معاني القراءات للأزهري سورة آلِ عِمْرَانَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال أبو بكر: قراءة الأعشى عن أبي بكر عن عاصم:
(الم (1) اللَّهُ ... (2)
الميم ساكنة ومن اسم الله مقطوعة.
وقرأ الباقون: (الم (1) اللَّهُ) ألقَوا فَتْحة الألف على
الميم وحذفوها في الوصل.
وقال أبو إسحاق النحوي رُوي عن الرؤاسي: (الم اللهُ) بتسكين
الميم.
قال: وقد رُوِيَت هذه القراء عن عاصم.
قال: والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عياش وابن عُمَر
بفتح الميم. قال: ففتح الميم إجماع من النحويين.
قال: واختلف النحويون في عِلة فتح الميم.
فقال بعضهم: فتحت لالتقاء الساكنين،
(1/241)
وقال بعضهم: طرحت عليها فتحة الهمزة؛ لأن
نية حروف
الهجاء الوقف، وهذا قول الكوفيين.
وقال الأخفش: إن الميم لو كسرت لالتقاء الساكنين فقيل (الم
اللهُ)
لجاز.
قال أبو إسحاق: وهذا غلط من الأخفش؛ لأن قبل الميم ياء مكْسُور
ما قبلها، فحقها الفتح لالتقاء الساكنين؛ ولثقل الكسر مع
الياء.
وقال مجاهد: إنما قرأ القراء (المَ اللهُ) لأنهم ألقوا فتحة
الألف على
الميم وحذفوها في الوصل.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ. . (12) و:
(يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون)
بالتاء
و (يرونهم) بالياء.
وقرأ نافع ويعقوب: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و: (ترونهم)
كله بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي: (سَيُغلبون ويُحشَرُون) و (يَرَونهم
مثليهم)
بالياء ثلاثتهن.
وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء،
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب
بها إلى
(1/242)
مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على
المشركين بعد يوم أحُد، وذلك
أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود:
هذا
النبي الذي لا تُرَد لهُ راية، فلما نُكِب المسلمون يوم أحد
كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود:
سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم.
فليس في هذا المعنى إلا الياء.
قال الفراء: وَمَنْ قَرَأَ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم
شيء
واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء
والتاء.
وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا
بالياء
لأنه جلَّ وعزَّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون،
والتفسير عليه.
(1/243)
وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية
والمخاطبة، أي: قل لهم
في خطابك ستغلبون.
قال: وَمَنْ قَرَأَ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيُغلبون. .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ... (15) .
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: (وَرُضْوَانٌ) بضم الراء في
كل
القرآن، إلا قوله في المائدة: (مَن اتبعَ رِضْوانَهُ) فإنه كسر
الراء ها هنا،
وهذه رواية يحيى عن أبي بكر.
وقال الأعشى: (رُضْوانُه) بالضم مثل سائر القرآن.
وكسر الباقون الراء في جميع القرآن، وكذلك روى حفص عن
عاصم.
قال أبو منصور: الرُّضوان والرِّضوان لغتان فصيحتان، من رضِي
يَرضىَ، إلا أن الكسر أكثر في القراءة، وهو الاختيار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ ... (19) .
قرأ الكسائي وحده: (أَنَّ الدِّينَ) . وقرأ الباقون: ((إِنَّ)
بكسر الألف.
(1/244)
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى في قول
الله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ) بكسر الألف، وعليه القراء من أهل الأمصار إلا
الكسائي فإنه فتح (أَنَّ) اعتبارا لقراءة ابن مسعود وابن عباس
من غير
أن يكون عنده فيها حجة حكاية عن أحد من السلف، غير أنه قال في
قراءة
عبد الله (أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) : وهذا
دليل على وقوع الشهادة على أن شهد الله بإنه لا إله إلا هو،
وَبِأن الذين عند الله الإسلام.
قال: وحكى الفراء قال: قرأ ابن عباس بكسر الأول وفتح أن
الدين عند الله الإسلام، وهاتَان حجة للكسائي في الفتح لموافقة
ابن
مسعود وابن عباس، فقد كسر الأولى لأن الباء حَسُن فيها
(شهد الله بإنه لا إله إلا هو. . . أنَّ الدين) جعلها مستأنفة
معترضة؛ لأنها
تعظيم لِلَّهِ، كما تقول: (اعتقكَ اللَّهُ وأعْتَقْتُك) ،
فتبدأ بالله تعظيمًا.
(1/245)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَقْتُلُونَ
الَّذِينَ يَأْمُرُونَ ... (21) .
قرأ حمزة وحده: (ويقاتلون) بالألف بعد القاف، وروى نُصَير عن
الكسائي مثل ذلك.
وسائر القراء قرأ: (وَيَقْتُلُونَ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَقْتُلُونَ) فمعناه: أنهم
يَفتُلون الذين
لا يقاتلونهم.
وَمَنْ قَرَأَ (يقاتلون) فمعناه: أنه يقاتلون الذين يخالفونهم
في كفرهم، والمقاتلة من اثنين، والقتل من واحد، والاختيار
(يقاتلون)
بالألف، لأن المعنى: أنهم يقتلون من غلبوه ممن لا يوافقهم على
كفرهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ ... (15)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (أَنَبِّئُكُمْ) بهمزة واحدة
مقصورة.
