مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة الواقعة
مكية.
قال النجم النسفي غير قوله: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) ،
وقوله: (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) .
فإنهما نزلتا في سفره إلى المدينة.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها تسعون وست آيات في الكوفي، وسبع في البصري، وتسع على
عدد أسماء الله الحسنى عن عدد الباقين.
واختلافها أربع عشرة آية:
(فأصحاب الميمنة) ، وكذا (أصحاب المشأمة) ، لم يعدهما
الكوفي وعدهما الباقون.
(3/50)
(عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) لم يعدها
البصري والشامي ؤعدها الباقون.
(وأباريق) عدها المدني الأخير والمكي، ولم يعدها الباقون.
(وحور عين) ، عدها المدني الأول والكوفي، ولم يعدها الباقون.
(ولا تأثيما) لم يعدها المدني الأول والمكي، وعدها الباقون.
(وأصحاب اليمين) لم يعدها المدني الأخير والكوفي، وعدها
الباقون.
(إنا أنشاناهن إنشاءا) لم يعدها البصري، وعدها الباقون.
(وأصحاب الشمال) لم يعدها الكوفي، وعدها الباقون.
(في سموم وحميم) لم يعدها المكي، وعدها الباقون.
(إن الأولين والآخرين) لم يعدها المدني الأخير والشامي، وعدها
الباقون.
(لمجموعون) عدها المدني الأخير والشامي، ولم يعدها الباقون.
(وكانوا يقولون) عدها المكي، ولم يعدها الباقون.
(فروح وريحان) عدها الشامي، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد بإجماع، سبعة مواضع:
(3/51)
(خافضة) ، وأول (السابقون) ، (في سموم)
(إن الأولين) (أيها الضالون) ، (لأكلون) ، (المكذبين) .
وعكسه ثلاثة هواضع:
(الواقعة) ، (كاذبة) ، (ثلاثة)
ورويها أحد عشر حرفاً: أجدع، سنبل، ثمر.
مقصودها
ومقصودها: شرح أحوال الأقسام الثلاثة المذكورة في الرحمن:
الأولياء من
السابقين، واللاحقين، والأعداء المشاققين: من المصارحين،
والمنافقين من
الثقلين، للدلالة على تمام القدرة بالفعل، بالاختيار الذي دل
عليه آخر
الرحمن، بإثبات الكمال، ودل عليه آخر هذه بالتنزيه بالنفي لكل
شائبة
نقص، ثم بالإثبات بوصف العظمة لجميع الكمال، من الجلال
والجمال.
ولو استوى الناس لم يكن ذلك من بليغ الحكمة، فإن استواءهم يكون
شبهة لأهل الطبيعة.
واسمها "الواقعة" دال على ذلك، بتأمل آيته، وما تعلق الطرف
(3/52)
به، وقد اختصت هي والرحمن والقمر عن باقي
سور القرآن التي هي
على أطوالها، وكونها على التوالي، بأنه لم يوجد في واحدة منها
الاسم الأعظم الجامع، كما اختصت المجادلة بأنه لم تخل عنه فيها
آية واحدة لِسِرٍّ ذكرته في الأصل، يتطلبه من كان من أولى
الفضل، الذين جعل الله لهم قوة
الوصل والفصل.
فضائلها
وأما فضائلها:
فروى أبو عبيد في كتاب الفضائل، والحارث بن أبي أسامة بسند
ضعيف، والبيهقي في الشعب والبغوي في التفسير، عن ابن مسعود -
رضي الله عنه -
(3/53)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من
قرأ كل ليلة سورة الواقعة، لم تصبه فاقة أبدا
قال البغوي: وكان أبو طيبة - يعني راويه عن ابن مسعود - لا
يدعها أبدا.
وذكره رزين في جامعة وزاد: "وفي المسبحات آية كألف آية".
(3/54)
قال المنذري: ولم أره في شيء من الأصول -
يعني التي جمعها رزين -
وذكره أبو القاسم الأصبهاني في ترغيبه، بغير إسناد.
ولأبي عبيد وأبي داود، عن مسروق بن الأجدع، قال: من أراد أن
يعلم نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار،
ونبأ الدنيا
والآخرة، فليقرأ سورة الواقعة.
ولأبي عبيد - أيضاً - عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت
للنساء:
لا تعجز إحداكن أن تقرأ سورة الواقعة.
