مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور

سورة البلد
مكية.
قال أبو حيان: في قول الجمهور.
وقال النسفي في تيسيره: وقيل: مدنية.
عدد آياتها.
وآيها عشرون آية في جميع العدد، ولا خلاف فيها.
ورويها أربعة أحرف: مندب.
مقصودها.
ومقصودها: نفي القدرة عن الِإنسان، وإثباتها لخالقه الديان، وذلك
هو معنى اسمها، فإن من تأمل أمان أهل الحرم، وما هم فيه من الرزق

(3/193)


والخير، على قلة الرزق ببلدهم، مع ما فيه غيرهيم، ممن هم أكثر منهم
وأقوى، من الخوف والجوع، علم ذلك.
ما ورد فيها.
وأما ما ورد فيها: فروى البغوي في تفسير قوله تعالى: (فك رقبة) الآية، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله علمني عملًا يدخلني الجنة. قال: لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، اعتِقْ النسمة، وفك الرقبة، قال: يا رسول الله أوليسا واحداً؟.
قال: لا، عتق النسمة: أن تنفرد

(3/194)


بعتقها، وفك الرقبة: أن تعين في ثمنها. والمنحة: الوكوف، والفيء
على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن.
وأمر بالمعروف، وانْهَ عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكُفَّ لسانك، إلا من
خير.

(3/195)


سورة الشمس وضحاها
مكية إجماعاً.
وآيها ست عشرة في المدني الأول، ويقال في المكي كذلك، وخمس
عشرة في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(فعقروها) عدها المدني الأول، والمكي بخلاف عنه، ولم يعدها
الباقون.
ورويها: الهاء.
مقصودها.
ومقصودها: إثبات التصرف في النفوس التي هي سرج الأبدان، تقودها
إلى سعادة أو كبد ونكد وهوان، كما أن الشمس سراج الفلك، يتصرف
سبحانه فيها بالاختيار إضلالاً وهداية، ونعيماً وشقاوة، كتصرفه في الشمس
بمثل ذلك، من صحة واعتلال، وانتظام واختلال، وكذا في جميع الأكوان.
بما له من عظيم الشأن.

(3/196)


واسمها "الشمس" واضح الدلالة على ذلك، بتأمل القسم والقسم
عليه، بما أعلم به، وأشار إليه.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الترمذي وقال: حسن، النسائي، عن بريدة
رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العشاء بالشمس وضحاها، ونحوها من السور.
وروى الطبراني في الكبير بإسناد - قال الهيثمي: حسن - عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا هذه الآية: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) .
وقف ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليُها ومولاها، وخيرُ من زَكَّاها.

(3/197)


سورة الليل
مكية.
وقال ابن أبي طلحة: مدنية.
وآيها إحدى وعشرون في جميع العدد، ولا خلاف في تفصيلها.
وفيها مما يشبه الفواصل موضع: (وأما من أعطى) .
مقصودها.
ومقصودها: الدلالة على مقصود الشمس، وهو التصرف التام في
النفوس بإثبات كمال القدرة بالاختلاف، وباختلاف الناس في السعي مع
اتحاد مقاصدهم، وهي الوصل إلى الملاذ من شهوة البطن والفرج، وما
بتبع ذلك من الراحة.

(3/198)


واسمها "الليل" أوضح ما فيها على ذلك، بتأمل القسم والجواب.
والوقوع من ذلك على الصواب.
وأيضاً: الليل نفسه دال على ذلك، بأنه على غير مراد النفوس، بما فيه
من الظلام، والنوم الذي أخو الموت، وذلك صادر عن كثرة المرادات.
فضائلها.
وأما فضائلها: فروى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر بنحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك.

(3/199)


وروى الشيخان عن جابر رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ رضي الله عنه حين طَوَّل في صلاة الجماعة بمن تضرر بتطويله: يا معاذ إذا قمت بالناس، فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى.
وروى أحمد في مسنده، وابن حيان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح
الإسناد، والبيهقي من طريقه وهذا لفظه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه
قال: قال رشول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من يوم طلعت شمسه إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثلقين: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، وأنزل الله في ذلك قرآناً، في قول الملكين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، في سورة يونس: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) .
وأنزل الله في قولهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، وأعط ممسكاً تلفاً:
(والليل إذا يغشى - إلى قوله -: للعسرى) .
وقال ابن رجب: وذكر محمد بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب
"سيرة عمر بن عبد العزيز": أن عمر قرأ ذات ليلة: (والليل إذا يغشى)

(3/200)


فلما بلغ: (فأنذرتكم ناراً تلظى) خنقته العبرة، فلم يستطع أن ينفذها.
فرجع، حتى إذا بلغها، خنقته العبرة، فرجع - يعني: الثالثة - حتى إذا بلغها خنقته العبرة، فلم يستطع أن ينفذها، فتركها وقرأ بسورة غيرها.

(3/201)


سورة الضحى
مكية إجماعاً.
وآيها إحدى عشرة عند الكل، ولا اختلاف فيها.
ورويها ثلاثة أحرف وهى: رثي، أو: ثار.
مقصودها.
ومقصودها: الدلالة على آخر الليل، بان أتقي الأتقياء الذي هو الأتقى
على الِإطلاق في عين الرضا دائماً، لا ينفك عنه في دنيا ولا في آخرة، لما تحلى به من صفات الكمال، التي هي الِإيصال للمقصود، بما لها من النور المعنوي، كالضحى بما له من النور الحسى، الذي هو أشرف ما في النهار.

(3/202)


وقد علم بهذا: أن اسمها دال على مقصودها.
ما ورد فيها.
وأما ما ورد فيها: فروى ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال:
صحيح على شرط مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ عشر آيات في ليلة، لم يكتب من الغافلين.