وقرأ نافع: (ءانَبئكم) بهمزة مُطولة.
(1/246)
وقرأ الباقون: (أَؤُنَبِّئُكُمْ) بهمزتين.
وقال أبو منصور: وهي لغات صحيحة فاقرأ بأيها شئت.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ... (27) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامِرٍ وأبو بكر عن عاصم:
(الْمَيْت)
مخففا في كل القرآن، وكذلك خففوا: (بَلْدَةً مَيْتًا) و
(الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ)
وقوله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا) ، وقوله: (لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا) .
(1/247)
وشدَّد يعقوب من هذا ما كان له روح، كقوله:
(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ
مِنَ الْحَيِّ) و ((أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتًا) ، وخفف ما لا
رُوح فيه، نحو: (لِبَلَدٍ مَيْتٍ) و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) .
واتفقوا كلهم على تخفيف قوله: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً
مَيْتًا) .
وقرأ نافع بتشديد هذا كله،
وقرأ حفص وحمزة والكسائي: (الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) و (بلدة
ميتًا) ، وخففوا (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) و (أَوَمَنْ كَانَ
مَيْتًا) و (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الْمَيِّتَ) مشددًا فهو الأصل،
ومن قرأ (الْمَيْتَ) مخففا فالأصل فيه التشديد، وخفف، ونظيره
قولهم: هيِّن وهَين، وليِّنُ، ولينُ.
والعرب تقول للحيَّة: أيم وأيْن وأيِّم وأيِّن، والمعنى واحد
في جميعها.
وأما من قال: (الْمَيِّت) : ما لم يَمُت ووجهه إلى الموت،
و (الْمَيْتَ) : ما قد مات، فهو خطأ، يقال للذي مات: مَيِّت
ومَيْت، ولما سَيَمُوت ولم يمت: مَيِّت ومَيْتُ، قال الله:
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) .
وبين الشاعر أن (الْمَيِّت) و (الْمَيْتَ) واحد فقال:
(1/248)
ليسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بميْتٍ ... إنَّما
المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
فجعل (الْمَيْتَ) مخففا مثل (الْمَيِّت) .
وأمَّا ما اتفق القراء على تَخفيفه وتشديده فالقراءة سنة لا
تُتَعَدَّى، وإذا اختلفوا فقراءة كل على ما قرأ، ولا يجوز
مُمَاراته وتكذِيبُه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً
... (28) .
قرأ يعقوب وحدَهُ: (تَقِيَّةً) بفتح التاء وكسر القاف وتشديد
الياء.
وقرأ الباقون (تُقَاةً) بضم التاء وفتح القات، وأمَالها حمزة
قليلاً، وفتح
قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) ، وأمَالهما الكسائي
جميعًا، وفتحهما
الباقون إلا أن نافعًا قرأهما بين الفتح والكسر.
قال أبو منصور: من قرأها (تَقِيَّةً) فهي اسم من اتقى يتقِي
اتقَاءً
أو تَقِية، فالاتَقَاءُ مصدر حقيقي، والتقِيَّةُ: اسم يَقُوم
مَقام المصدر.
ومن قرأ
(1/249)
(تُقَاةً) فله وجهان:
أحدهما: أن التقَاةَ: اسم يَقُوم مَقَام الاتقَاء أيضًا، مثل
التقِيَّةِ.
والوجه الثاني: أن قوله تُقَاةً: جمع تُقيٍّ.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (إِلَّا
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) . قال: وقرأ حميد:
(تَقِيَّةً) ، وهو وَجهَ، إلا أن (تَقَاةً) أشهر في العربية.
قال: وسمعت ابن الأعرابي يَقُول: واحِدُ التقَي: تُقَاةَ،
ومثله: طلاة وطلىً، وأنشد قول الأعشى:
متى تُسْقَ من أَنْيابِها بعد هَجْعةٍ ... من الليلِ شِرْباً
حين مالت طُلاتُها
وقال أبو إسحاق النحوي في قوله:
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) و (تَقِيَّةً) :
قُرِئَا جميعا،
وقال: أباح الله إظهار الكفر مع التقيَّة، والتقِيَّة: خَوف
القَتل.
إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع خَوْف القتل، وسلامة
النية.
وقال الفراء: ذكر عن الحسن ومجاهد أنهما قرءم: (تَقِيَّةً) .
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قالَ: التُّقَى
كتابه بالياء، قال: والطلى جمع طلية، وهي: صَفحةُ العُنُق.
قال: وقال أبو عمرو والفراء: واحدتها: طلا.
وقال ابن الأعرابي: الطلى: طلاة
(1/250)
وطليَهَ، وكذلك: تُقَاة أو تقي، لم يجئ إلا
هذان الحرفان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ...
(36) .
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (بِمَا وَضَعْتُ) بضم
التاء، وقرأ الباقون: (بِمَا وَضَعَتْ) ، مثل: فَعَلَتْ
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بِمَا وَضَعْتُ) فهو قول أم مريم
وفعلها.
