معاني القراءات للأزهري

سورة الحاقة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) .
قرأ أبو عمرو) والكسائي، والحضرمي، وأبان عن عاصم " وَمَنْ قِبَلَه "
بكسر القاف وفتح الباء.
وقرأ الباقون " ومَنْ قَبْله " بفتح القاف وسكون الباء.
قال أبو منصور: من قرأ (ومَنْ قِبَلهُ) فمعناه: وأتْبَاعه، وأشْيَاعه.
ومن قرأ (ومَنْ قَبْلَهُ) فالمعنى ومَنْ تَقَدَّمه من عُتاة الكفرةِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ تَخْفَى مِنْكُم خَافِيَةٌ) .
قرأ حمزة والكسائي " لاَ يَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة " بالياء.
وقرأ الباقون (لا تَخْفَى) .
قال أبو منصور: من قرأ (لا تَخْفى) بالتاء فللفظ (خافية) ، وهى
مؤنثة.
ومن قرأ (لا يَخْفَى) أراد: لا يخفى منكم خافٍ، والهاء دخلت للمبالغة.

(3/86)


وقوله - عزَّ وجلَّ -: (قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) ، و (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) .
قرأ ابن كثير ويعقوب وابن عامر (يُومِنُونَ) و (يَذَّكَّرُونَ) بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، و (ما) مُوكدَةٌ مُلْغَاة في الإعراب،
المعنى: قليلا يذكَّرون، وقليلا يؤمنون، ونصب (قَلِيلاً) بالفعل،
و (يَذكرُون) في الأصل يتذكرون، أدغمت التاء في الذال وشددت.
* * *

(3/87)


سورة سَأَلَ سَائِلٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) .
قرأ نافع وابن عامر " سَالَ " غير مهموز " سَائل " مهموز.
وقرأ الباقون " سَألَ سائل " بالهمز فيهما.
قال أبو منصور: من قرأ (سَالَ) بغير همز فالمعنى: جَرَى وادٍ بعذاب من الله،
من سَالَ يَسيلُ، كأنه قال: سَال وادٍ بعذاب واقع.
ومن قرأ (سأل سائل) فإن الفَراء قال: تأويله: دعا داعٍ بعذاب واقع.
وقيل: الباء في قوله (بعذاب) بمعنى (عن) ، أراد: سأل سائل عن عذاب واقع.
وقيل: إن النضر بن الحارث بن كَلْدَةَ قال: اللهم إن كان مايقول محمد حقا فأمْطرِ عَلَيْنا حجارةً من السماء أوائتنا بعذاب أليم.
فأُسرَ يَوْم بَدْرٍ وقتل صبرًا.
قال أبو منصور: وجائز أن يكون (سَالَ) غير مهموز ويكون بمعنى (سأل)
فَخُففَ همزهُ.
وهو أحب إليَّ من قول من ذهب به إلى سَيْل الوادي.
لتتفق القراءتان.

(3/88)


وقوله جلَّ وعزَّ: (تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ) .
قرأ الكسائي وحده " يَعْرُجُ " بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فلتقدُّم فِعْل الجمع.
ومَنْ قرأ بالتاء فلتأنيث جماعة الملائكة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَميمًا) .
رُوي لابن كثير (ولا يُسْألُ حَمِيم) بضم الياء.
وقرأ الباقون " ولا يَسْأل حميم حميما) .
قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فالمعنى: أنهم يَعْرف بعضهم بعضا.
يدل عليه قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) .
ومن قرأ (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ) بضم الياء فالمعنى: لا يُسْال قريب عن ذي قرابتِه. ويكون (يُبَصَّرُونَهُمْ) - والله أعلم - للملاَئكة.
قال أبو منصور: والقراءة (ولا يَسْأَلُ) .
قال ابنٍ مجاهد قرأت على قنبل عن النَّبَّال عن ابن كثير، (ولا يَسْألُ) بفتح الياء مهموزة.
قال ابن مجاهد: وروى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر
وشيبة " ولا يُسْأَل " برفع الياء وهو غَلَطٌ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى (16) .

