معاني القراءات للأزهري سورة النَّحْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ)
روى الكسائي عن أبي بكر (تُنَزَّلُ) بتاء مضمومة، و
(الملائكةُ) رفع
ما رواه غيره.
وقرأ الباقون (يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ) بالياء، و (الملائكةَ)
نصب،
ولم يقرأ أحدٌ ما (تَنزلُ الملائكةُ) على (تَفَعَّلُ) بمعنى:
تَتَفَعَّل.
قال أبوِ منصور: مَنْ قَرَأَ (تُنَزَّلُ الملائكةُ) فهو على ما
لم يسم فاعله،
والقراءة المختارة (يُنزل الملائكةَ) أى: ينزلهم الله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُنْبتُ لَكُمْ بِه الزَّرْعَ)
رَوى يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (نُنْبِتُ لكم) بالنون.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: المعنى في النون والياء قريبان من السوَاء،
والياء أجودهما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ)
(2/75)
قرأ ابن عامر (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) بالرفع في كلهن،
وقرأ حفص (وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) ، رفْعًا، ونصب ما
قبلها.
وقرأ الباقون بالنصب فيهن أجمع -
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (والشمسَ والقمرَ والنجومَ
مسخراتٍ) عطفها على
قوله: (وسخر لكمُ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومَ)
فأوقع التسخير على جميعها، وقوله (مسخرات) التاء مكسورة، وهى
في موضع النصب، وانتصابها على الحال.
وَمَنْ قَرَأَ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ)
أوقع التسخير على الليل والنهار خاصةَ، ثم استأنف فقال:
(والشمسُ والقمرُ والنجومُ) فرفعها بالابتداء،
و (مسخرات) خبر الابتداء.
وَمَنْ قَرَأَ (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)
بالنصب أوفع التسخِير عليها، ثم استأنف فقال: (والنجومُ
مسخراتٌ) ، والوجوه كلها جائزة جيدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا
يُعْلِنُونَ) (والذين يَدْعُون)
قرأ عاصم ويعقوب (ما تُسِرّون وما تُعْلِنُون) بالتاء، و
(الذينَ يَدْعُون)
بالياء.
وقرأ الأعشى عن أبي بكر ثلاثَهن بالتاء مثل أبي عمرو، وقرأ
الكسائي عن
أبي بكر ثلاثهن بالياء، وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم
ثلاثَهن بالياء.
وقرأ الباقون ثلاثَهن بالتاء.
(2/76)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)
ثم قرأ (والَّذين يَدْعُون) بالياء، فالتاء للمخاطبة: أي إن
اللَّه يعلم ما تسرون أنتم وما تعلنونه، وقوله: (والَّذين
يَدْعُون) أراد بالذين: معبوداتهم من الأصنام، و (يدعون) فعل
لعابديها، ولو قال: (والتي يَدْعُونَ) كان وجه الكلام، وإنما
قال (الذين) ؛ لأنه وصفها بصفة المميزين.
ومن قرأها كلها بالياء فهو خبر عن الغيب، كأنه قال: الله
يَعلمُ سِرهم
وعَلانِيتهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ يَخلقُونَ شَيْئًا)
يعنى: الآلهة التي عبدوها، إنها لا تخلق شيئا؛ لأنها مخلوقة،
فعبادتها محَال،
ولا يُعبد إله لا يخلُق ولا يرزُق من يعبده.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ (27)
قرأ نافع وحده (تُشَاقُّونِ فِيهِمْ) بكسر النون وتخفيفها.
وقرأ الباقون بفتح النون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُشَاقُّونِ فِيهِمْ) فإنه تبكيت
من الله تعالى
لِعبَدَةِ الأوثان، يقول لهم يوم القيامة: أين شركائي بزعمكم
الذين كنتم تشاقونني فيهم، أي: تعادوننى - فحذفت إحدى النونين
استثقالا للجمع بينهما، وكسر النون الباقية لتدُل على ياء
الإضافة.
(2/77)
والقراءة المختارة (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ)
بفتح النون؛ لأنها نون الجميع، والمعنى
واحد في القراءتين -
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (شُرَكَائي (27)
رَوَى البزي عن ابن كثيرٍ (شُرَكَايَ) بغير همز، مثلْ عَصايَ،
وهُدَايَ
وسائر القراء قرأوا (شُرَكَائي) بالمد وفتح الياء -
وقد رَوَى غير البزي لابن كثيرٍ المَد مثل سائر القراء.
قال أبو منصور: القراءة بالمد، وماروى البزي من القصر فهو
وَهْم؛ لأن
الشركاء ممدود، والعصا والهُدى مقصوران، وليست سواء -
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
(28)
قرأ حمزة (الَّذِينَ يَتَوَفَّاهُمُ) بياء وتاء في الموضعين مع
الإمالة، وكذلك
رَوى أبو عمارة عن حفص عن عاصم فيها مثل حمزة، وقرا الباقون
(تَتَوَفَّاهُمُ) بتاءين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ
(33)
قرأ حمزة والكسائي (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ) بالياء، وقرأ
الباقون بالتاء.
(2/78)
قال الأزهري: هما لغتان جيدتان، فمن قرأ
بالتاء فلتأنيث جماعة الملائكة،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء ذهب إلى الجمع.
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ
(37)
قرأ الكوفيون (لا يَهْدي) بفتح الياء وكسر الدال،
وقرأ الباقون (لا يُهْدَى) بضم الياء وفتح الدال.
واتفقوا جميعًا على ضم الياء وكسر الضاد من (يُضِل) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ)
فمعناه: إن الله لا يَهْدَي
مَنْ أضله في سابق علمه لاستجابة الإضلال باختياره الضلالة على
الهدى.
وَمَنْ قَرَأَ (لا يُهْدَى من يُضِل) فالمعنى: لا يُهْدَى أحد
يُضِله اللَّهُ، وهذا
نظير قوله - عزَّ وجلَّ -: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا
هَادِيَ لَهُ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ (48)
قرأ حمزة والكسائِي (أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ
اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) بالتاء،
ومثله في العنكبوت (أَوَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ)
بالتاء -
وقرأ الباقون ((أَوَلَمْ يَرَوْا) بالياء في السورتين.
(2/79)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء
فلإخباره عن غائب، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فهو
للخطاب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ (48)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (تَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ) ، بتاءين،
وقرأ الباقون (يَتَفَيَّأُ) بالياء قبل التاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فعلى تقديم فعل الجَمْع،
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فَعَلَى
أن الجماعة مؤنثة، وفعلها مؤنث.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
قرأ نافع وحده (وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ) بكسر الراء مخففة، من
أفْرطتُ -
وقرأ الباقون (مُفْرَطُونَ) بفتح الراء خفيفة
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُفْرِطون) فهو من أفرط، فهم
مفرِطون، إذا تعَدوا
مَا حُدَّ لهم.
وَمَنْ قَرَأَ (مفرَطون) ففيه قولان:
أحدهما عن ابن عباس: أنهم متروكون.
(2/80)
وقال غيره: مفْرَطون: مُعَجَّلُون.
فمن قال: متروكون.
فالمعنى: أنهم تُركوا في النار.
وكذلك من قال: مفرَطون، أى: مُنْسَوْن.
ومعنى مُعَجَّلون، أي: مقدمون إلى النار.
وقيل: مَنْ قَرَأَ (مُفرِطون) بكسر الراء فمعناه: أنهم أفرطوا
في المعاصي،
وأسرفوا على أنفسهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نُسْقِيكُم مِمَّا في بُطُونِهِ (66)
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نَسْقيكم) بفتح
النون،
وفي المؤمنين مثله.
والباقون ضموا النون في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان: سقيْتُه، وأسقيته بمعنى واحد.
وقال لبيد فجمع بين اللغتين:
سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى ... نُمَيْراً والقبائلَ من
هلالِ
وقال بعضهم في سقيته الماء، إذا ناولته إياه فشربه.
وأسقيته: جعلته له سُقيا
(2/81)
وقوله جلَّ وعزَّ: (أفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ
يَجْحَدُون (71)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر ويعقوب (تَجْحدون) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: التاء للخطاب، والياء للغيبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ ظَعْنِكُم (80)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (يوم ظَعَنِكُم) مئقلًا،
وقرأ الباقون بإسكان العين.
