معاني القراءات للأزهري سورة الْأَعْرَافِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب
(مَا تَذَّكَّرُونَ) مشددا، وقرأ حفص وحمزة والكسائي (مَا
تَذَكَّرُونَ)
مخففة الذال.
وقرأ ابن عامر (مَا يَتَذَّكَّرُونَ) بياء وتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَا تَذَّكَّرُونَ) بتشديد الذال
والكاف فالأصل
تتذكرونَ وَأدغمت التاء الثانية في الذال وشددت،
وَمَنْ قَرَأَ (تَذَكَّرُونَ) بتخفيف الذال فالأصل أيضًا
تَتَذكرون، فحذفت إحدى التاءين، وتركت الثانية على حالها،
والذال خفيفة في الأصل والتاء المحذوفة هي الثانية؛ لأنهُمَا
زائدتان، إلا أن الأولى تَاء على معنى الاستقبال،
فلا يجوز حذفها، والثانية إنما دخلت على معنى فعل الشيء على
مهل،
نحو قولك: تففهَّمتُ وتعلَّمتُ، أي: أخذت الشيء على مَهملٍ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَعَايِشَ ... (10) .
روى خارجة عن نافع (معائش) بالهمز.
(1/400)
قال ابن مجاهد: هذا غلط.
وقرأ الباقون (مَعَايِشَ) غير مهموز.
قال أبو منصور: الهمز في (مَعَايِشَ) لحْن، لأنَّ الياء فيها
أصلية،
الواحدة: مَعيشَة، الهمز يكون في الياء الزائدة؛ لأنه لاحَظَّ
لها في
الحركة، وقد قَربتْ من آخِر الكلمة، ولزمتها الحركة، فأوجبوا
فيها
الهمزة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) .
قرأ حمزة والكسائي (وَمِنْهَا تَخْرُجُونَ) ، وفي الروم
(وَكَذَلِكَ تَخْرُجُونَ) ،
وفي الزحْرف (وَكَذَلِكَ تَخْرُجُونَ) بفتح التاءْ وضم الراء،
وقرأ في آخر الجاثية (فَالْيَوْمَ لَا يَخْرُجُونَ) بفتح
اليَاء وضم
الراء.
وقرأ ابن عامر هاهنا وفي الزخرف بفتح التاء وضم الراء، وفي
الباقي بضم التاء والياء وفتح الراء.
(1/401)
وقرأ يعقوب (ومنها تَخْرُجون) بفتح التاء
في هذه وحدها،
وضم التاء في الباقي.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في جميع هذه الحروف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَخْرُجُون) أو (يَخْرُجون) فهو
من خَرَجَ
يَخرُج خُرُوجا،
وَمَنْ قَرَأَ (تُخْرَجُون) فهو من أُخْرِج يُخْرَجُ، أي:
يُخرِجكم
الله، وَتَخْرُجون أنتم بأمر الله خُرُوجا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ... (26) .
أجمع القراء على قراءة (وَرِيشًا) ولم يقرأ أحدٌ (وَرِياشًا)
غير الحسن.
أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت
سلاما أبا المنذري القارئ يقول: الريْشُ: الزينَة. والريَاشُ:
كاللباس.
قال: فسألت يونس فقال: لم يقل شيئا، هما سواء.
(1/402)
وقال الفراء: إن شئت جعلت الرياش جمع
الريش، وإن
شئته مصدرا في معنى الريش، كما قالوا: لِبْسَ ولِبَاس.
قال أبو منصور: القراءة (وَرِيشًا) لا غير.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ... (26) .
قرأ نافع وابن عامر والكسائي (وَلِبَاسَ التَّقْوَى) نصبا،
وقرأ الباقون (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) رفعا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) فرَفعُه
على ضربيْنِ:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، ويكون (ذلك) من صفته.
والوجه الثاني: أن يكون (خَيرٌ) خبر الابتداء، المعنى: ولباسُ
التقوى المشارُ إليه خير.
وفيه وجه ثالث: يجوز أن يكون (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) مرفوعا
بإضمار (هو) ،
المعنى: هو لباسُ التقوى، أي: ويستر العورة لباسُ المتقين،
ثم قال: (ذلك خيْرٌ) .
(1/403)
ومن قرأ (وَلِبَاسَ التَّقْوَى) فنصب.
عطفَه على قوله (وَرِيشًا) .
والمعنى: أنزلنا عليكم وَلِبَاسَ التَّقْوَى، وهذا كله قول أبي
اسحاق
النحوي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (32) .
قرأ نافع وحده (خَالِصَةٌ) رفعا،
وقرأ البَاقون (خَالِصَةً) نصبا.
قال أبو منصور: من رفع فقال (خَالِصَةٌ) فهي على أنه خبر بعد
خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب،
المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم
القيامة.
أراد جلَّ وعزَّ أنها حلالٌ للمؤمنين،
يعني: الطيبات من الرزق ويشركهم فيها الكافر، وأَعْلمَ أنها
تخلص
للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافِر.
وَمَنْ قَرَأَ (خَالِصَةً) بالنصب نصبها على الحال، على أن
العامل في
قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة
للمؤمنين
مستقرة في الحياة الدنيا (خَالِصَةً) يوم القيامة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ
(38) .
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) بالياء،
وقرأ الباقون بالتاء.
(1/404)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو
خطاب لِأخراهم وأولاَهُم
المضِلِّين والمضَلِّين من الكفار.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.
ومعنى قوله (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) ، أي: لكل من التابع والمتبوع
عذاب
مضاعف؛ لأنهم دخلوا في الكفر جميعا.
