معاني القراءات للأزهري

سورة سَبَأ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله عزَّ وجلَّ: (عَالِمِ الْغَيْبِ (3)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (عَالِمِ الْغَيْبِ) خفضًا.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب (عَالِمُ الْغَيْبِ) .
وقرأ حمزة والكسائي (عَلَّامِ الْغَيْبِ) خفضًا بلام مشددة بعدها ألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَالِمِ الْغَيْبِ) : أو (عَلَّامِ الْغَيْبِ) بالخفض جعله
صفة للَّه في قوله: (الحمد لله) .
وَمَنْ قَرَأَ (عَالِمُ الْغَيْبِ) فهو استئناف،
ويكون المعني: عالم الغيب لا يعزُب عنه مثقال ذرة،
ويكون (لاَ يَعْزُبُ) خبر الابتداء، وجائز الرفع على المدح للَّه،
المعنى: هو عالم الغيب.
ومن قرأ (عَلَّامِ الْغَيْبِ) بالتشديد فعلى المبالغة في صفة الله يعلم الغيب،
ومن صفات الله العالم، والعليم، والعلَّام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)

(2/287)


قرأ ابن كثيرٍ، وحفص عن عاصم، ويعقوب (مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) بالرفع،
ومثله في الجائية.
وقرأ الباقون (أَلِيمٍ) خفضًا في السورتين.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَلِيمٌ) بالرفع فهو صفة لقوله (عذابٌ) .
ومن كسر جعله صفة (رِجْزٍ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ)
قرأ حمزة والكسائي (إنْ يَشَا يخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ يُسْقِطْ عَلَيْهِم) بالياء.
وقرأ الباقون بالنون ثلاثهن.
قال أبو منصور: الياء والنون في المعني سيَّان؛ لأن المشيئة لله عزَّ وجلَّ في
القراءتين.

* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ (12)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضّل عنه (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ) -
وقرأ حفص عنه (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) وكذلك قراءة سائر القرَّاء.

(2/288)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فالمعنى: وسخرنا لسليمان الريحَ،
وهى منصوبة في الأنبياء: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً) بإضمار التسخير.
وَمَنْ قَرَأَ (الرِّيحُ) فالمعنى: ولسليمان الرِّيحُ مسخرةً. وإنما سَمُجَ الرفعُ لا تَضَمن فيه من التسخير.
واتفق القراء على نصب قوله: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) .
واختلف أهل اللغة في علة نصب الطير، فقال بعضهم: معناه:
ولقد آتينا داود منا فضلاً. . . وسخرنا له الطير.
حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء. وقال غيره:
نصب قوله: (والطَيرَ) على النداء، المعنى: يا جبال أوبي معه والطير.
كأنه قال: أنادى الجبال والطير، فالطيرُ معطوف على موضع الجبال في الأصل، وكل منَادًى عند الخليل وأصحابه في موضع النصب، ولو كان مرفوعا.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون قوله: (والطيرَ) منصوبًا بمعنى (مع) ، كما تقول قمت وزيدًا، أى: قمتُ مع زيد.
فالمعنى: أوبي معه ومع الطير.

(2/289)


وروى عن يعقوب: أنه قرأ " والطيرُ " وجوازه على معنى: يا جبال أوبي معه
ويا أيها الطير.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
أرسل الياء حمزة وحده. وفتحها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)
قرأ نافع وأبو عمرو (مِنْساتَه) بغير همز.
وقرأ ابن عامر (مِنْسَأْتَهُ) بهمزة ساكنة.
وقرأ الباقون: (مِنْسَأَتَهُ) بهمزة مفتوحة.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (مِنْساتَه) بغير همزه فالأصل: منْسَأته،
على (مِفعَلة) ، إلا أنه ليّنَ الهمزة، فقال: منساته، وهو يريدها.
وأما قراءة ابن عامر (مِنْسَأْتَهُ) بهمزة ساكنة فليست بجيدة،
وأجود القراءات في هذه الحروف (مِنْسَأَتَهُ) ، أى: عصاه.
من: نَسَأتُ البعير، إذا سقته بالعصا.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: المِنْسأة: المِخْصَرةُ التي تكون بيد
الرجل يضرب بها.
يقال: نسأته، ونصأته، إذا ضربتَه بها.
وذكِرَ، أنَّ سليمان عليه السلام تُوفي وهو مُتَوَكئ، على عصاه، فلبث حولاً، ولم يعلم الجن بموته، وهم دائبون في عملهم، حتى أكلت الأرَضَة العصا. فخرّ فتبينت الجنُّ