(3/203)


وروى الطبراني في الكبير - قال الهيثمي: بإسناد حسن، وفي الأوسط
بإسناد فيه معاوية بن أبي العباس، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات - عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: عُرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته كنزاً كنزاً، فسر بذلك، فأنزل الله عز وجل: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ، فأعطاه الله في الجنة ألف قصر، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم.
وفي رواية في الأوسط، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عُرض عليَّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني، فأنزل الله عز وجل: (وللآخرة خير لك من الأولى) ، فذ كره.
ويسَنُّ في قراءة المكيين: أن يكبر إذا بلغ "والضحى" إلى آخر القرآن.
وروى ذلك عن السوسي صالح بن زياد، عن أبي عمرو بن العلاء
البصري، وذلك من أول "ألم نشرح".
قال شيخنا العلامة شمس الدين بن الجزري رحمه الله: وقد كان أئمة
القراء يأخذون به عن جميع القراء.

(3/204)


وكل ذلك في وجه البسملة، وانتهاؤها أول (قل أعوذ برب الناس) ، لا آخرها، بناء على أن التكبير لأول السورة، ولفظه: الله أكبر.
وزاد جماعة قبله التهليل.
روى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الِإسناد ولم يخرجاه، من طريق
البزي عن عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن
قسطنطين، فلما بلغت "والضحى" قال لي: كبِّر حتى تختم، فإني قرأت على
عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني به عن مجاهد، عن ابن عباس، عن
أبي بن كعب رضي الله عنهم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك.
وذكر الِإمام شمس الدين محمود الأصفهاني في تفسيره بغير سند فقال:
عن ابن سليمان قرأت على إسماعيل بن عبد الله، فلما بلغت إلى:
والضحى، قال لي: كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة، فإني قرأت على شبل بن عبَّاد، وعلى عبد الله بن كثير، فأمراني بذلك، قال: وعن عبد الله بن كثير: أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس

(3/205)


ْرضي الله عنهما فأمره بذلك، وأخبر أن ابن عباس قرأ علىْ أبَي بن كعب
رضي الله عنه فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره بذلك.
قال شيخنا ابن الجزري: وروينا عن الشافعي أنه قال: إن تركت
التكبير، فقد تركت سنة من سنن نبيك - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا يقتضي تصحيحه لهذا الحديث.
وسبب وروده، وكونه من هذا الموضع: ما رواه الحافظ أبو العلاء
الهمداني بإسناده عن أحمد بن فرح، عن البَزِّي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انقطع عنه الوحي، فقال المشركون: قَلَى محمداً ربُّه، فنزلت سورة الضحى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر، وأمر النبي أن يكبر إذا بلغ الضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم.
ونقل شيخنا عن شيخه الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير أنه قال:
ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف، انتهى.
وقد ذكر البغوي هذا السبب في تفسيره، وجزم به.
فالله أعلم.

(3/206)


سورة ألم نشرح
مكية إجماعاً.
كذا قال بعضهم وقال القرطبي: في قول الأكثرين.
وقال ابن عباس، وقتادة،: مدنية.
وآيها ثماني وفاقاً، ولا اختلاف في تفصيلها.
ورويها ثلاثة أحرف، وهي: بكر، أو: ركب.
مقصودها
ومقصودها: تفصيل ما في آخر الضحى من النعمة، وبيان أن
المراد بالتحدث بها: هو شكرها بالنصب في عبادة الله، والرغبة إليه بتذكر
إحسانه، وعظيم رحمته بوصف الربوبية، وامتنانه.

(3/207)


وعلى ذلك دل اسمها "الشرح".
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى البغوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية، (ورفعنا لك ذكرك) قال: قال الله عز وجل: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي.
وذكر ابن رجب عن كتاب الزهد للِإمام أحمد عن حفص بن حميد
قال: قال لي زياد ابن حدير: اقرأ في، فإني أجد لقراءتك لذة، فقرأت
عليه: (ألم نشرح لك صدرك) فجعل يبكي، كما يبكي، الصبي ويقول:
ويل ابن أم زياد، انقض ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟.

(3/208)


سورة التين
مكية إجماعاً.
وآيها ثمان إجماعاً، ولا اختلاف فيها أيضاً.
ورويها حرفان: وهما: نم.
مقصودها
ومقصودها: سر مقصود (ألم نشرح) .
وذلك هو إثبات القدرة الكاملة، وهو المشار إليه باسمها، فإن في خلق التين والزيتون من الغرائب، ما يدل على ذلك، وكذا فيما أشير إليه بذلك من النبوات، وضم القسم إلى المقسم عليه، وهو الِإنسان، الذي هو المحب ما في الأكوان، واضح في ذلك.

(3/209)


فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الشيخان، والترمذي وقال: حسن صحيح.
وأبو داود وعبد الرزاق في جامعه، والبغوي في تفسيره وهذا لفظه: عن البراء رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر، فقرأ العشاء الآخرة بالتين والزيتون في إحدى الركعتين.
وفي رواية الصحيحين: وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه.
وروى أبو داود، والترمذي - قال النووي: بإسناد ضعيف - عن
رجل أعرابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ منكم بالتين والزيتون، فانتهى إلى آخرها (أليس الله بأحكم الحاكمين)

(3/210)


فليقل: وأنا على ذلك من الشاهدين.
قال النووي: وروى ابن أبي داود وغيره في هذا الحديث زيادة على ما
في رواية أبي داود والترمذي: ومن قرأ: (لا أقسم بيوم القيامة) فانتهى
إلى: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ، فليقل: بلى، ومن قرأ:
(والمرسلات عُرْفاً) فبلغ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) ، فليقل آمنا بالله.

(3/211)


سورة اقرأ
وتسمى: العلق.
مكية إجماعاً.
وآيها ثماني عشرة آية في الشامي، وتسعة عشر في الكوفى والبصرى.
وعشرون في المدنيين والمكى.
اختلافها آيتان:
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) - عدها المدنيان والمكى، ولم يعدها الباقون.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا) لم يعدها الشامي، وعدها الباقون.
وفيها لم يشبه الفواصل، ولم يعده أحد موضعان:
(ناصية) ، (كاذبة) .

