معاني القرآن للفراء

ومن سورة الأحقاف
قوله عزَّ وجلَّ: أَرَأَيْتُمْ «4» مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ثم قال: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا (4) ولم يقل: خلقت، ولا خلقن لأنَّه إنَّما أراد الأصنام، فجعل فعلهم كفعل النَّاس وأشباههم لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد «5» وتعظم كما تعظم «6» الأمراء وأشباههم، فذهب بها إلى مثل النَّاس.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْد اللَّه [بْن مَسْعُود] «7» : مَن تعبدون من دون اللَّه، فجعلها (مَن) ، فهذا تصريح بشبه النَّاس فِي الفعل وفي الاسم. وفي قراءة عَبْد اللَّه «8» : أريتكم، وعامة ما فِي قراءته من قول اللَّه أريت،
__________
(1) وردت فى ب، ح، ش «وأمّا» ، تحريف.
(2) سورة آل عمران الآية 106.
(3) سقط فى ب: «وقوله» .
(4) فى ش: أريتم.
(5) سقط فى ش: وتعتاد.
(6) سقط فى ح: كما تعظم.
(7) الزيادة من ب.
(8) فى ب: عند الله، هو تصحيف.

(3/49)


قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)

وأريتم فهي «1» فِي قراءة عَبْد اللَّه بالكاف، حَتَّى إن فِي قراءته: «أرَيتْك الَّذِي يُكذِّب بالدين» » .
وقوله: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (4) .
قرأها العوامّ: «أثارة» ، وقرأها بعضهم قَالَ: قَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن «3» فيما أعلم «4» و «أثْرةً» «5» خفيفة. وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء «أثَره» «6» . والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم، أَوْ شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قَرَأَ «أثارة» فهو كالمصدر مثل قولك «7» : السماحة، والشجاعة.
ومن قَرَأَ «أثَرة» فإنه بناه عَلَى الأثر، كما قيل: قَتَرة «8» .
ومن قَرَأَ «أَثْرة» كأن أراد «9» مثل قوله: «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ» «10» ، والرّجفة.
وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ (5) .
عنى «11» ب (من) الأصنام، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ما لا يستجيب لَهُ» ، فهذا مما ذكرت لَكَ فِي: من، وما.
وقوله: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (9) .
يَقُولُ: لم أكن أول من بُعث، قَدْ بعث قبلى أنبياء كثير «12» .
وقوله: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (9) .
نزلت فِي أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وذلك أنهم شكوا إِلَيْه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر
__________
(1) فى ا، ب وهى والتصحيح من ش.
(2) سورة الماعون الآية 1.
(3) فى ش قال: قرأها أبو عبد الرحمن، وفى ب وقرأها بعضهم قال: ولا أعلمه إلا أبا عبد الرحمن. [.....]
(4) ضرب على: فيما أعلم فى ب.
(5) فى ش أثرة.
(6) فى (ا) أثرة بسكون الثاء فى الأولى والثانية، تحريف.
(7) فى اقوله.
(8) القترة: الغبرة.
(9) فى ب، ش فكأنه أراد.
(10) سورة الصافات: 10.
(11) فى (ب) يعنى.
(12) (ب) كثيرة.

(3/50)