وَمَنْ قَرَأَ (بِمَا وَضَعَتْ) فهو إخبارُ الله - عزَّ وجلَّ
- عن فِعلها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ... (37) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (وكَفَلهَا)
خفيف
(زَكَرِيَّاءُ) ممدود مرفوع،
وقرأ أبو بكر عن عاصم: (وَكَفَّلَهَا) الفاء مُشَدد.
و (زَكَرِيَّاءُ) ممدود مهموز أيضًا.
وقرأ حمزة والكساني وحفص: (وَكَفَّلَهَا) مشددا (زَكَرِيَّاءُ)
مقصورا في
(1/251)
كل القرآن.
قال أبو منصور: من شدد (وَكَفَّلَهَا) جعل (زَكَرِيَّا)
مفعولاً ثانيًا،
والمفعول الأول مريم، ومن خفف الفاء جعل (زَكَرِيَّا) في موضع
الرفع؛ لأنه فاعل.
وفي (زكريا) ثلاث لغات: القصر حتى لا يَسْتَبِين في الألف نصب
ولا رفع ولا خفض.
واللغة الثانية: مد الألفط فَتُنصب وتُرفع ولا تخفض
ولا تُنَوَنُ؛ لأنه اسم لا ينصرف، وبهاتين اللغتين نزل القرآن.
وأما اللغة الثالثة فلا تجوز القراءة بها، وهو قولك: (هذا
زكَرِيٌّ قد جاء) ، فيجوز لإشباهه المنسُوب من أسماء العرب.
ومعنى قوله: (وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ) أي: ضمِنَ القيامَ
بأمرها وتَربيتها.
ومَن قَرأ (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) فالمعنى: (وَكَفَّلَهَا
اللَّهُ زَكَرِيَّا) .
(1/252)
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنَادَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ ... (39) .
قرأ حمزة والكسائي: (فَنادِيهُ المَلائكَةُ) بالياء وإمالة
الدال.
وقرأ البا قون: (فَنَادَتْهُ) بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَنَادَتهُ) بالتاء فكأن الملائكة
جماعة مؤنثة.
وَمَنْ قَرَأَ (فَنَادِيهُ) نَوىَ جمع الملائكة فَوَحَّدَ
الفعل،
وكذلك كل فِعل جَماعةِ تَقَدم فَلكَ فيه الوجهان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ ... (39)
قرأ ابن عامرٍ وحمزة بكسر الألف.
وقرأ الباقون: (أَنَّ اللَّهَ) بفتح الألف، وأمال ابن عامرٍ
الراء من (الْمِحْرَابِ) لم يملها غيره.
(1/253)
قال أبو منصور: من فتح (أَنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ) فالمعنى: فنادته الملائكة
بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ؛ أي: نادته بالبشَارة.
ومَن كَسَر فقرأ (إِنَّ اللَّهَ)
فالمعنى: قالت له: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ؛ لأن النداء
قَولٌ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُبَشِّرُكَ ... (39) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يُبَشِّرُكَ) بالتشديد في كل القرآن
إلا موضعًا
واحدًا في (عسق) ، فإنهما خففا قوله: (الذِي يَبْشُرُ اللَّهُ
عِبَادَهُ)
قرأ نافع وابن عامر وعاصم والحضرمي بتشديد ذلك كله.
وقرأ الكسائي بتخفيف خمسة مواضع.
موضعان ها هنا في هذه السورة، وفى بني إسرائيل: (ويَبْشُرُ
المؤمنِينَ) ، وفى الكهف (ويَبْشُرَ المؤْمِنين) ، وفى (عسق)
"يَبْشُرُ اللهُ عِبَادَهُ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُبَشِّرُكَ) فهو من البِشَارة لا
غَير، يُقال بَشَّرْته
بِشَارَةً بتشديد الشين.
ومَن قرأ (يُبْشُرُكَ) فمعناه: يَسُركَ ويُفْرِحُكَ.
يقال: بَشَرته أبشُرهُ، إذا فَرَّحْتَهُ.
وذكِر عن حمزة أنه قرأ فى
(1/254)
الحجر (: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
خصه بالتشديد لقوله: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ) .
لقربه منه.
وقرأ حميد وحده: (يُبْشِرك) .
قال أبو منصور: من العرب من يجيز بشَّرته وأبشرتُه وبَشَرتُه
بمعنى
واحد، ويقال: بشَّرتُه فأبشر وبَشَر، أي: سُرَّ وفَرِح.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُعَلِّمُهُ ... (48)
قرأ نافع وعاصم ويعقوب: (ويُعَلمُهُ) بالياء.
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (يُعَلمُهُ) و (نُعَلمُهُ) ،
والتعليم لله جلَّ وعزَّ في الوجْهَين.
(1/255)
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ
... (49)
قرأ نافع وحده بكسر الألف، وفَتَحها الباقون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنِّي) فالمعنى: بأَنِّي
أَخْلُقُ لَكُمْ.
ومن قرأ (إِنِّي أَخْلُقُ) بالكسر فهو على البدل من قوله:
(بِآيَة) ، المعنى:
جئتُكُم بآيةٍ إِنى أخلق لكم.
وجائز أن يكون رَفعًا، المعنى: الآيةُ إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ
مِن الطينِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجْهِيَ لِلَّهِ ... (20)
فتح الياء نافع وابن عامر والأعشى وحفص،
وأسكنها الباقون.
* * *
وقوله: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ ... (35)
فتح الياء من (مِنِّيَ) نافع وأبو عمرو.
(1/256)
قوله: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا ... (36)
فتح الياء من (إِنِّي أُعِيذُهَا) نافع وحده.
* * *
وقوله: (اجْعَلْ لِي آيَةً ... (41) .
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله: (إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ... (49)
حركها ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ... (52) .
حركها نافع وحده، وأسكنهاَ الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَكُونُ طَيْرًا ... (49)
قرأ نافع والحضرمي: (فَيَكُونُ طَائِرًا) موحدا، وكذلك فى
المائدة.
وقرأ الباقون: (فَيَكُونُ طَيْرًا) على الجمع في السورتين.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: الناس كلهم يقولون
للواحد: (طائرا) وأبو عبيدة معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال:
(طيرًا) للواحد، وجمعه على طيُور.
قال: وأبو عبيدة ثقة.
(1/257)
قال أبو منصور: وقد سمعت العرب تقول لواحد
الطيور: طير
وطائر.
وأكثر النحويين يقولون للواحد: طائر، وللجمع طير، كما يقال:
شارِب وشَرْب، وسافِر وسَفْر.
وَمَنْ قَرَأَ (فَيَكُونُ طَيْرًا) احتمل معنيين:
أحدهما: فيكون من جنس الطير،
واحتمل أن يكون معنى (فَيَكُونُ طَيْرًا) ، أي: فيكون طائرًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ... (57)
قرأ حفص ويعقوب: (فَيُوَفِّيهِمْ) بالياء.
وقرأ الباقون (فَنُوَفِّيهِمْ) بالنون.
(1/258)
قال أبو منصور: المعنى واحد في الياء
والنون، الله هو الموَفِّي للأجُور،
لا شريك له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ... (66)
قرأ أبو عمرو ونافع: (هَا نْتُمْ) ممدودا مستفهما غير مهموز.
وقرأ ابن كثيرا: (هَأَنْتُمْ) غير ممدود، وهمز (أنتم)
وقال قنبل في روايته لابن كثير: (هَأَنْتُمْ) مهموز، بِوَزن
(هَعَنتُم) يجعلها
كلمة واحدة، وكذلك يعقوب الحضرمي.
وقرأ الباقون: (هَا أَنْتُمْ) ممدودة مهموزة.
(1/259)
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو ونافع
(هَا نْتُمْ) ممدودا
غيرمهموز فهو جيد، لا استفهام فيه، ولكن هاء تنبيه، كقوله:
هؤلاء،
وهذاك.
وكذلك قراءة من قرأها بالمد والهمز، لا فرق بينهما غير تليين
الهمزة في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن كثير: (هَأَنْتُمْ)
بوزن (هَعَنتُم)
فكأنه ذهب إلى أن الأصل (أأنتُمْ) على الاستفهام، ثم قلبت
الهمزة
الأولى هاء، كما يقال: هَراقَ الماء وأراقَهُ.
وروى عن ابن كثير (هانتم) بتليين الهمز، كأنَ معناه (أنتم) ،
ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، وكذلك من قرأ بالمد والهمز، يجوز
أن يكون قلب الهمزة هاء، والله أعلم.
قال أبو منصور: وهذا أحسن من قول من جعل (ها) تنبيها فى
(هانتم) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
... (73)
قرأ ابن كثير وحده (ءَانْ يُؤْتَى أَحَدٌ) ممدودا، وقرأ
الباقون
بغير مَدٍّ.
قال أبو منصور: القراءة بغير المد، وَمَنْ قَرَأَ بالمدَ فهو
استفهام
معناه الإِنكار، وذلك أن أحبار اليهود قالوا لِذَوِيهم: أيُؤتى
أحَدٌ مثلَ مَا
أوتيتُم؟ أي: لا يُؤتى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ.
(1/260)
قال الفراء: ((أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ
مَا أُوتِيتُمْ) : لا تصَدِّقوا (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ
مَا أُوتِيتُمْ.
أوقَع (تُؤْمِنُوا) على (أَنْ يُؤْتَى) كأن قائلفم قال:
لا تؤمنوا أن يُعطى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أعطيتم.
وقد قيل إن المعنى: قل يا محمد: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ
أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) ، أي: الهدَى
هُداكم، لاَ يُؤتى أحَد مِثلَ مَاَ أوتيتم، قاله الفراء.
قال: وصَلحت أحَد لأن معنى (أنْ) معنى (لا) ، كما قال الله
جلَّ وعزَّ: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) معناه:
لا تَضلوا.
وقال: (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ)
أنْ تَصلح في موضع (لا) .
وأخبرني المنذري عَن المبرد أنه قال: المعنى في قوله (أَنْ
يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) (قُلْ إِنَّ الْهُدَى
هُدَى اللَّهِ) كَراهَة (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا
أُوتِيتُمْ)
أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يَهدِي مَنْ هُوَ
كَاذبٌ كَفَّار، فَهُدَى اللهِ بَعِيدٌ مِن غَيْر المؤمنين.
قال أبو منصور، وقول الفراء عندي أصَح مِن قَول المبَرد.
(1/261)
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُؤَدِّهِ ... (75) ،
و: (نُصْلِه) و (نُؤْتِهِ)
ونحوهن من الهاءات التي تتصل بفعل مجزوم.
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (يُؤَدِّهِي) بإظهار الياء
فى
اللفظ، وكذلك غيره في الوصل فإنه لم يَضبِطه، ألا ترى أن
سيبويه
روى عن غير الجزم، وقال: هو مختص بِلطافة اللفظِ، وترك
الإشباع،
ويروى عن العرب الجزم المحض في أمثال هذه الهاعات، فهُوَ
وَهْمَ، لأن
العربيَّ يختلس الحركات اختلاسا خَفِيًّا إذا سمعه الحضَرِيُّ
ظنهُ جَزْمًا،
(1/262)
وذلك الظن منه وَهْمٌ.
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ...
(75) .
اتففق القراء على ضم الدال في جميع القرآن، إلا ما روي عن يحيى
ابن وَثاب: (دِمتَ) .
قال أبو منصور: واللغة العاليه دُمتُ أدُومُ.
ومن العرب من يقول: دِمت أدَامُ، إلا أنَ القراءة بالضم،
لاتفاق قراء الأمصار عليه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ
وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
(1/263)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب:
(تَعلَمُونَ) بفتح التاء
خفيفا.
وقرأ الباقون: (تُعَلِّمُونَ) بضم التاء وتشديد اللام، ومعناه:
بتعليمكم الكتاب ودرسكم و (ما) معناها المصدر فى القراءتين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ ... (80)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (وَلَا يَأْمُرُكُمْ)
رفعًا،
وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ) نصبًا.
(1/264)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَا
يَأْمُرُكُمْ) بالرفع فهو استئناف.
وَمَنْ قَرَأَ (وَلَا يَأْمُرَكُمْ) عطفه على قوله: (مَا كَانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ. . . وَلاَ أن
يَأْمُرَكُمْ) .
فحذف (أن) وهو ينويها، والنصب اختيار أحمد بن يحيى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
... (81)
قرأ حمزة: (لِمَا) كَسر، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم:
(لِمَا) بكسر اللام.
وقرأ الباقون: (لَمَا) بفتح اللام.
وقرأ نافع وحده: (ءاتَيناكُم) .
وقرأ الباقون: (آتَيْتُكُمْ) بلا نون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَا آتَيْتُكُمْ) بفتح اللام
فإن (مَا)
للشرط والجزاء. ودخلت اللام على (ما) كما تدخل في (إن) الجزاء
إذا
كان في جوابها القسم، كما قال الله جلَّ وعزَّ: (وَلَئِنْ
شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي)
(1/265)
وكقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ)
فاللام في (إن) دخلت مؤكدة للام القسم، كقولك: (لئن جِئتَني
لأكرمَنَّك) . وكذلك قوله: (لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) .
وَمَنْ قَرَأَ (لِمَا آتَيْتُكُمْ) جعلها لام خفض، وجعل اليمين
مستأنَفا.
وأجود القراءتين فتح اللام.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال:
معنى (لِمَا آتَيْتُكُمْ) : لمَهمَا آتَيْتُكُمْ) ، أي أي كتاب
آتَيْتُكُمْ لتُؤمنُنَّ به.
وهذا يقرب من التفسير الأول.
(1/266)
وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
... (81)
اتفق القراء على كسر ألف (إِصْرِي) ، إلا رواية شاذة رواها ابن
واصل عن سعدان عن مُعلى عن أبي بكر عن عاصم: (أُصْرِى) بضم
الألف.
قال أبو منصور: ولا يُعَرج على هذه الرواية؛ لأن ضم (أُصْرِى)
وَهْمٌ.
والقراءة (إِصْرِي) بالكسر، وهو العهد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا
وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر:
(تَبْغُونَ) و (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالتاء، وقرأهما حفص
ويعقوب بالياء
جميعا، إلا أن الحضرمي فتح الياء، وضمها حفص من قوله:
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .
وقرأ حمزة والكسائي بالتاء فيهما.
وقرأ أبو عمرو: (يَبْغُونَ) بالياء، و: (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
بالتاء.
(1/267)
قال أبو منصور: كل ما قرئ به من هذه الوجوه
فهو جائز فى
العربية.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: الاختيار في كله
التاء؛
ليكون على الخطاب الأول، وكل جائز؛ لأن الحكاية تخرج على
الخطاب
كله، وعلى الغيبة كلها، وبعضها على الخطاب وبعضٌ على
الغيبة، وهذا منها إن شاء الله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
... (97)
قرأ حفص وحَمزة والكَسائي: (حِجُّ الْبَيْتِ) بكسر الحاء وَفتح
الباقون الحاء.
(1/268)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حَجُّ
الْبَيْتِ) فهو مصدر حَجَجت حَجًّا.
وقال بعضهم: (الحِج) بكسر الحاء: عَمَل السنَةِ، و (الحَج) :
المصدر.
وقال أحمد بن يحيى: هما لغتان: حَجَجتُ حَجا وحِجا.
قال: ونحن نذهب إلى أن اللغتين إذا شُهرتا جُمع بينهما، وهذا
من ذاك، وأيهما قرئ به فهو صواب.
وأحب الكسائي أن لا يخرج من اللغتين جميعا.
قال: والحِج مكسورة لغة أهل نجد، والفتح لغة أهل العالية.
قال: واختار بعض أصحابنا الفتح في كل القرآن.
وقال: ليس بين الحرف الذي في آل عمران وبين غيره في كل القرآن
فرق، فإما أن يجعل كله على لغة هؤلاء أو على لغة أولئك.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ ... (115)
قرأ حفص وحمزة والكسائي: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ)
بالياء جميعا.
وقرأ الباقون بالتاء.
والياءُ والتاءُ عند أبي عمرو سيَّان فى هذا الموضع، وروى
هارون عن أَبى عمرو بالياء، ولم يذكر التاء.
(1/269)
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَضُرُّكُمْ
كَيْدُهُمْ شَيْئًا ... (120)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (لَا يَضِرْكُمْ) بكسر
الضاد خفيفة. وقرأ الباقون بضم الضاد والراء مشددة.
وروى الحجاج الأعور عن حمزة: (لَا يَضِرْكُمْ) مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَضُرُّكُمْ) بالتشديد وضم
الضاد والراء
فإن شئت جعلته مرفوعا وجعلت (لا) بمنزلة (ليس) فرفعت وأنت مضمر
للفاء كما قال الشاعر:
(1/270)
فإنْ كان لا يُرضيك حتى تَردَّني ... إلى
قطريٍّ لا إخالُك راضياً
أراد: فإن كان ليس يرضيك فلا إخالُك راضياً.
وقال أبو إسحاق: الضم في قوله (لاَيَضُرُّكُم) هو الاختيار
لالتقاء الساكنين.
قال: وكثير من العرب يُدغم في موضع الجزم،
وأهل الحجاز يُظهرون.
قال أبو منصور: والنصب في قوله: (لاَيَضُرَّكُم) جائز غير أن
القراءة سنة، وقرئت بالضم.
قال الزجاج: يجوز (لاَيَضُرَّكُم) ولا (يَضِرَّكُم) ، فمن فتح
فلأن
الفتح خفيف مستعمل في التقاء الساكنين في التضعيف، ومن كسر
فعلى أصل التقاء الساكنين.
(1/271)
وَمَنْ قَرَأَ (لاَ يَضِرْكُم) فهو من
الضَّيْر، يقال: ضارَه يضِيرُه
ضيرًا، بمعنى: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضَرًّا، والضيْر والضرُّ
واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
قرأ ابن عامر: (مُنَزَّلِينَ) بتشديد الزاي، وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: أنزلَ ونَزَّل بمعنى واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مُسَوِّمِينَ (125) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (مُسَوِّمِينَ) بكسر
الواو، وفَتَحها الباقون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُسَوِّمِينَ) بالكسر فالمعنى:
مُعَلِّمين
بالسَّوْمَة، وهى: العلامة في الحرب، وَمَنْ قَرَأَ
(مُسَوَّمِينَ) فالمعنى:
(1/272)
مُعَلَّمِين، وجائز أن يكون معنى
(مُسَوِّمِينَ) : قد سَوَّمُوا خيلهم،
أرسلوها ترعى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ ... (133)
قرأ نافع وابن عامرٍ: (سَارِعُوا إلِى مَغْفِرَةٍ) بغير واو،
وكذلك
هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون: (وَسَارِعُوا) بالواو.
قال أبو منصور: القراءة جائزة بالواو وغير الواو، غير أني أحب
القراءة بالواو.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... (140)
(1/273)
قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: (قُرْحٌ) بضم
القاف، وقرأ الباقون:
(قَرْحٌ) بفتح القاف.
وقال الفراء: القَرح: الجُرح، والقُرْح: ألمُ الجِرح.
وقال الزجاج: القُرح والقَرح واحد، ومعناهما: الجرح، وألمُه،
ويقال: قَرِحَهُ قَرح، وأصَابَهُ قرح.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ
... (146)
قرأ ابن كثير: (وكائِن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كَاعِن)
،
وقرأ الباقون: (وَكَأَيِّنْ) الهمزة بين الكاف والياء.
وذكر عن يعقوب أنه كان يقف: (وكَأي) قال: ومعناه: وكم من نبيٍّ
(1/274)
قال أبو منصور: هما لغتان قرئ بهما
(وَكَأَيِّنْ) بتشديد الياء بوزن
(وكَعَيِّن) ، واللغة الثانية (وكائِن) بوزن (كاعِن) ، والمعنى
واحد.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في تفسير (كَأَيِّنْ) :
الكاف
زائدة مُدخلة على أي، قال: والكاف معناه: التشبيه، كما تقول:
كعمرو.
قال: وَمَنْ قَرَأَ (كَأَيِّنْ) فهو من كيب عن الأمر، أى:
حببت.
قال: ومعناها: كم. وكم بمعنى الكثرة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُتِلَ ... (146)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب على (فُعِلَ) .
وقرأ الباقون (قَاتَلَ) على (فَاعَلَ) .
