معاني القراءات للأزهري

سورة الْأَنْعَامِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد له: (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)
بفتح الباء، ولا يعرف ذلك أهل الشام.
وقرأ الباقون (يلبِسُون) بكسر الباء.
قال أبو منصور: القراء (يلبِسون) بكسر الباء؛ لأنه من لبَس الأمر
يلبسُ، إذا لبِس الأمر حتى يشتبه الصوابُ، فلا يتيبَين،
وأما (يلبَس) فإنه لا يَكون إلا من لبِسَ الثوبَ يلبَسه لُبْسًا، ونيس هذا موضعه، ولا يجوز القراءة إلا بكسر الباء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ... (10)
روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (اسْتُهْزِي) بغير همز،
وقرأ الباقون بالهمز.
قال أبو منصور: القراءة بالهمز لتتابع القراء عليه، وأنه أفصح
وأتم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ... (16)

(1/345)


قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ)
بضم الياء، وفتح الراء.
وفَتحها الباقون مع كسر الراء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُصْرَفْ عَنْهُ) فهو على أنه مفعول لم يسم
فاعله،
وَمَنْ قَرَأَ (مَن يَصرِف عنه) فالفعل لِله، فالمعنى: من يَصرِف اللَّهُ
عنه الهلاك والعذاب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ ... (14)
حرك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله: (إِنِّي أَخَافُ ... (15)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.

(1/346)


وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ... (23)
قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالتاء (فِتْنَتُهُمْ) رفعًا،
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) نصبًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير،
وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) نصبًا.
قال أبو منصور: من نصب (فِتْنَتَهُمْ) فهو على أنه خبر (تكُنْ) ،
ويكون (أن قالوا) الاسم، وأنثت (تكن) وهو لـ (أن قالوا)
لأنَّ (أن قالوا) ها هنا هى الفتنة،
وَمَنْ قَرَأَ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) بالرفع
فعَلى أن الفتنة هى الاسم لـ (تَكُن) ، ويكون (أن قالوا) الخبر.
وقال بعضهم: من قرأَ (لم يَكن) بالياء وجعله لِـ (أن قَالوا) فمعناه:
(القول) ، وهو مذكَّر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهِ رَبِّنَا ... (23)
قرأ حمزة والكسائي (وَاللَّهِ رَبَّنَا) نُصِب على الدعاء،
وقرأ الباقون (وَاللَّهِ رَبِّنَا) خَفْضَا.

(1/347)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (رَبِّنَا) فعلى البدل، كأنه قال: ورَبِّنَا.
وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (رَبِّنَا) فعلى النعت والثناء لقوله: (واللهِ) .
ومَن نصب فعَلى وجهين:
أحدهما: على الدعاء، كأنهم قالوا: والله يا رَبَّنَا ما كُنَّا مشركين.
ويجوز أن يكون نصبه على المدح، كأنه قالَ: والله أعْنِي (رَبَّنَا) وأذكرُ (رَبَّنَا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر والكسائي
(نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ. . . ونكونُ) بالرفع،
وقرأ ابن عامر (وَلَا نُكَذِّبُ) رفعًا، و (نَكُونَ) نصبًا.
وقد روى هشام بن عمَار بإسناده عن ابن عامر النصب

(1/348)


فيهما،
وقرأ الباقون (وَلَا نُكَذِّبَ. . . وَنَكُونَ) بالنصب جميعًا.
قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ بالرفع في (وَلَا نُكَذِّبُ. . . ونكونُ) فالمعنى:
يا ليتنا نُرَد ونحن لا نكذب بآيات ربنا أبدًا، رددنا أو لم نُرَدَ، ونكونُ من
المؤمنين قد عَيَّنَّا وشاهَدْنا ما لا نكذبُ معه أبدًا.
ويجوز الرفع على وجه آخر: على معنى: يا ليتنا نُرَد ويا لتنا لا نكذبُ بآيات ربِّنا، كأنما تمنوا الرد والتوفيق للتصديق، (ونكونُ) معطوف عليه.
وَمَنْ قَرَأَ (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ. . . وَنَكُونَ)
فهو على الجواب بالواو فى التمني، كما تقول: ليتك تصيرُ إلينا ونكرمَك، وهذا قول أبى إسحاق.
وقال أحمد بن يحيى: جواب التمني إنما يكون بالفاء نصبًا، فأما
الواو، فإنما يَنصِبُ على الصرف.

(1/349)


وقوله جلَّ وعزَّ: (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
ونظائره فى الأعراف، ويوسف والقصص ويس.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقى بالياء.
وقرأ أبو عمرو خمسهن بالياء، وهما سِيَّان، وقد خيَّرَ أبو عمرو فى
القصص فقال: إن شئت بالتاء، وإن شئت بالياء، وقال: وهما سِيَّان.
وقرأهن نافع وابن عامر كلهن بالتاء، وتابعهما حفص إلا في يس

(1/350)


فإنه قرأ (يعقلون) بالياء، وقرأ أبو بكر في رواية الأعشى عنه
فى القصص بالتاء، والباقى بالياء مثل حمزة، وفى رواية يحيى عنه فى
يوسف وفى القصص بالتاء، والباقى بالياء.
وقرأ الأصم فى الأنعام والقصص ويس (أفلا تعقلون) بالتاء، والباقى بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ (32)
قرأ ابن عامر وحده: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) بلام واحد، وخفض
الآخرةِ،
وقرأ الباقون: (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) بلامين، (الآخرةُ) رفع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) فالآخرةُ نعت للدار، وهي
أجود القراءتين، وَمَنْ قَرَأَ (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) فإنه أضاف الدار إلى الآخرة.
والعرب تُضِيف الشيء إلى نعته، كقول الله: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) ،

(1/351)


وكقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ، وكل ذلك فصيحٌ جيد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ... (33)
قرأ نافع، والأعشى عن أبي بكر، والكسائي
(فَإِنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَكَ) خفيفَا.
وشدد الباقون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَكْذِبُونَكَ) مخففا فمعناه: لا يقدرون أن
يقولوا لك فيما أنبأتَ بِه مما في كتبهم: كَذَبت؛ لأن معنى: أكذبتُ
الرجُلَ: أريتُ أن ما أتَى بِه كذب.
ومن قرأ (لَا يُكَذِّبُونَكَ) بالتشديد،
فمعناه: لايقولون لك: كَذَبت، يقالَ: كَذَبتُ الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكذَبتُه، أي: وجدته كذابًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ... (40) ، و: (أَرَأَيْتَ) و (أَرَأَيْتُمْ) .