وقيل في تفسير قوله (وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أيها المخاطبون
ما لِكُل
فريق منكم من العذاب.
وقيل في قوله (وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) : ولكن لا يعلم
كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ
... (40) .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. ويعقوب (لَا تُفَتَّحُ)
بالتاء
والتشديد، وقرأ أبو عمرو (لَا تُفَتَحُ) بالتاء مع التخفيف،
وقرأ حمزة والكسائي (لا يُفتَحُ) بالياء مع التخفيف.
ْقال أبو منصور: من شدد فلتكثير الفتح، وكثرة الأبواب.
ومن خفف فَلِتَقْلِيلهِ، ويجوز هذا وهذا فيما يكثرُ ويقلُّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... (33) .
(1/405)
أسكن الياء حمزة وحده، وحركها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعَزَ: (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (43) .
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أُورِثتُّمُوهَا) مدغما،
ومثله في الزخرف، وقرأ الباقون بإظهار الثاء في السورتين
قال أبو منصور: من أدغم فَلِقُرب مخرجي الحرفين، أعنى: التاء
والثاء.
ومَن لم يدغم فلأنه أتم وأشبع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالُوا نَعَمْ ... (44) .
قرأ الكسائي وحده (قَالُوا نَعِمْ) بكسر العين في كل القرآن،
وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: نَعَم، ونَعِمْ.
موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حَرفٌ جاء لمعنىً.
ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله
من
الاستفهام جحد فجوابه (بَلى) ، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول:
بَلى.
(1/406)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كُنَّا
لِنَهْتَدِيَ ... (43) .
قرأ ابن عامر: (مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) بغير واو، وكذلك هي
في
مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو.
قال أبو منصور: إخراج الواو وإدخالها لا يغير المعنى فِي مثل
هذا
الموضع، المعنى: أنهم قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا من غير
أن
كنا نهتدي لما هدانا له، ومن حذف الواو أراد: يا رب ما كنا
لنهتدي لهذا
لولا هدَى الله إيانا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
(44) .
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ)
بسكون النون. من (أن) و (لعنةُ) مرفوعة وكذلك روى قُنبل لابن
كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أَنَّ لَعْنَةَ
اللَّهِ)
بتشديد النون، ونصب (لَعْنَةَ) .
قال أبو منصور: من خفف (أَنْ) مَنَعَها عملها، ورفع ما بعدها،
ومن
شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد.
(1/407)
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ ... (54) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ) خفيفا، وكذلك في الرعد، وقرأ الباقون
بالتشديد.
قال أبو منصور: مَعنى يُغْشِي ويُغَشِّي، وكلاهما يتعدى
إلى مفعرلين، ومعناهما يجلل. وقد تَغَشَّاهُ، إذا تجلله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ... (54) .
قرأ ابن عامر وحده (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ) رفعا
كله، وقرأ الباقون بالنصب.
قال أبو منصور: من نصبها عطفها على ما قبلها، ونصب
(مسخراتٍ) على الحال، وجائز أن نَصْبَها على إضمار فعل، كأنه
قال:
وتُجرِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي حال تسخيرها،
أي: تذليلها.
ومن رفع فعلى الابتداء، وخبره (مُسَخَّرَاتٌ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
بُشْرًا ... (57) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (نُشُرًا) بضم النون
والشين في كل القرآن،
(1/408)
وقرأ ابن عامر (نُشْرًا) بضم النون وسكون
الشين، وقرأ عاصم
(بُشْرًا) بالباء وسكون الشين حيث وقع،
وقرأ حمزة والكسائي (نَشْرًا) بفتح النون وسكون الشين حيث وقع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) و (نُشُرًا) فهو جمع
نُشُور ريحٌ
نُشُورٌ: تنشرُ السحاب، أي: تبسطها في السماء.
وَمَنْ قَرَأَ (بُشْرًا) بالباء فهو جمع بشيرة، كما قال:
(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ) .
وَمَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) فالمعنى: هو الذي يرسل الرياح ذات
نَشْر تَنْشُر
السحاب (نُشْرًا) .
وقيل: (بُشْرًا) أي: مبشرة.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: مَنْ قَرَأَ (نُشْرًا)
فمعناه:
لينة طيبة.
* * *
وقوله جلَّ رعز: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... (59) .
(1/409)
قرأ الكسائي وحده (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرِهِ) خفضا فِي كل القرآن،
وقرأ الباقون (غَيْرُهُ) رفعا، واتفق حمزة والكسائي على خفض
قوله:
(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللَّهِ) .
وقرأ الباقون بالرفع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (غيرِه) بالخفض جعله نعتا للإله،
ومن قرأ (غيرُه) جعله تابعا، لتأويل (مِنْ إِلَهٍ) ؛ لأن
فعناه: مالكم إلهٌ غيره. و (مِن) زائدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ... (59) .
فتح (الياء) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي ... (62)
.
قرأ أبو عمرو وحده (أُبْلِغُكُمْ) بسكون الباء خفيفة،
وقرأ الباقون بفتح الباء وتشديد اللام.
قال أبو منصور: هما لغتان: أبلغت وبَلَّغت، مثل: أنجيتُ
ونَجَّيت.
(1/410)
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ ... (75) .
قرأ ابن عامر وحده: (وَقَالَ الْمَلَأُ) بواو، وكذلك هي في
مصاحفهم.
قال أبو منصور: الواو وحذفها لا يُغيرُ المعنى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ... (80)
أَئِنَّكُمْ ... (81)
ونظائره.
قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة بالجمع بين الاستفهامين في
كل القرآن، إلا أن ابن كثير يترك الاستفهام الأول في العنكبوت
فقط، وخالف حفص أبا بكر في موضعين: فقرأ ها هنا (إِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) بغير استفهام، ومثله في العنكبوت
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ)
في الأول على لفظ الخبر، واتفقا في سائر الاستفهام.
وكذلك كان نافع والكسائي ويعقوب يَكتَفُون بالاستفهام الأول من
الثاني، فيقرأون (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ) على لفظ الخبر في
كل القرآن في مثل هذا أو نَحوه إذا أتى استفهامان يتصلان، إلا
مواضع
(1/411)
فإنهم افترقوا فِيها.
فجمع الكسائي بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي العنكَبوت،
وقرأ في النمل (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا) مستفهمًا (إِنَّنَا
لَمُخْرَجُونَ) بنونين، ومضى في سائر القرآن على ترك الثاني.
واستمر نافع على أصله في كل القرآن، إلا في النمل والعنكبوت
فقرأ في النمل (إِذَا كُنَّا تُرَابًا) على الخبره (أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ) ، وكذلك في
العنكبوت، قرأ (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) على لفظ
الخبر،
(أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) فاستفهم بالثاني وترك
الأول في هذين الموضعين.
وقرأ يعقوب بالجمع بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي النمل
في قوله: (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ) .
وقرأ في العنكبوت بترك الاستفهام الأول (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ) ،
واستفهم قوله (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) .
وكان ابن عامر يكتفي بالاستفهام الثاني من الأول في كل القرآن
إلا في ثلاثة مواضع خلاف أصله فيها: فقرأ في النمل مثل الكسائي
سواء، وقرأ في الواقعة بالجمع بين الاستفهامين جميعا قوله
(أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ) ، لم يجبع بينْ الاستفهامين إلا هنا،
وقرأ في النازعات مثل نافع، استفهم الأول وترك الثاني.
(1/412)
وكل القراء متفقون على الاستفهام في قوله
في النمل (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) ، وذلك أنها
مكتوبة في المصحف (أَيِنَّكُمْ) بياء ونون قبل الكاف،
واختلفت مذاهبهم في الهمز، فكان ابن كثير والحضرمي
يقرآن (أيْذا) (أَيِنَّكُمْ) ، (أَينَّا لَمَرْدُودُونَ) (أين
ذُكِّرْتُمْ) بهمزة
مقصورة بعدها ياء ساكنة في كل القرآن من هذا الجنس.
وكان نافع وأبو عمرو يقرآن (ءايذا) (ءايْنكُم) بهمزة مطولة
بعدها ياء ساكنة.
والباقون يحققون الهمزتين (أئِذا) (أَئِنَّكُمْ (أئِنا) في كل
هذا الباب،
وهم ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ْ.
قال أبو منصور: وقد ذكرنا اختلاف القراء في هذه الحروف من
الجمع بين الاستفهامين، ومن ترك أحدهما، وما افترقوا فيه من
تطويل
الهمزة وتخفيفها، وهي لغات كلها جائزة، وكل ما قُرِيء به فهو
معروف، ومعانيها متفقة، ولا اختلاف في جوازها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ... (98) ،
(أَوَآبَاؤُنَا) .
قرأ ابن كثير (أَوْ أَمِنَ، (أَوْ آبَاؤُنَا) بسكون الواو هنا.
وقرأ نافع وابن عامر (أَوْ أَمِنَ، (أَوْ آبَاؤُنَا) في
الصافات (أَوْ آبَاؤُنَا) في
الواقعة.
(1/413)
وقرأ محمد بن الحسن عن أبي ربيعة عن البزي
عن ابن كثير الثلاثة
المواضع مثل نافع،
والباقون يفتحون الواو فيهن.
قال أبو منصور: من فتح الواو في هذه الحروفْفهي واو عطف،
ادخلت عليها ألف الاستفهام كما تدْخل على الفاء من قوله
(أفَعجبتم) (أوَعجبتم) ،
ومن سكن الواو فهي (أوْ) ، وكذلك سكنه،
و (أو) من حروف العطف للشك، تقول: ضربت زيدًا أو عمرًا،
ومَرَّ بي زيد أو عمرو، وقد يكون (أو) بمعنى (بل) ، ويكون (أو)
بمعنى
الواو، ويجيء بمعنى (بل) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ ... (105)
قرأ نافع وحده (عَلَيَّ) أضاف (عَلَى) إلى نفسه،
وأرسلها الباقون (عَلَى) مفخمة.
قال أبو منصور: من شدد ياء (عَلَيَّ) فلإضافته إلى نفسه، ومن
سكن ألف (عَلَى) جعله بمعنى الباء، كقولك: رميت على القوس،
وبالقوس.
و (عَلَى) مفخم، وكذلك (إلى) و (حتى) .
(1/414)
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَرْسِلْ مَعِيَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) .
حرك الياء من (مَعِيَ) حفص عن عاصم، وكذلك ياء (مَعِيَ) حيث
وقعت، وأسكنها الباقون، وهما لغتان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ... (111) .
قرأ ابن كثيرٍ (أزجِئهُو وَأخَاهُ) يهمز وضم الهاء ضما مشبعًا
بلفظ
واو، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ويعقوب (أرجئهُ
وَأخَاهُ)
بالهمز وضم الهاء ضمة غير مشبعة،
وقرأ نافع (أرْجِهِ) بلا همز ويكسر الهاء كسرةً مختلسة، وروى
ورش عنه أنه جَرَّ الهاء ووصلها بياء ولا يهمز، وكذلك روى خلف
وابن سعدان عن أبي المسَيبي عنه.