بقتالهم، فقال النبي صلّى الله عليه: إني قَدْ رَأَيْت فِي منامي أني أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فاستبشَروا بذلك، ثُمَّ إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا للنبى صلّى الله عليه:
ما نرى تأويل ما قلت، وَقَدِ اشتد علينا الأذى؟ فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» أَخرُج إلى الموضع الَّذِي أُريته فِي منامي أم لا؟ ثُمَّ قَالَ لهم: إنَّما هُوَ شيء أُريته فِي منامي، وما أتبع إلا ما يوحى إليَّ. يَقُولُ: لم يوح إليَّ ما أخبرتكم بِهِ، ولو كَانَ وحيا لم يقل صلّى الله عليه: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» .
وقوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ (10) .
شهد رَجُل من اليهود عَلَى مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام [175/ ب] من التصديق «1» بالنبي صلى الله عليه وأنَّه موصوف فِي التوراة، فآمن ذَلِكَ الرجل واستكبرتم.
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (11) .
لمّا أسلمت: مزينة، وجهينة، وأسلم، وغفَار، قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ، وأشجع وأسد: لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاة الْبَهْمِ. «2» ، فهذا تأويل قوله: «لَوْ كانَ خَيْراً مَا سَبَقُونا إِلَيْهِ» .
وقوله: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا (12) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: مصدق لما بين يديه لسانا عربيا، فنَصْبُه فِي قراءتنا عَلَى تأويل قراءة عَبْد اللَّه، أي هَذَا القرآن يصدق التوراة عربيًا مبينًا، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه يكون [نصبًا] «3» من مصدق. عَلَى ما فسرت لَكَ، ويكون قطعا من الهاء فى بين يديه.
وقوله عز وجل: لتنذر الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) .
البشرى: تكون رفعا ونصبًا، الرفع عَلَى: وهذا كتاب مصدق وبشرى، والنصب عَلَى «4» لتنذر الَّذِينَ ظلموا وتبشر، فإذا أسقطت تبشر، ووضعت فِي موضعه بشرى أو بشارة نصبت،
__________
(1) في ب، ح، ش للتصديق، وعبارة الأصول أقوم.
(2) فى (ا) ما سبقونا إليه رعاة إليهم، وإليهم تحريف، وفى ش ما سبقونا إليه رعاة البهم، والتصويب عن ب والبهم:
أولاد الضأن والمعز والبقر، جمع بهمة بفتح وسكون.
(3) زيادة من ب، ح، وفى ش يكون منصوبا.
(4) سقط فى (ا) لفظ على.

(3/51)


وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)

ومثله فِي الكلام: أعوذ بالله منك، وسقيا لفلان، كأنه قَالَ: وسقي اللَّه فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لَكَ وقضاء لحقك، معناه: لأزورك وأقضي حقك، فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.
وقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً (15) .
قرأها أهل الكوفة بالألف، وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون:
(حُسْنًا) «1» وكذلك هِيَ فِي مصاحفهم، ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (15) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: حتّى إِذَا استوى وبلغ أشده «2» وبلغ أربعين سنة، والمعنى فِيهِ، كالمعنى فِي قراءتنا لأنَّه جائز فِي العربية أن تقول: لمَّا ولد لَكَ وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة، وَيُقَال: إن الأشدها هنا هُوَ الأربعون «3» .
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد لَهُ فِي الأشد: ثلاث وثلاثون، وفي الاستواء: أربعون.
وسمعت أن الأشد فِي غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب لأن الأربعين أقرب فِي النسق إلى ثلاث وثلاثين ومنها إلى ثماني عشرة ألا ترى أنك تَقُولُ: أخذت عامة المال أَوْ كلَّه، فيكون أحسن من أن تَقُولُ: أخذت «4» أقلّ المال أَوْ كلّه. ومثله قوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ» «5» ، فبعض ذا قريب من بعض، فهذا سبيل كلام العرب [176/ ا] ، والثاني يعنى ثمانى عشرة، [و] «6» لو ضم إلى الأربعين كَانَ وجها.
وقوله: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (15) .
نزلت هَذِهِ الآية: فِي أَبِي بَكْر الصديق رحمه الله.
__________
(1) جاء فى الاتحاف (391) : واختلف فى حسنا، فعاصم وحمزة والكسائي وخلف: إحسانا، وافقهم الأعمش، والباقون بضم الحاء وسكون السين بلا همز ولا ألف (وانظر الطبري 26/ 10) . [.....]
(2) بلغ الرجل أشده إذا اكتهل (ابن سيده) ونقله اللسان.
(3) وقال الزجاج هو من نحو سبع عشرة إلى الأربعين، وقال مرة هو ما بين الثلاثين والأربعين (اللسان:
شدد) .
(4) فى ش أخذ.
(5) سورة المزمل الآية 20.
(6) فى ب: لو، سقط.