(1/352)


قرأ نافع كل هذا في القرآن بألف في تقدير الهمز، ولايهمز،
وقرأ الكسائي بغير ألف وبغير همز (أرَيتُكم)
وقرأ الباقون بالهمز فى هذا كله.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أرأيتكم) و (أرأيتم) بالهمز فعلى
أن أصل الحرف مهموز،
وَمَنْ قَرَأَ (أرايتم) فعَلى تخفيف الهمز،
ومن قرأ (أريتُكُنم) و (أرَيْتُم) فعَلى حذف الهمز، وكلها لغات صحيحة.
والعِلة في قوله (أرأيتكُم) هو خطاب للجماعة، ولم يقل:
(أرأيتموكم) ؛ لأن العرب إزا أرادَت بمعنى (أرأيتَ) الاستخبار تركوا
التاء مفتوحة في الواحد والجمع والمؤنث، وإذا أرادوا رُؤية العَين
ثَنوا وجمعوا وأنَّثوا، فقالوا للرجلين: (أرأيتماكما) ،
وللجماعة: (أرأيتموكم) ، وللنساء: (أرأيتُنَّكُن) ، وللمرأة: (أرأيتِكِ) بكسر التاء.
فاعرف الفرق بين المعنيين.
ومعنى قول الله عزَّ وجلَّ: (قل أرأيتَكم)
استفهام معناه التقرير، يستخبرهم ليقرِّرَهم.

(1/353)


وقوله جلَّ وعزَّ: (يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ ... (46)
روى ابن المسيبي عن أبيه عن نافع وأبو قرَة عنه (بِهُ انْظُرْ)
بضم الهاء، وكَسَرها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان، وقد مر تفسيرهما في أول الكتاب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ... (44) .

(1/354)


قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد (فَتَّحْنَا) بتشديد التاء،
وقرئ على أبي الحسن - الدمشقي لابن عامر بالتخفيف،
وقرأ الباقون بالتخفيف.
قال: من شدد التاء من (فَتَّحْنَا) فلتكثير الأبواب، ومن خفف فلأن
الفعل واحد، وكل ذلك جائز، والتخفيف أكثر في القراءة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو والكسائي (إنَّهُ مَنْ عَمِلَ)
و (فَإِنَّهُ) بكسر الألف فيهما،
وقرأ نافع (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ) نصبًا، (فَإِنَّهُ غَفُورٌ) بالكسر،
وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب

(1/355)


((أَنَّهُ. . . فَأَنَّهُ) منصوبين.
وقال أبو إسحاق: يجوز (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا. . . فَأَنَّهُ)
يجوز بالفتح فيهما جميعًا، ويجوز كسرها جميعًا، ويجوز فتح الأولى
وكسر الثانية، ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
فأما من فتح الأولى والثانية فعلى أنَ موضع الأولى
نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنه
قال: كتب ربكم على نفسه الرحمة، وهي المغفرة للمؤمنين التائبين، لأن
معنى (أنه غفورً رحيم) المغفرة منه.
ويجوزأن تكون (أنَّ) الثانية وقعت مؤكدة للأولى؛ لأن المعنى:
كتب ربكم أنه غفور رحيم، فلما طال الكلام أُعيد ذكر (أنَّ) .
وأما من كسرهما جميعًا فعلى مذهب الحكاية، كأنه لما قال: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) قال: (إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالكسر.
ودخلت الفاء جوابا للجزاء فكسرت (إنَّ) لأنها دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت: فهو غفور رحيم، إلا أنَّ الكلام بـ إنَّ أوكَدُ.

(1/356)


ومن كسر الأولى فعلى ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع
كسر الأولى كان معناها المصدر، والخبر محذوف، المعنى: إنه من عمل
منكم كذا وكذا فمغفرة الله له.
ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر، كأنك لم
تذكر (إنَّ) الثانية، المعنى: كتب ربكم على نفسه أنَه غفور رحيم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص ويعقوب
(وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلُ) بالرفع،
وقرأ نافع (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلَ) بالنصب،
وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وَلِيَسْتَبِينَ) بالياء (سَبِيلُ) بالرفع.
قال أبو منصور: الاستبانة: أن تبينَ وَيتَبَين.
مَنْ قَرَأَ (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ) فمعناه: ولِتَبِين والفعل للسبيل، وهي مؤنثة،

(1/357)


كقوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) .
وَمَنْ قَرَأَ (وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ) بالياء فإنه ذكرَ السبيل، قال الله تعالى: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، والسبِيل والطريق يذكران ويؤنثان.
وأما قراءة نافع (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ) بالنصب فالمعنى:
وَلِتَسْتَبِينَ أنت يا محمد سبيلَ المجرمين يقال: تَبَينْتُ الأمر والسبيل،
واستَبَنْتُهُ بمعنى واحد.
فإن قال قائل: أفلم يكن النبي مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه قيل: لتستبينوا سبيلَ المجرمين، أى:
لتزدادُوا استبانة، ولم يُحتَج إلى أن يقول: وَلِتَسْتَبِينَ سبيل المؤمنين، مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ... (52)
قرأ ابن عامر وحده (بالغُدْوَةِ) بواو في السورتين، ها هنا وفى الكهف،
وقرأ الباقون (بِالْغَدَاةِ) بألف في الحرفين.