قال أبو منصور: الظعْن والظعَن لغتان، مثل: النَّهْر
والنَّهَر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَيَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
أَجْرَهُمْ (96)
قرأ ابن كثير وعاصم (وَلَنَجْزِيَنَّ) بالنون، وقرأ الباقون
(وَلَيَجْزِيَنَّ) بالياء.
واتفقوا على النون في قوله: (ولَنَجْزِيَنَّهُمْ (97) .
قال أبو منصور: المعنى في النون والياء واحد، اللَّه الجازي.
(2/82)
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ بَعْدِ مَا
فُتِنُوا (110)
قرأ ابن عامر وحده (فَتَنُوا) بفتح التاء والفاء،
وقرأ الباقون (فُتِنُوا) بضم الفاء وكسر التاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَتَنُوا) فمعناه: افْتَتَنُوا.
رَوَى أبو عبيد عن أبى زيد: فَتِنَ الرجلُ يَفْتَنَ فُتُونًا،
إذا وقع في الفتنةِ، أو
تَحوَّل من حالٍ حسنةٍ إلى حالٍ سيئة، وفَتَنَ إلى النساء
فتونًا، إذا أراد الفجور، وهذا يؤيد قراءة ابن عامر.
وَمَنْ قَرَأَ (فُتِنُوا) وهو الأجود، فمعناه: امْتُحِنُوا،
كما فُتن عَمار بن
ياسر وغيره ممن عُذِّب وأكره على الكفر فغفر الله لهم ذلك إذ
قلوبهم مطمئنة
بالإيمان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ (112)
روى علي بن نصر وعباس بن الفضل وداود الأودِي عن أبي عمرو
(لِبَاسَ الجُوعِ والخوْفَ) بنصب الخوف، وخَفضه الباقون.
قال أبو منصور: من نصب (الخوفَ) عطفه على قوله (لباسَ) ،
ومن خفضه - وهو الوجه - عطفه على (الجوع) - ويجوز النصب
بإضمار: أذَاقَها
(2/83)
الله لباسَ الجوع أو لباسَ الخوف، فلما حذف
(لباس) نصب (الخوف)
كقول الأعشى:
لا يَسْمعُ المرءُ فيها ما يُؤَنِّسُهُ ... بالليل إلا نئيمَ
البُوْمِ والضُّوَعا
أراد: ونَئِيم الضوَع، فلما حذفت أقام الضُّوَع مقامه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ (127)
قرأ ابن كثير وحده (وَلاَ تَكُ في ضِيْقٍ) بكسر الضاد، ومثله
في النمل،
وكذلك روى أبو عبيد عن إسماعيل عن نافع، وخَلَف عن المسيبي عن
نافع،
وقرأ الباقون (في ضَيْق) بفتح الضاد في السورتين.
قال الفراء: الضَّيْقُ: ما ضاق عنه صدرك.
والضَّيِّقُ: يكون في الذى يتسع ويضيق، مثل: الدار، والثوب.
قال الفراء: وإذا رأيت الضَّيْقُ قد وقع في موضع الضِّيق كان
على أمرين: أحدهما: أن يكون جمعا للضيقَة؟ قال الأعشى:
كَشَفَ الضَّيْقَةَ عَنا وفَسَحْ
(2/84)
والآخر: أن ورادَ بِهِ: (ضَيِّق) فيخفف،
قال: ضَيِّق، كما يقال: هيِّن وهَيْن.
قال أبو منصور: وعلى تفسير الفراء لا يجوز القراءة بالكسر.
وقد قال غير الفراء: يقال في صدر فلان ضَيْق وضِيق،
وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو:
والضَّيْق: الشيء الضَّيِّق، والضِّيق: المصدر، والضَّيقُ:
الشك، والضيقَةُ، مثل الضيق، وأنشد:
بِضَيْقَةِ بَيْنَ النَجْمِ والدبرانِ
قال الزجاج: من قال: ضَيْق، فهو بمعنى: ضَيِّق، فخففَ وقيل:
ضَيْق.
وجائز أن يكون الضَّيق بمعنى: ضَيِّق.
* * *
(2/85)
سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا
(2)
قرأ أبو عمرو وحده (أَلَّا يَتَّخذوا) بالياء، وقرأ الباقون
بالتاء.
قال: المعنى فيهما متقارب، فمن قرأ بالتاء فعلَى الخطاب،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وكله جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة (لِيَسُوءَ) بالياء وفتح
الهمزة على
واحدٍ، وقرأ الكسائي (لِنسُوءَ) بالنون وفتح الهمزة،
وقرأ الباقون (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) بالياء وضم الهمزة
ممدودةً على جميع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِيَسُوءَ وُجُوهَكُمْ) فالمعنى:
فإذا جاء وَعْدُ المرة
الآخرة لِيَسُوءَ الوَعْدُ وجوهَكم.
وَمَنْ قَرَأَ (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) بالجمع
فالمعني: لِيَسُوءُوا الرجال وأولو البأس الشديد وجوهكم
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّلَ مَرةٍ.
وَمَنْ قَرَأَ (لِنسُوءَ وجوهَكم) فهو من فعل الله، أى:
لِنَسُوءَ نحن وجوهَكم
(2/87)
مجازاة لسوء فعلكم.
وكل ذلك جائز، والاختيار عندي (لِيَسُوءوُا) بالجمع؛ لأنه
عطفَ عليه (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) ، والله أعلم.
* * *
حدثنا الحسين بن إدريس عن عثمان بن أبي شيبة عن سعيد بن صلة عن
الحسن بن عمرو عن الحكم عن مجاهد في
قوله جلَّ وعزَّ: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ
فِي عُنُقِهِ) .
قال: صحيفَة في عنقهِ مكتوب فيها شقي وسعيد.
حدثنا الحسين قال حدثنا عئمان قال حدثنا وكيع عن أبي جعفر
الرازيّ عن
اِلربيع بن أنس عن أبي عالية فى
قوله جلَّ وعزَّ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) .
أكثرنا مستكبريها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيَامَةِ)
قرأ يعقوب (ويَخرُجُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ) بالياء وضم
الراء، " كتابا) ،
وقرأ الباقون (ونُخرِج له) بالنون وكسر الراء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ويَخْرُج له يومَ القيامة كتابًا)
أى: ما طَارَ لَهُ من عمله يخرج كتابًا مكتوبًا،
ونَصَب (كتابًا) على الحال،
والقراءة الجيدة (ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيَامَةِ كتابًا) .
(2/88)
وعلى هذه القراءة نصب قوله (كتابًا) بِـ
(نُخْرِج)
لأنه مفعول به.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)
قرأ ابن عامر (يُلَقَّاهُ، بضم الياء وتشديد القاف،
وقرأ الباقون (يَلْقَاه) بفتح الياء والتخفيف،
وأمال القاف حمزة والكسائي.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُلَقَّاه) فالمعنى: يُلَقَّى
كلُّ إنسان كتابه منشورًا،
ْأي: يُسْتقبلُ به -
وَمَنْ قَرَأَ (يَلْقَاه) فالمعنى: يَلْقَى كل إنسان كتابه
منشورًا،
ونصب (منشورًا) على الحال.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا)
قرأ يعقوب وخارجة عن نافع (ءَامَرْنَا) بألِفَيْنَ، مثل:
(ءَامَنا) ، وكذلك
حماد بن سلمة عن ابن كثير.
وقرأ الباقون: (أمَرْنَا) مقصورًا مخففا.
وقال أبو العباس ختن ليث: سمعت أبا عمرو يقرأ "أمَّرْنا)
بتشديد الميم.
وَرَوَى هُدبَةُ عن حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأه كذلك.
وقرأ الباقون (أمَرْنا) بتخفيف الميم وقصر الألف.