(3/89)


قرأ حفص عن عاصم (نَزَّاعَةً) .
وقرأ الباقون (نَزَّاعَةٌ) . بالرفع، وكذلك روى أبو بكر عن عاصم.
قال أبو منصور: من قرأ (نزاعة) بالنصب فهو على الحال، كا قالط:
(هو الحق مصدقا@، فيكون (نَزَّاعَةً) منصوبةً مؤكدة لأمر النار.
ويجوز نصبها على أنها تَتَلظى نزاعة.
ويجوز نصبها على الذمِّ.
ومن قرأ (نزاعةٌ) بالرفع فلها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون (لَظى نزاعةٌ)
خبًرا عن الهاء والألف في قوله: (إنها) ، كما تقول إنه حلو حامض.
تريد: إنه قد جمع الطَّعْمين.
والوجه الثاني: أن يكون الهاء والألف إضمارًا للقصة، وهو الذي يسميه
الكوفيون (المجهول) المعنى: أن القصة والخبر لظى نزاعةٌ للشوى.
والوجه الثالث: التكرير كأنه قال: كلا إنها لظى، إنها نزاعةٌ للشوى.

(3/90)


وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) .
قرأ عاصم في رواية حفص، ويعقوب (بِشَهَادَاتِهِمْ) .
وقرأ الباقون (بِشَهَادَتِهِمْ) .
وروى عبد الوارث عن أبي عمرو (بشهاداتهم) مثل حفص.
الشهادات: جمع الشهادة.
والشهادة تَنُوب عن الشهادات؛ لأنه مصدر.
وقرأ ابن كثير وحده (وَالَّذِين هُمْ لأمَانَتِهِمْ (32)
واحدة.
وقرأ الباقون " لأماناتهم " جماعة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
روى المفضل عن عاصم (أَنْ يَدْخَلَ) بفتح الياء.
وقرأ الباقون (أَنْ يَدْخَلَ) بضم الياء.
قال أبو منصور: من قرأ (يُدْخَلَ) فهو من أخل يُدْخُلَ
ومن قرأ: (يَدْخَلَ) فهو من دَخَلَ يَدْخُلُ.
والقراءة: يُدْخَلُ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) .

(3/91)


قرأ ابن عامر وحفص (إِلَى نُصُبٍ) بضم النون والصاد.
وقرأ الباقون (إلَى نَصْبٍ) بفتح النّون وسكون الصاد.
قال أبو منصور: من قرأ (إلَى نَصْبٍ) فمعناه: إلى عَلَم منْصوب لهم.
ومن قرأ (إِلَى نُصُبٍ) فَمعناه: إلى أصنام لهم.
كما قال: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) .

(3/92)


سورة نوح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (أنِ اعبدُوا اللَّهَ) .
روى على بن نصر عن أبي عمرو (أنُ اعبدُوا الله) بضم النون، مثل قراءة
ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي -
وروى اليزيدي وعبد الوارث عن أبي عمرو "أنِ اعبدوا اللَّهَ "
بكسر النون مثل قراءة عاصم وحمزة ويعقوب.
قال أبو منصور: من كسر النون فلاجتماع الساكنين.
ومن رفع النون فلأن الألف من (اُعْبُدُوا) مضمومة، فنقلت ضمتها إلى النون.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (دُعَائيَ إلاَّ فِرَارًا) .
فتح الياء ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وأرسلها الكوفيون.
قال ابن مجاهد: وحدثني محمد بن الجهم عن خلف عن عبيد عن شبل
عن ابن كثير (دُعَايَ إلاَّ) لا يهمز، وينصب الياء، مثل: هُدَايَ،
وعَصَايَ.
قال أبو منصور: الدعاء ممدود ولا يجوز قصره، والهُدَى مقصور.

(3/93)


وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) .
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وأرسلها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا (23) .
قرأ نافع وحده (وُدًّا) بضم الواو، وكذلك روى يزيد عن أبي بكر
عن عاصم (وُدًّا) بضم الواو مثل نافع، ما رواه عن عاصم غيره.
وقرأ الباقون (وَدًّا) بالفتح.
قال أبو منصور: (وُد) : اسم صنم) ، وفيه لغتان: (وَد) و (وُد)
والوَدُّ: الوتِدُ. والوُدُّ: الموَدة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ (25) .
قرأ أبو عمرو وحده (خَطَايَاهُمْ) .
وقرأ الباقون (خَطِيئَاتِهِمْ) بالهمز والتاء.
قال أبو منصور: الخطايا والخطيئات: جمع الخَطيئَة.