(1/358)


وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال:
(غُدوَة) لا يدخلها الألف واللام؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام،
قال الفراء: وسمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغُدوةَ قط، يريد: كغَداة يَومه، والعرب لا تضيفها، وكذلك لا يدخلون فيها الألف واللام، إنما يقولون: أتَيناهُ غَداةَ الخميس، ولا يقولون: غُدوَةَ الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة.
قال أبو منصور: وإذا لم يُرِدُوا بغدوَة غَداةَ يَومٍ بعينه وأرادوا غُدوَةً
من الغُدُوات جاز دخول الألف واللام،
وعلى هذاَ المعنَى تُوجَّهُ قراءة ابن عامر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم (يَقُصُّ الْحَقَّ) بالصاد،
وقرأ الباقون (يَقْضِ الْحَقَّ) بالضاد.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَقُصُّ الْحَقَّ) فمعناه: يتْبع الحق، وَرُويت
هذه القراءة عن علي بن أبي طالب،
وَمَنْ قَرَأَ (يَقْضِ الْحَقَّ) فله وجهان:
أحدهما: أنه يقضى القضاء الحق،
والثاني: أن معنى يقضي: يصنع ويُحكِمُ،
ومنه قول أبي ذؤيب:

(1/359)


وَعَليهِمَا مَسْرودَتَانِ قَضَاهمَا. . . داود. . . . . . . . . . . . . . .
أي: صنعهما داود فأحكمهما.
وقيل في تفسير قوله (يَقُصُّ الْحَقَّ) أن معناه: أن جميع ما أنبأ به
وأمر به فهو من أقاصيص الحق.
وكتِبَت (يقض الحق) بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام، كما كتِبَ
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) بغير واو فى موضع الرفع.

(1/360)


وقوله جلَّ وعزَّ: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) .
قرأ حمزة وحده (تَوَفاهُ) بألف ممالة، وقرأها الباقون (تَوَفَّتْهُ)
بالتاء.
قال أبو منصور: إذا تقدم فِعل الجماعة فأنت مُخير في تذكير الفعل
أو تأنيثه، وله نظائر في القرآن.
)) )
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) . . . لَئِنْ أَنْجَيتَنَا) . . . قُلِ اللَّهُ يُنْجِيكُمْ) خفيفة،
وقرأ الكوفيون (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ) (مَنْ يُنَجِّيكُمْ) (لَئِنْ أَنْجَانَا)
بألف وأمالها حمزة والكسائي، وفخمها عاصم،
وقرأ يعقوب (قُلْ مَن يُنْجِيكُمْ) (قُلِ اللَّهُ يُنْجِيكُمْ) مخففتين

(1/361)


(لَئِنْ أَنْجَيتَنَا) بالتاء.
قال أبو منصور: يقال أنجَيتُه ونجَّيته بمعنى واحد،
وقوله (لئن أنجيتنا) مخاطبة لله جلَّ وعزَّ.
وَمَنْ قَرَأَ (لئن أنجانا) بمعناه: لئن أنجانا الله، إخبار عن فعله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ... (63) .
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (تَضَرُّعًا وَخِفيَةً)
بكسر الخاء فى السورتين،
وقرأ الباقون (وَخُفْيَةً) بضم الخاء.
قال أبو منصور: هما لغتان (خِفْيَة وخُفْيَة) ، والضم أجودهما،
ومعناهما: ضد الجهر.
وانتصاب (تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) على وجهين:
أحدهما: أنهما جعلا مصدرين لقوله: (تَدْعُونَهُ) ؛ لأن معنى تدعون
وتتضرعون واحد، وإن شئت جعلتهما مصدرين أقيما مقام الحال، كأنه
قال: تدعونه متضرعين مُخفين الدعاء.

(1/362)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ... (68) .
قرأ ابن عامر وحده (يُنَسِّيَنَّكَ) بتشديد السين، وخفف الباقون.
قال: يقال: أنسَى ونَسَّى بمعنى واحد، مثل: أنجى ونَجَّى،
والقراءة بالتخفيف أكثر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ ... (71) .
قرأ حمزة (كَالَّذِي اسْتَهْوِيه) بألف ممالة، وقرأَ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: التاء والياء قريبان من السواء إذا تقدم فعل
الجماعة، وقد مر مثله في (توفته وتوفيه) .
ومعنى استهوته الشياطين: استتَخَفتْهُ حتى هوى، أي: أسرع إلى
ما دعت إليه، وهذا من هَوِيَ يَهوَى، لا مِن هوَى يهوَى.
* * * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ... (74) .
قرأ الحضرمي وحده (لأبيه آزَرُ) رفعًا،
وقرأ الباقون (آزرَ) نصبًا.

(1/363)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آزرُ) فعلى النداء (يا آزرُ) ،
ومن قرأ (آزرَ) فهو في موضع الخفضِ؛ لأنه بدل لأِبيهِ، المعنى: لآزر.
ونُصب لأنه لا ينصرف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَأَى كَوْكَبًا ... (76) .
ونظائره.
قرأ ابن كثير وحفص، عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن
عاصم ويعقوب (رَأَى كَوْكَبًا) و (رَأى قَمِيصَهُ) و (رَأى أيْدِيَهُمْ)
ونحو هذا بفتح الراء والهمز حيث كان،
وقرأ نافع هذا كله بين الفتح والكسر،
وقرأ أبو عمرو (رأى) بفتح الراء وكسر الهمزة في جميع
القرآن، وقرأ ابن عامر (ريى كوكَبا) بكسر الراء والهمزة في هذه
الحروف كلها ونَحوِهَا مما اسم الرؤيَة فيه مظهرة، مثل (رَأى قَميصهُ)
و (رَأى أيْديَهُم) .
وفتح الراء والهمز في جميع القرآن مع الكنايات،
وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (رِئِى) بكسر الراء والهمزة، وكذلك رَوى عبيد عن أبي عمرو

(1/364)


(رَأِى كَوْكَبًا) ، وقال أبو جعفر البزار عن يحيى عن أبي عَاصم
بكسر الراء والهمزة عند الاسم الظاهر، وبفتح الراء والهمزة عند الكنى
نحو (رَآهَا تَهْتَزُّ) و (رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) و (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) .
وقال ابن مجاهد كسر الراء عند الظاهر والمكنى في كل القرآن.
ورَوى نُصيرا عن الكسائي (رَأَى كَوْكَبًا) ، و (رَأَى قَمِيصَهُ)
ونحو هذا بالفتح مثل ابن كثير، و (رِأَى الشَّمْسَ) و (رِأَى الْقَمَرَ)
ونحوه بكسر الراء وفتح الهمزة مثل حمزة، وهذا ضد رواية أبي عمرو وأبى
الحارث وغيرهما، هذه رواية أبي جعفر النحوي عن نصير عنه وأظنه
وَهْمًا. والله أعلم.