(2/89)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أمَرْنَا)
مقصورًا فله وجهان:
أحدهما: أمرناهم بالطاعة ففسقوا فحق عليهم العذاب، وهو كقولك -
أمرتُك فعَصيْتنى،
فقد عُلِم أن المعصية مخالفةُ الأمرِ، وكذلك الفسق: الخروج عن
أمْرِ الله،
والوجه الثاني في (أمَرْنا) أنهُ بمعنى: كثرنا مترفيها، يقال
آمَرهم الله،
وأمَرَهم، أي: كثرهم،
ورُوِى عن النبي صلى الله عليه أنه قال:
"خَيْرُ المِال سِكة مأبورة، أو مهرة مأمورة"
وهى كثيرة النتاج - ويقال: أمِرَ بنو فلانٍ يأمُرُون، إذا
كثروا -
ومنه قول لبيد:
إن يُغْبَطُوا يُهبطُوا وإنْ أمِرُوا ... يوْمًا يَصيرُوا
للهُلكِ والنكَدِ
ومن قَرأ (آمَرْنَا) بالمد فلا مَعْنَى له إلا أكثرنا، آمَرَ
الله ماله فأمَر يأمُرُ -
وكان أبو عبيدة يقول: أمَرَ اللهُ ماله، وأمره بمعنى واحد.
وقوله (آمَرْنا مترفيها) يصلح أن يكون في شيئين:
أحدهما: كثرة عدد المترفين،
والآخر: كثير حُرُوثُهم وأموالهم.
وَمَنْ قَرَأَ (أمَّرْنا مترفيها) فمعناه: سلطنا مترفيها، أي:
جعلنا لهم إمارة
وسلطانًا.
وأجود هذه الوجوه (أمَرْنَا) بقصر الألف على التفسير الأول،
واللَّهُ أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ (33)
(2/90)
قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب (فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفَّ) - بفتح الفاء،
مثل: مُدَّ - وقرأ نافع وحفص (أُفٍّ) منونا، وكذلك قرَآ في
الأنبياء
والأحقاف.
وقرأ الباقون (أُفِّ) خفضا غير منون.
قال أبو منصور: هذه الوجوه التي قُرئ بها كلها جائزة فصيحة،
ولا اختلاف بين النحويين في جوازها وصحتها.
وأخبر المنذري بإسناده عن الفراء: في (أف) ست لغات: أفًّا،
وأفٍّ،
وأفٌّ، وأفَّ وَأفِّ، وأفُّ.
فمن قرأ (أفَّ) فهو مثل: مُدَّ.
وَمَنْ قَرَأَ (أفٍّ) فهو مثل: صَدٍّ ورمْحٍ. وَمَنْ قَرَأَ
(أفُّ) فهو مثل: مُدَّ وغُضَّ في الأمر.
وقال أبو طالب: قال الأصمعي: الأفُ: وسخِ الأذن - والتَّفُ:
وسخ
الأظفار، فكان ذلك يقال عند الشيء الذي يُسْتَقذرُ، ثم كثر حتى
صاروا
يستعملونه عند كل ما يُتأذى بِهِ.
قال: وقال غيره: (أفُّ) معناه - قِلة لك و (تُفّ) - إتباع،
مأخوذ من الأتف، وهو: الشيء القليل.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
(23)
(2/91)
قرأ حمزة والكسائي (إِمَّا يَبْلُغَانِّ
عِنْدَكَ) على اثنين،
وقرأ الباقون (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) على
واحد،
فالنون مشددة في القراءتين) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ) فإنه تثنية يبْلُغَنَّ؛ لأن الأبوين قد ذكرا قبله،
فصار الفعل على عددهما، ثم قال أحدهما أوكلاهما
على إستئناف.
وَمَنْ قَرَأَ (إما يَبلُغَنَّ) جعله فعلاً لأحدهما فكرر عليه
(كِلاَهُمَا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا
(31)
قرأ ابن كثير (خِطَاءً) مكسورة الخاء، ممدودةً، مفتوحة الطاء:
وقَرَأ ابن عامر (خَطَأً) مقصورًا، مهموزًا، وكذلك رَوَى شبل
عن ابن كثير، فيما روى عبيد عن شبل.
وقرأ الباقون (خِطْئًا) بكسر الخاء، وسكون الطاء، والقَصْر،
على (فِعْلاً)
قال أبو منصور: أما قراءة ابن كثير (خِطَاءً) بكسر الخاء والمد
فهو
مصدر خَاطأَ يُخَاطئُ خِطَاء، على (فِعَالاً) ، وجائز أن يكون
بمعنى؟ خَطِئَ،
أى: أثِمَ.
وأا قراءة ابن عامر (خَطَأً) بالهمز والقصر وفتح الخاء،
فالخَطأ اسم من
أخطأ يُخطئ إخطَاء، والاسم يقوم مقام المصدر الحقيقي.
وقال الزجاج: قد يكون (خَطأ) من خَطئ يخَطأ خَطأ إذا لم يصب.
(2/92)
قال: وقد روى لابن كثير (خَطَأ) .
وأما مَنْ قَرَأَ (خِطْئًا) بكسر الخاء وسكون الطاء على
(فِعْلاً) فهي القراءة
الجيدة.
يقال: خَطئ الرجلُ يَخْطأ خَطأ، أى: أثِمَ يأثَمُ إثما.
والفرق بين الخطأ والخطْئ أن: الخطأ ما لم يُتَعَمد من الذنب.
والخطْئ: ما تُعُمِّدَ.
وأنشد غير واحد:
عِبَادُكَ يُخطُونَ وأنْتَ رَب ... كَرِيم لاَ تَلِيقُ بِكَ
الذمومُ
وقال أبو إسحاق: مَنْ قَرَأَ (خَطأ كبِيرَا) فله تأويلان:
أحدهما: معناه أن قَتلهم كان غير صواب، يقال: أخطأ يخطئ إخطاء
وخَطأ. والخَطأ: الاسم من هذا لا المصدر.
وقد يكون (الخطأ) من خَطى، يَخْطأ خَطَأ مثل لَججَ يَلْجَجُ
لَجَجا، إذا لم
يُصِب، وأنشد:
والناسُ يَلْحَوْن الأميرَ إذا هُمُ ... خَطِئوا الصوابَ ولا
يُلام المُرْشِدُ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (33)
(2/93)
قرأ حمزة والكسائي أوابن عامر (فَلَا
تُسْرِفْ) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلَا تُسْرِفْ) فهو مخاطبة،
وَمَنْ قَرَأَ (فَلَا يُسْرِفْ) فهو نهي للغائب، والفاء مجزومة
على كل حال.
والإسراف: أن تقتل غير قاتل صاحبه.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (وَزِنُوا بالقُسْطاسِ (35)
قرأ حمزة وحفص والكسائي (بالقِسْطَاس) بكسر القاف، ومثله في
الشعراء.
وقرأ الباقون بضم القاف في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان، وقيل: القِسطَاس: هو
القَرْسَطُون
وقيل: هو القفَّانُ، وقيل: القِسْطَاسُ: هو ميزان العدل، أيُّ
ميزانٍ كان من
موازين الدراهم أو غيرها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ (38)
(2/94)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب
(سَيِّئَةً) مؤنثةً منونةً،
وقرأ الباقون (سَيِّئُهُ) مضافًا مذكرًا غير منون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَيِّئَةً) فمعناه: كل ذلك كان
سَيِّئَةً، فهو بمعنى:
كل ذلك خطيَّة،
وَمَنْ قَرَأَ (سَيِّئُهُ) ذهب إلى أن في هذه الأقاصيص
سَيِّئًا وغير سَيئ،
وذلك أن فيها (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) ، وفيها
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) الآية.
وفيها (وأوْفُوا بالعَهْدِ) ، فَفِيمَا جَرَى من الأقاصيص
سَيئٌ وحسن، (فَسَيِّئُهُ)
أحسن من (سَيِّئَةً) ها هنا.
وَمَنْ قَرَأَ (سَيِّئَةً) جعل (كُلًّا) إحاطة بالمَنْهِيَ عنه
فقط، والمعنى: كل ما نَهَى
الله عنه كان (سَيِّئَةً) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَو كَانَ مَعَهُ آلهِةٌ كَمَا تَقُولُونَ)
(42)
وقوله: (عَمَّا يقولون (43) ، وقوله: (يُسَبِّحُ (44)
قرأ ابن كثير (كما يَقُولُونَ) و (عما يقولون) و (يُسَبِّح)
ثلاثَهن بالياء.
وقرأ أبو عمرو والحضرمي (كما تقولون) بالتاء، و (عما يقولون)
بالياء،
و (يُسَبِّحُ) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (كمَا تَقُولُون)
بالتاء، والباقى
بالياء.
(2/95)
وقرأ حفص عن عاصم (تسبح) بالتاء، والباقى
بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء في (تقولون) فهو مخاطبة،
ومن قرأهما بالياء فهي للغيبة، وكل ذلك جائز.
والعرب تخاطب ثم تخبِر، وتخبر ثم تخاطب.
وأما قوله (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ) فلتأنيث الجماعة.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم الفعل الجمع.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ (64)
قرأ حفص وحده (ورَجلِكَ) بكسر الجيم، ما رواه عن عاصم غير أبى
عمر
وقرأ الباقون (ورَجْلِكَ) بسكون الجيم.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ورَجِلِكَ) فمعناه: ورَاجِلِكَ،
يقال: رَاجِل ورَجِل، كما يقال: حَاذِرٌ وحَذِر.
والقراءة المختارة: ورَجْلِكَ، وهو جمع رَاجِل، كما يقال: شارب
وشَرْب،
وصَاحِب وصَحْب، وراكِب ورَكب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ) . .
. أوْ يُرْسِلَ. . . (68)
و: (يُعيدَكم. . . فيرسِلَ عليكم. . . فَيُغرِقَكُمْ (69)
(2/96)
قرأهن ابن كثير وأبو عمرو بالنون كلهن.
وقرأ الحضرمي (فتُغْرقكم) بالتاء، والفعل للريح، والأربعة
الأحرفَ قبلها بالياء.
وقرأ الباقون الخمسة الأحرف بالياء.
قال أبو منصور: من قرأهن بالنون فالفعل للَّه جلَّ وعزَّ:
أفأمِنتم أن نخْسِفَ
بكم نَحْنُ أو نرسَل، وكذلك سائر الأفعال، آخرها (فتغرقكم) ،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو إخبار عن اللَّه،
وَمَنْ قَرَأَ (فتغرقكم) بالتاء فالفعل للريح.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ومَنْ كَانَ في هذِهِ أعْمى فَهُوَ في
الآخِرَةِ أعْمَى (72)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (فِي هذِهِ أعْمِى) بكسر الميم
(فَهُوَ في الآخِرَةِ أعْمَى) بفتح الميم،
وكذلك روى نُصَير عن الكسائي الكسر.
وأما أبو بكر عن عاصم فإنه قرأهما بين الفتح والكسر ها هنا وفي
طه. وكَسَرَ الميم فيهما حمزة والكسائي، وفتحهما الباقون.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (مَنْ كَانَ في هذِهِ
أعْمى) بكسر الميم،
(فهو في الآخرة أعْمى) بفتح الميم، فإنه جعلِ الأول اسما،
من " أعمَى القلبِ " وجعل الثاني تعجبا على (أفْعَل) من كذا،
وفرَّق بين المعنيين باختلاف الحركتين،
وهكذا روى نُصَير عن الكسائي، ومن كسر الميم منهما معًا أو
فتحهما معًا
(2/97)
جعلهما على معنى واحد، وهو الاسم، كأنه
قال: من كان في الدنيا أعمَى القلبِ عن قبول الحق فهو يحشر
أعمى العينين لا يُبصر، كما قال:
(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ، والعرب تقول: هو
أعمَى قلبًا.
وقرأ غيره " هو أعمَى القلب، ويقولون: هو أعمى العين، وهو أشد
عمىً
من غيره.
وفَتحُ الميمين على لغة من يفخم، وكَسْرُهما على لغة من يميل،
وكلاهما
لغة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وإذًا لاَ يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ (76)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (خَلْفَكَ)
بفتح الخاء
وسكون اللام، وقرأ الحضرمي (خَلْفَكَ) و (خِلاَفَكَ) جميعا،
وقرأ الباقون (خِلاَفَكَ) بكسر الخاء، والألف.
قال أبو منصور: المعنى في خَلْفَك وخِلاَفَك واحد، أي: لا
يلبثون بعدك
إلا قليلا.
وقال الفراء: أراد جلَّ وعزَّ: أنك لو خرجْتَ ولم يؤمنوا لنزل
بهم العذاب
بعد خروجك.
قال: وقَدِمَ رسول الله صلى اللَّه عليه المدينه فَحَسَدَتْهُ
اليهود،
وثَقُل عليهم مكانُه، فقالوا: إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست
بلادَ الأنبياء،
فإن كنت نبيًّا فاخرج إلى الشام، فإنها بلاد الأنبياء، قال:
فعسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - علىِ أميال من المدينة،
فأنزل الله جلَّ وعزَّ
(وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) أى: من
المدينة، الآية.
(2/98)
وقوله جلَّ وعزَّ: (نَاءَ بِجَانِبِهِ (83)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص والأعشى عن أبي بكر ويعقوب
(ونأى) ، مثل: (نَعَى) ، بفتح النون والهمزة في السورتين، فقرأ
ابن عامر
(وَنَاء) بوزن (نَاعَ) في الموضعين مَفتُوحةً ممدودهَ مهموزةً،
ورَوَى يحيى
عن أبي بكر (ونَائي) بفتح النون، وكسر الهمزة، بوزن (ناعِي) ،
كذلك
رواه الأدمي في السورتين على مَن قرأ عليه، وكذلك روى خلف عن
سليم
عن حمزة وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم (ونِئى) بكسر النون
والهمزة، وكذلك قراءة الكسائي في السورتين بكسرهما جميعًا.
قال أبو منصور: أما مَن كسر النون والهمزة فإنه لما أمال
الهمزة كسر النون
والهمزة ليُتْبعَ الكسرة، وَمَنْ قَرَأَ بفتحهما آثر التفخيم
لأنه أفصح اللغتين، ومن فتح النون وكسر الهمزة جعل النون فاء
الفعل وهى مفتوحة في الأصل، وكسر الهمزة، وأمالها لقربها من
الياء.
وأما مَنْ قَرَأَ (ونأى بجانبه) فإنه أراد (نَاءَ)
فقلبَه، كما يقال: (رَأى) ، بوزن (رَعَى) ، و (رَاءَ) بوزن
(راعَ) .
ومعنى قوله: (ناء بجانبه) ، أي: أناء جانبهُ تكبّرًا وإعراضًا
عن ربِّه.
ويجوز أن يكون (ناء بجانبه) بمعنى أنَّ جانبه، أي أماله، كما
يصعِّر المتكبِّر
خَدَّهُ، إذا أماله.
وكل ذلك جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ (95)
(2/99)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر
(حتى تُفَجِّر لنا من الأرض)
بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم وكسرها،
وقرأ الباقون (حتى تَفجُرَ) بفتح التاء وسكون الفاء خفيفة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُفَجِّر) فهو من تفجير الماء،
وهو فَتْحُهُ، وشَق
سِكْرةِ الأرضَ عنه حتى ينفجر ماء الينبوع انْفِجَارًا.
وَمَنْ قَرَأَ (تَفْجُرَ) فهو من فجَرتُ السكْر أفجُره، إذا
بثقتُهُ وفتحتُهُ،
والفجر: الشق، وبه سمِّيَ الصبّح فجرا لاشتقاق ظلمة الليل عن
نور الفجر إما ساطعا وإما مستطيرا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ
عَلَيْنَا كِسَفًا (92)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحضرمي (كِسْفًا)
في جميع القرآن بسكون السين، إلا في الروم فإنهم قرأوا
(كِسَفًا)
متحركة السين.
وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم ها هنا (كِسَفًا) مثقلة) ، وكذلك
في الروم،
وسائر القرآن مخففا.
(2/100)
وقرأ حفص (كِسَفًا) بالتثقيل في كل القرآن،
إلا في (والطور)
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا) خفف هذا وحده.
وقرأ ابن عامر ههنا " كِسَفًا " مثقلا، وخفف الباقي في جميع
القرآن.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (كِسَفًا) جعلها جمع كِسْفَة، وهي:
القطعة.
وَمَنْ قَرَأَ (كِسْفًا) فإنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع كِسْفَة، كما يقال: عُشبة وعُثسْب،
وتَمْرة وتَمْر. والوجه الثاني: أن يكون الكِسْفُ واحدًا،
ويجمع على (كِسَفًا) .
وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (كِسْفًا) بسكون السين فكأنه قال: أو
تسقطها طبَقًا
علينا.
قال: واشتقاقه من كسَفتُ الشىء، إذا غطيته، ويقال: كسفت
الشمس النجوم، إذا غطت نورها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي (93)
قرأ ابن كثير وابن عامر (قَالَ سُبْحانَ رَبِّي) بالألف،
وكذلك هى في مصاحف أهل مكة وأهل الشام.
وقرأ الباقون (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي) بغير ألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَالَ) بلفظ الماضى، فهو خَبَر عن
من قاله.
وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ) فهو أمر للنبي صلى الله عليه، كأنه قال:
قل يا محمد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أنْزَلَ (102)
(2/101)
قرأ الكسائي والأعشى عن أبي بكر (لقد علمتُ
مَا أنْزَلَ هَؤلاَء) بضم التاء،
وقرأ الباقون (لقد علمتَ) بفتح التاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لقد علمتُ) فهو قول موسى صلى الله
عليه، أخبر
أنه قد علم علما يقينا.
وَمَنْ قَرَأَ (لَقَد عَلِمْتَ) فهو مخاطبة من موسى صلى الله
عليه
لِفِرْعون، وتقريرٌ له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمَنَ (110)
رَوَى عباس عن أبي عمرو (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ) بكسر اللام،
(أوُ ادْعُوا) مضمومة الواو.
وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو عمرو - في غير رواية
العباس -
والكسائيُّ (قلُ ادعوا الله أوْ ادعوا) بضم اللام، والواو.
وقرأ الباقون بكسر اللام والواو (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ
ادْعُوا) .
قال أبو منصور: من ضم الواو من (أو) واللام من (قل) فإنه أوقع
ضمة الهمزة من (ادعوا) عليهما، فضمهُمَا، ومن كسرهما فلاجتماع
الساكنين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا (100)
فتح الياء نافع وأبو عمرو.
(2/102)
وقد حُذِفَ من هذه السورة ياءان: قوله:
(لَئِنْ أخرْتَن (62)
وقوله: (فهو المهتد (97) .
وقرأ ابن كثير (أخرتني) بياء في الوقف والوصل،
وقرأ نافع وأبو عمرو (أخرتني) " و (المهتدي) بالياء في الوصل،
وَوَقَفَا عليهما بغير ياء،
ووصلهما يعقوب بياء، ووقف عليهما بياء.
قال أبو منصور: من حذف الياء اكتفى بالكسرة الدالة على الياء،
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو الأصل.
* * *
(2/103)
سورة الْكَهْفِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (مِن لَّدُنْهُ وَيبشِّرَ المُؤمِنيِن)
قرأ عاصم في رواية يَحيَى عن أبي بكر عنه (من لَدُنِهِي) بفتح
اللام،
وإشمام الدال الضم، وكسر النون والهاء، ما رَوَى هذا غير
يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم وقرأ الباقون (مِن لَّدُنْهُ) بفتح
اللام، وضم الدال، وتسكين النون، وضم الهاء.
قال أبو منصور: الذى رُوي عن عاصم - رواية يَحيَى - لُغَة،
وروى أبو زيد وعن الكلابيين أجمعين هذا (من لَدُنِهِ) ضموا
الدال، وفتحوا اللام، وكسروا النون.
قال أبو منصور: والقراءة المختارة (مِنْ لَدُنْهُ) ، وعليها
القراءة.
(2/105)
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ أمْرِكُمْ
مِّرفَقًا)
قرأ نافع وان عامر والأعشى عن أبي بكر (مَرْفَقًا) بفتح الميم،
وكسر الفاء - وقرأ الباقون بكسر الميم وفتح الفاء (مِرْفَقًا)
.
وروى الكسائي عن أبي بكر مثل ما قال الأعشى.
قال أبو منصور: أكثر كلام العرب أن يقولوا:
(مِرْفَق) لِمِرْفَق اليد، بكسر الميم.
ويقال لما يُرْتفقُ به: مَرْفِق.
ويجوز هذا في ذَاكَ، وذَاكَ في هذا، قاله أحمد بن يَحيَى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَزَاوَرُ عَن كَهْفُهم)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تَزَّاوَر) بتشديد الزاي،
وقرأ الكوفيون (تَزَاوَرُ) خفيفة الزاي.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (تَزْوَرُّ) ساكنة الزاي، مثل:
تَحْمَرُّ.
قال أبو منصور: ويجوز (تزْوَارُّ) ، ولا أدرى أقرِئ به أم لا؟
والمعنى في: تَزَّاوَرُ، وتَزَاوَرُ، وتَزوَرُّ، وتَزوَارُّ
واحد، أى: تَميل
فمن قرأ (تزَاوَرُ) بالتخفيف فالأصل: تَتَزَاوَرُ، فحذفت إحدى
التاءين استثقالاً للجمع بينهما.
(2/106)
وَمَنْ قَرَأَ (تزَاوَرُ) فالأصل فيه
أيضًا: تَتَزَاوَرُ، فأدغمت التاء في الزاي وشُددت.
وَمَنْ قَرَأَ (تَزْوَرُّ) فهو من: ازْوَرَّ تَزْوَرُّ. وكذلك
ازْوَارَّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ولَمُلِئْتَ مِنْهُم رُعْبًا)
قرأ ابن كثير ونافع (ولَمُلِّئْتَ) بتشديد اللام، وقرأ الباقون
خفيفة.
وكذلك روى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثيرٍ بالتخفيف.
قال أبو منصور: أكثر الكلام (ولَمُلِئتَ) بالتخفيف، وإذا شددت
اللام ففيه تأكيد للمبالغة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِوَرْقِكُم)
قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة (بِوَرْقِكُمْ) ساكنة
الراء خفيفة.
وقرأ الباقون (بِوَرِقِكُم) بكسر الراء والقاف.
قال أبو منصور: اللغتان اللتان قُرِئ بهما: وَرْق، ووَرِق.
وفيه لغتان أخريان: (بوِرْقكم) بكسر الواو، وسكون الراء.
و (بوَرِقكم) بفتح الواو، وكسر الراء، وإدغام القاف في الكاف.
حتى يصير كأنهما كافًا خالصة.
(2/107)
الدراهم المضروبة: الوَرِق وهي الرقَّة،
وقال أبو عبيَدة للفضة وإن كانت غير مضروبة: رِقَّة ووَرِق.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ (25)
قرأ حمزة والكسائي (ثَلَاثَ مِائَةِ) مضافةً،
وقرأ الباقون (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) منونة.
قال أبو منصور: من قرأها بالإضافة فإن الفَرّاء قال: العرب
تجعل السنين
على وجهين: يقولون هذه سنينٌ فاعلم، و: سنينَ فاعلم، و: سنون
فاعلم.
فمن جمعها بالواو والنون كان جمعًا لا غير، ومن جمعها بالنون
والياء
فى جميع الوجوه قال: شَبَّهْتُه بالواحد، وكذلك من أجرى فهو
كالواحد، كأنه قال: ثلاث مائةِ سنة، فهذا وجه الإضافة.
ومن قرأه فقال: (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) ففيه وجهان:
أحدهما: أن يجعل (سنين) في موضع النصْب، ينصبها بالفعل، كأنه
قال: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة.
والوجه الثاني: أن يجعل (سنين) في موضع الخفض بدلاً من قوله
(ثلثمائة) ،
وكل حَسن جيد.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي قال: سمعت أبا حاتم يقول في قوله:
(ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) كِأنه قال: لَيْست مشهورة.
(2/108)
قال أبو منصور. وهذا يكون بَدَلاً، كما قال
الفراء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّي أعْلَمُ)
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بِرَبِّيَ أحدا (38) ، (فَعَسَى رَبِّيَ
أنْ (40)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أحَدًا (26)
قرأ ابن عامر (ولا تُشركْ في حكمه أحدا) بالتاء وجزم الكاف،
وقرأ الباقون، (وَلاَ يُشْرِكُ) بالياء والرفع.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء وجزم الكاف فَعَلَى النهي،
والنهي مجزوم.
