معاني القراءات للأزهري سورة الْحَجِّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ
بِسُكَارَى)
قرأ حمزة والكسائي (وترى الناس سَكْرَى وما هم بسَكْرَى) بغير
ألِفٍ.
وقرأ الباقون (سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) .
قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (وترى الناس سَكْرَى
وما هم
بسَكْرَى) بغير ألف فله وَجْهٌ جَيِّد في العربية لأنه بمنزلة
الهَلكَى والجَرْحى
وليس هو بمنزلة النَّشْوَان والنشَاوَى.
قال: والعرب تذهب ب (فَاعِل) و (فَعِيل) إذا كان صاحبه
(مُخَالَطا) كالمريض والصريع والجريح فيجمعونه على (فَعْلَى) ،
فجعلوا (فَعْلَى) علامةً لجمع كل ذى زمانةٍ وضرَرٍ وهلاك ولا
يبالون
أكان واحده (فَاعلاَ) أو (فَعِيلاً) أو (فَعْلان) فاختير
(سَكْرَى) بطرح الألف من
هَوْل ذلك اليوم وفَزَعِه.
كما قيل: مَوْتَى - ولو قيل: (سَكْرَى) على أن الجمع يَقَعُ
عليه التأنيث، فيكون كالواحدة، كان وجهًا.
كما قال اللَّه جلَّ وعزَّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى) و (القُرونَ الأولى) .
(2/175)
ومن قال: (سُكَارى وما هم بُسكَارى) فهو
الشرط ما كان جمعًا لـ (فَعْلاَن) ، كما يقال: رَجُل أشْرار،
وقوم أشَارى، وغضبان وقَوقٌ غِضَاب" وعطشان وقوم عطاشى.
قال: ويجوز (فَعَالى) في موضع (فُعَالى) ، إلا أن القراءة
سُنَة لا تُتَعدى) ،
وإن جاز في الكلام والتفسير: أنك ترى الناس سُكارى من العذاب
والخوف
يوم القيامة، وما هم بسكَارى من الشراب، ويدل على ذلك قوله
(وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ثمَّ لْيَقْطعْ. . (15) (ثم لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ (29)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (ثم لِيقْطَعْ) (ثم لِيَقْضوا) بكسر اللام
فيهما.
وقرأ ابن عامر (ثم لِيقْطع) (ثم لِيقْضُوا) . . . وليُوفُوا. .
. ولِيَطوٌفوا)
بكسر اللام في الأربعة أحرف.
وروى ورشٌ وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع مثل أبي عمرو.
وقال قُنبل عن ابن كثير (ثم لِيقْضُوا) بكسر اللام في هذه
وحدها.
وقرأ الباقون بالجزم فيهن كلهن.
وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليُوَفوا نذورهم) بتشديد الفاء،
وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هذه اللامات في هذه المواضع مكسورة في الأصل،
وإنما سكنها من سكنها إذا وصلت بحروف العطف؛ لأن التسكين أخف
كما
قال "وهْو على ذلك قدير" "وَهْى قالت ذلك" تُسكَّن الهاء إذا
وصلت بحروف العطف، أعنى: الواو والفاء.
(2/176)
وأما من اختار كسر اللام في (ثُم
لِيَقْضوا) فلأن الوقوف على (ثم) يَحْسُن،
ولا يحسن على الفاء والواو، وعلى أن أكثر القراءة على تَسْكين
اللام.
وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قوله:
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) .
* * *
قوله: (ولْيُوفوا. . . ولْيَطوفُوا)
مجزومتان مع الواو والفاء (1) .
فأما قوله: (ثم لِيَقْطَع) (ثُمَّ لِيَقْضُوا) فمكسورتان حين
لم يكن لهما عماد:
واو ولا فاء.
والعماد: ما يُلزق باللام، و (ثُمَّ) لا يُلزق باللام.
وأنشد لـ لبيد:
فإنْ لم تَجدْ مِنْ دُونِ عَدْنانَ بَاقِيا ... ودُونَ مَعَا
فَالْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ
جزمت اللام بالعماد للأمر.
وقال: (وَلْيَكتبْ بَيْنَكُمْ) . (فلْيملِلْ وليُّهُ) ،
(فَلتقُمْ طَائِفَة. . . ولتأتِ طائفة) مجزومات للواو والفاء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلُؤْلُؤًا (23) . . هُنا وفي فاطر.
__________
(1) ليس في هذين الموضعين فاء للعطف كما توهَّم.
(2/177)
قرأ نافع وعاصم (وَلُؤْلُؤًا) نصبًا في
السورتين، وهمز أبو بكر عن عاصم
الثانية وطرح الأولى من (لُولُؤًا) حيث وقع.
وروى عنه مُعَلَّى بن منصور في همز الأولى وطرح الثانية في
جميع القرآن.
وقرأ الحضرمي في الحج (ولُولؤا) نصبًا وفي فاطر (ولُولُؤ)
خفضًا
وقرأ الباقون بالخفض في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لولؤا) بالنصب فعلى معنى:
ويحلَّون لولؤا.
وَمَنْ قَرَأَ (ولُولُؤ) فعلى العطف على قوله: (من ذهبٍ ومن
لؤلؤ) .
فأما من همز إحدى الهمزتين وحذف الأخرى فإنه كره الجمع بينهما
في
كلمة واحدة.
وأما من نصب التي في الحج وجر التي في الملائكة فلأنَّ مصاحف
أهل
البصرة وأهل الكوفة اجتمعت على الألف (ولولؤا) في الحج، وعلى
حذف الألف من التي في سورة الملائكة فاتبعوا المصحف.
وأما من رأى جر (ولولؤ) في السورتين فإنهم اعتلوا بأن الهمزات
قد كتبت بالألف على كل حال في مصحف ابن مسعود سواء كان ما
قبلها واوًا مكسورة أو مفتوحة.
(2/178)
قال أبو منصور: وكل ما قرئ به من هذه
الوجوه فهوَ جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ والبَادِ (25)
قرأ حفص وحده (سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ) بالنصب.
وقرأ الباقون (سواءٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من نصب (سَوَاءً) فعلى إضمار (جعلناه سَوَاء) .
ويرتفع (العاكف فيه والباد) بمعنى: سَوَاء، كما تقول: رأيت
زيدًا قائمًا أبوه فأتبعت (قائما) (زيدًا) ، فهو في المعنى
مرافع لقولك (أبوه) .
وهذا يسمى (التضمين) عند بعض أهل النحو.
وَمَنْ قَرَأَ (سواء) هو وقف التمام
(الذى جعلناه للناس) ، ومعنى (سواء العاكفُ) .
ف (سواء) مرفوع بالابتداء ومرافعه (العاكفُ) ، وإنما اختير
الرفع في
(سواء العاكف فيه والباد) أي: سواء في تفصيله وإقامة المناسك
العاكف فيه، أي: المقيم بالحرم، والنازع إليه من الآفاق.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد في قوله (سَوَاءً
العَاكِفُ) قال:
من أوقع عليه (جَعَلنا) نَصبَهُ، ويجوز رفعه، ومن ابتدأ لم يكن
إلا رفعًا.
(2/179)
قال والعرب تقول: مررت برجُل سواءٍ عليه
الخيرُ والشرُّ، وسواءٌ عليه
الخيرُ والشرُّ.
كلٌّ تقوله العرب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ (31)
قرأ نافع وحده (فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ) ، بفتح الخاء وتشديد
الطاء.
