معاني القراءات للأزهري

سورة الْفُرْقَان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (يَأكُلُ مِنْها)
قرأ حمزة والكسائي (نَأْكُلُ مِنْهَا) بالنون
وقرأ الباقون (يَأْكُلُ مِنْهَا) بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَأْكُلُ مِنْهَا) فمعناه: يَأْكُلُ الرسول منها، فيبين
فضله.
وَمَنْ قَرَأَ (نَأْكُلُ مِنْهَا) أراد: أو تكونُ له جنة يطعمنا منها، فنَأْكُل معه
منها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مكانًا ضَيِّقًا)
قرأ ابن كثير (مكانًا ضَيْقًا) مخففًا.
وروى بعضهم عن أبي عمرو أيضًا كذلك.
وشدد الباقون (ضَيِّقًا) .
قال أبو منصور: الأصل (ضَيِّق) ، بالتشديد، ثم يُخفف فيقال: (ضَيْق) ،
مثل: هيِّن وهيْن، وليِّن وليْن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)

(2/213)


قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية أبي بكر عنه، وابن عامر
(ويجعلُ لَكَ) رفعًا.
وقرأ الباقون (ويجعل لَّكَ) وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر
بالجزم مثل حفص.
وقال الفراء: من جزم (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا) ردَّه على قوله: (إنْ شَاء جَعَلَ)
و (جَعَل) في معنى جزم، لأن المعنى: إن شاء يجعل.
قال الفراء: وقد يكون قوله: (ويجْعَلُ لَكَ) رفعًا وهى في ذلك مجزومة؛ لأنها لام لقيت لامًا فسكنت.
قال: وإن رفعتها رفعًا بيِّنًا فهو جائز.
قال أبو إسحاق: من رفع (ويجعلُ لك) فعلى الاستئناف، المعنى:
وسيجعلُ لك قصورًا، أى: سيعطك الله في الآخرة أكثر مما قالوا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ (17)
قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (ويوم يَحْشُرُهُمْ. . فَيقُولُ) بالياء معًا،
وكذلك روى عبيد وهارون عن أبي عمرو ومثل ابن كثير، وكذلك روى
أبو زيد عن أبي عمرو، (ويومَ يَحشرهم وما يعبدون. . فيقولُ) كله بالياء.
وقرأ ابن عامر (ويوم نَحْشُرُهُمْ. . . فَنقُولُ) بالنون.
وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية اليزيدي وعبد الوارث، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (ويوم نَحْشُرُهُمْ) بالنون، (فَيَقُولُ) بالياء.

(2/214)


قال الأزهري: المعنى واحد في: (نحشرهم) و (يحشرهم) الله حاشرهم، وهو
القائل لهم، لا شريك له، وكله جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ فَمَا يَسْتَطِيعُونَ)
قرأ حفص وحده (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ) بالتاء فيهما. وقرأ الباقون (بما تقولون) بالتاء، (فما يستطعون) بالياء.
قال أدو منصور: أما قراءة حفص (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ)
فمعناه: فقد كذبكُمُ المعبودات من دونه.
(بما تَقُولُونَ) أى بقولكم إنها شركاء الله، أقيمت (ما) مقام المصدر مع الفعل. وَمَنْ قَرَأَ (بما يقولون) فالمعنى: فقد كذبكم معبوداتكم
(بما يقولون) أي: بقولهم: (سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ) .
وَمَنْ قَرَأَ (فما تستطيعون) ، أى: فما تستطيعون يا عبدةَ الأوثان صرفًا، أي صرفًا لعذاب الله.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فالمعنى أن الآلهة لا يسْتطعون صرفًا لعذاب الله عنكم ولا نصرًا لكم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ (25)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحضرمي (تَشَّقَّقُ) بتشديد الشين، وفي
(ق) مثلها مشدد.
وخففها الباقون.

(2/215)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَشَّقَّقُ) أراد تتشقَّق، فأدغم التاء في الشين،
وشددت.
وَمَنْ قَرَأَ (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) بتخفيف الشين، فإنه كان في الأصل (تتشقق)
أيضًا، فحذفت إحدى التاءين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
قرأ ابن كثير وحده (ونُنْزِلُ الملائكةَ) بنونين الثانية ساكنة، (الملائكةَ) نصبًا.
وقرأ الباقون (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ) فهو على ما لم يسم فاعله.
وَمَنْ قَرَأَ (ونُنزِلُ الملائكةَ) فهو من قول الله، و (الملائكةَ) نصبٌ لأنه مفعول به.
قال: والقراءة المختارة: (وَنُزِّلَ) بالتشديد؛ لأنه قيَّده بقوله (تَنْزِيلًا)
ومن أجاز (ونُنْزِلُ) قال: الإنزال، والتَنزيل واحدٌ، وهو كقوله جلَّ وعزَّ:
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
حرك الياء أبو عمرو، وأبو خليد عن نافع.
* * *
وقوله: (إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا (30)
حرك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
وأسكنها الباقون، وأسكنها قنبل عن ابن كثير.

