معاني القراءات للأزهري

سورة النِّسَاءِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قول الله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ... (1) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: (تَسَّاءَلُونَ بِهِ) .
وقرأ الكوفيون: (تَسَاءَلُونَ) مخففة بفتح السين،
وروى علي ابن نصر وهارون وعبيد وخارجة وعلي بن الفضل عن أبي عمرو: (تَسَاءَلُونَ) خفيفة، وروى عباس وأبو زيد عنه: إن شئت شددت، وإن شئت خففت.
قال الأزهوي: من قرأ (تَسَّاءَلُونَ) بتشديد السين فالأصل:
تتساءلون، فأدغمت التاء الثانية في السين، وشُددت،

(1/289)


ومن قرأ (تَسَاءَلُونَ) فالأصل أيضًا - تتساءلون، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما، ومعناهما واحد: تطلبون به حقوقكم.
واتفق القراء على نصب (والأرحامَ) إلا حمزة فإنه خفض الميم
نَسقًا على الهاء في (بِه) .
قال أبو منصور: الَقراءة الجيدة (والأرحامَ) بالنصب، المعنى: اتقوا
الأرحامَ أن تقطعوها، وأمَّا خفض الأرحام على قراءة حمزة فهي ضعيفة
عند جميع النحويين، غير جائزة إلا في اضطرار الشعر، لأن العرب
لا تعطف على المكنِيِّ إلا بإعادة الخافض، وقد أنشد الفراء بيتا في
جوازه:
تُعَلَّقُ في مثلِ السَّوارِي سيوفُنا ... وما بينها والأرضِ غَوْطٌ نَفانِفٌ

(1/290)


والكلام وَجهُهُ (وما بينها وبين الكعب) ، فاضطره الشعر إلى
جوازه.
وخفض (الأرحَامِ) خطأ أيضًا وأمر الدين عَظيم، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم) .
فلا يجوز أن تتساءلوا بالله وبالرحم على عادة كلام العرب، أي: نهى النبي عن الحلف بغير الله.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ... (5) .
قرأ نافع وابن عامر: (لكم قِيَمًا) بغير ألف،
وقرأ الباقون: (قِيَامًا) بالألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قِيَامًا) فهو من قول العرب: هذا قِوام
الأمر، أي: مِلاكه.
ومثله قوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) ، أي: قِوامًا.
وقيل في قوله (جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
أيَ: جعل المال يقيم بني آدم فيقومون بها قِياما.

(1/291)


وَمَنْ قَرَأَ (قِيَمًا) فهو راجع إلى هذا المعنى: جعلها الله قيمة
الأشياء، فيها تقوم أموركم.
وقال: الفراء: المعني في قوله: جعل الله لكم قِيَامًا
وقِوامًا وقِيَمًا واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ... (9) .
أمال حمزة وحده (ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) ،
وقرأها الباقون بالتفخيم.
قال أبو منصور: الإمالة فيهما غير قويةٍ عند النحويين فلا
يُقرآنِ إلا بالتفخيم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) .

(1/292)


قرأ ابن عامر، وأبو بكر وأبان عن عاصم: (وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا)
بضم الياء.
والباقون: (وَسَيَصْلَوْنَ) بفتح الياء.
قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ (وَسَيُصْلَوْنَ) فالمعنى: أن الله يُصليهم
النار، أي: يددخلهم فيها كي يَصلوا حَرها، نعوذ بالله منها.
ومن قرأ (وَسَيَصْلَوْنَ) جعل الفعل للكفار الذين يصلونها، أي: يقاسون حرها، من صَلِيتُ النار أصلاها، إذا قاسيت حَرها.
* * *
وقوله جلَّ وضزَ: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ... (11) .
قرأ نافع وحده: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ) رفعا،
وقرأ الباقون: (وَاحِدَةً) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالرفع جعل كان مكتفية.
ومن قرأ (وَاحِدَةً) بالنصب فهو على إضمار اسم لكانت، أي:
وإن كانت المولودة واحدة.
والنصب الاختيار، وعليه أكثر القراء.