وقرأ ابن عامر (أرجِئهِ وَأَخَاهُ) بالهمز وكسر الهاء خفيفة.
وقرأ حمزة وحفص والأعشى عن أبي بكر (أَرْجِهْ) ساكنة الهاء غير
مهموزة، وكذلك قال خلف وأبو هشام عن يحيى عن أبي بكر.
وقرأ الكسائي (أرْجِهِي) غير مهموز، ويجر الهاء بياء في اللفظ،
وكذلك
قولهم في الشعراء مثل قولهم في الأعراف، إلا أن هُبَيرَة روى
عن
حفص بجزم الهاء هنا، وجرَّها في الشعراء.
قال أبو منصور: هذه الوجوه كلها وإن اختلفت فهي لغات
(1/415)
محفوظة عن العرب، وأبعدها عند النحويين
تسكين الهاء بلا همزة لأنها
ليست بموضع الجزم، وهي ضعيفة عند جميعهم.
وقراءة ابن عامر بالهمز وكسر الهاء ليست بجيدة؛ لأن أصل الهاء
الضم في (أرجئْهُ) ، وإنما يجر مع الياءات والكسرات، والهمزة
تكون ساكنة فالكسرة
لا تتبعها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) .
قرأ حمزة والكسائي (بِكُلِّ سَحَّارٍ) ها هنا وفي يونُس
والشعراء،
وقرأ الباقون ها هنا وفي يونُس (سَاحِرٍ عَلِيمٍ) فاعل،
وفي الشعراء (سَحَّارٍ) .
ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَحَّارٍ) فهو أبلغ من (سَاحِرٍ)
والقراءتان كلتاهما جيدتان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ
الْغَالِبِينَ (113) .
(1/416)
قرأ ابن كثير ونافع وحفص (إِنَّ لَنَا
لَأَجْرًا) بكسر الألف على
الإخبار ها هنا، وفي الشعراء على الاستفهام،
وقرأ الباقون بالاستفهام في السورتين.
ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فهو
إيجاب،
ومن قرأ (أيِنَ لَنَا) ، أو (أإنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فعَلى
الاستفهام، وهما ألفان:
إحداهما ألف الاستفهام، والأخرى ألِفُ (إنَّ) ، وهي أجود
القراءتين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) .
قرأ حفص عن عاصم (تَلْقَفُ) حيث كانت،
وقرأ الباقون (تَلَقَّفُ) مشددة.
(1/417)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَلْقَفُ) فهو
من لقَفتُ الشيء ألقَفُه لقْفا،
وهو: أخذ الشيء بحذق في الهواء. ورجلٌ ثَقْفٌ لقْفٌ، إذا كان
حاذقًا،
وبعضهم يقول: ثَقِفٌ لقِفٌ.
وَمَنْ قَرَأَ (تَلَقَّفُ) فمعناه: تلتَهِمُ العِصي والحِبال
التي تُخُيِّلتَْ بِسِحر السحرة أنها حيات، ولم تكن بحيات،
وتَلقَفْتَ الشيء تلقفا وتزقفته تزقفًا،
إذا أخذته في الهواء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ ... (123)
.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ءامنتم) بهمزة
مطولة على الاستفهام، ومثله في سورة طه والشعراء
ورَوَى قُنْبل عن ابن كثير (قَالَ فِرْعَونُ وامَنتُمْ) بواو
بعد النون
وألف مقصورة بعد الواو، وفي طه (آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر، وفي
الشعراء "ءامنتم " مثل أبي عمرو، قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي
"أآمنتم" بهمزتين، الثانية ممدودة، هذه رواية الأعشى عن أبي
بكر عن
عاصم، ولايذكرها يحيى ولا غيره عن أبي بكر إلا الأعشى.
وقرأ عاصم (آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر في الثلاثة المواضع،
وكذلك
روى ورش عن نافع مثل حفص، وروى هُبَيرَة عن حفص في الشعراء
بهمزتين.
(1/418)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آمَنتُم) بوزن
(عَامَنتُم) فلفظه لفظ الخبر،
ومعناه للاستفهام، إلا أنه حذف إحدى الهمزتين.
وَمَنْ قَرَأَ (أآمنتم) بوزن (أعامنتم) بهمزة مطولة فهو
استفهام، جعل إحدى الهمزتين ألفا مطولة فرارًا من الجمع بين
الهمزتين.
وَمَنْ قَرَأَ (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة
فإنه جعل الهمزة الثانية ألفا ممدودة كراهية الجمع بين
الهمزتين أيضًا.
وكل ذلك جائز.
أما ما روى لابن كثير (قال فرعون وامنتم به) فإني لا أعرفها،
ولا أحِبُّ القراءة بها؛ لأن الواو زيادة في المصحف، ولعل بعض
العرب
يتكلم بها، ويجعل الواو بدلاً من الهمز.
* * *
واجتمع القراء على نصب قوله: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ...
(127) .
واختلف النحويون في علة نصبه،
فقال الفراء: هو منصوب على الصرف ومعناه الحال.
(1/419)
وقال ابن الأنباري: كأنه قال: أتذر موسى
وقومه ليفسدوا في
الأرض في حال تركه إياك.
وقال الزجاج: نصبه ردٌّ على جواب الاستفهام بالواو.