(1/365)


وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة (رِأى القَمَر) و (رِأى الشمسَ)
و (رِأى المؤمِنُونَ) و (رأى المجرِمُونَ) ونحو هذا إذا لِقَيَ الهمزة ساكن
بكسر الراء وفتح الهمزَة، وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر بكسر الراء
والهمزة جميعًا، والأعشى عن أبي بكر بفتح الراء والهمزة،
وقرأ الباقون هذا الجنس بفتح الراء والهمزة.
قال أبو منصور: والذي نختاره من هذه الوجوه (رَئِى)
بفتح الراء وكسر الهمزة، وهو اختيار أبي عمرو، وإن قرئ بفتح
الراء والهمز فهو صحيح جيد،
وَمَنْ قَرَأَ (رِئِى) و (رِأى) فلا ينبغى له أن يشبع كسر الراء، وإنما يُشمُّها كسرةً للفظ الراء، ومَن أشبع الراء كسرة في هذا الباب فليس من كلام العرب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ ... (74) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (إِنِّي أَرَاكَ) محرك الياء، وأرسلها
الباقون.
* * *
وقوله: (وَجْهِيَ لِلَّذِي ... (79) .

(1/366)


فتح الياء نافع وابن عامِرٍ وحفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم،
وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ ... (80) .
قرأ نافع وابن عامر (قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ) مخَففة النون،
وشددها الباقون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَتُحَاجُّونِّي) بتشديد النون فالأصل:
أتحاجوننَي بنونين، أدغمت إحداهما في الأخرى وشُددت،
ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين استثقالاً للجمع بينهما، وكذلك قوله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ، وهما لغتان، وأجودهما تَشديد النون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ... (83)
وفي يوسف مثلها.

(1/367)


قرأ أهل الكوفة (دَرَجَاتٍ) منَونة بالتنوين،
قرأ يعقوب هنا "دَرَجَاتٍ) منونًا، وفي يوسف مُضَافًا،
وقرأ الباقون (دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ) بالإضافة في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دَرَجَاتِ مَنْ نشاء) أوقع الفعل على
(دَرَجَات) وحدها، وهي في موضع النصب، وجعل (مَن) في موضع
الخفض إضافة (درجاتٍ) إليها،
وَمَنْ قَرَأَ (دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) جعل (نرفع) متعديًا إلى مفعولين:
أحدهما: (دَرَجَاتٍ) والثاني: (مَنْ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْيَسَعَ ... (86)
قرأ حمزة والكسائي (والليسَعَ) بلامين في السورتين،
وقرأ الباقون بلام واحدة في الموضعين.

(1/368)


قال الفراء: من شدد اللام فهو أشببه بأسماء العجم من قراءة مَن
قرأ (اليَسعَ) ؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الألف واللام فيما لا يُجْرى، مثل:
يزيد ويَعمُر إلا في ضرررة الشعر، وأنشد بعضهم:
وَجَدنا الوليدَ بنَ اليزيد مبارَكاً ... شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ
أحناء الأَمور: مشكلاتها، وأصلها من أحْناء الوادي، ومحانيه،
وهي: مَعَاطِفُه رمراقيعُهُ.
وقال النابغة؟
يُقَسِّمُ أحناءَ الأمُورِ فَهَارِب.. وشَاصٍ عَنِ الحَرْبِ العَوان وَدائِنُ
قال الفراء: وإنما دَخَل في (يزيد) الألف واللام لما أَدخلهما في
(الوليد) ، والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمْسَت الاسم مَدْحًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... (90) .

(1/369)


قرأ ابن عامر وحده (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِي) مجرورةً بياء في اللفظ،
جعلها اسمًا ولم يجعلها هاء السكت. لأنها لو كانت عنده هاء السكت
ما جرَّها، والمعنى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِ اقتداء، وهو مذهب حسن في اللغة.
وقال أبو إسحاق: هذه الهاء التي في (اقتده) تثبت في الوقف
يُبَين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت: (اقتدِ قل لا أسألكم)
قال: والذي أختارُهُ ويختارُهُ مَن أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاءات نحو
(كِتَابِيَهْ) و (حِسَابِيَهْ) ، وكذلك (يَتَسَنَّهْ) وكذلك (مَا هِيَهْ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ... (91) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ثلاثهن بالياء، وقرأهن الباقون بالتاء.

(1/370)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فعَلى الخبر عن الغائب،
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فعَلى المخاطبة، وهى أجود القراءتين،
وقوله: (وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا) ولم يقل: وعُلمُوا مَا لم يَعلمُوا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ... (92) .
قرأ أبو بكر عن. عاصم (لِيُنْذِرَ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
* * *
وقولَ جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ... (94) .
قرأ نافع وحفص والكسائي (بَيْنَكُمْ) نصبًا،
وقرأ الباقون (بَيْنُكُمْ) رفعًا.
قال أبو منصور: ورَوى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال:
من قرأ (بينَكم) لم يُجْزِ إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينَكم.
ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد.
وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال:
من قرأ (بَيْنَكُمْ) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينَكم.
قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بَيْنَكُمْ.

(1/371)


وَمَنْ قَرَأَ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم،
والبَيْن فى كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فِراقًا.
وأجود القراءتين الرفع.
وقال الفراء: فى قراءة عبد الله (لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ)
قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بَيْنَ) تُرِك نَصبا، كما قالوا: أتانِي دُونَك من الرجال. فتُرِك نَصبًا، وهو فى موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا
قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بينَ الرجلين بينَ بعيد، وبونَ بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا ... (96) .
قرأ الكوفيون: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) نصبا،
وقرأ الباقون: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) بالخفض.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) نصبه بالفعل؛ لأنه مفعول
به، ونصب (سَكَنًا) لأنه مفعول ثان.
ومن قرأ (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ) خفض الليل للإضافة إليه.

(1/372)


وأما انتصاب قوله: (والشمسَ والقمرَ حُسبانًا) على قراءة من قرأ
(وجاعلُ الليلِ) فإنه عطف الشمسَ والقمرَ على موضع النصب في قوله
(وجاعلُ الليلِ) لأن معناهُ: وجاعلَ الليلَ، وكذلك نصب (سكَنًا) .
وقال الفراء: (الليل) في موضع فصبٍ في المعنى، فرَد الشمس والقمر على
معناه لما فرق بينهما بقوله: (سَكَنًا) قال: وإذا لم يُفرق بينهما بشيء
آثروا الخفض، وقد يجوز النصب وإن لم يُحلْ بينهما بشيء
أنشدونا:
وبَينَا نَحْنُ نَئظرُهُ أتَانَا ... معلق شَكوَةً وزِنادَ راعٍ
فعطف (زناد) على (شكوة) ؛ لأن معناها النصب، كأنه قال: معلقًا
شكوةً.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ... (98) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فَمُسْتَقِرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) بكسر القاف
وقرأ الباقون بفتحها.

