معاني القراءات للأزهري

سورة عَسق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ)
قرأ ابن كثير وحده (كَذَلِكَ يُوحَي إِلَيْكَ) بفتح الحاء.
وقرأ الباقون بكسر الحاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُوحِي) فالمعنى: كذلك يوحيي الله إليك.
ومن قرأ (يُوحَي إِلَيْكَ) فعلى إضمار فعل مكرر، وبه رُفع (الله) ، كأنه لما قال: (يُوحَى إليك) قيل: من يوحي؟ . فأجيبَ: يوحِي الله.
ومثله قوله:
ليُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيح الطَّوائِحُ
كأنه قيل: من يبكيه؟ . فقيل: يبكيه ضارع ومختبط، وهو الذى يأتيك
طالب خير بلا وسيلة.
وأصله الرجل يجيء إلى الشجرة فيَخْبِط ورقها لمواشيه.

(2/355)


وقوله: (مما تطيح الطوائح) ، (مما) بمعنى: ممن. تطيح، أى: تلقى الأمورَ
المُطوَّحَة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ (25)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (مَا تَفْعَلُونَ) بالتاء.
وقرأ الباقون (يَفْعَلُونَ) بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَفْعَلُونَ) بالياء فعلى الخبرعن الغائب.
ومن قرأ (تفعلون) فعلى المخاطبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مُصِيبَةٍ فبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30)
قرأ نافع وابن عامر (بمَا كَسَبَتْ) بغير فاء، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون (فبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بفاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَبِمَا) بالفاء جعل الفاء جواب الشرط.
المعنى: ما تُصِيبُكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.
وهذا في العربية أجود وأتم عند النحويين.
وحذف الفاء جائز عندهم أيضًا.

(2/356)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا. . . (35)
قرأ نافع وابن عامر (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) برفع الميم.
وقرأ الباقون (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) بفتح الميم.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَعْلَمُ الَّذِينَ) عطفه على قوله (وَيَعْفُ عن كَثِيرٍ) ، وهو في موضع الرفع.
كُتبَ (وَيَعْفُ) والأصل: يعفوا. فاكتفى بضمة الفاء، وحذفت الواو.
وَمَنْ قَرَأَ (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) بالنصب فهو عند الكوفيين منصوب على الصرْفِ،
وعند البصريين) على إضمار (أنْ) ؛ لأن قبلها جزاء.
تقول: ما تَصْنَعُ أصْنَعُ مِثْلَهُ وَأكرِمَكَ. على معنى: وأنْ أكرِمَكَ، وإذا قلتَ (وأكْرِمُكَ) فهو بمعنى: وَأنا أكرِمُكَ.
وأما قوله (بماكسبت أيديكم) بحذف الفاء على قراءة من قرأه فـ (ما) في قوله: (ما أصابكم) ليست بجزاءٍ، ولكنها بمعنى (الذي) .
والمعنى: الذي

(2/357)


أصابكم وقع بماكسبت أيديكم.
ويعف عن كثير، أي: لا يجازي على كثير مما كسبت أيديكم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ (37)
قرأ حمزة والكسائي (كَبِيرَ الْإِثْمِ) بغير ألف وفي (والنجم) مثله.
وقرأ الباقون (كَبَائِرَ الْإِثْمِ) بألف في السورتين.
قال أبو منصور: (كَبَائِرَ الْإِثْمِ) /جمع كبير.
وَمَنْ قَرَأَ (كبير الإثم) فهو واحد يدل على الجمع -
واختلفوا في الكبائر، فقال بعضهم: كُل ما وعد اللهُ عليه النار فهو كبيرة. وقيل الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزَحْف، واستحلال الحرام.
وقيل الكبائر: من أول سورة النساء، من قوله:
(وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) إلى قوله (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ (51)

(2/358)