(3/212)


وعكسه موضع: (ناديه) .
ورويها سبعة أحرف: وهي: أهام بقى.
مقصودها
ومقصودها، الأمر بعبادة من له الخلق والأمر، شكراً لِإحسانه، واجتناباً
لكفرانه، طمعاً في جنانه، وخوفاً من نيرانه، لما ثبت من أنه يدين العباد يوم
المعاد.
وكل من اسميها دال على ذلك، لأن المربي يجب شكره، ويحرم كفره.
على أن "اقرأ" يشير إلى الأمر، والعلق يشير إلى الخلق، واقرأ يدل على
البداية، وهي العبادة بالمطابقة، وعلى النهاية، وهي النجاة يوم الدين باللازم.
والعلق يدل على كل من النهاية والبداية بالالتزام، لأن من عرف أنه
مخلوق من دم؛ عرف أن خالقه قادر على إعادته من تراب، فإن التراب أقبل
للحياة من الدم، ومن صدَّق بالِإعادة عمل لها.
وخص العلق، لأنه مركب الحياة، ولذلك سمى نفساً، فكأنه إشارة إلى تحريم أكل الدم، لأن من أكله تطبع بطابع صاحبه، وصارت نفسه كنفسه.
فضائلها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني - قال الهيثمي: برجال الصحيح -
عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى رضي الله عنه يقرئنا فيجلسنا

(3/213)


حلقاً، عليه ثوبان أبيضان، فإذا قرأ هذه السورة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) قال: هذه أول سورة أنزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وروى البخاري في بدء الوحي ومسلم عن عائشة رضي الله عنهما، أن
جبريل عليه السلام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) .
وتقدم في "إذا السماء انشقت" حديث السجود فيها.
ولأحمد - قال الهيثمي: أيضاً برجال الصحيح، وبعضه في الصحيح
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المقام فمر به أبو جهل فقال: ألم أنهك؟. فانتهره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لم تنتهرني يا محمد، فوالله لقد علمت ما رجل أكثر ناديا مني؟.
قال: فقال له جبريل عليه السلام: (فليدع ناديه) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالله لو دعا ناديه، لأخذته الزبانية
بالعذاب.
وروى مسلم في كتاب التوبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

(3/214)


قال أبو جهل: (هل) يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟.
فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطانَّ على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه فقيل له: مالك؟.
فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهَوْلاً، وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ دَنَا مني لا ختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل الله عز وجل - لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه -: (كلا إن الإنسان ليطغي - إلى قوله: (أرأيت إن كذب وتولى) - يعني: أبا جهل - (ألم يعلم بان الله يرى) إلى قوله: (فليدع ناديه) ، يعنى قومه. إلى آخر السورة.

(3/215)


سورة القدر
قال ابن عباس ومجاهد، وعلى بن أبي طلحة - قال الأصفهاني:
والضحاك ومقاتل -: مدنية.
وقال قتادة، وجابر بن زيد، وعكرمة، والحسن: مكية.
وقال النسفي في تفسيره: وقال الواقدي: هي أول سورة نزلت
بالمدينة.
وقال الأصفهاني: والأكثر: أنها مكية.
وكذا قال أبو حيان: في قول الأكثر.
عدد آياتها
وآيها ست في المكي والشامى، وخمس عند الباقين.
اختلافها آية:

(3/216)


(ليلة القدر) الثالثة، عدها المكى والشامي، ولم يعدها الباقون.
ورويها: الراء.
مقصودها
ومقصودها: تفضيل الأمر الذي هو إحدى قسمي ما ضمنه مقصود
اقرأ. وعلى ذلك دل اسمها، لأن ليلة القدر فضلت به، فهو من إطلاق
المسبب على السبب، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات، لأجل ما
كان فيها، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه: (اليوم أكملت
لكم دينكم) وأقره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ذلك.
والله أعلم.
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى الطبراني في الأوسط والكبير - قال الهيثمي:
وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجال الكبير
ثقات - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن في ليلة القدر في
شهر رمضان، إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم أنزل نجوماً.
قال: ورواه أيضاً في الكبير. والبزار باختصار، ورجاله رجال
الصحيح، وفي سند الطبراني عمرو بن عبد الغفار وهو ضعيف.

(3/217)


ولفظ الطبراني: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "إنا
أنزلناه في ليلة القدر" قال: أنزل القرآن جملة واحدة، حتى وضع في بيت
العزة في السماء الدنيا ونَزَّله جبريل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - بجواب كلام العباد وأعمالهم.

(3/218)


سورة لم يكن
وتسمى: القَيِّمَةَ، والبريَّة، والمنفكين.
مدنية.
قال الأصفهاني: وقيل: مكية. وهو الذي قدمه الزمخشري، واقتصر
عليه البغوي، وأبو حيان.
عدد آياتها
وآيها تسع في البصرى والشامى، ونقص غيرهما واحدة، فهي عندهم
ثمان.
اختلافها آية:

(3/219)


(مخلصين له الدين) . عدها البصرى، والشامي على خلاف
عنه، ولم يعدها الباقون.
وفيها مما يشبه الفواصل، ولم يعد بإجماع، موضعان:
(والمشركين) في موضعين.
ورويها. خمسة أحرف، وهي: مر نبي.
مقصودها
ومقصودها: الإعلام بأن هذا الكتاب القيم، من علو مقداره، وجليل
آثاره، إن كان لقوم نُوراً وهدى، فهو لآخرين وَقْراً وعمى. فيقود إلى الجنة دار الأبرار، ويسوق إلى النار دار الأشقياء الفجار.
وفي ذلك دل كل من أسمائها: الذين كفروا، والمنفكين، والبرية.
بتأمل الآية في انقسام الناس إلى أهل الشقاوة، وأهل الهداية.
والقيمة: بانقسام أهل الدعوة فيها بحسب الإرادة إلى القسمين:
أهل الشقاورة وأهل السعاد.