قال أبو منصور: والقراءتان جيدتان، إلا أن (قُتِلَ) مفعول،
و (قَاتَلَ) فاعِل.
(1/275)
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ ... (151)
قرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي: (الرُّعُبَ) مثقلاً حيث
كان، وخفف الباقون.
وهما لغتان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ... (154)
قرأ حمزة والكسائي: (تَغْشَى طَائِفَةً) بالتاء، وقرأ الباقون
بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فَلِلأمَنَة،
ومن قرأ بالياء فَلِلنعَاس، وكل ذلك جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ...
(154) .
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ لِلَّهِ)
بالرفع.
وقرأ الباقون بالنصب.
(1/276)
قال أبو منصور: من نصب (كُلَّهَ) فعَلى
التأكيد (للأمر) ،
ومن رَفَعَ فَعَلى الابتداء، و (لِلَّهِ) الخبر، المعنى:
الأمرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، أى: النصر
وما يُلقى في القلوب من الرعب (لِلَّهِ) ، أى: كل ذلك
(لِلَّهِ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)
قرأ ابن كثيرٍ وحمزة والكسائي: (وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ)
بالياء،
وقرأ الباقون بالتاء، وروى عن أبي عمرو الياء أيضًا.
قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء إخبار عن الغيب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مُتُّمْ ... (157) و (مُتْنَا) .
(1/277)
قرأ نافع وحمزة والكسائي: (مُتُّمْ) و:
(مِتنا) و: (مِتُّ) بكسر
الميم في كل القرآن وكذلك قرأ حفص إلا في قوله ها هنا: (أَوْ
مُتُّمْ)
و (لَئِنْ مُتُّمْ) فإنه ضم الميم فيها.
وكسر في سائر القرآن.
وقرأ الباقون بضم الميم في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة العالية واللغة الفصيحة (مُت) و
(مُتنا)
ومن العرب من يقول: مَاتَ يَمَاتُ.
ومثله: دُمْتُ أدُومُ، ودِمتُ أدام.
والقراءة بكسر الميم من (مِتُّ) فاشية، وإن كان الضم أفْشَى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)
قرأ حفص عن عاصم: (مِمَّا يَجْمَعُونَ)
وقرأ الباقون بالتاء.
(1/278)
وعرفت مما قَد مَرَّ الجواب عن ذلك من
الخطاب والغيبة.
أ. .
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ...
(161)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أَنْ يَغُلَّ) بفتح الياء وضم
الغين.
وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَغُلَّ) فالمعنى ماكان لنبى أن
يَخُونَ
أمَّتَهُ، وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع
الغنائم فى
غَزاة، فجاءه جماعة فقالوا له: ألاَ تَقسِم بيننا غنائمنا؟
فقال صلى الله عليه وسلم:
"لو أن لكم عندي مِثلَ أحُدٍ ذَهَبًا ما مَنَعتُكم دينارًا،
أتَرُوني أغُلكم مَغنَمَكُنم".
(1/279)
ومَن قرأ (أن يُغَلَّ) فهو على وجْهَين:
أحدهما: ماكان لنبى أن يَغُلَّهُ أصحابُه، أى: يخُونُوه، وجاء
عن النبي صلى الله عليه: "لا يخوننَ أحَدُكم خَيطا ولا
خِيَاطا".
والوجه الثاني: أن يكون (يُغَلَّ) بمعنى: يُخَوَّن، المعنى:
ما كان لنبى أن يخوَّنَ، أى: يُنسَب إلى الخِيَانة؛ لأن
نَبِي الله لا يَخُونُ إذ هو أمينُ الله في الأرض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ...
(169)
قرأ ابن عامر وحده: (قُتِّلُوا) مشددًا، وخفف الباقون.
واتفقوا على التاء فى (تَحْسَبَنَّ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُتِّلُوا) بالتشديد فهو للتكثير،
ومن
قرأ (قُتِلُوا) فعلى (فُعِل) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُؤْمِنِينَ (171) .
قرأ الكسائي وحده: (وَإِنَّ اللَّهَ) بكسر الأدف، وفتحها
الباقون.
(1/280)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأن اللهَ)
بالفتح فالمعنى: يَستَبْشِرُونَ
بأن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَبِأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ اللَّهَ) فهو استئناف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ ... (176)
قرأ نافع: (وَلَا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ) و (لَا يُحْزِنْكَ
قَوْلهُم)
ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في
سورة
الأنبياء: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فإنه وافق
القراء فى هذه.
وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.
(1/281)
قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لَا
يَحْزُنْكَ) بفتح الياء،
وبها قرأ أكثر القراء.
وأما قراءة نافع أحزَنَ يُحْزِنُ فهو لغة صحيحة، غير أن
حَزَنَ يَحْزُنُ أفشَى وأكثَرُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...
(178)
و: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ)
و: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) . . . (فَلَا
تَحْسَبَنَّهُمْ) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر
ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فَلَا
تَحْسَبَنَّهُمْ) ،
وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا)
و (لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بالياء،
والأخرَيَين بالتاء.
وقرأ حمزةُ كلهن بالتاء،
وكل من قرأ (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) بالتاء فتح الباء،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء ضم الباء (فَلَا يَحْسَبُنَّهُمْ) .