وَمَنْ قَرَأَ (ولا يُشركُ في حكمه) فالمعنى أنه جرى ذكر علمه
وقدرته
فأعلم منه عن أنه لا يشركُ في حكمه ما تفرد به من عِلْم الغيب
أحدا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر خَيْرًا مِنْهُمَا مُنْقَلَبًا)
على التثنية،
وكذلك هي في مصاحقهم.
وقرأ الباقون (خيرًا منها) بغير الميم بعد الهاء.
(2/109)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (خَيْرًا
مِنْهَا) رده على قوله: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ
لِنَفْسِهِ) .
وَمَنْ قَرَأَ (منهما) ردهما على قوله: (لأحَدهما جَنَّتَين) ،
ثم قال:
(وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ) و (وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا)
وكل ذلك جيد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي)
قرأ يعقوب وابن عامر والمسيبي عن نافع (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ
رَبِّي) يثبتون الألف، فِى الوصل والوقف.
وقرأ الباقون ونافع في رواية قالون وورش وإسماعيل وابن جمازٍ
(لَكِنَّا)
بألف في الوقف، وحذفها في الوصل، واتفقوا على إثبات الألف في
الوقف من أجل أن الأصل فيه (لكن أنا) ، فحذفوا الألف التي بين
النونين، وأدغموا النون الأولى في الثانية، فصار (لَكِنَّا) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَكِنَّا) فأثبت الألف في الوطل
كما كان
يثبتها في الوقف فهو على لغة من يقول - (أنا قمتُ) فأثبت الألف
كما قال الشاعر:
أنا سيفُ العشيرةِ فاعْرِفوني ... حُمَيْداً قد تَذَّرَّيْتُ
السَّناما
وفى (أنا) في الوصل ثلاث لغات، أجودها (أن قلتُ ذاكَ) بغير
ألف،
كقوله:
(2/110)
(أنا ربكم) بغير ألف في اللفظ.
ويجوز (أنا قلت) بإبات الألف في اللفظ،
كما قال الشاعر، وهو ضعيف عند النحويين
وفيه لغة ثالثة: (أنْ قلتُ) بإسكان النون، وهو أضعف من إثبات
الألف.
فأما قوله: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) فالأجود في القراءة
إثبات الألف.
، لأن الهمزة قد حذفت من (أنا) فصارت إثبات الألف عوضَا
من الهمزة، وكل ما قرئ به فهو جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ (43)
قرأ حمزة والكسائي (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) بالياء،
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فذكَّر ذهب به إلى الجمع مع
تقدم الفعل؛
لأن الفئة يقع عليها اسم الجمع، ولفظ الجمع مذكر -
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء ذهب به إلى لفظ الفئة، وهى: (الفرْقة) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ
(44)
قرأ حمزة والكسائي (الوِلاَية) بكسر الواو، وفتحها الباقون.
وقرأ أبو عمرو والكسائي (الْحَقُّ) ، وقرأ الباقون خفضًا.
(2/111)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الوِلاية)
بكسر الواو فهو مصدر الوالي، يقال:
والٍ بَيِّنُ الوِلاَية - ومن فتح فقرأ (الوَلايةُ) فهو مصدر
الوَلِي، يقال: وليٌّ بَيِّنُ الوَلاَية.
ومن النحويين من زعم أن الوِلاية والوَلاَية لغتان يمعنى واحد.
وَمَنْ قَرَأَ (الحقِّ) خفضًا جعله نعْتا (للهِ الحق) ، وَمَنْ
قَرَأَ (الحقُّ) جعله
نعتًا للولاية، كأنه قال: هنالِكَ الولايةُ الحقُّ لِلَّهِ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
قرأ عاصم وحمزة (عُقْبًا) ساكنة القاف، وقرأ الباقون (عُقُبًا)
بضمتيْن
قال أبو منصور: العُقْبُ والعقُبُ واحد، معناهما: العاقبة -
وانتصاب
(عقبا) على التمييز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الجبالُ (47)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ
الجبالُ) بالتاء رفعًا،
وقرأ الباقون (ويوم نُسَيِّرُ الجبالَ) بالنون منصوبة.
(2/112)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُسَيَّرُ
الجبالُ) فهو على ما لم يسم فاعله،
وَمَنْ قَرَأَ (نُسَيِّرُ) فالفعل للَّهِ، ونصب (الجبال) لوقوع
الفعل عليها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ويَومَ نَقُولُ نَادُوا شُرَكائي (52)
قرأ حمزة (وَيَوْمَ نَقُولُ (بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فالمعنى: يوم يقول الله
للمشركين
نادوا شركائي بزعمكم، يعنى: الآلهة التي عبدوها وجعلوها للَّه
شركاء.
وَمَنْ قَرَأَ بالنون فهو للَّه، يقول: نقول نحن للمشركين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ
(63)
قرأ حفص (وما أنسانيهُ) بضم الهاء، ومثله في سورة الفتح
(بِمَا عَاهَدَ عَليهُ اللَّهَ) .
وأمال الكسائي السين، وفتحها حمزة،
وقرأ ابن كثيرٍ (وما أنسانيهِى) بالياء في اللفظ.
وقرأ الباقون (وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا) بكسرة مختلسة.
(2/113)
وقد مَرَّ الجواب في أمثالها، وكل ماقرئ به
فهو جائز، وأجوده الكسرة
المختلسة في الإدراج.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَعَلنا لِمَهْلكهِمْ مَوْعِدًا (59)
وفي النمل (مَهْلكَ أهْلِهِ) .
قرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى (لِمَهْلكهم) و (مَهْلَك
أهله) بفتح الميم
واللام جميعًا.
وقرأ حفص عن عاصم (لِمَهْلِكهم) و (مَهْلِكَ أهله) بكسر
اللام فيهما.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِمَهلِكهم) فالمعنى:
لإهْلاَكِنَا إياهم، يقال: أهْلكهُ
إهْلاَكًا ومَهْلِكًا، وَمَنْ قَرَأَ (لِمَهْلكهم) فمعناه:
لهلاكِهم، مصدر هلك يَهْلِكُ
هَلاَكًا ومَهلكا، وَمَنْ قَرَأَ (لِمَهلِكِهم) أراد: أسماء،
أي: لوقت إهلاكهم وكذلك القول في (مَهلِكَ أهله) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلاَ تَسألْني عَنْ شيءٍ (70)
قرأ نافع وابن عامر (فَلاَ تسألَنِّي) مثقلة،
وروى ابن أخرم لابن عامر (فلا تَسْألنِّ) بغير ياء.
وقرأ الباقون (فَلاَ تَسألْني عَنْ شيءٍ) ساكنة اللام، بياء
في الوصل والوقف، والياء ثابتة في الكهف في جميع المصاحف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فلا تسألَنِّي) فالتشديد للتأكيد،
والياء في موضع
النصب، ومن كسر النون اكتفى بكسرتها من الياء.
(2/114)
وَمَنْ قَرَأَ (فلا تسألْني) بنون خفيفة
فهي النون التي تَدُل على المفعول المضمر
مع الياء، كقولك: (لا تَقتلْنِي)
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (لِيَغْرَقَ أهلُهَا (71)
قرأ حمزة والكسائي (لِيَغْرَقَ) بالياء (أهْلُها) رفعًا، وقرأ
الباقون (لتُغْرِقَ)
بالتاء مرفوعة، والراء مكسورة، (أهْلَها) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِيَغْرَقَ أهْلُها) فالفعل
للأهل،
وَمَنْ قَرَأَ (لِتُغْرَق أهْلَها) فإن موسى صلى الله عليه
خاطب الخضر عليه السلام وقال له: أخرقت السفينة لكي تُغْرِقَ
أهلَهاْ.
وقوله جلَّ وعزََّ: (أقتلْتَ نَفْسًا زكيَّةً (74)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (زاكِيَةً) بألف، وقرأ
الباقون (زكية) .
قال أبو منصور: الزاكِيَةُ والزكية واحدة، وهى: النَّفس التي
لم تَجْن ذنْبًا،
ومثله: القاسِية والقسيَّة، ومعنى الزاكيَة: الطَاهرة النامية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
(2/115)
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم
ويعقوب (نُكُرا) مثقلا في كل
القرآن، وقرأ الباقون (نُكْرا) خفيفا حيث وقع.