وقال ابن اليزيدي: نصبه على العطف على قوله:
(ليفسدوا في الأرض) .
وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وَيَذَرُكَ) رفعًا (وَإلِاهَتِكَ) ،
أي
وعبادتك.
وقال الفراء: الرفع معطوف على قوله (أتذرُ) ، أتبع آخر الكلام
أوله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ ... (127) و
(يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ) .
قرأ ابن كثير (سَنَقتُل أبناءَهُم) خفيفة، و (يُقَتِّلُونَ
أَبْنَاءَكُمْ)
مشددة، وخففهما معًا نافع.
وشددهما الباقون.
* * *
وأجمعوا على كسر الراء من: (الرِّجْزَ ... (134)
واختلفوا في
الرِّجْز والرُّجْز في الدثر. وقد بُئنَ في موضعه اختلافهم.
والرِّجْز:
العذاب المقَلقِلُ.
(1/420)
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الْأَرْضَ
لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ ... (128)
روى هبيرة عن حَفْص (يُوَرِّثُهَا مَنْ يَشَاءُ) بفتح الواو،
وتشديد
الراء. والباقون على (يُورِثُهَا) .
قال أبو منصور: هما لغتان: ورَّثتُ وأورَثتُ، والأجود
يُورِثُها،
كما قال: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا
يُسْتَضْعَفُونَ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) .
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يَعْرُشُونَ) بضم الراء،
وفي النحل مثله.
وكسر الباقون في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان.
ومثله (يَعْكِفُونَ) و (يَعْكُفُونَ) ، قرأ حمزة والكساني
(يَعْكِفُونَ) بكسر الكاف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو،
وقرأ
الباقون (يَعْكُفُونَ) .
يقال: عَكَفَ على الشيء، إذا أقام عليه.
(1/421)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ... (141) .
قرأ ابن عامر وحده (أنجاكُمْ) ليس بين الجيم والألف ياء ونون.
ومعنى أنحيناكم وأنجاكم واحد؛ لأن الإنجاء لله جلَّ وعزَّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا
... (143)
قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودة، وفى الكهف مثله.
وقرأ عاصم هنا (دَكًّا) منونة، وفي الكهف بغير تنوين،
وقرأ الباقون (دَكًّا) منونة في الموضعين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دَكًّا) منونة أراد: أنها دكت
دكا، على
المصدر، وَمَنْ قَرَأَ (دكاء) فالمعنى جعلها أرضًا دكاء، على
(فَعلاء) ،
وهي المستَوِية، وجمعها دكاوات.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ...
(146) .
قرأ حمزة والكسائي (الرَّشَدِ) بفتح الراء والشين،
وقرأ البأقون (الرُّشْدِ) بضم الراء خفيفًا.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الكهف (مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا (66)
.
بفتح الراء والشين.
(1/422)
وروى أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان
بإسناده عن ابن عامر
(مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) بضم الراء والشين.
قال: وقرأت على ابن أخرم (رُشْدًا)) ساكنة الشين مثل الباقين.
قال أبو منصور: هى لغات معروفة، والرُّشْد والرَّشَد والرُّشُد
معناها
واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا ...
(148) .
قرأ حمزة والكسائي (من حِلِيِّهِمْ) بكسر الحاء والتشديد،
وقرأ الحضرمي (مِنْ حَلْيِهِمْ) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة،
وقرأ الباقون (مِنْ حُلِيِّهِمْ) بضم الحاء، مشددًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مِن حَليِهم) فهو واحد، ويجمع:
حُلِيًّا
وحِلِيَّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جُمِع على (فُعُول) .
ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرةَ التي في اللام والياء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا
وَيَغْفِرْ لَنَا ... (149) .
قرأ حمزة والكسائي (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا
وَتَغْفِرْ لَنَا) بالتاء
فيهما جميعًا، و (رَبَّنَا) نصبًا،
وقرأ الباقون بالياء، و (رَبُّنَا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (رَبَّنَا)
(1/423)
على الدعاء، يا رَبَّنَا،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو على الخبر، و (رَبُّنَا) فاعل،
على أن يقع بفعلها يرحمنا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ ... (144) .
فتَح الياء ابن كثير وأبو عمرو، وأسكنها نافع وغيره.
ولم يسكن نافع ياء إضافة يليها ألف وَصلٍ إلا في ثلاثة مواضع:
(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) ، وفي طه (أخِي اشدُد) ،
وفي الفرقان "يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ ... (146) .
أسكنها ابن عامر وحمزة، وحركها الباقون.
* * *
وقوله: (مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ ... (150) .
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقال أبو منصور: قد مَر الجواب فِي جواز هذه الياءات محركة
ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه.
* * *
(1/424)
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ ابْنَ أُمَّ ...
(150)
ها هنا وفي طه.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب
(قَالَ ابْنَ أُمَّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابْنَ أُمِّ) خفضًا.
قال أبو منصور: من فتح (ابْنَ أُمَّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا
واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر.
ومن قال: (ابْنَ أُمِّ) أضاف (ابْنَ) إلى (أُمِّ) ، وحذف ياء
الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ... (157) .
قرأ ابن عامر وحده (وَيَضَعُ عَنْهُمْ آصَارَهُم) ممدودة
الألف،
وقرأ الباقون (إِصْرَهُمْ) واحدًا.
قال أبو منصور: الإصْرُ: واحد، وجمعه آصارٌ.
ومَعني الإصر: ما شدد عليهم من العقوبات، وأصل الإصر: العهد
والميثاق.