(1/293)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ... (11) .
قرأ حمزة والكسائي (فَلِإِمِّهِ السُّدُسُ) بكسر الهمزة،
وقرآ: (مِنْ بُطُونِ إِمِّهَاتِكُمْ) و (فِي إِمِّ الْكِتَابِ) و (فِي إِمِّهَا)
في جميع القرآن إذا ولي ألف كسرةً أو ياءً ساكنة.
وافترقا في الميم من قوله (إِمِّهَاتِكُمْ) فكسرها حمزة، وفتحها الكسائي.
وقرأ الباقون بضم الألف في هذا كله. .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلِإِمِّهِ) بكسر الألف فلإتباع الكسرة
الكسرة. لأن لام الملك قبل همزة (أمها) مكسورة،
وكذلك قوله (فِي إِمِّ الْكِتَابِ) ، و (فِي إِمِّهَا) ؛ لأن الياء أخت الكسرة، فأتبعت الكسرة كسرة،
كما قرئ (عَليهِم) - فكسرت الهاء من أجل الياء، وإن كانت الهاء
في الأصل مضمومة.
وأما قوله: (مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) فإن الكسائي

(1/294)


فتح الميم، لأنه كرِه توالي الكسرات، وأما حمزة فإنه كسر الميم
أيضًا لمجاورتها المكسور.
وقول الكسائي أجود القولين.
وأما من ضم هذه الهمزات من (أُمِّ) و (أُمَّهات) فلأن الأصل في
همزة الأم الضم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُوصِي بِهَا ... (11) .
قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر:
(يُوصَى) و (يُوصَى) بفتح الصاد فيهما جميعا.
وقرأ حفص بكسر الأولى وفتح الثانية.
وقرأ الباقون بكسرهما جميعا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يوصَى بها) بفتح الصاد فهو من أُوصِيَ
يُوصِّي.
وَمَنْ قَرَأَ (يوصِي) فهو من أوصَى يُوصي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ... (13) . و: (نُدْخِلْهُ نَارًا ... (14) .

(1/295)


ْقرأ نافع وابن عامر: (نُدْخِلْهُ) و (نُدْخِلْهُ) بالنون فيهما
جميعا.
وقرأ الباقون بالياء.
قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (يدخله) أو (ندخله) فالفعل لله جلَّ وعزَّ،
وقد مَرَّ مثله فيما تقدم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ... (16) .
قرأ ابن كثير: (وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا) و (هَذَانِّ) و (هَاتَيْنِّ)
و (فَذَانِّكَ) بتشديد النون فيهن.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب (فَذَانِّكَ) بتشديد النون، وخففا سائر الحروف. وخففهن الباقون كُلهن.

(1/296)


قال أبو منصور: من شدد النون في (فَذَانِّكَ) فهو على لغة من يقول
في الواحد: (ذلك) في موضعا (ذاك) .
قال أحمد بن يحيى: ومن شدد النون في سائر الحروف، وهي لغات
جاءت عن العرب، فالأحسن الأكثر فيها التخفيف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ... (19) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (كَرْهًا) هاهنا بفتح الكاف، وفي
التوبة وفي الأحقاف في موضعين: (كَرْهًا) و (كَرْهًا) أربعهن
بفتح الكاف.
وقرأ ابن عامر وعاصم في النساء والتوبة، (كَرْهًا) بفتح الكاف
وفي الأحقاف: (كُرْهًا) و (كُرْهًا) بضم الكاف فتابعهما
الحضرمي، فقرأ مثلهما سواء.
وقرأ حمزة والكسائي بضم الكاف فيهن أجمع
وقد مر في سورة البقرة الجواب فيها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ... (19) .
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ) في كل

(1/297)


القرآن بفتح الياء، وكذلك (آيَاتٍ مُبَيَّنَاتٍ) بالفتح أيضًا في جميع
القرآن.
وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) بكسر الياء، و (آيَاتٍ مُبَيَّنَاتٍ) بفتح الياء في جميع القرآن.
وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، والمفضل عن عاصم، وحمزة والكسائي: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) و (آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) بالكسر فيها.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُبَيِّنَاتٍ) بالكسر فالمعنى: مُتَبينات،
يقال: بَيَّن الشيء وتَبَيَّن بمعنى واحد.
وَمَنْ قَرَأَ (مُبَيَّنَاتٍ) فالمعنى: أن الله قد بينها، والعرب تقول: بَيتتُ الشيءَ فبيَن، أي: تَبَين. لازم ومتعدٍّ، ومثله: قدمتُهُ فقدَّم، أي: تقدم. ونوَّرْتُه فنَوَّر.
وَمَنْ قَرَأَ (بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ) فمعناها: ظاهرة.
ومن قرأها (مُبَيِّنَةٍ) فالمعني: مكشوفة مُظهِرة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ... (24) .

(1/298)


فتح الكسائي الصاد من قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) في هذه
وحدها، وكسر الصاد في قوله: (والمحصِنات) ، و (محصِنات) في سائر
القرآن.
وقرأ الباقون بفتح الصاد حيث كانت.
وَرَوى قيس بن سعد عن ابن كثير مثل الكسائي بكسر الصاد.
وأخبرني أبو بكر الإيادي عن شمر عن ابن الأعرابي، وأخبرني
المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: كلام العرب كله على
(أفعَل) فهو (مَفْعِل) ، إلا ثلاثة أحرف أحْصَن فهو محصَن، وألفَج فهو
مُلفَج، إذا افتقر، وأسْهَب فهو مُسْهَب، إذا أكثر الكلام.

(1/299)


وأجمع القراء على فتح الصاد من قوله جلَّ وعزَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) لأن معناهن أنهن أحصِن كالأزواج، ولو قُرِئت: (وَالْمُحْصِنَاتُ)
فجازت في العربية أنهن يحصِن فروجهن، وإحصان الفرج: إعفافه.
ويقال: امرأة حصان بيَنة الحُصُنِ إذا كَانَت عفيفة، وفَرَسَ حَصَان بيِّن
التَحَصَن والتحصين، إذا كان فَحْلا مُنجِبا. وبناءٌ حَصِين: بيِّن الحَصانة.
ويقال: امرأة حاصن بمعنى: الحَصان، ومنه قول الراجز:
وحاصِنٍ من حاصناتٍ مُلْسِ ... مِن الأذى ومن قِراف الوَقْسِ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ... (24) .
ْقرأ ابن كثير ونافع وأَبوعمرو وابن عامر ويعقوب: (وَأَحَلَّ) بفتح
الألف.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)
بضم الألف

(1/300)


قال أبو منصور: من قرأ (وَأَحَلَّ لكم) فمعناه: وأحَلَ الله لكم.
ومن (وَأُحِلَّ لَكُمْ) فهو على ما لم يسم فاعله، واللهُ المحل لعباده
وحده، وهو المحرم الحرام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِذَا أُحْصِنَّ ... (26) .
فتح الألف أبو بكر عن عاصم، وضمها حفص عن عاصم.
وقرأ حمزة والكسائي: (فَإِذَا أَحْصَنَّ) بفتح الألف أيضًا.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (فَإِذَا أُحْصِنَّ)
قال أبو منصور: من قرأ (فَإِذَا أَحْصَنَّ) فالمعنى أن الإماءَ إذا
أسلمن أحصَنَّ فروجهن بالإسلام، أي: أعففنها،
ومن قرأ (فَإِذَا أُحْصِنَّ) فالمعنى: أنهن زُوِّجنَ إماء لم يُعتقن بعد فأحصَنَهُنَّ أزواجهن.
وقيل في قوله (فَإِذَا أُحْصِنَّ) : إنه بمعنى أسلمن فأحصَنَّ أنفسهن بالإسلام.
وقيل معنى (أُحْصِنَّ) ، أي: مُلكَنَ فأسلمنَ فمُنعن من الفساد.