(3/220)


فضائلها
وأما فضائلها: فروى الترمذي وقال: حسن صحيح، عن أبي بن كعب
رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) . وقرأ فيها: "إن الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية، ومن يعمل خيراً فلن يكفره" - وقرأ عليه - "لو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو أن له ثانيا، لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
ْوروى الإمام أحمد، وابنه عبد الله في زوائد المسند - قال الهيثمي: وفيه
عاصم بن بهدلة، وثقة قوم، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال
الصحيح - عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أمرني أن أقرأ عليك، قال: فقرأ عليَّ "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب)

(3/221)


حتى قال: (من بعد ماجاءتهم البينة) ، إن الدين عند الله الحنيفية.
غير المشركة، ولا اليهودية، ولا النصرانية، ومن يفعل خيراً فلن يكفره.
قال شعبة: ثم قرأ آيات بعدها، ثم قال: لو أن لابن آدم وادياً من
مال لسأل وادياً ثانياً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، قال: ثم ختم ما
بقى من السورة.
وفي رواية: عن أبي بن كعب رضي الله عنه أيضاً، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تبارك وتعالى، أمرني أن أقرأ عليك القرآن فذكر نحوه. وقال فيه: ولو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه، لسأل ثانياً، ولو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً.
والباقي بنحوه.
قال الهيثمي: وفي الترمذي بعضه. وفي الصحيح طرف منه.
قال شيخنا ابن حجر في شرح البخاري: ورواه الحاكم من وجه
آخر عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليه: (لم يكن) وقرأ فيها: إن ذات الدين عند الله الحنيفية، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية، ومن يفعل خيراً فلن يكفره انتهى.
وللبزار بإسناد - قال المنذري: جيد - عن بريدة رضي الله عنه قال:

(3/222)


سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً، ولو أعطى ثانياً، لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا بالتراب، ويتوب الله على من تاب.
ولأحمد - قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح - والطبراني، عن أبي
واقد الليثي رضي الله عنه قال: كنا نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي فيحدثنا، قال لنا ذات يوم: إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان، ولو كان له واديان، لأحب أن يكون إليهما، ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب.
ورواه أبو عبيد في كتاب الفضائل، عن أبي واقد رضي الله عنه قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوحى إليه أتيناه فعلمنا ما أوحى إليه. قال فجئته فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: "إنا أنزلنا المال. فذكره.

(3/223)


وقال الهيثمي: وروى أحمد - أيضاً - برجال الصحيح، عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه، فجعل عمر
ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى، هل يرى عليه من البؤس
شيئا، ثم قال له عمر رضي الله عنه: كم مالك؟.
قال أربعون من الإبل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: قلت: صدق الله ورسوله، لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم التراب، ويتوب الله على من تاب، فقال عمر: ما هذا؟. فقلت: هكذا أقرأنيها أبي، قال: فمر بنا إليه. قال: فجاء إلى أبي فقال: ما يقول هذا؟.
قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فأثبتها في المصحف؟.
قال: نعم.
قال: ورواه أحمد أيضاً، ورجاله ثقات - والطبراني في الأوسط - عن
ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه
، فقال: أكلتنا الضبع - قال مسعر: يعني: السنة - قال: فسأله عمر: ممن
أنت؟.
فما زال ينسبه حتى عرفه، فإذا هو موسر. فقال عمر رضي الله عنه:
لو أن لابن آدم وادياً، أو واديين، لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم
إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب.
قال الهيثمي: ورواه ابن ماجة غير قول عمر: "ثم يتوب الله على من تاب ".

(3/224)


وروى أبو عبيد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: نزلت
سورة نحو براءة، ثم رفعت، وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام
لا خلاق لهم، ولو أن لابن آدم واديين من مال، لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ
جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
وروى أبو عبيد أيضاً أمر الوادي من المال، عن زيد بن أرقم.
وجابر بن عبد الله وابن عباس، رضي الله عنهم.
وروى أبو عبيد - أيضاً - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بن كعب رضي الله عنه: إني أمرت أن أقرأ عليك: أو قال: إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا، فقال: أوسماني؟.
قال: نعم، قال: فبكى.
وروى حديث أنس البخاري في (المناقب) والتفسير، ومسلم في
أواخر الصلاة والفضائل، ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بن كعب رضي عنه: إن الله أمرني أن أقرأ عليك: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) .
وفي رواية: أن أقرأ عليك القرآن.
وفي رواية: أن أقرئك القرآن. قال: وسماني؟. قال: نعم. فبكى.
وفي رواية: قال أبي: (آلله) . سماني لك؟. قال: الله سماك لي
وفي رواية: قال وقد ذكرت عند رب العالمين؟. قال: نعم، فذرفت
عيناه.

(3/225)


وفي رواية عند الطبراني، عن أبي رضي الله عنه قال: نعم باسمك
ونسبك في الملأ الأعلى.
وفي رواية في الصحيح: فجعل رضي الله عنه يبكي.
قال قتادة: فأنبئت أنه قرأ عليه "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب".
ولأبي عبيد في الفضائل، عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه: أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أعرض القرآن عليك.
قال: أسماني لك ربك؟. قال؟ نعم. قال أبي: " بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون.
هكذا القراءة بالتاء.

