مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة الحاقة
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها إحدى وخمسون آية في البصرى والشامي، واثنتان في عدد
الباقين.
اختلافها:
(الحاقة) الأولى، عدها الكوفي ولم يعدها الباقون.
وأما (ما الحاقة) فهي آية بالاتفاق. قاله السخاوي.
(كتابه بشماله) عدها المدنيان والمكي، ولم يعدها الباقون.
وفيها مشبه الفاصلة، ثلاثة مواضع:
(3/115)
(حسوما) ، (صرعى) ، (بيمينه) .
قال أبو عمرو الداني: وقيل: إن البصرى يعد "حسوما" وليس
بصحيح.
ورويها تسعة أحرف: منهل، أي، عقد.
مقصودها
ومقصودها: تنزيه الخلق ببعث الخلائق، لإِحقاق الحق. وإزهاق
الباطل، بالكشف التام بشمول العلم للكليات والجزئيات، وكمال
القدرة على العلويات والسفليات، وإظهار العدل بين سائر
المخلوقات، فيميز المسلم من المجرم بالمُلَذِّذ والمؤلم.
وتسميتها بالحاقة في غاية الوضوح في ذلك، وهو أدل ما فيها
عليه.
(3/116)
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني في الأوسط - وفي سنده السائب
بن
يسار الطائفي قال الهيثمي: لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات - عن
يزيد بن
عامر السوائي رضي الله عنه أنهم بيناهم يطوفون بالطاغية إذ
سمعوا متكلماً
وهو يقول: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ
(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا
مِنْهُ الْوَتِينَ (46) .
ففزعنا لذلك فقلنا: ما هذا الكلام الذي لا نعرفه؟.
فنظرنا فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - منطلقاً.
وروى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرجت
أتعرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسْلِمَ
فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة،
فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قلت: هذا والله شاعر، كما قالت
قريش فقرأ: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وما هو
بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون) .
قال: فقلت: كاهن فقرأ: (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)) -
إلى آخر السورة - فوقع الِإسلام في قلبي كل موقع.
قال ابن رجب: شريح لم يسمع من عمر رضي الله عنه.
(3/117)
سورة المعارج
وتسمى: سأل، والواقع.
مكيه إجماعاً.
قال أبو حيان: قال الجمهور: نزلت في النضر بن الحارث حين
قال: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) .
(3/118)
عدد آياتها
وآيها أربعون وثلاث آيات في الشامي، وأربع في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(خمسين ألف سنة) لم يعدها الشامي، وعدها الباقون
وليس فيها ما يشبه الفاصلة، ولا عكسه.
ورويها تسعة أحرف، وهي: نجمع، بدلها.
مقصودها
ومقصودها: إثبات القيامة، وإنذار من كفر بها، وتصوير عظمتها
بعظمة ملكها، وطول يومها، وتسلية المنذر بها لمن كذبه من
الصغار، والذل
والتبار.
ودل على وجوب وقوعها سابقاً، بما ختمه بتسميتها في السورة
الماضية
بالحاقة، تنبيهَاً على أنه لا بد منها ولا محيد عنها.
ودل على ذلك: القدرة في أولها، والعلم في أثنائها، والتنزه عما
في
إهمالها من النقص في آخرها، ولا خَفَاء بِمَا أخبر من أنه أرسل
جميع رسله
بالتحذير منها. فأرسل نوحَا عليه السلام في الزمان الأقدم كما
ذكر في سورته، عندما اختلف الناس بعدما كانوا عليه في زمان
أبيهم آدم عليه السلام من الاتفاق. على الدين الحق، فافترقوا
إلى مصدق ومكذب، فعلم منه: أن من
(3/119)
بعده أولى ذالك لقربهم منها. وأتبع ذلك
الِإعلام بأنه دعا إلى ذلك الجن
الذين كان سبيلهم فيها سبيل الآدميين، واتِبع ذلك بعد إرسال
أول الرسل
بها زماناً، آخرهم وأولهم نبوة، حيث كان نبيا وآدم بين الروح
والجسد.
