معاني القراءات للأزهري
11 - سورة هود
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا
الله 25 و26
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي أني لكم نذير بفتح الألف
المعنى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بالإنذار أن لا تعبدوا إلا
الله أي أرسلنا بهذا الأمر
وقرأ الباقون بالكسر المعنى قال لهم إني لكم نذير وحجتهم قوله
قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله لما أظهر القول
ها هنا كان إضماره هناك أولى لأن القصة واحدة ومانراك اتبعك
إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي 27
قرأ أبو عمرو بادئ الرأي بالهمز أي ابتداء الرأي أي اتبعوك
ابتداء الرأي ولم يتدبروا ما قلت ولم يفكروا فيه ولو تفكروا
وتدبروا لم يتبعوك
وقرأ الباقون بادي بغير همز من بدا يبدو إذا ظهر ويكون التفسير
على نوعين في هذه القراءة أحدهما أن يكون اتبعوك في الظاهر
وباطنهم على خلاف ذلك أي أنهم أظهروا الإسلام وابطنوا الكفر
ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الراي ولم يتدبروا ما قلت ولم
يفكروا فيه
قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده
فعميت عليكم 28
قرأ حمزة والكسائي وحفص فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم أي
أخفيت كما يقال عميت عليه الأمر حتى لا يبصره وحجتهم في حرف
عبد الله فعماها عليكم وقيل إن في مصحف أبي فعماها عليكم فبان
بما في حرف مصحف أبي أن الفعل مسند إلى الله وأنه هو الذي
عماها فردت في قراءتنا إلى ما لم يسم فاعله والمعنى واحد
والعرب تقول عمي على الخبر وهي مع ذلك ليس الفعل لها في
الحقيقة وإنا استجازوها على مجاز كلام العرب فإذا ضممت العين
كانت مفعولا بها غير مسمى فاعلها فاستوى حينئذ الكلام فلم يحتج
إلى مجاز كلام العرب وترك المجاز إذا أمكن تركه أحسن وأولى
وأخرى وهي أن ذلك أتى عقيب قوله وآتاني رحمة من عنده وذلك خبر
من نوح أن الله تعالى خصه بالرحمة التي
آتاها إياه فكذلك قوله فعميت خبر عن الله أنه هو الذي خذل من
كفر به
قرأ أهل الحجاز والشام والبصرة وأبو بكر فعميت بفتح العين
وتخفيف الميم أي فعميت البينة عليكم وحجتهم أن التي في القصص
لم يختلف فيها مفتوحة العين قال الله تعالى فعميت عليهم
الأنباء فهذه مثلها فكما يقال خفي علينا الخبر يقال عمي علي
الأمر وهذا مما حولت العرب الفعل إليه وهو لغيره كقولهم دخل
الخاتم في إصبعي والخف في رجلي ولا شك أن الرجل هي التي تدخل
في الخف والإصبع في الخاتم
قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين 40
قرأ حفص عن عاصم من كل زوجين منونا أراد من كل شيء فحذف كما
حذف من قوله ولكل وجهة أي ولكل صاحب ملة قبلة هو موليها لأن
كلا وبعضا يقتضيان مضافا إليهما قوله زوجين على هذه القراءة
مفعول به واثنين وصف له وتقدير الكلام قلنا احمل فيها زوجين
اثنين من كل شيء أي من كل جنس ومن كل الحيوان
وقرأ الباقون من كل زوجين مضافا واثنين نصب على أنه مفعول به
المعنى فاحمل اثنين من كل زوج
بسم الله مجرها ومرسها 41
قرأ حمزة والكسائي وحفص باسم الله مجرها بفتح الميم وكسر الراء
من جرت السفينة جريا ومجرى وقالوا إن معنى ذلك بسم الله حين
تجري وحجتهم قوله بعدها وهي تجري بهم في موج كالجبال 42 ولم
