معاني القراءات للأزهري

سورة النَّازِعَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (عِظَامًا نَخِرةً) .
قرأ عاصم في رواية أبي بكرٍ، وحمزة، ويعقوب " نَاخِرَةً " بألف.
وقيل: إن الكسائي كان يقرأ (نَخِرَة) ، ثم رجع إلى (نَاخِرَةً) .
وقرأ الباقون (نَخِرَةً) .
قال أبو منصور: من قرأ (نَخِرَةً) فهو من نَخِرَ العَظْمُ يَنْخَرُ فهو نَخِر:
إذا رَمَّ وبَليَ، مثل: عَفِنَ فهو عَفِن.
ومن قرأ (نَاخِرَةً) فمعناها: العظام الفارغة، تقع فيها الرياح إذا هبتْ، فتَسمع لِهُبوب الريح فيها كالنخِير.
وقد يجوز أن يكون (نَاخِرَةً) و (نَخِرةً) بمعنى واحدٍ.
كما يقال: بَلِيَت العِظامُ فهى بالية.
وأختار (نَاخِرَة) ؛ لأنها تضَاهي (حَافِرَةِ) ، (سَاهِرَةِ) فى رءوس الآي.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إلَى أنْ تَزَكَّى) .

(3/119)


قرأ ابن كثير ونافع والحضرمي " إلى أن تَزَّكَّى " بتشديد الزاى.
وكذلك عباس عن أبي عمرو. وقرأ الباقون (إلَى أنْ تَزَكَى) خفيفة الزاى.
قال أبو منصور: من قرأ (تَزَّكَّى) بتشديد الزاى أراد: (تَتَزَكَّى) ، وأدغم
الثانية فى الزاى وشدّدها.
ومن قرأ (تَزَكَّى) فإنه حذف التاء الثانية، وبقيت
الزاي خفيفة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) .
روى عباس عن أبي عمرو، (مُنْذرٌ مَن يَخْشَاهَا) منونًا.
وقرأ الباقون (مُنْذِرُ مَنْ) مضافًا.
قال أبو منصور: من قرأ (مُنْذرٌ مَن) جعل (مَنْ) منصوبًا بِالفعل.
ومن قرأ (مُنْذِرُ مَنْ) بغير تنوين، جعل (مَنْ) فى موضع الخفض؛
لأنه مضاف إليه.
و (مُفْعِل) و (فَاعِل) إذا كان فى معنى الاستقبال أو الحال
نَونتهما؛ لأن التنوين يكون بدلاً من الفعل، والفعل لا يكون إلا نكرة.
وقد يجوز حذف التنوين على الاستخفاف، والمعنى ثبوته، ويكون (مَنْ)
فى موضع النصب على ما بَيَّنته.

(3/120)


سورة عَبَسَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
قرأ عاصِم وحده (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) ، نصبًا.
وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (فَتَنْفَعُهُ) ، بالرفع.
وقرأ سائر القراء بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (فَتَنْفَعَهُ) بالنصب فَعَلىَ جواب (لعلَّ) -
وأنشد الفراء:
عَلِّ صُروفِ الدَّهْرِ أَو دَوْلاتِها
يُدِلْنَنا اللَّمَّة من لَمَّاتِها
فتسْتَرِيحُ النفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَاْ
هكذ أنشده الفراء بالنصب، ومن قرأ (تنفَعُه) بالضم لم يجعله
جوابًا منصوبا لـ (لعلَّ) .
والقراءة المختارة الرفع؛ لاتفاق أكثر القراء عليه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
قرأ ابن كثير ونافع (فَأَنْتَ لَهُ تَصَّدَّى) ، بتشديد الصاد، وقرأ
الباقون (تَصَّدَّى) خفيفة.

