنها تعدل القرآن كله.
وله عن ابن عباس رضي الله عنهما قالت، من قرأ يس حين يصبح.
أعطى يسر يومه حتى يمسى ومن قرأها في صدر ليلة، أعطى يسر ليلته حتى
يصبح.
وروى الأصبهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ سورة يس في ليلة الجمعة، غفر له:
وروى عبد الرزاق عن معمر قال: سمعت رجلًا يحدث: إن لكل
شيء قلباً، وقلب القرآن يس ومن قرأها فإنها تعدل القرآن، أو قال: تعدل
قراءة القرآن كله، ومن قرأ "قل يا أيها الكافرون" فإنها تعدل ربع القرآن.
و"إذا زلزلت" شطر القرآن.
ولأبي بكر الشافعي في الجزء السابع من "الغيلانيات"، عن عبد الله بن
سمحج الجني، رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من مريض تقرأ عنده يس، إلا مات ريان، وأدخل قبره ريان، وحشر يوم القيامة ريان.
هكذا في نسختي: ابن سمحج.
(وفي "تجريد الصحابة" للحافظ شمس الدين الذهبي: أنه كان

(2/403)


اسمه سمجح فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله.
وكذا ذكره شيخنا في كتاب "الِإصابة"، وضعف عبد الله بن الحسين
المصيصي شيخ الطبراني، أحد رواة الحديث.
وفي الفردوس عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
سورة يس، تدعى في التوراة: المعمة.

(2/404)


ولأبي الشيخ عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ في ليلة (الم تنزيل السجدة) ، و (يس) ، و (اقتربت الساعة) .
و (تبارك) ، كن له حرزاً من الشيطان وشركه، ورفعه الله في الدرجات يوم القيامة.
وروى البزار من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي - قال الهيثمي: وهو
ضعيف - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قول الله تعالى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) .
قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه، لا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره في ديارهم.
هذا وجَعْلُ هذه السورة مرة كالقرآن يتلوه في الليلة مرة واحدة، وتارةً
كالقرآن عشر مرات، وأخرى كالقرآن ثنتي عشرة مرة، لا تعارض فيه، ولله الحمد، بل هو بالنظر إليه بحسب جهات متنوعة.
فالأول ناظر إلى: أن قلب الشيء لما كان هو المصرف له ولا يمكن
عادة تفكره بدونه كان عديلاً له بدون قلب.
والثاني وهو العشر، ناظر إلى: أن القلب كالشيء من غير قلب عشر
مرات، لأن منافع البدن وهي أعوان القلب، تابعة للقلب، ولما كان يعدم
تمام الانتفاع بعدم واحدة منها، عد الباقي عَدَماً.
وبتلك المنافع يكون تمام المعارف، التي هي المقصودة منه. وهي قسمان: أعيان، ومعان.

(2/405)


الدماغ، والرئة، والكبد والطحال، والكليتان، والحواس الخمس
الظاهرة، فإن في كل حاسة الدية كاملة.
أو يقال: إن ذلك بالنظر إلى الحواس الظاهرة والباطنة من غير نظر إلى
الأعيان، وللثالثة بالنظر إلى الحواس العشر الظاهرة والباطنة واليدين
وللرجلين، فتلك اثنتا عشرة، لأن اليدين والرجلين عضوان فقط، ولهذا قوبلا بديتين. ومهما نقص من هذه الأشياء. نقص من بيان المدركات بحسبه.
فكأن سورة يس مع القرآن بدونها بهذه المنزلة في البيان، والله أعلم.
وروى الحافظ ابن رجب في كتابه "الاستغناء بالقرآن" من طريق أبي
الطيب عبد المنعم بن غلبون، عن مُجَّاعة بن الزبير، قال: دخلت على
حمزة الزيات فوجدته يبكى، فقلت: ما يبكيك؟. فقال: فكيف لا أبكي وقد رأيت ربي تبارك وتعالى الليلة في منامي، كأني عُرضت على الله،؟ فقال لي: يا حمزة اقرأ القرآن كما علمتك، فوثبت قائماً، فقال لي: يا حمزة اجلس فإني أحب أهل القرآن. ثم قال لي: يا حمزة اقرأ، فقرأت حتى بلغت سورة طه فقلت: "طوى وأنا اخترتك" فقال: بين طوى وأنا اخترناك.
ثم قال لي:

(2/406)


اقرأ، فقرأت حتى بلغت سورة يس، فقلت: "تنزيل العزيز الرحيم".
فقال: جل وعز: قل: "تنزيل العزيز الرحيم"، يا حمزة كذا قرأت، وكذا أقرأت حملة العرش، وكذا يقرؤه المقربون، ومضى في الأعراف منام له حسن
أيضاً.

(2/407)