(3/94)


وقوله جلَّ وعزَّ: (مَالُهُ وَوَلَدُهُ)
قرأ أبو عمرو، وابن كثيرٍ، وحمزة، وخارجة عن نافع، والكسائي
(وَوُلْدُهُ) بضم الواو الثانية.
وقرأ الباقون " وَوَلَدُهُ " بفتح الواو واللام.
قال أبو منصور: الوُلْدُ، والوَلَد: مثل العُرْب والعَرَب.
والوُلْد يصلح للواحد والجمع.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا (28) .
قرأ حفص عن عاصم، وأبو قرة عن نافع (بَيْتِيَ) بفتح الياء -
وأسكنها الباقون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أطَيعُونِي) .
أثبت الياء في " أطِيعُوني " يعقوب في الوصل والوقف.
وحذفها الباقون.
* * *

(3/95)


سورة الجن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا) ، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) ، (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) .
(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) .
بفتح الألف نسقًا على قوله: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ)
وكسروا قوله: (وَإنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) .
وما بعدها من الألفات نسقًا على قوله (إنَّاسَمِعْنَا) .
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو إلا قوله: (وَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) فإنهما كسرا الألف، وكذلك روى المفضل عن عاصم مثل
قراءة أبي بكر عنه.
وأما الكسائي، وحمزة، وابن عامر، وحفص عن عاصم فإنهم فتحوا الألف
في جميع ذلك نسقًا على قوله: (أوحىَ إلَى) .
قال أبو منصور: أما قوله: (أنَّهُ اسْتَمَعَ نُفَرٌ) فالألف مفتوحة لا غير؛ لأنه
بمعنى: قل أوحى إليَّ بِأنَّه. ولا يجوز فيه غير الفتح.
وأما قوله: (إِنَّا سَمِعْنا) فهى مكسورة لا غير؛ لأن (إنَّا) ها هنا جاءت بعد (قالوا) فهى كالابتداء،
وإنما الاختلاف فيما بعد، فمّن كسر (إنَّا) ، (وإنَّا) نسَقَهُ على قوله:
(إِنَّا سَمِعْنا) .
ومن فتح نسقه على قوله: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) .
وقد قال بعضهم: حمل ما كان محمولاً على الْوَحيِ فهو (أَنَّهُ) بالفتح، وما كان من قول الجِنِّ فهو مكسور عطفًا على قوله: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) وعلى هذا

(3/96)


القول يكون المعنى: وقالوا إنه تعالى جَدُّ رَبِّنا، وقالوا إنه كان يقول سفينها.
وهذه قراءة جيدة.
قرأ بها نافع وعاصم وأبو عمرو.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) .
قرأ يعقوب وحده (أَنْ لَنْ تَقَوَّلَ الإِنْسُ) .
وقرأ الباقون "أَنْ لَنْ تَقُولَ " ساكنة الواو.
قال أبو منصور: من قرأ (أن لَّنْ تَقَوَّلَ) فهو من قولك: تَقَوَّل فلان على
فلان الكذب، إذا تخَرصَه، واختلق عليه ما لم يَقُله.
وروى أبو عبيد عن الكسائي:
تقول العرب: قَوَّلتني ما لم أقل.
وأقْوَلْتني ما لم أقل.
ونظير قوله: (أن لَّنْ تَقَوَّلَ) قوله جلَّ وعزَّ:
(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) ،
أي: لو تخرص علينا ما لم نَقُلْه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " نَسْلُكْهُ " بالنون.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " يَسْلُكهُ " بالياء.
قال أبو منصور: المعنى في (يَسْلكْه) ، و (نَسْلكْه) واحد، الله -
يسلكه، أو أعوانه بأمره.

(3/97)


وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) .
قرأ عاصم وحمزة (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) بضم القاف، على الأمر.
وقرأ نافع وابن كثيرٍ ابن عامر وأبو عمرو والكسائي (قَالَ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) . بفتح، القاف.
قال أبو منصور: من قرأ (قُلْ) فهو أمر من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن قرأ (قال) فهو إخبار من الله عن الرسول أنه قال ذلك.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)
روى هشام بن عمار عن سويد، وأيوب عن يَحيَى بن الحارث عن ابن
عامر (لُبدًا) بضم اللام.
وقرأ سائر القراء (لِبَدًا) بكسر اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (لِبَدًا) فهو جمع لِبْدَة ولِبَدٍ.
ومن قرأ (لُبدًا) فهو جمع لُبدَة.
وهما بمعنىَ واحد: يركب بعضهم بعضًا لحرصهم على استماع
الوحي، حتى كادوا أنْ يسقطوا عليه صلى الله عليه.
وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقًا شديدًا فقد لبَّدته وألبدته.
* * *