وروى عبد الرزاق عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم -
(3/55)
كان يخفف الصلاة، كان يقرأ في الفجر
الواقعة ونحوها من السور.
وروى الِإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لما
نزلت
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ
(14) .
شق ذلك على المسلمين، فنزلت: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39)
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم ثلث أهل الجنة،
نصف أهل الجنة، وتقاسمونهم النصف الباقي.
(3/56)
سورة الحديد
مدنية إجماعاً.
وعزى أبو حيان الِإجماع إلى النقاش.
وذكر الأصفهاني عن ابن السائب: أنها مكية.
(3/57)
وكذا قال الزمخشري وأتباعه.
وهي آخر النصف الأول من عدد السور، فإنها السورة السابعة
والخمسون.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها عشرون وتسع في الكوفي والبصري - ثلاثون إلا واحدة -
وثمان في
عدد الباقين.
واختلافها آيتان:
(من قِبَله العذاب) ، عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون.
(وآتيناه الِإنجيل) ، عدها البصري، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس بها بالِإجماع، خمسة
مواضع: (فالتمسوا نوراً) ، (بينهم بسور) ، (هم الصديقون)
(عذاب شديد) (بأس شديد)
ورويها ستة أحرف يجمعها: من بزدر. أو: زمن برد.
(3/58)
مقصودها.
ومقصودها: بيان أن عموم الرسالة مناسب لعموم الإِلهية،
بالإرسال إلى
الأزواج الثلاثة، المذكورة في السورتين الماضيتين من الثقلين،
تحقيقاً لأنه
سبحانه مختص بجميع صفات الكمال تحقيقاً لتنزهه من كل شائبة
نقص.
المبدوء به هذه السورة، المختوم به ما قبلها، المقتضي لجهاد من
يحتاج إلىِ
الجهاد، ممن عصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف، وما
ترتب عليه من النفقة، ردًّا لهم عن النقائص الجسمانية، وإعلاء
لهم إلى الكمالات الروحانية، التي دعا إليها الكتاب حذراً مِنْ
سُوءٍ الحساب، يوم التجلي للفصل بين العباد بالعدل، ليدخل أهل
الكتاب وغيرهم في الدين طوعاَ، أو كرهاً، ويعلم أهل الكتاب -
الذين كانوا يقولون: إنه ليس أحد أفضل منهم. فضيلة هذا الرسول
- صلى الله عليه وسلم - على جميع من تقدمه من الرسل عليهم
السلام، بعموم رسالته، وشمول خلافته، وانتشار دعوته، وكثرة
أمته، تحقيقاً لأنه لا حدّ لفائض فضله سبحانه، لتكون هذا
السورة التي هي آخر النصف الأول من حيث العدد غاية - للمقصود
من السورة التي هي أوله عند الالتفات والرد، كما كانت السورة
التي هي آخر النصف الأول في المقدار كاشفة لمقصد الأولى فيما
دعت إليه من الهداية، وحدت عليه من الِإنذار.
وعلى ذلك دل اسمها "الحديد" بتأمل آيته، وتدبر سر ما ذكر فيه
وغايته.
(3/59)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال: قال
رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء،
وخلق الله الحديد يوم الثلاثا.
وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف.
(3/60)
وروى: أن هذه السورة كانت سبب إسلام عمر
رضي الله عنه الذي
وصف في الكتب القديمة بأنه ركن شديد قرن من حديد، ربان
الِإسلام، عزَ
به كما يعز الِإنسان بالسلاح من الحديد.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: منذ أسلم عمر رضي الله عنه، كان
إسلامه فتحاً.
وقد تقدم في سورة طه: أنَّ إسلامه رضي الله عنه، كان سنة ثمان
من النبوة، فهو قبل الهجرة بست أو خمس سنين، إذا ضممتها إلى
ثلاث
وعشرين سنة بعد الهجرة، وهي التي كان قتله رضي الله عند
انتهائها، كانت
تسعاً - أو ثمانياً - وعشرين سنة، على عدد آي هذه السورة، على
الاختلاف المذكور في عددها، وإذ ذاك تناهت قوة الِإسلام، فكان
بمنزلة تمام سن الاكتهال، وكان في زمن عثمان رضي الله عنه في
مثل سن الوقوف، وحين قتل عثمان رضي الله عنه، أخذ في الضعف.
وروى البيهقي في الدلائل عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: أتحبون
أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟.