فبدأ في سورة المزمل بنبوته، وزيادة تزكيته وتقديسه ورفعته،
والإخبار
عن رسالته، والتحذير من مخالفته، وأتبع ذلك الِإنذار بها،
بالصدع
بالرسالة، لمحو كل ضلالة.
فلما تقررت نبوته، وثبتت رسالته، جعل سورة القيامة كلها لها
إعلاماً.
بأن الأمر عظيم جداً يجب الاعتناء به، والتأهب له، والاجتهاد
بغاية القوة.
وإفراغ الجهد.
أتبع ذلك بذكر الِإنسان دلالة على أنه المقصود بالذات من
الأكوان.
فليس من الحكمة أن يجعله سبحانه سدى.
ثم أقسم في المرسلات أن أمرها حق لا بد منه، ثم عجب في "عم"
منهم في تساؤلهم وتعجبهم منها.
ثم أقسم على وقوعها في النازعات، وصور من أمرها وهزا هزها ما
أراد.
ثم أولى ذلك الدلالة في سورة عبس، على أن من الناس من طبع على
قلبه فلا حيلة في تصديقه بها، مع ما تبين بالسورة الماضية،
وغيرها من
أمرها.
ثم صورها في كوِّرَتْ، تصويراً صارت به رأى عين، لو كشف الغطاء
ما ازداد الموقنون بها يقيناً.
ثم بين في الانفطار: أن الأمور فيها ليست على منهاج الأمور
هنا، بل
الأسباب كلها منقطعة والأسباب مرتفعة، إلا سبباً يدلي إلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -
(3/120)
والكل خاضعون مخبتون خاشعون، أعظمهم في
الدنيا تجبراً، أشدهم هناك
صغاراً وتحسراً، ثم أتبع ذلك من يستحق هنالك النكال والسلاسل
والأغلال، ثم أولاه رفعة أهل الإيمان الذين طبعهم على الإِقرار
بها والعرفان.
فأعلم بذلك أن أكثر القرآن في شأنها العظيم، لأنه لا كتاب بعد
القرآن
ينتظر، ولا أمة أشرف من هذه تخص ببيان أعظم من بيانها.
وإِذْن ذلك بأن الأمر قد قَرب، والهول قد دهم، والخوف قد فدح.
ليستمر أهل الاختصاص في النجاة من عذابها، والخلاص حين لا مفر،
ولا
ملجا ولات حين مناص.
نسأل الله العافية في يومها، والعيشة الراضية.
وعلى هذا المقصد دل كل من أسمائها: سأل، والواقع، والمعارج.
وهي أنسب ما فيها للدلالة على ذلك. والله الهادي.
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني في الكبير عن القاسم، والحسن
بن
سعد أنهما قالا: قيل لعبد الله رضي الله عنه: إن الله عز وجل
يكثر ذكر
الصلاة في القرآن: (الذين هم على صلاتهم دائمون) ، و (الذين هم
على صلاتهم يحافظون) ، قال: ذلك لمواقيتها، قالوا: ما كنا نراه
إلا
تركها، قال فإن تركها الكفر.
(3/121)
قال الهيثمي: والحسن بن سعد والقاسم لم
يسمعا من ابن مسعود
رضي الله عنه.
وروى البغوي من طريق ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن
أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر رضي الله عنه عن قول
الله عز
وجل: (الذين هم على صلاتهم دائمون) أهم الذين يصلون أبدا؟.
قال: لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه، ولا عن شماله، ولا
خلفه.
(3/122)
سورة نوح
عليه السلام
مكية إجماعاً.
عدد آياتها
وآيها عشرون وثمان في الكوفي، وتسع في البصري والشامي، وثلاثون
في المدنيين والمكي.
اختلافها أربع آيات:
(ولا سواعا) لم يعدها الكوفي، وعدها الباقون.
(ويعوق ونسرا) ، عدها المدني الأخير والكوفي، ولم يعدها
الباقون.
(3/123)
(ولقد أضلوا كثيراً) ، عدها المدني الأول
والمكي، ولم يعدها
الباقون.
(فأدخلوا ناراً) ، لم يعدها الكوفي، وعدها الباقون.