(3/52)


[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «1» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ «2» » إِلَى آخِرِ الآيَةِ «3» .
وقرأ يَحيى بْن وثاب، وذُكرت عنْ بعض أصحاب عَبْد اللَّه: «نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» بالنون. وقراءة «4» العوام: «يُتقبل «5» عَنْهُمْ أحسن ما عملوا ويُتجاوز عنْ سيئاتهم» بالياء وضمها «6» ، ولو قرئت «تُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ [أحسن ما عملوا] «7» وتُتجاوز» كان صوابا.
وقوله: وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي «8» (16) .
كقولك: وعدا صدقا، أضيف إلى نفسه، وما كَانَ من مصدر فِي معنى حقا فهو نصب معرفة كَانَ أَوْ نكرة، مثل قوله فِي يونس: «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» «9» .
وقوله: وَالَّذِي «10» قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما (17) .
ذُكِرَ أَنَّهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ هَذَا القول قبل أن يسلم: (أُفٍّ لكما) قذرا لكما «11» أتعدانني أن أخرج من القبر؟
واجتمعت القراء عَلَى (أخرج) بضم الألف لم يسم فاعله، وَلَوْ قرئت: أن أَخْرُجَ بفتح الألف كَانَ صوابًا.
وقوله: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ (17) .
__________
(1) الزيادة من ب.
(2) لم تثبت (أحسن) سقط فى ح، ش.
(3) فى ب: أولئك الذين نتقبل عنهم. إلى آخر الآية: أحسن.
(4) فى ب: وقرأه.
(5، 6) لم يثبت فى ح.
(7) التكملة من ب، ش.
(8) لم يثبت (الذي) فى غير ب.
(9) سورة يونس آية 4.
(10) لم يثبت (الذي) فى ا. [.....]
(11) الأف: الوسخ الذي حول الظفر، وقيل: الأفّ وسخ الأذن، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم استعمل ذلك عند كل شىء يضجر منه، ويتأذى به (اللسان: أفف) .

(3/53)


وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)

ويقولان: «وَيْلَكَ آمِنْ» . القول مضمر يعنى: أبابكر رحمه اللَّه وامرأته.
وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ «1» حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ (18) .
لم تنزل فى عبد الرحمن بْن أَبِي بَكْر، ولكن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: ابعثوا [لي] «2» جُدْعان بْن عَمْرو، وعثمان بْن عَمْرو- وهما من أجداده- حَتَّى أسألهما «3» عما يقول محمد صلّى الله عليه- أحق أم باطل؟ فأنزل اللَّه: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» . يعنى: جدعان، وعثمان.
وقوله: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ (20) قرأها الْأَعْمَش وعاصم ونافع الْمَدَنِيّ بغير استفهام، وقرأها الحسن وأبو جعفر المدني بالاستفهام:
«أَذْهَبْتُمْ» «4» ، والعرب تستفهم «5» «6» بالتوبيخ ولا تستفهم «7» فيقولون: ذَهَبْتَ ففعلت وفعلت «8» ، ويقولون: أذَهَبْتَ ففعلت وفعلت، وكلٌّ صواب «9» .
وقوله: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ (21) .
أحقاف الرمل، واحدها: حِقفٌ، والحِقفُ: الرملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.
وقوله: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ (21) .
قبله «10» ومن خلفه من بعده، وهى [176/ ب] فِي قراءة عَبْد اللَّه «من بين يديه ومن بعده» .
وقوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ (24) .
__________
(1) سقط لم يثبت فى (ا) .
(2) كذا فى (ا، ب) وفى ح، ش إلىّ.
(3) فى ب أسلهما، تحريف.
(4) فى ش أذهبتم، سقط.
(5) فى ش تستفتح، تحريف.
(6، 7) ساقط فى ح.
(8) سقطت فى ش: (وفعلت) .
(9) قرأ بالاستفهام الساقط أداته نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (الاتحاف 392) وقرأ قتادة ومجاهد وابن وثاب وأبو جعفر والأعرج وابن كثير بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر بهمزتين حققهما ابن ذكوان، وليّن الثانية هشام وابن كثير في رواية. (البحر المحيط 8/ 63) .
(10) كذا فى النسخ والأرجح أنها محرفة عن: (قوله) .