(2/290)


بسقوطه أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما كانوا يدّعون ما عملوا مُسَخرين وهو ميت حولاً، وهم يظنون أنه حيٌّ عالم بعملهم.
وروى عن يعقوب وحده أنه قرأ (تُبُيَّنَتِ الْجِنُّ) بضمِ التاء
والباء على ما لم يسم فاعله.
وقرأ سائر القراء (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) بفتح التاء والياء.
وممما القراءة الجيدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لسبأَ) غير مجرى، وقد مرت في سورة النمل
القول في (سبأ) بما أغنى عن إعادته.
وقرأ حفص وحمزة (فى مَسْكَنِهِمْ) موحدًا، بفتح الكاف.
وقرأ الكسائي (فى مَسكِنِهِمْ) موحدًا، بكسر الكاف.
وقرأ الباقون: (فى مسَاكِنِهِمْ) جماعةً.
قال أبو منصور: هما لغتان: مَسكَن، ومَسْكِن.
وكسر الكاف فصيح جيد، للموضع الذى يسكن.
وَمَنْ قَرَأَ (مَسَاكِنِهِمْ) فهو جمع مسكن، ويقال للمساكن الكثيرة: مسكَن، ومسكِن.

(2/291)


وقوله جلَّ وعزَّ: (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ)
قرأ ابن كثير ونافع (أُكْلٍ خَمْطٍ) خفيفًا منونًا.
وقرأ الباقون (أُكُلٍ خَمْطٍ) مثقلاً منونا.
وروى عباس عن أبي عمرو (أُكْلِ خَمْطٍ) مخففًا مضافًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ) أراد: (ذَوَاتَيْ) ثمر يؤكل، ثم
قال: خمطٍ. وجعله بدلاً من (أكُل) ، المعنى: ذَوَاتَيْ خَمْطٍ.
والخمط: شجر الأراك
و (أُكُلٍ) : ثمره.
ويجوز في (الأُكُلٍ) التخفيف والتثقيل، والمعنى واحد.
وَمَنْ قَرَأَ (أُكْلِ خَمْطٍ) أضاف (أُكْلِ) إلى (الخَمْطٍ) .
وقال بعضهم: كل نبت أخذ طعمًا من مرارة حتى لا يمكن أكله فهو خمط.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ (17)
قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم
(يُجَازَى) بالياء، و (الكفورُ) رفعًا.
وقرأ الباقو" (وَهَلْ نُجازِي) بالنون، (إلا الكفورَ) نصبًا.

(2/292)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وهل نُجازِي) بالنون، (إلا الكفورَ) فالله يقول:
هل نجازي، أى: ما نُجازِي. إلا الكفورَ منصوب بالفعل.
وَمَنْ قَرَأَ (هل يجازَى) فهو على ما لم يسم فاعله، أى لا يُجازَى إلا الكفورُ لنعمة ربِّه.
ويسأل السائل فيقول: لم خصَّ الكفور بالمجازاة دون غيره؟
والجواب فيه أن المؤمن تكَفرُ حسناتُه سيئاتِه، فأما الكافر فإنه يحبط عمله كله، ويُجازَى بكل سوء عَمِلهُ، كما قال اللَّه: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) ، أى: أبطلها وأحبطها فلم تَنْفَعْهم.
وأما المؤمن فإنَّ الله أعلمنا أن حسناته تكفر سيئاته، فلا يجازى بسيئاته؛ لأن إيمانه يُعَفَّى عليها، فالمجازاة بالسيئات لِلكافر دون المؤمن،
وهذا معنى قوله: (وَهَلْ يُجَازى إِلَّا الكَفُورُ)
والمؤمن يُجْزَى ولا يُجَازى؛ لأنه يُزادُ في الثوابِ،
ولا يناقش في الحساب، ويُطَهَّرُ من الذنوب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (بَعِّدْ) بغير ألف، وكذلك روى هشام بن عمار
لابن عامر، وروى غيره عنه (بَاعِدْ) .
وقرأ يعقوب الحضرمي (رَبُّنَا بَاعَدَ) بالنصب.
وقرأ الباقون (رَبَّنَا بَاعِدْ) بألفٍ.

(2/293)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بَاعِدْ) و (بَعِّدْ) فالمعنى واحد، والتقدير يا ربَّنَا
بَاعِد، على الدعاء. وهو مثل: نَاعَمَ، ونَعِّمَ، وجاريةُ مُنَعَّمة، ومناعَمَة.
وَمَنْ قَرَأَ (ربُّنا بَاعَدَ) فهو فعل ماض، وليس بدعاء، وقد يكون (فَاعَلَ) من
واحد، كما يقال: عاقَبَه الله، وعافاه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
قرأ الكوفيون (صَدَّقَ) مشددًا
وقرأ الباقون (صَدَقَ) مخففًا.
(ظَنَّهُ) نَصْبٌ باتفاقٍ من القرَّاء
ومن شدد (صَدَّقَ) فإن الفراء قال: معناه: إن إبليس - لعنه الله - كان
قال: (لأضِلنَّهُمْ) ، و (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) .
فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
لأن قوله كان ظنا لا علمًا، فلما تَابعه أهل الزيغ صدق عليهم ظنهُ.
وَمَنْ قَرَأَ (وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
فإن الفراء قال: أراد: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ في ظَنِّهُ.
فحذف (في) وأفضى، الفعل إلى (ظنه) فنصبه.
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (23)

(2/294)


قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (إِلَّا لِمَنْ أُذِنَ لَهُ) بضم الألف، وكذلك
قال الأعشى والكسائي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون وحفص ويحيى عن أبي بكر عن عاصم (أَذِنَ) بِفتح الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا لِمَنْ أُذِنَ لَهُ) أو قرأ (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)
فالمعنى واحد، اللَّه يأذن فيما شاء، والمعنى: لا تنفع شفاعة مَلَكٍ مُقَرَّب، ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة لمن يشفع له، فيكون (مَنْ) التي فيها اللام للمشفوع له.
وهذه الآيات نزلت في قوم من العرب عَبَدُوا الملائكة، وزعموا أنهم
يشْفَعون لهم، فأعلم اللَّه أنَّ شفاعتَهم لا تَنْفع إلاَ لِمَنْ يأذَنُ اللَّه لهم بأنْ يشْفَعُوا له، ثم أخْبرَ بفزع الملائكة عند نزول الوحى من عند اللَّه، فقال: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ. . . الآية.
* * *
قوله: (حَتَّى إِذَا فَزَّعَ (23)
قرأ ابن عامر وحده والحضرمي (حَتَّى إِذَا فَزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) بفتح الفاء
والزاي.
وقرأ الباقون (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ) بضم الفاء وكسر الزاي.
قال أبو منصور: والمعنى في (فَزَّع) و (فُزِّع) واحد، الله المفزع عن
قلوبهم، أى: يكشف الفزع عنها.
والمُفَزَّع في كلام العرب على وجهين:
يكون جبانًا، ويكون شجاعًا.
فمن جعله شجاعًا فهو بمعنى أن الإفزاع تنزل بمثله، جَمْعُ الفِزَع الذى هو استغاثة. ومن جعله جبانا. فالمعنى: أنه يفزع من كل شيء يُفزعه، أى: يخوفه.
وقال أبو الهيثم: المَفزَّع الذى أمن قلبه.

(2/295)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا. . . (37)
قرأ الحضرمي وحده (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءٌ الضِّعْفُ) بالتنوين والرفع.
وقرأ الباقون (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) مضافًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءٌ) بالتنوين والرفع (الضعْفُ) مرفوعا فكأنَّ المعنى: فأولئك لهم الضعف، على أن (الضعف) بدلْ من قوله
(جزاء) ، كأن قائلاً قال: ما هو؟ . فقال: الضعْفُ.
وَمَنْ قَرَأَ (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) مضافا فمعْنَى جزاء الضعْفِ ها هنا: الحسنة بعشر أمثالها، يضَاعَفُ لهم الحسنات، وكذلك معنى الضعْف في القول الأول.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
قرأ حمزة وحده (وَهُمْ فِي الْغُرْفَةِ آمِنُونَ) على الوَحدَة.
وقرأ الباقون (فِي الْغُرُفَاتِ) .
قال أبو منصور: الغرفة كل بناء عَالٍ، ويجمع: غُرَفًا، وغُرُفَات، وغُرَفَات.
والقراءة بضم الراء ها هنا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ (40)
قرأ حفص ويعقوب (وَيَوْمَ يَحْشرُهُمْ) و (يقول) بالياء فيهما معًا.
وقرأ الباقون بالنون جميعًا.

(2/296)


قال أبو منصور: المعنى يرجع إلى شيء واحد في (نَحْشُرهم) و (يَحْشُرهم) ،
الله يحشرهم ثم يقول.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ 2) : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ (52)
قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم (التَّنَاؤُشُ)
مهموزًا.
وقرأ الباقون (التَّنَاوُشُ) بغير همز.

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالهمز فإن الفراء قال: هو من ناشنتُ، أى:
أبطأت، وجاء فلان نَئِيشًا، أى: بَطيئًا.
وأنشد:
تَمَنَّى نَئِيْشاً أَنْ يكونُ مُطاعِناً ... وقد حَدَثَتْ بعد الأمورِ أمورُ
وقال الزجاج: النئيش: الحركة في إبطاء، قال: والمعنى: من أين
لهم أن يتحركوا فيما لا حيلة لهم فيه.
قال: ويجوز أن يكون (التناؤش) مهموزا؛ لأن واو (التناوش) مضمومة، وكل واو مضمومة ضمتها لازمة إن شئت أبدلت منها همزة، وإن شئت لم تبدل، نحو: أدؤر، جمع: الدار.
ويجوز: أدوُر.
ومَنْ لم يهمز (التناوش) فهو التناول، من نُشْتُ أَنُوشُ

(2/297)


نَوْشًا، أى: تناولت.
فالمعنى: كيف لهم أن يتناولوا ما فاتهم ونأى عنهم، وقد كان قريبًا فلم يتناولوه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي (50)
فتح الياء من (رَبِّيَ) نافع وأبو عمرو - وأرسلها الباقون -
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا (46)
قرأ الحضرمي وحده (تَّفكروا) مشددة التاء، على (تتفكروا) مدغمة -
وقرأ سائر القراء بتاءين.
فمن أظهر التاءين فإحداهما تاء المخاطبة، والثانية تا الفعل -
ومن أدغم إحدى التاءين في الأخرى شددها.
* * *
وقد حُذِفَ من هذه السورة ياءان.
قوله: (كَالْجَوابِ) و (فكَيْفَ كَانَ نَكِير (45)
أثبتهما يعقوب في الوصل والوقف.
وأثبت ابن كثير الياء من (الجوابي) في الوصل والوقف أيضًا.
ووصل أبو عمرو (الجوابي) بالياء ووقف بغير ياء.
وكذلك روى ورش وأبو قرة عن نافع يصلها بالياء مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: من وصل أو وقف بالياء فهو الأصل؛ لأنه جمع جايية،
وهو: الحوض العظيم الذى يُسْقَى فيه الإبل.
ومن حذف الياء فلاكتفائه بكسرة الياء، الدالة على حذف الياء.
* * *

(2/298)


سورة الْمَلَائِكَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ)
روى عبيد عن أبي عمرو (وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمْرِهِ) بالجزم.
وقرأ الباقون (مِنْ عُمُرِهِ) بالرفع.
وقال أبو منصور: هما لغتان: العُمْر، والعُمُر.
ومثلها: العذْر، والعذُر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
قرأ أبو عمر وحده (كَذَلِكَ يُجْزِي كُلُّ كَفُورٍ) برفع اللام، على ما لم يسم
فاعله.
وقرأ الباقون بالنون والنصب.
قال أبو منصور: والمعنى فيهما يرجع إلى شىء واحد؛ لأن الله جلَّ وعزَّ
هو الجازي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ (40)
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وحمزة وحفص (على بينة) واحدة.
وقرأ الباقون (عَلَى بَيِّنَاتٍ) جماعة.
ورى المفضل عن عاصم (عَلَى بَيِّنَاتٍ) مثل أبي بكر.

(2/299)


(بينة) واحدة، وجمعها (بينات) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (43)
قرأ حمزة وحده (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) ساكنة الهمزة.
وقرأ الباقون (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) بكسر الهمزة.
واتفقوا على ضم الهمزة في قوله: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)
قال أبو منصور: تسكين الهمزة في قوله: (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) عند أهل
العربية غير جائزة.
وقد قال الفراء: جزم الأعمش وحمزة (وَمَكْرَ السَّيِّئْ)
لكثرة الحركات، كما قرئ (لا يحْزنْهُم)) بالجزم.
وكما قال:
إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَومِ

(2/300)


والأصل: صاحبُ أو صاحبَ، على النداء المفرد أو المضاف، فَجَزَم لكثرة
الحركات -
قال أبو منصور: ومثل هذا يسوغ للشاعر الذى يضطر إلى تسكين مُتحرك
ليستقيم له وزن الشعر -
فأماكتاب الله فقد أمر الله جلَّ وعزَّ بترتيله وتبيينه،
وقارئ القرآن غير مضطر إلى تسكين متحرك، أو تحريك ساكن.
وأنشد المبرد البيت:
إذا اعوَجَجن قلت صاحِ قَوِّم
* * *
وحذف من هذه السورة ياء واحدة
(فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
أثبتها الحضرميُّ في الوصل والوقف.
* * *

(2/301)


سورة يس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب
(يس) مفتوحة الياء - وقرأها حمزة ويحيى عن أبي بكر بين الفتح والكسر.
وكسرها الكسائي -
وقرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي (يس (1) وَالْقُرْآنِ) و (ن والقلم)
مدغمتى النون -
وروى الكسائي عن أبي بكر، وروى يحيى عن أبى بكر، (يس) مدغمة،
و (ن) مظهرة -
وقرأ الباقون بإظهار النونين جميعًا -
قال أبو منصور: ما لغتان: إدغام النون، لإظهارها - فاقرأ كيف شئت) .
والإمالة في ياء (يس) والتفخيم جائزان -
ورُوي عن الحسن أنه

(2/303)


قال: (يس) معناه: يا رجل - وجاء في التفسير أن معى يش. يا إنسان -
وجاء: يا محمد.
والذى هو أصبح عند أهل اللغة والعربية أنه افتتاحٌ لسورة.
وجاء أن معناه: القسم -
وقرأ بعضهم (يس وَالقرآن الحكيم) كأن المعنى فيه: اتلُ يس.
والقراءة بالتسكين؛ لأنه حرف هجاء وعليه القراء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي (تَنْزِيلَ) بالنصب.
وقرأ الباقون (تَنْزِيلُ) بالرفع -
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فعلى المصدر، على معنى: نَزَّل اللَّهُ ذلك
تنزيلاً -
وَمَنْ قَرَأَ بالرفع فعلى معنى: الذى أُنزل إليك (تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)
قرأ عاصم في رواية في بكر (فَعَزَزنا) بتخفيف الزاي -
وشَددها الباقون
وروى المفضل عن عاصم (فَعَزَزْنا) خفيفة.

(2/304)


قال أبو منصوِرِ: مَنْ قَرَأَ (فَعَزَّزْنَا) بالتشديد فمعناه: قوَّينا وِشددنا الرسالة برسول ثالث.
وقوله (فَعَزَزْنَا) بتخفيف فمعناه: فَغَلَبْنا، يقال: عزه يعزَه، إذا غلبه،
قال الله: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) .
قال أبو منصور: القراءة بالتشديد، ومعناه قوَّينا وشددنا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي)
أسكن الياء حمزة ويعقوب.
وفتحها الباقون.
* * *
قوله: (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ.. (25)
فتح الياءين نافع وأبو عمرو.
وفتح ابن كثير (إِنِّيَ آمَنْتُ) ، وأرسل (إِنِّي إِذًا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة (لَمَّا) مشددة.
وقرأ الباقون (لَمَا) خفيفة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَّا) مشددة فالمعنى: مَا كُلٌّ إلا جميعٌ.
(لَمَّا) بمعنى: (إلا) ، وهى لغة هذيل.
وَمَنْ قَرَأَ (لَمَا) بتخفيفٍ فـ (مَا) صِلَة
والتقدير: وإنَّ كلًّا للجميع لدينا محضرون.
فلمَّا خففَ (إنْ) رَفَع (كُلَّ) .

(2/305)


وقال الفراء والمعنى: وإنْ كلٌّ لجميع لدينا محضرون.
قال أبو إسحاق: معناه:
مَا كُلٌّ إلا جميع لدينا - قاله في تخفيف (لَمَا) وَمَنْ قَرَأَ به.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (35)

قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وَمَا عَمِلَتْ أيْدِيهِمْ) بغير هاء وقرأ الباقون بالهاء (وَمَا عَمِلَتْهُ) .
وقال الفرَّاء: (ما) فما موضع خافض ها هنا، أراد: لِيَأكُلوا من ثمرٍ هو
ممَا عَمِلَتْهُ أيْديهما.
قال: وإن شئت جعلت (ما) ها هنا جَحْدًا فلم تجعا لها
موضعا، ويكون المعنى: ولم تعمله أيديهم نحن جعلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ)
روى المفضل عن عاصم (أَينْ ذُكِّرْتُمْ) بهمزة بعدها ياء مقصورة ساكنة.
وقرأ الباقون (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) على الاستفهام.

(2/306)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَينْ ذُكِّرْتُمْ) فالمعنى: أي موضع ذكرتم.
وهذه قراءة شاذة.
والقراءة بالاستفهام، المعنى: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) : تَطيرتم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (وَالْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ) بالرفع.
وقرأ الباقون (والقمرَ) . نصبًا.
قال أبو منصور: من نصب فالمعنى: وقَدَّرْنَاهُ القمرَ منازل.
ومن رفع فعلى معنى: وَآية لهم القمرُ قَدَّرْنَاهُ.
ويجوز أن يكون مرفوعًا على الابتداء، و (قَدَّرْنَاهُ) خبرًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ (41)
قرأ ابن عامر ونافع (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّاتِهُمْ) جماعة.
وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) واحدة.
قال أبو إسحاق: خُوطِبَ بهذا أهل مكة.
وقيل: (حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) لأن من حُمِلَ مع نوح في الفلك فهم آباؤهم، وهم ذرياتهم.