(2/216)


وقوله: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
أمال حمزة والكسائي التاء من (يَا وَيْلَتى) .
وَفَخَّمها الباقون.
قال أبو منصور: الإمالة في (يا ويلتى) والتفخيم لغتان جيدتان، والمعنى في
(يا وَيْلَتى) : شيئان:
أحدهما أنه أراد (يَا وَيْلَتى) فلما سكنت الياء قلبت ألفًا.
ومثله: يا بَابي، ويَا بَابا.
والوجه الآخر في (يا وَيْلَتى) أنه بمعنى: يا ويلتاه، فحذفت هاء الندبة، ومثله: يا لَهْفى، ويَا لَهْفَتَاه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا (65)
قرأ حمزة والكسائي (لمَا يَأمُرُنَا) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنَسْجُدُ لِمَا يأمُرُنَا) بالياء فمعناه: أن الكفار قالوا:
أنسجد لما يأمرنا محمد؟ ومعنى استفهامهم الإنكار، أي: لا نسجد للَّهِ وحده دون الشركاء.
ويجوز أن يكون (ما) بمعنى (مَنْ) .
وَمَنْ قَرَأَ (أَنَسْجُدُ لِمَا تأمرنا)
فهو خطاب من الكفار للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي: لا نسجد لما تأمرنا أن نسجد له وحده.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا (67)

(2/217)


قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو والحضرمي (لمْ يَقْتِروا) بفتح الياء وكسر التاء.
وقرأ نافع وابن عامر (لم يُقْتِرُوا) وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن
عاصم.
وقرأ الكوفيون (لَمْ يَقْتُرُوا) بفتح الياء وضم التاء.
قال أبو منصور: وهي كلها لغات جائزة، قَتَر يَقْتِر، ويَقْتُر، وأقترَ،
يُقْتِرُ إذا قتَّرَ النفقة ولم يوسعها، وقتَر وقتَّر وأقتر إذا ضيَّق النفقة، والمعنى:
أن الله - عزَّ وجلَّ - وصفهم بأنهم ينفقون نفقة قصدًا لا إسراف فيه حتى يُضطروا إلى تكفف الناس، ولا يضيقونها تضييقًا يضرُّ بهم وبمن يعُولون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
قرأ ابن عامر (يُضعفُ. . . ويخْلُدُ) بالرفع فيهما أيضًا.
وقرأ الباقون: (يُضَاعَفْ. . . ويخْلُدْ) بالجزم فيهما.
قال أبو منصور: يقال: ضعَّفْتُ له الشيء، وضاعفته، بمعنى واحد،
كقولك: باعدته وبعدَّته، وصعَّرَ خذه وصاعره.
من جزم قوله (يُضَاعَفْ. . . ويَخلدْ) فعلى أنه جواب للشرط.
وَمَنْ قَرَأَ (يضاعفُ. . . ويَخْلُدُ) رفعًا
فعلى أنهما تفسير لقوله: (يَلْقَ أثَامًا) ، كأن قائلاً قال: ما يُلَق أثامَا؟
فقيل: يُضَاعفُ

(2/218)


للإثم العذابُ.
وهذا قول أبي إسحاق النحوي.
وقال سيبويه: من جزم (يُضَاعفْ) فلأنَّ مُضاعفة العذاب لُقيُّ الأثام
وكذلك جزمت.
وقال الفراء: كل مجزوم فسرته ولم يكن فعلاً لما قبله فالوجه فيه الجزم،
وما كان فعلاً لما قبله فالوجه فيه الرفع.
قال: والمفسِّر للمجزوم ها هنا (ومَن يَفْعَلْ ذلك يلق أثَامًا)
ثم فسر الأثام فقال: (يُضَاعَفْ لَهُ العذَابُ) بالجزم.
قال: ومثله في الكلام: إن تُكَلمْنى تُوصِني بالخير والبِرّ أقبِلْ منكَ، بالجزم، ألا ترى أنك فسرت الكلام بالبرِّ ولم يكن فعلاَ له فلذلك جَزمت؟ .
ولوكان الثاني فعلاً للأول لرفعته كقولك:
إن تأتنا تطلبُ الخير تجدْه.
ألا ترى أن (تطلب) فعل للإئيان، كقولك وإن تأتنا طالبًا للخير تَجدْهُ - وأنشد قول الحطيئة:
متى تَأْتِه تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نارِه ... تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوْقِدِ
فرفع (تَعْشُوا) ؛ لأنه أراد: متى تأته عاشيًا.
قال الفراء: ورفع عاصم (يُضَاعَفُ له العذابُ) على الاستئناف، كما تقول: إن تأتنا نُكرِمْكَ نُعطيك كلَّ ما تريد، لا على الجزاء.
ولكن على الاستئناف.

(2/219)


واتفق القراء على (يَخْلُدْ) بفتح الياء وضم اللام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِيهِ مُهَانًا (69)
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم: (فِيهِ مَهَانًا) بياء في اللفظ.
وقرأ الباقون (فِيهِ مُهانًا) مختلسًا.
قال الأزهري: هما لغتان، وقد مرَّ تفسيرهما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (74)
قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي (وَذُرِّيَّتِنَا) واحدة.
وقرأ الباقون (وَذُرِّيَّاتِنَا) جماعة.
قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتين؛ لأن الذريّة تنوب عن الذريات،
فاقرأ كيف شئت.
* * *
ْوقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

(2/220)


قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وَيَلْقَوْنَ فيها) مفتوحة الياء وساكنة اللام
خفيفة، وكذلك قرأ ابن عامر فيما روى محمد بن الحسن، ورواه ابن ذكوان
عن أيوب عنه، وقد رُوى عنه التشديد مثل أبي عمرو.
وقرأ الباقون (وَيُلَقَّوْنَ) بضم الياء، وفتح اللام، وتشديد القاف.
وقال الفراء (يَلْقَوْن) أعجب إليَّ في القراءة؛ لأن القراءة لو كانت على (يُلقَّوْنَ) كانت بالباء في العربية؛ لأنك تقول:
نحن نُتَلَقَّى بالسلام، وفُلان يُتَلَقَّى بالسلام وبالخير.
قال أبو منصور: وقال غيره: فلان يَلْقَى الخير، ويَلْقَى به. كما تقول:
أخذت الزمام، وأخذت بالزمام.
والمعنى في (يُلَقَّونَ) : أن اللَّه يُلَقِّي أهلَ الجنة إذا دخلوها مَلائِكَتَهُ بالتحية والسلام.
وَمَنْ قَرَأَ (يَلْقَوْن) فالفعل لأهل الجنة إنهم يلْقَوْن فيها التحية والسلام من ربهم جلَّ وعزَّ.
* * *