ورويها ثمانية أحرف وهي: جر، تم، نطلق.
مقصودها
ومقصودها: الدلالة على القدرة، على ما أنذر به آخر سأل، من
إهلاك
المنذرين، وتبديل خير منهم، ومن القدرة على إيجاد القيامة،
الذي طال
إنذارهم به، وهم عنه معرضون، وبه مكذبون.
وتسميتها بنوح عليه السلام، أدل ما فيها على ذلك، فإن أمره في
إهلاك قومه بسبب تكذيبه في ذلك مشهور، ومقصوص في غير ما موضع
ومذكور.
وتقرير أمر البعث في قصته في هذه السورة مقرر ومسطور.
فضائلها
وأما ما ورد فيها:
فروى البغوي من طريق البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب بعد؛
(3/124)
أما وُد فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما
سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث
فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ.
وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع.
ثم قال: وكانت للعرب أصنام أخر.
(3/125)
سورة الجن
وتسمى: قل أوحى.
مكية إجماعاً.
عدد آياتها
وآيها ثمان وعشرون من غير خلاف في الإجمال.
واختلفوا عند التفصيل في آيتين:
(لن يجيرني من الله أحد) عدها المكي، ولم يعدها الباقون.
(من دونه ملتحداً) لم يعدها المكي، وعدها الباقون.
هكذا رأيت في كتاب أبي عمرو الداني.
(3/126)
ورأيت في كتابي الجعبري والسخاوي: أن
الخلاف بين الشامي وغيره.
لا بين المكي وغير. فالله أعلم.
ولا شيء فيها مما يشبه الفواصل.
ووويها أربعة أحرفت، وهي: "قد طب.
مقصودها
ومقصودها: إظهار شرف هذا النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث
لين له قلوب الجن والِإنس وغيرهم، فصار مالكاً لقلوب المجانس
وغيره. وذلك لعظمة
هذا القرآن، ولطف ما له من عظيم الشّان.
هذا والزمان في آخره، وزمان لبثه في قومه دون العشر من زمن قوم
نوح - عليهما السلام - أول نبي بعثه الله إلى المخالفين، وما
آمن معه من قومه إلا قليل.
وعلى ذلك دلت تسميتها بالجن، وبـ "قل أوحى"، بتأمل الآية
المشتملة على ذلك، وما فيها من لطيف، المسالك.
(3/127)
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني في الكبير، والبغوي في تفسيره
- بسند
فيه عبد الرحمن ابن إسحاق الكوفي وهو ضعيف - عن كردم بن أبي
السائب رضي الله عنه قال: خرج أبي يريد مكة، وذلك أول ما ذكر
النبي - صلى الله عليه وسلم - فآوينا - وقال البغوي: فآوانا
المبيت - إلى صاحب غنم، فلما انتصف الليل، جاء الذئب فأخذ
حملاً من غنمه، فوثب الراعي فقال: يا عامر
(3/128)
الوادي جارك. فسمعنا صوتاً، لا نرى صاحبه:
يا سرحان أرسله، قال: فأتى الحمل يشتد ما به كدمة، حتى دخل في
الغنم. قال: وأنزل الله على
النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة - وقال البغوي: بمكة -:
(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ
مِنَ الْجِنِّ) الآية.
(3/129)
سورة المزمل
مكية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلا آية من آخرها، وهي قوله
تعالى:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى آخر السورة،
فإنها نزلت بالمدينة.
وقال الأصبهاني: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: مكية سوى آيتين
منها، قوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) والتي بعدها.
وقال ابن يسار ومقاتل: فيها آية مدنية: (إِنَّ رَبَّكَ
يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى آخرها.
(3/130)
عدد آياتها وما يشبه
الفاصلة فيها
وآيها ثماني عشرة آية في المدني الأخير، وتسع عشرة في المكي
والبصري، وعشرون عند الباقين.
اختلافها ثلاث آيات:
(يا أيها المزمل) ، عدها الكوفي والمدني الأول والشامي، ولم
يعدها الباقون.
(إلى فرعون رسولا) لم يعدها المكي وعدها الباقون.