(3/54)


طمعوا أن يكون سحابَ مطرٍ، فقالوا: هَذَا الَّذِي وعدْتَنا، هَذَا والله الغيث والخير، قَالَ اللَّه قل لهم: بل هُوَ ما استعجلتم بِهِ من العذاب. وفي قراءة عَبْد اللَّه: قل [بل] «1» ما استعجلتم بِهِ هِيَ ريح فيها عذاب أليم. وهو، وَهي «2» فِي هَذَا الموضع بمنزلة قوله: «مِنْ مَنى تُمْنَى» وَ «يُمْنى» «3» .
من قَالَ: «هُوَ» . ذهب إلى العذاب، ومَن قَالَ: «هِيَ» ذهب إلى الريح.
وقوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ (25) .
قرأها الْأَعْمَش وَعاصم وَحمزة «لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» «4» .
قَالَ الفراء: وقرأها عليّ بْن أَبِي طالب، رحمه الله.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَسَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «لا تَرَى إلا مساكنهم» .
[حدثنا محمد قال] «6» حدثنا «7» الفراء قال و «8» حدثنى الكسائي عنْ قطر بْن خليفة عنْ مجاهد أَنَّهُ قَرَأَ: «فأصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم» . قَالَ: وَقرأ الحسنُ: «فأصبحوا لا تُرى إلا مساكنُهم» وفيه قبح فِي العربية لان العرب إِذَا جعلت فِعل المؤنث قبل إِلا ذَكَّروه، فقالوا:
لم يقم إلا جاريُتَك، وما قام إِلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إِلا جاريتك، وذلك أن المتروك أحد، فأحد إِذَا كانت لمؤنث أَوْ مذكر ففعلهما مذكر. ألا ترى أنك تَقُولُ: إن قام أحد منهن فاضرِبه، وَلا تقل: إن قامت إلا مستكرهَا، وَهو عَلَى ذَلِكَ جائز. قَالَ أنشدني المفضل:
ونارنا لم تر نارا مِثْلُها ... قَدْ عِلِمت ذاكَ معدً أكرما «9»
فأنث فعل (مثل) لأنه للنار، وأجود الكلام أن تقول: مارئى إلا مثلها.
__________
(1) سقط في ح، ش.
(2) فى ب، ح، ش: وهى وهو.
(3) سورة القيامة الآية 37.
(4) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول، مساكنهم بالرفع نائب فاعل، وافقهم الأعمش، وعن الحسن بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع، وعن المطوعى يرى كعاصم مسكنهم بالتوحيد والرفع. والباقون بفتح التاء، مساكنهم بالنصب مفعولا به. [.....]
(5، 6) الزيادة من ب.
(7، 8) ساقط فى ح، ش.
(9) انظر ابن عقيل 2/ 107.

(3/55)


فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)

وقوله: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ (26) .
يقول: فى الذي لم نمكنكم فيه، و (إن) . بمنزلة ما فِي الجحد.
وقوله: وَحاقَ بِهِمْ (26) .
وهو فِي كلام العرب: عَادَ عليهم، وَجاء فِي التفسير: أحاط بهم، ونزل بهم «1» .
وقوله: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) .
ويقرأ أَفَكُهُم، وأَفَكَهُم. «2» . فأمّا الإفك والَأفك فبمنزلة قولك: الحِذرُ وَالحذَر، والنِّجْس وَالنَّجَس. وأمَّا من قَالَ: أَفكَهُم فإنه يجعل الهاء وَالميم فِي موضع نصب يَقُولُ: ذَلِكَ صرفهم عَنِ الْإِيمَان «3» وكذبهم، كما قَالَ عزَّ وجلَّ: «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» «4» أي: يصرف عَنْهُ مَن صُرِف.
وقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ «5» بِقادِرٍ (33) .
دخلت الباء للم، والعرب تدخلها مَعَ الجحود إِذَا كانت رافعة لما قبلها، وَيدخلونها إِذَا وقع عليها فعل يحتاج «6» إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم [177/ ا] وَما كنت بقائم، فإذا خلَّفْتَ «7» الباء نصبت الَّذِي كانت فِيهِ «8» بما يعمل «9» فِيهِ من الفعل، ولو ألقيت الباء من قادر فِي هَذَا الموضع رفعه لأنه خبر لأن. قَالَ «10» وأنشدنى بعضهم:
__________
(1) نقل اللسان عن الفراء فى قوله عز وجل: «وَحاقَ بِهِمْ» : فى كلام العرب: عاد عليهم ما استهزءوا به.
(2) قرأ الجمهور: إفكهم، وابن عباس فى رواية بفتح الهمزة، وقرأ ابن عباس أيضا، وابن الزبير وأبو عياض وعكرمة ومجاهد أفكهم بثلاث فتحات أي صرفهم. وأبو عياض وعكرمة أيضا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير.
وابن الزبير أيضا، وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه آفكهم أي جعلهم يأفكون (البحر المحيط 8/ 66) .
(3) فى ح، ش عن الإسلام
(4) سورة الذاريات: 9.
(5) «وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ» لم يثبت فى جميع النسخ، والتصويب من المصحف.
(6) فى ش محتاج.
(7) هكذا وردت فى (ب) ، وفى (ا) جعلت، وفى ح أخلعت وفى ش خلعت.
(8) سقط فى ش.
(9) فى ب مما يعمل.
(10) لم تثبت فى ش.

(3/56)


فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)

فما رَجعت بخائبةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المسيِّب مُنتهاها «1»
فأدخل الباء فِي فعلٍ لو ألقيت مِنْهُ نصب بالفعل لا بالباء يقاس عَلَى هَذَا وَما أشبهه.
وَقَدْ ذكر عنْ بعض القراء أنه قرأ: (يقدر) «2» مكان (بقادر) : كما قَرَأَ حمزة: «وَما أنتَ تهدي العمى» «3» . وَقراءة العوام: «بِهادِي الْعُمْيِ» .
وقوله: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ (34) .
فِيهِ قول مضمر يُقال: أليس هَذَا بالحق بلاغٌ، أي: هَذَا بلاغ رفع بالاستئناف.

ومن سورة محمّد صلّى الله عليه وسلم
قوله عز وجل: فَضَرْبَ الرِّقابِ (4) .
نصب عَلَى الأمر، وَالذي نصب بِهِ مضمر، وَكذلك كل أمر أظهرتَ فِيهِ الأسماء، وَتركت الأفعال فانصب فِيهِ الأسماء، وَذكر: أَنَّهُ أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال «4» .
وقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ «5» وَإِمَّا فِداءً (4) .
مَنْصُوب «6» أيضًا عَلَى فعل مضمر، فإمّا أن تمنُّوا، وَإما أن تفدوا «7» فالمن: أن تترك الأسير بغير فداء، وَالفداء: أن يفديَ «8» المأسورُ نفسه.
وقوله: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (4) .
آثامها «9» وَشركها حَتَّى لا يبقى إِلّا مُسْلِم، أَوْ مسالم. وَالهاء التي فِي أوزارها تكون للحرب
__________
(1) انظر مغنى اللبيب 1: 94. [.....]
(2) قرأ يعقوب: يقدر بياء مثناة تحت مفتوحة، وإسكان القاف بلا ألف (الاتحاف 392) .
(3) سورة النمل الآية 81 وسورة الروم 53 وانظر الاتحاف 339.
(4) فى ب، ج، ش القتال.
(5) فى ح: مناو إما، سقط.
(6) فى ش فمنصوب.
(7، 8) سقط فى ح.
(9) فى (ا) أثاما وفى (ش) أثامها وكل تحريف.

(3/57)


وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)

وَأنت تعني: أوزار أهلها، وَتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حَتَّى تنفي الحرب أوزار المشركين.
وقوله: ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ (4) بملائكة غيركم، وَيُقَال: بغير قتال، ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكافر بالمؤمن.
وقوله: والذين قَاتَلُوا فِي سبيل اللهِ (4) قرأها الْأَعْمَش وعاصم وزيد بن ثابت «1» [حدثنا محمد] «2» حدثنا الفراء قال: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ [عَطَاءٍ عَنْ أَبِي] «3» عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: قَاتَلُوا «4» ، وَقَرَأَهَا الْحَسَنُ: قُتِّلُوا «5» مُشَدَّدَةً، وَقَدْ خَفَّفَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قُتِلُوا مُخَفَّفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ «6» صَوَابٌ.
وقوله: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) يعرفون منازلهم إِذَا دخلوها، حَتَّى يكون أحدهم أعرف بمنزلة فِي الجنة مِنْهُ بمنزله إِذَا رجع من الجمعة.
وقوله: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) كأنه قَالَ: فأتعسهم اللَّه وأضل أعمالهم لأنّ الدعاء قَدْ يجري مجرى الأمر والنهي، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة عَلَى التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله: «حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا» مردودة [177/ ب] على أمر مضمر ناصب لضرب «7» الرقاب.
__________
(1) قرأ الجمهور قاتلوا بفتح القاف والتاء بغير ألف، وقتادة والأعرج والأعمش وأبو عمرو وحفص:
قتلوا مبنيا للمفعول، والتاء خفيفة، وزيد بن ثابت والحسن وأبو رجاء وعيسى والجحدري أيضا كذلك (البحر المحيط 8/ 75) .
وعن الحسن بفتح القاف وتشديد التاء بلا ألف (قتّلوا) الاتحاف 393.
(2) الزيادة من ب.
(3) كذا فى ب وفى (ح) عن عطاء عن عبد الرحمن، وفى (ش) عن عطاء بن أبى عبد الرحمن.
(4) لم يثبت فى ش: (قاتلوا) .
(5) فى ح، ش: والذين قتّلوا.
(6) لم يثبت فى ح، ش: ذلك.
(7) فى ش بضرب، تحريف. [.....]