قال: قلنا: نعم. قال كنت من أشد الناس على رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -، فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة،
في بعض طرق
مكة، إذ لقيني رجل من قريش، فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟.
فقلت: أريد التي والتي، قال: عجباً لك يا ابن الخطاب، أنت تزعم
أنك. كذلك وقد دخل الأمر في بيتك؟.
قال: قلت: وما ذاك؟. قال: أختك قد أسلمت.
قال: فرجعت مغضباً حتى قرعت الباب، وكان رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لا شيء له، ضمهما إلى
الرجل الذي في يده السعة فينالان من طعامه.
وكان قد ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب، قيل: من
هذا؟ قيل: عمر بن الخطاب، فبادروا واختفوا مني، وقد كانوا
يقرأون صحيفة بين أيديهم، تركوها أو نسوها، فقامت أختي تفتح
الباب.
فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟.
وضربتها بشيء في يدي على رأسها
(3/61)
فسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقال: يا ابن
الخطاب ما كنتَ فاعلًا فافعل، فقد صبوتُ.
قال: قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصفيحة وسط
البيت، فقلت: ما هذا؟. ناولينيها، فقالت: لست من أهلها، أنت لا
تطهر من الجنابة، وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها
حتى ناولتنيها، ففتحتها فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ.
فلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت، فألقيت
الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها، فإذا فيها:
(سبح للهِ ما في السماوات والأرض) فلما مررت باسم من أسماء
الله ذعرت، ثم رجعت إلى نفسي، فقرأتها حتى بلغت: (آمنوا بالله
ورسوله) إلى آخر الآية
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمداً عبده
ورسوله. فخرجوا إليَّ مبادرين وكبروا.
وقالوا: أبشر يا بن الخطاب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- دعا يوم الإثنين فقال: اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك:
إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب، وإنا نرجو أن تكون
دعوة
رسول الله - عز وجل -، فأبشر، قال: قلت: فأخبروني أين رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فلما عرفوا الصدق مني قالوا: في
بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت الباب عليهم، فقالوا: من
هذا؟.
قلت: ابن الخطاب.
قال: وقد علموا من شدتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
وما يعلمون بإسلامي فما اجترأ أحد يفتح الباب، قال: افتحوا له،
إن يرد الله به خيراً يهده، ففتحوا إليَّ الباب حتى أخذ رجلان
بعضدي، حتى أتيا بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خلوا
عنه، ثم أخذ بمجامع قميصي.
ثم جذبني إليه، ثم قال: أسْلِمْ يا ابن الخطاب. اللهم اهده،
فقلت: أشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكبر
المسلمون تكبيرة
سمعت بعجاج مكة، وكانوا مستخفين فلم أشأ أن أرى رجلاً يضرب
فيضرب، إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء، فخرجت حتى جئت خالي
وكان شريفاً، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟.
فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليَّ فقلت: قد علمت أني قد صبوت؟.
قال: أو فعلت؟.
(3/62)
قلت: نعم، قال: لا تفعل قلت: قد فعلت، فدخل
وأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا شيء، فذهبت إلى رجل من عظماء
قريش فناديته، فخرج إليَّ، فقلت مثل مقالتي لخالي، وقال مثل ما
قال ودخل وأجاف الباب دوني، فقلت في نفسي: ما هذا شيء، إن
المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال لي رجل أتحب أن يعلم
بإسلامك؟.
فقلت: نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلاناً، - لرجل
لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه: إني قد صبوت، فإنه
قلما يكتم السر، قال فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما
بيني وبينه: إني قد صبوت، قال: أو قد فعلت؟.
قلت: نعم، قال: فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادر
إليَّ أولئك الناس فما زلت أضربهم ويضربونني، فاجتمع على
الناس.
قال خالي: ما هذه الجماعة؟.
قيل: عمر قد صبأ، فقام على الحجر فنادى، فأشار بكمه
هكذا: ألا إني قد أجرت ابن أختي فكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن
أرى
رجلاً من المسلمين يَضرِبُ وُيضْرَبُ إلا رأيته، فقلت: ما هذا
بشيء حتى
يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك عليك رد، فقال: ما شئت، فما
زلت
أضْرِبُ وأُضْرَبُ، حتى أعزَّ الله الإِسلام.
وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن غريب. والنَّسائي في
الكبرى، من حيث عُرْباض بن سارية رضي الله عنه، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - كان يقرأ المسبحات كل ليلة قبل أن يرقد،
ويقول: فيهن آية خير من ألف آية.
(3/63)
وروى أبو عبيد في الفضائل، والدارمي في
سننه المسمى بالمسند، عن
معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد الكلاعي، عن خالد بن معدان
مرسلاً.
وقال النسائي في روايته: قال معاوية - يعني: ابن صالح -: إن
بعض
أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستاً؟ سورة الحديد، والحشر.
والحواريين، وسورة الجمعة والتغابن، وسبح اسم ربك الأعلى.
وذكر أبو القاسم الغافقي في "فضائل القرآن" من حديث علي رضي
الله عنه، إذا أردت أن تسأل الله حاجة، فاقرأ خمس آيات من أول
سورة
الحديد، إلى قوله: "عليم بذات الصدور". ومن آخر الحشر من قوله:
"لو
أنزلنا هذا القرآن) ، إلى آخر السورة ثم تقول: يا من هو كذا،
افعل بي
كذا، ثم يدعو بما يريد.
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي زميل أنه قال لابن عباس رضي
الله عنهما: ما شيء أجده في صدري؟.
قال: ما هو؟.
قلت: والله ما أتكلم به.
فقال لي: أشيء من شك؟.
(3/64)
قال: وضحك. قال: ما نجا من ذلك أحد.
قال: حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية.
ثم قال: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: (هُوَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ (3) .
وروى الطبراني في الكبير - بسند فيه موسى بن يعقوب الزمعي.
وثقه ابن معين وغيره وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال
الصحيح - عن عبد الله بن الزبير عن ابن مسعود رضي الله عنهم،
أنه
قال: لم يكن بين إسلامهم، وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله
بها، إلا
أربع سنين: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) .
(3/65)
وقال ابن الجوزي: وروى أبو الحسن بن جهضم
بإسناده عن
إبرإهيم بن الأشعث قال: كان مبتدأ توبة فضيل أنه خرج ليقطع
الطريق.
فسمع قوماً يقول بعضهم لبعض: مرُّوا، مرُّوا لا يفاجئنا فضيل،
فسمع ذلك فاغتم وتفكر، وقال يخافني هذا الخلق هذا الخوف
العظيم؟..
فتقدم وسلم عليهم وأمَّنهم، وخرج يرتاد لهم علفاً، ثم رجع فسمع
قارئاً يقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)
فمزق ثيابه، وقال: والله بلى، قد آن.
(3/66)
سورة المجادلة
وتسمى: قد سمع.
مدنية.
قال النسفي: إلا قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ)
الْآية، فإنها
مكية.
عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها
وآيها إحدى وعشرون في المدني الأخير والمكي، واثنتان في عدد
الباقين.
(اختلافها آية:
(أولئك في الأذلين) ، لم يعدها المدني الأخير والمكي، وعدها
الباقون.
(3/67)
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد بإجماع،
موضع واحد:
(عذاباً شديداً) .
ولاعكس له.
ورويها خمسة أحرف. يجمعها: زمن در.
مقصودها
ومقصودها: الِإعلام بإيقاع البأس الشديد، الذي أشارت إليه
الحديد
بمن حاد الله ورسوله، لما له سبحانه من تمام العلم، اللازم عنه
تمام القدرة.
اللازم عنه الِإحاطة بجميع صفات الكمال.
وعلى ذلك دلت تسميتها بالمجادلة بأول قصتها وآخرها، وتكرير
الاسم
الأعظم الجامع في القصة وجميع السورة، تكريراً لم يكن في
سواها، بحيث لم
تخل منه آية، وأما الآيات التي تكرر في كل منها المرتين فأكثر،
فكثيرة.
(3/68)
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى أحمد، والبزار، والطبراني - قال
الهيثمي:
وإسناده جيد لأن حمادا سمع من عطاء بن السائب حالة الصحة - عن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن اليهود كانوا يقولون
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سام عليكم، ثم (يَقُولُونَ
فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ)
؟. فنزلت هذه الآية: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ
يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) إلى آخر الآية.
ولأبي يعلى عن أنس رضي الله عنه، أن يهوديا أتى النبي - صلى
الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم، فرد القوم، فقال نبي
الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تدرون ما قال؟.