(1/373)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَمُسْتَقَرٌّ) بفتح القاف عنى به: الرَحم،
وهو موضع استقرار الولد، فيه ما يولد، وقوله (ومستودعَ) : صلب
الرجل، مستودع للمني الذي خُلِقَ الولدُ منه.
وَمَنْ قَرَأَ (فَمُسْتَقِرٌّ) بكسر القاف عنى به: الولد القار فى
الرحم إلى وقت الولد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ ... (99) .
رَوى الأعشى عن أبي بكر (وَجَنَّاتٌ) رفعًا،
وقرأ الباقون (وَجَنَّاتٍ) كسرًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَجَنَّاتٌ) عطفها على قوله: (ومن النخل
من طلعها قنوانٌ دانية وجناتٌ) ،
وَمَنْ قَرَأَ (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ فهو فى موضع النصب، معطوف على قوله (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا. . . وَجَناتٍ مِنْ أَعْنَابٍ) ، والقراءة عليه.

(1/374)


والجنة: البُستان. وكل نبتٍ يتكاثف ويستر بعضه بعضًا فهو جنَّة،
من جنَنتُ الشيءَ، إذا سترتَه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ... (99)
قرأ حمزة والكسائي (إِلَى ثُمُرِهِ) و (لِيَأكُلوا مِن ثُمُرِهِ)
و (كُلوا من ثُمُره) بضم الثاء والميم.
وقرأ الباقون بفتحهما.
وافترقوا في الكهف: فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة
والكسائي (وكان له ثُمُرٌ) و (أحيط بثُمُرِه) بضمتين،
وقرأ أبو عمرو في الكهف (وكان له ثُمْر) و (أحيط بثمْرِه)
بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: (وكان له ثَمَرٌ) و (أُحِيطَ بِثَمَرِهِ) بفتحتين.
وقرأ الحضرمي (وكَانَ لهُ ثَمَرٌ) بفتحتين، و (أحيط بثُمُرِهِ) بضمتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ ثَمَرًا وثُمُرًا فمعناهما واحد، هما جمع ثَمَرة
وَمَنْ قَرَأَ (إلى ثَمَرهِ) فهو جمع الثمَرة، وتجمع ثمار. والثمرَ: اسم
للجنس، وأثمار الشجر: عَقده أول ما يعقد، فهو مُثمِر، قبل النضج، فإذا

(1/375)


قيل: ثامِر، فمعناه: النضج.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ... (100) .
قرأ نافع (وَخَرَّقُوا لَهُ) مشددًا،
وقرأ الباقون (وَخَرَقُوا) خفيفًا.
قال أبو منصور: التخفيف هو الوجه، يقال: خرق فلان الكذبَ،
واخترقه. وخَلقَه، واختلقه. وخَرَصه، واخترصه، إذا افتراه،
ومن شدد فقرأ (وَخَرَّقُوا) فالمعنى: أنهم أبدَأوا في ذلك وأعادوا، لأن التشديد للكثرة. والله أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دَرَاسْتَ) بألف.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (دَرَسَتْ) بسكون التاء،
وقرأ الباقون، (دَرَسْتَ) بغير ألف مع فتح التاء.

(1/376)


قال أبو منصور: من قرأ (دَارَسْتَ) بألف فتأويله: جادلت اليهود
وجادلوك.
كذلك قالَ ابن عباس، وبه قرأ مجاهد، وفَسره: قرأت على
اليهود وقرأوا عليك.
وَمَنْ قَرَأَ (دَرَسَتْ) بسكون التاء فالمعنى: تقادَمَت، أي: هذا الذي
تتلوه علينا قد تطاول ومَر بِنَا وامتُحِيَ أثره من قلوبنا، كما تَدرُس
الآثار.
وَمَنْ قَرَأَ (دَرَسْتَ) بفتح التاء بغَير ألف فالمعنى: أنك تَعَلمت من
يَهُود، على الخطاب للنبي صلى الله عليه، أرادوا: أنك قرأت كُتُبَ أهل
الكتاب.
وكله جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ... (108) .
قرأ يعقوب (عُدُوًا) بضم العين والدال وتشديد الواو،
وقرأ الباقون (عَدْوًا) بفتح العين وسكون الدال.
قال أبومنصور: مَنْ قَرَأَ (عَدْوًا) و (عُدُوًا) فمعناهما واحد،
يقال: عَدا فلان عَدْوًا وعُدُوًا وعِدًا، إذا جاوَزَ الحَدَّ في الظلم.

(1/377)


انتصب قوله (عَدْوًا) و (عُدُوًا) على المصدر.
وإن شئت على إرادة اللام، ويكون نصبه على الحال.
المعنى: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عاديِنَ. فأقامَ المصدر مقام الفاعلين.
وقرئ (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوًا) بفتح العين وتشديد الواو، وهي
شاذة، ومعناه: فيسبوا الله أعداء. وانتصابه على الحال لا غير،
يقال: هُمْ عَدُو لِي، أي: أعداءَ.
قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا ... (109) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن
عاصم (إِنَّهَا) بكسر الألف، ورَوى نُصير عن الكسائي (إِنَّهَا) بكسر
الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن
أبي بكر في هذا كَسرًا ولا فتحًا،
وقال ابن مجاهد: قرأت على

(1/378)


أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا،
وقرأ حفص عن عاصم (أَنَّهَا) بالفتح، وقرأ الباقون (أَنَّهَا) بفتح الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إنَّهَا) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل
إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: مايدريكم.
ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات.
وَمَنْ قَرَأَ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعَلَّ المعنى لعلها
إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئتِ السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك.
وقال بعضهم: إنما هي (أنَّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا،
والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
والقول هو الأول والله أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) .
قرأ ابن عامر وحمزة (إِذَا جَاءَتْ لَا تُؤْمِنُونَ)
وقرأ الباقون (إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) بالياء.