(1/301)


وقال أبو عبيد: أجمع القراء على نصب الصاد في الحرف الأول
من سورة النساء، فلمْ يختلفوا في فتحها لأن تأويلها ذَواتُ الأزواج
يُسبينَ فَيُحِلهنَّ السَّبيُ، يوطأن بملك اليمين، وينتقض نكاحهن.
وأما سوى الحرف الأول فالقراء مختلفون، فمنهم من يكسر الصادَ، ومنهم
من يفتحها، فمن نصب ذهب إلى الأزواج، ومن كسر ذهب إلى أنهن
أسلمن فأحَصَنَّ أنفسهن، فهن محصِناتَ.
قال أبو منصور: وأما قوله: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ)
فإن ابن مسعود قرأ بفتح الأول، وقال: إحصَان الأمة إسلامُها.
وكان ابن عباس يقرأهَا (فَإِذَا أُحْصِنَّ) ويُفَسره: فإذا أحصِنَ بزوج.
وكان لا يرى

(1/302)


على الأمَةِ حدًّا ما لم تزوج.
وكان ابن مسعود يرى عليها نصف حدٍّ
الحُرة البِكر إذا أسلمت وإن لم تزوج، وإلى قوله ذهب الفقهاء.
قال أبو منصور: والأمَة إذا زوجت جاز أن يقال: قد أحصَنَت؛ لأن
تزويجها قد أحصنها، وكذلك إذا أعتقت فهي محصنة؛ لأن عتقها قد
أعَفها، وكذلك إذا أسلمت؛ لأن إسلامها قد أحصنها.
وقال ابن شميل: حَصَنَت المرأة نفسها بالتخفيف، وامرأة حصان
وحَاصِن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ... (29) .
قرأ الكوفيون: (تجارةً) نصبا.
وقرأ الباقون بالرفع.

(1/303)


قال أبو منصور: من رفع جعل كان مكتفية،
ومن نصب أضمر لـ (كان) اسما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) .
روى المفضل عن عاصم: (يُكفر عنكم. . . ويدخلكم) بالياء
معًا.
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: المعنى، في النون والياء واحد، والفعل لله، هو
المكفر للسيئات، لا شريك له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) ، و (مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) .
قرأ نافع: (مَدْخَلًا كَرِيمًا) و (مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) بفتح الميم.

(1/304)


وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقرن بضم الميم فى السورتين.
قال أبو منصور: من قرأهما (مُدْخَلًا) بضم الميم فهو
مصدر أدخله مُدْخَلًا وإدخالا،
ويجوز أن يكون المدخلُ اسما، كأنه وضع موضع الإدخال.
وَمَنْ قَرَأَ (مَدْخَلًا) بفتح الميم فله معنيان:
أحدهما: مصدر دخل (مَدْخَلًا) أى دخولا.
والثانى: موضع الدخول.
وأجاز القراء (مَدْخَلًا) من أدخلتـ، ومَصبَحًا من أصبحت، ومَمسًى من أمسيتُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ... (32)
ونظائره.
قرأ ابق كثير والكسائي: (وَسَأَلُوا اللَّهَ) و (فَسَلِ الذين)
و (سَل من أرسلنا) ونحوهن بغير همز في كل القرآن،
وقرأ الباقون بالهمز،
واتفقوا على همز (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) واللام لام أمر

(1/305)


الغائب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ... (33)
قرأ الكوفيون: (عَقَدَتْ) بغير ألف.
وقرأ الباقون: (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) بألف.
قال أبو منصور: هما لغتان: عقد يعقد. وعاقد يُعاقد،
وقد قرأ بهما القراء، وفيها لغة ثالثة: أخبرني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال: قرئ والذين عَاقَدَت) و (عَقَدَت) بالتخفيف،
قال أبو زيد وقرأ بعضهم: (عقَّدَت) بتشديد القاف، والمعنى في جميعها التوكيد لليمين.
وأنشد قول الحطيئة:
ْأولئك قومٌ إن بَنَوا أحسَنُوا البُنى ... وإن عَاهَدوا أوفَوا وإن عَقَدُوا شَدوا.