(2/221)


سورة الشُّعَرَاءُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (طَسم)
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (طَسم) مفخمةً مدغمة
النون.
وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وأدغم النون في الميم،
وقرأ حمزة والكسائي (طِسم) بكسر الطاء، ونحو ذلك قال يحيى عن أبي بكر عن عاصم، وروى خارجة عن نافع بكسر الطاء أيضًا.
وقال يعقوب عن نافع (ط س م) بقطع كل حرف على حدة،
وأظهر حمزة النون من (طَسم) ما بيَّنَها غيره، إلا ما روى الكسائي عن إسماعيل عن نافع أنه بيّن النون عند الميم مثل حمزة.
وقول يعقوب: بيِّنٌ، وأبو جعفر يوجب تبيين النون لما ذكر عن نافع: أنه يقطع كل حرف على حدته، وكذلك قولهم فِى القصص.
قال الأزهري: هما لغتان جيدتان: الإمالة، والتفخيم.
فاقرأ كيف شئت.
وإدغام النون في الميم حسن لقرب مخرجيهما، ومن اختار التبيين حسن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)

(2/223)


فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي (13)
قرأ يعقوب (وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقَ لِسَانِي) بالنصب.
وقرأ سائر القراء بالرفع.
قال الفراء: من رفع ردَّه على (أخَافُ. . . . وَيَضِيقُ) ،
ومن فتح الحرفين عطفهما على قوله: (أنْ يُكذبون. . . وأنْ يَضِيقَ. . . وأنْ لاَ يَنْطِلقَ لِسَانِي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)
روى عبيد وهارون والخفاف (من عُمْرِكَ) خفيفًا.
وقرأ سائر القراء (مِنْ عُمُرك) مثقَلاً.
قال أبو منصور: هما لغتان، وقد مر ذكر اختلافهم في (لَبِثْتَ) ، واختيار
من اختار الإدغام والإظهار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أنْ أسْرِ بِعِبَادِي إنَّكُمْ. . . (52)
فتح الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون.

(2/224)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (حَذِرون) بغير ألف.
وقرأ الباقون (حَاذِرُونَ) بألف.
قال الفراء: الحَاذِرُ: الذي بحذرك الآن، وكأن الحَذِر: الذي لا تلقاه
إلا حَذِرًا.
والعرب تقول للرجل الذى جُبِلَ حَذَرًا: فلان حَذِر، وحُذُر. وأما الحاذر،
فهو: الذي يَحْذر عند حادث يحدث.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ (حَاذِرُون)
وفسره: إنا ذوو أداة من السلاح، كأن المعنى: إنا أخذنا حذرنا من عدونا
بسلاحنا.
فالحاذر: المستعد. والحذِر: المتيقظ.
وروي عن ابن أبي عمَّار أنه قرأ: (حَادِرُونَ) بالدال، ومعناه: إنا مجتمعون، ومنه قول الشاعر:
وكُلَ رُدَيْنيٍّ إذَا هُزَّ أرْقَلَت ... أنَابِيبُه بَيْن الكُعُوبِ الحَوَادِرِ
قال أبو منصور: وهذه قراءة شاذة، لا يقرأ بها، أعنى الدال.

(2/225)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ (61)
قرأ حمزة وحده (تَرِائى الجَمْعَانِ) بكسر الراء، ثم يأتى بألف ممدودة بعد
الراء ولا يهمز في الوقف.
وكان الكسائي يقف (تَرِائِي) على همزة مكسورة بعد الألف، ويحمل بالفتح. وقرأ الباقون (تَرَاءى الجَمْعَانِ) مفتوحة الراء، ووقفوا (تَرَاءَى)
مفتوحة بعد مدة، وألف بعد الهمزة.
قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (تَرِائى) بكسر الراء ومدة الألف، فإنه ذهب
بها إلى لغة من يقول (راء) في موضع (رأى) ، وكسر الراء لأنها في اللفظ
مكسورة.
وأما قوله: لا يهمز في الوقف. فهو ضعيف جدًّا، وكأنه جعل الهمزة
ألفاً.
ومعنى (تراءى الجَمْعَانِ) : تقابلا، ورأى بعضهم بعضا.
وكلام العرب الجيد ما اجتمع عليه أكثر القراء (تَراءَى الجَمْعَانِ) بوزن (تَرَاعى) ، على أن كسر الراء لغة لبعض العرب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
فتع الياء حفص، وورش عن نافع، ما حركها غير ورش عن نافع.
* * *
وقوله: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
فتح الياء نافع وأبو عمرو أيضًا.

(2/226)


وقوله: (وَاغْفِرْ لِأَبِي (86)
فتح الياءَ نافع وأبو عمرو أيضًا.
* * *
وقوله: (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)
في خمسة مواضع.
فتح ياءهن نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
قرأ الحضرمي وحده (وَأتْبَاعُكَ الأرْذَلُونَ) .
وقرأ الباقون (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)
بتشديد التاء وفتح العين.
قال الأزهري مَنْ قَرَأَ (وَأتْبَاعُكَ) فهو جمع تابع، كما يقال: صاحب
وأصحاب، وشاهد وأشهاد - ومعناه: وأشياعك الأرذلون.
وَمَنْ قَرَأَ (وَاتَّبَعَكَ) فهو بمعنى: وتَبعِك الأرذلون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمي
(إِنْ هَذَا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ)
بفتح الخاء وسكون اللام.
وقرأ الباقون (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ)
بضم الخاء واللام.