(1/425)
ويقال للعقوية التي عوقب بها ناكِثُ
الميثاقِ: إصر؛ لأنه عوقب بها
لِنكثِهِ العهدَ، مثل إصِر وآصَار: إرْبَ وآرابَ للأعضاء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ... (161)
.
قرأ أبو عمرو (نَغْفِر لكُم) بالنون، (خطاياكم) بوزن
(قَضَاياكُم) ،
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي (نَغْفِرْ لكُم) بالنون،
(خَطِيئاتِكُم) بالهمز والجمع،
وقرأ نافع ويعقوب (تُغفَرْ لَكُمْ) بالتاء
(خَطِيئاتُكُم) بالهمز وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب
عن
أبي عمرو (تُغفَرْ لكُم) برفع التاء من (تُغفَ) ومن
(خَطِيئاتُكُم)
على الجمع، على ما لم يُسَم فاعله.
وقرأ ابن عامر (تُغْفَر لكُم) بالتاء (خطيئتُكم) موحدة مرفوعة
التاء
مهموزة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نَغْفِر لكم خطاياكم) فالله يقول
(نغفر)
كما يقوله الملك، ويقول: فعلنا.
و (خطاياكم) في موضع النصب على هذه القراءة، ولا يبين فيها
الإعراب.
وَمَنْ قَرَأَ (تُغفَر لكم خطيئاتُكم) فخطيئاتُكم مرفوعة؛
لأنها لم يُسم
فاعلها.
وكذلك مَنْ قَرَأَ (خطيئتُكم) واحدة.
(1/426)
والخطيئة والخطا: الذئبُ والإثم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ...
(164) .
قرأ عاصم في رواية حفص (مَعْذِرَةً) نصبًا، وكذلك روى حسين
الجعفي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون (مَعْذِرَةٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَعْذِرَةً) نصبًا فعَلى المصدر،
المعنى: نعتذر معذرةً،
وَمَنْ قَرَأَ (مَعْذِرَةٌ) فعلى إضمار (هي مَعْذِرَةٌ) ، أو
على معنى: موعظتنا إياهم (مَعْذِرَةٌ) .
* * *
ْوقوله جلَّ وعزَّ: (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا
يَفْسُقُونَ (165)
قرأ نافع (بِعَذَابٍ بِيسٍ) بكسر الباء بغير همز، وروى خارجه
عن نافع (بَيْسٍ) بفتح الباء وسكون الياء بغير همز،
وروى أبو قرة عن نافع (بَئِيسٍ) مفتوحة الباء مكسورة الهمزة،
وقرأ ابن عامر (بَئْسٍ) بكسر الباء وهمزة ساكنة،
وقرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر (بَيْأَسٍ) بفتح الباء
وسكون الياء وهمزة مفتوحة، بوزن (فَيعَل) ، وليس عند يحيى بن
آدم عن أبي بكر عن عاصم في هذا شيء.
(1/427)
ورُوِيت عن الأعمَش هكذا،
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم (بَئِيسٍ) على (فَعيل) بفتح البا
ءوكسر الهمزة.
قالَ أبو منصور: من قرأ (بَيْسٍ) على (فَعْلٍ) فالأصل (بئس)
فخففت همزتها، وَمَنْ قَرَأَ (بَئِسٍ) على (فَعِل) فهو من
بَئِسَ يَبأسُ فهو
بَئِس، ومن قرأ (بَيْأَسٍ) فهو من (فَيعَل) من بَئِسَ يَبأُسُ،
كما يقال:
عطل، من عَطِل يَعْطَل،
وَمَنْ قَرَأَ (بَئِيسٍ) فهو على (فَعِيل)
ومعناه: الشديد، يقال: بَؤُسَ يَبؤُسُ فهو بَئِيس، إذا اشتد
وشَجُعَ.
وبَئِس يَبأُس، إذا افتقر، فهو بَئِيسٍ وبَيَسٍ أيضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ...
(170) .
قرأ عاصم فِي رواية أبي بكر (يُمْسِكُونَ) ساكنة الميم خفيفة،
وقرأ الباقون (يُمَسِّكُونَ) مشددة.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الممتحمة (وَلَا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ) مشددة، وخففها الباقون.
(1/428)
قال أبو منصور: يقال: أمسكت بالشيء،
ومَسَّكتُ به، وتمسكت به،
وامتَسَكت واستمسكت بمعنى واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... (172)
.
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّاتِهِمْ)
جماعة.
وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) واحدة.
قال أبو منصور: المعنى واحد في الذرية والذُريات، وقد بَينتُ
تفسيره واشتقاقهُ في التفسير.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...
(172)
قرأ أبو عمرو وحده (أن يَقُولوا) و (أَو يَقُولوا (173)
بالياء معًا،
وقرأ الباقون بالتاء معًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطبة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فعلى الغيبة،
وقيل في تفسير (أن تقولوا) قولان:
أحدهما: لِأن لا تقولوا.
والثاني: كراهة أن تقولوا، وكذلك مَنْ قَرَأَ بالياء.
(1/429)
وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ
... (180)
في الأعراف والنحل والسجدة (فصلت) .
قرأها حمزة (يَلْحَدُونَ) بفتح الياء ثلاثتهن،
وقرأ الكسائي في النحل (الذين يَلْحَدُونَ) بفتح الياء،
وقرأ هُنا وفي السجدة (يُلْحِدُونَ) بضم الياء،
وقرأ الباقون بضم الياء في كلهن (يُلْحِدُونَ) .