(1/379)


قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ... (111)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا) بالضم،
وفي الكهف (الْعَذَابُ قِبَلًا) بكسر القاف،
قرأ نافع وابن عامر (قِبَلًا) و (قِبِلًا) مكسورتين،
وقرأهما الكوفيون مضموتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُبُلًا) بالضم فله معنيان:
أحدهما: أن (قُبُلًا) جمع قَبيل، وهم الجماعة ليسوا بَنِي أبٍ واحد،
المعنى: وحَشَرْنا عليهم كل شيء (قُبُلًا) قبيلا،
والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل.
والوجه الثاني: قُبُلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو
حُشِر عليهم كل شيء فكَفَل لهم بصحة ما تقول ماكانوا ليؤمنوا.
وَمَنْ قَرَأَ (قِبَلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته
قِبلا ومقابلة، أى عيانا.
قال الفراء: وقد يكون قِبَلا: من قِبَل وجوههم،
كما تقول: أتيتك قُبُلاً، ولم آتك دُبُرًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ... (115) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو - هنا (كَلِمَاتُ رَبِّكَ) جماعة،
وفي يونس (كَلِمَتُ رَبِّكَ) في موضعين، وفى المؤمن: (حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ)

(1/380)


وقرأ نافع وابن عامر هذه الأربعة المواضع على الجمع،
وقرأهن الباقون على التوحيد،، لم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
قال أبو منصور: الكلمة تنوب عن الكلمات:، تقول العرب: قال فلان
في كلمته أي: في قصيدته، والقرآن كلهُ كلمة الله، وكَلِم الله، وكلام
الله، وكلمات الله، وكله صحيح من كلام العرب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ... (117)
روى نصير عن الكسائي (مَنْ يُضَلُّ عَنْ سَبِيلِهِ)
بضمَ الياء وفتح الضاد،
وقرأ الباقون، (مَنْ يَضِلُّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأَ (مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) فموضع (مَن) رفع
بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام،
المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يَضِل عن سبيله.
وهو مثل قوله: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) .
وَمَنْ قَرَأَ (مَنْ يُضَلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) فهو بهذا المعنى أيضًا، إلا أن
الفعل خرج مخرج ما لم يُسَم فاعله، يقال: ضل فلان يضل ضلالاً، وأضله
الله، أي: لم يَهْده.

(1/381)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ... (119) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)
مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب
(فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) مفتوحتين،
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزةُ والكسائي
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) بفتح الفاء (مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) بضم الحاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)
فمعناه بالفتح: قد فَصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميَّز وبيَّن.
وموضع (ما) نصبَ.
ومن قرأ (وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) فهو على ما لم يُسم فاعله،
والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحَرِّمُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ ... (119) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: َ (لَيَضِلُّونَ) ،
وفي يونس (لَيَضِلُّونَ عَن سَبِيْلِكَ) ، وفى إبراهيم (أَنْدَادًا لِيَضِلُّوا) ،
وفى الحج (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيَضِلَّ) فتح الياء.
وفي لقمان (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، وفى الزمر (لِيَضِلَّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع

(1/382)


وابن عامر ها هنا، وفى يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء،
وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي.
وضَمَّهن الكوفيون كُلهن.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بفتح الياء فمعناه: الذي يَضِل بنفسه.
ومن قرأ (يُضِل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يُضِل الناسَ عن القُرى،
ويقال: ضللتُ الطريق أضِله، وضَللتُه أضَله، وضَلَ فلان الشيءَ يَضِله إذا
جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلَّ الشيءَ إذا ضيَعه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ... (122) .
قرأ نافع والحضرمي (أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتًا) مشددًا،
وخفف الباقون.
قال أبو منصور: المعنى في الميت والميِّت واحد، وأراد بالميِّت
والميْت: الكافر الضَّال،
وقوله: (فَأَحْيَيْنَاهُ) معناه: فهديناه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ ... (125) .

(1/383)


قرأ ابن كثير وحده (ضَيْقًا) خفيفا، وفى الفرقان مثله، وكذلك
روى عقبة بن سنان عن أبي عمرو.
وشددهما الباقون.
قأل أبو منصور: الضَّيْق والضَّيِّق واحد، والأصل التشديد، ويكون
الضَّيْق في غير هذا الموضع بمعنى: الشك، قال الله تعالى:
(وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ،
وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: الضَّيَق: الشك،
بفتح الياء،
وقوله (حَرَجًا) قرأ نافع وأبو بكر (حَرِجًا) بكسر الراء،
وقرأ الباقون (حَرَجًا) .
وقال يونس: الحَرِج والحرَج لغتان معناهما: الضَّيِّق.
قال أبو إسحاق: من قال (حَرِج) فهو بمنزلة قولك: رجل دنِف بكسر النون، ومن قال (حَرَج) فهو بمنزلة: رَجُل دَنف. أي: ذو دَنَفٍ، وكذلك قَلِيبٌ حَرَج، أي: ذو حَرَج وضِيق.
ويقال للشجر المشجَر الذى لا تصل إليه الراعية
لتضايتة وتكاثُفِهِ: حَرَج وحرجة، شَبَّهَ اللهُ صدر الكافر بها،
المعنى: أنه لا تصل إليه الحكمة.

(1/384)


وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ... (125) .
قرأ ابن كثير (كَأَنَّمَا يَصْعَدُ) خفيفة،
وقرأ أبو بكر عن عاصِم (يَصَّاعَدُ) مشددا بألف،
وقرأ الباقون (يَصَّعَّدُ) بالتشديد بلا ألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَصْعَدُ) فهو من صَعَد يَصعَد.
ومن قرأ (يَصَّاعَدُ) أو (يَصَّعَّدُ) فالأصل يتَصَاعَد ويتَصَعَّد، إلا
أن التاء أدغمت منهما في الصاد فشددت.
المعنى: أن قلب الكافر كأنه (يَصَّعَّدُ) في السماء نُتُوءًا عن
الإسلام والحكمة، لا يَعْلق به شيء منهما،
وقيل معناهُ: أنه كأنه كُلِّف أنْ يصعد إلى السماء إذا دُعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ... (128) .
قرأ عاصم في رواية حفص عنه (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) ها هنا وفي
كل القرآن إلا في موضعين: عند العشرين من الأنعام، وقبل الثلاثين

(1/385)