وقرأ الباقون (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) .
قال أبو منصور: من قرأه (فَتَخَطَّفُهُ) فالأصل (فَتَختطهُ)
فأدغم التاء في
الطاء، وألقيت حركة التاء على الخاء ففُتِحت.
وَمَنْ قَرَأَ (فَتَخْطَفُهُ) فهو من خَطِفَ يَخطِفُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْسَكًا (34)
قرأ حمزة والكسائي (مَنْسِكًا) بكسر السين في الحرفين،
وقرأ الباقون (مَنْسَكًا) بفتح السين فيهما.
(2/180)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَنْسِكًا)
جعله اسمًا، فمن جعله من نَسَكَ يَنْسِكُ
فلا سؤال فيه، ومن جعله من نَسَكَ يَنْسُكُ عدَّه في الحروف
التي جاءت
على (مَفْعِل) من باب (فَعَلَ يَفْعُلُ) نحو: المْطلِع،
والمشرِق، والمغرِب، والمفرِق.
وَمَنْ قَرَأَ (مَنْسَكًا) فهو القياس في هذا الباب مصدرًا كان
أو اسمًا؛ لأن أكثر
الكلام في (المفعَل) الذي يكون من باب (فَعَلَ يَفْعُلُ) يجيء
بفتح العين مثل:
المَحْضَر، المَقْعَد، المَخْرَج، إلا ما شَذَّ عنه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا
دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37)
قرأ يعقوب وحده (لَنْ تَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا
دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ تَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) بالتاء في
الحرفين.
وقرأ الباقون بالياء فيهما.
قال أبو منصور: إذا تقدم فعل الجماعة فأنت بالخيار إن شئت
أنَّثْتَ وإن
شئت ذكَّرْت.
فمن ذكَّره ذهب به إلى الجمع وهو مذكر، ومن أنَّثَ ذهب
به إلى الجماعة وهى مؤنثة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ
آمَنُوا (38)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إن الله يَدْفَعُ) بغير ألف.
وقرأ الباقون (يُدافِعُ) بألف.
(2/181)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يدافع) فهو من
دافع يُدافع، بمعنى: دفع.
وقد جاءت حروفٌ على (فاعل) للواحد، منها: قاتله اللَّه، وعافاه
اللَّه،
وعاهدت الله.
وَمَنْ قَرَأَ (يدفع) فهو من دفع يدفع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ (39)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (أَذِنَ لِلَّذِينَ) بفتح الألف
(يُقاتِلُونَ)
بكسر التاء.
وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (أُذِنَ لِلَّذِينَ)
بضم الألف
(يُقَاتَلُونَ) بكسر التاء.
وقرأ ابن عامر (أَذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) بفتح الألف
والتاء جميعًا.
وقرأ نافع وحفص: (أُذِنَ) - بضم الألف -، (يُقَاتَل) - بفتح
التاء -.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَذِنَ) بفتح الألف فالمعنى:
أذِنَ اللَّهُ للذين
يُقاِتلون أو: يقاتَلون، و (أنهم ظُلِمُوا) ، أي: أذِنَ لهم
بسبب ما ظلِموا أن
يُقاِتلوا، وكذلك المعنى فيمن قرأ (أذِن) ، وإذا قرئ
(يُقاتِلُونَ) فهم فاعلون،
وإذا قرئ (يقاتَلون) فهم مفعولون.
(2/182)
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ
(40)
قرأ ابن كثير ونافع (لَهُدِمَتْ) خفيفة الدال.
وقرأ الباقون (لهدمَتْ) مشددة.
قال أبو منصور: (لَهُدِّمَتْ) للتكثير، ومن خفف فهو جائز،
كقولك: قُتِل الرجالُ، وقُتِّلوا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكتُهَا
(45)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (أهْلَكتُهَا) بالتاء.
وقرأ الباقون (أَهْلَكْنَاهَا) بالنون.
قال أحمد بن يَحيَى: ما كان من هذا للَّه وحده دون أعوانه فهو
على التوحيد، وما كان على لفظ الجمع فهو ما فعله بأعدائه،
وجائز أن يكون اللفظ لفظ
الجميع، وقد تفرد به أبو عمرو.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ (45)
أخبرني المنذري عن ابن السكيت قال: البئر أنثى، تصغيرها بؤيرة،
وتجمع
ثلاث أبؤر، وتجمع أبئارا، ويقلب فيقال آبار، وتجمع أيضًا بيار
وروي
لورش عن نافع، وابن جماز، ويعقوب، وخارجة (وَبِيرٍ
مُعَطَّلَةٍ) بلا همزة.
(2/183)
قال الأصمعي: سألت نافعًا عن (البير) و
(الذيب) أتهمز؟
فقال: إن كان العرب تهمزها فاهْمِزها.
والباقون يهمزون.
وكذلك قُرئ لنافع بالهمز.
قال أبو منصور: كلام العرب الجيد في (البئر) و (الذئب) الهمز.
ويقال للحفرة البؤرة وبأرت بئرَا، أي: احتفرت بئرًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ
سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، وفي (السجدة) بالتاء.
وقرأ الباقون بالتاء في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطب، وَمَنْ قَرَأَ
بالياء فللغيبة.
والمعنى: إن يومَا عند ربك من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة
مما تعدون
فى الدنيا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (في آيَاتِنَا مُعَاجِزينَ (51)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (مُعَجِّزِينَ) بغير ألف، وكذلك في
سورة سبأ.
وقرأ الباقون (مُعَاجِزينَ) حيث وقع.
(2/184)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُعَجِّزِينَ)
فمعناه: مثبِّطين.
وَمَنْ قَرَأَ (مُعَاجِزينَ) فإن الفراء قال: معناه معاندين.
وقال غيره: معنى (مُعَاجِزينَ) أي: ظانين أنهم يعجزوننا، أي:
يفوتوننا؛ لأنهم ظنوا أنهم لا يبعَثون، وكانوا يقولون: لا بعثٌ
ولا جنةٌ ولا نارٌ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا (58)
قرأ ابن عامر وحده (ثُمَّ قُتِّلُوا) بتشديد التاء.
وخفف الباقون.
قال أبو منصور: وقد مرَّ الجواب عنهما آنفًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ
الْبَاطِلُ. . (62)
وأشباهه.
قرأ ابن كثير وابن عامر في رواية ابن الأخرم (وَأَنَّ مَا
تَدْعُونَ) وفي
العنكبوت (إن الله يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ) وفي لقمان (وأنَّ
مَا تَدْعُونَ)
بالتاء في هذه المواضع الثلاثة،
وفي المؤمن (والذين يَدْعُونَ مِنْ دُونهِ) عند رأس العشرين
آية منها.
وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم،
وقرأهن نافع كلهن بالتاء.
وقرأهن أبو عمرو وحفص ويعقوب بالياء.
وقرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى عنه هنا وفي لقمان
بالتاء، وفى العنكبوت والمؤمن بالياء.
وقرأ حمزة والكسائي بالتاء في العنكبوت، والباقي بالياء.
(2/185)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء
فللمخاطب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وكل
ذلك جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ (26)
حرك الياء نافع وحفص عن عاصم.
وأسكنها الباقون.
* * *
وقد حذف من هذه السورة ثلاث ياءات:
قوله: (وَالبَادِ (25) ، (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ (54) ،
(فكَيْفَ كَانَ نَكِير (44) .