(3/58)


وقوله: كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ (9) كرهوا القرآن وسخطوه.
وقوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) يَقُولُ: لأهل مكَّة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود «1» وعيدٌ من الله.
وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا (11) يريد: وَلِيّ الَّذِينَ آمنوا، وكذلك هِيَ فِي قراءة عَبْد اللَّه «ذَلِكَ بأن اللَّه ولِيّ الَّذِينَ آمنوا» وهي مثل التي «2» فِي المائدة فى قراءتنا: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» «3» ، ومعناهما واحد، والله أعلم.
وقوله: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) .
ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التي فِي (لهم) كَانَ وجها.
وقوله: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ (13) .
يريد: التي أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كَانَ من قريتك التي أخرجوك كَانَ وجها، كما قال:
«فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ «4» » ، فَقَالَ: (قائلون) ، وفي أول الكلمة: (فجاءها) .
وقوله: فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) .
جاء فِي التفسير: فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وَقَدْ يجوز إضمار كَانَ، وإن كنت قَدْ نصبت الناصر بالتبرية، ويكون: أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب اللَّه.
وقوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) ولم يقل: واتبع هواه، وذلك أنّ من تكون فِي معنى واحد وجميع، فرُدّت أهواؤهم عَلَى المعنى، ومثله: «وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ» «5» ، وفي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» «6» ، وَفِي موضع آخر: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ» «7» .
__________
(1) فى ب وعادا وثمودا.
(2) فى (ا) وهى التي
(3) لم يثبت في ح، ش: (ورسوله) ، والآية فى سورة المائدة: 55، وكرر فى قراءة عبد الله السابقة، ولم تثبت فى ب، ح، ش.
(4) سورة الأعراف: 4.
(5) سورة الأنبياء الآية 82.
(6) سورة الأنعام الآية 25.
(7) سورة يونس الآية 42.

(3/59)


وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (15) .
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ:] «1» حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ:
مثل «2» الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قَالَ ابْنُ عباس: وكذلك قرأها عليّ بْن أَبِي طَالِب: أمثال.
وقوله: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ (15) .
غير متغير، غير آجن.
وقوله: وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ (15) لم يخرج من ضروع الإبل ولا الغنم برغوته.
وقوله «3» : وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (15) .
اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للَأنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها عَلَى يتلذذ بها لذة، كما تَقُولُ: هَذَا لَكَ هبةً وشبهه، ثُمَّ قَالَ: «كَمَنْ هُوَ خالِدٌ» لم يقل:
أمن كَانَ فِي هَذَا كَمَن هُوَ خَالِد فِي النار؟ ولكنه فِيهِ ذلك المعنى فَبُني عَلَيْهِ.
وقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ (16) .
يعنى خطبتك فى الجمعة [178/ ا] فلا يستمعون ولا يعون [حَتَّى] «4» إِذَا انصرفوا، وخرج النَّاس قَالُوا للمسلمين: مَاذَا قَالَ آنِفًا، يعنون النبي صلّى الله عليه استهزاءً منهم.
قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: «أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ» «5» .
__________
(1) الزيادة من ح، ش.
(2) جاء فى اللسان مادة مثل: قال ابن سيده: وقوله عز من قائل «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» قال الليث:
مثلها هو الخبر عنها وقال أبو اسحق: معناه صفة الجنة، وردّ ذلك أبو على قال: لأن المثل الصفة غير معروف في كلام العرب، إنما معناه التمثيل ... وقال المبرد فى المقتضب فى قوله: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» التقدير: فيما يتلى عليكم مثل الجنة ثم فيها وفيها: قال: ومن قال إن معناه صفة الجنة فقد أخطأ لأن (مثل) لا يوضع فى موضع صفة.
وانظر المقتضب 3/ 225.
(3) سقط فى ب.
(4) زيادة من ب، وش تستقيم بها العبارة.
(5) سورة النحل 108 ومحمد 16.