(3/98)


سورة الْمُزَّمِّلُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (أَشَدُّ وَطْئًا) .
قرأ أبو عمرو وابن عامر (أَشَدُّ وِطَاءً) بكسر الواو، وفتح الطاء، والمد
وقرأ الباقون (أَشَدُّ وَطْئًا) بفتح الواو، وسكون الطاء، والهمزة.
قال أبو منصور: من قرأ (أَشَدُّ وِطَاءً) فمعناه: أشد مُواطئة أي:
موافقة لقلة السمع، أراد: أن القراءة بالليل يتواطؤ فيها قلب المصلي ولسانه
وسمعه تفهما وأداء ما لا يتواطؤ عليه بالنهار.
وكان أبو الهيثم يختار (وِطَاء)
يقال: واطأني فلان على الأمر، إذا وافقنى.
أراد: أن القلب لا يشتغل بغير ما اشتغل به السمع هدا واطأ ذاك، وذلك واطأ هذا.
وإذا اشتغل القلب بالفكر وجرى اللسان بالقراءة حذف الخطأ والإرتاج.
ومن قرأ (أَشَدُّ وَطْئًا) فمعناه أبلغ في القيام، وأبين في القول وجائز أن
يكون المراد في (أَشَدُّ وَطْئًا) : أغلظ على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن

(3/99)


الله جَعَل الليل سكنًا.
وقيل: (أَشَدُّ وَطْئًا) أى: أبلغ في الثواب؛ لأنه أجهَد،
وكل مجتهد فثوابه على قدر اجتهاده.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبُّ الْمَشْرِقِ) .
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص " رَبُّ الْمَشْرقِ " بالرفع.
وقرأ الباقون "رَبِّ الْمَشْرِقِ " خفضًا.
قال أبو منصور: من قرأ (رَبُّ) رفعه بـ (هو رَبُّ الْمَشْرِقِ)
ومن قرأ (رَبِّ الْمَشْرِقِ) ، أتبعه قوله: واذكر اسم ربِّك. . . . رَبِّ الْمَشْرِقِ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (20) .
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب. (وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ) خفضا.
وقرأ الباقون (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ)
وروى عن ابن كثير (وَثُلْثَهُ) بسكون اللام، رواه شبل.
قال أبو منصور: من قرأ (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) فهو بَيِّن حَسَن، وهو تفسير
مقدار قيامه؛ لأنه لما قال (أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) كان قوله (ونِصْفَهُ) مبيِّنًا

(3/100)


لذلك الأدنى، كأنه يقول: تقوم أدنى من الثلثين فتقوم النصْفَ والثلث.
ومن قرأ (وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ) فالمعنى: وتقوم أدنى من نصْفِه وثلثِه.
والوجهان بَيِّنان.
* * *

(3/101)


سورة الْمُدَّثِّر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) .
قرأ حفص والمفضل عن عاصم، ويعقوب - (والرُّجْزَ) بضم الراء.
وقرأ الباقون (وَالرِّجْزَ) بكسر الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (الرُّجز) فإن مجاهدًا قال: الرُّجزُ:
الأوثان.
وقال أبو إسحاق: الرِّجز والرُّجز واحد، وتأويلهما: اهجر عبادة
الأوثان.
والرِّجز في اللغة أيضا: العذاب.
قال اللَّه: (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ)
أي: العذاب. فالتأويل: اهجر ما يُؤدِّيك إلى عذاب الله.
وكذلك قال الفرَاء: الرِّجز والرُّجز لغتان معناهما واحد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّيلِ إذْ أدْبرَ (33) .

