معاني القراءات للأزهري

سورة الْأَنْفَالِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) .
قرأ نافع ويعقوب (مُرْدَفِينَ) بفتح الدال، وكذلك روى المعلى
ابن منصور عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ الباقون بكسر
الدال.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُرْدِفِينَ) بكسر الدال فهو بمعنى: رادفِين،
يقال: ردفتُ فلانًا أرْدفُه، وأرْدَفتُه أرْدِفُه بمعنى واحد، ومنه قول الشاعر:
إذا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظنَنْتُ بآل فاطمةَ الظُّنونا
وقال بعضهم: أرْدَفت فلانا: جئت بعده.
فمعنى (مُرْدِفِينَ) على هذا القول: يأتون فرقة بعد فِرقة.
ومن قرأَ (مُرْدَفِينَ) فمعناه: مُتبَعين، ويقال: رَدَفتُ الراكبَ، إذا
ركبتَ خلفه.
وأرْدَفتُه، إذا جعلتَهُ خلفك رَديِفًا.

(1/436)


وقال الفراء: معنى (مُرْدِفِينَ) : مسَوِّمِين. ومعنى (مُرْدَفِينَ) : فُعِلَ
بهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ ... (11) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إِذْ يُغْشَاكُمُ النُّعَاسُ) بفتح الياء والشين
(النُّعَاسُ) رفعًا.
وقرأ نافع (يُغْشِيكُمُ) بضم الياء وكسر الشين
خفيفة، (النُّعَاسَ) نصبًا.
وقرأ الباقون: (يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ) مشددًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَغشَاكم النعاسُ) فهو من غَشِيَ يَغشَى،
و (النعاسُ) رفعًا، لأن الفعل له،
وَمَنْ قَرَأَ (يُغْشِيكُمُ) أو (يُغَشِّيكُمُ)
فألمعنى واحد، والفعل لله هو الذي أغشاهم النعاسَ،
ونصب (النعاسَ) لأنه مفعول ثانٍ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) .

(1/437)


قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (مُوَهِّنٌ) بفتح الواو والتنوين
والتشديد، (كَيْدَ) نصبًا.
وقرأ حفص (مُوهِنُ كَيْدِ) ساكنة الواو بغير تنوين، (كَيْدَ) مضاف إليه.
وقرأ الباقون (مُوهِنٌ) منونة، (كَيْدَ) نصبًا.
قال أبو منصور: (مُوهِنُ) و (مُوَهِّنٌ) بمعنى واحد، ومن نصب
(كَيْدَ) فلأنه مفعول به، ومن خفضه فلأنه مضاف إليه، ويقال: وَهَّنتُ
الشيء وأوهَنْتُه، إذا فَعَلتَه واهنًا ضعيفًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) .
قرأ نافع وابن عامر وحفص (وَأَنَّ اللَّهَ) ،
وقرأ الباقون (وَإِنَّ اللَّهَ) بكسر الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَنَّ اللَّهَ) بالفتح فالمعنى: ولن تُغنِي
عنكم فِئَتُكُم شيئًا لكثرتها، ولأن الله مع المؤمنين.
ومن قرأ (وَإِنَّ اللَّهَ) فهو استئناف.

(1/438)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ... (35) .
حكى سفيان الثوري عن عاصم، وهاون عن حسين عن
أبي بكر عن عاصم (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) نصبًا، (إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ) بالرفع. وقرأ الباقون (صَلَاتُهُمْ) رفعًا، (إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) نصبًا.
(إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ) رفعًا لأنهم نصبوه على أنه خبر (كان) ، والاسم مؤخرَ،
وهو قوله (إِلَّا مُكَاءً) .
وَمَنْ قَرَأَ (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) رفعًا، (إِلَّا مُكَاءً) نصبًا جعل
(صلاتُهم) اسمًا لـ (كان) ، و (مكاءً) الخبر، وهذا هو وجه الكلام، وعليه
أكثر القراء.
قال الثوري: قال لي الأعمش لما أعلمتُه قراءة عاصم: إِنْ لحَنَ
عاصم تَلحَنُ أنت؟ .
قال أبو منصور: وليس بِلحنٍ، وكان عاصم فصيحًا، وكان
كثيرًا يقرأ الحرف على وجهين، ولا يقرأ إلا بما سمع، ووجهه في العربية
صحيح.
* * *

(1/439)


وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ... (42) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (بِالْعِدْوَةِ) بكسر العين،
وقرأ الباقون بضم العين.
قال أبو منصور: هما لغتان: عُدْوَةِ الوادي وعِدْوَته: جانبُهُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ... (42) .
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ونافع والكسائي رواية نصير
ويعقوب (وَيَحْيَى مَنْ حَيِيَ) بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة.
وقرأ الباقون بياء مدغمة.
قال أبو منصور: من قرأ (حَيَّ) بالإدغام فالأصل (حَيِيَ) فأدغم
إحدى الياءين في الأخرى.
ومن أظهرهما فهو أتم وأفصح.
وكان الخليل

(1/440)


وسيبويه يجيزان الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني
لازمة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ... (50) .
قرأ ابن عامر وحده (إذ تَتَوفى) بتاءين،
وقرأ الباقون (يَتَوَفى) بياء وتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تتوفى) فلتأنيث الجماعة،
ومن قرأ (يتوفى) فلتقديم فِعْل الجمع، وكل ذلك جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (59) .
قرأ ابن عامر وحفص وحمزة (وَلَا يَحْسَبَنَّ) بالياء ها هنا، وكذلك في
النور، إلا حفصًا فإنه قرأ في النور بالتاء مثل أبي بكر.
وقرأ الباقون (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بالتاء.