وقرأ ابن كثير (إلى شىْء نُكْر) ساكنة الكاف
وقرأ الباقون (إلى شىء نُكُر) مثقلا.
قال أبو منصور: النكْرُ والنكُر لغتان جيدتان؛ إلى الشىء
المنْكر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قد بَلَغْتَ مِن لَّدُني عُذْرًا (76)
قرأ أبو بكر عن عاصم (من لَدْنِي) بفتح اللام، وإشمام الدال
ضمة مختلسة،
وتخفيف النون.
وروى الأعشى عن أبي بكر (من لُدْني) بضم اللام، وسكون
الدال، وتخفيف النون، وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ نافع (من لَدُنِى) مفتوحة اللام، مضمومة الدال، خفيفة
النون.
وقرأ الباقون (من لَدُني) مضمومة الدال، مشددة النون، مفتوحة
اللام.
قال أبو منصور: هى لغات معروفة، وأجودها في القراءة فتح اللام،
وضم
الدال، وتشديد النون؛ لأن (لَدُن) نونها في الأصل ساكنة، فإذا
أضَفْتها إلى
نفسك قلْتَ: لدنى، كما تقول: (عن زيد) بسكون النون، فإذا
أضفتها إليك قلت (عنى) فثقلت النون، وإنما زادوا النون في
الإضافة ليَسْلَم سكون النون الأول.
(2/116)
وَمَنْ قَرَأَ (من لَدُنِي) جعل الاسم على
ثلاثة أحرف، فاكتفى بنون واحدة،
ولَمْ يَقِسْها على (عَنْ) ؛ لأن (عَنْ) ناقصة، لأنها حرفان.
وأما من قال: (من لُدْنِي) فهي لغة لبعض العرب، كَان الضمة في
الدال،
فنقلت إلى اللام، كما قالوا: حَسُنَ الوجْهُ وجْهُك، فإذا
ثقلوا قالوا: حَسُنَ
الوجهُ وجهًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضِرمي (لَتَخِذْتَ) بفتح التاء
وكسر الخاء
خفيفة.
وقرأ الباقون (لَاتَّخَذْتَ) بتشديد التاء وفتح الخاء،
وكلهم أدغموا الذال في التاء غير ابن كثير وحفص والأعشى عن أبي
بكر. وقرأ يعقوب (لَتَخِذْتَ) إنما أظهر الذال ههنا فقط.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَاتَّخَذْتَ) فهو افتعَالٌ من:
اتخذ يتَّخذ
اِّتخاذَا، والأصل: أئتخذَ يَتَخِذُ، فأدغمت الهمزة في التاء،
وشددت.
وأصل الحرف مأخوذ من أخَذَ يأخُذُ.
يقول: لو أخذت بِأخْذِنا، أيْ: لو فَعَلْت بِفِعلِنَا.
وَمَنْ قَرَأَ (لَتَخِذْت) فإنه يحذف الهمزة، ويجعله مبنيا على
فَعِلَ يَفْعَل،
كما قالوا في (اتقَى يتَّقي) : تَقِيَ يَتْقَي.
وأنشد أبو عمرو أو غيره:
(2/117)
وقد تَخِذَتْ رِجْلِي إلى جَنْبِ غَرْزِهَا
... نَسيفاً كأُفْحوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ
وقال الزَّجَّاج: مَنْ قَرَأَ (لَتَخِذْتَ) فهو بمعنى: اتخذتَ،
وأصل تَخِذْت:
أخَذْتُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَتَجِدُنِي إنْ شَاء اللَّه (69)
فتح الياء نافع وحده.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (معيَ صَبْرا (67)
فى ثلاثة مواضع.
فتحهن حفص وحده.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أن يُبدِلَهما رَبُّهما (81)
ونظائرها.
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بالتخفيف في الأربعة
الأحرف،
وهي قوله في الكهف: (أن يُبدِلَهما) ، وفي النور:
(ولَيُبْدِلنَّهمُ) .
(2/118)
وفي التحريم: (أن يُيْدِلَهُ) ، وفي (ن) :
(أنْ يُبْدِلَنَا خيرًا) .
وقرأ نافع وأبو عمرو أربعهن بفتح الباء وتشديد الدال.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي التي في النور:
(ولَيُبَدِّلنَّهمُ) مشددة والباقى بالتخفيف.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: التبْدِيل: تَغْييرُ
الصورة إلى
صورة غيرها، والجوهرةُ بعيْنها، والإبدال: تنحِيَة الجوهرة
واستئناف جوهرة
أخرى، واحتج بقول أبي النجم:
عَزْلُ الأميرِ للأمير المُبدَل
ألا تراه نَحى جِسْمًا وجعل مكانه جسمًا آخر.
وقال المبردُ: هذا حسن، غير أن العربَ تَجْعَلُ بَدَّلْتُ
بمعنى: أبدَلْتُ،
واحتج بقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) .
ألا تراهُ قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات!
قال: وأمَّا ما شرط أحمد بن يَحيَى فهو معنى قولُهُ:
(كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا
غَيْرَهَا) ،
قال: فهذه هى الجوهرة، وتبدِيلُهَا: تغيير صورتها
إلى غيرها؛ لأنها كانت ناعمة فاسْوَدت بالعذاب، فَرُدت إلى
صورة جلودهم
الأول لما نَضِجَتْ تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة
مختلفة.
(2/119)
وعلى كلام المبرد بَدَّلْتُ بمعنى واحد،
ويفترقان في حالةٍ أخْرَي، واللَهُ أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (وأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
قرأ ابن عامر والحضرمي (رُحُمَا) بضم الحاء، وقرأ الباقون
(رُحْمَا) بسكون
الحاء، وروى على بن نصر وعباس عن أبي عمرو الوجْهَيْن:
التخفيف،
والتثقيل.
وأنشد أبو عمرو:
ومن ضَرِيبتِه التَّقْوى ويَعْصِمُهُ ... مِنْ سَيِّئِ
العَثَرَاتِ اللَّهُ والرُّحُمُ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فأتْبَعَ سَبَبًا (85) . . . ثُمَّ
أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتَّبَع. . . ثُمَّ
اتَّبَع)
بتشديد التاء، موصولة،
وقرأ الباقون (فأتْبَعَ. . . ثُمَّ أَتْبَعَ) مقطوعةً ساكنةً،
التاء خفيفة.
(2/120)
قال أبو منصور - مَنْ قَرَأَ (فاتَّبَع)
بتشديد التاء فمعناه: تَبعَ.
وَمَنْ قَرَأَ (فأتْبَعَ) مقطوعة الألف فمعناه: لَحِقَ، روى
ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أْتبَع) أحْسَنُ من (أتبع) ؛ لأن معنى
اتَّبَعْتُ الرجل: إذا
كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبَعْته فكأنك
قَفَوْتَهُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (في عَيْنٍ حَمِئَةٍ (86)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب ((في عَيْنٍ
حَمِئَةٍ) مهموزة
بغير ألف،
وقرأ الباقون (حَامِيَةٍ) بألف غير مهموزة - وقرأها ابن مسعود
(حامية)
قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (حَمِئَة) أراد: في عَيْن ذاتِ
حَمْأة، قد حَمِئت
فهي حَمِئَة.
وَمَنْ قَرَأَ (حامية) أراد: حارَّة، وقد تكون " حارَّة ذات
حمأة،
فيكون فيها المعنيان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنى (88)
قرأ ابن كثير ونافع وأيو عمرو وابن عامر وأبو بكر عَن عاصم
(جَزَاءَ الحُسْنى) مضافًا، وقرأ الباقون (جَزَاءً الحُسْنى)
منونًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جَزَاءً الحُسْنى) فالمعنى: فله
الحسنى جزاء،
و (جزاء) منصوبًا لأنه مصدر وُضِعَ موضع الحال، المعنى: فله
الحسنى مَجْزيًّا
بها جزاء.
(2/121)
وَمَنْ قَرَأَ (جَزَاءَ الحُسْنى) أضاف
(جَزَاء) إلى (الحُسْنى) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، وَ (بَيْنَهُمْ
سَدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، وَ
(بَيْنَهُمْ سَدًّا) ،
بفتح السين -
وقرآ في يس (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا
وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا)
بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في
كل
ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بَيْنَ السُّدَّيْنِ) ، بضم السين في هذه
وحدها، ويفتحان (بَيْنَهُمْ سَدًّا) و (مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) .
