معاني القراءات للأزهري سورة الْمَائِدَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قول الله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ
... (2)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (شَنْئَانُ قَوْمٍ) خفيفة،
وقرأ حفص بالتثقيل مثل حمزة، واختلف عن نافع فرَوَى عنه قالون
وورش
والأصمعي وابن جَماز مثل أبي عمرو، وقد روى عند إسماعيل
(1/324)
والمسيبي والواقدي مثل قراءة ابن عامر.
وقرأ الباقون (شَنَئَانُ) مثقلاً.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (شَنَئَانُ قَوْمٍ) مثقلا فمعناه:
بُغْض قوم،
وهو مصدر قولك: شَنَأته أشنَؤُه شَنئا وشَنَآئا، مثل
الدَّرَجَان
والهَملانِ.
وَمَنْ قَرَأَ (شَنْئَانُ قَوْمٍ) فهو نعت كأنه قال: لا
يَحمِلنَّكم بَغيض
قوم، ولا يَكسِبنكم مُبْغضُ قوم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ صَدُّوكُمْ ... (2) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إِنْ صَدُّوكُمْ) بكسر الألف،
وقرأ الباقون (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الألف
فالمعنى: لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن
تعتدوا،
وموضعه النصب، أي: لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء.
(1/325)
وَمَنْ قَرَأَ (إِنْ صَدُّوكُمْ) بالكسر
فهو جزاء، المعنى: إن يصدوكم.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... (6)
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة،
والكسائي (وَأَرْجُلِكُمْ) خفضًا، وقرأ الأعشى عن أبي بكر
بالنصب
مثل حفص، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب (وَأَرْجُلَكُمْ) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) نصبًا عطفه على
قوله
(اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) ، أخرَ ومعناه
التقديم،
وقد رُويت هذه القراءة عن ابن عباس، وبها قرأ الشافعي، ورويت
عن ابن مسعود، وهى أجود القراءتين؛ لموافقتها الأخبار الصحيحة
عن النبي عليه السلام في غسل الرجلين.
ومن قرأ (وَأَرْجُلِكُمْ) عطفها على قوله (وَامْسَحُوا
بِرُءُوسِكُمْ)
وبَينت السُّنة أن المرادَ بمسح الأرجل غَسلها، وذلك أن المسح
في كلام
العرب يكون غُسلا، ويكون مَسحًا باليد، والأخبار جاءت بغسل
الأرجل
ومسح الرؤوس، ومن جعل مسح الأرجل كمسح الرؤوس خطوطًا بالأصابع
فقد خالف ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(وَيلٌ لِلعَراقِيب من النار".
(1/326)
و "ويلٌ للأعقاب من النار".
وأخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبى حاتم عن أبي زيد الأنصاري أنه
قال: المسح عند العرب يكون غُسلاً، فلابد من غُسل الرجلين إلى
الكعبين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ...
(13)
قرأ حمزة والكسائي (قَسِيَّةً) بغير ألف،
وقرأ الباقون (قَاسِيَةً) بالألف.
قال أبو منصور: القاسِية والقَسِيَّة بمعنى واحد، وهي: القلوب
التي قَسَت وغلظت واستَمرت على المعاصي، وكل شيء يبس وذهب
رقتُه
فقد قَسَا، ومنه قيل للدراهم التي قد مَرَنَتْ وطال عليها
الدهر: (قَسِيَّةً)
(1/327)
قال الشماخ يصف المساحي:
لها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلام كما ... صاحَ القَسِيَّات في
أَيْدي الصياريفِ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ... (42)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (لِلسُّحُتِ)
مثقلاً حيث كان،
وقرأ الباقون (لِلسُّحْتِ) خفيفا،
وروى عباس عن
(1/328)
خارجة عن نافع (لِلسَّحْتِ) بفتح السين
خفيفًا.
قالط أبو منصور: السُّحُتُ والسُّحْت لغتان، معناهما: الحرام،
سُمي
سُحْتًا لأنه يَسحَتُ البركة، أى: يمحقها ويستأصلها.
ومن قرأ (السَّحْت) فهو مصدر سحته سَحْتًا، إذا استأصله،
وكذلك أسحَتَه إسحاتًا بمعناه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... (45) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ)
بالنصب في هذه الأسماء كلها
(وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) بالرفع خاصة،
(1/329)
وقرأ الكسائي (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) بالرفع في هذه
الأسماء كلها، ونصبها كلها الباقون.
قال أبو منصور: أما ما قرأه الكسائي من رفع الأسماء كلها بعد
(النَفس) ونصبه فإنه جعل قوله (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ)
ابتداء، وعطف عليه
ما بعدها من الأسماء، وجعل قوله (قصاصٌ) خبر الابتداء، وقد
رُويت
هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه فيما أخبرني المنذري عن
أبي طالب
عن أبيه عن الفراء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبان عن أنس أن
رسول
الله قرأ (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) ، قال - الفراء: فإذا رفع
(الْعَيْنُ) تبعها ما بعدها.
وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) بالنصب وأتبعها
الأسماء بعدها بالنصب
حتى انتهى إلى قوله (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ) فرفعها فالجروح
ابتداء،
و (قصاص) خبره،
قال الفراء: الرفع والنصب في عطوف (أنَّ) إنما
يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل، مثل قوله
(وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا
رَيْبَ فِيهَا)
فسَهُل لأن بعد الساعة خبرها،
ومثله: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) .
(1/330)
وكذلك قوله (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ) رفعت
(الجروح) بالقصاص، ومن
نصب الجميع أتبع بعضه بعضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ... (45)
قرأ نافع (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) ، وكذلك قوله:
(وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)
وقوله: (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا)
بإسكان الذال في كل القرآن،
وقرأ الباقون (الأذُن) بضمتين في جميع القرآن.
قال أبو منصور: هما لغتان، وأفصحهما التثقيل.
(1/331)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ
الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ... (47)
قرأ حمزة وحده (وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) بكسر اللام
وفتح الميم،
وقرأ الباقون (وَلْيَحْكُمْ) بجزم اللام والميم.
قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (وَلِيَحْكُمَ) فإن الزجاج قال
قُرِئت بكسر اللام وفتح الميم على معنى: ولأن يحكمَ.
قال: ويجوز كسر اللام مع الجزم في الميم، ولكنه لم يقرأ به،
والأصل كان كسر اللام فخفف.
قال الأزهري اللام إذا اتصلت بالفاء والواو استثقل كسرها،
وكثرت الحركات فسكنها، وهما لغتان جيدتان، ومن جزم الميم فلأن
اللام لام الأمر، إلا أنه لم يقرأ به.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ...
(50)
قرأ ابن عامر وحده (تَبْغُونَ) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهي المخاطبة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.
(1/332)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَقُولُ الَّذِينَ
آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا ... (53) .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا)
بغير واو في أوله وبرفع اللام،
وقرأ أبو عمرو: (وَيَقُولَ) نصبًا.
وقرأ الكوفيون: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) رفعًا،
ورَوَى علي بن نصر عن أبى عمرو الرفع والنصب جيمعًا.
قال أبو منصور: أما حذف الواو وإثباتها فعَلى ما كُتبَ في
المصاحف
القديمة، وثبوت الواو، وسقوطها لا يغير المعنى،
ومن نصب (ويقولَ) عطفه على قوله
(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ. . وأن يقولَ.
ومن رفع (ويقولُ) فهو استئناف، وكل ذلك جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ...
(54)
قرأ نافع وابن عامر ((مَنْ يَرْتَدِدْ) بدالين، وقرأ الباقون
(مَنْ يَرْتَدَّ)
(1/333)
بتشديد الدال وفتحها.
قال أبو منصور: من أظهر الدالين فَلِسُكون الدال الثانية في
موضع
الجزم،
ومن قرأ (يَرْتَدَّ) بالنصب فلان المضاعف إذا أدغم في موضع
الجزم
أعطِيَ أخَف الحركات وهو النصب، كقولك: حُل واحَلل، وعُضَ
واعضُض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا
دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ (57)
قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي (وَالْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ)
خفضًا،
وقرأ الباقون بالنصب، وروى حسين عن أبي عمرو (والكفارَ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وَالْكُفَّارِ) خفضًا عطفه على قوله
(من الذين أوتو الكتاب من قبلكم) ومن الكفار،
وَمَنْ قَرَأَ (وَالْكُفَّارَ) عطفه على قوله: (لا تتخذوا
الذين) ولا تتخذوا الكفارَ.
(1/334)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ
... (60)
قرأ حمزة وحده (وعَبُدَ الطَّاغُوتِ) بضم الباء وكسر التاء،
وقرأ الباقون بفتحها.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عطفه على
قوله
(وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) ومن عَبَدَ
الطاغوتَ،
وأما قراءة حمزة (وعَبُدَ الطَّاغُوتِ)) فإن أهل العربية
ينكرونه،
وقال نصير النحوى: هُوَ وَهْمٌ ممن قرأ به، فَليتق الله من قرأ
به، وليَسأل عنه العلماء حتى يوقف على أنه غير جائز.