وقرأ ابن كثيرٍ (والبادي) بالياء في الوصل والوقف.
ووصلها أبو عمرو بياء.
وكذلك روى ورش والأصمعي وإسماعيل ويعقوب وابن جماز عن نافع مثل
أبي عمرو، وروى قالون والمسيبى وابنا أبي أويس عن نافع بغير
ياء في وصل
ولا وقف، ووقف يعقوب على الثلاث بياء، وحذفها من قوله
(لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا) في الوصل لاجتماع الساكنين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بغير ياء، فللاكتفاء بالكسرة
الدالة على
الياء.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو الأصل.
* * *
(2/186)
سورة الْمُؤْمِنِينَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (لِأَمَانَاتِهِمْ)
قرأ ابن كثير (لأمَانَتِهِمْ) واحدة، وكذلك في سورة واقع.
وقرأ الباقون (لأمَانَاِتهمْ) جماعة في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لأمَانَتِهمْ) فهي واحدة تنوب عن
الجماعة.
وَمَنْ قَرَأَ (لأمَانَاِتهِمْ) فهي جمع الأمانة، وكل ذلك
جائز.
* * *
قرأ حمزة والكسائي (صَلاَتِهمْ)
الباقون (صَلَوَاتِهِمْ)
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْمًا)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (عَظْمًا فَكَسَوْنَا الْعَظْمَ
لَحْمًا)
بغير ألف.
وقرأ الباقون (عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) على
الجمع.
(2/187)
قال أبو منصور: العظم واحد، والعظام جماعة،
وقد ينوب العظم عن
العظام - وكل ما قرئ به فهو جائز، والمعنى واحد، وقد يجوز من
التوحيد
إذا كان في الكلام دليل على الجمع ما هو أشد من هذا،
قال الراجز:
في حَلْقِكمْ عَظم وقد شَجِينَا
يريد: في حُلوقكم عظام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ طُورِ سِيْنَاءَ (25)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (سِيناء) بكسر السين.
وقرأ الباقون (سَيْنَاء) بفتح السين.
* * *
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تُنْبِتُ) بضم التاء وكسر
الباء.
وقرأ الباقون (تَنْبُتُ) بفتح التاء وضم الباء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَيْنَاء) فهو اسم للمكان على وزن
(صَحْرَاء)
لا يجرى.
وَمَنْ قَرَأَ بكسر السين فليس في الكلام على وزن (فِعْلاء)
بناء
على أن الألف للتأنيث؛ لأنه ليس في الكلام ما فيه ألف التأنيث
على وزن
(2/188)
(فِعْلاَء) ، وما كان في الكلام نحو:
حِرباء، وعِلْبَاء، وخْرِشاء.
فهو منصرف مذكر، فكأنَّ من قرأها (سِينَاء) جعلها اسمًا
للبقعة، ولم يصرفها.
وقيل: (سَيْناء) : حجارة.
والله أعلم بما أراد.
وأما مَنْ قَرَأَ (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)
فإن الفراء قال: نبت وأنبتَ بمعنًى واحد،
وأنشد قول زهير:
رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتِهمْ ... قَطِيناً لهم حتى إذا
أَنْبَتَ البَقْلُ
ويروى: "حَتى إذَا نَبَتَ".
ومعنى (تَنْبُت بالدهن) : تَنْبُتُ وفيها دهن.
كقولك: جاءني زيدٌ بالسيف، أي: جاءني ومعه السيف.
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت حاد بن
سلمة
يقرأ (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ
بِالدُّهْنِ)
فسألته فقال: (تُنبِتُ الدهْنَ) ، و (تَنبُتُ بالدُّهن) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مُنْزَلًا مباركًا. . (29)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَنْزِلًا) بفتح الميم، وبكسر
الزاي.
وقرأ الباقون (مُنْزَلًا) بضم الميم وفتح الزاي.
(2/189)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَنْزِلاً)
فهو موضع النزول، من نَزَل يَنْزِلُ.
وَمَنْ قَرَأَ (مُنزَلاً) فله وجهان:
أحدهما: مصدر أنزله إنزالاً ومُنْزَلاً.
والوجه الثاني: الموضع الذي ينزلون فيه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رُسُلَنَا تَتْرَا. . (44)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (تَتْرًا) منونة، ووقفا بألف.
وقرأ الباقون (تَتْرَا) غير منونة.
ووقف حمزة والكسائي بياء.
قال أبو منصور: قال أبو العباس: مَنْ قَرَأَ (تَتْرًا) فهو مثل
شكوت شكوى،
و (تَتْرًا) كان في الأصل: وتْرَا: فقلبت الواو تاء، فقيل:
تَتَرتُ تَتْرًا.
قال وهكذا قال أبو عمرو، وهو من (تَتِرْتُ) .
قال أبو العباس: وَمَنْ قَرَأَ (تَتْرَا) فهو على (فَعْلى) ،
كقولك شكوتُ شكوَى، غير منونة؛ لأن فَعْلى لا تنون، ونحو ذلك.
قال أبو إسحاق مَنْ قَرَأَ بالتنوين فمعناه: وَترًا، فأبدل
التاء من الواو،
كما أبدلت في: تَوْلَجُ وتُرَاث، أصلهما: وَوْلَج ووُرَاث.
وَمَنْ قَرَأَ (تَتْرَا) فهو ألف التأنيث. .
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سألت يونس عن
قوله: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) ؟
قال: منقطعة متفاوتة، وجاءت الخيل تترا، إذا جاءت متقطة، وكذلك
الأنبياء بين كل نبيين دهر طويل.
وقال أبو هريرة:
(2/190)
لا بأس بقضاء رمضان (تترى) ، أن تصوم يومًا
وتفطر يومًا، ولا يُسْردُ
القُوم سَردًا.
قال أبو منصور: القراءة بـ (تَتْرًا) جائزة بمعنى: وترًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزََّ: (وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ (52)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (وَأَنَّ هَذِهِ) بفتح
الألف وتشديد
النون.
وقرأ الكسائي وعاصم وحمزة (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ) بكسر
الألف وتشديد
النون.
وقرأ ابن عامر (وَأَنْ هَذِهِ) بفتح الألف ساكنة النون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ هَذِهِ) بكسر الألف جعله
مستأنفًا.
وَمَنْ قَرَأَ بفتح الألف فالمعنى: ولأن هذه أمتكم، أي: لأن
دينكم دين واحد، وهو الإسلام، أعْلَمَ الله أن قومًا جعلوا
دينهم أديانًا
فقال (فَتَقَطَّعُوا أمْرهُمْ بينَهُمْ) .
وأما قراءة ابن عامر (وأنْ هذه) بفتح الألف ساكنة النون فإنه
خفف
النون وأعملها، فجعل (هذه) في موضع النصب، وجائر أن يجعل (هذه)
في
موضع الرفع إذا خفف (أنْ) .
(2/191)
وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (وأن هذه أمتكم
أمة واحدة) (أمتكم)
رفع خبر هذه.
المعنى: وأنَّ هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا
افترقت لم تكن على الحق.
قال: وقرئت (أمةٌ واحدةٌ) على أنه خبرٌ بعد خبرٍ، ومعناه: وأن
هذه أمة
واحدة ليست أممًا.