(الوِلْدَان شيبا) ، لم يعدها المدني الأخير، وعدها الباقون.
وفيها مشبه الفاصلة، موضعان:
(قرضاً حسناً) ، (وأعظم أجراً) .
ورويها ثلاثة أحرف، وهي: ملبّ.
مقصودها
ومقصودها: الِإعلام بأن محاسن الأعمال تدفع الأخطار والأوحال.
وتخفف الأحمال والأثقال ولا سيما الوقوف بين يدي الملك
المتعال، والتجرد في خدمته في ظلمات الليل، فإنه نعم الإله
لقبول الأفعال والأقوال، ومحو ظلل الضلال، والمُعين الأعظم على
الصبر والاحتمال، لما يرد من الكدورات في دار الزوال، والقلعة
والارتحال.
واسمها "المزمل" أدل ما فيها على هذا المقال.
(3/131)
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى البغوي في تفسير: (وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)
من طريق البخاري عن أنس رضي الله عنه، أنه سئل: كيف
كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟.
فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
وروى عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت في بيت
ميمونة رضي الله عنها فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي
من الليل، فقمت عن يساره،
(3/132)
فأخذ بيدي، فجعلني عن يمينه، ثم صلى ثلاث
عشرة ركعة، منها ركعتا
الفجر، ثم حزرت قيامه في كل ركعة (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)
وروى الجزجاني عن سعد بن إبراهيم قال: أتى عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه بعشائه وهو صائم، فقرأ: إِنَّ لَدَيْنَا
أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا
أَلِيمًا (13) .
فلم يزل يبكي حتى رفع طعامه، وإنه لصائم.
(3/133)
سورة المدثر
مكية إجماعاً.
وقال الأصفهاني: قال مقاتل: فيها آية مدنية، (وَمَا جَعَلْنَا
أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا
عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً) .
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها خمسون وخمس آيات في المدني الأخير والمكي والشامي، وست
في
عدد الباقين.
اختلافها آيتان:
(في جنات يتساءلون) لم يعدها المدني الأخير، وعدها الباقون.
(3/134)
(عن المجرمين) لم يعدها الكي والشامي،
وعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصلِ:
(والمؤمنون بهذا مثلاَ) .
ورويها ثلاثة أحرف، وهي: ندر، أو: رند.
مقصودها
ومقصودها: الجد والاجتهاد في الإنذار، بدار البوار، لأهل
الاستكبار.
وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار، والإِشارة بالبشارة
لأهل الأذكار
بحكم العزيز الغفار.
واسمها "المدثر" أدل ما فيها على ذلك. وذلك واضح لمن تأمل
النداء
والمنادى به والسبب.
(3/135)
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني في الكبير، من طريق عطية -
قال
الهيثمي: وهو ضعيف - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم
القرن، وحنى جبهته يستمع متى يؤمر، فقال أصحابه رضي الله عنهم:
فكيف نقول؟. قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي رواية: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا
نقر في الناقور) .
وروى ابن أبي الدنيا عن معاوية بن قرة قال: ما يسرني بهذه
الآية
الدنيا وما فيها (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ
نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) - إلى قوله -:
(3/136)
(الشافعين) ألا ترى: أن ليس فيهم خير.
وللحاكم وقال: صحيح الإسناد، عن بهز بن حكيم قال: أمَّنَا
زرارة بن أوفى رضي الله عنه في مسجد بني قشير، فقرأ المدثر،
فلما بلغ
(فإذا نقر في الناقور) خر ميِّتاً.
(3/137)
سورة القيامة
مكية إجماعاً.
عدد آياتها.
وآيها أربعون في الكوفى، وتسع وثلاثون فيما عداه.
اختلافها آية:
(لتعجل به) ، انفرد بها الكوفي.
قال الجعبري: وفيها مما يشبه الوسط، وهو رأس آية، موضعان:
(بصيرة) ، (معاذيره) .
ورويها سبعة أحرف، وهي: منبر لان، أو: مَنْ، بَر، لان.
(3/138)
مقصودها
ومقصودها: الدلالة على عظمة المدثر، المأمور بالإنذار - صلى
الله عليه وسلم -، لعظمة مرسله سبحانه، وتمام اقتداره بأنه كشف
له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم، بشرح آخر سورته من
أن هذا القرآن تذكرة عظيمة، لما أودعه الله فيه من وضوح
المعاني، وعذوبة الألفاظ، وجلالة النظم، ورونق السبك، وعلو
المقاصد.
فهو لذلك معشوق لكل طبع، معلوم ما خفى من إشاراته، بصدق
النية، وقوة العزم، بحيث يصير كأنه كان منسياً بعد حفظه فذكر،
(فمن
شاء ذكره) وعلم معانيه، وتخلق بها.
وإنما المانع عن ذلك مشيئته، فمن شاء حجبه عنه أصلا ورأساً،
ومن
شاء حجبه عن بعضه، ومن شاء كشف عنه الحجاب، وجعله منه على أعظم
صواب، دون شك ولا ارتياب. كما كان المدثر - صلى الله عليه وسلم
- حين كان خلقه القرآن.
واسمها القيامة - واضح في ذلك، وليس فيها ما يقوم بالدلالته
عليه
غيره.
وإذا تؤملت الآية مع ما أشارت إليه لا النافية للقسم، من أنها
من
الوضوح في جد، لا يحتاج إلى إقسام عليه، لأنه لا يوجد أحد
يَدَعُ مَنْ تَحتَ يَدِه يعدو بعضهم على بعض، ويتصرفون فيما
حوله من غير حساب، فكيف بأحكم الحاكمين، الذي وكل بعبيده
أضعافهم من الملائكة، فهم يديرون في كل لحظة فيهم كؤوس
المنايا، ويأخذون منِ أمرهم به سبحانه إلى دار (البرزخ للتهيئة
للعرض، ويسوقونهم زمرا، بعد زمر، إلى العود إلى
الأرض، حتى ينتهي الجمع في القبور، ويقيمهم بالناقور، والنفخ
في الصور.
إلى الحساب، للثواب والعقاب، ولم يحجب عن علم ذلك، حتى ضل عنهم
(3/139)
أكثر الخلق، إلا مشيئته سبحانه بتغليب
النفس الأمارة، حتى صارت اللوامة
منهمكة في الشر، شديدة اللوم على الإقصار عن شيء منه.
كما أنه ما جلاه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، حتى كان خلقه،
ولمن أراد من أتباعه، إلا إرادته شرف رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -.
فضائلها.
وأما ما ورد فيها:
فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل:
(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)
قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعالج من
(3/140)
التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه فأنزل الله
تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) - قال: جمعه في
صدرك ثم تقرؤه - فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
(18) .
قال: فاستمع له وأنصت، ثم قال: إن علينا أن تقرأه.
قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل
عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه - صلى الله عليه
وسلم -، كما أقرأه.
وروى أبو داود - ومن طريقه البغوي والترمذي، وأحمد، وأبو بكر
الشافعي في السابع من (الغيلانيات) ، عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ منكم: (والتين
والزيتون) فانتهى إلى آخرها:
(أليس الله باحكم الحاكمين) فليقل: بلى، وأنا على ذلك من
الشاهدين.
ومن قرأ: (لا أقسم بيوم القيامة) ، فانتهى إلى قوله (أليس ذلك
بقادر على أن يحيى الموتى) ، فليقل: بلى - وفي رواية الترمذي:
بلى وعزة ربنا -.
ومن قرأ: (والمرسلات) ، (أليس ذلك بقادر على أن يحمى الموتى)
فليقل: بلى يا رب.
وإذا قرأ: (والتين والزيتون (أليس الله بأحكم الحاكمين) .
فليقل: بلى يا رب. وإذا قرأ (والمرسلات عرفا) (فبأي حديث بعده
يؤمنون)
فليقل: آمنا بالله.
(3/141)
وروى البغوي من طريق أبي داود عن موسى ابن
أبي عائشة
قال: كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على
أن
يحيي الموتى) ، قال: سبحانك بلى، فسألوه عن ذلك فقال: سمعته
من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(3/142)
سورة الإِنسان
وتسمى: الأمشاج، وهل أتى، والدهر.
مكية.
وقال جابر بن زيد: مدنية.
وقال الأصفهاني: قالت طائفة، منهم مجاهد وقتادة: مدنية كلها.
وقال ابن يسار ومقاتل - وحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما -:
مكية.
وقالت طائفة: إن فيها مكياً ومدنياً، ثم في ذلك قولان:
أحدهما: أن المكي منها آية، وهي: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِمًا أَوْ كَفُورًا) .
وباقيها جميعه مدني، قاله الحسن وعكرمة.
(3/143)
وثانيهما: أولها مدني إلى قوله: (إنا نحن
نزلنا عليك القرآن تنزيلاً) .
ومن هذه الآية إلى آخرها مكي.
هكذا في نسختي من تفسير الأصفهاني.
ورأيت في تفسير البغوي عكس ذلك، فإنه قال: وقال الحسن
وعكرمة: هي مدنية إلا آية، وهي قوله تعالى: (فَاصْبِرْ
لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)
.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها.
وآيها إحدى وثلاثون آية اتفاقاً، ولا اختلاف فيها.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد اتفاقاً، ستة مواضع:
(السبيل) ، (مسكيناً) ، (ويتيماً) (قوارير) ، الثاني، (مخلدون)
.
وعكسه: (قوارير) الأول.
ورويها ثلاثة أحرف، وهي: رمل.
مقصودها
ومقصودها: ترهيب الإنسان من الكفران، بما دل عليه آخر القيامة
من
العرض على الملك الديان لتعذيب العاصي في النيران، وتنعيم
المطيع في
الجنان، بعد جمع الخلائق كلها الإنس والملائك والجان، وغير ذلك
من
(3/144)
الحيوان، ويكون لهم مواقف طوال، وزلازل
وأهوال لِكُل منها أعظم شأن.
وأدل ما فيها على ذلك: الإِنسان، بتأمل آيته، وتدبر مبدأه
وغايته.
وكذا تسميتها بـ هل أتى، والدهر، والأمشاج، من غير ميل ولا
اعوجاج.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الشيخان عن أبي هريرة رصي الله عنه قال:
كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم
تنزيل) .
و (هل أتى على الإِنسان) .
ورواه مسلم أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال ابن رجب: خرج الطبراني، وأبو نعيم، عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال: نزلت: (هل أتى على الِإنسان - إلى قوله -: رأيت
نعيماً وملكاً كبيراً) ورجل من الحبشة عند النبي - صلى الله
عليه وسلم -، فقال: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة، فقال
النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم، فاستبكى حتى فاضت نفسه،
قال ابن عمر رضي الله عنهما:
فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه في حفرته
بيده.
وفي سنده أيوب بن عتبة، وهو ضعيف باتفاقهم.
قاله ابن رجب.
(3/145)
سورة المرسلات
مكية.
قال الأصفهاني: ويقال لها: سورة العرف.
وقال الأصفهاني: مكية كلها في قول الجمهور.
وحكى عن ابن عباس وقتادة ومقاتل: أن فيها آية مدنية، وهي:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) .
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها.
وآيها خمسون آية عند الجميع. ولا اختلاف فيها.
وفيها مما يشبه الفواصل، موضعان:
(3/146)
(شامخات) ، (عذراً) .
مقصودها.
ومقصودها: الدلالة على آخر الِإنسان، من إثابة الشاكرين
بالنعيم.
وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم، في يوم الفصل، بعد جمع الأجساد،
وبعث
العباد، بعد طي هذا الوجود، وتغيير العالم المشهود، المحسوس
المعهود، بما له سبحانه من القدرة على إنبات النبات، وإنشاء
الأقوات، وإنزال العلوم.
واتساع الفهوم، لإحياء الأرواح، وإسعاد الأشباح، بأسباب خفية،
وعلل
مرئية، وغير مرئية، وتطوير الإنسان، في أطوار الأسنان، وإيداع
الإيمان، فيما يرضي من الأبدان، وإيجاد الكفران، في أهل الخيبة
والخسران، مع اشتراك الكل في التبيان، في أساليب هذا القرآن،
الذي عجز الإنس والجان على الإتيان بمثل آية منه، على كثرتهم
وتطاول الأزمان.