(1/282)
قال محمد بن يزيد: مَنْ قَرَأَ
(يَحْسَبَنَّ) يفتح (أن) ، وكانت
تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حَسِبتُ أنَّ زيدًا مُنطلِق) ،
ويقبح الكسر
مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
وَمَنْ قَرَأَ (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لم يَجُز
عند البصريين إلا كَسر
ألِف (إن) ، المعنى: لا تحسبَن الذين كفروا إئملاؤُنا خَير
لهم.
ودخلت (إِن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين
كفروا
إملاءَنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين،
وهو على البدل من (الذين) ، المعنى: لا يحسبن إملاءَنا الذين
كفروا خيرًا
لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها،
ومثله قال الشاعر:
فما كانَ قَيْسٌ هُلْكُه هلكَ واحدٍ ... ولكنه بنيانُ قومٍ
تَهَدَّما
(1/283)
يجوز هُلكَ واحد، وهُلكُ واحد، فمن رفع
قوله (هُلكُه) ابتداءً
جعل هُلكُ واحدا خبر الابتداء، وبَسُدَّانِ معًا مَسَدَّ
الخبر.
ومن جعل (هُلكُه) بدلا من قوله (قَيسٌ) نصب (هُلكَ واحِد)
المعنى: ما كان هلكهُ هُلكَ واحِد.
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّمَا)
قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبنَ أنمَا نملِي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ
تَأْتِيَهُمْ)
على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
... (179)
و: (لِيَمِيزَ) .
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي: (حَتَّى يَمَيِّزَ) و:
(لِيُمَيِّزَ)
بضم الياء والتشديد،
وقرأ الباقون: (حَتَّى يَمِيزَ) و: (لِيَمِيزَ)
بالتخفيف وفتح الياء.
قال أبو منصور: يقال: مَيَّزت الشيءَ مِن الشيءِ فَتَمَيَّز،
إذا خلصته
منه، والمعنى: أن المؤمنين هم الطيِّبُ، ميَّزَهم اللهُ من
الخبيث، وهم المشركون، أي: خلصهم.
وَمَنْ قَرَأَ (حَتى يَمِيزَ) فهو من مِزتهُ أمِيزُهُ
(1/284)
مَيزًا، فهو مَمِيز، بمعنى مَيَّزتُ.
ويقال: مِزتُهُ فَامتَازَ وأمَازَ، ومَيْزتهُ فتَمَيَّز،
قال الله جلَّ وعزَّ: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا
الْمُجْرِمُونَ) ،
أي: تميزُوا من المؤمنين فإنكم وَقُودُ النار، والمؤمنون
للجنة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بِمَا يَعمَلونَ) بالياء -،
وقرأ الباقون: بالتاء.
التاء للخطاب، والياء للغيبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ ...
وَنَقُولُ ... (181) .
قرأ حمزة وحده: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) بياء مضمومة، و
(قَتلهُم)
و (يَقول ذوفوا) بالياء.
وقرأ الباقون: (سَنَكْتُبُ) بالنون: و (قَتْلهُم) نصبا، و
(نَقول) بالنون.
(1/285)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَتلهُم)
فعَلى أنه معطوف على
(مَا قَالوا) وهى في موضع الرفع، أي: سَيُكتَب قَولهم وقتلهم
الأنبياءَ.
وَمَنْ قَرَأَ (وقَتلهُم) عطفه على (مَا قَالوا) لأنه مفعول
بقوله (سَنَكتُب) ،
و (قَتلهمْ) معطوف عليه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ... (184) .
قرأ ابن عامر وحده: (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ) ، وكذلك
هى في مصاحفهم
بالباء.
وقرأ الباقون: (وَالزُّبُرِ) بغير باء.
(1/286)
قال أبو منصور: إذا أظهرت اسما ثم عطفت
عليه اسما فإن شئت
عطفته بالباء وإن شئت نويت حذفها، وأما المضمر فلا يعطف عليه
إلا
بإظهار الخافض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ ... (187)
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأها بالياء فلأنهم غيب،
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فعلى الخطاب لهم وقد أخذ الميثاق عليهم،
والمعنى: أن الله جلَّ وعزَّ أخذ عليهم الميثاق ليُبَيِّنُنَّ
أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنبذوه وراء ظهورهم ولعنهم.
(1/287)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا
... (195)
قرأ حمزة والكسائي: (وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا) بدأ بالمفعول قبل
الفاعل.
وبذلك قرأ في التوبة: (فَيُقْتَلُونَ وَيَقْتُلُونَ) مفعول
وفاعل.
وقرأ الباقون: (وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا) المفعول بعد الفاعلين
في السورتين،
وشدد ابن كثير وابن عامر قوله: (وَقُتِّلوا) وخفف الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَغُرَّنَّكَ ... (196) .
اتفق القراء على تشديد النون، إلا ما رُوى عن يعقوب
وحده أنه قرأ: (لاَ يَغُرَّنْكَ) ساكنة النون.
قال الأزهري: التشديد أجود القراءتين؛ لأنها أوكد وأفشى
والتخفيف جائز.
(1/288)
|