(3/121)


قال أبو منصور: من شدد الصاد فلإدغام التاء فيها، كما قلت فى
(تَزَكى) .
ومن خفف الصاد فبحذف التاء الثانية.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) .
قرأ عاصم وحمزة والكسائي (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ) بفتح الألف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (إِنَّا) بكسر الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (إنَّا) فهو استئناف.
ومن قرأ (أَنَّا) فعلى البدل من الطعام. ويكون (أَنَّا) فى موضع خفض؛ لأنه بدل من الطعام ولَما اتصل به فى وسط الكلام صار مفتوحًا، كأنه قال: فَلْينظر الإنسان إلى أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ صبًّا.
ومعناه: فلينظر الإنسان إلى صَبِّنا الماءَ صَبًّا، فأقام (أَنَّا)
والفعل فى موضع المصدر.
* * *

(3/122)


سورة كُوِّرَتْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ (سُجِّرَتْ) و (نُشِرَتْ) و (سُعِّرَتْ) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو" سُجِرَتْ " و (سُعِرَتْ) مخففتين.
و (نُشِّرَتْ) مشددة.
وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم (سُجِّرَتْ) و (سُعِّرَتْ)
مشددتين.
و (نُشِرَتْ) خفيفة.
وروى يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (سُجِّرَتْ) مشددة
و (سُعِرَتْ) و (نُشِرَتْ) خفيفتين.
وقرأ حمزة والكسائي (سُجِّرَتْ) و (نُشِّرَتْ) مشددتين،
و (سُعِرَتْ) مخففة.
وقرأ يعقوب (سُجِرَتْ) ، و (نُشِرَتْ) مخففتين و (سُعِّرَتْ) مشددة.
قال أبو منصور: من شدَّد فللتكثير والتكرير.
ومن خفف فعلى الفعل الذي لا يتكثر.

(3/123)


ومعنى قوله: (سُجِّرَتْ) في قول بعضهم: مُلِئَتْ، ومثلها بحر
مسجور.
وَقيل: سُجِّرَتْ وفُجِّرت واحد، المعنى: البحار فُجِّرَت بعضها في
بعض.
وقيل (سُجِّرَتْ) أي: جُعِلتْ مِياهُها نيرانًا، يُعذب بها أهل النار.
وروى ذلك عن على وابن مسعود وغيرهما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ. (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) . و (نُشِّرَتْ)
أي: أعْطى كل إنسان كتابه منشورًا بيمينه أوْ بشِماله
على قَدْر عمله وجزائه.
* * *
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
و (سُعرَت) . أي: أوقدت
فالتهبت نيرانها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ (24) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمّى (بِظَنِينٍ) بالظاء.
وقرأ عاصم ونافع وحمزة وابن عامر " بِضَنِينٍ " بالضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (وَمَاهُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) فمعناه: ما هو
متهم، هو الثقة فيما أداه عن اللَّه.
والظَّنَّةُ: التهَمَة،
ومن قرأ (بضنِين) فمعناه: ما هو ببخيل على الغيب الذي يؤديه عن الله، وعلى تعليمه كتاب الله.
مأخوذ من: الضن، وهو: البخلُ.

(3/124)


وقال الفراء: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بَظنين) ، أى: بضعيف.
يقول: هو محتمل له.
قال: والعرب تقول للرجل الضعيف: هو ظَنُون.
قال وحمعت بعض قُضاعة يقول: ربما دَلكَ على الرأي الظنونُ.
يريد: الضعيف من الرجَال.
وهو كما يقال: مَاء شَرُوب، وشَريب.
وقُرُون الرجُل، وقَرِينه نفسه، وكذلك قرينته، وقَرُونَتُه.
* * *

(3/125)