يقل وهي تجري فهذا أول دليل على صحة معنى مجراها بفتح الميم
وإسناد إلى السفينة في اللفظ والمعنى
وقرأ الباقون مجراها ومرساها بضم الميمين أي بالله إجراؤها
وبالله إرساؤها يقال أجريته مجرى وإجراء في معنى واحد وهما
مصدران وحجتهم إجماع الجميع على ضم الميم في مرساها فرد ما
اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
يا بني اركب معنا 42
قرأ عاصم يا بني اركب بفتح الياء وقرأ الباقون بالكسر
قال الزجاج كسرها من وجهين أحدهما أن الأصل يا بنيي والياء
تحذف في النداء أعني ياء الإضافة وتبقى الكسرة تدل عليها ويجوز
أن تحذف الياء لسكونها وسكون الراء من قوله اركب وتقر في
الكتاب على ما هي في اللفظ والفتح من جهتين الأصل يا بنيا
بالألف فتبدل الألف من ياء الإضافة العرب تقول يا غلاما أقبل
ثم تحذف الألف لسكونها وسكون الراء وتقر في الكتاب على ما هي
في اللفظ ويجوز أن أن تحذف الألف للنداء كا تحذف ياء الإضافة
وإنما حذفت ياء الإضافة وألف الإضافة في النداء
كما تحذف التنوين لأن ياء الإضافة زيادة في الاسم كما أن
التنوين زيادة
إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم
46
قرأ الكسائي إنه عمل غير صالح بنصب اللام والراء وحجته حديث أم
سلمة قالت قلت يا رسول الله كيف أقرأ عمل غير صالح أو عمل غير
صالح فقال عمل غير صالح بالنصب فالهاء في هذه القراءة عائدة
على ابن نوح لأنه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه
وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة فاحتج لذلك بأن العرب لا
تقول عمل غير حسن حتى تقول عمل عملا غير حسن وقد ذهب عنه وجه
الصواب فيما حكاه لأن القرآن نزل بخلاف قوله قال الله تعالى
ومن تاب وعمل صالحا معناه ومن تاب وعمل عملا صالحا وقال
واعملوا صالحا ولم يقل عملا وقال في موضع آخر إلا من تاب وآمن
وعمل عملا صالحا وقال ويتبع غير سبيل المؤمنين ولم يقل سبيلا
غير سبيل المؤمنين فكذلك قوله إنه عمل غير صالح معناه إنه عمل
عملا غير صالح
وقرأ الباقون إنه عمل غير صالح بفتح الميم وضم اللام والراء
وحجتهم ما روي في التفسير جاء في قوله إنه عمل غير صالح
أي إن سؤالك إياي أن أنجي كافرا عمل غير صالح لأن نوحا قال رب
إن ابني من أهلي 45 فقال الله تعالى إنه ليس من أهلك الذين
وعدتك أن أنجيهم إن سؤالك إياي عمل غير صالح وقيل ليس من أهلك
أي من أهل دينك فالهاء في قراءتهم كناية عن السؤال ولم يجر له
ذكر ظاهر وذلك جائز فيا قد عرف موضعه أن يكني عنه أو جرى ما
يدل عليه كقوله جل وعز ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله
من فضله هو خيرا فكنى عن البخل لأنه ذكر الذين يبخلون اكتفاء
به من ذكر البخل وكنى عنه وقال حتى توارت بالحجاب يعني الشمس
وهذه أعلام لا يجهل موضعها قال الشاعر ... إذا نهي السفيه جرى
إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف ...
فقال جري إليه ولم يجر ذكر السفه ولكن لما ذكر السفيه دل على
السفه
والسؤال في قصة نوح لم يجر له ذكر ولكنه لما ذكر إن ابني من
أهلي دل على السؤال
وقال آخرون منهم الزجاج الهاء كناية عن ابن نوح أي
إنه ذو عمل غير صالح كما قال الشاعر ... ترتع ما رتعت حتى إذا
ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار ...