قرأ نافع (أَوْ يُرْسِلُ رَسُولًا) برفع اللام، (فَيُوحِي) ساكنة الياء، فى
موضع الرفع.
وقرأ الباقون بالنصب فيهما.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ) بالنصب فهو محمول
على المعنى الذي في قوله: (إلا وَحْيًا) ، لأن المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه
الله إلا بأن يوحيَ. . . أو أن يرسلَ رسولا.
وهذا من أجود ما قاله النحويون في هذا الحرف.
وقال سيبويه: سألت الخليل في قوله (أوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) بالنصب
فقال: (يُرْسِلَ) محمول على أن تنوى (أنْ) هذه التي في قوله: (أن يُكَلِّمه اللَّهُ)
قال أبو إسحاق النحوي: وليس ذلك وجه الكلام؛ لأنه يصيّر
المعنى: ما كان لبشر أن يرسل اللَّه رسولاً.
وذلك غير جائز.
والقول المعتمد ما أعلمتك أنَّ (أَوْ يُرْسِلَ) محمول على معنى (وَحْيًا) ، فافْهمه.
ومن رفع فقرأ (أَوْ يُرْسِلُ رَسُولًا) فالرفع في (يرسلُ) على معنى الحال،
ويكون المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه اللَّه إلا موحيا، أو مرسلاً رسولاً. وذلك كلامه إياهم.
ومثل قوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) بالنصب قول الشاعر:

(2/359)


ولولا رجالٌ من رِزامٍ أعزَّةٍ ... وآلُ سبيعٍ أو أسُوْءَك عَلْقما
المعنى: أو أنْ أسُواك.
وقد يجوز أن يكون رفع قوله: (أو يرسلُ) على معنى: أو هو يرسل.
وهو قول الخليل وسيبويه.
* * *

(2/360)


سورة الزُّخْرُف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
قرأ نافع - وحمزة والكسائي (إِنْ كُنْتُمْ) بكسر الألف، وقرأ الباقون
بالنصب (أَنْ كُنْتُمْ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فمعناه: أفنضرب عنكم ذكر العذاب،
والعذابَ بأن أسرفتم. أو: لأن أسرفتم.
وَمَنْ قَرَأَ (إنْ) فعلى معنى الاستقبال، على معنى: إن تكونوا مسرفين أي: نضرب عنكم العذاب وذكْرَهُ، جعل (إن) مجازاة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ (18)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) بضم الياء، وفتح النون،
والتشديد.
وقرأ الباقون (أَوَمَنْ يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ) بفتح الياء وسكون النون
والتخفيف.

(2/361)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) فمعناه: يربَّى ويرشَّح في
الحليِّ والزينة وَمَنْ قَرَأَ (يَنْشَأُ) فمعناه: يَشُبُّ ويترشح.
والمعنى: أن الكفارَ كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، تَعَالَى الله عما افتروْا فقَرَعهم اللَّه ووبَّخَهم بهذا الكلام، وقال: أجعلتم البنات اللائي يربين في الزينة والحلية لِيَنْفَقَن عند خُطابِهِن بَنَات اللَّه، وأنتم تستأثرون بالبنين، ويَسْوَدُّ وجهكم إذا وُلدَ لكم الإناث.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب (الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ) بالنون.
وقرأ الباقون (عِبَادُ الرَّحْمَنِ) بالباء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عِبَادُ الرَّحْمَنِ) فهو جمع عَبْدٍ
ومن قرأ (عِنْدَ الرَّحْمَنِ) فمعناه: الذين هم أقرب إلى الله منكم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ)

(2/362)


قرأ نافع وحده (آوُ اشْهِدُوا خَلْقَهُمْ) بهمزة ممدودة، بعدها ضمة.
وقرأ الباقون (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) بغير مَدٍّ.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آوُ اشْهِدُوا) فمعناهْ أأحْضِرُوا خَلْقَ الملائكة
حين خلقهن الله، فَعَلِمُوا أنهم ذكور أو إناث؟ .
وهذا استفهام معناه النفي، أي: لم يَحْضرُوا خلقهم.
وفيه تقريع لهم.
وَمَنْ قَرَأَ (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) : احضَروا خلقهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى (24)
قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بألف.
وقرأ الباقون (قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بضم القاف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قال أوَلَو) فهو فعْل ماض، كأن نبيهم قال
لهم: أولوْ جئتكم.
وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) فهو أمر من الله للنبي: قُلْ لهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ (33)
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو (لِبُيُوتِهِمْ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ) موحدًا.
وقرأ الباقون (سُقُفًا) بضم السين والقاف.

(2/363)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ) فهو جمع سَقْفٍ. وسُقْف،
كما يقول: رَهْن ورُهْن.
ومن قال (سَقفًا) فهو واحد دل على الجمع.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (35)
قرأ عاصم وحمزة (لَمَّا) مشددًا.
وقرأ الباقون (لَمَا) مخففًا.
ولم يخفف ابن عامر الميم من (لَمَا) إلا هذه التي في الزخرف،
وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر (لَمَّا مَتَاعُ) مشددة.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَا) بتخفيف الميم فـ (ما) ها هنا صلة مؤكدة،
المعنى: إنْ كل ذلك لَمَتَاع الحياةِ الدُّنْيا.
وَمَنْ قَرَأَ (لَمَّا) بالتشديد فهو بمعنى (إلاَّ) ، المعنى: ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا (36)
قرأ الحضرمي وحده (يُقَيِّضْ) بالياء.
وقرأ الباقون (نُقَيِّضْ) بالنون.
قال أبو منصور: التقيّض من فِعْل الله، قرأته بالياء أو بالنون.
والمعنى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، أي: يُعْرِض عن ذِكْرِه، فلا يذكرُ رَبَّه، نجازيه

(2/364)


بأن نُسَبِّب له شيطانًا يُضِلهُ فيستوجب العذاب.
وقيل: نقيض: نُمثل، يقال: هما قَيْضان، أي: مثلان، ومنه المُقَايَضَة في البيع، وهي المبادلة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا (38)
قرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (حَتَّى إِذَا جَاءَانَا)
على فعل اثنين.
وقرا الباقون (جَاءَنَا) على فعل الواحد.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جَاءَانَا) بالتثنية فمعناه: حتى إذا جاءنا الكافر
وشيطانه الذى هو له قرين.
وَمَنْ قَرَأَ (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا) فهو للكافر وحده.
واتفق القراء على فتح الألف من قوله: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ (39) . . .
ومعناه: أنهم مُنِعُوا فرجة التأسي باشتراكهم في النار، فلا يخفف ذلك عنهم شيئًا.
وذلك أن البشر في الدنيا إذا تأسوْا في نازلة تنْزِل بهم فتعمهم أنها تخف عليهم فتكون أهونَ من أن يُخَصَّ بها بعضٌ دون بعضٍ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ.. (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ (42)

(2/365)


قرأ يعقوب (فَإِمَّا نَذْهَبَنْ بِكَ. . . . أَوْ نُرِيَنْكَ) بسكون النون وتخفيفها
ما قرأه غيره.
قال أبو منصور: وسائر القراء على التشديد.
وهما لغتان، والتشديد أوكدهما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
فتح الياء من " تَحْتِيَ " ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ.. (53)
قرأ عاصم في رواية حفص، ويعقوب (أَسْوِرَةٌ) بغير ألف.
وقرأ البافون (أَسَاوِرَةٌ) بألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أسْوِرَة) فهو جمع سِوَار.
وَمَنْ قَرَأَ (أسَاوِرَة) ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون جمع (أسْوِرَة) ، فيكون جمع الجمع.
ويجوز أن يكون (أسَاوِرَة) جمع إسْوَارَة وأسَاوِرَة.
يقال للسوار: أسوار.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
قرأ حمزة والكسائي (سُلُفًا) بضمتين.
وقرأ الباقون (سَلَفًا) بفتحتين.

(2/366)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَلَفَا) فهو جمع سَالِف وسَلَف.
ومعناه: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم مَن بعدهم.
وَمَنْ قَرَأَ (سُلُفَا) فهو جمع سَلِيف. بالمعنى الأول، يقال: سَلَفْت القوم أسْلفُهم، إذا تقدمتهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
قرأ نافِع، وابن عامر، والكسائي، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم
(يَصُدُّونَ) بضم الصاد.
وقرأ الباقون (يَصِدُّونَ) بكسر الصاد.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَصُدُّونَ) فمعناه: يُعرضون.
وَمَنْ قَرَأَ (يَصِدُّونَ) .
فمعناه: يضجُّون.
وقال الفراء: يقال: صَدَدْتُه أصدُّه فَصَدَّ يَصِدُّ ويَصُدُّ، لغتان، إذا أعرض.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّا: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ (68)

(2/367)


قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر
(يَا عِبَادِي لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) بالياء في الوقف@ والوصل، فتحها عاصم في رواية أبي بكر.
وحذفها ابن كثير وحفص وحمزة والكسائي، في الوصل والوقف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَا عِبَاد) اكتفى بالكسرة الدالة على الياء.
ومن قرأ (يَا عِبَادِي) فعَلَى التمام.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ (71)
قرأ نافع وابن عامر وحفص (مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) .
وقرأ الباقون (مَا تَشْتَهِي) بغير هاء.
قال: القراءتان صحيحتان نزلتا في غرضين، والمعنى متقارب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ (58)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (آلِهَتُنَا) الهمزة مطولة.
وقرأ الباقون (أَآلِهَتُنَا) بهمزتين بعدهما مدة.

(2/368)


قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم (وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي والحضرمي (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) بالياء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقِيلَهُ يَا رَبِّ (88)
قرأ عاصم وحمزة (وَقِيلِهُ يَا رَبِّ) خفضا.
وقرأ الباقرن والمفضل عن عاصم (وَقِيلَهُ يَا رَبِّ) نصبًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَقِيلِهُ يَا رَبِّ) بالخفض فهو على معنى: وعنده
علم الساعة وعلم قيلِهِ.
ومن نصب (وقِيلَهُ) فإن الأخفش زعم أنه معطوف على قوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ. . . وقيلَه) ، أى:
ولا نسمع قِيلَه.
ويجوز أن يكون على معنى الفعل: وقال قِيلَه.

(2/369)


وقال أبو إسحاق الزجاج: الذي أختاره أن يكون نصبًا على معنى:
وعنده علم الساعة ويعلم قيلَه، فيكون المعنى: إنَّه يعلم الساعة ويعلم قيلَه.
ومعنى الساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة.
وقال أبو العباس فيما روى عنه ابن الأنباري وسأله عنه فقال: أنْصِبُ
(وقيلَهُ) على (عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. . . وَيَعْلَمُ قيلَهُ) .
قال أبو منصور: وهذا هو القول الصحيح.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قرأ نافع وابن عامر (فَسَوْف تَعْلَمُونَ) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وروى الخفَّاف عن أبي عمرو الياء والتاء، وقال: هما سيَّان.
* * *

(2/370)


سورة الدُّخَان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)
قرأ عاصم وحمزة والكسائي (ربِّ السَّمَاوَاتِ) خفضا.
وقرأ الباقون (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) رفعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) ردَّه على قوله: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ. . ربِّ السَّمَاوَاتِ) على البدل.
ومن رَفعه رده على قوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبُّ السَّمَاوَاتِ)
وإن شئت رفعته على المدح، بمعنى: هو رَبُّ السَّمَاوَاتِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) بالياء.
وقرأ الباقون (تَغْلِي) بالتاء.