(3/226)


وقد طال السؤال عن الحكمة في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بخصوصه هذه السورة
بخصوصها على أبي (رضي الله عنه) بخصوصه.
فقال شيخنا حافظ عصره أبو الفضل ابن حجر. في شرحه للبخاري -
وهو أجميع الشروح - قال القرطبي: خص هذه السورة بالذات، لما احتوت
عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص، والصحف والكتب المنزلية على الأنبياء.
وذكر ألصلاة والزكاة والمعاد، وبيان أهل الجنة والنار، مع وجازتها.
انتهى.
(ولم يذكر في تخصيص أبي رضي الله عنه بالقراءة عليه شيئاً.
والذي يظهر لي في سبب تخصيصها: أنه بين فيها أن الكفار من أهل
الكتاب وغيرهم لم يكونوا ليدعوا دينهم حتى تأتيهم البينة، وأن البينة هي
الرسول، وأنه من عند الله، وأنه يتلو صحفاً مطهرة، وأن فيها كتبأ قيمة.
أي مستقيمة جداً، ثابتة استقامتها، لا يمكن أن يكون لها عوج، وأنهم مع
ذلك لم يصدقوا، بل ما تفرقوا إلا من بعد إتيان البينة.
وفيها الأمر بالإخلاص، والتحنف وهو: الميل عن العقائد الزائفة.
وسهولة الانقياد مع الأدلة، ثم الإخبار بأن الكفار من أهل الكتاب المحرفين
لكلام ربهم وغيرهم في النار، وأنهم شر البرية، وأن المؤمنين خير البرية.
وأنهم في رضا الله حيث ما خافوه، فيها التحذير من الشك بعد البيان.
وتقبيح حال مَنْ فعل ذلك، وأن حاله يكون حينئذ كحال الكفرة من أهل
الكتاب وغيرهم، الذين هم شر البرية.
وسبب تخصيص أبي رضي الله عنه بهذا الوعظ على هذه الحالة: أنه لما

(3/227)


وجد مَنْ خالفه في القراءة فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فصوب كُلًا منهم - كما تقدم ذلك مستوفى في سورة النحل وفي الفضائل العامة عند ذكر السبعة الأحرف -
وسوس له الشيطان فيه وربما ظنه من وادي التحريف. فكأن الله تعالى
يقول له: لا تكن ممن يتبع سنن مَنْ قَبْلُ من أهل الكتاب، في فراق دينهم.
والاختلاف على نبيهم، وكن على بصيرة من أمر هذا الرسول الأمين والكتاب القيم المبين.
وقد تقدم في فضائل سورة النحل، أنها هي السورة التي وقع فيها
الخلاف بين أبي وصاحبه رضي الله عنهما.
وفي سورة النحل التي وقع التنازع فيها: أن الله تعالى يبعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة شهيداً، وأنه نزَّل عليه الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وأنه نزله عليه روح القدس بالحق ليثبت الذين آمنوا، وأن اليهود اختلفوا على نبيهم في السبت فألزموا به.
فكانت سورة "لم يكن" على وجازتها حاوية لكل ما في النحل من ذلك
على طولها بزيادة فأمر - صلى الله عليه وسلم - بقراءتها عليه، تذكيراً بذلك كله، على وجه أبلغ وأخصر، ليكون أسرع لما ذكرت تصوراً، فيكون أرسخ في النفس، وأثبت في القلب، وأعشق للطبع.
وفي ذلك من المنقبة لأبي رضي الله عنه، أن الله تبارك وتعالى اختصه
بالتثبيت، وأراد له الثبات، فهو من المريدين المرادين، لما وصل إليه قلبه
ببركة ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لصدره، من كشف الحجب، والنظر إلى سبحات القدس، وشهود تلك الحضرة الشماء وصيرورته إلى أن يكون أصفى الصحابة

(3/228)


مراقبة لتلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيصير كلما قرأ هذه السورة الجامعة غائبا عن تلاوة نفسه، مصغياً بأذن قلبه إلى روح النبوة، يتلو عليه ذلك، فيدوم له حال الشهود، الذي وصل إليه بسر تلك الضربة.
ولثبوته في هذا المقام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرَؤكم أبي" - رضي الله عنه -
رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، عن أنس - رضي الله عنه -.
وهو صحيح، وأوله: "أرحم أمتى بأمتى أبو بكر رضي الله عنه.

(3/229)


سورة إذا زلزلت
قال ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء - قال النسفي: ومجاهد
والواقدي: مكية.
وقال قتادة: مدنية.
وكذا حكى كريب عن كتاب ابن عباس رضي الله عنهما. وعزا
النسفي: هذا القول للجمهور.

(3/230)


عدد آياتها
وآيها ثمان في المدني الأول والكوفى، وتسع في عدد الباقين.
اختلافها آية:
(أشتاتاً) لم يعدها المدني الأول والكوفى، وعدها الباقون.
ورويها أربعة. أحرف، وهي: رملت.
مقصودها
ومقصودها: انكشاف الأمور، وظهور المقدور أتم ظهور، وانقسام
الناس في الجزاء في دار البقاء، إلى سعادة وشقاء.
وفي ذلك دل اسمها بتأمل الظرف ومظروفه، وما أفاد من بديع القدر
وصروفه.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث
يمان بن المغيرة العنزي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا زلزلت" تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد، تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون، تعدل ربع القرآن.

(3/231)


ورواه الكلاباذي في "معاني الأخبار" من طريقه..
وذكر النووي في "الأذكار" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ قرأ في ليلة إذا زلزلت، كانت له كعدل نصف القرآن، ومن قرأ: قل يا أيها الكافرون، كانت له كعدل ربع القرآن، ومن قرأ قل هو الله أحد كانت له كعدل ثلث القرآن
وروى الترمذي نحوه عن أنس - رضي الله عنه -.
ذكره عنه صاحب الفردوس، وقال: وفي الباب عن ابن عباس رضي
الله عنه، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وروى أبو عبيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه ما يخص الزلزلة.
وروى أبو عبيد أيضاً من وجه آخر، عن بكر بن عبد الله المزني قال:
كانت إذا زلزلت تعدل بنصف القرآن.
ومثله لا يقال من جهة الرأي فحكمه حكم المرسل.
وسيأتي في سورة "الكافرون" حديث أنس عند الترمذي في أنها تعدل
ربع القرآن.
وروينا في "سباعيات" الصيدلاني ولفظه:

(3/232)