(3/102)


قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي
(إذَا دَبرَ) بفتح الدال.
وقرأ الباقون (إذْ أدْبرَ) بقطع الألف، وسكون الدال.
وقال الفراء والزجاج. هما لغتان: دبر النهارُ، وأدبر.
ودبر الصيف وأدبرَ.
وكذلك قَبِلَ وأقْبَل، فإذا قالوا: أقبل الركب، وأدبر.
لم يقولوا إلا بالألف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) .
اتفقوا كلهم على (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ) بالألف إلا مَا رُوِى لابن كثير،
قال ابن مجاهد: حدثنى ابن أبي خيثمة، وإدريس عن خلف عن وهب بن
جرير عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن كثير يقول، (لَحْدَى الكُبَر) لا يهمز
ولا يكسر، وروى قنبل عن النبَّال عن أصحابه عن ابن كثير
(لَإِحْدَى الْكُبَرِ) مهموزة مثل قراءة حمزة.
قال أبو منصور: (لَحْدَى) ليس بشيء،
ومعنى (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) : لَدَاهية عظيمة تفُوق الدواهى،
كما يقال: فلان أحَد الأحَدِين.
معناه: أنه لا نظير له.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) .

(3/103)


قرأِ نافع وابن عامر " مُسْتَنْفَرَةٌ " بفتح الفاء.
وقرأ الباقون مستنْفِرة" بكسر الفاء.
قال أبو منصور: من قرأ (مُسْتَنْفَرَة) فمعناه: مُنَفَّرَةٌ، كأن الصيادَ
نَفَرَها.
ومن قرأ (مُسْتَنْفِرَةٌ) فمعناها: نَافِرَةٌ - يقال: نَفَر، واستنفرَ،
ونفْرتُه، واستنفرْتُه.
وأنشد ابن الأعرابي:
ارْبطْ حِمَارَكَ إنهُ مُسْتتْفِرٌ ... فى إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لغُرّب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (56) .
قرأ نافع وحده (وَمَا تَذكُرُونَ) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: المعنى فيهما متقارب.
وقد مَرَّ أمثاله.
* * *

(3/104)


سورة الْقِيَامَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) .
قرأ ابن كثير (لَأُقْسِمُ) ليس بين (لا) وبَيْنَ القاف ألف.
وقرأ الباقون (لَا أُقْسِمُ) بألف المقسم عن نفسه.
وقال ابن مجاهد قرأت على قنبل لابن كثير "قْسِمُ " بغير ألف
و (لَا أُقْسِمُ) بألف ولام.
وقرأ الباقون (لَا أُقْسِمُ) ، (ولاَ أقْسِمُ) بألف جميعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (لَا أُقْسِمُ) فهى لام التوكيد للقسَم، كقولك:
لأحلف بالله.
ومن قرأ (لَا أُقْسِمُ) ففى (لا) اختلاف، قال بعضهم:
(لا) لغو، وإن كانت في أول السورة؛ لأن القرآن كلَّه كالسورة الواحدة؛
لاتصال بعضه ببعضٍ، فجعلت (لا) ها هنا بمنزلة (لا) في قوله:
(لِئَلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتَابِ) المعنى: لأن يعلم.
وهو قول الكسائي.
وقال الفرَّاء في قوله: (لَا أُقْسِمُ) (لا) ردَّ كلام تقدمه، كأن القوم أنكروا
البعث فقيل: لا ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم أقسم بيوم القيامة تعظيمًا لشأنه،

(3/105)


كأنه قال: أقسم بيوم القيامة إنكم مبعوثون.
ودل على هذا قوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ)
المعنى: بلى لنجمعنها قادرين على تَسْوِية بنانه.
ونصب (قادرين) على الحال.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإذَا بَرِقَ الْبصَرُ)
قرأ نافع " بَرَقَ " بفتح الراء.
وكذلك روى أبان عن عاصم (بَرَق) كقراءة نافع -
وقرأ الباقون " بَرِق) بكسر الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (بَرَق الْبصَرُ) فهو من بَرَق يبرُقُ بريقا، ومعناه:
شَخَص فلا يطْرِف من شدة الفزع الأكبر -
ومن قرأ (بَرِق البصرِ) بكسر الراء
فمعناه: تحيَّر، يقال: بَرِق الرجل يبرَق بَرَقًا، إذا رأى البرْق فتحير
كما يقال: أسِدَ الرجلُ، إذا رأى الأسدَ فتحير وبَقِرَ، إذا رأى بَقَرا كثيرًا فتحير.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب " كَلا بَلْ يُحِبونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُون الآخِرَة " بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما.
قال أبو منصور: التاء للخطاب "، والياء للغيبة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) .
قرأ حفص عن عاصم (وَقِيلَ مَنْ) ويقف، ثم يبتَدِئ (رَاقٍ) ، ما قطعها غيره.

