مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور

سورة النازعات
وتسمى: الساهرة، والطامة.
مكية إجماعاً.
عدد آياتها.
وآيها ست وأربعون في الكوفي، وخمس في ما سواه.
اختلافها آيتان:
(ولأنعامكم) لم يعدها البصري والشامي، وعدها الباقون.
(فأما من طغى) ، لم يعدها المدنيان والمكي، وعدها الباقون.
ولا شيء فيها ممايشبه الفواصل.
ورويها سبعة أحرف، وهي: طار حمقه.

(3/153)


مقصودها.
ومقصودها: الِإقسام على بعث الأنام ووقوع القيام، يوم الزحام، وزلل
الأقدام بعد البيان التام، فيما مضى من هذه السور العظام، تنبيهاً على أنه
وصل الأمر في الظهور إلى مقام، ليس بعده مقام، وصور ذلك بنزع الأرواح
بيدي الملائكة الكرام، ثم أمر فرعون اللعين، وموسى عليه السلام.
واسمها (النازعات) واضح في ذلك المرام. وإذا تُؤُمِّل القسم
وجوابه المعلوم للأئمة الأعلام.
وكذا الساهرة والطامة، إذا تؤمل السياق، واشتدت العناية بالتدبر
والوفاق.
فضائلها
وأما ما ورد فيها:
فروى أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. والحاكم وصححه.
والحارث بن أبي أسامة، والبغوي في التفسير، وعبد بن حميد في مسنده، عن
أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربعِ الليلِ - وفي رواية ثلثا الليل - قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله ذكرا كثيراَ، جاءت الرادفة تتبعها الرادفة، جاءت الرادفة تتبعها الرادفة، جاء الموت

(3/154)


بما فيه، قال أبي بن كعب رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله. إني أكثر
الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟.
قال: ما شئت. قلت: الربع؟.
قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك.
قلت: فالنصف؟.
قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير.
قلت: فالثلثين؟.
قال: ما شئت فإن زدت فهو خير.
قال: أجعل لك صلاتي كلها؟.
قال: إذاً تُكفى همك، ويغفر لك ذنبك.
وروى البيهقي في "الدعوات" عن ابن عباس رضي الله عنهما في المرأة
يعسر عليها ولدها، قال: يكتب في قرطاس ثم تسقى: بسم الله الذي
لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم.
الحمد للهِ رب العالمين، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) .
هذا موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما.

(3/155)


سورة عبس
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها.
وآيها أربعون آية في الشامي، وإحدى وأربعون عند أبي جعفر
والبصري، واثنتان وأربعون في عدد الباقين.
اختلافها ثلاث آيات:
(ولأنعامكم) ، لم يعدها البصري والشامي، وعدها الباقون.
(إلى طعامه) ، لم يعدها أبو جعفر وحده، وعدها الباقون وشيبة.
(فإذا جاءت الصاخة) ، لم يعدها الشامي، وعدها الباقون.
وفيها مشبه الفواصل، ثلاثة:

(3/156)


(من نطفة خلقه) ، (وعنباً) ، (وزيتوناً)
وعكسه موضعان:
(شيء خلقه) ، (وحبًّا) .
ورويها ثمانية أحرف: وهي: بخله مارق.
مقصودها.
ومقصودها: شرح (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)
بأن المراد الأعظم: تزكية القابل للخشية للتخويف بالقيامة، التي قام الدليل على القدرة عليها بابتداء الخلق من الإنسان، وبكل من الِإبتداء والِإعادة لطعامه، والتعب ممن أعرض مع قيام الدليل، والِإشارة إلى أن الِإستغناء والترف أمارة الإعراض وعدم القابلية، والتهيؤ للكفر والفجور، وإلى أن المصائب أمارة الطهارة والِإقبال، واستكانة القلوب وسمو النفس بشريف الأعمال.
واسمها "عبس" هو الدال على ذلك، لتأمل آياته، وتدبر فواصله
وغاياته.
فضائلها.
وأما ما ورد فيها:
فروى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رجلًا قال له:

(3/157)


إني أقرأ المفصل في ركعة، قال: أهذًّا كهذِّ الشعر ونثر الدقل؟.
لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ النظائر، السورتين في ركعة: الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة.
والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت و"ن " في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات والدخان وإذا الشمس كورت. في ركعة.
قال المنذري في مختصر السنن: وقد أخرج مسلم في صحيحه طرفاً
منه.
وروى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رجلا قال له:
قرأت المفصل البارحة في ركعة.
فقال ابن مسعود: هذًّا كهذِّ الشعر؟.