(1/441)


قال أبو منصور: من قرأ (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بالتاء فهو خطاب للنبي صلى
الله عليه، ويكون (تَحْسَبَنَّ) عاملا في (الذين) وفي (سبقوا) ،
المعنى: ولا تحسبن من أفلت من هذه الواقعة قد سبق، ومعنى سبق: فاتَ الموتَ، كأنه قال: لا تحسبن الذين كفروا سابقين الموتَ، أي: فائتِين.
وأما مَنْ قَرَأَ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) بالياء فوجهه ضعيف
عند أهل العربية، وهو مع ضعفه جائز على أن يكون المعنى
ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وقد روي لابن مسعود أنه قرأ
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالياء، وهذه القراءة تؤيد هذه القراءة، والله أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) .
قرأ ابن عامر وحده (أَنَّهُمْ) بفتح الألف، وكسرها الباقون.
قال أبو منصور: القراءة بالكسر على الاستئناف،
ومن فتح (أَنَّهُمْ) فالمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا؛ لأنهم لا يعجزون. والنون مفتوحة من (يُعْجِزُونَ) .

(1/442)


وقوله جلَّ وعزَّ: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ... (60) .
قرأ يعقوب (تُرَهِّبُونَ) بفتح الراء وتشديد الهاء،
وقرأ الباقون (تُرْهِبُونَ) بسكون الراء.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (تُرَهِّبُونَ) و (تُرْهِبُونَ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ... (48) .
اتفق القراء على (تَرَاءَتِ) ، أيَ: التَقتا، يقال:تَرَاءَتِ القوم تَرائيًا،
إذا تلاقوا في الحرب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ... (65) .
(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ ... (66)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (وإن تكن منكم. . . فإن تكن
منكم) بالتاء فيهما.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب (فإن تَكن منكم) بالتاء، والأولى بالياء.
وقرأ الباقون بالياء فيهما جميعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث المائة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم فعل جمع المائة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِئَاءَ النَّاسِ ... (47) .

(1/443)


روى الأعشى عن أبي بكر (وَرِيَاءَ النَّاسِ) غير مهموز،
وسائر القراء همزوا ومَدُّوا.
قال أبو منصور: القراءة بالهمزة؛ لأنه مصدر (رائَى) بوزن (راعَى)
يُرائِي بوزن يُراعِي، (رئاء) بوزن (رعاء) ، ومن لم يهمز قلب الهمزة ياء.
* * *
ْوقوله جلَّ وعزَّ: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ... (66)
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) .
قرأ حمزة وعاصم (ضَغفًا) ، (مِن ضَعْفِ) بفتح الضاد.
وقرأ حفص بفتح الضاد في قوله (ضَعْفًا) ، واختار ضم الضاد في قوله
(من ضُعْفٍ) ، وكذلك في قوله: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا) .
وقرأ الباقون بضم الضاد في هذا كله.
قال أبو منصور: الضَّعْف والضُّعْف لغتان، ورُويَ عن النبي صلى
الله عليه أنه قرأ (من ضُعْفٍ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ... (67) .

(1/444)


أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
قرأ أبو عمرو والحضرمي (أن تكون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
* * *
وقرأ أبو عمرو وحده: (لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأُسَارَى ... (70)
بالألف، وقرأ الباقون (مِنَ الْأَسْرَى) بغير ألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَسْرَى) فهو جمع أسِير، كما يقال: جَرِيح
وجَرحَى، وضَعِيف وضَعْفَى،
وَمَنْ قَرَأَ (أُسَارَى) فهِي جمع الجمع، يقال:
أُسِير وأسْرى ثم أسَارَى جمع الجمع.
وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قال يقال لهم (أسَارَى) إذا
شُدُّوا بالقِدِّ، وأما الأسْرى فهم الذين أخِذُوا ولم يُشَدُّوا بِقِدٍّ، والله
أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... (72) .
قرأ حمزة وحده (مِنْ وِلَايَتِهِمْ) بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتح
الواو.

(1/445)


ووافق الكسائي حمزة على كسر الواو من قوله: (هُنَالِكَ الْوِلَايَةُ لِلَّهِ) .
قال أبو منصور: من فتح الواو فقال (الْوَلَايَةُ) فهو من وَلاية
النصرة، مصدر الولي.
ومن كسر الواو فهي مصدر الوالي؛ لأن ولاَية الوالي كالصناعة، كما يقال: الإمَارة، والعِرافة، والنكاية والنقَابة له،
ومِن العرب من يجيز الوِلاية بالكسر في التناصر؛ لأن في تولى القوم
بعضُهم بعضا ضَربًا من الصناعة. والله أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ... (48)
حَرَّك ياء (إِنِّيَ) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون،
وكذلك قرأوا (إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ) .
* * *

(1/446)