"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل رجلا من أصحابه: معك إذا زلزلت؟. قال: نعم
قال: ربع القرآن ".
ولا تعارض، بل كل منهما ناظر إليها من جهة.
فأما كونها نصفا: فلأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا
وأحكام الآخرة. وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالا.
وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وبحديث الأخبار.
وأما كونها ربعاً: فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي
رواه الترمذي: عن علي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن رسول الله، بعثنى بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالعبث بعد الموت، ويؤمن بالقدر.
فاقتضى هذا الحديث: أن الإيمان بالبعث الذي هو ربع الإيمان الكامل
الذي دعا إليه القرآن. ذكره ابن الميلق.
وروى أبو داود بإسناد - قال النووي: صحيح - عن معاذ بن عبد الله، وفي نسخة عبد الرحمن - الجهني. أن رجلًا من جهينة أخبره: أنه
سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الصبح: (إذا زلزلت الأرض) .
في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم قرأ ذلك عمداً.

(3/233)


وروى أحمد، وأبو داود،. والنسائي، عن عبد للهِ بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال: أتى رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقرئني يا رسول الله؟.
فقال: اقرأ ثلانا من ذوات "الر"، فقال: كبرت سناً، واشتد قلبي، وغلظ
لساني، قال: - فاقرأ ثلاثا من ذوات "حم" فقال مثل مقالته. قال الرجل: يا رسول الله، اقرئني سورة جامعة، فأقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا زلزلت) ، حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح الرويجل مرتين.
ورواه أبو عبيد في الفضائل، ولفظه: قال: يا رسول الله أقرئنى شيئاً
من القرآن، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقرئك ثلاثا من ذوات "الر"، فقال: يا رسول الله إني قد كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني،، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ ثلاثا من المسبحات، فقال الرجل مثل مقالته الأولى، وقال: يا رسول الله أقرئني سُورَةً جَامِعَةً قال: فقرأ إذا زلزلت، حتى فرغ من
آخرها، فادبر الرجل وهو يقول: والذي بعثك بالحق لاْ أزيد عليها أبداً.
ثلاثا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح الرويجل، مرتين أو ثلاثا.
وتقدم في يونس: أن ابن عبد الحكم أخرجه في كتاب "الفتوح " أتم
من هذا.
وفي (جامع الأصول) عن أنس رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن عند
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله. كبر سني، ورق عظمي،

(3/234)


وغلظ لساني، فأقرئني سورة جامعة، فأقرأه (إذا زلزلت) ، حتى فزغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليها ولا أنقص منها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح الرويجل، ثلاثا.
وروى الطبراني في الكبير بسند - قال، الهيثمي: فيه الحسين بن
الحسن العوفي وهو ضعيف - عن سعد بن جنادة رضي الله عنه قال:
كنت أول من أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت وعلمني قل هو الله أحد، وإذا زلزلت الأرض زلزالها) ، وعلمني هؤلاء الكلمات: سبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هن الباقيات الصالحات.
وفي رواية: وقل يا أيها الكافرون.
وروى الطبراني من طريق حيي بن عبد الله المعافري - قال الهيثمي:
وقد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله رجال
الصحيح - وابن أبي الدنيا عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال:
نزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى أبو بكر - رضي الله عنه -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو أنكم لا تخطؤون، ولا تذنبون، لخلق الله أمة من بعدكم يخطؤون ويذنبون فيغفر لهم
ورواه الطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن سهل - قال الهيثمي:
والظاهر أنه الوشاء وهو ضعيف - عن أنس رضي الله عنه قال: بينما أبو
بكر الصديق رضي الله عنه يأكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نزلت عليه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده وقال: يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من

(3/235)


شر؟. فقال: يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذرة
الشر، ويدخر لك مثاقيل الخير حتى تَوَفَّاهُ يوم القيامة.
وروى أحمد - قال الهيثمي: متصلا ومرسلا، ورجال الجميع رجال
الصحيح - عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق رضي الله عنه، أنه
أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
قال: حسبي، لا أبالي أن لا أسمع غيرها.

(3/236)


سورة العاديات
مكية إجماعا.
وقال الزمخشري وأتباعه: مختلف فيها.
وآيها إحدى عشرة في جميع العدد، ولا اختلاف فيها.
ورويها أربعة أحرف، وهي: رح، عد.
مقصودها
ومقصودها: الإعلام بأن أكثر الخلق يوم الزلزلة هالك، لِإيثار الفاني
من العز والمال على الباقي عند ذي الجلال، المدلول عليه بالقسم، وهو
العاديات، والمقسم عليه، وما عطف عليه.
وقد علم: أن اسمها أدل شيء على ذلك.

(3/237)


فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو عبيد عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زلزلت، تعدل نصف القرآن. والعاديات، تعدل نصف القرآن.
وللطبراني بإسنادين - قال الهيثمي: في أحدهما جعفر بن الزبير، وهو
ضعيف - عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه ذكر عنده الكنود فقال: الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده.

(3/238)


سورة القارعة
مكية إجماعاً.
وآيها ثماني آيات في البصري والشامي، وعشر في المدنيين والمكي.
وإحدى عشرة في الكوفي.
اختلافها ثلاث آيات:
(القارعة) الأولى. عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون.
(ثقلت موازينه) . و (خفت موازينه) ، لم يعدهما البصري
والشامي، وعدهما الباقون.
وفيها مشبه الوسط، موضعان:
(موازينه) كلاهما.
ورويها خمسة أحرف، عي، شثن.