(3/106)


وقرأ الباقون (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) بلا وَقْف بينهما.
قال أبو منصور: من وقف أراد إبانة النون مِنْ (مَنْ) .
وقيل في تفسير (مَنْ راقٍ) ، أي: مَن يرقَى بِرُوحِهِ، أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ .
وقيل: معنى (مَنْ راقٍ) : من يَشْفى من هذه الحال.
وفيه قوله ثالث: إن هذا يقال عند اليأس، أي: من يقدر على أن يَرْقى من الموت، على جهة الجَحْد.
والمعنى: أنه لا يقدر أحد على أن يرقي من الموت.
والعرب تقول من الرُّقِية: رَقَى يرقى.
ومن الرُّقي، وهو الصعود رَقىَ يرقَى رُقِيًّا فهو راقٍ فيهما واللَه أعلم بما أراد.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) .
قرأ حفص والمفضل عن عاصم، ويعقوب (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) بالياء.
وقرأ الباقون (مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى) بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ (يُمْنَى) بالياء ذهب به إلى المَني، وهو مذكر.
ومن قرأ (تُمْنَى) بالتاء رده إلى النطْفَة،
وأصل النطفة في كلام العرب: المُوَيْهَةُ القليلة.
وكذلك قيل لمَني الرجُل: نُطفة. وأصله من نطف الماء ينْطُفُ، إذا
قَطَرَ، نَطفانًا.
* * *

(3/107)


سورة هَلْ أَتَى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال جلَّ وعزَّ: (سَلاَسِلًا) و (قَوَارِيرًا (15 - 16) .
قرأ ابن كثير " سلاسلَ " بغير تنوين، ووقف بغير ألف "كانَتْ قَوَارِيرًا "
منونة، ووقف بغير ألف " قَوَارِيرَ مِنْ فِضة " غير منونة.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم " سلاسلَ " بغير تنوين، ووقفوا بألف " كانت قوارير " يقفون بألف، ويختارون الوقف عليها، فإذا وصلوا وصلوا بغير تنوين " قوارير من فضة " بغير تنوين، وبغير ألف.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي " سلاسلاً "،
و (كانت قواريرًا قواريرًا) منونة (من فضة) .
ويقفون عليها بألف.
وقرأ حمزة ويعقوب " سلاسلَ " و " قواريرَ " بغير تنوين، وبغير ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (سلاسِلَ) و (قواريرَ) بغير تنوين، وغير
ألف؛ فلأنها لا تنصرف.
ومن قرأ (سلاسلاً) و (قوارورًا) فنوَّن فلأنَّ

(3/108)


أصلها الصرف - ووافقتا رُءوس آى بألف فأجريتا مجراها.
وأما من لم يجر (تَوارِيرَ مِنْ فِضة) وأجرى الثانية فلأن الأولى ليست برأس آية والثانية رأس آية.
قال أبو منصور: كل ما قرئ به فهو جائز حسن.
فاقرأ كيف شئت.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) .
قرأ حمزة ونافع (عَالِيْهِمْ) بِسُكون الياء، وكذلك رَوَى أبان والمفضل عن
عاصم.
وقرأ الباقون " عَالِيَهُمْ " بفتح الياء -
قال أبو منصور: من قرأ (عَالِيْهِمْ) بسكون الياء فهو في موضع الرفع،
المعنى: الذي يَعْلُوهم ثياب سندس.
وهو اسم على (فَاعِل) من عَلاَ يَعْلو.
ومن فتح الياء فقرأ (عَالِيَهُمْ) فإن الفرّاء قال: نصبه على الظرف،
تقول: فَوْقَهم ثياب.