من يونس، فإنه قرأهما بالنون.
وقرأ الحضرمي ثلاثة مواضع بالياء: عند العشرين من الأنعام
(ويوم يحشرهم جميعًا ثم يقول)
وفي الفرقان (ويوم يحشرهم فيقول) بالياء،
وفي سبأ (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة (.
وسائر القرآن بالنون.
وقرأ الباقون بالنون في كل القرآن إلا ابن كثير فإنه قرأ في الفرقان
(ويوم يحشرهم) بالياء.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (نحشرهم ويحشرهم) ،
الله الحاشر لا شريك له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ... (135)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَكَانَاتِكُمْ) جماعا في كل القرآن.
وقرأ الباقون (عَلَى مَكَانَتِكُمْ) .
قال أبو منصور: المَكانة والمكان يكونان موضعا لكينونة الشيء
فيه.
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغساني عن سلمة عن أبي عبيدة

(1/386)


في قوله (اعملوا على مكانتكم) ، أي: حيَالكُم وناحِيَتكم.
قال: وأخبرني أبو العباس عن سلمة عن الفراء قالَ: يقال له في قلبي منزلة،
مثل قولك له في قلبي مَحِلة وموضعَة ومَوقعَة ومَكَانَة ومَجلسَة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ... (135) .
قرأ حمزة والكسائي (مَن يَكُونُ لهُ) بالياء ها هنا وفي القصص.
وقرأهما الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث العاقبة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلأن العاقبة معناها: العَقِبُ، وهو مذكر،
وكذلك ما كان من المصادر المؤنثة، يجوز تذكير فعلها، مثل: الرحمة، والعافية، وما أشبههما.
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ... (136) .
قرأ الكسائي وحده (بِزُعْمِهِمْ) بضم الزاي في الحرفين.

(1/387)


وقرأ الباقون (بِزَعْمِهِمْ) .
قال أبو منصور: وهما لغتان: زَعَمَ وزَعُمَ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ
. . . (137) .
قرأ ابن عامر وحده ((وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادَهِمْ شُرَكَائِهُمْ بضم الزأي، ورفع اللام من (قَتْلُ) ، ونصب الدال (أولادَهم) ، (شركائِهم) خفضا بالياء.
وقرأ الباقون (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ)
بفتح الزاي، واللام من (قتلَ) ، ورفع الشركاء، وكسر الدال.
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فهي متروكة؛ لأنها لا تجوز
إلا على التقديم والتأخير الذي قاله الشاعر، كان غير جَيد ولا حَسَن.

(1/388)


والمعنى على قراءته: زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائهم أولادَهم.
وأنشد الفراء في مثله (:
فزجَجتُها مُتَمكنًا ... زجَّ القَلوصَ أبي مزادَهْ
أراد: أبي مزادة القلوص.
قال أبو منصور: وهذا عند الفصحاء رديٌّ جِدًّا، ولا يجوز عندي
القراءة بها.
وأما قراءة العامة التي اجتمع عليها القراء فهي الجيدة البالغة
بفتح الزاي، واللام من قتلَ، والرفع في (شركاؤهم) ،
فزَينَ: فعل ماضٍ و (شركاؤهم) فاعلون، و (قتلَ) منصوب بالفعل.
والرفع في قوله (شركاؤهم) على تكرير الفعل، والمعنى: زَينه شركاؤهم،
فأضمره.
* * *

(1/389)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) .
في ثلاثة مواضع قرأهن ابن عامر بالتاء،
وقرأ حفص والحضرمي ونافع هنا بالياء، وآخِرَ هود وآخِر النمل بالتاء، وقرأهن الباقون ثلاثتهن بالياء.
* * *
وقوله جْل وعزَّ: (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً ... (139) .
قرأ ابن كثير (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ) بالياء والرفع في (مَيْتَةٌ) .
وقرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتاء (مَيْتَةٌ) رفعًا أيضًا،
وروى الأعشى عن أبي بكر (وإن يكن) بالياء (مَيْتَةً) نصبا
مثل رواية حفص.
وفي رواية يحيى بن آدم (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةً) بالتاء والفتح في (مَيْتَةً) .
وقرأ الباقون (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) نصبا.

(1/390)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وإن يكن) بالياء، والرفع في (مَيْتَةٌ)
فالتذكير على المعنى، كأنه أريد بالميتة شيء من الميتات.
وقد قيل: إن التذكير لأن (كان) مكتفية ها هنا.
وَمَنْ قَرَأَ (وإن تكن ميتة) بالتاء فهو جيد بالغ؛ لأن الميتة مؤنثة.
وَمَنْ قَرَأَ (وإن يكن ميتة) جعل (يكن) للفظ (ما) ، ونصب (ميتةً) ؛ لأنه خبر كان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ ... (140) .
قرأ ابن كثير وابن عامر (قَتَّلُوا أَوْلَادَهُمْ) مشددا،
وخففه الباقون.
قال أبو منصور: التشديد في (قَتَّلُوا) للتكثير، والتخفيف فصيح
جيد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ... (141) .
قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (يوم حَصاده) بفتح
الحاء، وقرأ الباقون (حِصَاده) بالكسر.

(1/391)


قال أبو منصور: هما لغتان: الحَصَاد والحِصَاد، والجَدادُ والجِدادُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... (143) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (وَمِنَ الْمَعَزِ) بفتح العين.
وقرأ الباقون بسكونها.
قال أبو منصور: هما لغتان، وكذلك الشَّعْرُ والشَّعَرُ، والنهْرُ والنهَرُ،
وكذلك الضأَن والضأُن، غير أن القراءة "الضان " بتخفيف الهمزة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ... (145) .
قرأ ابن كثير وحمزة (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) بالتاء (مَيْتَةً) نصبا،
وقرأ ابن عامر (إلا أن تكون) بالتاء (مَيْتَةٌ) رفعا،
وقرأ الباقون (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) نصبا.
قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيْتَةٌ) بالتاء والرفع
جعل (تكون) فعلا للميتة، واكتفى بـ (تكون) بلا فعل هكذا.

