مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور

سورة والطور
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها أربعون وسبع آيات في المدنيين والمكي، وثمان في البصري.
وتسع في الكوفي والشامي. اختلافها آيتان:
(والطور) ، لم يعدها المدنيان والمكي، وعدها الباقون.
(إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) ، عدها الكوفي والشامي، ولم يعدها
الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد بإجماع، موضعان:
(يَوْمَ يُدَعُّونَ) ، (سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) .

(3/27)


وعكسه ثلاثة مواضع:
(لواقع) ، (ولكم البنون) (حين تقوم) .
ورويها أربعة أحرف: نعمر.
مقصودها
ومقصودها: تحقيق وقوع العذاب، الذي هو مضمون الوعيد المقسم
على وقوعه في الذاريات، الذي هو مضمون الِإنذار المدلول على صدقه في
ق، وأن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها، وجعل
دَكَّ بعضها آية على ذلك، ومن الكتاب في أثبت أوضاعه، لِإمكان غسله
وحرقه ومن البيت الذي يمكن عامره وغيره إخرابه، والسقف الذي يمكن
رافعه وضعه، والبحر الذي يتمكن من سحره أن يرسله.
وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك، بملاحظة القسم وجوابه.
حتى بمفردات الألفاظ في خطابه.

(3/28)


فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الشيخان، وأبو داود، وابن ماجة، والنَّسائي.
والدارمي، والبغوي من طريق أبي مصعب عن مالك، وأورده الترمذي
بغير سند، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالطور.
قال البخاري في التفسير: فلما بلغ هذه الآية. (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) .
كاد قلبي أن يطير.

(3/29)


وقال ابن ماجة -:، فلماسَمعته يقرأ.: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) - إلى قوله - (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) .
كاد قلبي يطرب.
وذكر ابن رجب عن كتاب "الزهد" للإمام أحمد، عن ابن عبد العزيز
بن سلمان قال: قرأ رجل عند أبي "والطور" حتى انتهى إلى: (إن عذاب
ربك لواقع) فبكى القوم، حتى ما كنت أسمع قراءة القارئ.
وروى أبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن حبان في صحيحه.
والحاكم، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -

(3/30)


قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جلس مجلساً كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا اله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا كان كفارة لما بينهما.
وفي رواية: إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك.
قال ابن عباس: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) .
أي من مقامك.

(3/31)


وروى أبو عبيد عن يحيى بن حمزة عن أبيه، عن جده، قال:
افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما سورة الطور، فلما انتهت إلى
قوله: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) ذهبت إلى السوق في
حاجة، ثم رجعت وهي تكررها: (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) ، (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) وهي في الصلاة.

(3/32)


سورة والنجم
مكية إجماعاً.
عدد آياتها
وآيها ستون وآيتان في الكوفي والشامي، وآية في عدد غيرهما.
اختلافها ثلاث آيات:
عد الكوفي (مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) ، ولم يعدها الباقون.
وعد الشامي (عَنْ مَنْ تَوَلَّى) ، ولم يعدها الباقون.
ولم يعد الشامي (إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ، وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع، ثلاثة مواضع:

(3/33)


(عن ذكرنا) ، (هو أغنى) ، (وتضحكون) .
ورويها إن جعلنا الألف رويا، كان المقصود خمسة أحرف: أفدنا.
وإلا: فرويها تسعة عشر حرفاً: عسل أزد، غر ثقيف، وضحك شنه.

(3/34)


مقصودها
ومقصودها: ذم الهوى، لإنتاجه الضلال، بالإخلاد إلى الدنيا، التي
هي دار الكدر والبلاء والتصرم والفناء. ومدح العلم، لإثماره الهدى، في
الإقبال على الأخرى، لأنها دار البقاء، في السعادة أو الشقاء. والحث على
اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في نذارته التي بينتها "ق"، وصدقتها الذاريات وأوقعتها الطور.
كما يتبع في بشارته، لأن علمه هو العلم، لأنه لا ينطبق عن الهوى، لا
في صريح كتابه، ولا في بيانه له، لأن الكل عن الله الذي له صفات
الكمال فلا بد من بعث الخلق إليه، وحشرهم لديه، لتظهر حكمته غاية
الظهور، فيرفع أهل التزكي والطهور، ويضع أهل التدسي والفجور ويفضح
كل متحل بالزور، منتحل للشرور.
وعلى ذلك دل اسمها "النجم"، لمن تأمل القسم والجواب، وما نظم به
من نجوم الكتاب.

(3/35)


فضائلها
وأما فضائلها: فروى البزار بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله
عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تليت عنده سورة النجم، فلما بلغ السجدة سجد، وسجدنا معه، وسجدت الدواة والقلم.
قال النووي في التبيان: وثبت في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي
الله عنه، أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - (النجم) ، فلم يسجد.
وثبت في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم.