(2/307)


والذرية في كلام العرب تقع على الآباء والأبناء والنساء.
وقول عمر: حجوا بالذرية، أراد بها: النساء - ها هنا -.
ورأى النبي - صلى الله عليه - امرأة مقتولة في بعض مفازاته، فنهى عن
قتل الذرية.
وقول الله - عزَّ وجلَّ - (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، أى: أولادهم.
وقيل الذرّيةُ مأخوذ من قولك: ذرأ اللَّهُ الخلقَ يذرؤهم، أي: خلقهم.
قال اللَّه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا) ، وهذا على قول من جعل
أصل الذريَّة مهمورا فيترك فيه الهمز.
وفُهم من جعلنا أصله من ذررت، من باب المضاعف.
وقد مرَّ تفسيره فيما تقدم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، (يَخَصِّمُونَ)
بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد، وأبو عمرو يختلس فتحة الخاء.
وقرا نافع (يَخْصِّمُونَ) ساكنة الخاء مشددة الصاد مفتوحة الياء.
وقرأ حمزة (يَخْصِمُونَ) بفتح الياء، ساكنة الخاء، خفيفة الصاد.
وقرأ يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (يِخِصِّمُونَ) بكسر الياء والخاء.

(2/308)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَخَصِّمونَ) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد
فالأصل: يَختصِمُونَ، فطرحت فتحة التاء على الخاء، وأدغمت في الصاد.
ومن كسر الخاء فلسكونها وسكون الصاد.
وَمَنْ قَرَأَ (يَخْصِمُونَ) فالمعنى: تأخذهم، بعضُهم يَخْصِم بعضا.
وجائز أن يكون المعنى: تأخذهم وهم عند أنفسهم (يَخْصِمُونَ) في الحُجَج مخالفتهم في أنهم لا يبعثَونَ، فتأخذهم الصيحَةُ على هذه الحالة.
وأما من قرأ (يَخْصِّمون) بسكون الخاء وتشديد الصاد فهو
شاذ؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنين، وهو مع شُذُوذِه لُغَة لا تُنْكِرهَا، والأصل
فيه: يختصِمُونَ، أيضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (في شُغْلٍ) ساكنة الغين.
وقرأ الباقون (فِي شُغُلٍ) بضمتين.
قال أبو منصور: همما لغتان، مثل: عُمْر، وعُمُر. وعذْر، وعذُر.
واجتمع القراء على (فاكهون) بالألف ها هنا:
وقال المفسرون: فاكهون: ناعمون.
وقال الفراء: الفاكهة من التفكه.
وقيل: فاكهون ذوو فاكهة.
وقرأ بعضهم (فكهون) وهو شاذ.
والفكه: الطيِّبُ النفس الضحوك.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ (56)

(2/309)


قرأ حمزة والكسائي (فِي ظُلَلٍ) .
وقرأ الباقون (فِي ظِلَالٍ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (في ظُلَلٍ) فهو جبع ظُلَّة مثل: حُلَّة، وحُلَل.
وقُلَّة، وقُلَل.
وَمَنْ قَرَأَ (ظِلَالٍ) فهو جمع الظِّلِّ.
وكلٌّ حسن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (جُبُلًّا كَثِيرًا. . (62)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الحضرمي (جُبُلًّا) بضمتين -
وقرأ أبو عمرو وابن عامر (جُبْلًّا) بضم الجيم وتسكين الباء.
وقرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام (جِبِلًّا) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جُبُلًّا) أو (جُبْلًّا) فالمعنى واحد.
روى أبو عبيد عن أصحابه: الجُبُلُ: الناس الكثيرة،
والجِبِلَ قريب في المعنى من الجُبُل.
وأخبر المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: الجُبُل، والجِبِلُّ، والجِبَلَة، والجَبِيل:
الناس الأكثر.
ولم يقرأ أحدٌ (جُبُلًّا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَسَخناهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (67)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (عَلَى مَكَانَاتِهِمْ) .
ووحَّدَ الباقون.