(3/158)


لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل وسورتين من آل حم.

(3/159)


سورة التكوير
مكية إجماعاً.
عدد آياتها.
وآيها تسع وعشرون إجماعاً، إلا عند أبي جعفر، فهي عنده وثمان.
اختلافها آية:
(فأين تذهبون) لم يعدها أبو جعفر وحده، وعدها الباقون وشيبة.
ولا شيء فيها مما يشبه الفواصل. ولا عكسه.
ورويها أربعة أحرف، وهي: تنسم، (أو تسنم) ، أو تسمن.

(3/160)


مقصودها.
ومقصودها: التهديد الشديد، بيوم الوعيد، الذي هو محط - الرحال.
لكونه أعظم مقام لظهور الجلال، لمن كذب بأن هذا القرآن تذكرة في
صحف مكرمة، بأيدي سفرة. والدلالة على حقيقة كونه كذلك، بأن السفير به أمين في الملأ الأعلى، مكين لمكانته فيما هنالك، والموصل له إلينا منزه عن التهمة، بريء من النقص، لما يعلمونه من حاله قبل النبوة، وما كانوا يشهدون له به من الكمال في صحبته لهم المتطاولة، التي نبههم بالتعليق بها على ما لا يشكون فيه من أمره، ولم يأتهم بعدها إلا بما هو شرف له، وتذكير بما في أنفسهم، وفي الآفاق من الآيات.
وذلك كاف لهم في الحكم بأنه صدق، والعلم اليقين بأنه حق.
واسمها التكوير أدل ما فيها على ذلك، بتأمل الظرف وجوابه، وما فيه
من بديع القول وصوابه، وما تسبب عنه من عظيم الشأن لهذا القرآن.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الترمذي، وأحمد - قال الهيثمي: بإسنادين رجالهم
ثقات - والطبراني بإسناد أحمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت، أحسب أنه قال: وسورة هود.

(3/161)


قال المنذري: لم يصف الترمذي هذا الحديث بحسن ولا بغرابة.
وإسناده متصل ورواته ثقات مشهورون، ورواه الحاكم وقال: صحيح
الِإسناد.
وقال ابن رجب: وأخرجه الترمذي، ولم يذكر سورة هود، وقال:
حسن غريب.
قال النووي في التبيان: وقد روى ابن أبي داود بإسناده عن أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قرأ: (إذا الشمس كورت) يحزنها شبه الرثاء.
انتهى.
وروى مسلم وأبو داود والدارمي، وعبد الرزاق، عن عمر بن حريث
رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة الصبح إذا الشمس كورت.
ولفظ عبد الرزاق: يقرأ في الصبح: والليل إذ عسعس.
ولفظ أبي داود: كاني أسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم -

(3/162)


يقرأ في صلاة الغداة بـ (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) .
وتقدم في، سورة هود - عليه السلام - من فضلها.
وروى ابن أبي الدنيا عن عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنبري
قال: رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة وراء حبشي
يمشي، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين
قال: هكذا رحمكم الله، حتى صعد المنبر، فخطب فقرأ (إذا الشمس
كورت) فقال: وما شأن الشمس؟. (وإذا النجوم انكدرت) حتى انتهى
(وإذا الجحيم سعرت، وإذا الجنة أزلفت) فبكى، وبكى أهل المسجد.
وارتج المسجد بالبكاء، حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه.

(3/163)


سورة الانفطار
مكية إجماعاً.
وآيها تسع عشرة آية في جميع العدد، ولا اختلاف فيها.
وفيها مشبه الفاصلة ستة مواضع:
(ما قدمت) ، (فسوَّاك) ، (يعلمون) ، (الأبرار) ، (الفجار) ، (لنفس شيئاً) .
ورويها خمسة أحرف، وهي: مكنته.