(3/36)


فدل على أنه ليس بواجب.
وقال المنذري في الترغيب في البكاء من خشية الله: وروى عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) .
بكى أصحاب الصفة، حتى
جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسهم بكى معهم، فبكينا لبكائه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مُصِرٌّ على معصية الله، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون
فيغفر لهم. رواه البيهقي.
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -

(3/37)


بالنجم وسجد المسلمون معه والمشركون، والإِنس والجن.
وروى - أيضاً - عن عبد الله رضي الله عنه قال: أول سورة أنزلت
فيها سجدة: النجم، قال: فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفًّا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية. بن خلف.
وقال ابن رجب: وروى وكيع بن زياد بن أبي مسلم، عن صالح أبي
الخليل، قال: ما رؤى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسماً - أو قال: ضاحكاً - منذ أنزلت عليه هذه الآية: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) .

(3/38)


سورة القمر
وتسمى: اقتربت.
مكية إجماعاً.
وقال أبو حيان: وقيل: غير ذلك
عدد آياتها
وآيها خمسون وخمس بإجماع أهل العدد، وليس فيها اختلاف، ولا ما
يشبه الفواصل ورويها حرف واحد: الراء.
مقصودها
ومقصودها: بيان آخر النجم في أمر الساعة، من تحققها، وشدة قربها.
وتصنيف أهلها باعتبار ما ذكر هنا، من العجب من القرآن، والضحك

(3/39)


والبكاء والعمل، إلى طالب علم مهتد به فهو فائز. وإلى مُتْبع نَفْسَهُ شَهَواتِها، ضال بإهمالها فهو خائب.
وذلك لأنه سبحانه وعد بذلك، بإخبار - صلى الله عليه وسلم - عنه به، وتحقق صدقه بما أيده به من آياته التي ثبت بها اقتداره على ما يريد، من الإيجاد والإعدام.
فثبت تفرده بالملك، وأيد اقترابها بالتأثير في آية الليل، بما يدل على
الاقتدار على نقض السماوات المستلزم لإهلاك الأرض، فأذن ذلك بأنه ما
بقي إلا تأثير آية النهار، وعندها يكون طي الانتشار، وعموم البوار.
المؤذن بالإحضار، لدى الواحد القهار.
وأدل ما فيها على هذا الغرض كله: أول آياتها، فلذلك سميت بما
تضمنته من الاقتراب والقمر.
وكانت تسميتها بالقمر أشهر، لدلالته على الاقتراب المختتم به النجم.
بالإشارة، لا بالعبارة ولم تسم بالاشتقاق، لأنه إذا أطلق، انصرف إلى الإثم.
فكانت السماء به أحق.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى مسلم والأربعة عن عبد الله، بن عبد الله، بن
عتبة، بن مسعود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبا واقد الليثي

(3/40)


رضي الله عنه: ماذا كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟.
قال: كان يقرأ فيهما بـ "قاف والقرآن المجيد" "واقتربت الساعة وانشق القمر".
وروى أبو الشيخ في كتاب "الثواب" عن عائشة رضي الله عنها، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ في ليلة: "الم تنزيل، ويس".
و"تبارك الذي بيده الملك"، "واقتربت" كن له نورا.

(3/41)


وللحاكم وقال: صحيح الإسناد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، أن
حذيفة رضي الله عنه خطبهم بالمدائن يوم جمعة فقال: إن الله تعالى يقول:
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر
قد انشق، ألا وإن الدنيا قد أذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا
السباق، ألا وإن الغاية النار، والسباق من سبق إلى الجنة.
ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد
الرحمن السلمي قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه يوم الجمعة وهو على
المنبر قرأ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ، (فقال: قد اقتربت الساعة.
وقد انشق القمر، واليوم المضمار، وغدا السباق.
وللطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: من سأل عني، أو سره أن ينظر إليَّ، فلينظر إلى أشعث، شاحب، مشمر، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه.
اليوم المضمار، وغدا السباق، والغاية الجنة أو النار.
وروى الطبراني - قال المنذري: ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم
وقال: صحيح الِإسناد - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(3/42)


اقتربت الساعة، ولا تزداد منهم إلا بُعدا.
ولفظ الحاكم: اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً.
ولا يزدادون من الله إلا بعداً.
وروى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أهل
مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما.