(2/371)


قال أبو منصور: من قرأه (تَغْلِي) ردة على الشجرة.
وَمَنْ قَرَأَ (يَغْلِي) رده على المُهل.
وكل ذلك جائز.
و (المهل) : درديُّ الزيت، وما أذيب من الفِضة والنحاس فهو مُهْل أيضًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خُذُوهُ فَاعْتُلوُهُ (47)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب (فاعتُلوه) بضم التاء.
وقرأ الباقون (فاعتِلوه) بكسر التاء.
قال أبو منصور: هما لغتان: عتله يعتِله ويعتُلهُ، إذا دفعه بعنف واستذلال
المعنى: يا أيها الملائكة: خذوا الكافر فاعتلوه، أى: امْضُوا به إلى النار،
فألقوه في سوائها، أى: في وسطها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
قرأ الكسائي وحده (ذُقْ أَنَّكَ أَنْتَ) بفتح الألف.
وقرأ سائر القراء (ذُقْ إِنَّكَ) بكسر الألف.
من نَصبَ (أَنَّكَ) فمعناه: ذُقْ يا أبا جَهْلٍ العذاب؛ لأنك أنت العزيز
الكريم بِقيلِكَ في الدُّنْيا، وكان يقول: أنا أعَز أهْل الوادي وأمْنَعُهم.
فقال له الله حين ألقى في النار: ذُقْ لأنك كنت تَزْعُم أنك أنت العزيز الكريم
بِقِيلكَ، يقوله على جهة التهكم.
وَمَنْ قَرَأَ (إِنَّكَ) فهو استئناف، كأن الملَك يقول له: ذُقْ إِنَّكَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.

(2/372)


وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي آتِيكُمْ)
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وأرسلها الباقون.
* * *

(2/373)


سورة الشَّرِيعَة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ. . . (4)
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ) خفضًا.
وقرأ الباقون (آيَاتٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آيَاتٌ) فهي في موضع النصب، وتاء
الجماعة تخفض في موضع النصب؛ لأنه مَنسُوق على قوله: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ) ... وإن في خلقكم ... (آيَاتٌ) ،
وكذلك الثانية فهما أشبه لـ (إنَّ) المضمرة.
وَمَنْ قَرَأَ (آيَاتٌ) بالرفع فهو على وجهين:
أحدهما: استئناف على معنى: (وفى خلقكم آياتٌ) .
ويجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر (إن) ،
كقولك: إن زيدًا قائم وعمرًا.
فتعطف بعمرو على زيدٍ إذا نصبته.
ويجوز: وعمرو، فإذا رفعت فعلى معنى: وعمرو قائم؛ لأن معنى: إن زيدًا قائم: زيدٌ قائم.

(2/375)


وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب
(وَآيَاتِهِ تُؤْمِنُونَ) بالتاء.
وقرأ الباقون (يُؤمِنون) بالياء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَجْزِيَ قَوْمًا)
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (لِنَجْزِيَ قَوْمًا) بالنون.
وقرأ الباقون (لِيَجْزِيَ قَوْمًا) بالياء.
قال أبو منصور: الفعل لله في القراءتين، فاقرأ كيف شئت.

* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ) نصبًا.
وقرأ الباقون (سَوَاءٌ) بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (سَوَاءً) بالنصب جعله في موضع مستويًا محياهم
ومماتهم -
المعنى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا

(2/376)


وعملوا الصالحات سواء) ، أى مُسْتويًا.
وعلى هذه القراءة يُجْعل قوله (أن نجعلهم) متعديًا إلى مفعولين.
وَمَنْ قَرَأَ (سَوَاءٌ) بالرفع جعل قوله (أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) كلامًا تامَّا، ثم ابتدأ فقال: (سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) .
فـ (سَوَاءٌ) ابتداء. و (مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) خبر الابتداء وهو كقولك:
ظننت زيدًا سواءٌ أبوه وأمه، أي: ذُو سَواء، وذُو اسْتِوَاء أبوه وأمه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا (28)
قرأ يعقوب وحدهُ (كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) .
وقرأ الباقون (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) بالرفع.
قال أبو منصور: من نصبَ (كُلَّ أُمَّةٍ) جعله بدلاً من قوله:
(وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) ، ثم قال: وترى كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا.
وَمَنْ قَرَأَ بالرفع فرفع (كُلُّ أُمَّةٍ) بالابتداء، والخبر: تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا (32)
قرأ حمزة وحده: (وَالسَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا) نصبًا.
وسائر القرَّاء قرءُوا (وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا) .
قال أبو منصور: من نصبَ (السَّاعَةَ) عطفه على قوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وإنَّ السَّاعةَ.
ومن رفع فعلى معنى: وقيل: الساعةُ حَقٌّ لا ريب فيها.
* * *