(2/227)


قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (خَلْقُ الأولين) فمعناه: اختلاقهم الكذبَ.
قال: والعرب تقول: حدثَنا فلان بأحاديث الخَلْق، وهى الخرافات المفتعلة.
ويقال: خَلقَ فلان الكذبَ، واختلقه، وخَرَقَه، واخترقه، وخرصه،
واخترصه، بمعنى واحد، إذا افتعله.
وَمَنْ قَرَأَ (خُلُقُ الأولين) فمعناه: عادة الأولين.
وقيل في قوله (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) : أى: خُلِقنا كما خُلِق مَن
قبلنا نحيا كما حَيُوا ونموت كما ماتوا، ولا نبعث؛ لأنهم كانوا منكرين
للبعث.
واتفق القراء على ترك إجراء (ثَمُود) في قوله: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (141)
فالقراءة بضم الدال غير منونة، وإن كان الإجراء جائزًا في (ثمود) ؛ لأن
الاتباع أولى بنا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فَرِهِين) بغير ألف.
وقرأ الباقون (فَارِهِينَ) بألف.
قال الفراء: معنى (فَارِهين) : حاذقين.
وَمَنْ قَرَأَ (فَرِهِينَ) فمعناه: أشِرين بَطرِين.
وهو منصوب على الحال قرأته بألف أو بغير ألف، والعرب تقول

(2/228)


لكل من حَذَق صناعته: فارِهٌ، ويجمع فُرْهَة، مثل صاجا وصُحْبة، وغلام
رائق وجمعه رُوقَة، وحمعت غير واحد من العرب يقول: جَارية فَارٍ بغير
هاء، إذا كانت صبيحة الوجه ذات ملاحة، وهو كقولهم: امراة عاشق،
ولحية نَاصِل.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (أصحابُ لَيْكَةَ المرسَلين) ها هنا وفي (ص) .
بغير ألف وفتحوا التاء.
وقرأ الباقون (أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ) بالخفض والهمز.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَيْكَةَ) جعلها اسم بقعة، ولم يُجْرِها؛ لأن في
آخرها هاء التأنيث.
وَمَنْ قَرَأَ (أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ) أجراها؛ لدخول الألف واللام
عليها، وكان أبو عبيد يختار (لَيكَةَ) غير مصروفة؛ لموافقته المصحف مع
ما جاء في التفسير،
فأما (الغَيْضَةُ) التي تضم الشجر فهي: الأيْكَةُ، والجمع:
الأيْكُ.
والفصل بين جمعه وواحده الهاء.
وجاء في التفسير أن أصحاب الأيكة هؤلاء كانوأ أصحاب شجر ملتف، يقال له: الذوم، وهو شجر المُقْل.

(2/229)


وقوله جلَّ وعزَّ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص (نَزَلَ به) خفيفًا
(الروحُ الأمينُ) رفعًا.
وقرأ الباقون (نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ) مشدد الزاي،
(الرُّوحَ) نصبًا.
ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) فمعناه: أنزله الروح الأمين، هو جبريل، على محمد عليهما السلام.
وَمَنْ قَرَأَ (نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ) فمعناه:
نَزلَ اللَّهُ الرُّوحَ الْأَمِينَ، وهو جبريل، بالقرآن على قلبك يا محمد،
وكل جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَمْ يَكُن لّهُمْ آيةً (197)
قرأ ابن عامر وحده (أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ) رفعًا.
وقرأ الباقون (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) بالياء والنصب.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ)
جعل (أن يَعْلَمه) اسم (كان) ، وجعل (آيةً) خبرها،
المعنى: أولم يكن لهم علم علماء بنى إسرائيل أن النبي الأميَّ مبعوث آية،
أي: علامة دالة على نبوته؛ لأن علماءهم قرءوا ذكر
محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة كما قال الله جلَّ وعزَّ.
وَمَنْ قَرَأَ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيةٌ) بالتاء
جعل آية هى الاسم، وأن يعلمه خبر تكن.
والمعنيان متقاربان.

(2/230)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
قرأ نافع وابن عامر (فتوكَّلْ) بالفاء.
وقرأ الباقون بالواو، وكتبَ في مصحف أهل المدينة والشام بالفاء،
وجُعِل متصلاً بالكلام الذى تقدمه كجزاء.
وَمَنْ قَرَأَ (وَتَوَكَّلْ) فلأنه وجد في مصحف أهل العراق ومصحف أهل مكة
بالواو، والواو يعطف بها جملة على جملة، والمعنيان متقاربان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
قرأ نافع وحده (يَتْبَعُهمْ) خفيفة.
وقرأ الباقون (يَتَّبِعُهُمُ) بالتشديد.
والمعنى واحدٌ.
* * *
حذف من سورة الشعراء ستة عشر ياء: قوله (أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)
(أَنْ يَقْتُلُونِ (14) ، (سَيَهْدين (62) ، (فهُوَ يَهْدَينِ (78) ، (ويَسْقِينِ (79) ، (يَشْفِينِ (80) ، (ثُمَّ يُحْيِين (81) ، (كَذَّبُونِ (117) ، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)
في ثمانية مواضع.
فأما يعقوب فإنه أثبتها كلها في الوصل والوقف.
ومن لم يثبتها اكتفى بالكسرات الدالة على الياءات.
وكلها جيد فصيح، والاختيار أن يقرأ كما كتبت في المصاحف.
* * *

(2/231)


سورة النَّمْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (بِشِهَابٍ قَبَسٍ)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (بِشِهَابِ قَبَسٍ) مضافا.
وقرأ الكوفيون (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) مُنَونًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) جعل قبسًا نعتًا للشهاب، أو بدلاً
منه.
وَمَنْ قَرَأَ (بِشِهَابِ قَبَسٍ) أضاف الشهاب إلى القبس
والشهاب والقبس قريبان من السواء.
وكل عود أشعل في طرفه نار فهو شهاب وقبس وجذوة.
وقال الأخفش: (قبس) بدل من (شهاب) .
وقال الفراء: (قَبَس) نعت للشهاب. إذا قُرئتْ (بشهاب) .
قال ولا يضاف الشىء إلى نعته إلا في قليل من الكلام،
وقد جاء: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ)
قال الفراء: لما اختلف اللفظان تُوُهم الأول غير الثاني،
وكذلك (حبَّةُ الخضراء) و (ليلةُ القَمْراء) و (يومُ الجمعةِ) وما أشبهها.
* * *

(2/233)


وقوله جلَّ وعزَّ: (هُدًى وَبُشْرَى)
أمال الراء أبو عمرو وحمزة واْلكسائي، وكذلك روى هُبيرة عن حفص عن
عاصم.
وقرأ الباقون وَبُشْرَى) يفتح الراء.
قال أبو منصور: (بُشْرَى) على (فُعلى) ، والإمالة فيها أحسن، والتفخيم
حسن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ (18)
قرأ الحضرمي: (لَا يَحْطِمَنْكُمْ) بسكون النون، وكذلك روى
عُبيد عن أبي عمرو - وقرأ الباقون (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) بفتح النون مشددة.
قال أبو منصور: هذه النون تدخل مؤكدة وتخفف، وإذا شددت صارت
أوكد.
* * *
وقوله (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) لفظه لفظ النهي وفيه جواب الجزاء، المعنى: إن لم
تدخلوا مَسَاكنكم حُطِّمتم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَادِ النَّمْلِ ... (18)
روى عباس عن أبي عمرو (وَادِ النَّمْلِ) بكسر الواو.
وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: إمالة الواو من (واد) لغة، والتفخيم أفصح وأشيع.

(2/234)


وقوله جلَّ وعزََّ: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ.. (20)
فتح الياء ابن كثير وعاصم والكسائي.
وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي.. (21)
قرأ ابن كثير وحده (لَيَأْتِيَنَّنِي) بنونين، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ سائر القراء (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) بنون واحدة مشددة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ ((أَوْ لَيَأْتِيَنَّنِي) بنونين، ثَقَّل النون للتأكيد، وجاء
بنون أخرى للإضافة.
وَمَنْ قَرَأَ (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) فرَّ من الجمع بين ثلاث نونات فحذف إحداها.
وبهذه القراءة قرأ الأكثرون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ)
قرأ عاصم (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) بفتح الكاف،
وروى الجعفي عن أبي عمرو (فمَكَثَ) أيضًا بفتح الكاف.
وقرأ سائر القراء (فَمَكَثَ) بضم الكاف.
قال الأزهري: هما لغتانْ مكَثَ، ومكُثَ.
وضمُّ الكاف أكثر في كلام العرب وكان أبو حاتم يختار النصب، لأنه قياس العربية، ألا ترى أنه يقال: مكث فهو مَاكِثٌ، ولا يقال: مَكِيث.

(2/235)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
وقوله: (لِسَبَإٍ فِي مَسَاكَنِهِمْ) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لسبأَ) غير مُجرى، بفتح الهمزة في الموضعين.
وقرأ الباقون (لِسَبَإٍ) و: (مِنْ سَبَإٍ) بالتنوين.
قال أبو منصور: وروي عن أبي عمرو أنه سُئل: لِمَ لم تُجْرِ سَبَأ؟
فقال لا أجرِ لأني لا أدري ما هو، والعرب إذا سمت بالاسم المجهول لم تُجره. ومن أجرى (سبأ) جعله اسم رجل.
وقال أبو إسحاق النحوي: من لم يصرف (سبأ) جعله اسم مدينة،
ومن صرفه جعله اسم رجل.
قال: والأسماء حقها الصرف،
وإذا لم يُعلم الاسم أللمذكر أم للمؤنث فحقه الصرف حتى يُعلم أينصرف أم
لا ينصرف؛ لأن أصل الأسماء الصرف، وكل ما لا يصرف فهو يصرف في الشعر.
قال: وأما الذين قالوا: إن (سَبَأ) اسم رجل فغلط لأن سبأ اسم مدينة، تعرف بمأربَ من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وأنشد بيت الجعدي.

(2/236)


مِنْ سَبَأَ الحاضرينَ مَأْرِبَ إذ ... يَبْنُون مِنْ دونِ سَيْلِها العَرِما
قال: ومن صرفه فلأنه مذكر سُمِّيَ به مذكر، كأنه اسم للبلد.
قال أبو منصور: وقدر روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا ذكر فيه أن سبأ اسم رجل، حدثناهُ محمد بن إسحاق السعدي قال: حدثنا إبراهيم بن مالك، قال: حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخَعي، قال: حدثنا أبو سَبرةَ النخعي عن فروة بن مُسَيْكٍ (الغطيفي) .
قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟
قال: بلى، فأمَّرني وأردت أن أقاتلهم، ثم بدا لي فقلت: يا رسول الله،
لا بل أهل سبأ، فإنهم أشدُّ مكيدة، وأعَم في أنفسهم، فلما خرجتُ من
عنده أنزل الله في سبأ ما أنزل، فقال: ما فعل الغطيفي؟
فوجدني قد سِرْتُ فأرسل في أثري، فرُدِدْتُ، قال: فأتيته وعنده ناسٌ من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبي فلا تعجل حتى يأتيك أمري.
فقال رجل من القوم: يا رسول الله، أخبرنا عن سبأ ما هو؟ أرضٌ؟ قال:
ليس بأرض، ولا امرأة، ولكنه رَجُل، وله عشيرة من العرب، فَتَيَامَنَ سِتةٌ
وتَشاءَمَ أربعَة، فأما الذين تَشاءَمُوا فَلخْم وجُذام وغَسسَّانٌ وعَامِلةٌ.
وأما الذين تيامنوا فَكِنْدة والأشعرون والأزدِ ومَذْحَج وحِمْيَر وأنْمارٌ.
قال الرجل: وما أنمار؟
قال: الذين خَثْعَم وبَجِيلَةُ منهم.

(2/237)


وقال أبو منصور: وهذا الحديث يدل عك أن إجْرَاء سبأ أصوبُ القراءتين،
وإسناد الحديث حسن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (25)
قرأ الكسائي وحده ويعقوب الحضرمي (أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) خفيفة اللام ليس
فيها (أنْ) ، وإذا وقفا يقفان " ألاَ يا " ويبتدآن (اسجدوا) .
وقرأ الباقون (أَلَّا يَسْجُدُوا) مشددًا.
والمعنى: (فصدَّهم عن السبيل. . أَلَّا يَسْجُدُوا) ، أي: لأن لاَ يَسْجدُوا
وليست بموضع سجدة على هذه القراءة.
وَمَنْ قَرَأَ (ألاَ يَسْجُدوا) بالتخفيف فهو موضع سَجْدَة.
قال أحمد بن يحيى: قال الأخفش: في قوله (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) بالتشديد،
يقول: زَيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم لأن لاَ يسجدوا.
قال: وقرأ بعضهم (ألاَ يَسْجُدوا) فجعله أمرًا، كأنه قال: (ألاَ اسْجُدوا) .
وزاد بينهما (يا) التي تكون للتنبيه، ثم أذهب ألف الوصل التي في (اسجدوا) ، وأذهبت الألف التي في (يا) لأنها ساكنة لقيت السين فصارت
(ألاَ يَسْجُدوا)
وأنشد:

(2/238)


ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلى ... ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعائِكِ القَطْرُ
قال أبو العباس: (يا) التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم، ويكتفى بالاسم
منها، لا ينادى بها.
أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا.
وفي البيت: ألا يا هذه اسلمي.
وكذلك قول الشاعر:
يا دارَ هندٍ يا اسْلَمي ثُمَّ اسْلَمي ... بِسَمْسَِمٍ أو عَنْ يمين سَمْسَِمِ
أراد: يا هذه سلمى.
وكذلك قال الفراء.
قال: وسُمع بعض العرب يقول:
(ألا يا تَصدَّقْ علينا) ، معناه ألا يا هذا تصدَّق علينا
وروى عن عيسى الهمَداني أنه قال: ما كنت أحمع المشيخةَ يقرءُونها إلا بالتخفيف على نيَّة الأمر، قال:
وَمَنْ قَرَأَ (أَلَّا يَسْجُدُوا) فشدد (أَلَّا) فينبغي أن لا تكون سجدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ويَعْلَمُ مَا يُخْفُون وَمَا يُعْلِنُون (25)
قرأ الكسائى وحفص (ما تخفون وما تُعلِنون) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء فيهما.
قال الأزهري: من قرأهما بالياء فعلى الغَيْبة.
ومن قرأهما بالتاء فللمخاطبة.
وكلٌّ جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ (28)

(2/239)


روى عبد الوارث وشجاع عن أبي عمرو (فألْقِهي (بياء في اللفظ.
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ (فألقِهْ) أجزئا، وقال، وإن شئتَ
(فألْقهى) ، واختار (فألقِهي) ،
وقال اليزيدي عنه (فألقهْ) جزمًا ووافق حفصٌ أبا بكر في قوله
(فَأَلْقِهْ) جزمًا، وقد أمضينا تفسير هذا الجنس فيما تقدم من الكتاب.
ووجه القراءة فيها كما اجتمع عليه النحويون (فَأَلْقِهِي إِلَيْهِمْ) بالياء، وإن قرئ (فألقِهِ) بكسر الهاء كان حسنًا، وأما جزم الهاء فليس
بجيد عندهم.
ولا أنكر أن يكون لغة، فإن بعض القراء قرأوا بها، ولم يقرأوا بها إلا وقد
حفظوها عن العرب، والاختيار ما أعلمتك.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ (36)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (أَتُمِدُّونَنِي) بنونين، وإثباتَ الياء في الوصل.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي (أَتُمِدُّونَنِ) بغير ياء في وقف ولا وصل.

(2/240)


وقرأ حمزة أَتُمِدُّونِّ) بنون واحدة مشددة، وبياء في الوصل والوقف،
وروى خارجة عن نافع (أَتُمِدُّونِّي) بنون واحدة مشددة، وياء في الوصل، فإن وقف واقف وقف بغير ياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَتُمِدُّونِّي) بنون واحدة مشددة فإنه أراد:
أتمدونني، وأدغم إحدى النونين في الأخرى وشددها.
وَمَنْ قَرَأَ النونين فلأنه وجد النونين متحركتين فاختار الإظهار.
وأمَّا من أظهر الياء فلأنها ياء الإضافة.
ومن كسر النون الأخيرة بلا ياء جعل الكسرة دالة على الياء فاكتفى
بها عن إظهارها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ (36)
قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ) بياء
مفتوحة ووقفوا بياء.
وقرأ الباقون (آتَانِ اللَّهُ) بحذف الياء في الوصل والوقف.
وأمال الكسائي وحده التاء (آتانِي) ، وفتحها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا (44)
روى قُنْبُل عن ابن كثير (سَأقَيْها) بالهمز.
وقرأ سائر القُراء (سَاقَيْها) غير مهموز.
قال أبو منصور: لا وجه لما روى قنبل عن ابن كثير في همز (ساقيها) ، وهو
وَهْمٌ، فإيَّاك وهَمْزِه، فإنه ليس من باب الهمز (1) .
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {سَاقَيْهَا} العامَّةُ على ألفٍ صريحةٍ. وقنبل روى همزَها عن ابنِ كثير. وضَعَّفَها أبو عليّ. وكذلك فعل قنبل في جمع «ساق» في ص، وفي الفتح هَمَزَ واوَه. فقرأ «بالسُّؤْقِ والأَعْناق» «فاستوى على سُؤْقِه» بهمزةٍ مكانَ الواوِ. وعنه وجهٌ آخرٌ: «السُّؤُوْق» و «سُؤُوْقة» بزيادة واوٍ بعد الهمزةِ.
ورُوِي عنه أنه كان يَهْمِزُه مفرداً في قوله: {يُكْشَفُ عَن سَأْقٍ} [القلم: 42] .
فأمَّا هَمْزُ الواوِ ففيها أوجهٌ، أحدُها: أنَّ الواوَ الساكنةَ المضمومَ ما قبلَها يَقْلِبُها بعضُ العربِ همزةَ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في أولِ البقرةِ عند «يُوْقنون» وأنشَدْتُ عليه:
3574 أَحَبُّ المُؤْقِدِين إليَّ موسى ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكان أبو حَيَّةَ النميري يَهْمِزُ كلَّ واوٍ في القرآن، هذا وَصْفُها. الثاني: أنَّ ساقاً على فَعَلَ كأَسَدٍ، فجُمِعَ على فُعُل بضمِّ العين كأُسُدٍ. والواوُ المضمومةُ تُقْلب همزةً نحو: وُجوه، ووُقِّتَتْ، ثم بعد الهمزِ سَكَنَتْ.
الثالث: أنَّ المفردَ سُمِعَ هَمْزُه، كما سيأتي تقريرُه، فجاء جَمْعُه عليه.
وأمَّا «سُؤُوْق» بالواوِ بعد الهمزةِ فإنَّ ساقاً جُمِع على «سُوُوق» بواوِ، فهُمِزَتْ الأولى لانضمامِها. وهذه الروايةُ غريبةٌ عن قنبلٍ، وقد قَرَأْنا بها ولله الحمدُ.
وأمَّا «سَأْقَيْها» فوجهُ الهمزِ أحدُ أوجهٍ: إمَّا لغةُ مَنْ يَقْلِبُ الألفَ همزةَ، وعليه لغةُ العَجَّاج في العَأْلَمِ والخَأْتَمِ. وأنشد:
3575 وخِنْدِفٌ هامَةُ هذا العَأْلَمِ ... وسيأتي تقريرُه أيضًاً في «مِنْسَأَته» في سبأ إنْ شاء اللهُ تعالى، وتقدَّم طَرَفٌ منه في الفاتحة، وإمَّا على التشبيهِ برِأْس وكَأْس، كما قالوا: «حَلأْت السَّويق» حَمْلاً على حَلأُتُه عن الماء أي طَرَدْتُه، وإمَّا حَمْلاً للمفرد والمثنى على جَمْعِهما. وقد تَقَرَّر في جمعِهما الهمزُ. اهـ (الدر المصون) .

(2/241)


وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ (49)
قرأ حمزة والكسائي (لتُبيِّتُنَّهُ. . ثُمَّ لتَقُولُنَّ) بالتاء جميعًا.
وقرأ الباقون (لَنُبَيِّتَنَّهُ. . . ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) بالنون فيهما.
قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (لَنُبَيِّتَنَّهُ) بالنون (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ)
أراد: أنهم قالوا: (تقاسموا) فجعل (تقاسموا) خبرًا، فكأنهم قالوا مُتقاسمين (لتُبيِّتُنَّهُ. . . ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) .
قال: وَمَنْ قَرَأَ (لتُبيِّتُنَّهُ. . ثُمَّ لتَقُولُنَّ)
جعل (تقاسموا) أمرًا في موضع جزم، كأنهم قالوا: تحالفوا وأقْسِمُوا لتُبيتنه. قال: النون تجوز من هذا الوجه؛ لأن الذي قال لهم تقاسموا معهم في الفعل داخل، وإن كان قد أمرهم.
ألا ترى أنك تقول: قوموا نذهبْ إلى فلان؛ لأنه أمرهم وهو معهم في الفعل.
قال والنون أعجب الوجوه إليَّ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ (51)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الألف (إِنَّا) .
وقرأ الباقون: (أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بفتح الألف.
قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بالكسر فعلى الاستئناف، وهو يفسر
ما قبله، كقوله: (فَلْيَنظر الإنسانُ إلى طَعَامِه، إنَّا صَبَبْنَا الماء) يستأنف
وهو يفسر ما قبله.
وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بالفتح فيكون (أَنَّا) في موضع الرفع،
يجعلها تابعة لقوله: (عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) قال: وإن شئت جعلت (أَنَّا) نصبًا

(2/242)


من جهتين:
إحداهما أن تردها على موضع (كيف) ، لأنها في موضع نصب.
والأخرى: أن تَكُرَّ (كان) عليها، كأنك دلت كيف كان عاقبة مكرِهم
تدميرُنا إيَّاهم فـ (أنَّا) في موضع نصب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
قرأ أبو عمرو وحده (قَلِيلًا مَا يَذَكَّرُونَ) بالياء.
وقرأ الباقون (مَا تَذَكَّرُونَ) بالتاء.
وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة، وكل جائز.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ (66)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بَلْ أدْرَكَ) خفيفة بغير ألف.
وقرأ الباقون (بَلِ ادَّارَكَ) مثقلاً بألف،
وروى المفضل عن عاصم (بَلْ أدْرَكَ) مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بَلْ أدْرَكَ) خفيفة فهو من أدْرَكَ يُدْرِكُ، كأنه
قال هَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُم عِلْمَ الآخرة؟
وروي عن السُّدِّي في تفسيره قال:

(2/243)


اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يَشُكوا ولم يختلفوا.
قال أبو معاذ النحوي:
من قرأ (بَلِ أدْرَكَ) ، و (بَلِ ادَّارَكَ) فمعناهما واحد، يقوِل: هم علماء في
الآخرة كقول اللَّه: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) .
وقال أبو سعيد الضرير: أما أنا فأقرأ (بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ)
ومعناها عنده أي: علموا في الآخرة أن الذي كانوا يُوعَدُون حق،
وأنشد قول الأخطل:
وأدْرَكَ عِلْمى في سُوَاءَةَ أنها ... تُقيمُ على الأوْتَارِ والمَشربِ الكَدْرِ
أى: أحاط علمى بها أنها هكذا.
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ)
معناه: لعله تَدَارَكَ، يقول تتابع علمهم في الآخرة،
يريد: بعلم الآخرة تكونُ أولا تكونُ؟ قال - عزَّ وجلَّ - (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا) .
قال أبو منصور: والصحيح في تفسيره ما قال السدي وأبو معاذ وأبو سعيد،
والمعنى: بل يدرك علمهم في الآخرة، ويدَارك بمعناه، حين لا يَنْفَعُهم علمُهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون إيمانًا لاينفعُهم إذا لم يكونوا في الدنيا
مؤمنين.
وقال شمر: أدْرَكَ، وادَّارَك، وتَدَارَكَ تكون لازمة وواقعة:

(2/244)


يقال: أدركت الأمر، وتداركته، وادَّاركته، وادَّركته، بمعنى واحد وقد
أدْرَكَ، وادَّرَاكَ، وادَّرَكَ، وتَدَارَكَ بمعنى واحد، أى: تَلاَحَقَ.
وروى الأعشى عن أبي بكر أنه قرأ (بَلِ ادَّرَكَ عِلمُهم)
وأصله: تَدَرَّكَ، وادَّارَكَ أصله: تَدَارَكَ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي آنَسْتُ (7)
حرك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
* * *
وقوله: (إِنِّيَ أُلْقِيَ إِلَيَّ (29) (لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ (40)
فتح الياءَيْن نافع وحده.
* * *
وقوله: (أَوْزِعْنِي أَنْ (19)
فتح الياء ابن كثير، وكذلك روى أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن
نافع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ (80)
قرأ ابن كثير وحده (ولا يَسْمَعُ) بالياء، (الصُّمُّ) رفعًا، و (الدُّعَاءَ) نصبًا.
ها هنا وفي الروم.
وقرأ الباقون (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) .
وروى عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ) فالفعل للصُّمِّ،
و (الدعاءَ) مفعول به.
وَمَنْ قَرَأَ (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -

(2/245)


والصُّم مفعول به، والدعاء مفعول ثان وأراد بالصُّم: الكفار الذين لا يعون
ما يسمعون، لا أنَّهم صُمُّ الآذان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ (81)
قرأ حمزة وحده (وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) بالتاء و (الْعُمْيَ) نصبًا،
وكذلك قرأ في الروم فوقف عليها بالياء، يعنى على قوله (تهدي) .
وقرأ الباقون (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ) بالياء مع الإضافة،
ووقفوا على التي في النمل (بِهَادِي) بالياء، وهى ثابتة في المصحف،
ووقفوا في الروم على قوله (بِهَادِ) بغير ياء، وليس في الكتاب ياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَمَا أنتَ تَهْدِي العُمْيَ)
فالمعنى: مَا أنت يا محمد تهدي الذين عميت بصائرهم عن آياننا، ولكن عليك الدُّعاء، ويهدى الله من يشاء.
و (العُمْيَ) في هذه القراءة منصوب بالفعل،
وَمَنْ قَرَأَ (وَمَا أنت بِهَادِي العُمْيِ) فإن الباء دخلت لحرف النفي، كقولك: ما أنْتَ بِعَالِم.
وخفض (العُمْيِ) لأنه مضاف إليه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ (82)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وابن عامر: (إنَّ النَّاسَ) بكسر الألف.
وقرأ الباقون (أَنَّ النَّاسَ) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من فتح الألف (أن النَّاسَ) أوقع عليها الكلام، تكَلمُهم
بأن النَّاس وموضعها نصب.
وَمَنْ قَرَأَ (تُكَلِّمُهُمْ إِنَّ النَّاسَ) كانت (إِنَّ) خبرًا

(2/246)


مستأنفًا وفيه معنى وقوع الكلام،
ومثله: (فَلْيَنْظُرِ الإنسانُ إلى طَعَامِهِ) (أَنَّا) و (إِنَّا) .
وأخبرني المنذري عن ابن اليزيدي قال سمعت أبا حاتم قال:
مَنْ قَرَأَ (تكلَمُهم أنَّ الناس) بفتح (أن) فالوقف على (لا يوقنون) ،
ومن كسر (إن) فالوقف على (تكلِّمُهم) . وهو من الكلام.
قال أبو منصور: وقرأ بعضهم (تُكْلمُهُمْ) ، من الكَلْمِ.
وهو شاذ لا يعرج عليه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكُلٌّ آتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
قرأ حمزة وحفص) (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) مقصورًا.
وقرأ الباقون (آتَوْهُ) ممدودًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالمدِّ (آتَوْهُ) فمعناه: كل جاءوه.
وقيل: فاعلوه.
وَمَنْ قَرَأَ (أتَوْهُ) ردَّه على قوله: (فَفَزِعَ مَنْ في السَماوات. . . وَكُلٌّ أَتَوْهُ) فرد فَعَلَ على مثلها،
ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود. وهى حسنة،
والأولى جيدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّهُ خَبِيرٌ بمَا يَفْعَلُونَ (88)

(2/247)


قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إنه خبير بما يفعلون) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللخطاب.
وقد حذف منِ هذه السورة أربع ياءات، قوله (وَادِ النَّملِ)
و (أتمدونن. . . فما آتانِ (36) ، و (حتى تشهدون (32)
وكان يعقوب يقف على (وَادِ) وعلى (تشهدوني) بياء، ووصل
(وَادِ) بغير ياء.
ووقف الكسائي (وادي) بياء.
* * *

(2/248)