سورة انْفَطَرَتْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (فَعَدَلَكَ) .
قرأ عاصم وحمزة والكسائي " فَعَدَلَكَ " مخففة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب " فَعَدَّلَكَ " مشددة.
قال أبو منصور: من قرأ (فَعَدَلَكَ) بالتخفيف جعل فيِ بمعنى (إلَى)
كأنه قال: (عَدَلَكَ) إلى أي صُورَةٍ شاءَ أن يُرَكبك فيها فرَكَبك.
وهذا قول الفرّاء.
وقال غيره: (فَعَدَلَكَ) ، أي: سَواك.
يقال: عَدَلْتُ القِدْح فاعْتدَل، إذا قومْتَه فاستقام.
ومنه قول الشاعرْ
وعَدَلْنا مَيْلَ بَدْرٍ فاعْتَدَل
ومن قرأ (فَعَدَّلَكَ) معناه: قَوَّمَكَ تقْويما حَسَنًا.
وتكون (ما) صلة، كأنه قال: سوَّاك فعدَّلَك.
ثم ابتدأ فقال: في أي صورة شاء أن يُرَكبَك رَكبَكَ،

(3/126)


إما طويلاً، وإما قصيرًا، وإما مُسْتَحْسَنًا، وإما غير ذلك.
ويجوز أن يكون (ما) بمعنى الشرط والجزاء.
فيكون المعنى: في أي صورة ما يشاء أن يركبَكَ فيها رَكَّبَك.
ويكون (شاء) بمعنى: يشاء.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (رَكَّبَكَ (8) كَلَّا) .
قرأ يعقوب الحضرمي " رَكَّبَك كَّلَّا " مدغمًا.
وكذلك أدغم الكاف في الكاف في (طه) : (نُسَبِّحَك كثيرًا. وَنَذْكُرَك كَثِيرًا) . وموضعٍا في (الروم) : (كَذَلِك كَّانُوا) في هذه الخمسة المواضع.
ويظهرها في غيرهن.
وروى خارجة عن نافع مثل ذلك. . " رَكَّبَك كَّلَّا " مدغمًا.
قال أبو منصور: القراءة بإظهار الكافَيْن؛ لأنهما من كلمتين، وهى أبْيَنُ
القراءتَيْن وأتَمُّهما وأعربُهما.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا) .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن أبي إسحاق والحضرميّ " يَوْمُ لاَ تَمْلِكُ "
رفعًا.
وقرأ الباقون (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالرفع (يَوْمُ) فعلى أن اليوم صفة لقوله:
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)
ويجوز أن يكون الرفع بإضمار (هو) ،

(3/127)


المعنى: هو يومُ لا تملك.
وأما من قرأ (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) فله وجهان:
أحدهما: أنه بُنيَ على الفتح، وهو في موضع الرفع؛ لأنه أضيف إلى غير
متمكن.
ولو كان مضافًا إلى اسم متمكن كان مرفوعًا، كقوله: (يَوْمُ الدِّين)
فأما قوله: (لاَ تَمْلِكُ) . فغير متمكن.
ومثله قول الشاعر:
لم يمنعِ الشُّربَ منها غيرَ أَنْ نطقَتْ ... حمامةٌ في غصونٍ ذاتِ أوقال
ثمار المقل، الواحد (وَقَل) .
فبنى (غير) على الفتح لما أضافها إلى (أنْ) ، وموضعها رفع.
قال ابن الأنباري: أئشدني أبو العباس:
مِنْ أيِّ يَوْمٍ مِنَ الْمَوْتِ أفِرّ ... يوْمَ لَمْ يقْدَرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ
فاليومان الثانيان مخفوضان على الترجمة عن اليومَيْن الأولَيْن، إلا أنهما نصبا
في اللفظ؛ لأنهما أضيفا إلى غير مَحْض.