أي ذات إقبال وإدبار
قرأ ابن كثير فلا تسألن بفتح النون مع التشديد الأصل فلا تسأل
جزما على النهي ثم دخلت نون التوكيد ففتحت اللام لالتقاء
الساكنين كما تقول لا تضربن ولا تشتمن أحدا الأصل لا تضرب ثم
دخلت نون التوكيد فبني الكلام على الفتح لاجتماع الساكنين
قرأ أهل المدينة فلا تسألني بتشديد النون وإثبات الياء في
الوصل الأصل فلا تسألنني فاجتمعت ثلاث نونات مثل ما اجتمعت في
إنني وكأنني ثم حذفوا النون التي زيدت مع الياء فقيل إني وكذلك
حذفت النون في قوله فلا تسألني
وقرأ قالون عن نافع وابن عامر فلا تسألن مكسورة النون مشددة من
غير ياء الأصل كما ذكرنا إلا أنهم حذلوا الياء لأن الكسرة تدل
على الياء
وقرأ أبو عمرو فلا تسألني بتخفيف النون وسكون اللام مثبتة
الياء في الوصل النون مع الياء اسم المتكلم في موضع نصب والنون
إنما دخلت ليسلم سكون اللام قال عباس سألت أبا عمرو فقلت وقرأ
بعض القراء فلا تسألن بفتح النون وأنا أقرأ فلا تسألني لقول
الله تعالى رب إني أعوذ بك أن أسألك 47 قال أن أسألك يدل على
أنه نهاه أن يسأله
وقرأ أهل الكوفة فلا تسألن خفيفة النون محذولة الياء وإنما
حذفوا الياء اختصارا لأن الكسرة تدل على الياء
ومن خزي يومئذ 66
قرأ نافع والكسائي ومن خزي يومئذ بفتح الميم جعلا يوم وإذ
بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا كقولك خمسة عشرة وقيل إنما فتح
لأن الإضافة لا تصح إلى الحروف ولا إلى الأفعال فلما كانت
إضافة يوم إلى إذ غير محضة فتح وبني
وقرأ الباقون ومن خزي يومئذ بكسر الميم أجروا الإضافة إلى يوم
مجراها إلى سائر الأسماء فكسروا اليوم على الإضافة كما يكسر
المضاف إليه من سائر الأسماء وعلامة الإضافة سقوط التنوين من
خزي
ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود 68
قرأ حمزة وحفص ألا إن ثمود كفروا ربهم بغير تنوين
وكذلك في الفرقان والعنكبوت والنجم ودخل معهما أبو بكر في
النجم وقرأ الباقون بالتنوين
فمن ترك التنوين جعله اسما لقبيلة فاجتمعت علتان التعريف
والتأنيث فامتنع من الصرف ومن نون جعله اسما مذكرا لحي أو رئيس
وحجتهم في ذلك المصحف لأنهن مكتوبات في المصحف بالألف وزاد
الكسائي عليهم حرفا خامسا وهو قوله ألا بعدا لثمود منونا وقال
إنما أجريت الثاني لقربه من الأول لأنه استقبح أن ينون اسما
واحدا ويدع التنوين في آية واحدة ويخالف بين اللفظين وقد جود
الكسائي فيما قال لأن أبا عمرو سئل لم شددت قوله تعالى قل إن
الله قادر أن ينزل آية وأنت تخفف ينزل في كل القرآن فقال لقربه
من قوله قالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على
أن ينزل آية
فإن سأل سائل فقال قوله وآتينا ثمود الناقة من موضع نصب فهلا
نون كما نون سائر المنصوبات الجواب أن هذا الحرف كتب في المصحف
بغير ألف والاسم المنون إذا استقبله ألف ولام جاز ترك التنوين
كقوله قل هل هو الله أحد الله الصمد
قالوا سلما قال سلم 69
قرأ حمزة والكسائي قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وفي
الذاريات مثله جعلاه من السلم وهو الصلح أي أمري سلم لست مريدا
غير السلامة والصلح قال الفراء المعنى نحن سلم لأن التسليم لا
يكون من عدو وكأن الفراء ذهب إلى أن الملائكة لما سلموا عليه
كان ذلك دليلا على براءتهم مما وقع في نفسه من أنهم عدو فقال
لهم حينئذ نحن متسالمون آمنون إذ سلمتم علينا ويكون معنى قوله
في الذاريات قوم منكرون أي غير معروفين في بلدنا وإن التسليم
منكم منكر لأنه لا يعهده إلا ممن هو على دينه ولم يتقرر عنده
أنهم منهم قالوا والدليل على أن الثاني بخلاف معنى الأول أن
إعرابهما مختلف فلو كانت الثانية مخرجها مخرج الأولى نصبت كما
نصبت الأولى وقال قوم يجوز أن يكون معنى قوله سلم في معنى سلام
كما قالوا حل وحلال وحرم وحرام قالوا والدليل على صحة ذلك أن
التفسير ورد بأنهم سلموا عليه فرد عليهم
وقرأ الباقون قال سلام جعلوه من التسليم وحجتهم في ذلك أنه
مجمعون على الأول أنه بألف وهو تسليم الملائكة فردوا ما
اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه الأول نصب على المصدر على معنى
سلمنا سلاما والثاني رفع على إضمار عليكم سلام ومن قرأ سلم أي
أمري سلم
فبشرناه بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب 71
قرأ حمزة وابن عامر وحفص ومن وراء إسحاق يعقوب بالنصب وقرأ
الباقون بالرفع
قال الزجاج فأما من قرأ ومن وراء إسحاق يعقوب في موضع نصب
فمحمول على المعنى المعنى وهبنا لها إسحاق ووهبنا لها يعقوب
ومن قرأ يعقوب فرفعه على ضربين أحدهما ابتداء مؤخر معناه
التقديم والمعنى ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق ويجوز أن يكون
مرفوعا بالفعل الذي يعمل في قوله من وراء كأنه قال ويثبت لها
من وراء إسحاق يعقوب
فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك 81
قرأ نافع وابن كثير فاسر بأهلك بوصل الألف في كل القرآن من سرى
يسري
وقرأ الباقون فأسر بقطع الألف وهما لغتان فصيحتان نزل بهما
القرآن قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده وقال والليل إذ
يسري يقال سريت وأسريت إذا سرت ليلا وقال آخرون منهم أبو عمرو
الشيباني يقال سرى في أول الليل وأسرى من آخره
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك بالرفع
على معنى ولا يلتفت منكم أحد إ لا امرأتك فإنها ستلتفت فقوله
امرأتك بدل من قوله أحد كقولك ما قام أحد إلا
أبوك وما رأيت أحدا إلا أخاك وكان أبو عمرو يتأول أن لوطا كان
سار بها في أهله وحجته ما روي عن ابن عباس أنه قال إنها سمعت
الوجبة فالتفتت فأصابها العذاب
وقرأ الباقون امرأتك بالنصب استثناء من الإسراء وحجتهم ما روي
عن عبد الله بن مسعود أنه قال فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا
أمرأتك فدل ذلك ان الاستثناء كان من أهله الذين أمر بالإسراء
بهم لا من أحد والمعنى في هذه القراءة أنه لم يخرج امرأته مع
أهله وفي القراءة الأخرى أنه خرج بها فالتفتت فأصابتها الحجارة
أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا 87
قرأ حمزة والكسائي وحفص أصلاتك بغير واحد وحجتهم إجماع الجميع
على التوحيد في قوله إن صلاتي ونسكي
وقرأ الباقون أصلواتك على الجمع وحجتهم أنها مكتوبة في المصحف
بواو وكذلك في سورة براءة
يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه 105
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي يوم يأتي بالياء في
الوصل وأثبتها ابن كثير في الوقف أيضا وحجتهم أنها مثبتة في
المصحف
وقرأ الباقون بحذف الياء قال الخليل إن العرب تقول لا أدر
فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة
الاستعمال والأجود في النحو إثبات الياء
وأما الذين سعدوا ففي الحنة 108
قرأ حمزة والكسائي وحفص وأما الذين سعدوا بضم السين على ما لم
يسم فاعله تقول سعد زيد لازما وسعده الله متعديا قال الكسائي
سعد واسعد لغتان ومن ذلك رجل مسعود من سعد اعلم أن سعده الله
قليل في الاستعمال ومصدره ومفعوله كثير لأن مسعودا في كلام
العرب أكثر من مسعد وأسعده الله في كلامهم أكثر من سعده الله
فقول مسعود يدل على جواز سعده الله وقراءتهم لا تكون إلا من
سعده الله فغالب الاستعمال في المفعول على الفعل الذي لا زيادة
فيه هو سعد وغالب الاستعمال في الفعل هو اللفظ الذي بزيادة
الميم وهو أسعد ومثله يقال أحب والاسم منه محب إلا أنه قل
الاسم من أحب وإنما يقولون محبوب وكثر الفعل منه فيقال أحب
وكثر الاسم من حب فيقولون محبوب وقل الفعل منه فلا يقال حب
وكذلك سعد قل الفعل منه وكثر الاسم منه وقل الاسم من أسعد فلا
يقال مسعد وكثر الفعل منه فيقال أسعد
وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام وأبو بكر وأما الذين سعدوا
بفتح السين وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال يقال ما سعد زيد حتى
أسعده الله وهذه القراءة هي المختارة عند أهل اللغة يقال
سعد فلان وأسعده الله وأخرى وهي أنهم أجمعوا على فتح الشين في
شقوا 106 ولم يقل شقوا فكان رد ما اختلفوا فيه إلى حكم ما
أجمعوا عليه أولى ولو كانت بضم السين كان الأفصح أن يقال