(3/164)


مقصودها.
ومقصودها: التحذير من الإِنهماك في الأعمال السيئة اغتراراً بإحسان
الرب وكرمه ونسياناً ليوم الدين، الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئاً.
واسمها "الانفطار" أدل ما فيها على ذلك.
فضائلها
وأما ماورد فيها:
فروى الطبراني في معاجمه الثلاثة - قال الهيثمي: ورجاله ثقات - عن
مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أراد الله جل اسمه أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة، طار ماؤه في كل عرق وعصب منها، فإذا كان اليوم السابع أحضر الله كل عرق بينه وبين آدم، ثم قرأ: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) .
وروى أبو عبيد عن رجل قال: كنت بمكة، فلما صليت العشاء، إذا
رجل أمامي قد أحرم في نافله، فاستفتح: "إذا السماء انفطرت"، فلم
يزل فيها حتى نادى منادي السحر، فسألت عنه فقيل: سعيد بن جبير.

(3/165)


وروى أبو عبيد - أيضاً عن صالح بن مسمار قال: بلغنا أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) .
قال: جهله.

(3/166)


سورة التطفيف
مكية. فيما قال جابر بن زيد.
وقال عكرمة: عن ابن عباس رضي الله عنهما: مدنية وهو الظاهر، لما
يأتي في فضلها.
وقال النسفي في تفسيره: وقال مقاتل والواقدي: تعد مكية، ونزلت
بعد خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قبل دخول المدينة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت بين مكة والمدينة، في مهاجره - صلى الله عليه وسلم -، فأضيفت إلى المدينة انتهى.
وقيل: نصفها مكي، ونصفها مدني.

(3/167)


وقال الأصفهاني: قال ابن مسعود والضحاك ويحيى بن سلام: مكية
وقال ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، وعكرمة وقتادة، ومقاتل.
مدنية لكن ابن عباس وقتادة قالا: فيها ثمان آيات مكية: (إن الذين
أجرموا) إلى آخرها.
وقال مقاتل: فيها آية مكية وهي قوله: (إذا تتلى عليه آياتنا قال
أساطير الأولين) .
وذكر هبة الله بن سلامة أنها نزلت في الهجرة بين مكة والمدينة:
نصفها يقارب مكة، ونصفها يقارب المدينة.
عدد آياتها
وآيها ست وثلاثون وفاقأ، ولا اختلاف في تفصيلها، ولا شيء فيها مما
يشبه الفواصل ولا عكسه.
ورويها حرفان، وهما: نم.
مقصودها
ومقصودها: شرح آخر الانفطار، بأنه لا بد من دينونة العباد يوم
التناد، بإسكان الأولياء أهل الرشاد دار النعيم، والأشقياء أهل الضلال
والعناد دار الجحيم، ودل على ذلك بأنه مربيهم، والمحسن إليهم بعموم

(3/168)


النعمة، ولا يتخيل عاقل أن أحداً يربي أحداً من غير سؤال، عما حمله إياه.
وكفله به.
واسمها " التطفيف" أدل ما فيها على ذلك.
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والبيهقي.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله عز وجل: (ويل للمطففين) ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه
قرأ (ويل للمطففين) حتى بلغ: (يوم يقوم الناس لرب العالمين)

(3/169)


فبكى حتى خرَّ وامتنع من قراءة ما بعده.
وروى الطبراني في الكبير - قال الهيثمي: ورجاله ثقات - عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية: (يوم يقوم الناس لرب العالمين) فقال: كيف بكم إذا جمعكم الله عز وجل كما تجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، لا ينظر إليكم.
وروى البغوي عن المقداد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قَدْرَ مَيْل أو اثنين قال فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم.
فمنهم من يأخذه إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه
إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده إلى فيه يقول: ألجمه إلجاماً.

(3/170)


سورة الانشقاق
مكية إجماعاً.
عدد آياتها
وآيها عشرون وثلاث في البصري والشامي. وخمس في عدد الباقين.
اختلافها آيتان:
(كتابه بيمينه) ، (وراء ظهره)
لم يعدهما البصري والشامي، وعدهما الباقون.
ولاشيء فيها مما يشبه الفواصل.

(3/171)


ورويها ستة أحرف، وهي: من قهرت
مقصودها
ومقصودها: الدلالة على آخر المطففين، من أن الأولياء ينعمون.
والأعداء يعذبون، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث والعرض على الملك الذي
أوجدهم ورباهم كما يعرض الملوك عبيدهم، ويحكمون بينهم، فينقسمون إلى أهل ثواب، وأهل عقاب. واسمها "الانشقاق" دال على ذلك.
فضائلها
وأما ما ورد فيها:
فروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، عن أبي مليكة، أن عائشة
رضي الله عنها كانت لا تسمع شيئاً إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال: من حوسب - وفي رواية: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة رضي الله عنها - وفي رواية: فقلت: أو ليس الله عز وجل يقول: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) ؟.
قالت: فقال: إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك.
وفي رواية: وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يهلك.
وفي رواية: وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك.