وقال الفراء مَنْ قَرَأَ (وعَبُدَ الطاغوتِ) فإن تكن فيه لغة
مثل:
حذِر وحَذُرَ، وعَجِل وعَجُل فهو وجه، وإلا فلا يجوز في
القراءة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ ... (67)
قرأ ابن كثير (بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) و (حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ)
و (عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِي) ثلاثتهن على التوحيد،
وقرأ ابن عامر
(1/335)
وأبو بكر عن عاصم والحضرمي ثلاثتهن على
الجمع،
وقرأ نافع ها هنا وفى الأنعام على الجمع
وفى الأعراف (بِرِسَالَتِي) واحدة،
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (فما بلغت رسالته " مُوَحدةً،
والأخريان
على الجمع،
وقرأ حفص عن عاصم ها هنا وفى الأنعام على التوحيد،
وفى الأعراف (بِرِسَالَاتِي) جماعة.
قال أبو منصور: الرسالة بمنزلة المصدر على (فِعَالة) فهو ينوب
عن الجماعة، والقرآن كله رسالة الله إلى الخلق وهو مشتمل على
رسالات
كثيرة، والرسائل أكثر من الرسالات.
(1/336)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحَسِبُوا أَلَّا
تَكُونَ فِتْنَةٌ ... (71)
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ)
رفعًا،
وقرأ الباقون (أَلَّا تَكُونَ) نصبًا.
قال أبو منصور: من رفع فله وجهان:
أحدهما: أن يجعل (لا) بمعنى (ليس) ،
المعنى: أن ليس تكُونُ فتنة، وكذلك قوله (أَلَّا يَرْجِعُ
إِلَيْهِمْ قَوْلًا)
بمعنى: أن ليس يرجعُ.
والوجه الثاني بإضمار الهاء، المعني: أنه لا تكونُ فتنة،
وأما من نصب فهو وجه الكلام؛ لأن (أن) و (أن لا)
تنصبان المستقبل.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ... (89)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (عَقَّدْتُمُ)
مشددة،
وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (عَقَدْتُمُ) خفيفة،
وقرأ ابن عامر (عَاقَدْتُمُ) بالألف.
(1/337)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَقَّدْتُمُ)
بالتشديد فمعناه: وكَدتم، قاله
أبو عبيد، وقيل لنافع: ما التوكيد؟ قال: أن يحلِف على الشئ
مِرارًا.
والتشديد في الفعل يستعمل إذا تكرر، كقولك: قُتِّل القومُ.
ومن قرأ (عاقدتم) فهو مؤاخٍ لـ (عَقَّدْتُمُ) ، كقولك: صاعَرَ
خَده وصَعَّرَه، وعَلى الرجل على البعير وعالى عليه، وله نظائر
كثيرة،
وَمَنْ قَرَأَ (عَقَدْتُمُ) فإن أبا عبَيد قال: كان الكسائي
يقرأ بالتخفيف (عَقَدتم) ، وتفسيره: أوجبتم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
النَّعَمِ ... (95)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا) مُضَافا،
وقرأ الباقون (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا) منونًا.
قال أبو منصور: أما مَنْ قَرَأَ (فجزاءُ مثلِ) فعَلى الإضافة
والمضاف إليه مَكسور،
ومَنْ قَرَأَ (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا) جعل (مثل) نعتًا للجزاء،
والمعنى: فعليه جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
(1/338)
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ كَفَّارَةٌ
طَعَامُ مَسَاكِينَ ... (95)
قرأ نافع وابن عامر (أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ)
بالإضافة.
وقرأ الباقون (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ) بالتنوين ورفع الطعام.
قال أبو منصور: من لم ينون (كفارة) فلإضافتها إلى طعام، ومن
نَون (كَفَّارَةٌ) وقرأ (طَعَامُ مَسَاكِينَ) فطعام تَرجمَة عن
قوله (كَفَّارَةٌ)
وتأويله: أن المحرِمَ إذا أصاب صيدا فإنه يسأل فقيهين عددين عن
جراء ما
أصاب، أي: قتل من الصيد، فإن كان كالإبل حَكَمَا عليه بها
هديًا بالغ
الكعبة، وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك، وإن كانت القيمة
لا تبلغ،
نَظرًا، فقدرا قيمة ذلك وأطعم بثمن ذلك المساكين لكل مسكين
مُدَّان، أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السُّنة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ... (97)
قرأ ابن عامر وحده (قِيَمًا لِلنَّاسِ) بغير ألف،
وقرأ الباقون (لِلنَّاسِ) .
(1/339)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قِيَمًا) فهو
مصدر على (فِعَل) ، من قام
يقومُ، وجعلها بالياء لأن الواو لما فَسَدَت في قام بالألف
فَسَدَت مع كسرة
القاف، وَمَنْ قَرَأَ (قِيَامًا) بناه على (فِعَال) ، وكان في
الأصل قِوامًا،
فجعلت الواو ياء لكَسرة ما قبلها، وهما لغتان: يقال فلان قِوام
قومه،
وقيام قومه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ... (95) .
قرأ ابن عامر فيما ذكر النقاش (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) بكسر
العين،
وقرأ الباقون (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) .