قال: ويجوز (أُمَّتكم) على معنى التوكيد، كأنه قال:
"إنَّ أمتكم كلَّها أمة واحدة"
وقال الفراء: من نَصب (أمة) فعلى القطع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
قرأ نافع وحده (تُهْجِرون) وقرأ الباقون (تَهْجُرون) بفتح
التاء وضم
الجيم.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَهْجُرون) فالمعنى: إنكم إذا
سَمَرْتُم هجرتم النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن، من
الهِجْراَن.
وجائز أن يكون معنى (تَهْجُرون) : تهْذِرون، من قولك: هجر
الرجل في منامه إذا هذى، والمعنى: أنكم تقولون فيه ماليس فيه،
وما لا يضره، فهو كالهذيان.
وَمَنْ قَرَأَ (تُهْجِرُون) فمعناه: تُفْحِشُون، من أهجرت.
والاسم: الهُجْرُ، وكانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم -
إذا خَلَوْا حول البيت ليلاً، حدثنا الحسين عن عثمان عن
(2/192)
عفان قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا
حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن
عباس قال: كان يقرأ (سَامِرًا تَهْجُرُونَ) يقول: الهجرُ في
القول.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لما تُوعَدُون (36)
اتفقوا على فتح التاء في الإدارج، ووقف الكسائي وحده على
(هَيْهَاه) .
ووقف الباقون على الأولى بالتاء وعلى الثانية بالهاء.
قال أبو منصور: أما ما قاله الكسائي من الوقوف عليهما معًا
بالهاء فلأن
تاءهما في الأصل هاء، فإذا تحركت صارت تاء، وإذا وقفت عليها
كانت هاء
كهاء المؤنثات، مثل هاء الرحمة، والصلاة، والحسنة،
وأمَّا من وقف على الأولى بالتاء وعلى الثانية بالهاء فلأن
الأولى الإدراج فيها أكثر؛ لأنها وكدَت بالثانية فصارتا شيئا
واحدا، وجعلوا الثانية هاء في الوقف على الأصل.
وقال أحمد بن يحيى: من جعلهما كالحرف الواحد ولا يُفْردُ لم
يقف على
الأولى ووقف على الثانية بالهاء؛ كما يقف على اثنتي عشرة
بالهاء،
ومن نوى الإفراد وقف عليهما بالهاء، لأن الأصل الهاء، فقف كيف
شئت. قال: وكأني أستحب الوقوف على التاء؛ لأن من العرب من
يخفضُ التاء على كل حال.
قال أبو منصور: والقراء كلهم على فتح التاءين في المُضي.
(2/193)
ودخول اللام في قوله (لِمَا تُوعَدُون)
كإدخالهم اللام في (هَلُمَّ لَكَ) ، والعرب
تقول: هَيْهَاتَ أنتَ مِنا، وَهَيْهَاتَ لَكَ، وهَيْهَات
لأرضِكَ، وهَيْهَاتَ
لأهلِكَ.
جعلوا (هَيْهَاتَ) أداة ليست مأخوذة من فعل، ولذلك جاز إدخال
اللام
في (لِمَا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (85) ، 87، 89)
قرأ أبو عمرو ويعقوب الأول (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ، والثاني
والثالث
(سَيَقُولُونَ اللَّهُ) (اللَّهُ) .
وقرأ الباقون (لِلَّهِ) (لِلَّهِ) (لِلَّهِ) .
قال أبو منصور: أما الأولى فلم يختلف القراء فيها؛ لأن جواب
الاستفهام
في (لِمَن الأرْض؟) (لِلَّهِ) فرجعت في خبر المستفهم باللام
أيضًا.
وأما الأخريان فإنَّ أبا عمرو جعل خبر المستَفهم (اللَّهُ)
(اللَّهُ) ، لأنه لا لام في قوله (قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ) ،
وهذا الذي اختاره أبو عمرو في العربية أبين: لأنه مردود مرفوع،
فجرى جوابه على مبتدأ به،
وأما مَنْ قَرَأَ الثانية والثالثة باللام فعلَّته أن الجواب
خرج على المعنى لا على اللفظ.
ألا ترى أنك لو قلت لرجل: من مَولاَكَ؟ .
فقال: أنا لِفُلان. كفاك من أن يقول: مولاي فلان "
فلما كان المعنيان واحد جرى ذلك في كلامهم،
وقد جاء في الشعر مثله، أنشد الفراء لبعض العامريين:
وأعْلمُ أنني سَأكُونُ رَمْسًا ... إذَا سَارَ النواجِعُ لاَ
أسيرُ
فَقَال السائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُم ... فَقَال المُخبِرونَ
لَهُمْ وَزِيرُ
(2/194)
كان وجه الكلام أن يقول فَقَالَ
المُخْبِرُونَ لَهُمْ: لِوَزِير.
فَرَفَعَه، وأراد: الميت وزيرٌ.
النواجعُ: الذين يخرجون إلى البادية من المرتع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (92)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص (عَالِمِ الْغَيْبِ)
خفضَا.
وقرأ الباقون (عَالِمُ الْغَيْبِ) رفعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عالمِ الغيبِ) بالكسر ردة على
قوله: (سُبحَانَ
اللهِ. . عَالِمِ الْغَيْبِ) .
وَمَنْ قَرَأَ (عالمُ الغيب) فهو استئناف.
والدليل على ذلك دخول الفاء في قوله: (فَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ) كأنه أراد: هو عالم الغيب والشهادة فتعالى.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلِّي أعْمَلُ صَالِحًا (100)
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر
وأرسلها الباقون.
(2/195)
وقوله جلَّ وعزَّ: (شَقَاوَتُنَا (106)
قرأ حمزة والكسائي (شَقَاوَتُنَا) بفتح الشين، والألف.
وقرأ الباقون (شِقْوَتُنَا) بكسر الشين.
وروى بكار عن أبان قال: سألت عاصمًا عن
هذا الحرف فقال: إن شئت فاقرأ (شَقَاوَتُنَا) وإن شئت
(شِقْوَتُنَا)
قال أبو منصور: أما (شَقْوَتُنَا) بفتح الشين فهي قليلة في
القراءة،
وأما (شِقْوَتُنَا) و (شَقَاوَتُنَا) فلغتان قرى بهما.
وأنشد الفراء:
كُلِّفَ مِنْ عَنائِهِ وشِقْوَتِهْ ... بنتَ ثمانِيَْ عَشْرةٍ
مِنْ حِجَّتِهْ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا (110)
قرأ نافع وحمزة والكسائي (سُخْرِيًّا) بضم السين ها هنا وفي
(ص) وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم.
وقرأ الباقون (سِخْرِيًّا) بكسر السين في السورتين.
واتفقوا على ضم السين في الزخرف، في قوله: (سُخْرِيًّا) .
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن ابن معاذ عن يونس قال: مَنْ
قَرَأَ (سُخْرِيًّا)
فهو من السُّخْرة.
وَمَنْ قَرَأَ (سِخْرِيًّا) فهو من الهُزُؤ.
(2/196)
قال أبو منصور: وروي عن الكسائي والخليل
وسيبويه أنهما بمعنىً واحد
كقول العرب: بحر لُجِي، ولِجِي - وكَوْكَب دُريّ، ودِريّ.
منسوب إلى الدُّرّ - والعُصي والعِصي، جع العَصا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
قرأ حمزة والكسائي (إِنَّهُمْ) بكسر الألف،
وكذلك روى خارجة عن نافع.
وقرأ الباقون (أَنَّهُمْ) بفتح الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِنَّهُمْ) فهو استئناف كأنه قال:
(إني جَزَيتُهم اليوْم بما صبَرُوا) فقال: (إِنَّهُمْ هم
الفائزون) .
وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّهُمْ) فالمعنى: أني جزيتهم اليوم بصبرهم
الفَوْزَ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ.. (112) ، (قَالَ
إِنْ لَبِثْتُمْ (114)
قرأ ابن كثيرا (قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ) على الأمر، (قَالَ إِنْ
لَبِثْتُمْ) على الخبر.
وقرأ حمزة والكسائي (قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ) ، (قُلْ إِنْ
لَبِثْتُمْ) على الأمر جميعًا
وقرأ الباقون (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) ، (قَالَ إِنْ
لَبِثْتُمْ) بالألف فيها جميعًا.
(2/197)
قال أبو منصور:
(قَالَ) : فعل ماض، وهو خبر. و (قُلْ) أمر لمن يأمره الله
بسؤالهم إذا بُعِثُوا.
وقوله: (إنْ لَبثتمْ) معناه: ما لَبِثتم إلَّا قَلِيلاً.
وقوله: (كمْ لَبِثتئم) في موضع النصب بقوله (لَبِثتم)
و (عَدَدَ سنينَ) منصوب بـ (كَمْ) .
واتفق القراء على إدغام اللام في الراء من قوله:
(وقُل رَّب أعُوذُ بكَ. . . (97) ، وتَرْكِ الإظهار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
(115)
قرأ حمزة والكسائي (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تَرْجِعُونَ)
بفتح التاء وكسر الجيم.
وقرأ الباقون (لَا تُرْجَعُونَ) بضم التاء وفتح الجيم.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لا تَرْجِعُون) فالفعل لهم.
وَمَنْ قَرَأَ (لا تُرْجَعُون) فهم مفعولون.
يقال رجعته فرجع، ومثله نَقَصْتُه فنقص.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ (101)
قرأ يعقوب وحده (فَلَا أَنْسَابْ بَّيْنَهُمْ) مدغمة.
وكذلك أدغم الباء من قوله (لَذَهَبْ بِّسَمْعِهِمْ) و
(العَذَابْ بِّالمغْفِرَة) ،
و (الصاحبْ بِّالجنب) في هذه الأربعة المواضع، ويظهرها في
غيرها.
(2/198)
قال أبو منصور: اتفق القراء على إظهار
الباءين في هذه الحروف؛ لأنهما من
كلمتين.
* * *
وقد حذف من هذه السورة ست ياءات: (بِمَا كَذَّبُونِ (26) ،
(39)
(فاتقُون (52) ، (أَنْ يَحْضُرُونِ (98) ، (ارْجِعُونِ (99) ،
(وَلَا تُكَلِّمُونِ (158) ،
وقد أثبتهن يعقوب في الوصل والوقف.
قال أبو منصور: هذه الياءات في الأصل ثابتة، ومن حذفها اجتزى
بالكَسَراتِ.
* * *
__________
(1) هذا الكلام فيه نظر فقد أدغم السوسي عن أبي عمرو المثلين
من كلمتين في كل القرآن بشروط قال الإمام الشاطبي - رحمه الله
-
بَابُ الإدْغَامِ الْكَبِيرِ (42)
116 - وَدُونَكَ الاِدْغَامَ الْكَبِيرَ وَقُطْبُهُ. . . أَبُو
عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ فِيهِ تَحَفَّلَا
117 - فَفِي كِلْمَةٍ عَنْهُ مَنَاسِككُّمْ وَمَا. . .
سَلَككُّمْ وَبَاقِي الْبَابِ لَيْسَ مُعَوَّلَا
118 - وَمَا كَانَ مِنْ مِثْلَيْنِ فِي كِلْمَتَيْهِمَا. . .
فَلاَ بُدَّ مِنْ إدْغَامِ مَا كانَ أَوَّلَا
119 - كَيَعْلَمُ مَا فِيهِ هُدًى وَطُبِعْ عَلَى. . .
قُلُوبِهِمُ وَالْعَفْوَ وَأْمُرْ تَمَثَّلَا
120 - إِذَا لَمْ يَكُنْ تَا مُخْبِرٍ أَوْ مُخَاطَبٍ. . . أوِ
الْمُكْتَسِي تنْوِينَهُ أَوْ مُثَقَّلَا
121 - كَكُنْتُ تُرَاباً أَنْتَ تُكْرِهُ وَاسِعٌ. . . عَلِيمٌ
وَأَيْضاً تَمَّ مِيقاَتُ مُثِّلَا
122 - وَقَدْ أَظْهَرُوا فِي الْكَافِ يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ. .
. إِذِ النُّونُ تُخْفَى قَبْلَهَا لِتُجَمَّلَا
123 - وَعِنْدَهُمُ الْوَجْهَانِ في كُلِّ مَوْضِعٍ. . .
تَسَمَّى لِأَجْلِ الْحَذْفِ فِيهِ مُعَلَّلَا
124 - كَيَبْتَغِ مَجْزُوماً وَإِنْ يَكُ كاذِبا. . . وَيَخْلُ
لَكُمْ عَنْ عَالِمٍ طَيِّبِ الْخَلَا
125 - وَيَا قَوْمِ مَالِي ثُمَّ يَا قَوْمِ مَنْ بِلاَ. . .
خِلاَفٍ عَلَى الْإِدْغَامِ لاَ شَكَّ أُرْسِلَا
126 - وَإِظْهَارُ قَوْمٍ آلَ لُوطٍ لِكَوْنِهِ. . . قَلِيلَ
حُرُوفٍ رَدَّه مَنُْ تَنَبَّلَا
127 - بِإِدْغاَمِ لَكَ كَيْدًا وَلَوْ حَجَّ مُظْهِرٌ. . .
بِإِعْلاَلِ ثَانِيهِ إِذَا صَحَّ لاَعْتَلَا
128 - فَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ هَاءٌ اَصْلُهَا. . .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ وَاوٍ ابْدِلَا
129 - وَوَاوَ هُوَ الْمَضْمومُ هَاءً َكَهُو وَمَنْ. . .
فَأَدْغِمْ وَمَنْ يُظْهِرْ فَبِالْمَدِّ عَلَّلَا
130 - وَيَأْتِيَ يَوْمٌ أَدْغَمُوهُ وَنَحْوَهُ. . . وَلاَ
فَرْقَ يُنْجِي مَنْ عَلَى الْمَدِّ عَوَّلَا
131 - وَقَبْلَ يَئِسْنَ الْيَاءُ في الَّلاءِ عَارِضٌ. . .
سُكُونًا أَوَ اصْلاً فَهُوَ يُظْهِرُ مُسْهِلَا
(2/199)
سورة النُّورِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَفَرَضْنَاهَا) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وَفَرَّضْنَاهَا) بتشديد الراء.
وقرأ سائر القراء (وَفَرَضْنَاهَا) بتخفيف الراء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَفَرَّضْنَاهَا) بالتشديد
فالمعنى: أنزلنا منها فرضا
بعد فرض، فلما كثرت شُدد الفعل.
ومعنى فرَّضنا: بيَّنَّا وفصلنا ما فيها من أمر ونهي وتوقيف
وحدٍّ.
ومن خففَ فمعناه: ألزمناكُمْ العمل بما بُيِّن فيها من
الواجبات والحقوق.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ اللَّهِ)
قرأ ابن كثير وحده (رَأَفَةٌ) مفتوحة الهمزة، وفي الحديد
(رَأْفَةٌ) ساكنة
وقرأ الباقون رَأْفَةٌ ساكنة الهمزة في السورتين، إلا أن أبا
عمرو يطرحها
وأمثالَها إذا أدرج القراءة في الصلاة على ما روي عنه.
قال أبو منصور: هما لغتان (الرَّأْفَةٌ) و (الرَّآفَةٌ) بوزن
الرَّعْفَة والرَّعَافَة،
ومثله: الكأبةُ والكآبة، والسأمة والسآمة - وكأنَّ الرأفة مرة
واحدة، والرآفة مصدر كقولك ضَؤلَ ضآلة.
__________
(1) قال السَّمين الحلبي:
قوله: {رَأْفَةٌ} قرأ العامَّةُ هنا، وفي الحديد، بسكون
الهمزة، وابنُ كثير بفتحها. وقرأ ابن جُرَيْج وتُروى أيضًاً عن
ابن كثير وعاصم» رَآفة «بألفٍ بعد الهمزة بزنةِ سَحابة، وكلُها
مصادِرُ ل رَأَفَ به يَرْؤُف. وقد تقدَّم معناه. وأشهرُ
المصادرِ الأولُ. ونقل أبو البقاء فيها لغةً رابعةً: وهي
إبدالُ الهمزةِ ألفاً. ومثلُ هذا ظاهرٌ غيرُ محتاجٍ للتنبيهِ
عليه فإنها لغةٌ مستقلةٌ وقراءةٌ متواترة. اهـ (الدر المصون) .
(2/201)
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ) ، (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ) رفعَا.
وقرأ الباقون (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أربعُ) بالرفع على خبر الابتداء،
المعنى: فشهادة
أحدهم التي تدرأ حدَّ القاذف أربع.
ومن نصب (أَرْبَعَ) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات
بالله - والشهادة ها هنا: الأيمان، لا كشهادة شاهد.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ. . .) ، (أَنَّ
غَضَبَ اللَّهِ)
قرأ نافع ويعقوب (أنْ) ساكنة النون خفيفة، و (لعنةُ الله) رفع،
(أنْ غضِبَ الله) فعل ماض.
قرأه نافع وحده.
وقرأ يعقوب (أَنَّ غَضَبُ اللَّهِ) بفتح الغين والضاد وضم
الباء.
وقرأ الباقون (أَنَّ لَعْنَتَ) و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ)
بتشديد النون،
والنصب فيهما.
قال أبو منصور: العرب إذا شددت (أنَّ) نصبت الاسم، وإذا خففت
ووليها فهو اسم مرفوع،
وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) بفتح الغين والضاد فهو
مصدر.
وَمَنْ قَرَأَ (أنْ غَضِبَ اللهُ) فَغَضِبَ فعل ماضٍ.
(2/202)
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ)
قرأ حفص وحده (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) نصبًا.
وقرأ الباقون (وَالْخَامِسَةُ) بالرفع.
قال أبو منصور: من نَصبَ (الخامسةَ) فالمعنى: وليشهد الخامسةَ.
وَمَنْ قَرَأَ (والخامسةُ) فهي معطوفة على قوله: (فشَهادَةُ
أحدِهم أربعُ) ، بالرفع.
وقال الفراء: الخامسة في الآيتين مرفوعتان بما بعدهما من
(أنَّ) و (أنَّ) ، ولو
نصبتهما على وقوع الفعل كان صوابًا، كأنك قلت: وليشهد الخامسةَ
بأنَّ
لعنة الله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ)
قرأ يعقوب الحضرمي وحده (وَالَّذِي تَوَلَّى كُبْرَهُ) بضم
الكاف.
وكَسَرها الباقون.
قال أبو منصور: قرأ حميد الأعرج (كُبْرَهُ) بضم الكاف أيضًا.
وقال الفراء: الضم في الكاف وجه جيد في النحو، لأن العرب تقول:
فلان تولى عُظْمَ أمر كذا وكذا، أى أكثره.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد قال: قرأ بعضهم
(كُبْرَه) بضم الكاف، وأظنها لغة، فأما الذى سمعناه
(2/203)
فبكسر الكاف.
وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (كِبْرَهُ) فمعناه: من تولَّى الإثمَ
في ذلك.
وَمَنْ قَرَأَ (كُبْرَهُ) أراد: مُعظمهُ.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: كُبْرُ الشيء
معظمُهُ،
قال: ويقال: كِبْرُ سِياسَةِ الناس في المال (والكِبْرُ من
التكبر بالكسر.
قال: ويقال: الولاء للكُبَرِ، وهو أكبرُ ولد الرَجل.
وأنشد:
تتامُ عَنْ كِبْرِ شَأنِهَا فَإذَا ... قَامت رُوَيدًا تَكَادُ
تَنْغَرِفُ
قال أبو بنصور: وهذا هو الصحيح، والقراءة بكسر الكاف لا غير.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
(24)
قرأ حمزة والكسائي ((يَوْمَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء (تَشْهَدُ) .
(2/204)
قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ
بالتاء فلتأنيث الألسنة.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتذكير اللسان، ولأن الفعل إذا تقدم
كأنه للجمع.
وأخبرني المنذري
عن الحرافي عن ابن السكيت قال: سمعت أبا عمرو يقول:
اللسان نَفْسُه يذكر ويؤنث.
فمن أنث اللسان جمعهُ ألْسُنًا، ومن ذكَره جمعه ألْسِنةً.
قال: وأكثر العرب على تذكير اللسان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ
(31)
قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ)
نصبًا.
وقرأ الباقون (غَيْرِ أُولِي) خفضًا.
قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) بالخفض
فلأنه نعت للتابعين، وليس
التابعون بِمُوَقَّتين، فكذلك صلحتأ (غَيْرِ) نعتا لهم وإن
كانوا معرفة.
(2/205)
وَمَنْ قَرَأَ (غَيْرَ) بالنصب فلأن
(غَيْرَ) نكرة، فنصبت على القطع.
وإن شئت نَصْبته على الاستثناء، فتضع (إلا) في مرضع (غَيْرَ)
فيصلُح، والوجه الأول أجود هما.
وأبو العباس ذهب إلى الاستثناء في هذا الموضع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ (31)
روى عباس عن أبي عمرو (وَلِيَضْرِبْنَ) بكسر اللام.
وقوله (وَلِيَضْرِبْنَ) يجعلها لام كي.
وجزم الباقون اللام.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالكسر فلأن هذه اللام في الأصل
مكسورة قبل
دخول الواو عليها.
ومن جزم اللام فلاستثقال الكسرة بين حركتين.
والقراء على تسكين اللام.
* * *
وقوله جلْ وعزَّ: (أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ (31)
و (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ) (أَيُّهَ الثَّقَلَانِ)
قرأ ابن عامر وحده (أَيُّهُ) بضم الهَاء لها فيهن.
وقرأ الباقون بفتح الهاء فيهن.
ووقف أبو عمرو والكسائي: (أَيُّهَا) في
الثلاثة الأحرف.
ووقف الباقون (أَيُّهَ) بغير ألف.
(2/206)
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر
(أَيُّهُ) بضم الهاء فهُو ضعيف في العربية
والقراءة أيُّها الناس: أيُّ اسم مبهم مبني على الضم؛ لأنه
منادى مفرد -، وهاء لازمة لأي للتنبيه، وهى عوض من الإضافة في
(أي) ؛ لأن أصل (أي) أن تكون مضافة إلى الاستفهام والخبر، وإذا
أنثت قلت أيتها المرأة، واجتمع القراء على فتح الهاء في قوله:
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) فدل ذلك على أن القراءة
(يا أيُّها) ، كذلك لا أدري لأحد أن يقرأ (أَيُّهُ) بضم الهاء،
وقد قال أبو بكر بن الأنباري إنَّ (أَيُّهُ)) لغة، وأجاز قراءة
ابن عامر على تلك اللغة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمِشْكَاةٍ (35)
أمال الكسائي وحده الكاف الثانية (كمشكاة) في رواية أبي عمر.
وسائر القراء فخموا الكاف.
وهي اللغة العالية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ تُوقَدُ (35)
قرأ ابن كثير ويعقوب (دُرِّيٌّ) بضم الدال غير مهموز
(تَوَقَّدَ) بفتح
التاء والواو والقاف والدال.
وقرأ أبو عمرو (دِرِّيءٌ) بكسر الدال والهمز،
(تَوَقَّدَ) مفتوحة الحروف.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص (دُرِّيٌّ) مثل ابن كثير،
(يُوقَدُ) بالياء وسكون الواو وضم الدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر،
(2/207)
وحمزة (دُرِّيٌ) بضم الدال ممدودة مهموزة،
(تُوقَدُ) بضم التاء وتسكين الواو وضم الدال.
وقرأ الكسائي (دِرِّيءٌ) مثل أبي عمرو (تُوْقَدُ) مثل حمزة.
وروى هارون عن أبي عمرو (تَوَقَّدُ) رفعٌ مثقل.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دُرِّيٌّ) بلا همز، (تَوَقَّد)
فهو منسوب إلى الدُّرِّ
لصفائه، ونصب (تَوَقَّدَ) لأنه فعل ماض. على (تَفَعَّلَ) .
وَمَنْ قَرَأَ (دِرِّيءٌ) بكسر الدال والراء والهمز فإن
الدِّرِّيء في كلام العرب كل كوكب براق يدرأُ عليك إذا طلع من
الأفق بزُهْرَتِهِ، وهى (فِعِّيل) من درأ يدرأُ، وقال الفراء:
سمي دُرِّيئًا كأنه رُجم به الشيطان فدفعه.
وقال غيره: إنما سمي دِرِّيئًا لأنه يطلع عليك من مطلعه
فُجَاءة، وهو من قولك: درأ علينا فلان وَطَرأ، إذا طلع فجأة،
وهو من الدَّراري.
أخبرني المنذري عن أبي الهيثم بذلك قال: وقال نصير: دُروءهُ:
طلوعه، تقول: دَرَأ علينا.
قال أبو منصور: وهذا القول أحسن من قول الفراء.
وأما قراءة مَنْ قَرَأَ (دُرِّيءٌ) بضم الدال مع الهمز فإن أهل
اللغة لا يعرفونه، وأنكروا القراءة به، وقالوا: ليس في كلام
العرب اسم على (فُعِّيل) . واختلف عن عاصم فيه،
وروى عن الكسائي عن المفضل الضبىّ عن عاصم أنه قرأ (دِرِّيء)
بكسر الدال
__________
(1) قال السمين الحلبي:
قوله: {دُرِّيٌّ} ، قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وياءٍ
بعدها همزةٌ. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياءٍ
بعدها همزةٌ. والباقون بضمِّ الدال وتشديد الياءِ من غيرِ
همزةٍ، وهذه الثلاثةُ في السبع، وقرأ زيد بن علي والضحاكُ
وقتادةُ بفتح الدال وتشديد الياء. وقرأ الزهريُّ بكسرِها
وتشديد الياء. وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيَّب وأبو رجاء
وقتادة أيضًاً «دَرِّيْء» بفتح الدال وتشديدِ الراء وياءٍ
بعدها همزةٌ.
فأما الأولى فقراءةٌ واضحةٌ لأنه بناءٌ كثيرٌ يوجد في الأسماء
نحو «سِكِّين» وفي الصفاتِ نحوِ «سِكِّير» .
وأمَّا القراءةُ الثانية فهي مِنْ الدِّرْءِ بمعنى الدَّفْع
أي: يدفع بعضُها بعضاً أو يَدْفعُ ضوءُها خَفاءَها، قيل: ولم
يوجد شيءٌ وزنُه فُعِّيل إلاَّ مُرِّيْقاً للعُصْفُر
وسُرِّيَّة على قولنا: إنها من السرور، وإنه أُبْدل مِن إحدى
المضعَّفاتِ ياءٌ، وأُدْغِمَتْ فيها ياءُ فُعِّيل، ومُرِّيخاً
للذي في داخلِ القَرْنِ اليابس، ويقال بكسرِ الميمِ أيضًاً،
وعُلِّيَّة ودُرِّيْء في هذه القراءة، وذُرِّيَّة أيضًاً في
قولٍ. وقال بعضهم: «وزن دُرِّيْء في هذه القراءةِ فُعُّول
كسُبُّوح قُدُّوْس، فاستُثْقِل توالي الضمِّ فنُقِل إلى
الكسرِ، وهذا منقولٌ أيضًاً في سُرِّية وذُرِّيَّة.
وأمَّا القراءة الثالثة فتحتمل وجهين، أحدُهما: أَنْ يكونَ
أصلُها الهمزَ كقراءةِ حمزةَ، إلاَّ أنه أَبْدَلَ مِنَ الهمزةِ
ياءً، وأَدْغم، فَيَتَّحدُ معنى القراءتين، ويُحتمل أَنْ يكونَ
نسبةً إلى الدُّر لصفائها وظهورِ إشراقِها.
وأمَّا قراءةُ تشديدِ الياءِ مع فتحِ الدالِ وكسرِها، فالذي
يظهرُ أنه منسوبٌ إلى الدُّر. والفتحُ والكسرُ في الدالِ من
بابِ تغييراتِ النَّسَبِ.
وأمَّا فتحُ الدالِ مع المدِّ والهمز ففيها إشكالٌ. قال أبو
الفتح:» وهو بناءٌ عزيزٌ لم يُحْفَظْ منه إلاَّ السَّكِّينة
بفتح الفاء وتشديد العين «. قلت: وقد حكى الأخفشُ:» فَعَلَيْه
السَّكِّينة والوَقار «و» كوكَبٌ دَرِّيْءٌ «مِنْ» دَرَاْتُه
«.
قولِه: {يُوقَدُ} قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو» تَوَقَّدَ «بزنة
تَفَعَّلَ فعلاً ماضياً فيه ضميرُ فاعِله يعودُ على المصباح،
ولا يعودُ على» كوكب «لفسادِ المعنى. والأخوان وأبو بكر»
تُوْقَدُ «بضم التاءِ مِنْ فوقُ وفتح القافِ، مضارعَ أَوْقَدَ.
وهو مبنيٌّ للمفعولِ. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرٌ يعودُ
على» زجاجة «فاسْتَتَرَ في الفعل. وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ
أنَّه بالياءِ من تحتُ.
والضميرُ المستترُ يعودُ على المصباح.