(2/377)


سورة الْأَحْقَافِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (لِتُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا)
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (لِتُنْذِرَ) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَتُنْذِرَ الَّذينَ) بالتاء فعلى المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لتنذر أنت يا محمد.
ومن قرأ بالياء فللغيبة
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
قرأ الكوفيون) (إحْسَانًا) .
وقرأ الباقون (حُسْنًا) .

(2/379)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إحْسَانًا) فعلى المصدر؛ لأن معناه: ووصينا
بوالديه، أمَرْنَاه بأن يُحْسِنَ إليهما إحْسَانا.
وَمَنْ قَرَأَ (حُسْنًا) جعله اسمًا، أقامه مقام الإحسان.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ) .
قرأ يعقوب وحده (وَحَمْلُهُ وفَصْلُهُ) ساكنة الصاد، مفتوحة الفاء، بغير
ألف.
وقرأ الباقون (وفِصَالُهُ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَفِصَالُهُ) فهو بمعنى: فِطامُه.
ومن قرأ (وفَصْلُه) فهو من: فَصَلَت الأم الصبي تفصله فَصْلاً، إذا فَطَمَتْه. والفِصَال مثل الفطام.
وفى الحديث: "لاَ رِضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ "
معناه: رَضَاع يُحَرِّم بعد فصال الولد، وانقضاء السنتين من ولادة المولود.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنُ مَا عَمِلُوا وَيُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ)
قرأ حفص عن عاصم (نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) بالنون، (أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) بالنصب،
(وَنَتَجَاوَزُ) بالنون، وكذلك قرأ حمزة والكسائي بالنون.
وقرأ الباقون (يُتَجَاوَزُ) ، و (يُتَقَبَّلُ) بالياء، (أَحْسَنُ) رفعًا.

(2/380)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ نصب (أحْسَنَ) لوقوع الفعل عليه.
ومن قرأ (يتُقبلُ عَنْهُمْ. . . وَيُتَجَاوَنُا) رفع (أحْسَنُ) ؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) بالياء.
وقرأ الباقون (وَلِنُوَفِّيَهُمْ) بالنون.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون فالله يقول: ولنوفيهم نحن أعمالهم.
ومن قرأ بالياء فالمعنى: وليوفيهم الله أعمالهم.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ)
قرأ ابن كثير وابن عامر (آذْهَبْتُمْ) بهمزة مطولة على الاستفهام.
وقرأ الباقون (أذْهَبْتُمْ) بألف مقصورة.

(2/381)


قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أذْهَبْتُمْ) بوزن (أفْعَلتمْ) فهو تحقيق.
ومن قرأ (آذهبْتُمْ) فهو استفهام معناه التقريعُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ. . . (25)
قرأ عاصم وحمزة ويعقوب (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى) بياء مضمومة،
(إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) رفعًا.
وقرأ الباقون (لَا تَرَى إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ) بالتاء والنصب.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)
فتأويله: لَا يُرَى شيءٌ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ، قد أبيدُوا.
وَمَنْ قَرَأَ بالنصب والتاء فمعناه: لا ترى أيها المُخَاطَب شيئًا إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ (33)
قرأ يعقوب وحده (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) بالياء،
بغير ألف.
وقرأ الباقون (بِقَادِرٍ) بالباء والألف.