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (يَلحَدُونَ) أراد: يميلون،
ومَنْ قَرَأَ (يُلْحِدُونَ)
فمعناه: يعترضون، ومنه قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحَادٍ) أي: باعتراضٍ.
وروى أبو عبيد عن الأحمر: لحَدْتُ: جُرْت ومِلتُ.
وألحَدْت: مارَيتُ وجادَلتُ.
قال أبو منصور: وأصل اللحد والإلحاد: الجَوْر عن القصد.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: الملحدُ:
العادل
عن الحق المدخل فيه ما ليس منه، يقال: ألحد في الدين، ولحَدَ
عن الحق،
إذا مال وعَدَل، واللحد: الشق في جانب القبر، مأخوذ منه، وقد
ألحدت
للميت لَحْدًا ولحدت بمعناه.
(1/430)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَذَرُهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
قرأ أبن كثير ونافع وابن عامر (ونَذَرُهُمْ) بالنون والرفع،
وقرأ حمزة والكسائي (وَيَذَرْهُمْ) بالياء والجزم، وكذلك روى
هُبَيرة عن حفص عن عاصم،
وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب (وَيَذَرُهُمْ) بالياء والرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (وَيَذَرْهُمْ) بالياء والجزم عطفه على
محل
الفاء في قوله (فَلَا هَادِيَ لَهُ) والفاء فيه جواب الجزاء،
المعنى: من يضللَ الله يَذَرول في طغيانه عَامِهًا، أي:
متحيرا.
وَمَنْ قَرَأَ (وَيَذَرْهُمْ) بالرفع فهو استئناف.
وأما مَنْ قَرَأَ (ونَذَرُهُمْ) بالنون فالنون لا يجوز فيه غير
الرفع، يقول
الله جلَّ وعزَّ: ونَذَرُهم نحن، مستأنفًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ ... (190) .
قرأ نافع وأبوكر عن عاصم (شِرْكًا) بكسر الشين على المصدر،
وقرأ الباقون (شُرَكَاءَ) .
قال أبو منصور: ويكون الشرك بمعنى الشريك، والشركاء جمع
شريك، مثل: خَلِيط وخُلطاء، وجمع الشرك أشراك، قال لبيد:
(1/431)
تطير عَدائِدُ الأشراكِ شَفْعاً ...
ووِتْراً والزَّعامةُ للغلام
يريد: عدائد الشركاء، والعدائد: ما عُدَّ من أنصباء الشركاء في
الميراث.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَتَّبِعُوكُمْ ... (193)
قرأ نافع وحده (لَا يَتَبَعُوكُمْ) بجزم التاء والتخفيف،
وقرأ الباقون بفتح التاء والتشديد.
قال أبو منصور: هما لغتان: تَبِعتُه وأتْبَعْتُه وأُتْبِعُهُ
بمعنى واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ ... (196)
روى عباس عن أبي عمرو (إِنَّ وَلِيِّ اللَّهُ) غير مثقل. (1)
وقال زيد عن أبي عمرو (إِنَّ وَلِيَّ اللَّهُ) مدغمة.
وقرأ الباقون (وَلِيِّيَ) بإظهار الياءين مع التشديد، وهي ثلاث
ياءات:
الأولى: ياء (فَعيل) ، والثانية: لام الفعل،
والثالثة ياء الاسم المضمر المضاف إليه.
__________
(1) قال السمين:
قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله} : العامة على تشديد «وليي»
مضافاً لياء المتكلم المفتوحة وهي قراءة واضحة. أضاف الوليّ
إلى نفسه.
وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه: «إن وليَّ» بياء واحدة مشددة
مفتوحة، وفيها تخريجان أحدهما: قال أبو علي: «إن ياء فعيل
مدغمةٌ في ياء المتكلم، وإن الياء التي هي لام الكلمة محذوفةٌ،
ومنع من العكس. والثاني: أن يكون» وليَّ «اسمها وهو اسمٌ نكرةٌ
غيرُ مضاف لياء المتكلم والأصل: إن ولياً الله، فولياً اسمُها
واللهُ خبرها، ثم حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله:
2363 فالفيته غيرَ مُسْتَعْتِبٍ ... ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا
وكقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدُ الله الصمد} [الصمد:
1-2] . ولم يبق إلا الإِخبارُ عن نكرةٍ بمعرفة وهو واردٌ، قال
الشاعر:
2364 وإنَّ حراماً أن أَسُبَّ مجاشعاً ... بآبائي الشمِّ
الكرام الخضارم
وقرأ الجحدري في رواية:» إن وليِّ الله «بكسر الياء مشددة،
وأصلُها أنه سَكَّن ياء المتكلم فالتقت مع لام التعريف، فحذفت
لالتقاء الساكنين وبقيت الكسرة تدلُّ عليها نحو: إنَّ غلامِ
الرجلُ. وقرأه في رواية أخرى:» إن وليَّ الله «بياء مشددة
والجلالة بالجر، نقلها عنه أبو عمرو الداني، أضاف الوليّ إلى
الجلالة. وذكر الأخفش وأبو حاتم هذه القراءة عنه، ولم يذكرا
نصب الياء. وخرَّجها الناس على ثلاثة أوجه، الأول قولُ الأخفش
وهو أن يكون وليّ الله اسمها، والذي نزَّل الكتاب خبرها،
والمراد بالذي نزَّل الكتاب جبريل، يدلُّ عليه قولُه تعالى
{نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193] {قُلْ نَزَّلَهُ
رُوحُ القدس} [النحل: 102] إلا أن الأخفش قال في قوله» وهو
يتولى الصالحين «هو مِنْ صفة الله قطعاً لا من صفة جبريل، وفي
تَحَتُّم ذلك نظرٌ. والثاني: أن يكون الموصوف بتنزيل الكتاب هو
الله تعالى، والمراد بالموصول النبي صلى الله عليه وسلم ويكون
ثَمَّ عائدٌ محذوف لفهم المعنى، والتقدير: إنَّ وليَّ الله
النبيُّ الذي نَزَّل الله الكتاب عليه، فحذف» عليه «وإن لم يكن
مشتملاً على شروط الحذف لكنه قد جاء قليلاً كقوله: /
2365 وإن لساني شُهْدةٌ يُشْتفى بها ... وهُوَّ على مَنْ
صَبَّه الله عَلْقَمُ
أي: صَبَّه الله عليه. وقال آخر:
2366 فأصبح من أسماء قيسٍ كقابضٍ ... على الماء لا يدري بما هو
قابضُ
أي: بما هو قابض عليه. وقال آخر:
2367 لعلَّ الذي أَصْعَدْتِني أن يَرُدَّني ... إلى الأرض إن
لم يَقْدِرِ الخيرَ قادرُهْ
أي: أَصْعَدْتني به. وقال آخر:
2368 ومِنْ حَسَدٍ يجورُ عليَّ قومي ... وأيُّ الدهر ذو لم
يحسُدوني
وقال آخر:
2369 فقلت لها لا والذي حَجَّ حاتمٌ ... أخونُكِ عهداً إنني
غيرُ خَوَّانِ
أي: حجَّ إليه. وقال آخر:
2370 فَأَبْلِغَنَّ خالدَ بنَ عَضْلَةٍ ... والمَرْءُ
مَعْنِيٌّ بلومِ مَنْ يثقْ
أي: يثق به، وإذا ثَبَتَ أن الضميرَ يُحْذف في مثل هذه الأماكن
وإن لم يكمل شرطُ الحذف فلهذه القراءة في التخريج المذكور أسوة
بها. والثالث: أن يكون الخبر محذوفاً تقديره: إن وليَّ الله
الصالحُ أو مَنْ هو صالح، وحُذف لدلالة قوله» وهو يتولَّى
الصالحين «وكقوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} [أي:
معذَّبون، وكقوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ}
[الحج: 25] . اهـ (الدر المصون)
(1/432)
وأما ما روي من الإدغام لأبى عمرو فلا موضع
للإدغام ها هنا؛ لأن الإدغام فيه يجمع بين ساكنين، لكن أبا
عمرو لما رأى توالي الياءات
اختلس لفظ بعضها اختلاسًا خفيًا بِلطافته على ما هو معهود عنده
من
لطافة ألسِنة العرب.
فلا يطوع لسان الحضري لما يطوع له لسان البدوي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ ... (201) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (طئفَ " بغير ألف،
وقرأ الباقون (طَائِفٌ) بالألف.
قال أبو منصور: المعنى فِي الطيف والطائف واحد.
والطيف في كلام العرب له معنيان:
أحدهما: الجنون، ومنه قول للهذلي:
. . . . . . . . . . . . . فَإذا بِهَا وَأبِيْكَ طَيفُ
جُنُونِ.
وقد جعله بعض المفسرين في هذا الموضع جنونا؛ لأن الغضب
الشديد يعتريه شيء من الجنون،
المعني: إذا مَسهم غضب يُخَيَّلُ إلى مَنْ
(1/433)
رآه فِي تلك الحالة بعد ما كان رآه ساكنا
أنه مجنون.
والطيف في غير هذا: الخيال الذي تراه في منامك، يقال: طاف
الخيال يَطِيفُ طيفًا، وطاف الرجل بالبيت يطوت طوافًا.
ومن قرأ (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ) أراد به: تغيرُ حالة
الغضبان إذا ثارَ
ثائرُهُ، فكأنما طاف به شيطان استَخَفهُ حتى تهافت فيما يتهافت
فيه
المجنون، من سفك الدم الحرام، والتقَحُّم على الأمور العظام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي
الْغَيِّ ... (202) .
قرأ نافع وحده (يُمُدُّونَهُمْ) بضم الياء، مِن أمدَدتُ
أُمِدُّ،
وقرأ الباقون (يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ) مِن مَدَّ
يَمُدُّ.
وقال أبو منصور: القراءة الجيدة (يَمُدُّونَهُمْ) بفتح الياء
كما قال الله جلَّ وعزَّ: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) .
وأما الإمداد فأكثر ما يستعمل في الإمداد بالمال، كما قال الله
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ
وَبَنِينَ) ،
والإمداد يكون بحرف الصلة، كقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) قصد مَدَ ماء هذا
(1/434)
النهَرِ نَهر آخر يُمِدَه.
وقال: سَيلَ آت مَد أتيٌّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ... (204) .
قرأ ابن كثير وحده (وَإِذَا قُرِئَ) بالهمز،
(الْقُرَانُ) غير مهموز، ويهمز قرأت.
قال أبو منصور: وروي عن أبي عمرو أنه كان لا يهمز (القُرَان) .
ولا يجعله من (قرأت) ، وأهله مكة لا يهمزون (القُرآن) وأثبِتَ
لنا
عن الشافعي أنه كان لا يهمز (القُرَان) ، ويرويه عن ابن كثير.
وسائر القراء يهمزون (القرآن) يقال: قرأت القرآن قرآنًا.
* * *
(1/435)
|