(3/239)


مقصودها.
ومقصودها: إيضاح: يوم الدين، بتصوير أحواله، وتقسيم الناس فيه.
إلى ناج وهالك. واسمها "القارعة" واضح في ذلك.
فضائلها.
وأما ما ورد فيها: فروى ابن أبي داود عن إبراهيم قال: كان أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأون السور الصغار في الفجر، في السفر.
وروى أبو يعلى الموصلي من طرق، عن أنس رضي الله عنه قال: كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام، سأل عنه، فإن كان غائباً، دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده، ففقد رجلاً من الأنصار في اليوم الثالث، فسأل عنه، فقيل: يا رسول الله، تركناه مثل الفرخ، لا يدخل في رأسه، إلا خرج من دبره، يعني: فعاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مم ذلك؟.
قال: يا رسول الله مررت بك وأنت تصلي المغرب، فصليت معك، وأنت تقرأ هذه السورة: (القارعة ما القارعة)
إلى آخرها: (نار حامية) فقلت: اللهم ما كان من ذنب أنت معذبي عليه
في الآخرة فعجل لي عقوبته في الدنيا، فتراني كما تراتي.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
لبئس ما قلت، ألا سألت الله أن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
ويقيك عذاب النار؟.
فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بذلك، ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام كأنما نشط من عقال. فذكره.
وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، واتهم به عباد بن كثير.
قال شيخنا الحافظ شهاب الدين البوصيري: لم ينفرد به عباد، بل له
طرق. يعني من غير طريقه.

(3/240)


سورة ألهاكم
وتسمى: التكاثر.
مكية إجماعاً.
وآيها ثمان إجماعاً.
ولا اختلاف فيها.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس بها، موضع: (كلا لو تعلمون) .
مقصودها.
ومقصودها: التصريح بما أشارت إليه العاديات، من أن سبب الهلاك
يوم الجمع الذي صورته القارعة، الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال.
وكل من اسميها واضح الدلالة على ذلك.

(3/241)


فضائلها.
وأما فضائلها: فروى الحاكم عن عقبة بن محمد، عن نافع، عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا يستطيع (أحدكم أن يقرأ ألف آية كل يوم؟
قالوا: ومن يستطيع ذلك يا - رسول الله.
قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ (ألهاكُم) ؟
قال المنذري: ورجال إسناده ثقات، إلا أن عقبة لا أعرفه.
وللترمذي وقال: حديث غريب، عن هانئ مولى عثمان بن عفان
قال: كان عثمان - رضي الله عنه - إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر - فتبكي؟.
قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه قال: وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(3/242)


يقول: - ما رأيت منظرا قط، إلا والقبر أفظع منه.
قال المنذري: وزاد فيه رزين ما لم أره في شيء من نسخ
الترمذي: "قال هانئ وسمعت عثمان - رضي الله عنه - ينشد على قبر:
فإن تنج منه تَنْجُ من ذي عظيمة. . . وإلا فَإني لا أخالك ناجياً
وروى مسلم في صحيحه - وعبد بن حميد في مسنده - وهذا لفظه: عن
مطرف بن عبد الله ابن الشخير، عن أبيه رضي الله عنه قال: انتهيت إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أنزِلَتْ عليه: (ألهاكم التكاثر) ، وهو يقول - يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت.
قال الإمام ناصر الدين بن الميلق ما حاصله: في كونها تعدل ألف آية:
أن القرآن ستة آلاف آية، ومائتا آية، وكسر.

(3/243)


فإذا تركنا الكسر، كان الألف سدس القرآن، وهذه السورة تشتمل على
سدس مقاصد القرآن، لأن مقاصده - كما مضى في الفاتحة - ستة: ثلاثة
مهمة، وثلاثة متمة. فأما الثلاثة المهمة: فمعرفة الله تعالى، ومعرفة الآخرة.
ومعرفة الصراط المستقيم. والسدس الذي اشتملت عليه، هو التعريف
بالجحيم، والسدس الثاني: دار النعيم، وهما ثلثا المقاصد المهمة.
والتعبير عن هذا المعنى بألف آية، أفخم وأجل وأضخم، من التعبير
بالسدس، والله أعلم.

(3/244)


سورة العصر
مكية إجماعاً.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها.
وآيها ثلاث، متفقة الإجمال.
واختلافها آيتان:
(والعصر) ، ولم يعدها المدني الأخير، وعدها الباقون.
(وتواصوا بالحق) عدها المدني الأخير، ولم يعدها الباقون..
وفيها مما يشبه الفواصل، مواضع: (الصالحات) .

(3/245)


مقصودها
ومقصودها: تفضيل نوع الإنسان، المخلوق من علق، وبيان
خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال، عن زكاة الأعمال.
بترك الفاني، والِإقبال على الباقي، لأنه خلاصة الكون، ولباب الوجود.
واسمها "العصر" واضح في ذلك، فإن العصر يخلص روح المعصور.
ويميز صفاوته. ولذلك كان وقت هذا النبي الخاتم، الذي هو خلاصة
الخلق - صلى الله عليه وسلم - وقت العصر وكانت صلاة العصر أفضل الصلوات.
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى عبد بن حميد عن الحارث، عن علي رضي الله
عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بتسع سور من المفصل، في الركعة الأولى ألهاكم التكاثر، وإنا أنزلناه وإذا زلزلت الأرض، وفي الركعة الثانية: والعصر، وإذا جاء نصر الله، وإنا أعطيناك الكوثر، وفي الركعة الثالثة: قل يا أيها الكافرون، وتبت، وقل هو الله أحد.
قال ابن رجب: وروى أبو نعيم عن الشافعي قال: لو أن الناس كلهم
فكروا في سورة العصر نفعتهم. أو كما قال.
وروى الطبراني عن أبي مدينة الدارمي وكانت له صحبة قال: كان
الرجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر: والعصر.
قال ابن المديني: اسم أبي مدينة عبد الله بن حصن.

(3/246)


سورة الهمزة
مكية إجماعاً.
وآيها تسع وفاقا، ولا اختلافاً فيها.
وفيها مشبه الفاصلة موضع: (همزة) .
ورويها ثلاثة أحرف وهي: زدم.
مقصودها
ومقصودها: بيان الحزب الأكثر الخاسر، الذي ألهاه التكاثر، فبانت
خسارته يوم القيامة، الخافضة، الرافعة.
واسمها "الهمزة" ظاهر الدلالة على ذلك.
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى أبو داود، عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن

(3/247)


جده رضي الله عنه، أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة، إلا
وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة.