(2/382)


قال أبو منصورْ مَنْ قَرَأَ (بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فالباء دخلت في خبر
(أنَّ) بالدخول (أوَلمْ) في أول الكلام، ولو قلت: ظننت أن زيدًا بقائم، لم
يجز.
ولو قلت: ما ظننت أن زيدًا بقائم، جاز؛ لدخول حرف النفي في أوله
ودخول (أن) إنما هو توكيد الكلام، فكأنه في تقدير: أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى.
وقد مرَّ هذا الحرف في آخر سورة (يس) مشبعًا، وذكرت فيه
إنكار أبي حاتم القراءة التي اتفق عليها القراء ورد أهل العربية عليه قَوْلَهُ.
* * *

(2/383)


سورة مُحمَّدٍ (عليه السلام)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
قرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم (قُتلِوا) بغير ألف.
وقرأ الباقون (قَاتَلُوا) بألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُتلُوا) فهم مفعولون.
وَمَنْ قَرَأَ (قَاتَلوا) فالمعنى " أنهم جاهدوا الكفَار وحاربوهم، والمقَاَتلةَ تكون بين اثنين وبين الجماعة، فأعلم الله أن الذى يُقتل في سبيل الله لا يُحبَطُ عمله، وكذلك الذى يُقَاِتل الكفّار في سبيل الله.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)
قرأ ابن كثير وحده (غَيْرِ أَسِنٍ) بألف مقصورة.
وقرأ الباقون (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) على (فَاعِل)

(2/385)


قال أبو منصور: أسِنَ الماء يَأسِنُ فهو آسِن، إذا تَغيرَ ريحه هذا الأكثر.
ومن العرب من يقول: أسِنَ الماءَ يأسَنُ أسَنًا فهو آسِن.
حكاه أبو زيد عن العرب.
أما الذى ينزل في البئر التي طال عهد المستقين بها فَدِيرَ برأسه.
فلا يقال فيه إلا: أسِنَ يَأسَنُ فهو أسِن. لا غير، بقصر الألف.
قال زهير:
يَمِيدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ الْمَائِحِ الأسِنِ
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
قرأ أبو عمرو (وَأُمْلَيَ لَهُمْ) بضم الألف، وفتح الياء.
وقرأ يعقوب الحضرمي (وَأُمْلَي لَهُمْ) بضم الألف، وسكون الياء.
وقرأ الباقون (وَأمَلَى لَهُمْ) بفتح الألف واللام، وسكون الياء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأُمْلَيَ لَهُمْ) بفتح الياء، وضم الألف فهو على
ما لم يسم فاعله، وهو فعل ماض مجهول؛ ولذلك فُتِحَت الياء.
وَمَنْ قَرَأَ (وَأُمْلَي لَهُمْ) بسكون الياء وضم الألف، فالألف ألف المُخْبر على
(أُفعِل) أي: طَوِّل لهم المدة، كما قال الله: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) .

(2/386)


والإملاء: إطالة المدة.
وَمَنْ قَرَأَ (وَأمْلَى لَهُمْ) فالفعل لِلشيطان
سوَّل لهم الشيطان، أى: زَيَّن لهم رِدَّتَهُمْ، وأمْلَى، أى: مَنَّاهُمْ طُول البقاء
فى الدنيا.
والأصل فيه من قولك: أقمت عنده مِلاَوَةً من الدهر، ومَلاَوَة،
ومُلْوَة، أى: مدة طويلة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
قرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ) بفتح الألف.
وقرأ الحضرميُّ بالفتح والكسر.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي (إِسْرَارَهُمْ) بكسر الألف.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أسْرارهم) فهو جمع: السر.
وَمَنْ قَرَأَ (إسْرارَهم) فهو مصدر: أسَر يُسِرُّ إسرارًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)
قرأ نافع ويعقوب (عَسِيتم) بكسر السين.
وقرأ يعقوب (إن تُوُلِّيتُم) - بضم التاء، وكسر اللام -.
وقرأ سائر القراء (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) بفتح السين، (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) .
بفتح التاء.