(2/310)


قال الأزهري: القراءة الفاشية (عَلَى مَكَانَتِهِمْ) ، والمكانة والمكان بمعنى
واحد، والمكانات: جمع المكانة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ (68)
قرأ عاصم وحمزة (نُنَكِّسْهُ) بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وتشديد
الكاف وكسرها.
وقرأ الباقون (نَنْكُسْهُ) بفتح النون الأولى، وتسكين الثانية،
وضم الكاف خفيفة.
وقد روى التخفيف عن عاصم أيضًا، مثل قراءة أبي عمرو.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُنَكِّسْهُ) فهو من نكسْتُ أنكِّسه، يقال:
نكَسْتُهُ، وَنكَّسْته، وأنْكَسْته بمعنى واحد.
والمعنى: أن من أطلنا عمره نَكسْنا خَلْقَهُ فصار بدلَ القوةِ الضعْفُ، وبدل الشباب الهَرَمُ -
وأصله من: نكس السهمُ، إذا أنكسَ نَصْله، فجعل أسفله أعلاه، وهو حينئذ من أضعف السهام وأحرضها.
ويقال له: سَهْمُ نِكْ@ن، وكل ضعيف نِكْس وجمعه: أنكاس.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفلاَ يَعْقِلُونَ (68)

(2/311)


قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (أفلا تعقلون) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وقرأ عباس عن أبي عمرو بالتاء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا (70)
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) .
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه.
ومن قرأ بالياء ففيه وجهان:
أحدهما: لينذر - النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان حيا،
أي: من كان يعقل ما يخاطب به.
وجائز أن يكون الإنذار للقرآن.
والله أعلم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ (81)
قرأ الحضرمي وحده (يَقْدِرُ عَلَى أنْ يَخْلُق) بالياء والرفع على (يَفْعِل) ،
وكذلك قرأ في الأحقاف: (يَقدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيىَ المَوْتَى) .
وقرأ سائر القراء (بِقَادِرٍ) بالباء والخفض والتنوين في السورتين.

(2/312)


قال أبو منصور: الذى قرأ به الحضرمي جيد في باب النحو والعربية
صحيح، والذى قرأ به القراء جيد عند حُذَاق النحويين.
وكان أبو حاتم السجستاني يُوهِّن هذه القراءة التي اجتمع عليها القراء، ويضغفها - وغَلِطَ فيما ذهب وهمه إليه.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يَحيَى أنه قال في قوله:
(وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ) هذه الباء التي تدخل للجَحد؛ لأنَّ المجحودُ
في المعنى، وإن كان قد حال بينهما بأن المعنى: أولم يروْا أن الله قادر على أن يحيى الموتى - فإن اسم (يروْا) ، ومابعدها في صلتها لا تدخل فيه الباء، ولكن معناه جحدٌ فَدخَلَت للمعنى -
قال: وقال الفراء والكسائي. يقال: ما ظننتُ إن زيدًا إلا قائم،
وما ظننت إن زيدًا قائم - فهذا مذهب الكسائي والفراء.
قال أبو منصور: وأجاز سييويه، وأبو العباس المبرد، وأبو إسحاق
الزجاج، وأحمد ين يَحيَى ما أنكره السجستاني، وهُم أعلم بهذا الباب منه،
والقراء أكثرهم على هذه القراءة -
أنشد الفرَّاء في مثل هذه الباء:
فما رَجَعَتْ بخَائِبَةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المُسَيَّب مُنْتَهاها
فأدخل الباء في (فَعَل) لو ألقيت نُصبَ بالفعل لا بالباء.
قال: ويقاس على هذا ما أشيهه. قال: وتقول: ما أظنك بقائم،
وما أظن أنك بقائم.
فإذا خَلَغت الباء نَصَبْتَ الذى كانت له بما تعمل فيه من الفعل.
* * *

(2/313)