(3/109)


وقال الزَّجَّاج: نصبه على الحال من شيئين:
أحدهما: من الهاء والميم،
المعنى: يَطُوف على الأبرار وِلْدَان مُخَلَّدون عاليًا الأبرارَ ثيابُ سنْدس؛ لأنه
وصَفَ أحْوَالهم في الجَنة، فيكون المعنى: يَطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء.
قال: ويجوز أن يكون حالاً من الوِلْدان، المعنى: إذا رأيتهم حَسِبْتَهم لُولؤا
مَنثورًا في حال عُلو الثياب إياهم.
قال: فالنصب على هذا بَيِّن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) .
قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم " خضرٍ "، خفضًا، (وَإِسْتَبْرَقٌ) رفعا.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر ويعقوب (خُضْرٌ) ، رفعَا، و (إستبرقٍ) خفضًا.
وقرأ نافع، وحفص عن عاصم (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) ، رفعًا جميعًا.
وقرأ حمزة والكسائي (خُضْرٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ، خفضَا جميعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (خضرٌ) فهو جيد؛ لأنه نعتٌ لقوله (ثيابُ) ،
والثياب جمع، و (خضرٌ) نعت للجمع.
ومن قرأ (خُضْرٍ) فهو من نعت السندس، والسندس في المعنى راجع إلى الثياب.
ومن رفع (وَإِسْتَبْرَقٌ) فهو معطوف على الثياب، المعنى: وعليهم إستبرقٌ.
ومن خفض نسق على (سندُسِ) ، ويكون المعنى: عليهم ثيابٌ من هذين النوعين: ثياب سندسٍ، وإستبرقٍ.

(3/110)


وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) .
روى عباس عن أبي عمرو (نُطْعِمْكُمْ) جَزْما.
وقرأ سائر القراء (نُطْعِمُكُمْ) .
قال أبو منصور: القراءة (نُطْعِمُكُمْ) بضم الميم، وما رُوِى عن أبي عمرو
فهو من اختياره الاختلاس عند تتابع الحركات.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (30) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَمَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة، ومن قرأ بالتاء فللخطاب.
ومعنى (ما تشاءون إلا أن يشاء الله) أي: لستم تشاءون شيثًا فيكون دون
مشيئة الله.
* * *

(3/111)


سورة وَالْمُرْسَلَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (عُذْرًا)
ساكنة الذال (أَوْ نُذْرًا) مثقلة.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) مخففين.
قال أبو منصور: من قرأ (عُذْرًا أوْ نْذْرًا) مثقلاً أو مخففًا فالمعنى واحد،
أى: إعْذَارًا وإنْذارًا.
أراد: فالملقيات ذِكْرًا للإعْذار والإنْذار.
ويجوز أن يكون نَصبهما على البدل من قوله: (ذكْرًا) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) .
قرأ أبو عمرو وحده (وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ) بالواو.
وقرأ سائر القراء (أُقِّتَتْ) بالهمز.

(3/112)


قال أبو منصور: من قرأ بالواو فهو الأصل؛ لأنه مأخوذ من الوقت ومن
قرأ بالهمز فلأن الواو إذا انضمت قلبت همزة.
والعرب تقول صلى القوم أُحدانًا.
وأنشد الفرّاء:
يَحُلُّ أحُيْدَةً ويقالُ بَعْلٌ ... وَمثلُ تَمَوُّلٍ منهُ افتقارُ
الأصل: يحل وُحَيْدَة.
ومعنى (وَقتَتْ) و (أقتَتْ) : جُعِلَ لها وتْت واحد للفصل فى القضاء بين
الخلق.
وقيل: أقتت: جُمِعتِ لوَقْتها يوم القيامة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأنَّهُ جِمَالاتٌ صُفْرٌ (33) .
قرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم
" جمَالاَتٌ " بكسر الجيم. وقرأ الحضرميّ " جُمَالاَتٌ " بضم الجيمِ، والجمع.
وقرأَ حفص وحمزة والكسائي " جِمَالَةٌ " بكسر الجيم.
قال أبو منصور: من قرأ (جِمَالاَتٌ) فهى جميع جِمَالَة. يقال:
جَمَل وجِمَالٌ وجِمالَةَ، كما يقال ذَكرٌ وذِكَار وذِكَارَة، ثم يجمع الجِمالَهُ جِمَالاَت.