(3/172)


وللشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سجد في "إذا السماء انشقت" وقال: سجدت فيها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه.
وفي رواية لمسلم والدارمي: في " إذا السماء انشقت"، و "اقرأ باسم ربك".

(3/173)


وروى عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر رضي
الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ: " إذا السماء انشقت " وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة التي فيها، نزل فسجد، فسجد الناس معه.

(3/174)


سورة البروج
مكية إجماعاً
عدد آياتها
وآيها اثنتان وعشرون إجماعاً ولا اختلاف في تفصيلها
قال أبو عمرو الداني: وليس فيها، ولا إلى سورة الليل مما يشبه
الفواصل شيء، انتهى.
ورويها سبعة أحرف، وهي: جد، طب، قرظ.

(3/175)


مقصودها
ومقصودها: الدلالة على القدرة على مقصود الانشقاق، الذي هو
صريح آخرها من تنعيم الولي، وتعذيب الشقي، بمن عذبه في الدنيا ممن لا
يمكن في العادة، أن يكون عذابه ذلك إلا من الله وحده. تسلية لقلوب
المؤمنين، وتثبيتاً لهم على أذى الكفار.
وعلى ذلك دل اسمها "البروج" بتأمل القسم، والمقسم عليه.
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى أبو داود، والترمذي وقال: حسن.
والنسائي والدارمي، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر والعصر، بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق، ونحوهما من السور.
وروى البغوي بسنده عن عبد الله بن رافع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اليوم الموعود: يوم القيامة، والمشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة، ما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة،

(3/176)


فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن، يدعو الله فيها خيراً، إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه.

(3/177)


سورة الطارق
مكية إجماعاً
عدد آياتها
وآيها ست عشر في المدني الأول، وسبعة عشر في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(إنهم يكيدون كيداً) لم يعدها المدني الأول، وعدها الباقون.
ورريها سبعة أحرف، وهي: دع، ظل، برق.
مقصودها
ومقصودها: بيان مجد القرآن في صدقه في الإخبار بتنعيم أهل الإيمان.
وتعذيب أهل الكفران، في يوم القيامة، حين تبلى السرائر، وتكشف الضمائر
عن مثقال الذر، وما دون المثقال، وما دونته الحفظة في صحائف الأعمال.
بعد استيفاء الآجال، كما قدر في أزل الآزال، من غير استعجال، ولا تأخير
عن الوقت المضروب ولا إهمال.

(3/178)


واسمها "الطارق" أدل ما فيها على هذا الموعود الصادق، بتأمل القسم. والمقسم عليه، حسب ما انساق الكلام إِليه.
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى أحمد والطبراني، عن عبد الرحمن بن خالد
العدواني عن أبيه - يعني: خالد بن أبي جبل رضي الله عنه، وكان سكن
الطائف - أنه أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف، وهو قائم على قوس، أو عصى حين أتاهم يبتغي عندهم النصر، قال: فسمعته يقرأ: والسماء والطارق، حتى ختمها، قال فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف، فقالوا: ما سمعت من هذا الرجل؟.
فقرأتها عليهم؟ فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم
ما يقوله حقاً لاتبعناه.
قال الهيثمي: وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد
وبقية رجاله ثقات.

(3/179)


سورة الأعلى
وتسمى: سَبِّحْ.
مكية.
وقال الضحاك: مدنية.
وآيها تسع عشرة إجماعا، ولا اختلاف فيها.
ورويها: الألف.
مقصودها
ومقصودها: إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه عن أن يلحق ساحة عظمته

(3/180)