(1/306)


يجوز: عَقَدُوا، وعَقْدوا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ ... (36)
روى المفضل عن عاصم: (وَالْجَارِ الْجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون،
ولم يذكر غيره هذه.
وقرأ سائر القراء: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) .
قال أبو منصور: والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، يقال
للقريب الذي تؤمنه وتجيره: جارَ جنب أيضًا.
* * *
وأما قوله: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ... (36)
فهو الرفيق فى السفر.
وقَلَّ ما تقول العرب: (الْجَارِ الْجَنْبِ) .
لا يكادون يجعلون (الْجَنْبِ) نعتًا للجار، فإن صحت القراءة
(وَالْجَارِ الْجَنْبِ) فَمجازة، "والجار ذي الجنب "
أي: ذي القرب منك، ومنه قول الله جلَّ وعزَّ:
(عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)
أي: في قرب الله، كذلك قال الفراء.

(1/307)


وقوله. جلَّ وعزَّ: (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ... (37)
قرأ حمزة والكسائي: (بالبَخَل) بفتح الباء والخاء،
وكذلك في الحديد.
وقرأ الباقون بضم الباء في السورتين وسكون الخاءا.
قال أبو منصور: هما لغتان: الْبُخْلِ والبَخَل، فاقرأ كيف
شئت.
وقوله جلَّ.عر: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ... (40) .
قرأ ابن كثير ونافع: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ) رفعا.
وقرأ الباقون: (حَسَنَةً) نصبًا.
كال أبو منصور: من نصب (حَسَنَةً) أضمر في (تَكُ) مرفوعًا،
كأنه قال: إن تك الفِعلة (حَسَنَةً) .
ومن رفع جعل (تَكُ)

(1/308)


مكتفية، كأن معناها: إن تَقَع (حَسَنَةٌ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ... (42) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب: (لَوْ تُسَوَّى) بضم التاء،
وتخفيف السين.
وقرأ نافع وابن عامر بفتح التاء وتشديد السين:
(لَوْ تَسَّوَّى) .
وقرأ حمزة والكسائي: (تَسَوَّى) بفتح التاء مخففة السين مُمَالة.
قال أبو منصور: من قرأ (تَسَوَّى) فالأصل تتسوَّى، فحذفت إحدى
التاءين.
وَمَنْ قَرَأَ (تَسَّوَّى) فالأصل أيضًا تتسوَّى، فأدغمت التاء
الثانية في السين، وشددت، يقال: اسَّوَّى - يسَّوَّى اسَّوَّاء فهو مسَّوِّ،
وأصل (تَسَوَّى) تتسوَّى، كما يقال: أزَّمَّل، وادَّثَّر واصَّدَّى، والأصل
تزمَّل وتدثَّر وتصَدَّى.
ومن قرأ (تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ فهو من سُوِيت به الأرض تُسَوَّى، إذا دفن فيها.

(1/309)


والمعنى في جميع هذه الوجوه: أن أهل النار يَوَدون أن لو
تُركوا ترابًا ولم يبعثوا من القبور أحياء.
ويقال: تسوت به الأرض واستوت به الأرض، إذا دفن في بطنها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ... (43)
قرأ حمزة والكسائي: (أَوْ لَمَسْتُمُ) في السورتين بغير ألف.
وقرأ الباقون فيهما بالألف
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوْ لَامَسْتُمُ) فهو على فاعلتم،
لاشتراكهما في الفعل الذي يكون منه الولد،
وَمَنْ قَرَأَ (أَوْ لَمَسْتُمُ) خص بالفعل الرجل، لأن الفعل في باب الجماع
يضاف إلى الرجل، وقد يكنى عن الجماع باللمس واللماس، والعرب تقول: فلانة لاَ تَردُّ يدَ لاَمِسٍ، أي: لا تَرُد عن نفسها من أراد غِشيَانَها.