(3/128)


قال: وجائز أن ينصب (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) بمعنى: هذه الأشياء المذكورة
تكون يوم لاتملك ننفس لنفس شيئًا.
فنصب (يَوْمَ) ها هنا بنزع الخافض.
أراد: تكون في يَوْمِ لا تملك نفس لنفس شيئا.
وقال ابن الأنباري: هو منصوب على المحل؛ كأنه قال: في يوم لا تملك.
* * *

(3/129)


سورة الْمُطَفِّفِينَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) .
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (كَلاَّ بَلْ رَانَ)
مدغمًا مفخمًا.
وقرأ حمزة والكسائي (كَلاَّ بَلْ رِانَ) بكسر الراء، وكذلك روى الأصمعي
عن أبي عمرو.
واختلفَ عن عاصم فروى حفص عنه " بَلْ " وقف على اللام،
ثم يبتدئ " رَانَ " بفتح الراء، وروى الأعشى عن أبي بكر " بَل رِّانَ " مدغما
بكسر الراء، مثل أبي عمرو، وروى يحيي عن أبي بكر عن عاصم " بَل رِّانَ "
بكسر الراء مثل حمزة.
قال أبو منصور: من قرأ بإظهار اللام فلأن اللام من كلمة والراء من أخرى.
ومن قرأ بالإدغام فلقرب مخرج اللام من مخرج الراء، مع غَلَبة الراء على
اللام.

(3/130)


ومن قرأ بالإمالة في الراء فلأن الراء مكسورة ومن آثر التفحيم فلأنها لغة أهل
الحجاز.
و (رَانَ) بمعنى غَطى على قلوبهم يقال: ران الذنبُ على قلبه يرنى
رينًا، إذا غَشيَ على قلبه والرنى الطبع يركب القلب.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) .
قرأ الحضرمي وحده " تُعْرَفُ فِي وُجُوهِهم نَضْرَةُ النَّعِيمِ " رفعًا.
وقرأ الباقون " تَعْرِفُ " بفتح التاء (نَضْرةَ النَّعِيمِ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (تُعْرَفُ) بضم التاء فـ (نَضْرَةُ) مرفوعة؛ لأنه
مفعول لم يسم فاعله.
ومن قرأ (تَعْرِفُ) بفتح التاء نصب (نَضْرةَ)
بـ (تَعرفُ) .
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (خِتَامُهُ مِسْكٌ (26) .
القراء اتفقوا على " خِتَامُهُ " بالألف بعد التاء، إلا الكسائي فإنه
قرأ (خَاتَمُه مِسْكٌ) .
وقد رُوِيَتْ هذه القراءة عن عليٍّ.
قال أبو منصور "المعنى في الخِتَام والخَاتَم واحد، معناهما: آخره، أي:
يجد شارِبُهُ منه ريح المِسْك حين يَنْزع الإناء من فِيهِ.
المعنى: أنهم إذا شربوا الرحِيق فَفنىَ ما فى الكأس وانقطع الشرَابُ انْخَتَم ذلك بطعم المِسْك ورائحته، وليس بين الخاتم والختام فَرْقٌ، غير أن الخاتم اسم، والخِتَام مصدر.

(3/131)


وقوله جلَّ وعزَّ: (انْقَلَبُوا فَاكِهِينَ (31) .
قرأ ابن عامر وحفص (انْقَكبوا فَكِهِينَ) بغير ألف.
وقرأ الباقون بألف (فَاكِهِينَ) .
وقد روى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر " فَاكِهِينَ "
بألف.
قال الفراء: من قرأ (فَكِهِينَ) أو (فَاكِهِينَ) فمعناهماواحد، بمنزلة
حَذِرِينَ، وحَاذِرِين.
وقال في كتاب المصادر: الفَكِهُ: الأشِرُ. والفَاكِهُ: من التفكه.
وقيل: فَكِهين: فَرِحِين. وفَاكِهِينَ: نَاعِمينَ.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ ثُوِّبَ (36) .
روى عن بن نصر عن أبي عمرو (هَلْ ثُّوِّبَ) مدغمًا مثل حمزة والكسائي،
وكذلك روى يونس بن حبيب عن أبي عمرو (هل ثوب) .
وقرأ الباقون (هَلْ ثُوِّبَ) بإظهار اللام.
قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرجى الحرفين.
ومن أظهر فلأنهما من كلمتين.
ومعنى: هل ثوب الكفار: هل جُوزُوا بِسُخْرِيتهِمْ من المؤمنين في
الدنيا جزاءهم.