قال الفراء: العَدل بالفتح: ماعَادل الشَيء من غير جنسه،
وأما العِدل فهو المثل: يقال: عندي عِدل غلامك، وعِدل شاتك،
إذا كانت شاة تعدل شاة، أو غلاما يعدل غلاما، فإذا أردت قيمته
من غير جنسه نصبت العَدلَ، وكذلك اتفق أكثر القراء على فتح
العين.
(1/340)
قال الزجاج: العَدل والعِدل واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ
الْأَوْلَيَانِ ... (107)
ْقرأ أبو بكر وحَمزة ويعقوب:، (استُحِقَ) بضم التاء،
(عَلَيْهِمُ الْأَوَّلِينِ) على الجميع،
وقرأ الأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم:
(اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) بفتح التاء (الْأَوْلَيَانِ) على
التثنيةِ.
وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ
عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) .
قال أبو منصور: أما مَنْ قَرَأَ (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ
عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ)
بالرفع والتثنية فَلِمَعْنى الاسم الذي في (يقومان) ، كأنه
قال:
فآخران يقومان من الذين استُحِق عليهم يقومُ الْأَوْلَيَانِ،
وهو التثنية
الأولى، أي: الأحَق، وهذا قول الزجاج.
(1/341)
وأما مَنْ قَرَأَ (الْأَوَّلِينِ) فإنه
يرده على الأسماء المضمرة في الهاء
والميم من قوله: (عليهم) ، وإن شئت رَدَدته على (الذِينَ) .
وَمَنْ قَرَأَ (من الذين استُحِقَّ عليهم الأوْليَان) فعليهم
بمعنى منهم،
واستُحِقَّ فِعْل للأوْلِينَ، وقد أشبَعتُ هذه الآية في كتاب
على حدة،
وأقصرت على هذا المقدار في هذا الكتاب، اعتمادًا على الكتاب
المؤلف
فيه، والله الموفق.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
هنا وفى يونس وهود والصف.
قرأ ابن كثير وعاصم في يونس: (لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) بألف،
والباقي بغير ألف،
وقرأهن نافع وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي أربعهن
(سِحْرٌ) على (فِعْل) ، وقرأهن حمزة والكسائي (سَاحِر) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سِحْرٌ) فهو مصدر سَحَر يسْحَر
سِحْرًا، ومثله خَدَع يخدَع خِدْعًا،
و (مبين) نعت له.
ومن قرأ (لَسَاحِرٌ) فهو نعت على (فاعل) ، و (مبين) ، أى: ظاهر
السحر.
* * *
(1/342)
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ يَسْتَطِيعُ
رَبُّكَ ... (112)
قرأ الكسائي والأعشى عن أبي بكر (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ)
بالتاء
ونصب الباء من (رَبَّكَ) ،
وقرأ الباقون (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بالياء ورفع الباء من
(رَبُّكَ) .
وأخبرني المنذري عن أبي اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قول
الله
جلَّ وعزَّ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) معناه عندنا: هل تدعو
ربَّك؟
هل تستطيع بدعائك أن يُنَزِّلَ؟
قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ بالياء فمعناه: هل يفعل ربُّك؟
لأن القوم لم ينكروا ولم يَشُكُّوا أنه يستطيع.
وقال نصير النحوي: الاختيار: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) ، على
معنى: هل يستجيب لك ربُّك؟ هل تسأله ذلك؟ .
قال: وكانت عائشة تنكر القراءة الأخرى وتقول: كان
(1/343)
القوم أعلم بالله من أن يقولوا: (هَلْ
يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ؟ .
وقال الفراء: من قرأها (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) هذا كقولك:
هل يستطيع فلانٌ القيام معنا؟
وأنت تعلم أنه يستطيع ذلك، فهذا وجه هذه القراءة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ... (119)
قرأ نافع وحده (يَوْمَ يَنْفَعُ) بنصب الميم،
وقرأ الباقون (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ) بالرفع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَوْمُ يَنْفَعُ) بالرفع رفعه بـ
(هذا) ، ورفع
(هذا) به، وهى القراءة الجيدة.
وَمَنْ قَرَأَ (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ) بالنصب ففيه قولان:
قال إلفراء: (يَوْمَ يَنْفَعُ) في موضع الرفع، وإنما
نُصبَ لأنه أضيف إلى الفعل، فكذا إذا أضيف إلى اسم غير متمكن،
كقوله: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ) فيه ما في هذا.
وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ) فهو منصوب
على الظرف،
قال: ومن زعم أن (يومَ) منصوب لأنه مضاف إلى (يَنْفَعُ) وهو فى
موضع الرفع بمنزلة يومئذٍ فهو عند البصريين خطأ، لا يجيزون:
(هذا يومَ آتيك) ؛ لأن (آتيك) فعل مضارع، والإضافة إليه لا
تُزيل الإعراب عن جهته.
* * *
(1/344)
|