(1/310)


وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ... (66) .
قرأ ابن عامر وحده: (إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) نصبًا، ورفع الباقون.
قال أبو منصور: من رفع فعَلى تكرير الفعل، كأنه قال: ما فعلوه
مَا فعله إلا قليل منهم، ومن نصب فعَلى الاستثناء، كأنه قال: استثنى
قليلا منهم.
وقال أحمد بن يحيى فيما أخبرني عنه المنذري: الرفع في قوله
(إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) لأن الأول منفى، والثاني مثبت.
والاختيار الرفع في الاستثناء مع الجحد.

(1/311)


وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ... (73) .
قرأ ابن كثير وحفص والمفضل عن عاصم ويعقوب:
(كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) بالتاء.
وقرأ الباقون: (لَمْ يَكُنْ) بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث المودة.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء كأنَ المودة أريد بها الودُ، فذكرَ فِعله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا) .
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب وابن عامر:
(وَلَا تُظْلَمُونَ) بالتاء.

(1/312)


وكذلك قُرِئ لابن عامر على ابن الأخرم.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء،
وأما قوله: (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
فاتفقوا فيه على الياء.
قال أبو منصور: التاء للخطاب والياء للغيبة،
وكلتا القراءتين جيدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ ... (81)
قرأ أبو عمرو وحمزة: (بَيَّت طَّائِفَةٌ) مدغمًا،
وقرأ الباقون: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ) .
بنصب التاء غير مدغمة.
قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرج التاء من الطاء، ومن أظهر
فلأنهما من كلمتين، والإظهار أتم وأشيع.

(1/313)


قال أبو عبيد: معنى بيَت: بدَّل وغيَّر، وأنشد:
وبيَّت قوليَ عبدُ المليك ... قاتله الله عبدًا كفورا
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ... (90) .
قرأ الحضرميَ وحده: (حَصِرَةً صُدُورُهُمْ) منَونة،
وقرأ الباقون: (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) على (فَعِلت) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حَصِرَةً صُدُورُهُمْ) نصبه على الحال من
الأسماء التي في الواو من قوله: (أوجاءوكم) .
ومَنْ قرأ (حَصِرت صُدُورُهُمْ) فله وجهان عند النحويين:
أحدهما: إضمار (قد) كأنه قال: أو جاءوكم قد حَصِرت صدورهم.
لأن (حَصِرت) ماضٍ، والماضي لا يكون حَالاً إلا بـ (قد) .
والوجه الثاني في قوله (حَصِرَتْ صُدُورُهُم) : أنه خبر
بعد خبر، كأنه قال: أو جاءوكم ثم أخبر فقال بعد (حصرت صدورهم)
أن يقاتلوكم.
ومعنى حَصرَت صدورهم، أي: ضاقت وجَبُنَت.

(1/314)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَثَبَّتُوا ... (94) .
قرأ حمزة والكسائي بالثاء في السورتين.
وقرأ الباقون (فَتَبَيَّنُوا) بالنون من البيان.
قال أبو منصور: التثَبت والتبَين بمعنى واحد، قال الفراء: تقول
العرب للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين، وحتى تثبت.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ... (94)
قرأ نافع وابن عامر وحمزة: (السَّلَمَ) بغير ألف،
وقرأ الباقون: (السَّلَامَ) بألف،
وروى شيبان عن أبان عن عاصم: (إِلَيْكُمُ السِّلْمَ) بكسر
السين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) فقد جاء في التفسير
أن رجلا سَلم على بعض سرايا المسلمين وَظنوا أنه عائذ بالإسلام

(1/315)