وقرأ الحسن والسلمي وابن محيصن، ورُوِيَتْ عن عاصم من طريقِ
المفضِّلِ كذلك، إلاَّ أنَّه ضَمَّ الدال، جعله مضارع
«تَوَقَّدَ» ، والأصلُ: تَتَوَقَّد بتاءَيْن، فحُذِفَ إحداهما
ك «تَذَكَّرُ» . والضميرُ أيضًاً للزُّجاجة.
وقرأ عبد الله «وَقَّدَ» فعلاً ماضياً بزنةِ قَتَّلَ مشدداً،
أي: المصباح. وقرأ الحسنُ وسَلاَّم أيضًاً «يَوَقَّدُ» بالياء
مِنْ تحتُ، وضَمِّ الدال، مضارعَ تَوَقَّدَ. والأصلُ
يَتَوَقَّدُ بياءٍ من تحتُ، وتاءٍ مِنْ فوقُ، فَحُذِفَتْ
التاءُ مِنْ فوقُ. هذا شاذٌ إذ لم يتوالَ مِثْلان، ولم يَبْقَ
في اللفظِ ما يَدُلُّ على المحذوف، بخلافِ «تَنَزَّلُ» و
«تَذَكَّرُ» وبابِه؛ فإنَّ فيه تاءَيْن، والباقي يَدُلُّ على
ما فُقِد.
وقد يُتَمَحَّلُ لصحتِه وجهٌ من القياس وهو: أنهم قد حَمَلوا
أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ على يَعِدُ في حَذْفٍ الواوِ لوقوعِها
بين ياءٍ وكسرةٍ فكذلك حَمَلوا يَتَوَقَّد بالياء والتاء على
تَتَوَقَّد بتاءين، وإنْ لم يكنْ الاستثقالُ موجوداً في الياء
والتاء. اهـ (الدر المصون) .
(2/208)
مثل قراءة أبي عمرو، وروى حفص عنه
(دُرِّيٌّ) بلا همز.
وقال نصير: سألت الكسائي: أكان الأعمش يقرأ بهذا؟
فقال: أخبرني زائدة: عن الأعمش
أنه قرأ (دُرِّيٌّ) بغير همز مثل قراءة ابن كثير.
وَمَنْ قَرَأَ (يُوقَدُ) بالياء فهو للمصباح.
وَمَنْ قَرَأَ (تُوقَدُ) بالتاء فهو للزجاجة
وَمَنْ قَرَأَ (تَوَقَّدُ) فهو بمعنى: تتوقد، فحذف إحدى
التاءين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُسَبِّحُ لَهُ فيها (36)
قرأ عبد اللَّه بن عامر وأبو بكر عن عاصم (يُسَبِّحُ لَهُ
فيها) بفتح الباء.
وكسرها الباقون.
قال أبو منصور: قال الفراء: من فتح الباء من (يُسَبَّحُ) رفع
قوله (رِجَالٌ)
بنية فعل مجدّد، أي: يُسَبَّحُ له فيها رجالٌ لا تلْهِيهم
تجارة.
وقال ابن الأنباري: إذا جعلت (في) متعلقة ب (يُسَبحُ) ، أو
رافعة للرجال حسن الوقف على قوله (فيها) .
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (يُسَبِّحُ) بكسر الباء رفع الرجال
بفعلهم في (يسبح) .
وقال أبو إسحاق مَنْ قَرَأَ (يُسَبَّحُ لَهُ فيها) بفتح الباء
يكون
رفع قوله (رجالٌ) على تفسير ما لم يُسَم فاعله، فكأن المعنى
على أنه لما قال:
(يُسَبَّح له فيها) كأنه قيل: من يسبِّح اللَّه؟ .
(2/209)
فقيل: يُسَبِّح رجال كما قال الشاعر.
لِيُبْكَ يََزِيْدُ ضارعٌ لخُصُومَةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا
تُطيحُ الطَّوائحُ
* * *
وقوله جلَّ وعَر: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ (43)
روى ورش عن نافع، والأعشى عن أبي بكر (ثُمَّ يُوَلِّفُ
بَيْنَهُ) بغير همز
والباقون يهمزون.
قال الأزهري: (يؤلف) في الأصل مهموز، فمن خفف جعله واوًا -
وقال الأصمعي: يقال للبرق إذا تتابع لمعانه: وليف،، ووِلاَف،
وقد وَلَفَ يَلفُ وَليفَا، وهو مُخِيل للمطر.
وقال غيره: الوَليفُ: أن يلمع لمعَتين لمعَتين.
وقال صخر الغي:) .
بِشَمَّاء بعد شَتات النَّوَى ... وقد بِتُّ أَخْيَلْتُ
بَرْقاً وَلِيفا
وأنشد ابن الأعرابي لرؤبة:
وَيَومَ رَكْضَ الغَارَةِ الوِلاَفِ
قال ابن الأغراى: أراد بالوِلاَف: الاعْتزاء والاتصال.
(2/210)
قال أبو منصور: قال العجاج.
وَرَبِّ هذا البَلدِ الْمُحرمِ ... والقَاطِنَاتِ البَيْتَ
غيْرِ الدُّيَّم
أوَالِفًا مكةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِ.
أراد بالحَمِ: الحَمَام، فرخم، فقال: الحَمَمَ، ثم حذف إحدى
الميمين فقال:
الحَمِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ (55)
قرأ أبو بكر عن عاصم (كَمَا اسْتُخْلِفَ الَّذِينَ) بضم التاء
وكسر اللام.
وقرأ الباقون (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ) بفتح التاء
واللام.
قال أبو منصور: معنى (كَمَا اسْتَخْلَفَ) : كَمَا اسْتَخْلَفَ
اللَّه الَّذِينَ من قبلهم.
وَمَنْ قَرَأَ (كَمَا اسْتُخْلِفَ الَّذِينَ من قبلهم) الذين،
في موضع الرفع لأنه مفعول لم يُسم فاعله ومعنى استخلفهم، أي:
جعلهم يَخْلُفُون مَنْ قبلهم،
أي: يكونون بدل مَنْ كان قبلهم في الأرض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لكَمْ (58)
(2/211)
قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي
(ثَلَاثَ عَوْرَاتٍ) نصبًا.
وقرأ الباقون (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ) بالرفع.
قال أبو منصور: من نصب (ثلاثَ عورات) فهو يتبعُ الصفة.
المعنى:
ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم وكذا وكذا في أوقات ثلاثَ عورات.
وَمَنْ قَرَأَ (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ) ، أراد: هذه الخصال وقت
العورات.
هكذا قال الفراء.
وتلك الخصال قوله: (مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ
تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ
صَلَاةِ الْعِشَاءِ)
أي: هذه الأوقات ثلاث عورات واختار الفراء الرفع لهذه
العلة، أراد خَلْوَةَ الرجل مع أهله في هذه الأوقات، وتكشُّف
عوراتهما فيها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ (64)
روى اليزيدي، وعبد الوارث عن أبي عمرو:
(وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) بضم الياء، وروى علي بن نصر
وعبيد، وهارون عنه: (وَيَوْمَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ) بفتح
الياء، وكذلك قرأ يعقوب الحضرمي،
وقرأ الباقون (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) بضم الياء وفتح
الجيم.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ)
فهو علي أنه مفعول لم يسم
فاعله والفعل متعدٍّ، يقال: رَجَعْتُه فَرَجَعَ.
وَمَنْ قَرَأَ (يَرجِعون) جعلهم فاعلين، والفعل حِينئذ لازمٌ
* * *
(2/212)
|