(3/113)


ومن قرأ (جِمالَة) فهو جمع جَمِل.
وأما من قرأ (جُمَالاَت) بضم الجيم فهى جمع: جُمَالَة وهو القَلْس من قُلوس سُفُن البحْر.
وقال الفراء: يجوز أن يكون جَمْعُ جَمَل جِمَالاً، وجُمَالاَت.
كما قيل رُخَال لجمع. رَخِل. وذكر الزجاج ما يقارب معناه.
وروى عن ابن عباس أنه قال: الجُمَالاَت: حبال السفن يجمع بعضه إلى بعض
حتى يكون كأوساط الرجال.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ (30) .
قرأ يعقوب وحده (انْطَلَقُوا) - بفتح اللام -
وقرأ سائر القراء (انْطَلِقُوا) - بكسر اللام - على الأمر.
ومن قرأ (انْطَلَقُوا) فهو فِعْل ماض.
* * *

(3/114)


سورة عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) .
كان يعقوب إذا وقف يقف على (عَمهْ) على هاء السكت.
والباقون إن وقفوا وقفوا على ميم.
قال أبو منصور: ليس قوله (عَم) موضع وقف، وإن اضطرَ إلى الوقف
قارئ لم يَجُزْ أنْ يقِف على (عَمه) بالهاء، لأن هذا ليس موضع وقْف.
وكان فى الأصل: عَنْ مَا يَتَساءَلُون، وأدغمت النون فى الميم، لأن
الميم تشرك الغنة التى فى الألف. المعنى: عن أى شىء يتساءلون. فاللفظ لفظ استفهام، والمعنى تفخيم القصة كا تقول: أى شيء زَيْد.
وإنما حُذِفَت الألف ليكون فَرْقًا بينها إذا كانت خَبَرًا وبينها إذا كانت استفهامًا.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) .
روى هشام بن عمار عن ابن عامر بالتاء " ستعلمون "
لا يعرف ذلك أصحاب الأخفش.

(3/115)


قال أبوِ منصور: القراءة بالياء، لأن قبلها (يتساءلون) ، وهو بالياء، فكذلك (سَيَعْلَمُون) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ)
قرأ الكوفيون " وَفُتِحَت " خفيفة. إلا ما رَوَى الأعشى عن أبي بكر عن
عاصم وفُتِّحت " مشددة، وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر
ويعقوب.
قال أبو منصور: من خفف فللفظ (السمَاء) إنه واحد، ومن شدّد ذهب
بها إلى الأبواب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) .
قرأ حمزة وحده " لَبِثِينَ " بغير ألف.
وقرأ الباقون " لاَبِثيِنَ " بألف.

(3/116)


قال أبو منصور: يقال لَبِثَ الرّجُلُ يَلْبَثُ لُبْثًا ولَبْثًا فهو لاَبِث.
ويقال: هو لَبِثٌ بمكانِ كذا وكذا، إذا صار اللَبْثُ شأنه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) .
قرأ الكسائي وحدهُ: (ولا كِذَابًا) خفيفا.
وسائر القراء قرأوا: (وَلَا كِذَّابًا) .
ولم يختلفوا فى قوله: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) .
قال أبو منصور: من قرأ (وَلَا كِذَابًا) خفيفة فمعناه: لا يُكذِّبُ بعضُهم
بعْضًا، مِِن كَاذبتُه كذَابا.
ومن قرأ (وَلَا كِذَّابًا) فهو مصدر: كَذبْتُه تَكْذِيبا وكِذابا
والعرب تقول: خَرقْت القميص خِراقًا، وقَضيت حاجاتى قِضاء.
وإنما فرق الكسائي بين الأول والثانى لأن الأول مقيد ب (كَذَّبوا) فقرأه (كِذَّابا) ؛ لأنه مصدر (كَذَّبوا) .
وخفف الثانى لأنه غير مقيد بما قبله.
فالمعنى: لا يسمعون فيها لغوًا، أى: باطِلاً. (وَلاَكِذَّانا) ، أى: كَذِبًا - وقال الأعشى:
فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها ... والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُه

(3/117)


أى: كَذِبُه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ (37) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنُ) رفعا.
وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ) خفضًا معًا.
وقرأ حمزة والكسائي (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خفضًا،
(الرَّحْمَنِ) ، رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بالرفع فعَلَى إضمار:
هو رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
و (الرحْمنُ) خبره.
ومن قرأ (رَبِّ) فهو على التكرير لقوله (مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) . رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .
وأما قراءة الكسائي (رَبِّ السَّمَاوَاتِ) خفضًا، (الرحْمَنُ) رفعا فإنه جعل الربَّ بَدَلاً من قوله (رَبِّكَ) ، ورفَع (الرحْمَنُ) على إضمار: هو الرحْمَنُ. على المدح.
* * *

(3/118)