(3/132)


وقال أبو إسحاق: من قرأ (فاكهين) فمعناه: مُعْجَبِينَ بما هم فيه.
ومن قرأ (فكهين) فمعناه: أشرين بطرين.
* * *

(3/133)


سورة انْشَقَّتْ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) .
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي (وَيُصَلَّى سَعِيرًا (12) بفتح الصاد،
وتشديد اللام، وضم الياء.
وقرأ الباقون (وَيَصْلَى سَعِيرًا) ساكنة الصاد، خفيفة اللام.
قال أبو منصور: من قرأ (وَيَصْلَى سَعِيرًا) فمعناه: أنه يقاسى حَرَّهَا.
مِنْ: صَلِيتُ النارَ، إذا قاسيت شدة حرها.
ومن قرأ (ويُصَلَّى سعيرَا)
فمعناه: أنه يُلْزَم عَذَابها بِشِدّة حَرِّها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) .
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء.
وقرأ الباقون (لَتَرْكَبُنَّ) بضم الباء.

(3/134)


قال أبو منصور: من قرأ (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء فمعناه: لَتَركبَنَّ يا محمد
(طبقًا عن طبق) أى طبقا من أطباق السماء.
ومن قرأ ((لَتَرْكَبُنَّ) بضم الباء فالخطاب للأمة يقول: (لَتَرْكَبُنَّ حالاً بعد حال حتى تصيروا إلى الله من إحياء وبعثٍ وإماتةٍ.
* * *

(3/135)


سورة الْبُرُوجِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّا: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) .
قرأ حمزة والكسائي " الْمَجِيدِ " خفضًا.
وقرأ الباقون (الْمَجِيدُ) رفعا.
قال أبو منصور: من قرأ بالخفض، جعله نعتًا للعرش.
و (الْمَجِيدِ) الكريم الشريف.
ومن قرأ بالرفع جعله نعتا للَّهِ ذي العرش.
واتفق القراء على قراءة (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) بفتح الواو.
وقيل أراد به: المصدر، أي ذات الاتقَاد، و (فَعُول) قُلمَا يجيء مصدرًا،
وجاء قَبول مصدرًا، والوَلُوعُ، والوَزُوغ.
* * *
قوله جلَّ وعزَّ: (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) .
قرأ نافع وحده (مَحْفُوظٌ) رفعًا.
وقرأ الباقون (مَحْفُوظٍ) خفضًا.

(3/136)


قال أبو منصور: من رفعه جعله من صفة القرآن، بل هو قرَان محفوط في
اللوح.
ومن قرأه (مَحْفُوظٍ) جعله نعْتًا لِلوْح.
* * *

(3/137)


سورة الطَّارِقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) .
قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم (لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) بالتشديد.
وقرأ الباقون: (لَمَا عَلَيْهَا) خفيفة.
قال أبو منصور: من قرأ (لَمَّا) مشددا فمعناه: (إلاَّ) بلغة هُذَيل.
و (إنْ) بمعنى: (مَا) الجَحْد.
المعنى: ما مِنْ نَفْس إلا علَيْها حافط.
والعرب تجعل (لَمَّا) مشذدة بمعنى (إِلا) في موضعين:
أحدهما: مع (إنْ) التى بمعنى (مَا) النَّفْى.
والآخر: في قولهم: سألتك لَمَّا فعَلْتَ كذا.
بمعنى: إلا فعلت.
ومن قرأ (لَمَا) خفيفة جعل (مَا) مؤكدة.
المعنى: إن كُل نَفْس لَعَلَيْهَا حافظ.
* * *

(3/138)