أسعدوا
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم 111
وقرأ أبو عمرو والكسائي وإن كلا لما بتشديد إن وتخفيف لما وجهه
بين وهو أنه نصب كلا ب إن وإن تقتضي أن تدخل على خبرها اللام
أو على اسمه إذا حل محل الخبر فدخلت هذه اللام وهي لام
الابتداء على الخبر في قوله وإن كلا لما وقد دخلت في الخبر لام
أخرى وهي لام القسم وتختص بالدخول على الفعل ويلزمها في أكثر
الأمر إحدى النونين فلما اجتمعت اللامان فصل بينهما ب ما فلام
لما لام إن وما دخلت للتوكيد ولم تغير المعنى ولا العمل واللام
التي في ليوفينهم لام القسم
وقال أهل الكوفة في ما التي في لما وجهان أحدهما أن يكون بمعنى
من أي وإن كلا لمن ليوفينهم ربك كما قال سبحانه فانكحوا ما طاب
لكم من النساء وإن أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم
والوجه الآخر أن يجعل ما التي في لما بمعنى ما التي تدخل صلة
في الكلام ويلي هذا الوجه في البيان قراءة نافع وابن كثير
فأما تخفيف إن وترك النصب على حاله فلأن إن مشبهة بالفعل فإذا
حذف التشديد بقي العمل على حاله وهي مخففة من
إن قال سيبويه حدثني من أثق به أنه سمع من العرب من يقول إن
عمرا لمنطلق
فإن سأل سائل فقال إنما نصبت ب إن تشبيها بالفعل فإذا خففت زال
شبه الفعل فلم نصبت بها
فالجواب أن من الأفعال ما يحذف منه فيعمل عمل التام كقولك لم
يك زيد منطلقا فكذلك إن جاز حذفها وإعمالها
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص كلا لما بالتشديد فيها قال الكسائي
من شدد إن ولما فالله أعلم بذلك وليس لي به علم وقال الفراء
أما الذين شددوا فإنه والله أعلم لمما ثعلب يروي بكسر الميم
لمن أراد لمن ما ليوفينهم فلما اجتمعت الميمات حذفت واحدة
فبقيت ثنتان أدغمت واحدة في الأخرى كما قال الشاعر ... وإني
لمما أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادره ...
وقال آخرون معنى ذلك وإن كلا لما بالتشديد أراد لما بالتنوين
ولكن حذف منه التنوين كما حذف من قوله أرسلنا رسلنا تترى
قال الفراء وحدثت أن الزهري قرأ وإن كلا لما بالتنوين يجعل
اللم شديدا كقوله أكلا لما أي شديدا فيكون
المعنى وإن كلا شديدا وحقا ليوفينهم أعمالهم بمنزلة قولك في
الكلام وإن كلا حقا ليوفينهم
وقال آخرون منهم المازني إن أصلها لمما ثم شددت الميمين زيادة
للتوكيد وكيلا يحذفها الإنسان ويشبهها بقوله فبما رحمة من الله
فيقول وإن كلا ليوفينهم فيجتمع لامان فلهذا شددت
قال الفراء وأما من جعل لما بمنزلة إلا فإنه وجه لا نعرفه كما
لا يحسن إن زيدا إلا منطلق فكذلك لا يحسن وإن كلا إلا ليوفينهم
شرح هذا أن إن إثبات للشيء وتحقيق له وإلا تحقيق أيضا وإيجاب
وإنما تدخل نقضا لجحد قد تقدمها كقولك ما زيد إلا منطلق وكقوله
إن كل نفس لما عليها حافظ أي ما كل نفس إلا عليها حافظ وفي
قوله تعالى وإن كلا لما لم يتقدمه حرف جحد فيقول إن لما بمعنى
إلا كما ذكرنا وإنما تقدم ها هنا إن التي للتحقيق فقد بطل قول
من قال إن لما بمعنى إلا ووجهها ما قد ذكرنا عن أهل النحو
وقرأ أبو بكر وإن كلا خفيفة لما مشددة وإن مخففة من إن وقد
ذكرنا أن العرب تقول إن عمرا لمنطلق ولا يجوز أن يجعل إن بمعنى
التي تكون بمعنى الجحد لأنها قد نصبت وإن إذا كانت بمعنى الجحد
لا تنصب
قال الكسائي من خفف إن وشدد لما لست أدري
والله أعلم بوجهه إنما نقرأ كما أقرئنا قال وذلك أن إن إذا
نصبت بها وإن كانت مخففة كانت بمنزلتها مثقلة ولما إذا شددت
كانت بمنزلة إلا قلت وجه هذه القراءة ما قد ذكرنا في قراءة
حمزة وابن عامر والله أعلم
وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما
تعملون 123
قرأ نافع وحفص وإليه يرجع الأمر بضم الياء على ما لم يسم فاعله
أي يرد الأمر كله إليه
وقرأ الباقون يرجع أي يصير الأمر إليه وحجتهم قوله ألا إلى
الله تصير الأمور ولم يقل تصار
قرأ نافع وابن عامر وحفص وما ربك بغافل عما تعملون بالتاء على
الخطاب
وقرأ الباقون بالياء أي وما ربك بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون |