معاني القراءات للأزهري سورة لُقْمَان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (هُدًى ورحمةً (3)
قرأ حمزة وحده (هُدًى ورحمةٌ) رفعًا. وقرأ الباقون نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (هُدًى ورحمةٌ) فعلى إضمار: هُو
هدًى ورحمة.
ويجوز: تلك هُدًى ورحمة.
ومن نصب (هُدًى ورحمةً) فهو على الحال،
المعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة للخلق.
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وإبن عامر (ويتخِذُهَا هُزُؤا)
بضم الذال.
وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ويتخذَها) بفتح الذال.
واختلف عن عاصم فروى عنه أبو بكر مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه
مثل قراءة حمزة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ويتخذُها) رفعًا ردها على قوله:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي. . . ويتخذها) .
ومن نصبها ردها على قوله: (ليضلَّ. . ويتخذَها) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (18)
قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب (تُصَعِّرْ) بغير ألف.
وقرأ الباقون (ولا تُصَاعِر) بألف.
(2/269)
قال الفراء: يقال: صعر خده، صَاعَره،
ومعناما: الإعراض تكبرًا، ومثله
ضعف الشيء وضاعفه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ)
قرأ نافع وحده (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) رفعًا.
وقرأ الباقون (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) نصبًا.
قال أبو منصور: من رفع (مثقالُ) رفعه بـ (تَكُ) -
وقال الفراء: والنكرة يحتمل أن لا يكون لها فعل في (كان) و
(ليس) وأخواتها وقال الزجاج: الرفع علي معنى القصة، كما تقول -
إنها هندٌ قائمة، وإنهُ زيدٌ قائم.
والتأنيث في قوله: (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ) جازَ؛ لأن
المثقال أضيف إلى الحبة، فكان المعنى للحبة، فذهب التأنيث
إليها.
كما قال الأعشى:
وتَشْرَق بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ ... كما شَرِقَتْ صدرُ
القَناةِ من الدم
(2/270)
كأنه قال: كما شَرِقَتْ القناةُ -
ومن نصب فقال. (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ) فلها
معنيان.
أحدهما: أن التي سألتني عنها (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ
مِنْ خَرْدَلٍ) .
والمعنى الثاني: أن فِعْلَةَ الإنسان إن تكُ صغيرة قدْر مثقال
حبة -
وهذا مَثَل لأعمال العباد، إنِ الله يأتي بها يوم القيامة.
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي صَخْرَةٍ)
يقال: إن الصخرة هاهتا هي التي تحت الأرض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص، (نِعَمَهُ) جماعةً -
وقرأ الباقون (نِعْمَةً) منونةً.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نِعْمَةً) فهو واحد، ومعنى
النعمة: إنعامُه على عبده
بتوفيقه لتوحيده وإخلاصه -
وَمَنْ قَرَأَ (نِعَمَهُ) فمعناها: جميع ما أنعم الله على
عباده -
قال الفراء: هذا وجه جيد؛ لأن الله قال: (شَاكِرًا
لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ) ، فهذا
جمع النَّعَم، وهو دليل على أن (نِعَمَهُ) جائز -
وأخبرني المنذري عن محمد بن يونس، قال - حدثنا عون بن عُمارة
عن سليمان ين عمران الكوفي عن أبي حازم
عن ابن عباس في قوله: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)
قال: الظاهرة: الإسلام.
والباطنة: ستر الذنوب.
(2/271)
وقال غيره: الظاهرة: شهادة أن لاَ إلهَ إلا
الله.
والباطنة: طمأنينة القلب بشهادة أن لا إله إلا الله على ما
عَبَّرهُ اللسان -
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْبحْرُ يَمُدُّهُ (27)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (وَالْبحْرَ يَمُدُّهُ) نصبًا.
وقرأ الباقون: (وَالْبحْرُ يَمُدُّهُ) رفعًا.
قال أبو خليفة: قال محمد بن سلام: قال لي معاوية بن أبي عمرو
وكان
يقرأ (وَالْبحْرَ يَمُدُّهُ) .
قال أبو منصور: من نصب (البحرَ) عطفه على (مَا)
المعنى: ولو أن ما في الأرض. . . ولو أن البحرَ -
ومن رفع - فقرأ (وَالْبحْرُ) جعل الواوَ وَاو الحال، كأنه
قال: والبحرُ هذه حاله، فيكون ابتداء،
وخبره: (يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)
وهذا وجه حسن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(29)
روى عباس عن أبي عمرو (بما يعملون) بالياء، لم يَرْوِه غيره.
قال أبو منصور: والقراءة بالتاء؛ لاجتماع القراء عليها.
* * *
(2/272)
سورة السَّجْدة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي.
(أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) بسكون اللام
وقرأ الباقون (خَلَقَه) بفتح اللام.
قال أبو إسحاق: من أسكن اللام فعلى وجهين:
أحدهما: المصدر الذى دل عليه (أحْسَنَ) ، فالمعنى: الذي خلق كل
شىء خلقه.
الوجه الثاني: البدل، معناه: أحْسَن خَلْقَ كلَ شىء.
ومثله قول الراجز:
فَوَردَتْ تَقتدَ بَرْدَ مَائِهَا
أراد: وَرَدَتْ بَرْد مَاء تَقتدَ.
وَمَنْ قَرَأَ (خَلَقَهُ) فعلى الفعل الماضي،
وتأويل الإحسان ها هنا أنه خلقه على إرادته، فخلق الإنسان في
أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب جلَّ وعزَّ.
وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)
مخففًا
(2/273)
كأنه قال: ألْهمَ خلقه كل ما يحتاجون إليه
فالخَلْقُ ها هنا منصوب
بالفعل الذي وقع على (كُل) ، كأنه قال: أعلمهم كل شىء،
وأحْسَنَهم.
وأخبرني المنذري عن عبيد بن غنام عن إبراهيم بن أحمد بن زهير
المروذي عن على بن الحسن بن الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة
عن ابن
عباس في قوله: (أحْسَنَ كل شَىْء خَلَقَهُ) قال: الإنسان في
خلقه حسن،
والحمار في خلقه حسن، والخنزير في خلقه حسن، وكل شىء في خلقه
حسن.
قال أبو منصور: قول ابن عباس هذا هو القول، جعل (أحْسَنَ)
بمعنى
(حَسَّن) ، وهو يقارب ما فسَّره أبو إسحاق الزجاج.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)
قرأ حمزة ويعقوب (مَا أُخْفِي لَهُمْ) بسكون الياء.
وقرأ الباقون (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) بفتح الياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بسكون الياء فالألِفُ ألِفُ المخبر
عن نفسه،
كأنه: لا تعلم نفس الجزاء الذي أخْفِي لهم أنا.
وَمَنْ قَرَأَ (أُخْفِيَ لَهُمْ) بفتح الياء فهو ماض على ما لم
يُسم فاعله على (أفعِلَ) . والإخفاء: ضد الإظهار، وكلتا
القراءتين جيدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا صَبَرُوا (24)
(2/274)
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (لِمَا
صَبَروا) بكسر اللام والتخفيف.
وقرأ الباقون (لَمَّا صَبَرُوا) بفتح اللام، وتثسديد الميم.
قال أبو منصور: من خَفف فقال: (لِمَا صَبَرُوا)
فالمعنى: جعلناهم أئمة لصبرهم، وهي تسمى (ما) المصدر.
وَمَنْ قَرَأَ (لَمَّا صَبَرُوا) فالمعنى: (لَمَّا صَبَرُوا)
جعلناهم أئمة، وهذا كالمجازاة. وأصل الجزاء في هذا: إنْ
صَبَرْتُمْ جعلناكمْ أئمة، فلما صبروا صاروا أئمة.
* * *
واتفق القراء على: (أوَلَمْ يَهْدِ لهُم (26) بالياء.
واتفقوا على فتح قوله: (قُلْ يَوْمَ الفتْحِ لا يَنْفَعُ (29)
كأنه قال: لا ينفع يومَ الفتح الذين كَفَرُوا إيمانهم.
* * *
(2/275)
سورة الْأَحْزَابِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرًا (2)
قرأ أبو عمرو وحده (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ
خَبِيرًا) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بما يعملون) فللغيبة
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ (اللَّائِي تُظَاهِرُونَ (4)
قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب: (اللَّاءِ تَظَّهَّرُونَ) بهمزة
مَخَتَلَسة الكسرة.
وَقرأ أبو عمرو (اللاي) بكسرة مختلسة ولا يهمز، وكذلك روى ابن
فُلَيْح
عن أصحابه عن ابن كثير مثل أبي عمرو.
وقرأ الباقون (اللائي) بياء بعد الهمزة، في وزن (اللاعى) ،
وكذلك قرءوا في المجادلة والطلاق.
قال الأزهري: هى لغات محفوظة عن العرب وأجودها وأتمها
(اللائي) بياء بعد الهمزة.
ومن حذف الياء اكتفى بالكسرة، ومن همز فلأن مَدتَها
همزة، ومن خفف الهمزة فلإيثاره التخفيف.
وكل جائز.
(2/277)
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب
(تَظَّهَّرُونَ) بالتاء وتشديد الظاء
والهاء بغير ألف -
وقرأ ابن عامر (تَظَّاهرُون) بتشديد الظاء وألف بعدها مع فتح
التاء.
وقرأ عاصم (تُظاهِرُون) بضم التاء وتخفيف الظاء.
وقرأ حمزة والكسائي (تَظاهَرون) خفيفة مفتوحة التاء بألف.
قال أبو منصور: هذه لغات صحيحة، ومعناها واحد.
يقال: تَظاهَر فلان من امرأته، وتَظَهَّرَ منها، واظَّاهر،
واظَّهَّر، وظاهر بمعنى واحد.
وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظَهْر أمي.
فمن قرأ (تَظَّهَّرُون) فالأصل (تتظهرون) ، فأدغمت
التاء الثانية في الظاء وشددت.
وكذلك مَنْ قَرَأَ (تَظَّاهَرون) فالأصل (تَتَظاهَرُون) ،
فأدغمت التاء في الظاء.
وَمَنْ قَرَأَ: (تظَاهرون) مخففا فالأصل فيه أيضًا (تتظاهرون (
فحذفت إحدى التاءين استثقالا للجمع بينهما.
قال البصريون: التاء المحذوفة تاء المخاطبة.
وقال غيرهم: بل المحذوفة تاء التفاعل ولكل حجة على ما قال.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا (9)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (وكان الله بما يعملون) بالياء
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة.
وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو على الإخبار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
.. و (الرَّسُولَا (66) ،
و (السَّبِيلَا (67)
(2/278)
قرأ ابن كثير والكسائي وحفص بحذف الألف في
الوصل وإثباتها في الوقف.
وقرأ نافع وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر بإئبات الألف
فيهن في الوصل والوقف.
وقرأ أبو عمرو وحمزة ويعقوب بغير ألف في الوصل والوقف.
وروى أبو زيد عن أبي عمرو (الظُّنُونَا) و (الرسولا) و
(السبيلا) يقف بألف. وروى أحمد بن موسى عن أبي عمرو بإثبات
الألف فيهن في الوصل والوقف. وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم
بألفٍ وَصَلَ أوْ قَطَعَ،
وروى علي بن نصر، وهارون عن أبى عمرو أنه كان يقف عند
(السبيلا) بألف.
قال أبو منصور: من قرأهن بألف في الوصل والوقف فَلِاتباع
المصحف
لأنهما مع رءوس آى كثيرة بالألف.
ومن حذف الألف فيهن فلأن الألف لا أصل لها، وإنما يستعمل مثل
هذه الألفات الشوام، ولأنها في موضع فاصلة كالقافية
وحذاق النحويين اختاروا أن يقرءوا (الظنونا) و (السبِيلاَ) و
(الرسُولاَ) ،
ويقفوا، فإذا وصلوا وأدرجوا حذفوا الألفات، وعلى هذا كلام
العرب، والاختيار عندي الوقوف على هذه الألفات ليكون القارئ
متبعا للمصحف محققا لما كتب فيه، مع موافقة كلام العرب،
والقرآن عربي، نزل بلغتهم.
وقال أبو حاتم: أقف (الظنونا) و (الرسولا) و (السبيلا) و (كانت
قواريرا) .
فأثبت الألف في الوقف، فإذا وصلت طَرحْتهُن جُمَع، وأما رأس
أربع آيات من الأحزاب (وهو يهدى السبيل) فقد اجتمعوا على
الوقوف عليها بغير الف؛ لأنها ليست مثبتة في المصحف، ونحن
نَتَّبع المصحف.
(2/279)
وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ سُئِلُوا
الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (لأتَوْها) مقصورة.
وقرأ الباقون: (لَآتَوْهَا) بالمدِّ.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لأتوها) بالقصر فَمَعْنَاه:
لَجَاءوها.
ومن قرأ (لَآتَوْهَا) بالمد فمعناه: لأعطوها من أنفسهم،
وأجابوا إليها.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
قرأ عاصم وحده (أُسْوَةٌ) بضم الألف حيث كانت.
وقرأ الباقون (إِسْوَةٌ) بكسر الألف.
قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان: (أُسْوَةٌ) ، (إِسْوَةٌ) ،
مثل: العِدْوَة،
العُدْوَة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ (25)
قرأ يعقوِب وحده (يَسَّاءَلُونَ) بتشديد السين.
وقرأ الباقون (يَسْأَلُونَ) عَلى (يَفْعَلُون) .
(2/280)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ
(يَسَّاءَلُونَ)) فالأصل: يَتَساءلُونَ، فأدغمت التاء
في السين وشدُدت، والاختيار (يَسْألونَ) ؛ لأنهم كانوا يسألون
عن الأخبار مَن قدِمَ عليهم، ولا يسأل بعضهم بعضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَْ (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ (30)
قرأ ابن كثير وابن عامر (نُضَعِّفْ لَهَا) ، بالنون وكسر العين
وتشديدها،
(العذابَ) نصبا.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب: (يُضَعَّفْ لها) بالياء وتشديد
العين بغير ألف، (العذابُ) رفعا.
وقرأ الباقون (يُضَاعَفْ) بألف، (الْعَذَابُ) رفعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُضَعِّفْ) فالفعل للَّهِ، أى:
نُضَعِّف نحن لها
العذابَ، نصب (العذابَ) لأنه مفعول به -
وَمَنْ قَرَأَ (يُضَعَّفْ) أو ((يُضَاعَفْ) فهو على ما لم يسم
فاعله.
والمعنى فيهما واحد، وهما مجزومان على جواب الجزاء.
وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه كان يقرأ كل شيء في القرآِن
(يضاعف)
إلا التي في الأحزاب قرأها (يُضَعَّف) من أجل أنه قال جلَّ
وعزَّ (ضِعْفيْن) .
قال أبو عمرو: ومضاعفة أكثر من مُضَعَّفة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ومَنْ يَقنتْ مِنكُنَّ. . . وَتَعْمَل
صَالحًا نُؤتِهَا (31)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (ومن
يقنت)
بالياء، و (وتعمل) بالتاء، (نُؤتها) بالنون.
وقرأ حمزة والكسائي (ومن
(2/281)
يقنت ... ويعمل ... يؤتها) ثلاثهن بالياء،
واتفقوا كلهم على الياء في قوله (من يأت منكن) ، (ومن يقنت)
إنهما بالياء.
قال أبو منصور: من قرأهن بالياء فللفظ (مَنْ) لأن لفظه لفظ
واحد مذكر -
وَمَنْ قَرَأَ (وتعمل) بالتاء فلأن (مَنْ) وإن كان لفظه لفظ
المذكر فإنه للتأنيث، أو للجمع، فذهب به إلى المعنى، ومما يقوى
التاء في (وتعمل) الفاصل بين الفعلين وهو قوله (منكن للَّهِ
ورسوله)
وهذه حجة ابن كثير ونافع وَمَنْ قَرَأَ بقراءتهما -
وحجة من اختار الياء في (ويعمل) أنه أتبَعَ بعض الفعل بعضًا
بالياء إذ لم يختلفوا في الياء من (يقنت) -
وقوله: (يؤتها) أى: يؤتها الله،
وَمَنْ قَرَأَ (نؤتها) فالفعل لله أيضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (33)
قرأ نافع وعاصم": (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) بفتح القات -
وقرأ الباقون (وقِرْنَ) بكسر القاف.
قال الأزهري: من قرأ (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) بفتح القاف
فهو من - قَرَرْت بالمكان أقَرُّ
(وقِرْنَ) كان في الأصل (واقْرَرْنَ) بإظهار الراءين، فلما
خُفف الحرف حذفت
الراء الأولى؛ لثقل التضعيف، وألقيت حركتها على القاف فقيل
(وقَرْنَ)
ونظير هذا من كلامهم قولهم: حَسْتُ لفلان، أى: رقَقت له
والأصل: حَسسَت له، ومما جاء في القرآن من هذا قوله تعالى:
(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) .
وكان في الأصل: فَظللتمْ.
(2/282)
وَمَنْ قَرَأَ (وقِرْن في بيوتكن) ففيه
وجهان:
أحدهما: أنه من الوَقَار، يقال: وقَر يقرُ، والأمر: قِر،
وللنساء قِرْنَ، كما يقال منْ وَصَل: يَحمِلُ صِلنَ.
والوجه الثاني. أن يكون قوله (وَقِرْنَ) بكسر القاف من قولك:
قَرَرتُ
بالمكان أقِر - وهى لغة جيده - حذف إحدى الراءين على أنه في
الأصل
(واقرِرْن) بكسر الراء الأولى، فالكسر من وجهين:
من الوَقَار، أو من القَرَار.
والقتح من القرار لا غير - وهذا قول الحذاق من النَحويين.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ (36)
قرأ عاصم وحمزة والكساني (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ) بالياء -
وقرأ الباقون (أَنْ تَكُونَ) بالتاء -
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلأن معنى الخيرة: الاختيار
مع تقديم
الفعل -
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فلأن لفظ (الْخِيَرَةُ) مؤنث.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وخَاِتم النَّبِيئينَ. . (40)
قرأ عاصم وحده (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) بفتح التاء -
وقرأ الباقون (وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ) بكسر التاء.
(2/283)
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَخَاتِمَ
النَّبِيِّينَ) بالكسر فمعناه: أنه ختم النبيين
بنفسه.
وَمَنْ قَرَأَ (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) فمعناه: آخر النبيين،
لا نبي بعده.
واجتمع القراء على نصب: (رَسَولَ اللَّه وخَاَتمَ (40)
لأن المعنى: ولكن كان رسول اللَّه -
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا (49)
روى أبو حبيب البزي عن ابن أبي بزَّة بإسناده عن ابن كثير
(تَعْتَدُونها)
خفيفة،
وروى غيره عن ابن كثير مثل قراءة جميع القراء
(تَعْتَدُّونَهَا)
بتشديد الدال.
قال أبو منصور: القراءة بالتشديد لا غير، من: اعتّدت المرأة،
فهي
معتدَّة.
والتخفيف: وهْمٌ، واللَّه أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ
(52)
قرأ أبو عمرو ويعقوب (لا تَحِلُّ) بالتاء.
وقرأ الباقون (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) بالياء.
قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (لاَ يَحِلُّ) فالمعنى: لا يحل لك شىء
من النساء،
(2/284)
ولذلك اختير تذكير الفعل، قال: ولوكان
المعنى للنساء جميعًا لكان التأنيث
أجود في العربية.
قال: والتاء جائزة لظهور النساء.
وقال الزجاج:: مَنْ قَرَأَ بالياء فلأن المعنى جَمْع النساء.
وَمَنْ قَرَأَ بالتاء أراد: جماعة النساءِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ (53)
قرأ حمزة والكسائي (إنَاهُ) بإمالة النون، وفتحها الباقون.
معنى إناه: بلوغه ونضجه.
يقال: أنى يأنى إنًى، إذا انتهى نضجه.
ومن اختار إمالة النون فلكسرة ما قبلها، والتفخيم جيد.
ونُصبَ (غيرَ) على الحال.
ناظرين: بمعنى: منتظرك
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا
وَكُبَرَاءَنَا (67)
قرأ ابن عامر والحضرمي (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَاتِنَا) بألف
بعد الدال، وكسر
التاء.
وقرأ الباقون (سَادَتَنَا) بلا ألف مع فتح التاء.
قال أبو منصور: يقال: سيد، وسادة، للجمع، ثم سادات جمع
الجمع.
والتاء مكسورة في (سَادَاتِنَا) ؛ لأنها تاء الجميع في موضع
النصب،
(2/285)
وأما تاء (سادة) فهي في الأصل هاء، كهاء
(فَعْلَة) ولذلك
لم يُكْسَر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعْنًا كَثِيرًا (68)
قرأ عاصم وحده (لعنًا كبيرًا) بالباء.
وقرأ الباقون (كَثِيرًا) بالثاء.
قال أبو منصور: معنى الكبير والكثير متقارب، والثاء أكثر -
واللَّهُ أعلم.
* * *
(2/286)
|