شيء من شوائب النقص، كاستعجال في أمر؛ منْ إهلاك الكافرين، أو
غيره، أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض
بغير حساب. أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع، أو بما يقدر أحد أن يتكلم
بمثله، وعلى ذلك دل كل من اسميها: سبح، والأعلى.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو داود، والنَّسائي، وابن ماجة، بسند صحيح.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في ثلاث ركعات الوتر سبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، والإِخلاص.
ورواه الترمذي، والنَّسائي، وابن ماجة، والدارمي، عن عباس رضي
الله عنهما نحوه.
ولأبي داود، والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة، وعبد الرزاق
والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، واللفظ له، عن عائشة
رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بـ "سبح أسم ربك الأعلى"، و "قل يا أيها الكافرون"، ويقرأ في الوتر: "قل هو الله أحد"

(3/181)


و "قل أعوذ برب الفلق"، و "قل أعوذ برب الناس".
وفي رواية: يقرأ في الوتر، في الأولى: بـ "سبح أسم ربك الأعلى"، وفي
الثانية "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثالثة: "قل هو الله أحد"، والمعوذتين.
وروى أحمد عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب هذه السورة: (سبح أسم ربك الأعلى) .
وروى البيهقي في الدعوات واللفظ له، وعبد بن حميد، وعبد الزراق،

(3/182)


عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه رضي الله عنه، عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يوتر بسبح أسم ربك الأعلى في الركعة الأولى، وفي الأخرى بـ "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثالثة: "قل هو الله أحد"، فإذا أراد أن ينصرف قال - وقال عبد الرزاق أن ينصرف من الوتر قال، وفي رواية: فإذا قعد في آخر الصلاة سلم ثم قال -: فسبحان الملك القدوس، ثلاث مرات يرفع بها صوته في الثالثة.
وروى أبو بكر الشافعي في الجزء السادس والعاشر من "الغيلانيات"
ولفظه: كان يوتر بـ "سبح اسم ربك الأعلى"، و "قل يا أيها الكافرون"، و "قل هو الله أحد الله الصمد"، والمعوذتين.
سر قراءة سورة الأعلى والكافرون والمعوذتين في الوتر
وسر ذلك - والله أعلم - أن المراد بصلاة الوتر: التذكير بوحدانية
المعبود، والتقرير لذلك في آخر عبادة الليل، كما صنع ذلك في أول
عباداته، وجعل ذلك كالختم لصلاة النهار. والليل أشبه شيء بالموت.
وأقرب إلى العدم، وأنسب شيء لذلك التنزيه والإِخلاص. فشرع في آخر

(3/183)


شفع فيه قراءة أعظم المسبحات، تنزيهاً في أولى الركعتين كما ابتدأت كلمة
الإخلاص بالنفي، لأن التخلية قبل التحلية.
وقراءة إحدى سورتي الإخلاص في الئانية وفي وتره، أعظم سور
التوحيد ونهاية الإفصاح به، والإيضاح له. فلما تم ذلك على أحسن وجه.
وكان الذي يعقب ذلك النوم الذي يخلع الحيوان من قواه، ويشغل عن التعوذ بالذكر، وما يثمره من المعارف الإلهية، والأسرار الربانية، شرع لذلك التعوذ بالمعوذتين، اللتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما، توكلا على الحي الذي لا يموت، واعتصاماً بذى العزة والجبروت.
قراءتها في العيدين وسر ذلك
وروى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين: في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح أسم ربك الأعلى، وفي الئانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية.
وسر ذلك: أن الأعلى فيها التنزيه، لئلا يظن أنه سبحانه محتاج إلى ما
فرغ منه أهل العيد من العبادة، والحث على تزكية النفس والمال، والصلاة
والذكر، والإعراض عن الدنيا، لأن العيد مظنة التهاون بذلك، والِإنبساط
إلى الدنيا.
والغاشية فيها الحث على الِإخلاص، لئلا يكون العامل - مع تعبه في

(3/184)


الدنيا - معذباً في الأخرى، والتذكير بما جرت عادة الناس أن يخرجوا إليه من عيدهم من الرياض والجبال ونحوها، ليكون نظرهم إليه اعتبار بالآيات.
والحساب، وانقسام الناس إلى صنفين.
كما أن أهل العيد ينقلبون إلى منازلهم على وجهين:
محسن حائز للثواب، ومسىء قد خاب، واستحق العذاب.
ولأحمد والبزار بسند ضعيف، عن علي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب (سبح سم ربك الأعلى) .
ولأبي عبيد عن أبي تميم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني نسيت أفضل المسبحات، فقال أبي بن كعب رضي الله عنه: فلعلها "سبح اسم ربك الأعلى " قال: نعم.
ولمسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر بـ "سبح اسم ربك الأعلى"، وفي الصبح بأطول من ذلك.
قال النووي في التبيان:
وعن ابن عباس، وابن الزبير، وأبي موسى الأشعري، رضي الله
عنهم: أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم "سبح اسم ربك الأعلى" قال: سبحان
ربي الأعلى.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول فيها: سبحان ربي
الأعلى ثلاث مرات.