سورة الْأَعْلَى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) .
قرأ الكسائي وحده (وَالَّذِي قَدَرَ) خفيفة.
وقرأ الباقون بالتشديد.
قال أبو منصور: هما لغتان، يقال: قدَّر، وقَدَر.
ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: (فَقَدَرْنَا فَنِعْم القَادِرُونَ)
المعنى: فقدَّرنا فنعم المقدِّرون.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) .
قرأ أبو عمرو وحده " بَلْ يُوثِرُونَ " بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: الياء لِمَا غاب، والتاء للخطاب.
* * *

(3/139)


سورة الْغَاشِيَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) .
قرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، ويعقوب (تُصْلَى) بضم التاء.
وقرأ الباقون (تَصْلَى) بفتح التاء.
قال أبو منصور: من قرأ ((تَصْلَى) فمعناه: تلزم حر نارٍ حامية.
ومن قرأ (تُصْلَى) فمعناه -: تُلقَى في نارِ حامية - حتى يصلى حرّها، أي: يقاسي عذابها.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لَا يُسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً)
وقرأ نافع (لا تُسْمَعُ) بالتاء.
وقرأ الباقون (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً) .
قال أبو منصور: من قرأ (لاَ يُسْمَعُ) أو (لاَ تُسْمَعُ فِيهَا لاَغِية) رفعًا.
فعلى ما لم يسم فاعله.
وذكّرَ من قرأ بالياء؛ لأنه أراد باللاغية: اللغو.

(3/140)


ومن قرأ (لا تَسْمع فيها) بتاء مفتوحة، المعنى: لاتسمع أيها الناعم في الجنة لغوا، وهو: الباطل؛ لأن أهل الجنة أفضوا إلى دار الحق، فلا ينطق أهلها إلا بالحق.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) .
روى الفراء عن الكسائي بالسين.
وقرأ الباقون بالصاد.
وأشمها حمزة الزاي.
قال أبو منصور: وهي كلُّها لغات.
* * *

(3/141)


سورة وَالْفَجْرِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله جلَّ وعزَّ: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) .
قرأ حمزة والكسائي " والوِتْرِ " بكسر الواو.
وقرأ الباقون " الوَتْرِ " بفتح الواو.
قال أبو منصور: هما لغتان، يقال للفرد: وِتر، ووَتْر.
وكذلك الذُّحْل وِتر، ووَتر.
وقيل في التفسير: الشفع والوتر: إن الشفع يوم النَحْر، والوتْر يوم عرفة.
وقيل: الوَتر من أسماء الله، معناه: الواحد.
والشفع: الخَلْق خلقوا أزواجًا
وقيل: الأعداد كلها شفع ووِتْر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) .
قرأ ابن كثير ويعقوب (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي)
بياء في الوصل والوقف.
و"بالوادى " بياء في الوصل والوقف.
وقرأ الباقون " يَسْرِ " بغير ياء

(3/142)


في الوصل والوقف.
وقرأ نافع وأبو عمرو (يسرى) بياء في الوصل، والوقْفُ بغير ياء.
و (بالواد) بغير ياء في الوصل والوقف.
قال أبو منصور: من قرأ (يَسْر) بغير ياء فلأنه رأس آية وافَقتْ رُءوس
آيات بغير ياء، ودلت كسرة الراء على الياء.
ومن قرأ (يَسري) فلأنه الأصل.
واختير حَذْف الياء لأنها لم تثبت في المصحف.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (أَكْرَمَنِ) ، و (أَهَانَنِ) .
قرأ ابن كثير في رواية البرى (أكْرَمَني) و (أهَانَني) بياء في الوصل
والوقف.
وقرأ نافع (أكْرَمَني) و (أهَانَني) في الوصل بياء، وبغير ياء في الوقف.
وأما أبو عمرو فروى عنه اليزيدي وعبد الوارث أنه قال: ما أبالي قرأته بياء
أو بغير ياء في الوصل.
وأما في الوقف فعلىِ ما في الكتاب.
وقال أبو زيد وعباس: إنه كان يقف على (أكرَمَن) و (أهَانن) على النون. وقرأ يعقوب " أكْرمني) و (أهَانَني) بياء في الوصل والوقف.
وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف.