وليس مسلمًا فقُتِل،
وَمَنْ قَرَأَ (السَّلَمَ) فمعناه: الاستسلام،
و (السِّلْمَ) يكون بمعنى الصلح، ويكون بمعنى الإسلام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ... (95)
قرأ نافع وابن عامر والكسائي: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ) نصبًا،
وكذلك روَى شبل عن ابن كثيرٍ،
وقرأ الباقون: (غَيْرُ) بالرفع.
قال أبو منصور: من نصب (غَيْرَ) فعَلى الحال، ومن رفع فعلى أنه
نعت للقاعدين،
وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون (غيرَ) منصوبا
على الاستثناء من (القاعدين) ، المعنى: لا يستوي القاعدون إلا أولي
الضرر، قال وبجوز أن تكون (غَيْرَ) منصوية على الحال: لا يستوي
القاعدون في حال صحتهم.
وقال ابن الأنباري: يجوز النصب في (غَيْرَ) على القطع، وعلى الاستثناء.

(1/316)


وتوبه جلَّ وعزَّ: (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
قرأ أبو عمرو وحمزة (فَسَوْفَ يُؤْتِيهِ) بالياء،
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: النون والياء معناهما واحد، الله يؤتيه الأجر،
لا شريك له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
قرأ ابن كثير ويعقوب: (يُدْخَلُونَ) بضم الياء ها هنا وفي مريم
ورأس أربعين من المؤمن، وقرآ: (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ)
عند رأس ستين منها بضم الياء أيضًا.
وقرأ أبو عمرو ها هنا وفي مريم وفاطر
ورأس أربعين من المؤمن: (يُدخَلون) بضم الياء، وروى المطرف عن
ابن مشكان عن ابن كثير: أنه ضم الياء في فاطر مثل أبي عمرو،
وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: أنه ضم الياء ها هنا وفى مريم
ورأس أربعين من المؤمن، وفتح رأس ستين منها (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) ،
وروي

(1/317)


يحيى عن أبي بكر ها هنا وفى مريم (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ) بالضم، وفتح
الياء رأس أربعين، وروى الكسائي وحسين عن أبي بكر عن عاصم
بفتح الياء فيهن كلهن،
وقرأ الباقون بالفتح في ذلك.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَدخُلون) فهم فاعلون،
ومن قرأ (يُدخَلُون) فعلى ما لم يسم فاعله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ... (128) .
قرأ الكوفيون (يُصْلِحَا) بالضم والتخفيف،
وقرأ الباقون: (يَصَّالَحَا)
قال أبو منصور: (يَصَّالَحَا) . أى: يتصالحا، فأدغمت التاء فى
الصاد. وشددت.
وَمَنْ قَرَأَ (يُصْلِحَا) فمعناه: إصلاحهما الأمر بينهما،
كما يقال: أصلحت ما بين القوم، والمعنى فيهما: أن الزوجين يجتمعان
على صلح يتقفان عليه، وذلك أن المرأة تكره الفراق، فتَدَع بعض حقها
من الفراش للزوج فيؤثر به غيرها من نسائه، كما فعلت سَودَة في تركها
ليلتها لِعَائشة.

(1/318)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ... (135)
قرأ ابن عامر وحمزة (وَإِنْ تَلُوا) بواو واحدة، وضم اللام،
وقرأ الباقون: (تَلْوُوا) بواوين وسكون اللام.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَلْوُوا) فهو من لوَى يَلوي.
يقال: لويت فلانًا حقه ليَّا. إذا دافَعتَه ومَطلتَه، وهذه القراءة أشبه بما جاء في التفسير، لأنه جاء فيه: إن لوَى الحاكم في قضيته أو أعرض فإن الله خبير بذلك،
ومَن قرأ (تَلُوا) بالتخفيف ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون (تَلُوا) أصلها (تَلوُوا) ، فأبدل من الواو المضمومة همزة فصارت (تَلؤوا) بإسكان اللام، ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام، فصارت (تَلوا) ، كما قُيل في (أدوُر) : (أدؤر) .
ثم طرحت الهمز فصارت (أدر) .
وقيل معنى: (تَلوُوا) تفعلوا من الولاية أو تعرضوا.
المعنى: إن قمتم بالأمر أو أعرضتُنم فإن الله بما تعملون خبيرا، ويكونُ (تَلوا) على هذا المعنى من وَلِى يَلِي، إذا تولَّى أمرًا وقام به.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ... (136)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم النون والألف من
(نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) .
وقرأ الباقون بفتحهما، وروى الكسائي عن أبي بكر:
(نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) مضمومتين.

(1/319)


وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ... (140)
قرأ عاصم ويعقوب: (وَقَدْ نَزَّلَ) بفتح النون،
وقرأ الباقون: (نُزِّلَ) بضم النون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) فهو على ما لم يسم
فاعله، ومن قرأ (أَنْزَلَ) و (نَزَّلَ) فالمعنى: وقد نَزَّلَ الله في كتابه،
وأنزله، والمعنى واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ... (145)
قرأ ابن كثير ويعقوب ونافع وأبو عموو وابن عامر:
((فِي الدَّرَكِ) مُثَقَّلاً، وكذلك رَوَى الأعشى والكسائي وحسين عن أبي بكر عن عاصم بفتح الراء،
وقرأ حمزة والكسائي: ((فِي الدَّرْكِ) خفيفا، وكذلك روىْ حفص عن عاصم ويحيى عن أبي بكر عن عاصم بإسكان الراء أيضًا.

(1/320)


قال أبو منصور: هما لغتان: الدَّرْك والدَّرَك، ومثلهما: ليلة النفْر،
والنفَر. ونشْز من الأرض ونَشَر. وشَطْر وشَطَر.
وقال أبو عبيدة: جهنم دركات، أي: منازل وأطباق،
وقيل: الدركات مراقٍ بعضها تحت بعض.
وعن ابن مسعود أنه قال فى تفسير قوله: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ)
في توابيت من حديد مُبهَمة عليهم، المبهَمة: التي لا أقفال عليها.
وأمرٌ مبهم، إذا كان مُلتَبسًا لا يعرف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ... (152)
قرأ حفص عن عاصم (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ) بالياء،
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: المعنى فيهما واحد: الله المؤتي الأجرَ، لا شريك له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ... (154) .

(1/321)


قرأ نافع وحده (لَا تَعْدُّوا فِي السَّبْتِ) بسكون العين، وتشديد
الدال، وروى ورش عنه (لَا تَعَدُّوا فِي السَّبْتِ) بفتح العين وتشديد الدال،
وقرأ الباقون (لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) ساكنة العين خفيفة الدال.
قال أبو منصور: القراءة التي رويت عن نافع بسكون العين وتشديد
الدال ضعيفة عند النحويين، لاجتماع الساكنين، وهى في الأصل:
لا تعتدوا، فأدغمت التاء في الدال وشُددت، وعَدَا واعتدى، إذا جاوز
الحدَّ وظلم، ولو قرئت (ولا تَعَدُّوا) بفتح العين وتشديد الدال فالأصل
فيها: تَعتَدوا أيضًا، يقال: أعدَّى يُعدِي إعداء، الأصل فيها: اعتدى
يعتدي اعتداء.
وأجود القراءة (لَا تَعْدُوا) من عَدَا يَعُدو، إذا جاوز
الحد وجار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)
قرأ حمزة وحده (زُبُورًا) بضم الزاي.
وفتحها الباقون.

(1/322)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (زَبُورًا) بفتح الزاي فمعناه: كتابًا مَزبورًا،
والآثار كذا جاءت، زبور داود، وتوراة موسى،
ومن قرأ (زُبُورًا) بالضم
فمعناه: آتيناه كُتُبًا، جمع زَبْر مثل بَطْنٍ وبُطون.
* * *
وحذفت من هذه السورة ياء قوله:
(وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ ... (146)
أثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الباقون في الوصل والوقف،
ولا يُثبِت فى الوصل لسكونها وسكون اللام الأول من اسم (اللَّهِ) .
* * *

(1/323)