(3/60)


وقوله وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (17) .
زادهم «1» استهزاؤهم هدى، وآتاهم اللَّه تقواهم، يُقال: أثابهم ثواب تقواهم، وَيُقَال: ألهمهم تقواهم، وَيُقَال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إِذَا نزل الناسخ.
وقوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها (18) .
(أن) مفتوحة فى القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وحدثني أَبُو جَعْفَر الرؤاسي قَالَ: قلت لأبي عَمْرو بْن العلاء: ما هَذِهِ الفاء التي فى قوله: «فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها» ؟ قَالَ: جواب للجزاء.
قَالَ: قلت: أَنْها (أَنْ تأتيهم) مفتوحة؟ قَالَ: فَقَالَ: مُعَاذِ اللَّه إنَّما هِيَ (إِنْ تَأْتِهِمْ) . قَالَ الفراء:
فظننت أَنَّهُ أخذها عنْ أهل مكَّة لأنَّه عليهم قَرَأَ، وهي أيضًا فِي بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة «2» ، ولم يقرأ بها «3» أحد منهم، وهو من المكرّر: هَلْ ينظرون إلا الساعة، هَلْ ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. والدليل عَلَى ذَلِكَ أن التي فِي الزخرف فِي قراءة عَبْد اللَّه: «هَلْ يَنْظُرونَ إِلّا أنْ تَأْتيهم الساعةُ» «4» ومثله: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ» «5» لولا أن تطَئوهم فإن فِي موضع رفع عند الفتح، وأن فى الزخرف- وهاهنا نصب «6» مردودة عَلَى الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيًا، ثُمَّ تبتدئ: إن تأتهم، وتجيئها بالفاء عَلَى الجزاء، «7» والجزم جائز «8» .
وقوله: فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) .
«ذكراهم» فِي موضع رفع بلهم، والمعنى: فإني «9» لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله:
«يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى» «10» أي: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته.
__________
(1) كذا فى النسخ، وأراها تحريف (اهتداؤهم) .
(2) كذا فى جميع النسخ وقد تكون بسنة. [.....]
(3) فى (ح) ولم يقرأها.
(4) الزخرف الآية 66.
(5) سورة الفتح الآية 25.
(6) فى ب كتب فوق قوله هاهنا نصب: مردودة يعنى فى سورة محمد صلّى الله عليه.
(7، 8) ساقط فى ح، ش.
(9) فى ش: فأين.
(10) سورة الفجر الآية 23.

(3/61)


وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)