(3/248)


سورة الفيل
مكية إجماعاً.
وآيها خمس إجماعاً. ولا اختلاف فيها.
ورويها: اللام.
مقصودها
ومقصودها: الدلالة على آخر الهمزة، من إهلاك المكاثرين، في دار
التعاضد والتناصر بالأسباب، فعند انقطاعها أوْلَى لاختصاصه سبحانه بتمام
القدرة، دون المتمكن بالمال والرجال. واسمها "الفيل" ظاهر الدلالة على
ذلك، بتأمل سورته، وما حصل في سيرة جيشه وصورته.
فضائلها
وأما ما ورد فيها (1)
__________
(1) كذا بالأصل. لم يذكر المؤلف فيها شيئاً، سوى العنوان.

(3/249)


سورة قريش
مكية إجماعاً.
وآيها أربع في الكوفي والبصري والشامي. وخمس في المدنيين والمكي.
واختلافها آية:
(من جوع) عدها المدنيان والمكي، ولم يعدها الباقون.
ورويها أربعة أحرف، وهي: شفعت.
مقصودها
ومقصودها: أن إهلاك الجاحدين المعاندين، لإصلاح المقرين العابدين.
وهو بشارة عظيمة لقريش خاصة، بإظهار شرفهم في الدارين.
واسمها "قريش" ظاهر الدلالة على ذلك.
والتعبير بقريش، دون قومك والحُمس مثلاً، دال على أنهم يغلبون

(3/250)


كما يدل عليه الاسم، وبغير قوة كما دل ما فعل لأجلهم من قصة الفيل.
فضائلها
وأما ما ورد فيها (1)
__________
(1) كذا بالأصل. لم يذكر المؤلف فيها شيئاً سوى العنوان.

(3/251)


سورة أرأيت
وتسمى: الدين، والتكذيب، والماعون.
مكية.
قال النسفي في تفسيره: عن ابن: مدنية (1) . عنه الواقدي.
وقال مقاتل بن حيان: نصفها الأول مكي، ونصفها الباقي مدني.
وقال أبو حيان: هي مكية في قول الجمهور، مدنية في قول ابن عباس.
فخالف ما قاله النسفي، ثم قال: وقال هبة الله الضرير: نزل نصفها
بمكة في العاص بن وائل ونصفها بالمدينة في عبد الله بن أبي المنافق.
__________
(1) هكذا بالأصل، ربما كان: "رواه عنه الواقدي" أو نحو ذلك.

(3/252)


عدد آياتها.
وآيها سبع في الكوفي والبصري، وست عند الباقين. واختلافها آية:
"يراءون" عدها الكوفي والبصري، ولم يعدها الباقون.
ورويها حرفان، وهما: نم.
مقصودها
ومقصودها: التنبيه على أن التكذيب بالبعث لأجل الجزاء، أبو
الخبائث، فإنه يحزي المكذب على مساوىء الأخلاق، حتى تكون الِإستهانة
بالعظائم خلقاً له، فيصير ممن ليس له خلاق وكل من أسمائها في غاية
الوضوح في الدلالة على ذلك، بتأمل السورة، لتعرف هذه الأشياء
المذكورة.
ما ورد فيها
وأما ما ورد فيها: فروى البغوي في تفسيره عن مصعب بن سعد، عن

(3/253)


أبيه رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؟. قال: إضاعة الوقت.

(3/254)


سورة الكوثر
مكية إجماعاً.
وهو عجيب. فإن حديث الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - يدل على
أنها مدنية، لقوله: "بين أظهرنا في المسجد ".
ثم رأيت العلامة جمال الدين ابن النقيب حكى في تفسيره قولين:
الأول: أنها مكية وعزاه إلى ابن عباس والجمهور، والثاني: أنها مدنية، وعزاه للحسن وعكرمة وقتادة.
عدد آياتها
وآيها ثلاث إجماعاً، ولا اختلاف فيها.
ورويها: الراء.

(3/255)


مقصودها
ومقصودها: المنحة للمنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - بكل خير يمكن أن يكون.
واسمها "الكوثر" واضح في ذلك. وكذا النحر لأنه معروف في نحر
الإبل، وذلك غاية الكرم عند العرب.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، عن
أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا في المسجد، إذا أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟.
قال: أنزلت عَلَيَّ آنفا سورة، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
(ثم) قال: أتدرون ما الكوثر؟. قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنه نهر
وعدنيه ربي في الجنة، عليه حوضي.

(3/256)


وفي رواية: فيه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته
عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول:
ما تدري ما أحدث بعدك.
وللبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر: الخير الكثير، الذي أعطاه الله إياه.
وروى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حوض مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لم يظما أبداً.
وفي رواية: حوض مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من
الورق.
ولأحمد - قال المنذري: بإسناد حسن - عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حوض كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج، وأحلى

(3/257)


من العسل، وأطيب من المسك، أكوابه مثل نجوم السماء، من شرب منه
شربه لم يظما بعدها أبداً، أول الناس عليه وروداً: صعاليك المهاجرين،.
قال قائل منهم: ومن هم يا رسول الله؟.
قال: الشعثة رؤوسهم، الشحبة وجوههم، الدنسة ثيابهم، لا تفتح لهم السدد ولا ينكحون المتنعمات، انجذين
يعطون كل الذي عليهم، ويأخذون كل الذي لهم.
وقال الحافظ زين الدين رجب في كتاب "الإِستغناء بالقرَآن":
ويروى عن أبي أمامة مرفوعاً: أربع آيات نزلن من كنز تحت العرش، ليس
نزل شيء غيرهن: أم الكتاب، وآية الكرسي وخاتمة البقرة، والكوثر.

(3/258)