قالوا: الله ورسوله أعلم، سلّم يا نبي الله، قال: لا: ولكنه
قال: كذا وكذا، رُدُّوهُ علي، فردوه عليه فقال: أقلت السلام
عليكم؟.
قال: نعم، قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سلَّم
عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: وعليك، أي عليك ما قلت.
(وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ
اللَّهُ) ، (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .
وروى البغوي بسنده عن ابن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -
(3/69)
مر بمجلسين في مسجده، أحد المجلسين يدعون
الله ويرغبون إليه، والآخر
يتعلمون الفقه ويعلمونه قال: كلا المجلسين على خير، وأحدهما
أفضل من
صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه وأما هؤلاء
فيتعلمون الفقه
ويعلمون الجاهل، فهؤلاء أفضل، وإنما بعثت معلماً ثم جلس إليهم.
(3/70)
سورة الحشر
وتسمى: سورة النضير.
مدنية إجماعاً.
قال الأصفهاني: ذكر المفسرون: أن جميعها نزل في بني النضير
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها عشرون، وأربع آيات، في جميعِ العدد. ولا اختلاف فيها.
وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدودا بإجماع، خمسة مواضع:
(لم يحتسبوا) ، (وأيدي المؤمنين) ، (ولا ركاب)
(3/71)
(أحداً أبداً) (بينهم شديد) .
وليس فيها عكس ذلك.
ورويها أربعة أحرف، وهي: منبر
مقصودها
ومقصودها: بيان ما دل عليه آخر المجادلة من التنزه عن شوائب
النقص، بإثبات القدرة الشاملة، لأنه سبحانه وتعالى قوي عزيز.
المستلزمة
للعلم التام، المستلزم للحكمة البالغة المستلزمة للحشر، المظهر
لفلاح المفلح، وخسارة الخاسر، على وجه الثبات، الكاشف أتم كشف
لجميع صفات
الكمال.
وأدل ما فيها على ذلك: تأمل قصة بني النضير، المعلم بأول
الحشر.
المؤذن بالحشر الحقيقي، بالقدرة على الحشر الأول، بعد إطباق
الولي
والعدو على ظن أنه لا يكون. فلذا سميت بالحشر، وببني النضير،
لأنه
سبحانه حشرهم بقدرته من المدينة الشريفة إلى خيبر. ثم حشرهم -
وغيرهم من اليهود - الحشر الثاني من خيبر إلى الشام الذي هو
آية الحشر
الأعظم إلى أرض المحشر، لقهر هذا النبي الكريم أهل الكتاب،
المدعين
لأنهم أفضل الناس، وأنهم مؤيدين بما لهم من الدين القويم، على
ما يوجب
إليه الحديد، كما قهر أهل الأوثان الذين هم عالمون بأنهم بدلوا
الدين
الصحيح.
(3/72)
فثبت بظهور دينه على كل دين - على حد سواء،
كما وعده به ربه
سبحانه - صدقه في كل ما جاء به، وأعظم ما جاء به - بعد التوحيد
- الِإيمان بالبعث الآخر، لأنه محط الحكمة، وموضع إظهار النقمة
والرحمة.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى ابن السني عن أنس رضي الله عنه، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أوصى رجلاً إذا أخذ مضجعه، أن يقرأ سورة
الحشر. فقال: إن مت، مت شهيداً. أو قال: من أهل الجنة.
وروى الترمذي، وابن السُنَي، من رواية خالد بن طهمان - وقال:
غريب، وفي بعض النسخ: حسن غريب - وقال النووي: فيه ضعف.
عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي: - صلى الله عليه وسلم
- قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرحيم، وقرأ ثلاث آيات من سورة الحشر، وكل الله به
سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي.
وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك
المنزلة.
(3/73)
ورواه الدارمي من طريق أخرى أيضاً.
وللبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة رضي الله عنه - بسند
ضعيف - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ خواتيم
الحشر في ليل أو نهار، فمات من يومه أو من ليلته فقد أوجب الله
له الجنة.
وللدارمي عن الحسن - موقوفاً عليه - قال: من قرأ آخر سورة
الحشر
إذا أصبح، فمات من يومه ذلك، طبع بطابع الشهداء.
وإن قرأها إذا أمسى، فمات من ليلته، طبع بطابع الشهداء.
وفي الفردوس عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: يا علي إذا صدع رأسك، فضع يدك عليه،
واقرأ عليه آخر سورة الحشر.
(3/74)
|