(1/392)


قال الفراء: وكذلك (يكون) في كل الاستثناء، لا يحتاج إلى فعل،
ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك وأخوك.
قال: وإنما استَغنَت (كان) و (يكون) عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعلٍ يكون للاسم، وهذه تُسمَّى (كان) المكتفية.
ومن نصب (ميتةً) فالمعنى: إلا أن يكون المحرَّمُ ميتة.
وَمَنْ قَرَأَ (إلا أن تكون ميتة) فللتأنيث للميتة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
ونظائره.
قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تَذَّكَّرُونَ)

(1/393)


(أفلا تَذَّكَّرُونَ) ، و (لِيَذَّكَّرُوا) ، مشددات حيث كُنَ.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في مريم (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ) خفيفا،
وشدد سائرهن، إلا أن حفصا خالف أبا بكر في التاء فقرأ ماكان بالتاء مخففا في كل القرآن، وشددَ أبو بكر.
وقرأ حمزة والكسائي (تَذكُرون) ماكان بالتاء مخففا،
مثل حفص في كل القرآن، وخففا (ليذكروا) في السورتين، وشددا سائر
ما في القرآن،
وانفرد حمزة وحده بتخفيف (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ)
ما تابعه أحد على التخفيف،
وروى أبان عن عاصم (يذكُرُون) تخفيفا مثل رواية حفص.
واتفقوا على تخفيف قوله (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
وافترقوا في التاء والياء، فقرأ نافع وحده (وما تذكرون)
بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من شدَّد الذال والكاف في (تَذَّكَّرون) أو (يذَّكَّرُون)
فالأصل تتذكرون، ويتذكرون، فأدغمت التاء في الذال، وشددت.
وَمَنْ قَرَأَ (تَذَكَّرون) بتخفيف الذال وتشديد الكاف فالأصل أيضًا
تتذكرون، فحذفَت إحدى التاءين استخفافا.
وَمَنْ قَرَأَ (يَذْكُر) فهو من ذكَرَ يَذكُر.

(1/394)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ... (153) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعابم (وَأَنَّ هَذَا) بتشديد النون
وفتح الألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب (وَأَنْ هَذَا) بفتح الألف وسكون
النون، وقرأ حمزة والكسائي (وِإنَّ) بكسر الألف وتشديد النون.
وقرأ ابن عامر والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (صِرَاطِيَ)
بفتح الياء، وأرسلها الباقون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا) بفتح الألف فَلأنه عطف على
قوله (أن لا تشركوا به شيئا.. وأنَّ هذا) وهذا في موضع النصب؛ لأنه
اسم (أنَّ) ، و (صِراطي) خبره، ونصب (مستقيما) على الحال.
وَمَنْ قَرَأَ (وأنْ هذا) بفتح الألف والتخفيف فهذا في موضع الرفع
لأن (أنْ) إذا خففت مُنِعت عملها، و (أن) رَفع (هذا) بالابتداء،
ومُرافعه (صراطي) .
وَمَنْ قَرَأَ (وإنَّ هذا) فَكَسَرَ الألف وشدد فعَلى الاستئناف.

(1/395)


وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ... (158) .
قرأ حمزة والكسائي (إلا أن يأتيهم الملائكة) بالياء،
والباقون يالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم فعل الجماعة،
ومن قرأ بالتاء فلتأنيث الملائكة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ ... (159) .
قرأ حمزة والكسائي (فَارَقُوا) بألف، وفي الروم بألف أيضًا.
وقرأ الأعشى عن أبي بكر هنا (فَارَقُوا) بالألف، وفي الروم بغير ألف،
وقرأ الباقون (فَرَّقُوا) بغير ألف في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَارَقُوا دِينَهُمْ) ففيه قولان:
أحدهما: أنهم تركوا دينهم وفارقوه فلم يَدُوموا عليه.
والقول الثاني: أن (فَارَقُوا) و (فَرَّقُوا) بمعنى واحد، كما يقال: ضَعَّفَ وضاعف، وعالى وعَلَّى، وصَاعَر وصعَّر،
ومعناهما: اختلافهم في دينهم وتفرقهم فيه، ويقوى هذا القول قوله
(وَكَانُوا شِيَعًا) ، أي: فِرَقا شَتى.

(1/396)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ... (160) .
ْقرأ الحضرمي وحده (عَشْرٌ أَمْثَالِهَا) منونا بالرفع،
وقرأ الباقون (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) مضافا.
قال أَبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَشْرٌ) أراد: فله حسنات عَشْرٌ أمثال
الحسنة التي جاء بها،
وَمَنْ قَرَأَ (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) أراد: فله عَشْرُ أَمْثَالِ تلك الحسنة، والمعنى واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ... (161)
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
* * *
وقوله. جلَّ وعزَّ: (دِينًا قِيَمًا ... (161) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (دِينًا قَيِّمًا) مفتوحة
القاف مشددة الياء،
وقرأ الباقون (قِيَمًا) بكسر القاف خفيفة الياء.

(1/397)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَيِّمًا) فالمعنى: دينا مستقيما،
ومن قرأ (قِيَمًا) فهو مصدر كالصغَرِ والكِبَرِ،
وإنما قال (قِيَمًا) ولم يقل: قِوَما كما قالَ الله جلَّ وعزَّ
(لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) لأن (قِيَم) بُنِيَ على قَامَ قِيَما، فلما اعتَل (قَامَ)
وكان في الأَصل قَوَمَ أو قَوُمَ قَرَّ لهُ قِيمَا.
وأما (حِول) فإنه لم يكن على (فِعُل) ، قد اعتل فترك على أصله ونصب قوله
(دِينًا قِيَمًا) على المعنى؛ لأنه لما قال جلَّ وعزَّ (هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) دل على عَرفني (دِينًا قِيَمًا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَحْيَايَ ... (162) .
أرسل الياء في (مَحْيَايَ) نافع، وفتحها الباقون،
وروى ورشٌ عن نافع أنه فتح الياء من (مَحْيَايَ) بعدما أسكنها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَمَاتِي لِلَّهِ ... (162) .
فتح نافع وحده، وأرسلها الباقون.

(1/398)


قال أبو منصور: أما مَا رُوِيَ عن نافع أنَه أرسل الياء من (مَحْيايَ)
فهو غير سائغ في اللغة، ولا جائز عند النحويين؛ لأن هذه الياء يسكن إذا
تحرك ما قبلها، فإذا سكن ما قبلها لم يجز إسكانها، والقراءة هي التي
اجتمع القراء عليها، ورجع نافع إليها (مَحْيَايَ) ، ولا يجوز عندي غيرها.
وأما قوله (ومماتي) بسكون الياء فهو جائز؛ لأن التاء قبل الياء
متحرك، وإن فتحت الياء جاز، وهما لغتان.
* * *

(1/399)