واسمها المرسلات، وكذا العرف، واضح الدلالة على ذلك، لمن تدبر
الأقسام، وتذكر ما دلت عليه من معاني الكلام.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الشيخان، البخاري ومسلم، وغيرهما
(3/147)
عن أم الفضل رضي الله عنها، أنها قالت:
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب
بالمرسلات، وهي آخر صلاة صلاها.
ورواه عبد الرزاق في جامعه، ولفظه: أنها رضي الله عنها قالت:
آخر
ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب سورة
والمرسلات.
ورواه البخاري وأبو داود، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أم
الفضل بنت الحارث رضي الله عنها سمعته وهو يقرأ: (والمرسلات
عرفا) ، فقالت: يا بني لقد أذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها
لآخر ما
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب.
وللشيخين والنَّسائي، وأبي يعلى، عن ابن مسعود رضي الله عنه
قال:
(3/148)
كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة
عرفة التي قبل يوم عرفة، في غار بمنى - وفي رواية: بالخيف من
منى. وفي رواية: في مسجد الخيف - وقد أنزلت عليه: (والمرسلات
عرفا) ، فنحن نأخذها.
وفي رواية: وإنا نتلقاها من فيه رطبة.
وفي رواية: وإن فاه لرطب بها. إذ وثبت علينا حية.
وفي رواية: إذ سمعنا حس الحية.
وفي رواية: إذ خرجت علينا حية، فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: اقتلوها فابتدرناها لنقتلها، فسبقتنا.
وفي رواية: فذهبت فدخلت جحرها.
وفي رواية: في شق جحر، فأدخلنا عوداً، فقلعنا بعض الجحر وأخذنا
سعفة فأضرمنا فيها ناراً، فلم نجدها، فقال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: دعوها، فقد وقاها الله شركم، كما وقاكم الله
شرها.
وعندي: أنه يؤخذ من هذا: أن قراءتها أمان من الحية.
(3/149)
سورة عَمَّ
وتسمى: النبا، والتساؤل.
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها.
وآيها إحدى وأربعون في البصري، وأربعون فيما سواه.
اختلافها آية: (عذاباً قريباً) .
عدها البصرى، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، ستة مواضع:
(يوم ينفخ في الصور) ، (وفتحت السماء)
(3/150)
(وسيرت الجبال) (الرحمن) الأول. (اليوم
الحق) ، (وما قدمت يداه)
ولا عكس له.
ورويها أحد عشر حرفاً، وهي: قفزت شمس بنجد.
مقصودها.
ومقصودها: الدلالة على أن يوم القيامة الذي كانوا مجمعين على
نفيه.
وصاروا بعد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلاف فيه مع
المؤمنين، ثابت ثباتاً، لا يحتمل شكاً ولا خلافاً بوجه، لأن
خالق الخلق - مع أنه حكيم قادر على ما يريد - دبرهم أحسن تدبير
وبنى لهم مسكناً وأتقنه، وجعلهم على وجه يبقى به نوعهم من
أنفسهم، بحيث لا يحتاجون إلى أمر خارج يرونه. فكان ذلك أشد
لألفتهم وأعظم لأنس بعضهم ببعض، وجعل سقفهم وفراشهم كافلين
لمنافعهم.
والحكيم لا يترك عبيده - وهو تام القدرة، كامل السلطان -
يمرحون.
يبغى بعضهم على بعض، ويأكلون خيره، ويعبدون غيره، فكيف إذا كان
حاكماً؟.
فكيف إذا كان أحكم الحاكمين؟.
(3/151)
هذا ما لا يجوز في عقل، ولا يخطر ببال
أصلًا، فالعلم واقع به قطعاً.
وكل من أسمائها واضح في ذلك، بتأمل آيته، ومبدأ ذكره وغايته.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه،
أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحفظ منافق سورة
هود، وبراءة، والدخان، وعم يتساءلون.
(3/152)
|