(3/185)


سورة الغاشية
مكية إجماعا.
عدد آياتها.
وآيها ست وعشرون في جميع العدد، ولا اختلاف فيها.
وفيها مما يشبه الوسط، وهو رأسى آية، موضعان:
(ضريع) ، (جوع) .
ورويها ثمانية أحرف: ثبت في عمر.
مقصودها.
ومقصودها: شرح ما في آخر سبح، من تنزيه الله تعالى عن العبث،

(3/186)


بإثبات الدار الآخرة، وذكر ما فيها للأتقى والأشقى، والدلالة على القدرة
عليها.
وأدل ما فيها على هذا المقصود: الغاشية.
نعوذ بالله من القلب الغاشي، والبصيرة الغاشية، لئلاً يكون للغاشية
علينا بسوء الأعمال ناشئة.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الترمذي وقال: حسن صحيح، والدارمي.
وعبد الرزاق، وابن الجارود في المنتقى، عن النعمان بن بشير رضي الله
عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمع فقرأ بهما.
وفي رواية: وإذا اجتمع يوم عيد، ويوم جمعة، قرأ بهما فيهما جميعاً

(3/187)


وروى عبد الرزاق عن النعمان بن بشير - أيضاً - رضي الله عنهما أنه سئل: بأي شيء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في يوم الجمعة مع سورة الجمعة؟ ، فقال (هل أتاك حديث الغاشية) .
وروى ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة تقرأ: هل أتاك حديث الغاشية، فقام يستمع ويقول: نعم قد جاءني.
وذكر ابن رجب عن كتل! الزهد للِإمام أحمد، عن عنبسة الخواص، أن
محمد بن واسع كان يجعل (هل أتاك حديث الغاشية) ورداً يرددها
ويبكي.

(3/188)


سورة الفجر
مكية.
قال أبو حيان: في قول الجمهور.
وقال أبو عمرو الداني: وقال علي بن أبي طلحة: مدنية
عدد آياتها.
وآيها تسع وعشرون آية في البصري، وثلاثون آية في الكوفي والشامي.
واثنتان وثلاثون في المدنيين والمكي.
اختلافها أربع آيات:

(3/189)


(فأكرمه ونعمه) ، (فقدر عليه رزقه) ، عدهما المدنيان
والمكي، ولم يعدهما الباقون.
(يومئذٍ بجهنم) ، لم يعدها الكوفي والبصري، وعدها الباقون.
(في عبادي) ، عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون.
وفيها مشبه الوسط وهو آية، موضع:
(عذاب) .
ورويها عشرة أحرف: كبر، مدن، فتاي.
مقصودها.
ومقصودها: الاستدلال على آخر الغاشية: الِإياب، والحساب بالثواب
والعقاب.
وأدل ما فيها على هذا المقصود: الفجر، بانفجار الصبح عن النهار
الماضي بالأمس من غير فرق في شيء من الذات، وانبعاث الناس من الموت
الأصغر: النوم بالانتشار في ضياء النهار، للمجازات في الحساب.

(3/190)


ما ورد فيها.
فأما ما ورد فيها: فروى أحمد والبزار - قال الهيثمي: ورجالهما رجال
الصحيح، غير عياش بن عقبة وهو ثقة - عن جابر رضي الله عنه، عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (وليال عشر) - قال: عشر الأضحى، (والشفع والوتر) قال: الشفع يوم الأضحى. والوتر يوم عرفة.
وروينا في جزء ابن عرفة عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عباس رضي
الله بالطائف، فجاء طائر لم يُرَ على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً
منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، لا يدري من تلاها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) .

(3/191)


وقال ابن رجب: ويروي عن المنصور أنه قال لبعض أهل البصرة:
عظنى، فاستعاذ وسمى، ثم قرأ: والفجر وليال عشر - إلى قوله -: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) .
فبكى المنصور بكاء شديدا كأنه لم يسمع تلك الآية إلا تلك الساعة.

(3/192)