(3/43)


سورة الرحمن عزَّ وَجَل
وتسمى: عروس القرآن، والرفرف.
قال ابن عباس رضي الله عنهما - قال النسفي: والضحاك -: مكية.
وقال قتادة - قال النسفي: ومقاتل بن حيان والواقدي -: مدنية
وقال الأصفهاني: وقيل فيها مكي ومدني.
قال أبو حيان: هي مكية في قول الجمهور.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها سبعون وست في البصرى، وسبع في المدنيين والمكي، وثمان في
الكوفي والشامي.
اختلافها خمس آيات:

(3/44)


(خلق الإنسان) الأول، لم يعدها المدنيان، وعدها الباقون.
(وضعها للأنام) لم يعدها المكي، وعدها الباقون.
(شواظ من نار) عدها المدنيان والمكي، ولم يعدها الباقون.
(يكذب بها المجرمون) ، لم يعدها البصري، وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد بإجماع، موضعان:
(خلق الِإنسان) الثاني، (رب المشرقين) .
وعكسه موضع: (خلق الإِنسان) الأول.
ورويها ثلاثة أحرف: نمر.
مقصودها
ومقصودها: الدلالة على ما ختمت به القمر من عظيم الملك، وتمام
الاقتدار، بعموم رحمته، وسبقها بغضبه، المدلول عليه بكمال علمه، اللازم
عليه شمول قدرته، المدلول عليه بتفصيل عجائب مخلوقاته، وبدائع مصنوعاته، في أسلوب التذكير بنعمائه، والامتنان بجميل آلائه، على وجه منتج للعلم
بإحاطته بجميع أوصاف الكمال.
فمقصودها بالذات: إثبات الاتصاف بعموم الرحمة، ترغيباً في إنعامه.
بمزيد امتنانه وترهيباً من انتقامه، بقطع إحسانه.
وعلى ذلك دل اسمها "الرحمن"، لأنه العام الامتنان.

(3/45)


واسمها "عروس القرآن" واضح البيان في ذلك، لأنها الحاوية لما فيه من
حلى وحلل وجواهر وكلل، والعروس مجمع النعم، والجمال والبهجة، في
نوعها والكمال.
وكذا "الرفرف" بما في آيته من جليل الإنعام، البالغ إلى أنهى غايته.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى البيهقي في الشُّعب عن علي رضي الله عنه، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لكل شيء عروس، وعروس القرآن الرحمن.
وسر ذلك والله أعلم، أن العروس تمام نعمة الِإنسان، وغاية تمتعه، لما
تبدو به من الزينة وأنواع الحلية، وتقترن به من مسرات النفوس، وانشراح
الصدور.
وقد اشتملت هذه السورة على جميع نعم الدنيا والآخرة، من ذكر الخلق
والرزق، بالأقوات والفواكه، والحلى وغيرها، والفهم والعلم، والجنة وتفصيل ما فيها، والنار وأهوالها، فإنها نعمة من حيث إنها - بالخوف منها - سبب لنيل الجنة وما فيها، ومن حيث إنها سارة لمن ينجو منها بالنجاة منها، وبأن من عاداه الله عذب بها، وسجن فيها.
وعلى ذلك كله، دل افتتاحها بالرحمن.
وروى الترمذي وقال: غريب، عن جابر رضي الله عنه قال: خرج
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم،

(3/46)


كنت كلما أتيت على قوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ، قالوا: لا بشيء
من نعمك ربنا نُكذبُ، فلك الحمد.
ورواه البزار عن ابن عمر، رضي الله عنهما.
قال الهيثمي: وشيخه عمرو بن مالك الراسبي وثقة ابن حبان.
وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح.
ورويناه في الخامس من أجزاء أبي محمد جعفر السراج، تخريج

(3/47)


الحافظ أبي بكر الخطيب عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة الرحمن - أو قرئت عنده - فقال: ما لي أسمع الجن أحسن جواباً لردها منكم؟.
قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟.
قال: ما أتيت على قول الله عز وجل: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
إلا قالت الجن: ولا بشيء من آلائك ربُ نُكذَب.
وروى الِإمام أحمد من طريق ابن لهيعة - قال الهيثمي: وفيه ضعف.
وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح - عن أسماء بنت أبي بكر رضي
الله عنهما قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر، والمشركون يسمعون: "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ".
وروى ابن هشام في السيرة قبل حديث المستضعفين المعذَبين في الله.
عن ابن إسحاق أنه قال: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: كان
أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، اجتمع يوماً أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يُجهر لها به قط، فمن رجل يسمعونه؟.
فقال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد
رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
قال: دعوني فإن الله سيمنعني.
فغدا حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام، ثم
قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - رافعاً بها صوته - (الرحمن علم القرآن)
قال: وتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟.
ثم قالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه - فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثروا في وجهه. فقالوا:

(3/48)


هذا الذي خشيناه غليك. فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن.
ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما
يكرهون.
وروى الترمذي - وقال: حسن - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا وهو يقول: ياذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل.

(3/49)