وأخبرني المنذرب عن أبي جعقر الغسَّاني عن سلمة أنه سمع أبا
عبيدة قال:
(السُّدَّيْنِ) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللَّه، وإن كان
من فعل الآدميين فهو (سَدَّة) مفتوح.
(2/122)
قال: وقال الكسائي: (السُّدَّيْنِ) ضم
السين ونصبها سواء السَّد والسُّد، و (جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا) و (سُدًّا)
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
قرأ حمزة والكسائي (يُفْقِهُونَ) بضم الياء وكسر القاف،
وقرأ الباقون (يَفْقَهُونَ) ، بفح الياء والقاف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ
قَوْلًا) فمعناه: لا يكادون
يَفْقَهُونَ عنك.
وَمَنْ قَرَأَ (يُفْقِهُونَ) فمعناه: لا يكادون يُفْهِمون
غيرهم إذا
نطقوا، والفقيه معناه - العالم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (94)
قرأ عاصم وحده، (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) مَهمُوزين، وفى
الأنبياء مثله،
والأعشى عن أبي بكر بغير همز في السورتين، وكذلك الباقون لا
يهمزون.
قال أبو منصور: هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفه -
وقال هذا أهل اللغة - من همز قكأنه من أجَّةِ الحر، ومن قوله
(مِلْحٌ أُجَاجٌ) للماء الشديد المُلوُحة - وأجة الحر تَوقده،
ومنه: أججْتُ النار.
فكأن التقدير في (يأجوج) - يفعول وفي (مأجوج) : مفعول وجائز أن
يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون مأجوج فاعولاً،
وكذا يأجوج.
(2/123)
وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا
اشتقاقُهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا (94)
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرَاجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)
قرأ حمزة والكسائي ثلاثَهُن بالألف، وقرأهن ابن عامر كلهن بغير
ألف،
وقرأ الباقون (خَرْجًا) بغير ألف، (فَخَرَاجُ رَبِّكَ) بألفٍ.
قال أبو إسحاق النحوي: مَنْ قَرَأَ (خَرْجًا) فالخَرج: الفْيء
- والخَرَاج:
الضريبة.
والخَرَاج عند النحويين: الاسم لِمَا يُخْرَج من الفرائض في
الأموال.
والخَرْج: المصدر.
وقال الفراء: الخَرَاج: الاسم الأول - والخَرْج كالمصدر
(إن خرج رأسك) كأنه الجُعل.
كأنهُ خاص، والخراج العام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا مَكَّنِّي فِيهِ (95)
(2/124)
قرأ ابن كثير وحده (ما مَكَنَني) بنونين،
وقرأ الباقون (مَا مَكَّنِّي) بنون واحدة مشددة.
قال الفراء: (مَا مَكَّنِّي) أدغمت نونه في النون التي بعدها،
وقد قرئ بإظهارها، وهو الأصل.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَدْمًا (95) آتُونِي)
قرأ أبو بكر عن عاصم (رَدْمًا ائتُونِي) بكسر التنوين، ووصل
الألف،
على جِيئُوني، هذه رواية يَحيَى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (رَدْمًا آتُونِي) وكذلك قرأ الباقون
بالمد.
ومثله (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قَالَ ائتُونِي) مقصورة،
ونصَبَا (قِطْرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي:
أعطوني.
إذا طُولَتِ الألف، "ومثله: (آتِنَا غَدَاءَنَا) .
قال: وإذا لم تُطَول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين:
يكون مثل قوله: أخَذتُ بالخِطامِ، وأخَذتُ الخِطامَ.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتُونِي) ، فإذا
سقطت الأولى هُمزت الثانية.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (بَيْنَ الصُّدُفَيْن (96)
(2/125)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي
(بَيْنَ الصُّدُفَيْنِ) بضم الصاد
والدال، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي (الصَّدَفَيْنِ) بفتح
الصاد والدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم (الصُّدْفَيْنِ) بضم الصاد
وسكون الدال.
قال أبو منصور: من سكَّن الدال خَفف الضمتين، كما يقول:
الصُّحْفُ
والصُّحُفُ والرُسْلُ والرسُل.
والصُّدْفان والصُّدُفان: ناحِيَتَا جَبَلَيْن بينهما طريق.
فناحيتاهما يتقابلان.
وصادفْتُ فلانًا، إذا قابلته.
والصّدف والصَّدْفة: الجانب والناحِية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قال آتُوني)
قرأ حمزة (قال ائتُوني) قصرًا.
وقد روي عن يحيى عن أبي بكر مثل قراءة حمزة.
وقرأ الباقون (قال آتُوني) . وكذلك قُرِئت على أصْحاب عاصم
بالمدِّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فما اسْطَاعوا أنْ يظْهرُوه (97)
قرأ حمزة وحده (فما اسْطَّاعُوا) مشددة على معنى: استطاعوا،
وفيه جمع
بين ساكنى، وهما: السين والتاء المدغمة في الطاء.
قال أبو إسحاق: (فَما اسْطاعوا) بغير تاء، أصلها: استطاعوا
بالتاء،
ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما،
وليَخِفَّ
اللفظ.
(2/126)
قال: ومن العرب من يقول: اسْتَاعُوا. ولا
يجوز القراءة بها - ومنهم من
يقول: فما اسْطاعوا، بقطع الألف، المعنى: فما أَطَاعُوا،
فزادوا السين. قاله الخليل وسيبويه عِوَضًا من ذهاب حركة
الواو؛ لأن الأصل في أطَاع: أطْوَعَ.
قال: فأمَّا مَنْ قَرَأَ (فما اسْطَّاعوا) بإدغام التاء في
الطاء فهو لاحِن مخطئ،
قاله الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم، وحُجتهم في
ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع
بين ساكنين
قال: ومن قال: أطْرَحُ حركة التاء على السين فأقول: (فما
اسَطاعوا) فَخَطأ
أيضًا؛ لأن سين (اسْتَفْعل) لم تُحرّك قط.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أفَحَسِبَ الَّذينَ كَفَرُوا (102)
قرأ الأعشى عن أبي بكر (أفَحَسْبُ الذين) ساكنة السين، مضمومة
الباء،
وهى قراءة علي بن أبي طالب.
وقرأ الباقون (أفَحَسِبَ الذين كفروا) بكسر السين، وفتح الباء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أفَحَسِبَ الذين) فمعناه: أفَظَن
الذين كفروا، من
حَسِبَ يَحْسَبُ ويحْسِبُ.
وَمَنْ قَرَأَ (أفَحَسْبُ الذين كفروا)
فتأويله: أفَيَكْفِيهم أن يتخذوا العبادَ أولياءَ من دون الله،
ثم بَيَّن جزاءهم فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ
لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا) .
وتأويل مَنْ قَرَأَ (أفَحَسِبَ) : أفَحَسِبُوا أن ينفعهم
اتخَاذُهم عبادِى
أولياء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي
(109)
قرأ حمزة والكسائي (يَنْفَدَ) بالياء.
وقرأ الباقون (تَنْفَدَ) بالتاء.
(2/127)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَنْفَدَ)
فلأن الكلمات جماعة مؤنثة.
وَمَنْ قَرَأَ (يَنْفَدَ) ذهب إلى معنى الكَلِم، وتقدُّم
الفعل.
* * *
وحذف من الكهف ست ياءات (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ، (أَنْ
يَهْدِيَنِ) (24) ،
(إِنْ تَرَنِ) (39) " (أَنْ يُؤْتِيَنِ (40)) ، (أَنْ
تُعَلِّمَنِ (66)
(مَا كُنَّا نَبْغِ (64)) ،
قال: فوصَلَهن ابن كثير ونافع وأبو عمرو بياء، ووقفوا
بغير ياء، إلا ابن كثير حذف الياء من " المهتد " ولم يَصلها
بياء، ووقف
على الخمس آيات بياء ووصل الكسائي (مَا كُنَّا نَبْغِي) ،
بياء، ووصلهن كلهن يعقوب بياء، ووقف عليهن بياء.
* * *
(2/128)
|