(2/387)


قال أبو منصور: أما قراءة نافع (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) بكسر السين فهي لغة،
وليست بالكثيرة الشائعة.
وأهل اللغة اتفقوا على (عسَيْتُم) بفتح السين.
والدليل على صحتها اجتماع القراء على قوله: (عَسَى رَبُّكُمْ)
لم يقرأه أحد (عَسِىَ رَبُّكُمْ) .
وأما من قرأ (إنْ تُوُلِّيتُمْ) فهو على ما لم يُسَم فاعله.
والمعنى: إنْ وُلِّيَ عليكم ولاة جور تحركتم معهم في الفتنة وعاونتموهم علي ظلمهم.
وَمَنْ قَرَأَ (فَهَلْ عَسَيتُم إن تَوَلَّيْتُمْ) فمعناه: إن توليتم أمور الناس، وَوَلَيتُمْ أعمالهم.
وقيل: معنى إن توليتم، أى: أعرضتم عن الحق.
والله أعلم بما أراد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وتُقَطَّعُوا أَرْحَامَكُمْ)
قرأ يعقوب وحده (وتَقْطَعُوا أرْحَامِكُمْ) بفتح التاء، وسكون القاف، وفتح
الطاء خفيفة.
وقرأ الباقون (وتُقَطَّعُوا أَرْحَامَكُمْ) بضم التاء، وتشديد الطاء.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وتَقْطَعُوا) فهو من قولك قَطع رحِمَهُ يقطها.
ومن قرأ (وتُقَطِّعُوا) فهو من قَطَّعَ رَحِمَهُ يُقَطِّهَا، وهو أبلَغ في باب قطيعة الرحم من قَطَع يَقْطَعُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ (31)
قرأ أبو بكر عن عاصم (وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ) بالياء، (حَتَّى يَعْلَمَ. . . وَيَبْلُوَ)
ثلاثهن بالياء.
وقرأ الباقون ثلاثهنَّ بالنون.
وقرأ يعقوب ثلاثهن بالنون، غير أنه أسكن الواو من قوله: (وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ) .

(2/388)


وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) بالنون، (حَتَّى نَعْلَمَ. . . وَنَبْلُوَ)
فالمعنى: لنختبرنكم بالحرب حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين لأمر الله. والله - عزَّ وجلَّ - قد علم قبل أن خَلَقَهُم المجاهد والصابر منهم، ولكنه أراد العلم الذى يقع به الجزاء؛ لأنه إنما يجزيهم على أعمالهم، لا على ما عَلِمَ منهم.
فتأوِيل قوله: حتى نَعْلَم عِلْمَ الشهادة لا عِلم الغيب.
وَمَنْ قَرَأَ (لَيَبْلُوَنَّكُم) فالمعنى: ليبلونكم الله، أي ليختبرنَّكم.
وأما قراءة يعقوب (ونَبْلُوا) بإسكان الواو فهو استئناف،
والمعنى: سَنَبْلُوا أخبَارَكُمْ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَا أَنْتُمْ (38)
روى عليٌّ بن نصر عن أبي عمرو: (هَا أَنْتُمْ) ممدودة مهموزة، مثل حمزة
وعاصم والكسائي وابن عامر.
وقرأ نافع وأبو عمرو - في سائر الروايات عنه (هآنْتُم)
بمدة مطولة غير مهموزة.
وقرأ ابن كثير (هَأَنْتُمْ) بوزن (هَعَنتمْ) .
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ها أنْتُمْ) فـ (ها) تنبيه، و (أنتم) كلمة علىِ
حدة، وإنما مدَّ من ما ليفصل ألف (ها) من ألف (أنتم) .
وجائز أنْ يَكون (ها أنْتم) بمعنى: أأنتم.
بهمزة مطولة قلبت الهمزة الأولى هاء.
وَمَنْ قَرَأَ (هَأَنْتُمْ) بوزن (هَعَنْتُم) فالمعنى: أأنتم.
قلبت الهمزة الأولى هاء. والله أعلم. والقراءة هي الأُولى.
* * *

(2/389)


انتهى الجزء الثاني
ويليه إن شاء اللَّهُ تعالى الجزء الثالث
ويبدأ من أول سورة الْفَتْحِ.

(2/390)