وقوله: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ (20) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كَانَ المسلمون إِذَا نزلت الآية فيها القتال. وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: «لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ «1» » (13) أي هلّا أنزلت سوى هَذِهِ، فإذا نزلت «2» وَقَدْ أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قَالَ اللَّه: (فأولى لهم) لمن كرهها، ثُمَّ وصف قولهم قبل أن تنزَّل: سَمِعَ وطاعة، قَدْ يقولون: سَمِعَ وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه «3» ، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لكان خيرا لهم، فالطاعة مرفوعة فِي كلام العرب إِذَا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أَوْ لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» : حدثنا الفراء قال: أخبرني حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ:
قَالَ اللَّه عزَّ وجل: (فأولى) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ للذِين آمنوا مِنْهم طَاعَةٌ وقول معروف، فصارت:
فأولى وعيدًا لمن كرهها، واستأنف الطاعة بلهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هَذَا غير مردود.
وقوله: [178/ ب] فَهَلْ عَسَيْتُمْ (22) .
قرأها العوام بنصب السين «5» ، وقرأها نافع الْمَدَنِيّ: فهل عَسِيتُم، بكسر السين «6» ، ولو كانت كذلك لقال: عَسى [فِي موضع عسى] . «7» ولعلها لغة نادرة، وربما اجترأت العرب عَلَى تغيير بعض اللغة إِذَا كَانَ الفعل لا يناله قَدْ. قَالُوا: لُسْتُم يُريدون «8» لستُمِ، ثُمَّ يقولون: لَيْسَ وَلَيْسُوا سواء، لأنَّه فعل لا يتصرف ليس لَهُ يفعل «9» وكذلك «10» عسى ليس لَهُ يفعل «11» فلعله اجترى عَلَيْهِ كما اجترى عَلَى لستم.
__________
(1) فى جميع النسخ: لولا أنزلت، وهى فى المصحف، كما أثبتناها، ولم نعثر على قراءة فيها (أنزلت) .
(2) فى ش: فإذا أنزلت.
(3) فى (ا) فإذا نزلت الأمر كرهوها، والتصويب من ب، ح، ش.
(4) الزيادة من ش.
(5) انظر الاتحاف ص 394 وتفسير الطبري ح 6 ص 33.
(6) وجّه أبو على الفارسي قراءة نافع: فهل عسيتم بكسر السين قال: لأنهم قد قالوا: هو عس بذلك، وما اعساه، وأعس به، فقوله: عس يقوى عسيتم، ألا ترى أن عس كحر وشج، وقد جاء فعل وفعل فى نحو: وترى الزند، وورى، فكذلك عسيتم وعسيتم. لسان العرب مادة عسى.
(7) التكملة من ب، ح، ش. [.....]
(8) فى (ا) تريدون.
(9) لم يثبت فى ح، ش: ليس له يفعل.
(10، 11) من ب، ح، ش.

(3/62)


إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)

وقوله: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ» ... إن توليتم أمور النَّاس أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَتُقَطِّعُوا أرحامكم، وَيُقَال: ولعلكم «1» إن انصرفتم عنْ مُحَمَّد صَلَّى الله عليه، وتوليتم عَنْهُ أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد.
وقوله: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ (25) .
زين لهم وأملي لهم اللَّه، وكذلك قرأها الْأَعْمَش وعاصم، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُود وزيد بْن ثابت (رحمهم اللَّه) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذُكر عنْ مجاهد أَنَّهُ قرأها: (وَأُمْلَى لهم) مرسلة الياء، يخبر اللَّه جل وعز عنْ نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأُملى لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلا لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب «2» .
وقوله: إِسْرارَهُمْ (26) .
قرأها النَّاس: أَسرارهم: جمع سر، وقرأها يَحيى بْن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي «3» ، وهو مصدر، ومثله: «وَأَدْبارَ السُّجُودِ» «4» .
وقوله: أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) يقول: أن لن يبدى الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه.
وقوله: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ (30) .
يريد: لعرفناكهم، تقول «5» للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» ، فِي نحو القول، وفي معنى القول.
وقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (35)
__________
(1) فى ح، ش فلعلكم.
(2) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394 وفى البحر المحيط: 8/ 83:
(3) انظر الطبري 26- 34 والاتحاف 394، وقد قرأ الجمهور بفتح الهمزة وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وحفص بكسرها، وهو مصدر قالوا ذلك سرا فيما بينهم، وأفشاه الله عليهم.
(4) سورة ق الآية 40، وكرر فى ب، ش: وأدبار السجود.
(5) فى ب، ش. وأنت تقول ...

(3/63)


إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)

كلاهما مجزومتان «1» بالنهى: لا تهنوا ولا تدعوا، وَقَدْ يكون منصوبًا عَلَى الصرف يَقُولُ:
لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم.
وقوله: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) .
من وترت الرجل إِذَا قتلت «2» لَهُ قتيلًا، أَوْ أخذت «3» لَهُ مالًا فقد وترته. وجاء فِي الحديث:
(من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله «4» ) «5» قَالَ الفراء، وبعض الفقهاء يَقُولُ: أوتر، والصواب وتر «6» .
وقوله: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ (37) .
أي يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذَلِكَ البخل «7» عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم. «8» أحفيت الرجل: أجهدته «9» .