(3/143)


وفتح الياء من (ربيَ أكرمني) و (ربىَ أهانني) ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وأرسلها الباقون -
قال أبو منصور: من قرأ - (أكْرَمَني) و (أهَانَني) بالياء فهي ياء الإضافة.
ومن كسر النون مكتفيًا بكسرتهاعن الياء فهى لغة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ) (وَتَأْكُلُونَ) .
قرأ أبو عمرو ويغقوب (يُكْرِمُونَ) و (يَحُضُّونَ) و (يَأكُلُونَ)
و (يُحِبونَ) بالياء فيهن كلهن -
وقرأ الباقون بالتاء فيهن كُلهن، إلا أن ابن كثيرٍ ونافعًا وابن عامر قرَءُوا (تَحضون) - بفتح التاء، وضم الضاد -، بغير ألف.
وقرأ الكوفيون (تحَاضونَ) بفتح التاء، وألف بعد الحاء وقبل الضاد.
قال أبو منصور: من قرأها بالياء فللغيبة، ومن قرأها بالتاء فللمخاطبة.
ومن قرأ (لا تحاضون) فمعناه: لا يحضُّ بعضكم بعضًا على إطعام المسكين،
وكانوا يأكلون أموال اليتامى ظلمًا، فقال الله: (وَيَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) .
أي: ميراث اليتامى يلفَونه لفًّا.

(3/144)


وقوله جلَّ وعزَّء: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) .
قرأ ابن عامر وحده (فَقَدَّرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) بتشديد الدال.
وقرأ الباقون (فَقَدر) خفيفة.
قال أبو منصور: معنى (قَدَر) و (قَدَّر) ضيَّق وقتَّر.
قال الله: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي: ضُيِّق وقُتر.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) .
قرأ الكسائي والحضرمي (لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) .
وكذلك روى المفضل عن عاصم.
وقرأ الباقون " لَا يُعَذِّبُ. . . . وَلَا يُوثِقُ "
بالكسر.
قال أبو منصور: من قرأ بالفتح فالمعنى: لاَ يُعَذبُ عَذَاب هذا الكافر وعذاب
هذا الصنف من الكفار أحد، وكذلك لا يوثق وثاقه أحد.
ومن قرأ (لاَ يُعَذِّب. . . وَلاَ يُوثِقُ) فالمعنى لا يتولى يوم القيامة عذاب الله
أحد، الملك يومئذ للَّه.
وقيل: لا يعذب أحد في الدنيا كعذابه في الآخرة.
وحدثنا السعدي، قال: حدثنا القيراطي، قال: حدثنا على بن الحسين عن
أبيه عن يزيد النحوي، قال: كنت أعلم ولد الجنيد بن عبد الرحمن، وهو والٍ

(3/145)


على خراسان، فدخل عليه ابنه فقرأ عليه: (لاَ يُعَذِّب عذابه أحَدٌ) .
فقال: لَحَنْتَ يا غلام؟
فقال: هكذا علمنى مُعَلمي
قال: فدعاني فقلت: هكذا حدثني عكرمة عن ابن عباس.
قال علي بن الحسين بن واقد: من قرأ (لاَ يُعَذِّب) فمعناه: لا يعذب بعذاب
الله أحد.
ومن قرأ (لاَ يُعذَّب) فمعناه ما جاء في الحديث:
"أشَد الناس عذابًا من قتل نَبيًّا أو قتله نبِيٌّ".
قال: فيومئذ لا يعذب بعذاب هذا أحد في الدنيا
* * *

(3/146)